الطريق الى خراسان

كمال السيد

الطريق الى خراسان

المؤلف:

كمال السيد


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 964-438-040-1
الصفحات: ٤١٢

لعزته واستسلم كل شيء لقدرته ، وتواضع كل شيء لسلطانه ، وعظمته ، واحاط بكل شيء علمه ، وأحصى عدده ، فلا يؤوده كبير ، ولا يعزب عنه صغير ، الذي لا تدركه أبصار الناظرين ، ولا تحيط به صفة الواصفين ، له الخلق والأمر والمثل الأعلى في السموات والأرض ، وهو العزيز الحكيم.

والحمد لله الذي شرع للإسلام دينا ، ففضله ، وعظّمه ، وشرفه ، وكرّمه ، وجعله الدين القيم الذي لا يقبل غيره ، والصراط المستقيم الذي لا يضل من لزمه ، ولا يهتدي من صرف عنه ، وجعل فيه النور والبرهان ، والشفاء والبيان ، وبعث به من اصطفى من ملائكته الى من اجتبى من رسله في الأمم الخالية ، والقرون الماضية حتى انتهت رسالته الى محمد المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فختم به النبيين وقفى به على آثار المرسلين ، وبعثه رحمة للعالمين ، وبشيراً للمؤمنين المصدقين ، ونذيراً للكافرين المكذبين لتكون له الحجة البالغة ، وليهلك من هلك عن بينة ، وان الله لسميع عليم.

والحمد لله الذي أورث أهل بيته مواريث النبوة ، واستودهم العلم والحكمة ، وجعلهم معدن الامامة والخلافة ، وأوجب ولايتهم ، وشرف منزلتهم ، فأمر رسوله بمسألة امته مودتهم اذ يقول : ( قل لا اسئلكم عليه أجراً الا المودة في القربي ) ١ وما وصفهم به من اذهاب الرجس عنهم ، وتطهيره اياهم في قوله : (انما يريد الله ليذهب عنكم

__________________

١. سورة الشورى : آية ٢٠.

٣٨١

الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ) ١.

ثم أن المأمون برَّ برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عترته ، ووصل أرحام أهل بيته ، فرد ألفتهم ، وجمع فرقتهم ، ورأب صدعهم ، ورتق فتقهم وأذهب الله به الضغائن والأحن بينهم ، واسكن التناصر ، والتواصل والمودة ، والمحبة قلوبهم ، فاصبحت بيمنه وحفظه ، وبركته ، وبره وصلته أيديهم واحدة ، وكلمتهم جامعة ، وأهواؤهم متفقة ، ورعى الحقوق لأهلها ، ووضع المواريث مواضعها ، وكافأ إحسان المحسنين ، وحفظ بلاء المبتلين ، وقرب وباعد على الدين ، ثم اختص بالتفضيل ، والتقديم والتشريف من قدمته مساعيه ، فكان ذلك ذا الرياستين فضل بن سهل ، إذ رآه له موازراً ، وبحقه قائماً ، وبحجته ناطقاً ، ولنقبائه نقيبا ، ولخيوله قائداً ، ولحروبه مدبراً ولرعيته سائساً ، وإليه داعيا ، ولمن أجاب الى طاعته مكافياً ، ولمن عدل عنها منابذاً ، وبنصرته متفرداً ، ولمرضى القلوب والنيات مداويا ، لم ينهه عن ذلك قلة مال ولا عواز رجال ولم يمل به الطمع ، ولم يلفته عن نيته وبصيرته وجل ، بل عندما يهول المهولون ، ويرعد ويبرق له المبرقون والمرعدون وكثرة المخالفين والمعاندين ، من المجاهدين والمختالين أثبت ما يكون عزيمة ، وأجرأ جنانا ، وانفذ مكيدة ، واحسن تدبيراً ، واقوى في تثبيت حق المأمون ، والدعاء إليه حتى غصم انياب الضلالة ، وفلّ حدّهم ، وقلم أظفارهم ، وحصد شوكتهم ، وصرعهم مصارع الملحدين في دينهم ، والناكثين

__________________

١. سورة الاحزاب : آية ٣٣.

