استدراكات البعث والنّشور

أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي

استدراكات البعث والنّشور

المؤلف:

أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
المطبعة: دار الفكر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥١

[١٣١] ـ عبد الرحمن بن ميسرة ، عن أبي هانئ الخولاني ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو قال تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية ( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ ) (١) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كيف بكم إذا جمعكم الله كما يجمع النبل في الكنانة خمسين ألف سنة ، لا ينظر الله إليكم » (٢).

[١٣٢] ـ أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي وأبو سعيد بن أبي عمرو ،

__________________

فيحتمل أن يكون المعنى أنها تنزل من السماء إلى الأرض ، ثم تعرج من الأرض إلى السماء في يومها ، فتقطع ما لو احتاج الناس إلى قطعها من المسافة لم يقطعوها إلا في ألف سنة مما تعدون ، وينزل من عند العرش إلى الأرض ثم يعرج منها إليها من يومها ، ولو احتاج الناس إلى قطع هذا المقدار من المسافة لم يقطعوها إلا في خمسين ألف سنة مما تعدون ، وليس هذا من تقدير يوم القيامة بسبيل ، وإنما هو من صلة قوله : ( ذِي الْمَعارِجِ ) وقوله : ( إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً ). عاد إلى ذكر العذاب الذي وصفه في أول السورة ، وأكّد هذا ما حكي عن وهب بن منبّه أنه قال : إن ما بين الأرض والعرش خمسين ألف سنة من أيامنا وشهورنا وسنينا.

قال : ويمكن أن يقال : إن الملائكة كانت تستطيع قبل يوم القيامة أن تنزل إلى الأرض من أعلى مقام لهم في السموات وفوقها ، ثم تعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة ، فأما يوم القيامة فلا تستطيع ذلك ، إما لأن السموات إذا طويت لم يكن لهم يومئذ مصعد يقرون فيه ، وإما لما يشاهدون من عظمة الله وشدّة عظمة ذلك اليوم على أهل العناد من عباده ، فيفتر قواهم فيحتاجون إلى العروج إلى مدة أطول مما كانوا يحتاجون إليه من قبله ، فقدّر الله ذلك بخمسين ألف سنة على معنى أن غيرهم لو قطعها لم يقطعها إلا في خمسين ألف سنة ، وهكذا كما جاءت به الأخبار من أن العرش على كواهل أربعة من الملائكة ، ثم أخبر الله عزّ وجل أنهم يكونون يوم القيامة ثمانية. ويشبه أن يكون ذلك لما يفتر قواهم يومئذ إلى ما ذكرنا فيؤيدون بغيرهم ، والله أعلم بجميع ذلك نسأل الله خير ذلك اليوم ونعوذ به من شرّ ذلك اليوم.

[١٣١] الدرّ المنثور ( ٨ / ٤٤٢ ). البدور السافرة ص ـ ٢٤. إتحاف السادة المتّقين ( ٢ / ٤٥٩ ).

(١) المطفّفين : ٦.

(٢) أخرجه الحاكم في المستدرك ( ٤ / ٥٧٢ ) وصحّحه ووافقه الذهبي قال الحاكم : أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنبأ ابن وهب أخبرني عبد الرحمن بن ميسرة ، فيحتمل أن البيهقي أخرجه من هذه الطريق.

وأخرجه يعقوب بن سفيان قال : حدّثنا حرملة بن يحيى ، حدّثنا ابن وهب كما في نهاية البداية والنهاية فإن كان البيهقي أخرجه من طريقه فيكون السند والله أعلم : أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطّان ، أنبأ عبد الله بن جعفر حدثنا يعقوب بن سفيان.

وأخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد ( ٧ / ١٣٥ ) قال الهيثمي : ورجاله ثقات.

وأخرجه الوائلي من حديث ابن وهب كما في التذكرة ص ـ ٢٨٩ وقال : غريب جيد الإسناد.

وأخرجه أبو الشيخ وابن مردويه أيضا كما في الدرّ.

[١٣٢] نهاية البداية والنهاية ( ١ / ٣٢٢ ). مشكاة المصابيح ( ٢ / ١٥٤٤ ).

٨١

قالا : حدّثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدّثنا محمد بن إسحاق الصغاني ، حدّثنا أبو سلمة الخزاعي ، حدّثنا خلاّد بن سليمان الحضرمي ـ وكان رجلا من الخائفين ـ قال : سمعت درّاجا أبا السمح يخبر من يحدّثه عن أبي سعيد الخدري أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أخبرني من يقوى على القيام يوم القيامة الذي قال الله : ( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ ) فقال صلى الله عليه وسلم : « يخفّف على المؤمن حتى يكون كالصلاة المكتوبة ».

[١٣٣] ـ عن قتادة في قوله : ( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ ) قال : بلغنا أن كعبا كان يقول : يقومون مقدار ثلاثمائة عام (١).

[١٣٤] ـ عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « تمكثون ألف عام في الظلمة يوم القيامة لا تكلمون ».

[١٣٥] ـ وفيما ذكر حماد بن زيد ، عن أيوب ، قال : قال الحسن : ما ظنك بيوم قاموا فيه على أقدامهم خمسين ألف سنة لم يأكلوا فيها أكلة ، ولم يشربوا فيها شربة ، حتى تقطعت أعناقهم عطشا واحترقت أجوافهم جوعا ، ثم انصرف بهم بعد ذلك إلى النار فسقوا من عين آنية قد أنى حرّها واشتد نضجها؟

[١٣٦] ـ عن عبد الله بن مسعود رضي‌الله‌عنه قال : إذا حشر الناس قاموا أربعين عاما شاخصة أبصارهم إلى السماء لا يكلّمهم ، والشمس على رءوسهم ، حتى يلجم العرق كل برّ منهم وفاجر (٢).

__________________

[١٣٣] البدور السافرة ص ـ ٢٥.

(١) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره ( ٣٠ / ٥٩ ) من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.

أخرجه ابن المنذر عن كعب كما في الدرّ المنثور ( ٨ / ٤٤٣ ).

وأخرجه عبد بن حميد عن قتادة أيضا كما في الدرّ.

[١٣٤] البدور السافرة ص ـ ٢٤.

[١٣٥] نهاية البداية والنهاية ( ١ / ٣٢٣ ).

[١٣٦] فتح الباري ( ١١ / ٣٧٨ ). الدرّ المنثور ( ٨ / ٤٤٢ ).

(١) قلت : هذا موقوف يخالف بقوله : حتى يلجم العرق كل برّ منهم وفاجر ، قول الله تعالى في القرآن الكريم : ( لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ ) وما مرّ من الأحاديث الصحاح من أن يوم القيامة يكون على الأتقياء كقدر

٨٢

[١٣٧] ـ عن زائدة ، عن الأعمش ، عن خيثمة ، عن عبد الله بن مسعود قال : الأرض يوم القيامة نار كلها ، والجنة من ورائها يرى كواعبها وأكوابها ، فيعرق الراجل حتى يسيل عرقه في الأرض قدر قامته ، ثم يرتفع حتى يبلغ أنفه وما مسّه الحساب (١).

[١٣٨] ـ عن زائدة ، عن إبراهيم الهجري ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود قال : إن الكافر ليلجم بعرقه يوم القيامة من طول ذلك اليوم ، حتى يقول : يا رب أرحني ولو إلى النار (٢).

