الطريق الى خراسان

كمال السيد

الطريق الى خراسان

المؤلف:

كمال السيد


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 964-438-040-1
الصفحات: ٤١٢

فيهم تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون ، فأيكم ليس معه تسعة وتسعون من المفسدين في الأرض ، وقد اتخذتموهم شعاراً ، ودثاراً ، استخفافاً بالمعاد ، وقلة يقين بالحساب. وأيكم له رأي يتبع ، أوروية تنفع ، فشاهت الوجوه ، وعفرت الخدود.

وأما ما ذكرتم : من العثرة كانت في أبي الحسن عليه‌السلام نور الله وجهه ، فلعمري. إنها عندي للنهضة والاستقلال ، الذي أرجو به قطع الصراط ، والأمن والنجاة من الخوف يوم الفزع الاكبر. ولا أظن عملاً وهو عندي أفضل من ذلك ، الا أن أعد بمثلها إلى مثله ، وأين لي بذلك ، وأنى لكم بتلك السعادة ..

وأما قولكم : إني سفهت آراء آبائكم ، وأحلام أسلافكم ، فكذلك قال مشركوا قريش : « إنا وجدنا آباءنا على أُمة ، وإنا على آثارهم مقتدون ». ويلكم ، إن الدين لا يؤخذ الا من الأنبياء ، فافقهوا ، وما أراكم تعقلون ..

وأما تعبيركم إياي : بسياسة المجوس إياكم ، فما أذهبكم عن الانفة من ذلك ، ولو ساستكم القردة والخنازير ، وما أردتم الا أمير المؤمنين .. ولعمري ، لقد كانوا مجوساً فأسلموا ، كآبائنا ، وأُمهاتنا في القديم ، فهم المجوس الذين أسلموا وأنتم المسلمون الذين ارتدوا ، فمجوسي أسلم خير من مسلم ارتد ، فهم يتناهون عن المنكر ، ويأمرون بالمعروف ، ويتقربون من الخير ، ويتباعدون من الشر ، ويذبّون عن حرم المسلمين ، يتباهجون بما نال الشرك وأهله من المنكر ، ويتباشرون بما

٣٦١

نال الاسلام وأهله من الخير .. منهم من قضى نحبه ، ومنهم من ينتظر ، وما بدلوا تبديلاً.

وليس منكم الا لاعب بنفسه ، مأفون في عقله وتدبيره : إما مغن ، أو ضارب دف ، أو زامر. والله ، لو أن بي أُمية الذين قتلتموهم بالأمس نشروا ، فقيل لهم : لا تأنفوا من معائب تنالوهم بها ، لما زادوا على ما صبرتموه لكم شعاراً ودثاراً ، وصناعة وأخلاقاً ..

ليس منكم الا من إذا مسه الشر جزع ، وإذا مسه الخير منع ، ولا تأنفون ، ولا ترجعون الا خشية ، وكيف يأنف من يبيت مركوباً ١ ، ويصبح باثمه معجباً ، كأنه قد اكتسب حمداً ، غايته بطنه وفرجه ، لا يبالي أن ينال شهوته بقتل ألف نبي مرسل ، أو ملك مقرب. أحب الناس إليه من زيّن له معصية ، أو أعانه في فاحشة ، تنظفه المخمورة ، وتربده المطمورة ، فشتت الأحوال .. فإن ارتدعتم مما أنتم فيه من السيئات والفضائح ، وما تهذرون به من عذاب ألسنتكم .. والا فدونكم تعلموا بالحديد .. ولا قوة الا بالله ، وعليه توكلي ، وهو حسبي ».

المصادر : البحار ٤٩/٢٠٨ ، قاموس الرجال ١٠/٣٥٦ ، ينابيع المودّة /٤٨٤ ، الغدير ١/٢١٢ ، عبقات الانوار ١/١٤٧.

__________________

١. تكشف هذه الفقرات وفقرات سابقة مستوى انحطاط العباسيين الاخلاقي.

٣٦٢
٣٦٣

الملحق رقم ٣

نص الرسالة الجوابية التي بعث بها عبد الله بن

موسى بن جعفر الصادق من محلّ اختفائه الى

المأمون ؛ وكان الأخير قد عرض عليه ولاية العهد!