٣٨٢

لعهده ، الوانين في أمره ، والمستخفين بحقه الآمنين لما حذر من سطوته وبأسه مع آثار ذي الرياستين في صنوف الأمم من المشركين ، وما زاد الله به في حدود دار المسلمين ، مما قد وردت انباؤه عليكم ، وقرئت به الكتب على منابركم ، وحملة أهل الآفاق إليكم الى غيركم فانتهى شكر ذي الرياستين بلاء امير المؤمنين عنده ، وقيامه بحقه ، وابتذاله مهجته ، ومهجة أخيه أبي محمد الحسن بن سهل الميمون النقيبة ، المحمود السياسة الى غاية تجاوز بها الماضين ، وفاز بها الفائزين.

وانتهت مكافأة امير المؤمنين إياه الى ما حصل له من الأموال والقطايع ، والجواهر ، وان كان ذلك لا يفي بيوم من أيامه ، ولا بمقام من مقاماته ، فتركه زهداً فيه ، وارتفاعاً من همته عنه ، وتوفيراً له على المسلمين ، واطراحاً للدنيا ، واستصغاراً لها ، وايثاراً للآخرة ومنافسة فيها.

وسأل امير المؤمنين ما لم يزل له سائلا ، وإليه فيه راغبا من التخلي والتزهد ، فعظم ذلك عنده وعندنا ، لمعرفتنا بما جعل الله عزّ وجلّ في مكانه الذي هو به من العز للدين والسلطان ، والقوة على صلاح المسلمين ، وجهاد المشركين ، وما أرى الله به من تصديق نيته ، ويمن نقيبه ، وصحة تدبيره ، وقوة رأيه ، ونجح طلبته ، ومعاونته ، على الحق والهدى ، والبر والتقوى ، فلما وثق أمير المؤمنين وثقنا منه ، بالنظر للدين ، وإثار ما فيه صلاحه ، وأعطيناه سؤاله الذي يشبه قدره ، وكتبنا له كتاب حباء وشرط ، قد نسخ في أسفل كتابي هذا ، وأشهدنا الله عليه ، ومن حضرنا من أهل بيتنا والقواد ، والصحابة ، والقضاة والفقهاء

٣٨٣

والخاصة والعامة.

وأمر أمير المؤمنين بالكتاب الى الآفاق ليذيع ، ويشيع في أهلها ويقرأ على منابرها ، ويثبت عند ولاتها وقضاتها ، فسألني أن أكتب بذلك ، وأشرح معانيه وهي على ثلاث ابواب :

ففي الباب الأول :

البيان عن كل آثاره التي أوجب الله بها حقه علينا ، وعلى المسلمين.

الباب الثاني :

البيان عن مرتبته في إزاحة علته في كل ما دبر ، ودخل فيه ولا سبيل عليه ، فيما ترك وكره ، وذلك لما ليس لخلق ممن في عنقه بيعة الا له وحده ولأخيه ، ومن إزاحة العلة تحكيمها في كل من بغى عليهما وسعى بفساد علينا وعليهما وعلى أوليائنا لئلا يطمع طامع في خلاف عليهما ، ولا معصية لهما ، ولا احتيال في مدخل بيننا وبينكم.

الباب الثالث :

البيان عن عطائنا إياه ما أحب من ملك التخلي وحلية الزهد ، وحجة التحقيق لما سعى فيه من ثواب الآخرة بما يتقرر في قلب من كان شاكّاً في ذلك منه ، وما يلزمنا له من الكرامة والعز والحباء الذي بذلناه له ولأخيه في منعهما ما نمنع منه أنفسنا ، وذلك محيط بكل ما

٣٨٤

يحتاط فيه محتاط في أمر دين ودنيا .. » ١.

توقيع المأمون : توقيع الامام الرضا :

بسم الله الرحمن الرحيم : « قد أوجب

بسم الله الرحمن الرحيم « قد الزم علي

أمير المؤمنين على نفسه جميع ما هذا

بن موسى الرضا نفسه بجميع ما في هذا

الكتاب ، واشهد الله تعالى ، وجعله عليه

الكتاب ، على ما أكد فيه ، في يومه وغده ما

داعيا وكفيلا » وكتب بخطه في صفر سنة

دام حيا ، وجعل الله تعالى عليه داعياً

(٢٠٢) تشريفا للحباء ، وتوكيداً للشروط.

وكفيلاً ، وكفى بالله شهيداً ».