[١٣٩] ـ عن الأعمش ، عن أبي ظبيان ، عن أبي موسى الأشعري قال : الشمس فوق رءوس الناس يوم القيامة ، وأعمالهم تظلّهم (٣).

__________________

الصلاة المكتوبة وما سيأتي أن الأتقياء يكونون كاسين طاعمين راكبين.

قال القرطبي في التذكرة ص ـ ٢٩٠ : ظاهر ما رواه ابن المبارك عن سلمان : أن الشمس لا يضرّ حرّها مؤمن ولا مؤمنة. العموم في المؤمنين وليس كذلك ، وإنما المراد لا يضرّ حرّها مؤمنا كامل الإيمان ، أو من استظلّ بظل عرش الرحمن.

قال الحافظ في الفتح : وأصله في النسائي.

[١٣٧] فتح الباري ( ١١ / ٣٣٢ ). البدور السافرة ص ـ ٢٥.

(١) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ( ٩ / ١٦٨ ) قال الهيثمي في مجمع الزوائد ( ١٠ / ٣٣٦ ) : رواه الطبراني موقوفا ورجاله رجال الصحيح.

[١٣٨] البدور السافرة ص ـ ٢٤.

(١) أخرجه الطبراني في الكبير ( ٩ / ١٧٠ ). قال الهيثمي ( ١٠ / ٣٣٦ ) : رواه الطبراني في الكبير بإسنادين ورواه في الأوسط ، ورجال الكبير رجال الصحيح.

وأخرجه ابن حبّان في صحيحه مرفوعا ( ٩ / ٢١٦ ) كتاب إخباره صلى الله عليه وسلم عن البعث وأحوال الناس في ذلك اليوم ، ذكر الأخبار عن وصف طلب الكافر الراحة في ذلك اليوم مما يقاسي من ألم عرقه.

وكذلك أخرجه مرفوعا الطبراني ( ١٠ / ١٢٢ ـ ١٢٣ ).

وأخرجه مرفوعا أيضا أبو يعلى في مسنده ( ٨ / ٣٩٨ ).

[١٣٩] فتح الباري ( ١١ / ٣٣٢ ). البدور السافرة ص ـ ٢٧.

(١) أخرجه ابن المبارك في الزهد ص ـ ٤٦٧ من طريق عيسى بن يونس عن الأعمش.

وأخرجه أبو نعيم في الحلية ( ١ / ٢٦١ ) من طريق أبي معاوية عن الأعمش.

وأخرجه هنّاد بن السري أيضا كما في البدور السافرة.

قال الحافظ في الفتح : البيهقي في البعث بسند قوي.

٨٣

[١٤٠] ـ عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « يشتد كرب ذلك اليوم حتى يلجم الكافر العرق » ، قيل له : فأين المؤمنون؟ قال : « على كراسي من ذهب ، ويظلّ عليهم الغمام ».

[١٤١] ـ عن عمرو بن الحارث ، عن أبي عشانة المعافري ، أنه سمع عقبة ابن عامر يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « تدنو الشمس من الأرض يوم القيامة فيعرق الناس ، فمن الناس من يبلغ عرقه عقبيه ، ومنهم من يبلغ نصف ساقيه ، ومنهم من يبلغ خاصرته ، ومنهم من يبلغ منكبيه ، ومنهم من يبلغ عنقه ، ومنهم من يبلغ وسط فيه ، ومنهم من يغطيه عرقه » (١).

[١٤٢] ـ أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي وأبو سعيد محمد بن موسى قالا حدّثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدّثنا العباس بن محمد الدوري ، حدّثنا مالك بن إسماعيل ، حدّثنا عبد السلام بن حرب ، عن أبي خالد الدالاني عن المنهال بن عمرو ، عن عبد الله بن الحارث عن أبي هريرة قال : يحشر الناس حفاة عراة غرلا قياما أربعين سنة شاخصة أبصارهم إلى السماء ، قال فيلجمهم العرق من شدة الكرب (٢) ، ثم يقال : اكسوا (٣) إبراهيم ، فيعطى قبطيتين من قباطي

__________________

[١٤٠] فتح الباري ( ١١ / ٣٣٢ ). البدور السافرة ص ـ ٢٥. قال الحافظ في الفتح : البيهقي بسند حسن عنه ـ أي عن ابن عمرو ـ

[١٤١] البدور السافرة ص ـ ٢٥.

(١) أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ( ٤ / ١٥٧ ) من طريق ابن لهيعة عن أبي عشانة.

وأخرجه الحاكم في المستدرك ( ٤ / ٥٧١ ) من طريق عمرو بن الحارث عن أبي عشانة. وصححه ووافقه الذهبي.

وأخرجه ابن حبّان في صحيحه ( ٩ / ٢١٤ ). كتاب إخباره صلى الله عليه وسلم عن البعث وأحوال الناس في ذلك اليوم : ذكر الأخبار عن وصف تباين الناس في العرق يوم القيامة.

وأخرجه الطبراني في الكبير ( ١٧ / ٣٠٢ ـ ٣٠٦ ) من طريقين الأول من طريق عمرو بن الحارث والثاني من طريق ابن لهيعة. قال الهيثمي ( ١٠ / ٣٣٥ ) رواه أحمد والطبراني وإسناد الطبراني جيد.

[١٤٢] نهاية البداية والنهاية ( ١ / ٢٨٤ ـ ٢٨٥ ). فتح الباري ( ١١ / ٣٣٢ ). إتحاف السادة المتّقين ( ١٠ / ٤٥٨ ).

البدور السافرة ص ـ ٢٤.

(١) قلت : قد تقدّم في رقم [١٠٤] أن الأتقياء لا يصيبهم الكرب ويكونون كاسين طاعمين راكبين لقول الله تعالى : ( لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ ) وقال القرطبي : إن الشمس لا يضرّ حرّها مؤمنا كامل الإيمان أو من

٨٤

الجنة (٣) ، قال : ثم ينادى لمحمد فيفجر له الحوض ، وهو ما بين أيلة إلى مكة ، قال : فيشرب ويغتسل وقد تقطعت أعناق الخلائق يومئذ من العطش ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « فأكسى من حلل الجنة فأقوم عن ـ أو ـ على يمين الكرسي ليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام يومئذ غيري ، فيقال : سل تعط ، واشفع تشفع ».

فقام رجل فقال : أترجو لوالديك شيئا؟ فقال : « إني شافع لهما أعطيت أو منعت ، ولا أرجو لهما شيئا ».

قال الشيخ : قد يكون هذا قبل نزول الوحي بالنهي عن الاستغفار للمشركين والصلاة على المنافقين.

__________________

استظلّ بظل عرش الرحمن.

فعلى هذا يكون الحشر على ثلاثة أحوال :

١ ـ قسم طاعمون كاسون راكبون وهم الأتقياء.

٢ ـ وقسم حفاة عراة وهم المسلمون من أهل الكبائر.

٣ ـ وقسم يحشرون يجرّون على وجوههم وهم الكفّار.

(٢) قلت ليس المراد من قوله اكسوا أنه كان عاريا ، بل هو كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح ( ١١ / ٣٢٣ ) أن النبي يخرج من قبره في ثيابه التي مات فيها ، والحلّة التي يكساها حينئذ من حلل الجنّة خلعة الكرامة.