بسم الله الرحمن الرحيم

« .. وصل كتابك ، وفهمته ، تختلني فيه عن نفسي ختل القانص ، وتحتال على حيلة المغتال ، القاصد لسفك دمي ..

وعجبت مني بذلك العهد ، وولايته لي بعدك ؛ كأنك تظن أنه لم يبلغني ما فعلته بالرضا!! ففي أي شيء ظننت أني أرغب من ذلك؟!. أفي الملك الذي قد غرتك نضرته وحلاوته؟!. فوالله ، لأن أقذف ـ وأنا حي ـ في نار تتأجج أحب إليَّ من أن ألي أمراً بين المسلمين ، أو أشرب شربة من غير حلها ، مع عطش شديد قاتل ..

أم في العنب المسموم ، الذي قتلت به الرضا؟!.

٣٦٤

أم ظننت أن الاستتار قد أملني ، وضاق به صدري؟!. فوالله ، إني لذلك ، ولقد مللت الحياة ، وأبغضت الدنيا ، ولو وسعني في ديني أن أضع يدي في يدك ، حتى تبلغ من قبلي مرادك ، لفعلت ذلك ، ولكنَّ الله قد حظر عليَّ المخاطرة بدمي ، وليتك قدرت علي ، من غير أن أبذل نفسي لك ، فتقتلني ، ولقيت الله عز وجل بدمي ، ولقيته قتيلاً مظلوماً ؛ فاسترحت من هذه الدنيا ..

وأعلم : أني رجل طالب النجاة لنفسي ، واجتهدت فيما يرضي الله عز وجل عني ، وفي عمل أتقرب به إليه ؛ فلم أجد رأياً يهدي إلى شيء من ذلك ، فرجعت إلى القرآن ، الذي فيه الهدى والشفاء ، فتصفحته سورة سورة ، وآية آية ، فلم أجد شيئاً أزلف للمرء عند ربه ، من الشهادة في طلب مرضاته ..

ثم تتبعته ثانية ، أتأمل الجهاد أيَّه أفضل ، ولأي صنف ، فوجدته جل وعلا يقول : ( قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ، وليجدوا فيكم غلظةً ) ، فطلبت أي الكفار أضرّ على الإسلام ، وأقرب من موضعي ، فلم أجد أضرّ على الاسلام منك ، لأن الكفار أظهروا كفرهم ، فاستبصر الناس في أمرهم ، وعرفوهم فخافوهم .. وأنت ختلت المسلمين بالإسلام ، وأسررت الكفر ، فقتلت بالظنة ، وعاقبت بالتهمة ، وأخذت مال الله من غير حله ، فأنفقته في غير حله ، وشربت الخمر المحرمة صراحاً ، وأنفقت مال الله على الملهين ، وأعطيته المغنين ، ومنعته من حقوق المسلمين ، فغششت بالاسلام ، وأحطت بأقطاره إحاطة أهله ، وحكمت فيه

٣٦٥

للمشرك ، وخالفت الله ورسوله في ذلك ، خلافة المضاد المعاند ١ ، فان يسعدني الدهر ، وَيُعَنِّي الله عليك بأنصار الحق ، أبذل نفسي في جهادك ، بذلاً يرضيه مني ، وان يمهلك ، ويؤخرك ، ليجزيك بما تستحقه في منقلبك ، أو تخترمني الأيام قبل ذلك ، فحسبي من سعي ما يعلمه الله عز وجل من نيتي ، والسلام .. ».

وثمة نص آخر للرسالة أورده أبو الفرج الاصفهاني :

« ... فبأي شيء تغرني؟ ما فعلته بأبي الحسن ـ صلوات الله عليه ـ بالعنب الذي أطعمته إياه فقتلته.

والله ، ما يقعدني عن ذلك خوف من الموت ، ولا كراهة له ، ولكن لا أجد لي فسحة في تسليطك على نفسي ، ولو لا ذلك لأتيتك حتى تريحني من هذه الدنيا الكدرة.

وجاء فيها أيضاً :

هبني لا ثأر لي عندك وعند آبائك المستحلين لدمائنا ، والآخذين حقنا ، الذين جاهروا في أمرنا فحذرناهم ، وكنت ألطف حيلة منهم بما استعلمته من الرضى بنا والتستر لمحننا ، تختل واحداً فواحداً منها.