وكتب بخطه في هذا الشهر ـ أي صفر ـ

من هذه السنة ـ أي سنة (٢٠٢ هـ) والحمد لله

رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآله

وسلم ، وحسبنا الله ، ونعم الوكيل.

المصادر :عيون أخبار الرضا /١٥٤ ، حياة الامام الرضا ٢/٣٤٤ـ٣٤٩.

ــــــــــــــــــ

١. هناك مؤشرات تؤكد تزوير الكتاب من قبل ذي الرئاستين ، يدلّ على ذلك انشائه بالرغم من المهارة الفائقة في صياغته ويصطدم الكتاب مع طبيعة الامام اضافة الى تناقضه مع مبادئه وخلقه السامي.

كما أن الفترة الزمنية بين اعداده ٧ رمضان ٢٠١ هـ وتوقيعه المزعوم صفر ٢٠٢ ترسم علامة استفهام مثيرة.

كما لا يوجد دليل يمنع الباحث من اتهام المأمون بتلفيق هذه الوثيقة.

٣٨٥

الملحق رقم ٦

نص الرسالة الذهبية في الطب والصحّة العامة

نص الرسالة الذهبية التي كتبها الامام الرضا إثر حوار دار بين كل من الخليفة المأمون ، يوحنا بن ماسويه ، جبريل بن يخشوع ، صالح بن بهله الهندي وقد خاض هؤلاء في البحوث الطبيّة والصحة العامة والامام الرضا ساكت لا يتكلم فقال المأمون :

فأجاب الامام :

ـ عندي ما جرّبته ، وعرفته صحته بالاختبار ومرور الايام مع ما وقفني عليه من مضى من السلف ، مما لا يسع الانسان جهله ، ولا يعذر في تركه ، فأنا أجمع ذلك مع ما يقاربه مما يحتاج الى معرفته :

٣٨٦

« اعلم يا أمير المؤمنين ان الله تعالى لم يبتل عبده المؤمن ببلاء حتى جعل له دواء يعالج به ، لكل صنف من الداء صنف من الدواء وتدبير نعت ذلك .. ».

« إن الأجسام الانسانية جعلت في مثال الملك ، فملك الجسد هو القلب ، والعمال العروق والأوصال ، والدماغ. وبيت الملك قلبه ، وأرضه الجسد ، والأعوان يداه ، ورجلاه وعيناه ، وشفتاه ولسانه وأذناه ، وخزانته معدته وبطنه ، حجابه صدره ، فاليدان عونان يقربان ، ويبعدان ويعملان على ما يوحي اليهما الملك ، والرجلان تنقلان الملك حيث يشاء ، والعينان تدلان على ما يغيب عنه ، لأن الملك وراء حجاب لا يوصل إليه الا بهما ، وهما سراجاه أيضاً ، وحصن الجسد وحرزه ، والأذنان لا تدخلان على الملك الا ما يوافقه لأنهما لا يقدران أن يدخلا شيئاً حتى يوحي الملك اليهما ، فإذا أوحى إليهما أطرق الملك منصتا لهما حتى يسمع منهما ، ثم يجيب بما يريد فيترجم عنه اللسان بأدوات كثيرة ، منها ريح الفؤاد ، وبخار المعدة ، ومعونة الشفتين ، وليس للشفتين قوة الا بالانسان ، وليس يستغني بعضها عن بعض .. ».

« والكلام لا يحسن الا بترجيعه في الأنف لأن الأنف يزين الكلام كما يزين النفخ المزمار ، وكذلك المنخران هما ثقبا الأنف

٣٨٧

يدخلان على الملك بما يحب من الريح الطيّبة فاذا جاءت ريح تسوء على الملك أوحى الى اليدين ، فحجبتا بين الملك وتلك الريح ، وللملك على هذا ثواب وعقاب ، فعذابه أشد من عذاب الملوك الناظرة القاهرة في الدنيا ، وثوابه أفضل من ثوابهم ، فأما عذابه فالحزن ، وأما ثوابه فالفرح وأصل الحزن في الطحال ، وأصل الفرح في الترب والكليتين ومنهما يوصلان الى الوجه ، فمن هناك يظهر الفرح والحزن فيرى علامتها في الوجه ، وهذه العروق كلها طرق من العمال الى الملك ، ومن الملك الى العمال. ومصداق ذلك انه إذا تناولت الدواء أدّته العروق الى موضع الداء بإعانتها .. ».

