تقريب المعارف

أبي الصّلاح تقيّ بن نجم الحلبي

تقريب المعارف

المؤلف:

أبي الصّلاح تقيّ بن نجم الحلبي


المحقق: الشيخ فارس تبريزيان « الحسّون »
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المحقّق
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٠

متعلقة بنا علمنا أنها جارية مجرى العلوم الضرورية والحياة والأجناس المذكورة فدلت كدلالتها.

وإذا ثبت كونه سبحانه قديما لم يخل أن يكون قديما لنفسه أو لمعنى قديم أو محدث أو بالفاعل.

وكونه كذلك لمعنى محدث أو بالفاعل محال لتجدد مقتضى ذين الصفتين وحصول الوجود للقديم فيما لم يزل.

وإسناد ذلك إلى معنى قديم لا يصح لأن القول فيه ولم كان كذلك كالقول في فاعل العالم سبحانه فإما وجود ما لا نهاية له من المعاني القديمة أو الانتهاء إلى قديم لنفسه يجب معه كون القديم سبحانه كذلك من دون معنى قديم.

مسألة (١) : [ في كونه تعالى قادرا فيما لم يزل ]

وهو سبحانه قادر فيما لم يزل لأن تجدد كونه قادرا يقتضي كونه كذلك لحصول قدرة يستحيل إحداثها به أو بغيره لأن تقدير كونه سبحانه غير قادر يحيل كونه فاعلا لقدرة وغيرها.

وغيره إن كان قديما لم يخل أن يكون قادرا أو غير قادر وكونه غير قادر يحيل كونه فاعلا وكونه قادرا لم يزل يوجب مساواة القديم سبحانه له في ذلك لاشتراكهما في القدم على ما نبينه وكونه قادرا بعد أن لم يكن يوجب حاجته إلى قادر والقول فيه كالقول فيه فيؤدي إلى وجود ما لا نهاية له أو إلى قادر لم يزل

__________________

(١) ورد بدل لفظ « مسألة » بياض ، وكذا في موارد عديدة تأتي ، ونحن نثبت في الامكان التي ورد فيها بياض لفظ « مسألة » أو « طريقة اخرى » بحسب مقتضى السياق.

٨١

يجب معه كون القديم كذلك لأنا سنبين استحالة وجود قديم ثان

وإن كان محدثا لم يجز وقوف كون القديم سبحانه قادرا على فعل القدرة له لتعلق إحداثه به ووجوب كونه قادرا قبله ولأن جنس القدر يتعذر على المحدث بدليل توفر دواعيه إليها عند الحاجة وتعذرها لا لوجه إلا الاستحالة وإذا استحال كونه قادرا بقدرة محدثة مع ثبوت كونه قادرا ثبت كونه كذلك فيما لم يزل.

مسألة : [ في كونه تعالى حيا موجودا ]

وإذا ثبت كونه تعالى قادرا فيما لم يزل ثبت كونه حيا موجودا فيما لم يزل لوجوب كون القادر حيا موجودا.

مسألة : [ في كونه تعالى عالما فيما لم يزل ]

وهو تعالى عالم فيما لم يزل لأن تجدد ذلك يقتضي كونه عالما بعلم محدث لا يجوز إسناد إحداثه إليه ولا إلى غيره قديم ولا محدث لأنه لو خلا من كونه عالما لم يصح منه فعل العالم لنفسه لافتقار تجدد العلم إلى كون فاعله عالما من حيث لم يكن جنس الفعل وإنما هو وقوع الاعتقاد على وجه دون وجه وما هو كذلك لا يقع إلا عن قصد مخصوص يفتقر إلى كون فاعله عالما.

ولأنا متى تتبعنا العلوم وجدنا (١) أجمع يفتقر إلى كون فاعلها عالما ولا يجوز أن يكون من فعل غيره قديما كان أو محدثا لما بيناه في قادر والعلم وإن

__________________

(١) في النسخة « وجدنا ».

٨٢

كان من مقدورات المحدث ففعله في غيره مستحيل كاستحالة فعل القدر لنفسه وببعض ما تقدم يسقط تحصيل صفة القادر والعالم له بالفاعل وإذا استحال إحداث علم له تعالى أو صفة العالم وثبت كونه عالما ثبت كونه كذلك لم يزل.