ولكني كنت إمرءًً حبب إليّ الجهاد ، كما حبب إلى كل امرئٍ

__________________

١. يبدو أن تاريخ الرسالة في حدود سنة ٢٠٨ـ٢١٠ هـ وفي تلك المدّة ظهر المأمون على حقيقته في كثير من سلوكه وسيرته الذاتية.

٣٦٦

بغيته ، فشحذت سيفي ، وركبت سناني على رمحي ، واستفرهت فرسي ، لم أدر أي العدوِّ أشد ضراراً على الإسلام ، فعلمت أن كتاب الله يجمع كل شيء فقرأته ، فإذا فيه : ( يا ايها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ، وليجدوا فيكم غلظةً ) ..

فما أدري من يلينا منهم ، فأعدت النظر ، فوجدته يقول : ( لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادُّون من حاد الله ورسوله ، ولو كانوا آباءهم ، أو إخوانهم ، أو عشيرتهم ) ، فعلمت أن عليَّ أن أبدأ بما قرب مني ..

وتدبرت ، فإذا أنت أضرّ على الاسلام والمسلمين من كل عدو لهم ، لأن الكفار خرجوا منه ، وخالفوه ، فحذرهم الناس ، وقاتلوهم ، وأنت دخلت فيه ظاهراً ، فأمسك الناس ، وطفقت تنقض عراه عروة عروة ، فأنت أشد أعداء الإسلام ضرراً عليه .. ».

المصادر : مقاتل الطالبيين /٦٣٠.

٣٦٧

الملحق رقم ٤

نص قصيدة الشاعر دعبل الخزاعي

تجاوبـن بالأرنـان والزفرات

نوائـح عجـم اللفظ والنقطـات

يخبّرن بالانفاس عن سرِّ أنفسٍ

أسارى هوى ماض وآخـر آت

فاسعدن أو اسعفن حتى تقوّضت

صنوف الدجى بالفجر منهزمات

على العرصات الخاليات من المها

سلام شجٍ صب على العرصات

فعهدي بـها خضر المعاهد مألفها

من العطرات البيض والخفرات

ليـالي يعدّين الوصال على القلى

وبعـدي تدانينـا على الغربات

وإذ هن يلحظن العيون سوافـرا

ويسترن بالايدي على الوجنات

وإذ كـل يوم لي بلحظي نشـوة

يبيت لها قلبـي علـى نشوات

فكـم حسرات هاجهـا بمحسر

وقوفي يوم الجمع من عرفات ١

ــــــــــــــــــ

١. محسر وعرفات : اسمان لموضعين في مكة المكرمة.

٣٦٨

الم تـر للأيـام ما جر جورها

على الناس من نقص وطول شتات

ومن دول المستهترين ومن غدا

بهم طلبـا للنـور فـي الظلمات ١

فكيف ومـن أنّى يطالب زلفـة

الـى الله بعد الصـوم والصلوات

سـوى حب أبناء النبي ورهطه

وبغض بنـي الزرقاء والعبلات ٢

وهند وما أدت سميـة وابنـها

اولوا الكفر في الاسلام والفجرات ٣

هم نقضوا عهد الكتاب وفرضه

ومحكمـه بـالزور والشبهـات ٤

ولـم تك الا محنـة كشفتهـم

بدعوى ضلال مـن هنٍ وهنات

تراث بلا قربى وملك بلا هدى

وحكـم بلا شـورى بغير هدات ٥

رزايا ارتنا خضرة الأفق حمرة

وردّت أجاجاً طعم كل فرات

وما سهلت تلك المذاهب فيهـم

على النـاس الا بيعة الفلتات ٦

__________________

١. دول المستهترين : هي دول بني أمية ، ودول بني العباس الذين استهانوا بجميع الأعراف والقيم الاسلامية.

٢. بنو الزرقاء : هم ابناء مروان طريد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والزرقاء أمه ، وهي من النساء الفاجرات في الجاهلية ، والعبلات احدى قبائل قريش.