« واعلم يا أمير المؤمنين أن الجسد بمنزلة الأرض الطيبة متى تعوهدت بالعمارة والسقي من حيث لا يزداد في الماء فتغرق ، ولا ينقص منه فتعطش دامت عمارتها ، وكثر ريعها وزكى زرعها ، وان تغوفل فسدت ، ولم ينبت فيها العشب فالجسد بهذه المنزلة ، وبالتدبير في الأغذية والأشربة يصلح ، وتزكو العافية.

فانظر يا أمير المؤمنين ما يوافقك ، ويوافق معدتك ، ويقوى عليه بدنك ، ويستمر به من الطعام ، فقدره لنفسك ، واجعله غذاءك.

واعلم يا أمير المؤمنين ان كل واحدة من هذا الطبايع تحت ما يشالكها فاغتذ ما يشاكل جسدك ، ومن أخذ من الطعام زيادة لم يغذه ،

٣٨٨

ومن أخذه بقدر لا زيادة عليه ، ولا نقص في غذائه نفعه ، وارفع يديك منه ، وبك اليه بعض القرم ١ ، وعندك اليه ميل فانه أصلح لمعدتك ولبدنك ، وأزكى لعقلك ، وأخف لجسمك .. ».

« واعلم يا أمير المؤمنين كل البارد في الصيف ، والحار في الشتاء المعتدل في الفصلين على قدر قوتّك وشهوتك ، وابدأ بأول الطعام بأخف الأغذية التي تغتذي بها بدنك بقدر مادتك ، وبحسب طاقتك ونشاطك ، وزمانك الذي يجب أن يكون أكلك في كل يوم عندما يمضي من النهار ثمان ساعات أكلة واحدة ، أو ثلاث أكلات في يومين ، تتغذى باكراً في أول يوم ، ثم تتعشى ، فاذا كان في اليوم الثاني عند مضي ثمان ساعات من النهار أكلت أكلة واحدة ، ولم تحتج الى العشاء ، كذا أمر جدي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياً عليه‌السلام في كل يوم وجبة وفي غده وجبتين ، وليكن ذلك بقدر لا يزيد ولا ينقص ، وارفع يديك من الطعام وأنت تشتهيه ، وليكن شرابك على أثر طعامك .. ».

« ونذكر الآن ما ينبغي ذكره من تدبير فصول السنة ، وشهورها الرومية الواقعة فيها في كل فصل على حدة وما يستعمل من الأطعمة

ــــــــــــــــــ

١. الاشتهاء والميل.

٣٨٩

والأشربة ، وما يجتنب منه ، وكيفية حفظ الصحة من أقاويل القدماء .. ».

« اما فصل الربيع فانه من روح الزمان ، وأوله :

(آذار) وعدة أيامه ثلاثون يوماً ، وفيه يطيب الليل والنهار ، وتلين الأرض ، وتذهب سلطان البلغم ، ويهيج الدم ، ويستعمل من الغذاء اللطيف واللحوم ، ويتقى فيه أكل البصل والثوم والحامض ، ويستعمل فيه شرب المسهل ، ويستعمل فيه الفصد والحجامة .. ».

(نيسان) ثلاثون يوماً يطول فيه النهار ، ويقوى مزاج الفصل ويتحرك الدم ، وتهب فيه الرياح الشرقية ، يستعمل فيه من المآكل المشوية ، وما يعمل بالخل ولحوم الصيد ، وتالج بالجماع والتمريغ بالدهن في الحمام ، ويشرب الماء على الريق ، ويشم الرياحين والطيب .. ».

(آيار) واحد وثلاثون يوماً ، تصفو فيه الرياح ، وهو آخر فصل الربيع ، وقد نهي فيه عن الملوحات واللحوم الغليظة كالرؤوس ولحوم البقر ، واللبن ، وينفع فيه دخول الحمام أول النهار وتكره فيه الرياضة قبل الغداء ... ».

