الأئمة الاثني عشر

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]

الأئمة الاثني عشر

المؤلف:

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]


المحقق: الدكتور صلاح الدّين المنجّد
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: منشورات الشريف الرضي
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٤٣

٢

الحسن بن علي

٤٩ ه‍ ـ ٦٦٩ م

٦١

[ المراجع ]

[ ابن حبيب ، أسماء المغتالين ص ١٦٤.

اليعقوبي ، ٢ : ١٩١ وما بعدها.

المسعودي ، ٣ : ٤ ـ ٩.

الأصبهاني ، مقاتل ص ٤٦.

ابن عبد ربه ، العقد ٤ : ٣٦١.

الخطيب ، تاريخ ١ : ١٣٨

ابن عساكر ، تاريخ المجلد العاشر ، ص ٤٩ ( مخطوطة التيمورية )

ابن الأثير ، تاريخ ٣ : ٢٢٨.

ابن الأثير ، أسد الغابة ٢ : ٩.

النووي ، تهذيب ١ : ١٥٨.

ابن خلكان ، وفيات ١ : ١٢٥.

الذهبي ، تاريخ ٢ : ٢١٦.

الذهبي ، سير ج ٤ ورقة ٦١.

الصفدي ، الوافي ج ١٢ ورقة ٤٣ وما بعدها.

ابن كثير ، البداية ٨ : ٣٣ ـ ٤٥.

ابن حجر ، تهذيب التهذيب ٢ : ٢٩٥.

ابن حجر ، الإصابة ٢ : ١١.

ابن العماد ، شذرات ١ : ٥٥. ]

٦٢

وثانيهم الحسن. وهو الحسن بن عليّ بن أبي طالب. القرشيّ الهاشميّ المدنيّ.

أبو محمد. سبط رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، وريحانته ، وابن فاطمة بنت رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، سيدة ( ١١ ب ) نساء العالمين ، رضي الله عنها وعنه.

ولد في نصف رمضان سنة ثلاث من الهجرة.

روى عن النبيّ ، صلّى الله عليه وسلّم ، أحاديث.

وروت عنه عائشة ، رضي الله عنها ، وجماعات من التابعين ، رضي الله عنهم. منهم : ابنه الحسن بن الحسن ، وأبو الحوراء (١) ، بالحاء المهملة ، ربيعة بن شيبان (٢) ، والشعبيّ ، وأبو وائل ، وابن سيرين.

توفي بالمدينة مسموما سنة تسع وأربعين ، وقيل سنة خمسين (٣) ، وقيل إحدى وخمسين. ودفن بالبقيع. وقبره فيه مشهور. وصلّى عليه سعيد بن العاص.

وكان الحسن ، رضي‌الله‌عنه ، شبيها بالنبيّ ، صلّى الله عليه وسلّم. سمّاه النبيّ ، صلّى الله عليه وسلّم ، وعقّ عنه يوم سابعه ، وحلق شعره ، وأمر أن يتصدّق بزنة شعره فضّة.

وهو خامس أهل الكساء.

__________________

(١) في تهذيب التهذيب ٢ : ٢٩٥ « أبو الجوزاء » بالمعجمة.

(٢) ص « سنان ». انظر تهذيب التهذيب ، ٢ : ٢٩٥.

(٣) ص « خمس ».

٦٣

قال أبو أحمد العسكري : سمّاه النبيّ ، صلّى الله عليه وسلّم ، الحسن. ولم يكن هذا الاسم يعرف في الجاهليّة.

ثمّ روى عن ابن الأعرابي عن الفضل ، رضي الله ( ١٢ آ ) عنهما ، قال : إنّ الله تعالى حجب اسم الحسن والحسين حتى سمّى النبيّ ، صلّى الله عليه وسلّم ، بهما ابنيه الحسن والحسين.

قال : قلت له : فالذين باليمن؟

قال : ذاك حسن بإسكان السين ، وحسين بفتح الحاء وكسر السين.

وأرضعته أمّ الفضل امرأة العبّاس مع ابنها قثم بن العبّاس.

ونقلوا أنّ الحسن ، رضي‌الله‌عنه ، حجّ ماشيا ، وكان يقول :

إني أستحيي من الله تعالى أن ألقاه ولم أمش إلى بيته.

وقاسم الله تعالى ماله ثلاث مرّات. فتصدّق بنصفه ، حتى كان يتصدّق بنعل ويمسك نعلا. وخرج عن ماله كلّه مرّتين.

وكان حليما كريما ورعا. دعاه حلمه وورعه إلى أن ترك الدنيا والخلافة لله تعالى.