(٣) قال القرطبي في التذكرة ص ـ ٢٥٤ فصل ، وقد تكلم العلماء في حكمة تقديم إبراهيم عليه‌السلام بالكسوة ، فروي أنه لم يكن في الأوّلين والآخرين لله عزّ وجل عبد أخوف من إبراهيم عليه‌السلام ، فتعجّل له كسوته أمانا ليطمئنّ قلبه.

ويحتمل أن يكون لما جاء به الحديث من أنه أول من أمر بلبس السراويل إذا صلى مبالغة في الستر وحفظا لفرجه من أن يماسّ مصلاّه ، ففعل ما أمر به فيجزى بذلك أن يكون أول من يستر يوم القيامة.

ويحتمل أن يكون الذين ألقوه في النار جرّدوه ونزعوا عنه ثيابه على أعين الناس كما يفعل بمن يراد قتله ، وكان ما أصابه من ذلك في ذات الله عزّ وجل ، فلما صبر واحتسب وتوكل على الله تعالى دفع الله عنه شرّ النار في الدنيا والآخرة وجزاه بذلك العرى أن جعله أول من يدفع عنه العرى يوم القيامة على رءوس الأشهاد وهذا أحسنها.

والله أعلم.

وإذا بدئ في الكسوة بإبراهيم وثنّى بمحمد صلى الله عليه وسلم أوتي محمد بحلّة لا يقوم لها البشر لينجبر بنفاسة الكسوة ، فيكون كأنه كسي مع إبراهيم عليهما‌السلام.

والحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الأهوال ، حدّثنا إسماعيل بن عبيد بن عمر بن أبي كريمة ، حدّثني محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم ، حدّثني زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره كما في نهاية البداية والنهاية ( ٢ / ١٧١ ـ ١٧٢ ).

٨٥

[١٤٣] ـ عن عبد الرحمن بن أبي الصهباء ، عن نافع أبي غالب الباهلي أنه سمع العلاء بن زياد يحدث عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « يبعث الناس يوم القيامة والسماء تطش عليهم » (١).

__________________

[١٤٣] البدور السافرة ص ـ ٩.

(١) أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ( ٣ / ٢٦٦ ـ ٢٦٧ ).

وأخرجه أبو يعلى الموصلي فى مسنده ( ٧ / ٩٩ ).

قال الهيثمي في مجمع الزوائد ( ١ / ٣٣٥ ) : رواه أحمد وأبو يعلى وفيه عبد الرحمن بن أبي الصهباء ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحا وبقية رجاله ثقات.

وأخرجه الدولابي في الكنى والأسماء ( ٢ / ٧٩ ).

قال ابن كثير في نهاية البداية والنهاية ( ١ / ٣٠٨ ) بعد أن أورده من طريق الإمام أحمد : انفرد به أحمد وإسناده لا بأس به ، وفي معنى قوله عليه الصلاة والسلام : « تطش عليهم » احتمالان :

أحدهما : أن يكون ذلك من المطر ، يقال أصابهم طش من مطر وهو الخفيف منه.

والثاني : أن يكون ذلك من شدّة الحرّ والله أعلم.

٨٦

باب ما جاء في الحساب والعرض وتطاير الصحف

قال البيهقي في شعب الإيمان ( ٢ / ٢٢ ).

قال الله عزّ وجل : ( وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ).

وقال عزّ وجل : ( إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ ).

وقال تعالى : ( عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ).

وقال : ( هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ).

وأخبر أن الذين يقرءون كتبهم يقولون : ( ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها ).

وأن ( مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ ).

( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ ).

( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً وَيَصْلى سَعِيراً ).

٨٧

وإذا وقف الناس على أعمالهم من الصحف التي يؤتونها حوسبوا بها ، ولعل ذلك ـ والله أعلم ـ لأن الناس إذا بعثوا لا يكونون ذاكرين لأعمالهم فإن الله عزّ وجل قال : ( يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ ).

فإذا ذكروها ووقفوا عليها حوسبوا عليها. وقد جاء في كيفية المحاسبة أخبار ذكرناها في كتاب البعث والنشور.

وقد أخبر الله عزّ وجل ثناؤه أن المحاسبة تكون بشهادة النبيين والشهداء قال تعالى : ( وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) ، قال : ( فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً ).

والشهيد في هذه الآية النبي صلى الله عليه وسلم ، وشهيد كل أمة نبيّها عليهم‌السلام ، وأما الشهداء في الآية قبلها فالأظهر أنهم كتبة الأعمال ، تحضر الأمة ورسولها فيقال للقوم : ما ذا أجبتم المرسلين؟ ويقال للرسل : ما ذا أجبتم؟ فيقول الرسل لله : ( لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ) وكأنهم نسوا ما أجيبوا به ، وتأخذ الهيبة بمجامع قلوبهم فيذهلون في تلك الساعة عن الجواب ، ثم يثبّتهم الله ويحدث لهم ذكرى فيشهدون بما أجابتهم أمتهم.

وقال : ودلّت الأخبار عن سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم على أن كثيرا من المؤمنين يدخلون الجنة بغير حساب ، وكثيرا منهم يحاسبون حسابا يسيرا ، وكثيرا منهم يحاسبون حسابا شديدا.

[١٤٤] ـ أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، حدّثنا أبو جعفر محمد بن عمرو الرزاز ، حدّثنا عبد الله بن محمد بن شاكر ، حدّثنا أبو أسامة ، حدّثنا الأعمش ، عن خيثمة بن عبد الرحمن ، عن عدي بن حاتم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه ليس بينه وبينه حاجب ولا ترجمان ، فينظر أيمن منه فلا يرى شيئا إلا شيئا قدّمه ، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا شيئا قدّمه ، وينظر أمامه فلا يرى إلا النار ، فاتقوا النار ولو بشقّ تمرة ».

__________________

[١٤٤] شعب الإيمان ( ٢ / ٢٤ ).

٨٨

رواه البخاري في الصحيح (١) عن يوسف بن موسى عن أبي أسامة (٢).

[١٤٥] ـ أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ، حدّثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدّثنا أحمد بن عبد الجبار ، حدّثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يجيء النبي يوم القيامة ، ومعه الثلاثة والأربعة والرجلان ، حتى يجيء النبي وليس معه أحد ، قال : فيقال لهم : هل بلغتم؟ فيقولون : نعم ، قال : فيدعى قومهم فيقال لهم : هل بلغكم؟

فيقولون لا ، قال : فيقال للنبيّين : من يشهد لكم أنكم قد بلغتم؟ قال : فيقولون :

أمة محمد صلى الله عليه وسلم قال : فتدعى أمة محمد فيشهدون أنهم قد بلغوا ، قال : فيقولون : جاءنا رسولنا بكتاب أخبرنا أنهم قد بلغوا فصدقناه ، قال : فيقال : صدقتم ، قال : وذلك قول الله عزّ وجل في كتابه : ( وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) (٣) » (٤).

__________________

(١) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب التوحيد : باب وكان عرشه على الماء وهو ربّ العرش العظيم.