« (حزيران) ثلاثون يوماً يذهب فيه سلطان الدم ، ويقبل زمان

٣٩٠

المرة الصفراء ، وينهى فيه عن التعب ، وأكل اللحم دائماً ، والاكثار منه ، وشم المسك والعنبر ، وينفع فيه أكل البقول الباردة ، كالهندباء ، والبقلة الحمقا ، وأكل الخضر كالخيار والشيرخشت ، والفاكهة الرطبة ، واستعمال المحمضات ، ومن اللحوم المعز الثني ، والجدي ومن الطيور الدجاج ، والطيهوج ، والدراج ، والألبان والسمك الطري ... ».

« (تموز) : واحد وثلاثون يوماً فيه شدة الحرارة ، وتغور المياه ، ويستعمل في شرب الماء البارد على الريق ، وتؤكل فيه الأشياء الباردة الرطبة ، وتؤكل فيه الأغذية السريعة الهضم ـ كما ذكر في حزيران ـ ويستعمل فيه من الشموم والرياحين الباردة الرطبة الطيبة الرائحة .. ».

« (آب) : واحد وثلاثون يوماً ، وفيه تشتد السموم ، ويهيج الزكام بالليل ، ويهب الشمال ، ويصلح المزاج بالتربيد ، والترطيب ، وينفع فيه شرب اللبن الرائب ، ويجتنب في الجماع والمسهل ويقل من الرياضة ، ويشم الرياحين الباردة .. ».

« (ايلول) : ثلاثون يوماً فيه يطيب الهواء ، ويقوى سلطان المرة السوداء ، ويصلح شرب المسهل ، وينفع فيه أكل الحلاوات وأصناف اللحوم المعتدلة ، كالجداوي ، والحوالي من الضأن ويجتنب لحم البقر ،

٣٩١

والإكثار من لحم الشواء ، ودخول الحمام ويستعمل فيه الطيب المعتدل المزاج ، ويجتنب فيه أكل البطيخ والقثاء ... ».

« (تشرين الأول) : واحد وثلاثون يوماً ، فيه تهب الرياح المختلفة ، ويتنفس فيه ريح الصبا ، ويجتنب فيه الفصد ، وشرب الدواء ، ويحمد فيه الجماع ، وينفع فيه أكل اللحم بالتوابل ، ويقلل فيه شرب الماء ، وتحمد فيه الرياضة ... ».

« (تشرين الثاني) : ثلاثون يوماً فيه يقع المطر الموسمي ، ونُهي فيه عن شرب الماء بالليل ، ويقلل من دخول الحمام والجماع ، ويشرب بكرة كل يوم جرعة ماء حار ، ويجتنب أكل البقول كالكرفس والنعنع والجرجير ... ».

« (كانون الأول) : واحد وثلاثون يوماً تقوي فيه العواصف ويشتد فيه البرد ، وينفع فيه كل ما ذكر في (تشرين الثاني) ويحذر فيه من أكل الطعام البارد ، ويتقى فيه الحجامة والفصد ويستعمل فيه الأغذية الحارة بالقوة والفعل ».

« (كانون الثاني) : واحد وثلاثون يوماً يقوى فيه غلبة بلغم ينبغي

٣٩٢

أن يتجرع فيه الماء بالريق ، ويحمد فيه الجماع ، وينفع الاحساء فيه مثل البقول الحارة كالكرفس ، والجرجير ، والكراث ، وينفع فيه دخول الحمام ، والتمريخ بدن الخيري وما ناسبه ويحذر فيه الحلو ، وأكل السمك الطري واللبن ... ».

« (شباط) : ثمانية وعشرون يوماً تختلف فيه الرياح ، وتكثر الأمطار ويظهر العشب ، ويجري فيه الماء في الغور ، وينفع فيه أكل الثوم ، ولحم الطير والصيود والفاكهة ، ويقلل من أكل الحلاوات ويحمد فيه كثرة الحركة والرياضة ... ».

« اعلم يا أمير المؤمنين إن قوة النفس تابعة لأمزجة الأبدان ، وان الأمزجة تابعة للهواء ، وتتغير بحسب الهواء ، في الأمكنة ... ».

صفة الشراب الذي يحل شربه ، واستعماله بعد الطعام ، وقد تقدم ذكر نفعه في ابتدائنا بالقول على فصول السنة ، وما يعتمد فيها من حفظ الصحة ، وصفته هو أن يؤخذ من الزبيب المنقى عشرة أرطال ١ فيغسل وينقع في ماء صاف في غمرة ، وزيادة عليه أربع أصابع ويترك في انائه ،

__________________

١. الرطل : وزنه قرابة ٣٤٠ غراما.