مسألة : [ في كون صفاته تعالى نفسية ]

وهذه الصفات نفسية لوجوبها له تعالى وكون الصفة الواجبة نفسية بدليل استغناء ما وجب من الصفات للموصوف عن مؤثر ووقوف الجائز منها على مقتض.

وأيضا فقد علمنا أن من حق الصفة النفسية أن لا يعلم الموصوف إلا عليها لكونها مقتضاة عن الذات وصفات المعاني والفاعل بخلاف ذلك لاستنادها إلى مؤثر مغاير للموصوف يصح أن يحصل وأن لا يحصل وإذا وجبت هذه القضية في صفات النفس وكانت حاصلة فيما هو عليه سبحانه من الصفات التي أثبتناها ثبت أنها نفسية.

وليس لأحد أن يقول ما أنكرتم وإن كانت هذه الصفات واجبة له تعالى ولا يعلم إلا عليها أن يكون لمعان قديمة.

لأن ذلك يقتضي نقض صفات النفس ويمنع من تميزها من صفات المعاني والفاعل وذلك محال ولأن القول بقدم الصفة أو حدوثها فرع لثبوتها وقد بينا انسداد طريق إثبات صفاته تعالى لمعان جملة فسقط الاعتراض.

مسألة : [ في عدم جواز خروجه تعالى عن هذه الصفات ]

ولا يجوز خروجه تعالى عن هذه الصفات لاستنادها إلى النفس

٨٣

المستحيل مفارقتها للموصوف ما وجد وكونه تعالى قديما لنفسه ووجوب الوجود لمن هو كذلك في كل حال.

مسألة : [ في كونه تعالى سميعا بصيرا ]

وهو تعالى سميع بصير لكونه تعالى حيا يستحيل عليه الآفات بدليل وصف الحي الذي لا آفة به بذلك وليستا صفة زائدة على كون الحي حيا إذ لو كانتا زائدتين على كون الحي حيا لجاز وجود حي لا آفة به لا يوصف بهما بأن لا يؤخذ تلك الصفة له أو يؤخذ في غير حي فيوصف بهما والمعلوم خلاف ذلك.

مسألة : [ في كونه تعالى مدركا ]

وهو تعالى مدرك بشرط وجود المدرك والإدراك حكم زائد على سائر صفات الحي بدليل حصوله من دونها أجمع وثبوتها مع عدمه وثبوته يقف على كون الذات حية لا آفة بها بشرط وجود المدرك وارتفاع الموانع لتعذر حصوله لمن ليس بحي أو من به آفة من الأحياء أو للحي السليم مع عدم المدرك أو وجوده مع حصول مانع ووجوب حصوله مع تكاملها والمقتضي له كون الحي المدرك حيا مدركا وما عداه شروط لرجوع حكمه إلى الجملة الحية وانفصال ما عداه منها.

وهو متميز من صفات النفس والمعاني والفاعل لأنه لو كان نفسيا لوجب حصوله لكل جوهر موجود حيا كان أو مواتا لتماثلها وأدنى ذلك لكل حي لأنه لا شرط لظهور صفات النفس إلا الوجود وقد علمنا وجود كثير من الجواهر الحية والجماد من دون حكم الإدراك.

٨٤

ولو كان لمعنى أو بالفاعل لجاز تكامل ما قدمناه من المقتضي والشروط من دونه بأن لا يوجد ذلك المعنى أو لا يفعله القادر إن كان صفة أو يوجد المعنى أو صفة الفاعل فيمن لم يتكامل له الشروط التي ذكرناها فيحصل حكمه والمعلوم خلاف ذلك فثبت تميزه من جميع الصفات.

وإذا تقرر هذا وعلمناه تعالى حيا يستحيل عليه الآفات والموانع فلا بد من كونه مدركا متى وجد المدرك لحصول المقتضي لهذا الحكم وثبوت الشرط.

مسألة : [ في كونه تعالى مريدا ]

وهو سبحانه مريد لوقوع أفعاله على وجه دون وجه وفي حال دون أخرى وافتقار وقوع الأفعال على ذلك إلى كون فاعلها مريدا لتعلق كونه قادرا عالما بجميعها على حد سواء فلا يجوز إسناد وقوعها على الوجوه وفي الأوقات المخصوصة إلى كون فاعلها قادرا عالما.