(٢) قال في الأسماء والصفات ( ١ / ٣٤٧ ) ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا محمد بن إسحاق ، أنا الحكم بن موسى ، حدثنا عيسى بن يونس ، حدثنا الأعمش فذكره ثم قال : قال عيسى : قال الأعمش : حدّثني عمرو بن مرّة عن خيثمة بمثله وزاد فيه : « ولو بكلمة طيبة ».

رواه البخاري ومسلم في الصحيح كلاهما عن علي بن حجر عن عيسى.

[١٤٥] الدرّ المنثور ( ١ / ٣٤٩ ). تخريج أحاديث الكشّاف رقم [٨٢]. البدور السافرة ص ـ ٥٨. شعب الإيمان ( ٢ / ٣٢ ).

(١) البقرة : ١٤٣.

(٢) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الأنبياء : باب قول الله تعالى : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ ) وكتاب التفسير : باب تفسير قوله تعالى : ( وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) مختصرا من طريق جرير وأبي أسامة وعبد الواحد بن زياد عن الأعمش.

وأخرجه النسائي في السنن الكبرى كتاب التفسير من طريق محمد بن آدم بن سليمان عن أبي معاوية ومحمد بن المثنى عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك عن أبي معاوية بتمامه كما في تحفة الأشراف ( ٣ / ٣٤٦ ).

وأخرجه الترمذي في جامعه كتاب التفسير : الباب التاسع من أبواب تفسير سورة البقرة بنحوه من طريق جعفر بن عون عن الأعمش وأخرجه من طريق أبي معاوية مختصرا. وقال في كلاهما : هذا حديث حسن صحيح.

وأخرجه ابن ماجه في سننه كتاب الزهد : باب صفة أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، من طريق أبي كريب وأحمد بن سنان عن ابي معاوية عن الأعمش بتمامه.

٨٩

[١٤٦] ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ (١) ، حدّثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدّثنا محمد بن إسحاق الصغاني ، حدّثني أبو بكر بن أبي النضر ، حدّثنا أبو النضر ، عن الأشجعي ، عن سفيان ، عن عبيد المكتب ، عن فضيل بن عمرو ، عن الشعبي ، عن أنس بن مالك قال : كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك وقال : « هل تدرون ممّ أضحك »؟ قال : قلنا : الله ورسوله أعلم ، قال : « من مخاطبة العبد ربه يوم القيامة ، يقول : يا رب ألم تجرني من الظلم؟ قال : فيقول : بلى ، قال : فيقول : فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني ، قال : فيقول الله : كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا ، وبالكرام الكاتبين شهودا ، قال : فيختم الله على فيه ويقول لأركانه : انطقي ، فتنطق بأعماله ، ثم يخلى بينه وبين الكلام ، قال : فيقول : بعدا وسحقا فعنكنّ أناضل » (٢).

__________________

وأخرجه الإسماعيلي من طريق بندار عن جعفر بن عون عن الأعمش وقال : إنه مختصر ، ومن طريق أبي معاوية عن الأعمش مطوّلا كما ذكر الحافظ في الفتح ( ١٣ / ٢٧٠ ).

وأخرجه سعيد بن منصور أيضا كما في الدرّ.

وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنّف ( ٦ / ٣١٠ ) عن أبي معاوية.

قال البيهقي في شعب الإيمان ( ٢ / ٣٠ ) فإن كذّبت أمة رسولها وقالت : ما أتانا من نذير ، فذكر الحديث ثم قال : فهذا فيما بين كل نبي وقومه ، فأما كل واحد من القوم على الانفراد فالشاهد عليه صحيفة عمله وكاتباها ، فإنه قد أخبر في الدنيا بأن عليه ملكين موكلين يحفظان أعماله وينسخانها.

[١٤٦] نهاية البداية والنهاية ( ٢ / ٥٢ ). شعب الإيمان ( ٢ / ٣٤ ).

(١) قال في الأسماء والصفات ( ١ / ٣٤٦ ) ، حدّثنا أبو عبد الله الحافظ وأبو عبد الرحمن السلمي قالا : حدثنا أبو العباس.

(٢) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الزهد والرقائق : في فاتحته.

وأخرجه النسائي في سننه الكبرى كتاب التفسير وقال : ما أعلم أحدا روى هذا الحديث عن سفيان غير الأشجعي وهو حديث غريب. قال ابن حجر في النكت الظراف : قلت ، قد تابعه عن سفيان مهران بن أبي عمر عند الطبراني وأبو عامر الأسدي عند ابن أبي حاتم من وجهين ، وتابع سفيان على روايته إياه عن عبيد ، شريك القاضي عند البزار. انظر تحفة الأشراف ( ١ / ٢٤٩ ).

قال البيهقي في شعب الإيمان ( ٢ / ٣٣ ) فأما إخبار الله عزّ وجل عن شهادة الجوارح على أهلها ، بقوله : ( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ) ، وقوله : ( وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ ) ، ( وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ ) ، وقوله : ( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ).

٩٠

رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي النضر.

[١٤٧] ـ عن يزيد بن هارون ، عن سعيد بن إياس الجريري ، عن حكيم بن معاوية ، عن أبيه معاوية بن حيدة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « تجيئون يوم القيامة على أفواهكم الفدام (١) ، فأول ما يتكلم من ابن آدم فخذه وكفّه » (٢).

[١٤٨] ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدّثنا محمد بن صالح والحسن بن يعقوب ، حدّثنا السري بن خزيمة ، حدّثنا عبد الله بن يزيد المقري ، حدّثنا سعيد بن أبي أيوب ، حدّثنا يحيى بن أبي سليمان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة

__________________

[١٤٧] نهاية البداية والنهاية ( ٢ / ٥٢ ). البدور السافرة ص ـ ٦٣.

(١) انظر تفسير هذه اللفظة في رقم [٩٤].

(٢) أخرجه أحمد في مسنده ( ٥ / ٣ ).

وأخرجه الحاكم في المستدرك ( ٢ / ٤٤٠ ) وقال : هذا حديث مشهور ببهز بن حكيم عن أبيه ، وقد تابعه الجريري فرواه عن حكيم بن معاوية وصحّ به الحديث ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

وأخرجه الطبراني في الكبير ( ١٩ / ٤٢٤ ).

قال في شعب الإيمان ( ٢ / ٣٥ ) وروينا في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث الرؤية قال : « فيلقى العبد فيقول : أي فل ، ألم أكرمك وأسوّدك وأزوّجك وأسخّر لك الخيل والإبل ، وأذرك ترأس وتربع؟ قال : فيقول : بلى أي ربّ ، قال : فيقول أظننت أنك ملاقي؟ فيقول : لا. فيقول اليوم أنساك كما نسيتني ، ثم يلقى الثاني فيقول : أي فل : فذكر في السؤال والجواب مثل الأول [ قال القرطبي في التذكرة ص ـ ٣٤٣ ، وقوله : اليوم أنساك كما نسيتني أي اليوم أتركك في العذاب كما تركت عبادتي ومعرفتي ] ، ثم يلقى الثالث فيقول : مثل ذلك ، فيقول : آمنت بك وبكتابك وصلّيت وصمت وتصدّقت ، فيقال : الآن نبعث شاهدنا عليك فيفكر في نفسه من الذي يشهد عليه ، فيختم على فيه ويقال لفخذه : انطقي ، فتنطق فخذه ولحمه وعظمه بعمله ما كان ، ذلك ليعذر نفسه ، وذلك المنافق وذلك الذي يسخط الله عليه.