٣٩٣

ذلك ثلاثة في الشتاء ، وفي الصيف يوم وليلة ثم يجعل في قدر نظيف ، وليكن الماء ماء السماء إن قدر عليه ، والا فمن الماء العذب الذي ينبوعه من ناحية المشرق ماء براقاً ، أيضاً خفيفاً ، وهو القابل لما يعترضه على سرعة من السخونة والبرودة وتلك دلالة على صفاء الماء ، ويطبخ حتى ينتفخ الزبيب وينضج ثم يعصر ويصفى ماؤه ويبرد ، ثم يرد الى القدر ثانياً ويؤخذ مقداره بعود ويغلى بنار ليّنة غلياناً ليناً رقيقاً حتى يمضي ثلثاه ، ثم يؤخذ من عسل النحل المصفى رطل فيلقى عليه ، ويؤخذ مقداره مقدار الماء الى اين كان من القدر ويغلى حتى يذهب قدر العسل ، ويعود الى حده ، ويؤخذ خرقة صفيقة ١فيجعل فيها زنجبيل وزن درهما ٢ ومن القرنفل نصف درهم ، ومن الدارجين نصف درهم ومن الزعفران درهم ، ومن سنبل الطيب نصف درهم ومن الهندباء مثله ، بعد أن يسحق الجميع كل واحد على حدة ويجعل في الخرقة ويشد بخيط شداً جيداً ، وتلقى فيه وتمرس الخرقة في الشراب بحيث تنزل قوى العقاقير التي فيها ولا يزال يعاهدها بالتحريك على نار ليّنة برفق حتى يذهب عنه مقدار العسل ويرفع القدر ، ويبرد ، ويؤخذ ٣ مدة ثلاثة أشهر حتى يتداخل مزاجه بعضه ببعض ، وحينئذ يستعمل ، ومقدار ما

ــــــــــــــــــ

١. صفيقة : أي خفيفة.

٢. وزن الدرهم : ٢/٥ غراما.

٣. يؤخذ : أي يترك.

٣٩٤

يشرب منه أوقية الى أوقيتين من الماء القراح فاذا أكلت يا أمير المؤمنين مقدار ما وصفت لك من الطعام فاشرب من هذا الشراب مقدار ثلاثة أقداح بعد طعامك ، فاذا فعلت ذلك فقد أمنت باذن الله يومك وليلتك من الأوجاع الباردة المزمنة كالنقرس ، والرياح ، وغير ذلك من أوجاع العصب والدماغ ، والمعدة ، وبعض أوجاع الكبد والطحال والامعاء ، والأحشاء فإن صادفت بعد ذلك بشهوة الماء فلتشرب منه مقدار النصف مما كان يشرب قبله ، فانه أصلح لبدن أمير المؤمنين ، وأكثر وأشد لضبطه وحفظه.

فان صلاح البدن وقوامه يكون بالطعام والشراب ، وفساده يكون بهما ، فان اصلحتهما صلح البدن ، وان افسدتهما فُسد البدن ... ».

« واعلم يا أمير المؤمنين أن النوم سلطان الدماغ ، وقوام الجسد وقوته ، فإذا أردت النوم فليكن اضطجاعاً أولاً على شقك الأيمن ، ثم انقلب على الأيسر ، وكذلك فقم من مضجعك ، ونم على شقك الأيمن كما بدأت به عند نومك ، وعود نفسك القعود من الليل ، وادخل الخلاء لحاجة الانسان ، والبث فيه بقدر ما تقضي حاجتك ، ولا تطل فيه ، فان ذلك يورث داء الفيل ».

٣٩٥

« واعلم يا أمير المؤمنين إن أجود ما استكت به ليف الاراك ١ فانه يجلو الأسنان ، ويطيب النكهة ، ويشد اللثة ، وهو نافع من الحفر ٢ اذا كان ذلك باعتدال ، والاكثار منه يرق الاسنان ، ويزعزعها ويضعف أصولها.