وكان من المبادرين إلى نصرة عثمان ، رضي الله عنهما.

وولي الخلافة بعد قتل أبيه عليّ ، رضي الله عنهما. وكان قتل عليّ ، رضي‌الله‌عنه ، لثلاث عشرة بقيت من رمضان سنة أربعين. وبايعه أكثر من أربعين ألفا كانوا بايعوا أباه ( ١٢ ب ). وبقي نحو سبعة أشهر خليفة بالحجاز واليمن والعراق وخراسان وغير ذلك.

ثمّ سار إليه معاوية من الشام ، وسار هو إلى معاوية ، فلمّا تقاربا علم أنّه لن تغلب (١) إحدى الطائفتين. فأرسل إليه معاوية يبذل له تسليم

__________________

(١) ص « يغلب ».

٦٤

الأمر إليه ، على أن تكون له الخلافة من بعده ، وعلى أن لا يطلب أحد من أهل المدينة والحجاز والعراق بشيء ممّا كان أمام أبيه ، وغير ذلك من القواعد. فأجابه معاوية إلى ما طلب ، واصطلحا على ذلك. وظهرت المعجزة النبويّة في قوله ، صلّى الله عليه وسلّم ، للحسن ، رضي‌الله‌عنه : إنّ ابني هذا سيد يصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين.

قيل : وكان صلحهما لخمس بقين من ربيع الأوّل سنة إحدى وأربعين. وقيل في ربيع الآخر. وقيل في نصف جمادى الأولى (١) من السنة المذكورة.

وكان وصّى إلى أخيه الحسين ، رضي الله عنهما.

وروينا في صحيحي البخاري ومسلم ( ١٣ آ )

عن البراء قال : رأيت النبيّ ، صلّى الله عليه وسلّم ، والحسن ، رضي‌الله‌عنه ، على عاتقه وهو يقول : اللهمّ إني أحبّه فأحبّه.

وفي صحيح البخاري :

عن أسامة ، رضي‌الله‌عنه ، قال : كان النبيّ ، صلّى الله عليه وسلّم ، يأخذني فيقعدني على فخذه ، ويقعد الحسن على فخذه الآخر ، ثمّ يضمّهما ، ثمّ يقول : اللهمّ إني أرحمهما فارحمهما!

وفي صحيح البخاري أيضا :

عن أبي بكرة ، رضي‌الله‌عنه ، قال : سمعت رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، على المنبر ، والحسن إلى جنبه ، ينظر إلى الناس مرّة وإليه

__________________

(١) ص « الأول ».

٦٥

مرّة ، ويقول : إن ابني هذا سيد ، ولعلّ الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين.

وفي البخاري :

عن أنس ، رضي‌الله‌عنه ، قال : لم يكن أحد أشبه بالنبيّ ، صلّى الله عليه وسلّم ، من الحسن بن عليّ.

وفي البخاري :

عن ابن عمر ، رضي الله عنهما ، قال النبيّ ، صلّى الله عليه وسلّم ( ١٣ ب ) : هما ريحانتاي من الدنيا. يعني الحسن والحسين ، رضي الله عنهما.

وفي البخاري :

عن ابن عمر ، رضي الله عنهما ، قال : قال أبو بكر : ارقبوا محمدا ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ في أهل بيته.

وفي صحيح مسلم :

عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم : وتارك فيكم ثقلين : أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور. فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به. ـ فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ـ.

ثم قال : وأهل بيتي. أذكّركم الله في أهل بيتي.

وعن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم : الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة.

رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح.

وعن أسامة بن زيد قال : طرقت النبيّ ، صلّى الله عليه وسلّم ،

٦٦

ذات ليلة فخرج ، وهو مشتمل على شيء. قلت : ما هذا؟ فكشفه فإذا حسن وحسين ، رضي الله عنهما ( ١٤ آ ) على وركيه.

فقال : هذان ابناي وابنا ابنتي. اللهمّ إني أحبّهما فأحبّهما وأحبّ من يحبّهما.

رواه الترمذي عنه وقال : حديث حسن صحيح.

ومناقبه ، رضي‌الله‌عنه ، كثيرة مشهورة.

٦٧
٦٨

٣

الحسين بن علي

٦١ ه‍ ـ ٦٨٠ م

٦٩

[ المراجع ]

[ ابن سعد ، طبقات.

أبو مخنف ، مقتل الحسين. ( مخطوط )

اليعقوبي ، تاريخ ٢ : ٢١٦.

المسعودي ، مروج ٣ : ٦٤ ـ ٧٤.