وفيه دلالة على أن بعضهم تشهد عليهم ألسنتهم ، وبعضهم ينكر فيختم على أفواههم وتشهد عليهم أفواههم وتشهد عليهم سائر جوارحهم ، ويشبه أن يكون هذا الإنكار من المنافقين كما في خبر أبي هريرة ، ويشبه أن يكون منهم وممّن شاء الله من سائر الكافرين حين رأوا يوم القيامة يغفر الله لأهل الإخلاص ذنوبهم ، لا يتعاظم عليه ذنب أن يغفر ، ولا يغفر الشرك قالوا : إن ربّنا يغفر الذنوب ولا يغفر الشرك ، فتعالوا حتى نقول إنّا كنّا أهل ذنوب ولم نكن مشركين ، فقال الله عزّ وجل : أما إذ كتموا الشرك فاختموا على أفواههم ، فيختم على أفواههم فتنطق أيديهم ، وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ، فعند ذلك عرف المشركون أن الله لا يكتم حديثا فذلك قوله : ( يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً ) ، وهذا فيما روينا عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه سئل عن ذلك فذكره. أخرجه في الأسماء والصفات ( ٢ / ١٢٢ ). وفي البعث ص ـ ٩٠ ، ٩١.

[١٤٨] نهاية البداية والنهاية ( ٢ / ٥٣ ). البدور السافرة ص ـ ٦٤.

٩١

قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها ) (١) قال : « أتدرون ما أخبارها »؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : « فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما كان على ظهرها تقول : عمل كذا وكذا في يوم كذا وكذا ، فذلك أخبارها » (٢).

[١٤٩] ـ عن سليمان بن حيان ، عن مروان الأصغر ، عن أبي وائل ، عن عبد الله بن مسعود قال : يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات ، فأما عرضتان فجدال ومعاذير ، وأما العرضة الثالثة فتطاير الصحف بالأيمان والشمائل (٣).

[١٥٠] ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن القاضي ، حدّثنا إبراهيم بن الحسين حدّثنا آدم بن أبي إياس قال : حدثنا ورقاء عن ابن أبي

__________________

(١) الزلزلة : ٤ ـ ٥.

(٢) أخرجه الترمذي في جامعه كتاب صفة القيامة والرقائق والورع : الباب الثالث من أبواب ما جاء في العرض.

وقال : حديث حسن غريب. وقال في التفسير : باب سورة الزلزلة : حسن صحيح.

وأخرجه النسائي في السنن الكبرى كتاب التفسير من طريق سويد بن نصر عن ابن المبارك عن سعيد بن أبي أيوب.

وأخرجه الحاكم في المستدرك ( ٢ / ٥٣٢ ) من هذه الطريق التي ذكرها المصنّف وصحّحه. وتعقبه الذهبي فقال : يحيى هذا منكر الحديث قاله البخاري.

وأخرجه ( ٢ / ٢٥٦ ) قال : أخبرني [ الحسن بن محمد بن ] حليم المروزي أنبأ أبو الموجّه أنبأ عبدان أنبأ عبد الله بن المبارك فذكره. وصحّحه ووافقه الذهبي.

وأخرجه البغوي في شرح السنّة ( ١٥ / ١١٧ ) عن إبراهيم بن عبد الله الخلال عن ابن المبارك وقال : حسن غريب.

وأخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ( ٢ / ٣٧٤ ). من طريق ابن المبارك.

وأخرجه عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه أيضا كما في الدرّ.

ومن طريق ابن المبارك أخرجه ابن حبّان في صحيحه ( ٩ / ٢٢٧ ) كتاب إخباره صلى الله عليه وسلم عن البعث وأحوال الناس في ذلك اليوم : ذكر شهادة الأرض في القيامة على المسلم بما عمل على ظهرها.

[١٤٩] نهاية البداية والنهاية ( ٢ / ٣٩ ). الدرّ المنثور ( ٨ / ٢٧١ ). البدور السافرة ص ـ ٥٦. فتح الباري ( ١١ / ٣٣٩ ).

(١) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره ( ٢٩ / ٣٨ ). من طريق مجاهد بن موسى ، عن يزيد ، عن سليمان بن حيّان.

قال الحافظ في الفتح : أخرجه البيهقي في البعث بسند حسن عن عبد الله بن مسعود موقوفا.

[١٥٠] الدرّ المنثور ( ٨ / ٤٥٧ ). البدور السافرة ص ـ ٥٦.

٩٢

نجيح ، عن مجاهد ( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ ) (١) قال : تجعل شماله وراء ظهره ، فيأخذ كتابه (٢).

[١٥١] ـ عن إسرائيل ، عن إسماعيل بن عبد الرحمن السديّ ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : ( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ ) (٣) قال : « يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه ، ويمدّ له في جسمه ستون ذراعا ، ويبيضّ وجهه ، ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤ يتلألأ ، قال : فينطلق إلى أصحابه فيرونه من بعيد فيقولون : اللهمّ ائتنا به وبارك لنا في هذا ، حتى يأتيهم فيقول : أبشروا فإن لكل رجل منكم مثل هذا. وأما الكافر فيعطى كتابه بشماله مسودّا وجهه ، ويمدّ له في جسمه ستون ذراعا على صورة آدم ، ويلبس تاجا من نار ، فيراه أصحابه فيقولون : اللهمّ لا تأتنا به ، قال : فيأتيهم ، فيقولون اللهمّ اخزه ، قال : فيقول : أبعدكم الله فإن لكل واحد منكم مثل هذا » (٤).

[١٥٢] ـ عن شعبة ، عن خالد الحذّاء ، عن أبي عثمان النهدي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن الرجل لترفع له يوم القيامة صحيفته حتى يرى أنه ناج ، فما تزال مظالم بني آدم تتبعه حتى ما يبقى له حسنة ، ويحمل عليه من سيئاتهم ». قال : فقلت له : عمّن يا أبا عثمان؟ قال : عن سلمان الفارسي وسعد بن مالك

__________________

(١) الانشقاق : ١٠.

(٢) أخرجه الإمام مجاهد في تفسيره ( ٢ / ٧٤٢ ).

وأخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره ( ٣٠ / ٧٥ ).

وأخرجه الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر كما في الدرّ.

[١٥١] الترغيب والترهيب ( ٤ / ٤١٧ ـ ٤٥٨ ). البدور السافرة ص ـ ٥٧.

(١) الإسراء : ٧١.

(٢) أخرجه الترمذي في جامعه كتاب التفسير : باب تفسير سورة الإسراء وقال : هذا حديث حسن غريب.

وأخرجه ابن حبّان في صحيحه ( ٩ / ٢٢٢ ) كتاب إخباره صلى الله عليه وسلم عن البعث وأحوال الناس في ذلك اليوم : ذكر الأخبار عن وصف المسلم والكافر إذا أعطيا كتابيهما.

وأخرجه الحاكم في المستدرك ( ٢ / ٢٤٢ ـ ٢٤٣ ) قال : أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ، حدّثنا سعيد بن مسعود ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، أنبأ إسرائيل. وقال : صحيح على شرط مسلم وأقرّه الذهبي.

وأخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه كما في الدرّ المنثور ( ٥ / ٣١٧ ).

[١٥٢] الترغيب والترهيب ( ٣ / ١٨٦ ). البدور السافرة ص ـ ٨٧. حاشية المطالب العالية ( ٤ / ٣٩١ ).

٩٣

وحذيفة بن اليمان وعبد الله بن مسعود حتى عدّ ستة أو سبعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (١).

[١٥٣] ـ قال الشيخ : سيئات المؤمن على أصول أهل السنّة متناهية الجزاء ، وحسناته غير متناهية الجزاء ، لأن من ثوابها الخلود في الجنة ، فوجه الحديث عندي والله أعلم أنه يعطى خصماء المؤمن المسيء من أجر حسناته ما يوازي عقوبة سيئاته فإن فنيت حسناته أخذ من خطايا خصومه فطرحت عليه ، ثم يعذّب إن لم يعف عنه ، فإذا انتهت عقوبة تلك الخطايا أدخل الجنة بما كتب له من الخلود فيها بإيمانه ، ولا يعطى خصماؤه ما زاد من أجر حسناته على ما قابل عقوبة سيئاته ـ يعني من المضاعفة ـ لأن ذلك من فضل الله يختص به من وافى يوم القيامة مؤمنا والله أعلم.

[١٥٤] ـ عن الأعمش ، عن منذر بن يعلى بن أبي يعلى الثوري ، عن أشياخ له عن أبي ذر قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاتين تنتطحان قال : « يا أبا ذر أتدري فيم تنتطحان »؟ قلت : لا ، قال : « ربك يدري ، وسيقضي بينهما يوم القيامة » (٢).

__________________

(١) أخرجه الحاكم في المستدرك ( ٤ / ٥٧٤ ) وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

وأخرجه مسدد كما في المطالب ، ونقل الشيخ المحدّث الأعظمي في الحاشية عن البوصيري أنه قال : بإسناد جيد.

قال المنذري : رواه البيهقي في البعث بإسناد جيد.

[١٥٣] فتح الباري ( ١١ / ٣٣٤ ). البدور السافرة ص ـ ٨٨.

[١٥٤] البدور السافرة ص ـ ٥٧.

(١) أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ( ٥ / ١٦٢ ). بإسناد جيد حسن كما في نهاية البداية والنهاية ( ٢ / ٤٦ ).

قال الهيثمي ( ١٠ / ٣٥٢ ) : ورجال الرواية الثانية رجال الصحيح وفيها راو لم يسمّ.

وأخرجه بهذا السند واللفظ أبو داود الطيالسي في مسنده ص ـ ٦٢ من طريق شعبة عن الأعمش. وأخرجه أحمد ( ٥ / ١٧٢ ـ ١٧٣ ) من طريق عبيد الله بن محمد عن حماد بن سلمة عن ليث عن عبد الرحمن بن مروان عن الهزيل بن شرحبيل عن أبي ذر بلفظ آخر.

ومن هذه الطريق أخرجه الطبراني في الأوسط وكذا البزار ، انظر كشف الأستار ( ٤ / ١٦٢ ـ ١٦٣ ). قال الهيثمي : رواه كله أحمد والبزار بالرواية الأولى وكذلك الطبراني في المعجم الأوسط وفيها ليث بن أبي سليم وهو مدلس ، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح غير شيخه ابن عائشة وهو ثقة ـ وهو عبيد الله بن محمد ـ.

قال البزار : لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا عن أبي ذر ، ولا نعلم أسنده عن ليث إلا حمّاد.

قال القرطبي في التذكرة ص ـ ٣٣٢ : وروي عن شعبة عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر.

٩٤

[١٥٥] ـ عن يزيد بن الأصم ، عن أبي هريرة في قوله : ( يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً ) (١) قال : يحشر الخلائق كلهم يوم القيامة : البهائم والدوابّ والطير وكل شيء ، فيبلغ من عدل الله أن يأخذ للجماء من القرناء ، ثم يقول : كوني ترابا ، فذلك حين يقول الكافر : ( يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً ) (٢).

[١٥٦] ـ عن محمد بن عمرو بن علقمة الليثي ، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، عن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه قال : لما نزلت ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ) (٣) قلت : يا رسول الله أيكرر علينا ما يكون بيننا في الدنيا مع خواصّ الذنوب؟ قال : « نعم ليكررنّ عليكم حتى يؤدى إلى كل ذي حقّ حقه » ، قال الزبير : والله إن الأمر لشديد (٤).

[١٥٧] ـ أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق ، أنا أبو الحسن الطرائفي ، حدثنا عثمان بن سعيد ، حدثنا عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي

__________________

وأخرجه من هذا الطريق ابن أبي داود في البعث ص ـ ٣٨. وقال : أخطأ فيه أبو داود الطيالسي والصواب شمر بن عطيّة عن شيخ عن أبي ذر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

[١٥٥] الدرّ المنثور ( ٨ / ٤٠١ ). إتحاف السادة المتّقين ( ١٠ / ٤٧٦ ).

(١) النبأ : ٤٠.

(٢) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره ( ٣ / ١٧ ) من طريق معمر وجعفر بن برقان عن يزيد بن الأصمّ.

وأخرجه عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم أيضا كما في الدرّ.

[١٥٦] الدرّ المنثور ( ٧ / ٢٢٦ ). إتحاف السادة المتّقين ( ١٠ / ٤٧٨ ).

(١) الزمر : ٣٠ / ٣١.

(٢) أخرجه الترمذي في جامعه كتاب التفسير : باب تفسير سورة الزّمر. قال : هذا حديث حسن صحيح.

وأخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ( ١ / ١٦٧ ).

وأخرجه الحاكم في المستدرك ( ٢ / ٢٤٩ ) وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

وأخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء ( ١ / ٩١ ـ ٩٢ ).

وأخرجه عبد الرزاق وابن منيع وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه أيضا كما في الدرّ.

وأخرجه ابن أبي داود في البعث ص ـ ٣٣.

وأخرجه ابن أبي الدنيا قال : حدّثنا يوسف بن موسى حدّثنا محمد بن عبيد ، حدّثنا محمد بن عمرو فذكره. انظر نهاية البداية والنهاية ( ٢ / ٥٧ ).

[١٥٧] الدرّ المنثور ( ٥ / ٩٩ ). البدور السافرة ص ـ ٦٩.

٩٥

طلحة ، عن ابن عبّاس ( فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ ) (١) ، ثم قال : ( فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ ) (٢) قال : لا يسألهم هل عملهم كذا وكذا ، لأنه أعلم منهم بذلك ، ولكن يقول : لم عملتم كذا وكذا (٣).

[١٥٨] ـ أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق ، أنا أبو الحسن الطرائفي ، حدثنا عثمان بن سعيد ، حدثنا عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ( فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ) قال :

__________________

(١) الحجر : ٩٢ / ٩٣.

(٢) الرحمن : ٣٩.

(٣) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره ( ١٤ / ٤٦ ).

وأخرجه ابن أبي حاتم أيضا ، كما في الدرّ.