فمن أراد حفظ الاسنان فليأخذ قرن الأيل ٣ محرقاً وكزمازجار ٤ وسعداً وورداً ، وسنبل الطيب ، وحب الأثل ٥ جزاء سواء ، وملحاً اندرانيا ٦ ربع جزء ، فيدق الجميع ناعماً ويستن به ، فانه يمسك الاسنان ، ويحفظ أصولها من الآفات العارضة ، ومن أراد أن تبيض أسنانه فليأخذ جزءاً من ملح اندراني ، ومثله زبد البحر فيسحقها ناعما ، ويستن به ... ».

« واعلم يا أمير المؤمنين إنّ أحوال الانسان التي بناها الله تعالى عليها ، وجعله متصرفاً بها أربعة أحوال : الحالة الأولى : خمس عشرة سنة ، وفيها شبابه ، وحسنه وبهاؤه ، وسلطان الدم في جسمه ، ثم الحالة الثانية من خمس عشرة سنة الى خمس وثلاثين سنة ، وفيها سلطان المرة الصفراء ، وقوة غلبتها على الشخص وهي أقوى ما يكون ولا يزال

__________________

١. ليف الأراك : غصن شجرة الأراك.

٢. الحفر : داء يصيب الاسنان.

٣. الأيل : الوعل.

٤. الكزمارج : ثمرة شجرة الطرفاء.

٥. حب الأثل : ثمرة شجرة الطرفاء.

٦. الملح الاندراني : يشبه البلور.

٣٩٦

كذلك حتى يستوفي المدة المذكورة وهي خمس وثلاثون سنة ، ثم يدخل في الحالة الثالثة الى ان تتكامل مدة العمر ستون سنة ، فيكون في سلطان المرة السوداء وهي سن الحكمة والمعرفة ، والدراية ، وانتظام الأمور وصحة في العواقب ، وصدق الرأي ، وثبات الجأش في التصرفات ، ثم يدخل في الحالة الرابعة وهي سلطان البلغم وهي الحالة التي يتحول عنها ما بقي الى الهرم ونكد العيش ، وذبول ونقص في القوة ، وفساد في تكونه ، واستنكار كل شيء كان يعرف من نفسه حتى صار ينام عند القوم ، ويسهر عند النوم ، ويتذكر ما تقدم ، وينسى ما يحدث في الأوقات ، ويذبل عوده ، ويتغير معهوده ، ويجف ماء رونقه وبهاؤه ، ويقل نبت شعره وأظفاره ، ولا يزال جسمه في انعكاس وادبار ما عاش لأنه في سلطان البلغم ، وهو بارد وجامد ، فجموده وبرده يكون فناء كل جسم تستولي عليه في الأخير القوة البلغمية ... ».

« وقد ذكرت لأمير المؤمنين جميع ما يحتاج اليه في سياسة المزاج ، وأحوال جسمه ، وعلاجه ، وأنا أذكر ما يحتاج الى تناوله من الأغذية والأدوية وما يجب ان يفعله في أوقاته.

فإذا أردت الحجامة فليكن في اثنتي عشر ليلة من الهلال الى خمس عشرة ، فانه أصلح لبدنك ، فاذا نقص الشهر فلا تحتجم الا تكون مضطراً الى ذلك ، وهو لأن الدم ينقص في نقصان الهلال ، ويزيد في

٣٩٧

زيادته ولتكن الحجامة بقدر ما يمضي من السنين ، فابن عشرين سنة يحتجم في كل عشرين يوماً ، وابن الثلاثين في كل ثلاثين يوماً مرة واحدة ، وكذا من بلغ من العمر اربعين سنة يحتجم في كل اربعين يوماً مرة ، وما زاد فبحسب ذلك.

واعلم يا أمير المؤمنين ان الحجامة انما يؤخذ دمها من صغار العروق المبثوثة في اللحم ، ومصداق ذلك ما ذكرته أنها لا تضعف القوة ، كما يوجد من الضعف عند الفصد ، وحجامة النقر ١ تنفع من ثقل الرأس ، وحجامة الأخدعين ٢ تخفف عن الرأس والوجه والعينين ، وهي نافعة لوجه الاضراس ، وبما ناب الفصد عن جميع ذلك ، وقد يحتجم تحت الذقن لعلاج القلاع ٣ في الفم ، ومن فساد اللثة ، وغير ذلك من أوجاع الفم ، وكذلك الحجامة بين الكتفين تنفع من الخفقان الذي يكون من الامتلاء والحرارة ، والذي يوضع على الساقين قد ينقص من الامتلاء نقصاناً بيناً ، وينفع من الأوجاع المزمنة في الكلى والمثانة والأرحام ، ويدرّ الطمث ، غير انها تنهك الجسد وقد يعرض منها الغشي الشديد الا أنها تنفع ذوي الثبور والدماميل.