٣. هند : ام معاوية الصحابي المزعوم صاحب الاحداث والموبقات في الاسلام ، وسمية : اسم لأم زياد الارهابي المجرم.

٤. يشير الى الحكم الأموي الذي نقض عهد الله ، وتنكّر لجميع القيم الاسلامية.

٥. يشير الى إغتصاب الامويين الحكم.

٦. يشير الى بيعة أبي بكر التي وصفها عمر بقوله : ان بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله المسلمين شرها.

٣٦٩

ومـا نـال أصحاب السقيفة إمرة

بدعوى تراث ، بل بأمر ترات ١

ولـو قلّـدوا الموصى إليه زمامها

لُـزمت بمأمـون من العثرات ٢

أخا خاتم الرسل المصفى من القذى

ومفترس الأبطال في الغمرات٣

فـان جحدوا كـان الغدير شهيده

وبـدر وأحد شامخ الهضبات ٤

وآي مـن القرآن تتـلى بفضلـه

وإيثـاره بالقوت في اللزبات

وغـر خـلال أدركتـه بسبقهـا

منـاقب كانت فيـه مؤتنفات

منـاقب لم تدرك بكيـد ولم تنـل

بشيء سوى حدِّ القنا الذربات

نجـي لجبريـل الأميـن وأنتـم

عكوف على العزى معا ومناة ٥

بكيت لرسـم الـدار مـن عـرفات

وأذريت دمع العين بالعبرات

وفكَّ عرى صبري وهاجت صبابتي

رسول ديار أقفرت وعرات

ــــــــــــــــــ

١. سقيفة بني ساعدة التي تآمروا فيها على الخلافة ، والنبي مسجى لم يدفن ، وقد اسفر هذا المؤتمر عن اقصاء الامام أمير المؤمنين عن مركز الخلافة الأمر الذي جر على المسلمين الويلات والمآسي.

٢. الوصي : هو الامام أمير المؤمنين وصي رسول الله وباب مدينة علمه ولو تقلد الخلافة لصان المسلمين من العثرات.

٣. أخو خاتم الرسل : هو الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام فقد قال له النبي : يا علي أنت أخي في الدنيا والآخرة.

٤. الغدير : المكان الذي توقف فيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعقد البيعة للامام أمير المؤمنين ، وأصبحت الواقعة عيداً تاريخياً.

٥. العزى ومناة : صنمان لقريش.

٣٧٠

مدراس آيات خلت مـن تـلاوة

ومنـزل وحي مقفر العرصات ١

لآل رسول اللّه بالخيف من منى

وبالركـن والتعريف والجمرات ٢

ديـار علـي والحسيـن وجعفر

وحمـزة والسجـاد ذي الثفنات ٣

ديـار لعبد اللّه والفضل صنوه

نجيّ رسـول اللّه فـي الخلوات

منـازل وحـي اللّه ينزل بينها

على أحمد المذكور في السورات

منـازل قـوم يُهتـدى بهداهم

فتؤمـن منـهم زلّـة العـثرات

منـازل كانت للصـلاة وللتقى

وللصـوم والتطهيـر والحسنات

منازل جبريـل الأميـن يحلها

مـن اللّه بالتسليـم والرحمـات

منازل وحـي اللّه معدن علمـه

سبيل رشـاد واضح الطرقـات

ديـار عفاهـا جور كل منـابذٍ

ولـم تعف للأيـام والسنـوات

فيـا وارثـي علـم النبـي وآله

عليكـم سـلام دائـم النفحـات

قفا نسـأل الدار التي خف أهلهـا

متى عهدها بالصوم والصلوات؟

واين الألى شطّت بهم غربة النوى

أفانيـن فـي الآفـاق مفترقات

ــــــــــــــــــ

١. يشير الى بيوت السادة ابناء النبي الذين حصدتهم سيوف الأمويين والعباسيين حتى أقفرت بيوتهم.

٢. هذه المواضع المقدسة التي ذكرها الشاعر كان السادة العلويون يحيون لياليهم فيها بالعبادة.

٣. ذو الثفنات : هو لقب سيد الساجدين والعابدين الامام زين العابدين فقد كانت له ثفنات كثفنات البعير من كثرة سجوه لله.