الأصبهاني ، مقاتل ص ٧٨.

ابن عبد ربه ، العقد ٤ : ٣٧٦.

الخطيب ، تاريخ ١ : ٢٤١.

ابن عساكر ، تاريخ. ١١ ص ٢٥ ( مخطوطة التيمورية )

ابن الأثير ، تاريخ ٣ : ٢٦٦ ـ ٣٠٢.

ابن الأثير ، أسد الغابة ٢ : ١٨.

النووي ، تهذيب ١ : ١٦٢.

الذهبي ، تاريخ ٢ : ٣٤٠.

الذهبي ، سير ج ٤ ورقة ٧٠.

الصفدي ، الوافي ج ١٢ ورقة ١٨١ وما بعدها.

ابن كثير ، البداية ٨ : ١٤٩ ـ ٢١٢.

ابن حجر ، تهذيب التهذيب ٢ : ٣٤٥.

ابن حجر ، الإصابة ٢ : ١٨.

ابن العماد ، شذرات ١ : ٦٦. ]

٧٠

وثالثهم الحسين ، بضم الحاء ، ابن عليّ بن أبي طالب. القرشيّ الهاشميّ ، المدنيّ.

أبو عبد الله. سبط رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، وريحانته وهو وأخوه الحسن سيّدا شباب أهل الجنّة كما مرّ.

وقد سبق جملة من مناقبه في مناقب أخيه الحسن ، رضي الله عنهما ولد الحسين ، رضي‌الله‌عنه ، لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة. قاله الزبير بن بكّار وغيره.

وقال جعفر بن محمد : لم يكن بين الحمل بالحسين ، رضي‌الله‌عنه ، إلا طهر واحد (١).

وروينا في جامع الترمذي :

عن يعلى بن مرّة قال : قال رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم : حسين مني وأنا من حسين. أحبّ الله من أحبّ حسينا ( ١٤ ب ).

حسين سبط من الأسباط.

قال الترمذي : حديث حسن.

وروينا فيه :

عن عليّ ، رضي‌الله‌عنه ، قال : الحسن أشبه برسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، ما بين الصدر إلى الرأس. والحسين أشبه برسول الله ما كان أسفل من ذلك.

قال الترمذي : حديث حسن.

وقال الزبير بن بكّار : حدّثني مصعب قال :

__________________

(١) في تهذيب التهذيب : « كان بين الحسن والحسين طهر واحد » ٢ : ٣٤٥.

٧١

حجّ الحسين ، رضي‌الله‌عنه ، خمسا وعشرين حجّة ماشيا.

قالوا : وكان الحسين ، رضي‌الله‌عنه ، فاضلا ، كثير الصلاة والصوم والحج والصدقة وأفعال الخير جميعها.

قتل ، رضي‌الله‌عنه ، يوم الجمعة ، وقيل : يوم السبت يوم عاشوراء ، سنة إحدى وستين بكربلاء ، من أرض العراق. وقبره مشهور يزار ويتبرّك به. وحزن الناس عليه كثيرا ، وأكثروا فيه المراثي. وقد ذكرت منها عدّة في كتاب « هطل العين في مصرع الحسين ».

وله ، رضي‌الله‌عنه ، أولاد :

١ ـ عليّ الأكبر.

٢ ـ وعليّ الأصغر.

٣ ـ وفاطمة.

٤ ـ وسكينة.

رضي الله عنهم. ( ١٥ آ ).

روينا في تاريخ دمشق للحافظ بن عساكر (١) أن سكينة اسمها أميمة ، وقيل آمنة ، رضي الله عنها.

قدمت دمشق مع أهلها ، ثمّ خرجت إلى المدينة. ويقال ( إنها ) عادت إلى دمشق وإن قبرها (٢) بها. والصحيح وقول الأكثرين أنها توفيت بالمدينة يوم الخميس لخمس خلون من ربيع الأوّل سنة سبع عشرة ومائة.

وكانت من سادات النساء وأهل الجود والفضل ، رضي الله عنها وعن أبيها.

__________________

(١) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ( مخطوطة التيمورية ، ج ٨ ص ٣٤٨ ) وانظر الأغاني ١٤ : ١٧٠ ( ساسي ).

(٢) انظر عن القبر المنسوب لها بدمشق كتابنا : خطط دمشق ، ص ٥٧ والمصادر المذكورة هناك.

٧٢

٤

زين العابدين

٩٤ ه‍ ـ ٧١٢ م

٧٣

[ المراجع ]

[ ابن سعد ، طبقات ٥ : ٢١١.

اليعقوبي ، تاريخ ٣ : ٤٥.