قال البيهقي في الشعب ( ٢ / ٥٢ ) من زعم أن الكافرين غير مخاطبين بشرائع الإسلام زعم أنهم لا يسألون عمّا يعملون مما كانت مللهم تقتضيه ، وإن كان في الإسلام ذنبا ، ويسألون عن الله وعن رسله صلوات الله عليهم وعن الإيمان في الجملة وما نقلناه عن أهل التفسير أصح.

قلت : قوله : وما نقلناه عن أهل التفسير أصحّ هو هذا الحديث الذي عن ابن عباس. ثم روى في الشعب في هذه الآية عن مجاهد قال : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن القاضي ، حدّثنا إبراهيم بن الحسين ، حدّثنا آدم ، حدّثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : ( فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ ) قال : يقول : لا تسأل الملائكة عن المجرم إنسا ولا جانا ، يقول : يعرفون بسيماهم. انتهى.

قلت : وأظن أن البيهقي قد أخرج هذا الحديث في البعث ، لكن لم أجد من عزاه إليه فلم أورده. وكذا الحديث الذي رواه أيضا في شعب الإيمان قال : أخبرنا الأستاذ أبو إسحاق ، حدّثنا عبد الخالق بن الحسن ، أخبرنا عبد الله بن ثابت ، أخبرني أبي ، عن الهذيل عن مقاتل في قوله : ( وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ) ، يقول : لا يسأل مجرمو هذه الأمة عن ذنوب الأمم الماضية الذين عذّبوا في الدنيا ، فإن الله تعالى قد أحصى أعمالهم الخبيثة وعلمها.

وكذا الحديث الذي رواه أيضا في الشعب قال : أخبرنا أبو عبد الرحمن الدهان ، أخبرنا الحسين بن محمد بن مروان ، أخبرنا اللبّاد ، حدّثنا يوسف بن بلال ، حدّثنا محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح ، عن ابن عباس في قوله : ( وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ) يقول : لا يسأل كافر عن ذنبه ، كلّ كافر معروف بسيماه. وفي قوله : ( فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ ) يعني يوم تشقّق السماء وتكوّر ، لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ، وذلك عند الفراغ من الحساب ، وكلّ معروف : ( يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ ) وأما الكافر فبسواد وجهه وزرقة عينيه ، وأما المؤمن فأغرّ محجّل من أثر الوضوء.

[١٥٨] الدرّ المنثور ( ٣ / ٤١٤ ). إتحاف السادة المتّقين ( ١٠ / ٤٤٦ ). البدور السافرة ص ـ ٥٨.

٩٦

نسأل الناس عمّا أجابوا المرسلين ، ونسأل المرسلين عمّا بلغوا ( فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ ) (١) قال : يوضع يوم القيامة فيتكلم بما كانوا يعملون (٢).

[١٥٩] ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني ، أنا الضحّاك بن مخلد أبو عاصم ، حدثنا سعدان بن بشر ، حدثنا أبو مجاهد الطائي ، حدثنا محل بن خليفة ، عن عديّ بن حاتم قال : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه رجلان أحدهما يشكو العيلة ، والآخر يشكو قطع السبيل قال : فقال : « لا عليك إلا قليل حتى تخرج المرأة من الحيرة إلى مكة بغير خفير ، ولا تقوم الساعة حتى يطوف أحدكم بصدقته فلا يجد من يقبلها ، ثم ليفيض المال ، ثم ليقفنّ أحدكم بين يدي الله ليس بينه وبينه حجاب يحجبه ولا ترجمان يترجم له فيقول : ألم أوتك مالا؟ فيقول : بلى ، فيقول : ألم أرسل إليك رسولا؟ فيقول : بلى فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار ، وينظر يساره فلا يرى إلا النار ، فليتّق أحدكم النار ولو بشق تمرة ، فإن لم يجد فبكلمة طيبة ».

رواه البخاري في الصحيح (٣) عن عبد الله بن محمد ، عن أبي عاصم.

[١٦٠] ـ عن عبد الله بن المبارك ، عن شريك بن عبد الله ، عن هلال الوزّان ، عن عبد الله بن عكيم قال : سمعت عبد الله بن مسعود بدأ باليمين قبل الحديث فقال : ما منكم من أحد إلا سيخلو الله به كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر ، فيقول : يا عبدي ما غرّك بي ، ما ذا عملت فيما علمت ، ما ذا أجبت المرسلين (٤)؟.

__________________

(١) الأعراف : ٧.

(٢) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره ( ٨ / ٨٩ ).

وأخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم كما في الدرّ.

[١٥٩] نهاية البداية والنهاية ( ٢ / ٥١ ). سنن البيهقي ( ٥ / ٢٢٥ ).

(١) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الزكاة : باب الصدقة قبل الردّ

[١٦٠] نهاية البداية والنهاية ( ٢ / ٥١ ). البدور السافرة ص ـ ٦٥.

(١) أخرجه ابن المبارك في الزهد ص ـ ١٣.

٩٧

[١٦١] ـ عن صالح بن عبد الله الحلبي ، عن عبد ربه بن هبيرة المؤدب الحلبي ، عن سلمة بن سنان الأنصاري ، عن طلحة بن عمرو المكّي ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا كان يوم القيامة ، أمر الله مناديا ينادي : ألا إني جعلت نسبا وجعلتم نسبا ، فجعلت أكرمكم أتقاكم ، فأبيتم إلا أن تقولوا : فلان بن فلان خير من فلان بن فلان ، فاليوم أرفع نسبي وأضع نسبكم ، أين المتّقون » (١).

[١٦٢] ـ عن شبابة ، عن شعبة ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : « يدخل الجنّة من أمّتي سبعون ألفا لا حساب عليهم » فقام عكاشة بن محصن فقال : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم قال : فدعا له ، فقام رجل آخر فقال : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم ، قال : « سبقك بها عكاشة » (٢).

__________________

وأخرجه الطبراني في الكبير ( ٩ / ٢٠٤ ) من طريق أبي يزيد القراطيسي عن أسد بن موسى عن عبد الله بن المبارك عن شريك. وقد سقط في المطبوع من الطبراني ذكر عبد الله بن المبارك ، ورواه أيضا عن بشر بن موسى عن يحيى بن إسحاق السليحيني عن أبي عوانة عن هلال الوزّان. قال الهيثمي في مجمع الزوائد ( ١٠ / ٣٤٧ ) رواه الطبراني في الكبير موقوفا ، وروى بعضه مرفوعا في الأوسط : عبدي ما غرّك بي ما ذا أجبت المرسلين ، ورجال الكبير رجال الصحيح غير شريك بن عبد الله وهو ثقة وفيه ضعف ، ورجال الأوسط فيهم شريك أيضا وإسحاق بن عبد الله التميمي ووثقه ابن حبّان ، وبقية رجاله رجال الصحيح.

وأخرجه أحمد في الزهد ( ٢ / ١١١ ). من طريق أبي عوانة.

ومن طريق أبي عوانة أخرجه أبو نعيم في الحلية ( ١ / ١٣١ ).

ومن طريق أسد أخرجه ابن خزيمة في التوحيد ص ـ ١٧١.

[١٦١] البدور السافرة ص ـ ٦٩.

(١) أخرجه الطبراني في الصغير ص ـ ٢٤٤ قال : حدّثنا عبد الله بن عمران بن موسى البغدادي ، حدّثنا صالح بن علي بن عبد الله الحلبي. وقال : لا يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد ، تفرّد به صالح.