٣٧١

هم أهـل ميراث النبـي اذا اعتزوا

وهم خير سادات وخير حماة

مطاعيهم في الاعسار في كل مشهد

لقد شرفوا بالفضل والبركات ١

ومـا النـاس الا حاسـد ومكذب

ومضطعـن ذو إحنة وترات

اذا ذكـروا قتـلى ببـدر وخيبر

ويوم حنيـن اسبلوا العبرات ٢

فكيف يحبـون النبـي ورهطـه

وهم تركوا أحشاءهم وغرات

لقد لا ينوه في المقال وأضمروا

قلوبـا على الاحقاد منطويات

فان لـم تكن الا بقربـى محمد

فهاشم أولـى من هنٍ وهنات

سقى اللّه قبراً بالمدينة غيثـه

فقد حلّ فيه الأمن بالبركات

نبي الهدى صلّى عليه مليكـه

وبلّغ عنه روحـه التحفات

وصلى عليه اللّه ما ذرّ شارق

ولاحت نجوم الليل مبتدرات

أفاطـم لو خلت الحسيـن مجدلاً

وقد مـات عطشـاناً بشط فرات

اذن للطمت الخـد فاطـم عنـده

وأجريت دمع العين في الوجنات

أفاطـم قومي يا بنة الخير واندبي

نجـوم سماوات بأرض فـلاة

قبـور بكوفـان وأخرى بطيبـة

وأخـرى بفخ نـالها صلوات ٣

ــــــــــــــــــ

١. يشير دعبل الى كرم أهل البيت وانهم كانوا يطعمون الفقراء والمحرومين.

٢. يشير دعبل الى القوى المعادية لأهل البيت من الذين وترهم سيف علي.

٣. أشار دعبل الى مراقد السادة العلويين ، وأول مرقد لهم قبر الامام علي عليه‌السلام في النجف التي هي ظهر الكوفة وقبر الشهيد مسلم بن عقيل ، وفي طيبة قبور أئمة البقيع عليهم‌السلام ، وفي فخ قبر الحسين بن علي وغيره من العلويين.

٣٧٢

وأخـرى بأرض الجوزجـان محلها

وقبـر ببـاخمرى لدى الغربـات ١

وقبـر ببغـداد لـنـفـس زكيـة

تضمنـها الرحمـن في الغرفات ٢

فأمـا الممضات التـي لست بالغا

مبـالغهـا منـي بـكنـه صفات

قبور لدى النهر مـن ارض كربلا

معـرسـهم فيـها بشـط فـرات

توفـوا عطاشـا بـالفرات فليتنـي

توفيت فيهـم قبـل حيـن وفاتـي

الـى اللّه اشكـو لوعة عند ذكرهم

سقتنـي بـكأس الذل والفظعات

أخـاف بـأن أزدارهـم فيشوقنـي

مصـارعهم بـالجـزع فالنخـلات

تقسّمهم ريب الـزمـان كما تـرى

لهـم عفـرة مـغشيـة الحجـرات

سـوى أن منهم بالمدينـة عصبـة

ـ مدى الدهر ـ انضاء من اللزبات

قليلـة زوار سـوى بـعـض زور

مـن الضبـع والعقبـان والرخمات

لهـم كـل حيـن نومـة بمضاجـع

ثوت فـي نواحـي الأرض مختلفات

____________

١. الجوزجان : فيها قبر الشهيد العظيم يحيى بن زيد الذي استشهد أيام الوليد الأموي ، وباخمري : هي موضع بين الكوفة وواسط فيها استشهد ابراهيم بن عبد الله بن الحسين في أيام الطاغية المنصور الدوانيقي.

٢. أما القبر الذي ببغداد فهو قبر باب الحوائج الامام الكاظم وذكرت كثير من المصادر أن دعبل لما انتهى الى هذا البيت قال له الامام الرضا أفلا الحق لك بهذا الموضع بيتين ، فقال : بلى يا بن رسول الله فقال عليه‌السلام :

وقبر بطوس يا لها من مصيبة

ألحت على الأحشاء بالزفرات

الى الحشر حتى يبعث الله قائماً

يفرج عنـا الغـم والكربـات

فقال دعبل : هذا القبر الذي بطوس قبر من؟ قال الامام عليه‌السلام :

هو قبري ، جاء ذلك في المناقب : ٣/٤٥٠ وغيره.