والذي يخفف من ألم الحجامة تخفيف المص عند أول ما يضع

__________________

١. نقرة : حفرة في القفا فوق فقرات العنق باربع أصابع.

٢. الاخدعان ، عرقان خلف العنق من يمينه وشماله في صفحتي العنق.

٣. القلاع : قرحة في جلد الفم واللسان.

٣٩٨

المحاجم ثم يدرج المص قليلاً ، والثواني أزيد في المص من الأوايل ، وكذلك الثوالث فصاعداً ، ويتوقف عن الشرط حتى يحمّر الموضع جيداً بتكرير المحاجم عليه ، ويلين المشراط على جلود لينة ، ويمسح الموضع قبل شرطه بالدهن وكذلك الفصد فانه يقلل الألم ، وكذلك يلين المشرط والمبضع عند الحجامة ، وعند الفراغ منها يلين الموضع بالدهن ، ويقطر على العروق إذا فصد شيئاً من الدهن لكيلا يحتجب فيضرّ ذلك بالمفصود ، وليعمد الفاصد أن يفصد من العروق ما كان في المواضع القليلة اللحم لأن في قلة الحم من فوق العروق قلة الألم ، واكثر العروق الماً إذا فصد حبل الذراع ١ والقيفال ٢ لاتصالها بالعضد ٣وصلابة الجلد فأما الباسليق ٤ والأكحل فإنهما في الفصد أقل ألماً ، إذا لم يكن فوقها لحم ، والواجب تكميد ٥ موضع الفصد بالماء الحار ليظهر الدم ، وخاصة في الشتاء ، فانه يلين الجلد ، ويقلل الألم ، ويسهل الفصد ، ويجب في كل ما ذكرناه من إخراج الدم اجتناب النساء قبل ذلك باثنتي عشرة ساعة.

__________________

١. حبل الذراع : الوريد الذي يعتد من الساعد الى الأعلى.

٢. القيفال : الوريد الذي يظهر عند المرفق.

٣. في نسخة (بالعضل) والصحيح العضد.

٤. الباسليق : الوريد الظاهر من المرفق الى الساعد.

٥. التكميد : هو لف العضو بلفاف ونحوه.

٣٩٩

ويحتجم في يوم صاح ، صاف لا غيم فيه ، ولا ريح شديدة ، ويخرج من الدم قدر ما يُرى من تغيره ، ولا تدخل يومك ذلك الحمام ، فانه يورث الداء ، وصب على رأسك وجسدك الماء الحار ، ولا تفعل ذلك من ساعتك.

وإياك والحمام إذا احتجمت فإن الحمى الدائمة تكون فيه ، فاذا اغتسلت من الحجامة فخذ خرقة مرغزي ١ فالقها على محاجمك أو ثوباً ليناً من قز أو غيره ، وخذ قدر حمصة من الترياق الأكبر ٢ واشربه ان كان شتاء ، وان كان صيفاً فاشرب السكنجبين العنصلي ٣ ، وامزجه بالشراب المفرح المعتدل ، وتناوله ، او بشراب الفاكهة ، وان تعذر ذلك فشراب الأترج ، فان لم تجد شيئاً فتناوله ـ أي الأترج ـ بعد علكه ناعماً تحت الأسنان ، واشرب عليه جرع الماء الفاتر. وان كان ذلك في زمان الشتاء والبرد فاشرب عليه السكنجبين العسلي فانك متى فعلت ذلك أمنت من اللقوة والبرص والبهق والجذام باذن الله تعالى ، وامتص من الرمان فإنّه يقوي النفس ، ويحيي الدم ، ولا تأكل طعاماً مالحاً بعد ذلك بثلاث ساعات فانه يخاف ان يعرض من ذلك الجرب ، وإن شئت فكل من

__________________

١. المرغزي : هو الزغب الذي تحت شعر العنز.

٢. الترياق الأكبر : هو من الأدوية القديمة.

٣. العنصلي : هو البصل البري ، ولعل الصحيح العسلي.

٤٠٠