وإرادته فعله لاستحالة كونه مريدا لنفسه مع كونه كارها لأن ذلك يقتضي كونه مريدا كارها لكل ما يصح كونه مرادا وذلك محال ولأن ذلك يوجب كونه مريدا لكل ما يصح إرادته من الحسن والقبح وسنبين فساد ذلك.

أو بإرادة قديمة لفساد قديم ثان ولأن ذلك يقتضي قدم المرادات أو كون إرادته عزما وكلا الأمرين مستحيل وكونها من فعل غيره من المحدثين محال لأن المحدث لا يقدر على فعل الإرادة في غيره لاختصاص إحداثها بالابتداء وتعذر الابتداء من المحدث في غيره ويستحيل وجود قديم ثان على ما نبينه فلا يمكن تقدير إحداثها به.

وهي موجودة لا في محل لاستحالة حلولها فيه تعالى لكونه قديما يستحيل كونه بصفة المحال وحلولها في غيره في حي أو جماد يقتضي اختصاص حكمها

٨٥

بما حلته ويحيل تعلقها به تعالى فثبت وجودها لا في محل ولوجودها على هذا الوجه الذي له انقطعت عن كل حي ما وجب اختصاصه به تعالى.

مسألة : [ في نفي الصفات الزائدة له تعالى ]

ولا صفة له تعالى زائدة على ما ذكرناه لأن الطريق إلى إثباته تعالى هو العقل فلا يجوز إثباته تعالى على صفة لا يقتضيها الفعل بنفسه ولا بواسطة كما لا يجوز أن نثبت للمدرك صفة لا يقتضيها الإدراك.

والذي يدل عليه الفعل بنفسه وهو مجرد وقوعه كونه تعالى قادرا وبإحكامه على كونه عالما وبترتبه على الوجوه على كونه مريدا ولم يبق للفعل صفة زائدة وإثبات ما لا يدل عليه الفعل جهالة.

وليس لأحد أن يقول إنكم قد أثبتم صفات خارجة عما ذكرتموه لا يقتضيها الفعل.

لأنا لم نثبت له تعالى من الصفات إلا ما له تعلق بالصفات التي دل عليها الفعل أما كونه حيا موجودا فلكونه قادرا وسميعا بصيرا مدركا من أحكام كونه حيا وكونها نفسية كيفية في استحقاقها.

مسألة : [ في كونه تعالى لا يشبه المحدثات ]

وهو تعالى لا يشبه المحدثات المتحيزة وما حلها من الأعراض لقدمه تعالى وحدوث هذه الأجناس.

٨٦

مسألة : [ في استحالة إدراكه تعالى بالحواس ]

يستحيل إدراكه تعالى بشيء من الحواس لاختصاص حكم الإدراك المعقول بالأجسام والأعراض وليس كذلك وإدراك لا يعقل لا يجوز إثباته ولأنه تعالى لو كان مدركا بشيء من الحواس لوجب أن ندركه الآن لكوننا على الصفة التي لها يجب إدراك الموجود مع ارتفاع الموانع.

مسألة : [ في كونه تعالى غنيا ]

وهو تعالى غني يستحيل عليه الحاجة لاختصاصها بمن يجوز عليه الضر والنفع واختصاصهما (١) بمن يلذ ويألم واختصاصهما بذي الشهوة والنفار وكونهما معنيين يفتقران إلى محل متحيز وكونه تعالى قديما يحيل كونه متحيزا واستحالة تحيزه يحيل اختصاص المعاني به وإذا استحال عليه الشهوة والنفار استحال عليه اللذة والألم.

وأيضا فلا يخلو أن يكون مشتهيا لنفسه أو لمعنى قديم أو محدث وكونه مشتهيا لنفسه يوجب كونه مشتهيا لكل ما يصح كونه مشتهى وذلك يؤدي إلى إيجاد ما لا يتناهى من المشتهيات وإلى أن لا يستقر أفعاله على قدر مخصوص ولا بوقت معين وإلى أن يكون ملجأ إلى إيجاد المشتهى وذلك كله محال.

ولا يجوز أن يكون كذلك لمعنى قديم لصحة تعلقه بما يتعلق به شهواتنا الحادثة (٢) ـ والاشتراك في جهة التعلق يقتضي تماثل المتعلقين ولا يجوز أن يكون

__________________

(١) في النسخة : « واختصاصها ».