٣٧٣

وقد كان منهم بالحجـاز وأهلها

مغاوير يختارون فـي السروات

تنكبت لأواء السنين جوارهـم

فـلا تصطليهم جمرة الجمرات ١

حمـى لم تزره المذنبات وأوجه

تضيء لدى الاستار في الظلمات

اذا أوردوا خيـلا تسعر بالقنـا

مسـاعر جمر الموت والغمرات

وإن فخـروا يومـا أتوا بمحمد

وجبريـل والفرقـان والسورات

وعـدوا عليـا ذا الماقب والعلا

وفاطمـة الزهـراء خيـر بنات

وحمزة والعباس ذا الهدي والتقى

وجعفـرا الطيـار في الحجبات

اولئك لا منتـوج هنـد وحزبهـا

سميـة من نـوكى ومن قذرات ٢

ستسـأل تيـم عنـهم وعديّها

وبيعتهم مـن أفجـر الفجرات ٣

هم منعوا الآباء من أخذ حقهم

وهم تركوا الابناء رهن شتات ٤

وهم عدلوا عن وصي محمـد

فبيعتهم جاءت علـى الغدرات ٥

ــــــــــــــــــ

١. اللأواء : الشدة.

٢. النوكى : الحمق.

٣. اراد بتيم : ابو بكر ، واراد بعدي عمر بن الخطّاب ، ويرى دعبل انهم مسؤولان عما لحق بأهل البيت من المآسي والنكبات فهما اللذان اقصيا الامام أمير المؤمنين عن الخلافة وسبباً للعترة الطاهرة الوانا مريرة من المصائب.

٤. اشار دعبل الى ان الملوك السابقين هم الذين منعوا السادة العلويين من أخذ حقهم ، وتركوا السادة من ابنائهم رهن شتات.

٥. الوصي هو الامام أمير المؤمنين وصي رسول الله وباب المدينة علمه وقد شجب دعبل الموقف المناوئ ازاء علي عليه‌السلام.

٣٧٤

ملامـك في أهل النبـي فانهم

أحبـاي ما عاشـوا وأهل ثقاتي

تخيـرهم رشـداً لأمري فانهم

على كـل حـال خيرة الخيرات

نبذت إليهـم بالمـودة صـادقا

وسلّمت نفسـي طـائعاً لولاتي

فيا رب زدني من يقيني بصيرة

وزد حبهم يا رب فـي حسناتي

سأبكيهـم مـا حـج لله راكب

وما ناح قمريّ على الشجرات

بنفسي أنتـم من كهول وفتية

لفك عنـاة أو لحمـل ديـات

وللخيل لما قيد الموت خطوها

فأطلقتـم منهـنَّ بالذربـات ١

أحب قصي الرحم من أجل حبكم

وأهجـر فيكم اسرتي وبناتي ٢

وأكتم حبيكم مخافـة كاشـح

عنيد لأهل الحق غير موات

فيا عين ابكيهم وجودي بعبرة

فقد آن للتسكاب والهملات ٣

لقد حفت الأيام حولي بشرّها

وإني لأرجو الأمن بعد وفاتي ٤

الم تر أني من ثلاثين حجة

أروح وأغدو دائم الحسرات

____________

١. الذربات : الداهيات.

٢. يريد دعبل أنه يحب ويخلص لمن أحب وأخلص لأهل البيت عليهم‌السلام ، وان كانوا بعاداً في النسب ، ويعادي من عاداهم ، وان كانوا أسرته وبناته.

٣. الهملات : هي الدموع.

٤. في رواية : لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها ، وفي رواية أن دعبل لما انشد هذا البيت رفع الامام عليه‌السلام يديه بالدعاء ، وقال له : آمنك الله يا خزاعي يوم الفزع الأكبر.