وأخرجه في الأوسط كما في مجمع الزوائد ( ٨ / ٨٤ ) وقال : وفيه طلحة بن عمرو وهو متروك.

قال المنذري ( ٣ / ٦١٣ ) البيهقي مرفوعا وموقوفا وقال : المحفوظ الموقوف.

[١٦٢] فتح الباري ( ١١ / ٣٤٧ ).

(١) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الإيمان : باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب ، ساق سنده ولم يسق متنه.

وأخرجه أحمد في مسنده ( ٢ / ٤٥٦ ).

وأخرجه البغوي في الجعديات [١١٤٥].

وأخرجه ابن منده في الإيمان ( ٢ / ٨٩٣ ـ ٨٩٤ ).

٩٨

[١٦٣] ـ عن يحيى بن أبي بكير ، عن زهير بن محمد عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « سألت ربي عزّ وجل فوعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا على صورة القمر ليلة البدر ، فاستزدت فزادني مع كل ألف سبعين ألفا ، فقلت : أي رب أرأيت إن لم يكن هؤلاء مهاجري أمتي؟ قال : إذا أكملهم من الأعراب » (١).

[١٦٤] ـ الضحاك بن نبراس ، حدّثني ثابت بن أسلم البناني ، عن أبي يزيد المدائني ، عن عمرو بن حزم الأنصاري قال : تغيّب عنّا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا لا يخرج إلا لصلاة مكتوبة ثم يرجع فلما كان اليوم الرابع خرج إلينا فقلنا : يا رسول الله احتبست عنّا حتى ظننا أنه قد حدث حدث ، فقال : « إنه لم يحدث إلا خير ، إن ربي وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا لا حساب عليهم ، وإني سألت ربي في هذه الأيام الثلاثة المزيد فوجدت ربي واجدا ماجدا كريما أعطاني مع كل واحد من السبعين سبعين ألفا قال : قلت : يا رب وتبلغ أمتي هذا؟ قال : أكمل لك العدد من الأعراب » (٢).

__________________

وأخرجه الدارمي ( ٢ / ٣٢٨ ) من طريق أبي الوليد عن شعبة.

[١٦٣] فتح الباري ( ١١ / ٣٤٥ ).

(١) أخرجه أحمد في مسنده ( ٢ / ٣٥٩ ).

وأخرجه ابن منده في الإيمان ( ٢ / ٨٩٥ ) وقال : هذا إسناد صحيح.

[١٦٤] نهاية البداية والنهاية ( ٢ / ٧٣ ـ ٧٤ ). شعب الإيمان ( ٢ / ٤٠ ). البدور السافرة ص ـ ٣٩. إتحاف السادة المتّقين ( ١٠ / ٥٦٧ ـ ٥٦٨ ). فتح الباري ( ١١ / ٣٤٦ ). ذيل ميزان الاعتدال للعراقي ص ـ ٣٧٨.

(١) روى الطبراني في الكبير من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أبي يزيد المدائني عن عامر بن عمير قال : لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا لا يخرج إلى صلاة مكتوبة فقيل له في ذلك فقال : « إني وجدت ربي ماجدا كريما أعطاني مع كل واحد من السبعين الألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب سبعين ألفا ، فقلت إن أمتي لا تبلغ هذا ، أو تكمل هذا ، فقال : أكملهم لك من الأعراب ».

قال الهيثمي في مجمع الزوائد ( ١٠ / ٤١٠ ) : ورجاله رجال الصحيح غير شيخ الطبراني. واختلف في اسم صحابيه ، فقيل : عمرو بن عمير. وقيل : عمير بن عمرو. وقيل : عمارة بن عمير. وقيل : عمرو بن حزم.

وقيل : عمرو بن بلال.

وقال الحافظ في الإصابة ( ٢ / ٢٤٦ ) : وهذا اختلف فيه على ثابت ثم على سليمان. فأما ثابت فقال حماد بن سلمة عنه : عمرو بن عمير. وقال عمارة بن زاذان عن ثابت عن عمارة بن عمير. وقال الضحّاك بن نبراس عنه : عمرو بن حزم ، وأما سليمان فقيل عنه أيضا : عمرو أو عامر على الشك.

٩٩

[١٦٥] ـ عن حماد بن زيد عن أيوب ، عن الحسن في قوله : ( وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ) (١) قال : هي والله لكل واصف كذب إلى يوم القيامة (٢).

[١٦٦] ـ عن عبد الله بن أبي بدر ، أخبرنا روح بن عبادة ، عن مبارك ، عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن المستهزئين بالناس يفتح لأحدهم باب من الجنة فيقال : هلمّ ، هلمّ. فيجيء بكربه وغمّه ، فإذا جاء أغلق دونه ثم يفتح له باب آخر ، فيقال له : هلمّ ، هلمّ. فيجيء بكربه وغمّه ، فإذا جاء أغلق دونه فما يزال كذلك حتى إن الرجل ليفتح له الباب فيقال له : هلمّ ، هلمّ. فما يأتيه » (٣).

[١٦٧] ـ عن خالد بن يزيد بن أبي مالك ، عن أبيه ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوب : الصدقة

__________________

وقال ( ٣ / ٨ ) في ترجمة عمرو بن عمير الأنصاري : أخرج حديثه البغوي من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي يزيد المدائني عن عمرو بن عمير الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم غبر أصحابه ثلاثا لا يرونه إلا في صلاة فقال : « وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب ». ورواه سليمان بن المغيرة عن ثابت بالشك قال : عن عمرو بن عمير ، أو عامر بن عمير.

قال العراقي : الضحّاك بن نبراس وهو ضعيف ، وإن كان البزار قال فيه : لا بأس به.

وقال ابن عبد البرّ في الاستيعاب ( ٢ / ٥١٨ ) وهو حديث في إسناده اضطراب.

وقال الحافظ في الفتح : وفيه راو ضعيف ، واختلف في سنده وفي سياق متنه.

وقال ابن كثير بعد أن أورده من طريق البيهقي : الضحّاك هذا قد تكلموا فيه ، وقال النسائي : متروك.

قال العراقي : ذكر ابن منده في معرفة الصحابة الاختلاف فيه : فترجم له : عمرو بن عمير الأنصاري ، وقيل : عمير بن عمرو والد أبي بكر.

[١٦٥] الدرّ المنثور ( ٥ / ٦٢٠ ).

(١) الأنبياء : ١٨.

(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ( ٧ / ١٩٠ ).

وأخرجه عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم كما في الدرّ.

[١٦٦] البدور السافرة ص ـ ١٠٦. الدرّ المنثور ( ٨ / ٤٥٣ ). الترغيب والترهيب ( ٣ / ٦١٢ ).

(١) أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت وآداب اللسان ، وفي كتاب ذمّ الغيبة. انظر الصمت ص ـ ٣٧٩.

وأخرجه أحمد في الزهد كما في الدرّ المنثور. قال المنذري : رواه البيهقي مرسلا.

وانظر كنز العمّال ( ٣ / ٦٥٠ ). وانظر تخريج الإحياء ( ٣ / ١٣١ ).

[١٦٧] البدور السافرة ص ـ ١١٦. الدرّ المنثور ( ٥ / ٢١٨ ).

١٠٠