(٢) في حاشية النسخة « المحدثة ».

٨٧

القديم مماثلا للمحدث وأيضا فإن كونه مشتهيا لمعنى قديم يقتضي كونه ملجأ إلى فعل المشتهى وإلى أن لا يستقر أفعاله على قدر ولا وجه كما قلناه لو كان كذلك للنفس.

ولا يجوز أن يكون مشتهيا لمعنى محدث لأنه لا يجوز أن يكون كذلك أو لا لمعنى من فعله تعالى وذلك يقتضي كونه ملجأ إلى فعل الشهوة والمشتهى وذلك محال فاستحال كونه مشتهيا.

واستحالة الشهوة عليه يقتضي استحالة النفور لكونه ضدا لها ولا شبهة في أن استحالة أحد الضدين على الشيء يحيل الضد الآخر ولأنه لو كان نافرا للنفس أو لمعنى قديم لم يصح منه إيجاد شيء لكونه نافرا عنه ولا داعي إلى فعل ما له هذه الصفة ونفور محدث لا داعي إليه وما لا داعي إليه منه تعالى يستحيل إيجاده فثبت استحالة الشهوة والنفار عليه تعالى وإذا استحالا فيه سبحانه استحال عليه الضر والنفع ومن لا يصح عليه الضر والنفع لا تتقدر فيه الحاجة وإذا استحالت عليه الحاجة ثبت كونه غنيا.

مسألة : [ في كونه تعالى واحدا ]

وهو سبحانه واحد لا ثاني له في القدم والاختصاص بما ذكرناه من الصفات النفسية لأنه لو جاز وجود قديمين قادرين لأنفسهما لم يخل أن يكون مقدورهما واحدا من حيث كانا قادرين لأنفسهما أو متغايرا من حيث كانا قادرين وكون مقدورهما واحدا يحيل كونهما قادرين وتغاير مقدورهما يحيل كونهما قادرين لأنفسهما فثبت أنه سبحانه واحد لا ثاني له.

وقلنا إن من حق القادرين أن يتغاير مقدورهما.

لأن تقدير مقدور واحد لقادرين يصح له معه أن يدعو أحدهما إلى إيجاده

٨٨

داع خالص من الصوارف وتتوفر صوارف الآخر عنه فإن يوجد يقتضي ذلك إضافته إلى من يجب نفيه عنه وإن لم يوجد يجب نفيه عمن يجب إضافته إليه وكلا الأمرين محال.

وقلنا إن تقدير قادرين لأنفسهما يوجب كون مقدورهما واحدا.

لأن من حق القادر لنفسه أن يكون قادرا على كل ما يصح كونه مقدورا إذ تخصيص مقدوراته وانحصارها يخرجه عن كونه قادرا لنفسه وإذا صح هذا فمقدور كل قادر لنفسه يجب كونه مقدورا لمماثله في هذه الصفة وذلك يحيل تغاير مقدورهما.

طريقة أُخر

وهو لا يخلو أن يكون مقدورهما واحدا أو متغايرا وكونه واحدا يقتضي إضافة الفعل إلى من يجب نفيه عنه أو نفيه عمن يجب إضافته إليه لصحة اختلاف الدواعي والصوارف منهما وكونه متغايرا يقتضي اجتماع الضدين وارتفاع الفعل من القادر عليه لغير وجه وكلاهما محال فثبت أن صانع العالم سبحانه واحد.

وقلنا بذلك لأن تقدير تغاير مقدورهما يصحح توفر دواعي أحدهما إلى ما توفرت عنه صوارف الآخر فإن يوجد المقدوران يجتمع الضدان وإن يرتفعا فلغير وجه معقول من حيث علمنا أنه لا وجه يقتضي تعذر الفعل على القادر لنفسه.

وليس لأحد أن يقول وجه ارتفاع المقدورين كونهما قادرين على ما لا نهاية له.

لأن المصحح لوقوع الفعل هو كون الذات قادرة فلا يجوز أن يجعل ذلك وجها لتعذره لأنه يقتضي كون المصحح للشيء محيلا له وذلك فاسد.

٨٩

وليس له أن يقول وجه التعذر أن أحدهما ليس بالوجود أولى من الآخر.

لأنا نعلم هذا في مقدوري الساهي وقد يوجد أحدهما.