٣٧٥

أرى فيئهـم في غيـرهم متقسّمـاً

وأيديهـم مـن فيئهـم صفرات ١

فكيف أداوي من جوى بي والجوى

أميـة أهـل الفسـق والتبعات

فـآل رسـول الله نحف جسومهم

وآل زيـاد حفـل القصـرات ٢

بنات زياد في القصورة مصونـة

وآل رسـول الله فـي الفلوات

سأبكيهم ماذرّ في الأرض شـارق

ونادى منادي الخير بالصلوات

وما طلعت شمس وحان غروبها

وبالليـل أبكيهـم وبالغـدوات

ديـار رسـول الله اصبحن بلقعا

وآل زيـاد تسـكن الحجرات

وآل رسول الله تدمـى نحـورهم

وآل زيـاد آمنـوا السـربات

وآل رسول الله تسبـى حريمـهم

وآل زيـاد ربـة الحجـلات

إذا وتـروا مـدوا الـى واتريهم

أكفّاً عن الأوتـار منقبضـات ٣

فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غدٍ

تقطّع نفسـي إثرهم حسـرات

خـروج إمـام لا محـالة خارج

يقوم على اسـم الله والبركات ٤

يميـز فينـا كـل حـق وباطل

ويجزي على النعماء والنقمات

ــــــــــــــــــ

١. في رواية ان دعبل لما بلغ الى هذا البيت جعل الامام الرضا يقلب كفه ويقول : « أجل والله منقبضات ».

٢. القصرات : جمع مفرده قصرة ، وهي أصل العنق.

٣. في رواية ان دعبل لما فرغ من انشاد هذا البيت جعل الامام الرضا عليه‌السلام جعل يقلب كفيه ويقول : أجل والله منقبضات.

٤. عندما انتهى من انشاد هذا البيت ، والبيت الذي بعده قال له الامام : « يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك » المناقب : ٣/٤٥٠.

٣٧٦

سأقصـر نفسي جاهداً عن جدالهم

كفـاني ما ألقـى من العبرات

فيا نفسي طيبي ثم يا نفس ابشري

فغير بعيد كلّ ما هو آتٍ

ولا تجزعي من مدة الجور إننـي

أرى قـوّتي قـد آذنت بشتاتِ

فان قرب الرحمن من تلك مدتـي

وأخر من عمري لطول حياتي

شفيت ولم أترك لنفسـي رزيـة

ورويت منهم منصلي وقناتي ١

فإني من الرحمن أرجـو بحبهم

حياة لدى الفردوس غير بتات ٢

عسى الله أن يأوى لذا الخلق انه

الى كـل قـوم دائـم اللحظات

فان قلت عرفـا أنكـروه بمنكر

وغطّوا على التحقيـق بالشبهات

أحاول نقل الشمس عن مستقرها

وأسمـع احجـارا من الصلدات

فمـن عارف لـم ينتفع ومعـاند

يميـل مـع الأهواء والشهوات

قصارّي منهم أن أموت بغصـة

تردد في صـدري وفي اللهوات

كأنك بالاضلاع قد ضاق رحبها

لما ضمنت من شـدة الزفـرات ٣

المصادر : الاغاني ١٨/٤٢ ، معجم الادباء ٤/١٩٤ ، نور الابصار /١٤٧ ، المناقب ٣/٤٥.

____________

١. المنصل : حديدة السهم والرمح والسكين.

٢. غير بتات : اي غير منقطعة وانما هي حياة خالدة ودائمة.

٣. ديوان دعبل.

٣٧٧

الملحق رقم ٥

كتاب الحباء والشرط

الذي زوّر باسم الامام الرضا عليه‌السلام

« هذا كتاب حباء وشرط من عبدالله المأمون

أمير المؤمنين وولي عهده علي بن موسى الرضا

لذي الرياستين الفضل بن سهل في يوم الإثنين

لسبع ليال خلون من شهر رمضان سنة احدى

ومائتين ، وهو اليوم الذي تمَّم الله فيه دولة

أمير المؤمنين ، وعقد لولي عهده ، والبس

الناس اللباس الأخضر ، وبلغ أمله في إصلاح وليه ،

والظفر بعدوه.