المسعودي ، مروج ٣ : ١٦٩.

ابن عساكر ، تاريخ ١١ : ورقة ١٥ ب ـ ٢٩ ب. ( مخطوطة الظاهرية )

النووي ، تهذيب ١ : ٣٤٣.

ابن خلكان ، وفيات ١ : ٣٢٠.

الذهبي ، تاريخ ٤ : ٣٤.

الذهبي ، سير ج ٤ ، ورقة ٢٣٦ ب.

الصفدي ، الوافي ج ٢٠ ، ورقة ١٤٣.

ابن كثير ، ٩٠ : ١٠٣ ـ ١١٥.

ابن حجر ، تهذيب التهذيب ٧ : ٣٠٥.

ابن العماد ، شذرات ١ : ١٠٤. ]

٧٤

ورابعهم عليّ ، رضي‌الله‌عنه. وهو أبو الحسن عليّ بن الحسين ابن عليّ بن أبي طالب. المعروف بزين العابدين (١). ويقال له : عليّ الأصغر.

وليس للحسين ، رضي‌الله‌عنه ، عقب إلاّ من ولد زين العابدين هذا.

وهو من سادات التابعين.

قال الزهريّ : ما رأيت قرشيا أفضل منه.

وأمّه سلمة بنت يزدجرد (٢) آخر ملوك الفرس. وهي عمّة أمّ يزيد ابن الوليد الأموي المعروف بالناقص ، رضي الله عنهما ( ١٥ ب ).

وكان يقال لزين العابدين : ابن الخيرتين. لقوله ، صلّى الله عليه وسلّم : « لله تعالى من عباده خيرتان. فخيرته من العرب قريش. ومن العجم فارس ».

وذكر أبو القاسم الزمخشري في كتاب « ربيع الأبرار » أنّ الصحابة ، رضي الله عنهم ، لما أتوا بسبي فارس ، في خلافة عمر بن الخطّاب ، رضي‌الله‌عنه ، كان فيهم ثلاث بنات ليزدجرد. فباعوا السبايا. وأمر عمر ، رضي‌الله‌عنه ، ببيع بنات يزدجرد أيضا. فقال له عليّ ، رضي‌الله‌عنه : إنّ بنات الملوك [ لا ] يعاملن معاملة غيرهنّ من بنات السوقة.

__________________

(١) سمي بذلك لفرط عبادته ( شذرات ١ : ١٠٤ ).

(٢) ص « يزدجر » خطأ. انظر عن يزدجرد : كريستنسن : إيران في عهد الساسانيين ( ترجمة الدكتور يحيى الخشاب ).

٧٥

فقال : كيف الطريق إلى العمل معهنّ؟

فقال : يقوّمن ، ومهما بلغ ثمنهنّ قام به من يختارهنّ.

فقوّمن ، وأخذهنّ عليّ بن أبي طالب ، رضي‌الله‌عنه. فدفع واحدة لعبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما ، وواحدة لولده الحسين ، رضي‌الله‌عنه ، وأخرى لمحمد بن أبي بكر الصدّيق ، رضي الله ( ١٦ آ ) عنه.

فأولد عبد الله أمته ولده سالما ، رضي الله عنهما. وأولد الحسين أمته زين العابدين ، رضي الله عنهما. وأولد محمد أمته ولده القاسم ، رضي الله عنهما. فهؤلاء الثلاثة بنو خالة ، وأمّهاتهم بنات ليزدجرد.

وحكى المبرّد في كتاب « الكامل » ما مثاله : يروى عن رجل من قريش لم يسمّ لنا قال : كنت أجالس سعيد بن المسيّب ، رضي‌الله‌عنه ، فقال لي : من أخوالك؟ فقلت : أمي فتاة. فكأني نقصت من عينه.

فأمهلت حتى دخل سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطّاب ، رضي الله عنهم ، فلما خرج من عنده قلت :

ـ يا عمّ! من هذا؟

قال : سبحان الله! أتجهل مثل هذا من قومك؟ هذا سالم بن عبد الله بن عمر!

قلت : فمن أمّه؟

قال : فتاة.

قال : ثمّ أتاه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصدّيق ، رضي الله عنهم. فجلس ثم نهض.

٧٦

قلت : يا عمّ! من هذا؟

قال : أتجهل من أهلك مثله؟ ما أعجب هذا! هذا ( ١٦ ب ) القاسم بن محمد بن أبي بكر.

قلت : فمن أمّه؟

قال : فتاة!

فأمهلت حتى جاءه عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، رضي الله عنهم ، فسلّم عليه ، ثم نهض.