وليس له أن يقول اشتراكهما في العلم بالمقدورات والدواعي منهما يحيل اختلاف الدواعي منهما.

لأن الاشتراك في العلم بالشيء وما يدعو إلى فعله لا يمنع من اختلاف الدواعي إليه يوضح ذلك علم كل عاقل بحسن التفضل وما للمحتاج إليه فيه من النفع وعدم الضرر لهما وقد يدعو بعض العالمين بذلك دواعي فعله وينصرف عن ذلك آخرون.

طريق أُخرى

وهو أنا قد دللنا على أن فاعل العالم سبحانه مريد بإرادة موجودة لا في محل فلو كانا قديمين لم يخل إذا فعل أحدهما أو كلاهما إرادة على الوجه الذي يصح كونه مريدا بها لم يخل أن يوجب حالا لهما أو لأحدهما أو لا يوجب.

وإيجابها لهما محال إيجاب الإرادة الواحدة لحيين كاستحالة إيجابها لحي واحد حالتين لأن إيجاب الإرادة لحي واحد حالتين أقرب من إيجابها لحيين فإذا استحال أقرب الأمرين فالأبعد أولى بالاستحالة.

وأيضا فإن إيجاب الإرادة الحال أمر يرجع إلى ذاتها فلو أوجبت في بعض المواضع حالا لحيين لوجب أن يوجب ذلك في كل موضع لأن الحكم المسند إلى النفس لا يجوز حصوله في موضع دون موضع وقد علمنا استحالة الإرادة الواحدة حالا لحيين فيما بينا (١) ـ فيجب الحكم بمثل ذلك في كل إرادة.

وإيجابها لأحدهما محال لأنه لا نسبة لها إلى أحد القديمين إلا كنسبتها

__________________

(١) كذا في النسخة ، والظاهر : « بيّنا ».

٩٠

إلى الآخر فلا وجه لتخصصها بأحدهما.

وإن لا يوجب حالا يوجب قلب جنسها وهو محال وإذا كانت دالة على كون فاعلها مريدا وكان تقدير قديم ثان يحيل كون فاعل العالم سبحانه مريدا ثبت أنه واحد لا ثاني له.

وليس لأحد أن يخصص إيجابها حالة المريد لمن هي فعله وتابعة لدواعيه دون الآخر كما يقولون فيمن فعل فيه إرادة لدخول النار وهو مشرف على الجنة في أن هذه الإرادة لا تؤثر لكونها غير تابعة لدواعيه ولا يدخل هذا المريد إلا الجنة لمجرد الداعي.

لأن الدليل مبني على استحالة حصول موجب الإرادة وهو حال المريد مع تقدير قديمين ولا يفتقر ذلك إلى حدوثها تابعة لدواعي محدثها فإنما يحتاج إلى ذلك في تأثرها دون إيجابها الحالة المقتضاة عن نفسها الواجب حصولها بشرط وجودها على كل وجه ألا ترى أن الإرادة المفروض فعلها في الحي لدخول النار قد أوجبت كونه مريدا وإنما لم تؤثر دخولها لكونها غير تابعة لدواعيه فصار القدح وفقا للاستدلال على ما تراه والمنة لله.

ولأن اختلاف دواعي القديمين محال لاختصاص دواعي القديم بالحكمة المستحيل تعري قديم منها وعلى هذا الدليل ينبغي أن يعول من طريق العقل لاستمراره على الأصول وسلامته من القدح.

طريق أُخرى

وهو علمنا من طريق السمع المقطوع على صحته أن صانع العالم سبحانه واحد لا ثاني له والاعتماد على إثبات صانع واحد سبحانه من طريق السمع أحسم لمادة الشغب وأبعد من القدح لأن العلم بصحة السمع لا يفتقر إلى العلم بعدد الصناع إذا كانت الأصول التي يعلم بصحتها صحة السمع

٩١

سليمة وإن جوز العالم بها تكاملها لأكثر من واحد من تأمل ذلك وجده صحيحا.

وإذا لم يفتقر صحة السمع إلى تميز عدد الصناع أمكن أن يعلم عددهم من جهته فإذا قطع العدد بكونه واحدا وجب العلم به والقطع ينفي ما زاد عليه.