انا دعوناك الى مافيه بعض مكافاتك ، على ما قمت به من حق الله ، تبارك وتعالى ، وحق رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحق أمير المؤمنين ، وولي عهده علي بن موسى ، وحق هاشم التي بها يرجى صلاح الدين ، وسلامة ذات البين بين المسلمين ، الى أن يثبت النعمة علينا وعلى العامة بذلك ، وربما عاونت عليه أمير المؤمنين من إقامة الدين والسنة ، واظهار الدعوة الثانية

٣٧٨

وايثار الأولى ، مع قمع المشركين ، وكسر الاصنام ، وقتل العتاة وساير آثارك الممثلة للامصار في المخلوع ، وفي المسمى بـ (الأصفر) المكنى بأبي السرايا ، وفي المسمى بالمهدي محمد بن جعفر الطالبيين ، والترك الحولية ، وفي طبرستان وملوكها الى بندار هرمز بن شروين ، وفي الديلم وملكها (مهروس) وفي كابل وملكها هرموس ثم ملكها الاصفهيد ، وفي ابن البرم ، وجبال بدار بنده ، وعرشستان ، والغور واصنافها ، وفي خراسان وبلون صاحب جبل التبت ، وفي كيمان والتغرغر ، وفي ارمينية والحجاز ، وصاحب السرير ، وصاحب الخزر وفي المغرب وحروبه ، وتفسير ذلك في ديوان السيرة.

وكان ما دعوناك إليه وهو معونة لك الف الف درهم ، وغلة عشرة الف الف درهم جوهر اسوى ما أقطعك أمير المؤمنين قبل ذلك ، وقيمته ماءة الف الف درهم جوهراً يسيرا عندنا ما أنت له مستحق ، فقد تركت مثل ذلك حين بذله لك المخلوع ، وآثرت الله ودينه ، وانك شركت أمير المؤمنين وولي عهده ، وآثرت توفير ذلك كله على المسلمين ، وجدت لهم به.

وسألتنا أن نبلغك الخصلة التي لم تزل لها تائقاً من الزهد والتخلّي ليصح عند من شك في سعيك للآخرة دون الدنيا وتركك الدنيا ، وما عن مثلك يستغنى في حال ، ولا مثلك رُد عن طلبه ، ولو اخرجتنا طلبتك عن شطر النعيم علينا فكيف نأمر؟ فيه المؤونة ، واوجبت به الحجة ، على من كان يزعم أن دعاك إلينا للدنيا لا للآخرة ، وقد أجبناك الى ما سألت به ، وجعلنا ذلك لك مؤكداً بعهد الله وميثاقه

٣٧٩

اللذين لا تبديل لهما ، ولا تغيير ، وفوضنا الأمر في وقت ذلك إليك ، فما أقمت فعزيز مزاح العلة ، مدفوع عنك الدخول فيما تكرهه ، من الاعمال ، كائنا ما كان ، نمنعك مما نمنع به أنفسنا في الحالات كلها ، واذا اردت التخلي فمكرم ، مزاح البدن ، وحق بدنك بالراحة والكرامة ثم نعطيك مما تناوله ، مما بذلناه لك في هذا الكتاب ، فتركته اليوم.

وجعلنا للحسن بن سهل مثل ما جعلناه لك ، فنصف ما بذلناه من العطية ، وأهل ذلك هو لك ، وبما بذل من نفسه في جهاد العتاة ، وفتح العراق مرتين ، وتفريق جموع الشيطان بيده حتى قوي الدين ، وخاض نيران الحروب ، ووقانا عذاب السموم بنفسه وأهل بيته ، ومن ساس من أولياء الحق ، وأشهدنا الله وملائكته وخيار خلقه ، وكل من أعطانا بيعته ، وصفقة يمينه في هذا اليوم وبعده على ما في هذا الكتاب ، وجعلنا الله علينا كفيلا ، وأوجبنا على أنفسنا الوفاء بما اشترطنا من غير استثناء بشيء ينقصه في سر ولا علانية ، والمؤمنون عند شروطهم ، والعهد فرض مسؤول وأولى الناس بالوفاء من طلب من الناس الوفاء ، وكان موضعاً للقدرة قال الله تعالى : (واوفوا بعهد الله اذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً ان الله يعلم ما تفعلون ) ١.

« أما بعد : فالحمد لله البديء الرفيع ، القادر ، القاهر ، الرقيب على عباده المقيت على خلقه ، الذي خضع كل شيء لملكه ، وذل كل شيء

__________________

١. سورة النحل : آية ٩١.

٣٨٠