قلت : يا عمّ! من هذا؟

قال : هذا الذي لا يسع مسلما أن يجهله. هذا عليّ بن الحسين ابن عليّ بن أبي طالب.

قلت : فمن أمّه؟

قال : فتاة!

قلت : يا عمّ! رأيتك نقصت في عينك حين قلت لك إن أمّي فتاة. أفما لي أسوة بهؤلاء؟

فجللت في عينه جدّا.

وكان أهل المدينة يكرهون اتخاذ أمهات الأولاد ، حتى نشأ فيهم عليّ بن الحسين ، والقاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله ، ففاقوا الناس فقها وورعا. فرغب الناس في السراري.

وكان زين العابدين ، رضي‌الله‌عنه ، كثير البرّ بأمّه ، حتى قيل له : إنّك من أبرّ الناس بأمّك ، ولسنا نراك تأكل ( ١٧ آ ) معها في صحفة. فقال : أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها فأكون قد عققتها.

وهذا ضدّ قصّة أبي المخشن [ الأعرابي ] مع ابنته. فإنّه قال : كانت لي ابنة تجلس معي على المائدة ، فتبرز كفّا كأنّها طلعة ،

٧٧

في ذراع كأنّها جمارة (١) ، فما تقع عينها على لقمة نفيسة إلاّ خصّتني بها. فزوّجتها ، فصار يجلس معي على المائدة ابن لي فيبرز كفّا كأنّها كرنابة (٢) ، في ذراع كأنّها كربة (٣) ، فو الله ما تسبق عيني إلى لقمة طيبة إلا سبقت يده إليها.

وحكى ابن قتيبة في كتاب المعارف (٤) أن أمّ زين العابدين ، رضي‌الله‌عنه ، سندية يقال لها سلافة. ويقال : غزالة. وأنّه زوّجها بعد من مولاه. وأعتق جارية له وتزوّجها. [ فكتب إليه عبد الملك بن مروان يعيّره بذلك ]. فكتب إليه زين العابدين ، رضي‌الله‌عنه : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة. وقد أعتق رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، ( ١٧ ب ) صفيّة بنت حييّ بن أخطب وتزوّجها. وأعتق زيد بن حارثة وزوّجه بنت عمّته زينب بنت جحش.

وفضائل زين العابدين ومناقبه أكثر من أن تحصى. وكانت ولادته يوم الجمعة في بعض شهور سنة ثمان وثلاثين (٥) من الهجرة ، [ وتوفي سنة أربع وتسعين ] بالمدينة ، ودفن بالبقيع في قبر عمّه الحسن بن عليّ ، رضي الله عنهم ، في القبّة التي فيها العبّاس ، رضي‌الله‌عنه.

__________________

(١) الجمارة قلب النخلة. وتشبيه الذراع بها كناية عما فيها من البياض والرطوبة والبضاضة والغضاضة.

(٢) الكرنابة ما يبقى في النخلة من السعفة بعد قطعها.

(٣) الكربة بالتحريك الشيء المقطوع من النخلة. انظر القصة وتفسير الألفاظ في تحفة العروس ص ١٢٩.

(٤) ص « العارف » خطأ. انظر المعارف ( مخطوطة الزيتونة ، ورقة ٧٧ ب ) وقد قومنا النص واضفنا ما سقط منه من المعارف.

(٥) ص « ثمان وثلاثين ومائة » خطأ. وقد أضاف الناسخ لفظ مائة من عنده. وفي ولادة زين العابدين ووفاته اختلاف كبير أبانه تهذيب التهذيب. وقد رجحنا في وفاته ما قاله ابن حجر.

٧٨

٥

الباقر

١١٣ ه‍ ـ ٧٣١ م

٧٩

المراجع

[ اليعقوبي ، تاريخ ٣ : ٦٠.

المسعودي ، مروج ٣ : ٢٣٢.

ابن عساكر ، تاريخ ١٤ ، ورقة ٣٥٠ ب ـ ٣٥٨ آ ( مخطوطة الظاهرية )

النووي ، تهذيب ١ : ٨٧.

ابن خلكان ، وفيات ١ : ٤٥٠.

الذهبي ، تاريخ ٤ : ٢٩٩.

الذهبي ، سير ج ٤ ، ورقة ٢٤٠ آ.

الصفدي ، الوافي ج ٤ ، ورقة ٥٠.

ابن كثير ، البداية ٩ : ٣٠٩ ـ ٣١٢.

ابن حجر ، تهذيب التهذيب ٩ : ٣٥٠.

ابن العماد ، شذرات ١ : ١٤٩. ]

٨٠