مسألة : [ في لزوم الاعتقاد بمسائل التوحيد ]

وإذا تقرر ما قدمناه من مسائل التوحيد وعلمنا صحتها بالبرهان لزم كل عاقل اعتقادها أمنا من ضررها قاطعا على عظيم النفع بها وفساد من خالفها من المذاهب وحصول الأمان من معرتها ونزول الضرر بمعتقدها من حيث كان علمه بحدوث الأجسام والأعراض يقضي بفساد مذاهب القائلين بقدم العالم من الفلاسفة وغيرهم وعلمه بحاجتها إلى فاعل قادر متخير عالم حي يوجب فساد مذهب من أضافه إلى علة أو طبيعة أو غير ذلك ممن ليس في هذه الصفات.

وعلمنا بكونه تعالى قديما لا يشبه شيئا ولا يدرك بشيء من الحواس يبطل مذهب الثنوية والمجوس والنصارى والصابئين والمنجمين والغلاة ومجيزي إدراكه تعالى بشيء من الحواس من فرق المسلمين لإثبات هؤلاء أجمع إلهية الأجسام المعلوم حدوثها لحدوث كل جسم على ما قدمناه.

هذا إن أرادوا بالقدم إلهية أعيان الأجسام التي هي نور وظلمة وشيطان وكوكب وصنم وبشر كعلي والمسيح عليهما السلام.

وإن أرادوا أمرا يجاور هذه الأجسام فالمجاور لا يكون إلا جسما.

وإن أرادوا أمرا حالا فالحلول من خواص الأعراض وإن أرادوا بالإدراك المعقول منه.

٩٢

وإن أرادوا غير ذلك أشاروا إلى ما لا يعقل لأن كل عبارة يعبرون بها من قولهم اتحد واختص وتعلق وغير ذلك متى لم يريدوا به مجاورة أو حلولا لم يعقل وفساد ما لا يعقل ظاهر وكذلك القول في إدراك لا يعقل.

وعلمنا بتفرده سبحانه بالقدم والصفات النفسية التي عيناها يبطل مذاهب الثنوية والمجوس وعباد الأصنام والطبائعيين والصابئين والمنجمين والغلاة والمفوضة والقائلين بقدم الصفات زائدا على ما تقدم.

٩٣
٩٤

[ مسائل العدل ]

٩٥
٩٦

مسألة : [ في معنى الكلام في العدل ]

الكلام في العدل كلام في أحكام أفعاله وما يتعلق بها من أفعال خلقه والحكم بجميعها بالحسن ويتقدم أمام ذلك الحسن والقبيح والطريق إلى العلم بهما ويلي ذلك أحكام الأفعال

مسألة : [ في الحسن والقبيح ]

الحسن ما يستحق به المدح مع القصد إليه وينقسم إلى واجب وندب وإحسان.

فالواجب هو ما يستحق به المدح وبأن لا يفعل ولا ما يقوم مقامه الذم وينقسم إلى واجب مضيق لا بدل منه وإلى ما له بدل وإلى ما يختص كل عين وما هو على الكفاية وإلى ما يتعين وإلى ما لا يتعين.

والندب هو ما يستحق به المدح ولا ذم على تركه وهو مختص بالفاعل.

والإحسان هو ما قصد به فاعله الإنعام على غيره ومن حقه تعلقه بغير الفاعل ويستحق فاعله المدح لحسنه والشكر على المنعم عليه وصفة الحسن مشترطة في جميع أجناسه بانتفاء وجوب القبح.

والقبيح هو ما يستحق به الذم (١) ـ وينقسم إلى فعل قبيح كالظلم وإخلال بواجب كالعدل بشرط إمكان العلم بوجوب الشيء وقبحه.

والحسن والقبح على ضربين عقلي وشرعيّ.

__________________

(١) في النسخة : « بالذم ».

٩٧

فالشرعي : كالصلاة والزكاة والزنا والربا.

والعقلي : العدل والصدق وشكر المنعم والظلم والكذب والخطر.

ولا خلاف في أن الطريق إلى العلم بحسن الشرعيات وقبحها السمع وإن كان الوجه الذي له كانت كذلك متعلقا بالعقليات.

والخلاف في العدل والصدق والظلم والكذب وما يناسب ذلك فالمجبرة تدعي اختصاص طريق العلم به السمع والصحيح اختصاصه بالعقول.

والعلم به على وجهين ضروري ومكتسب.

فالضروري هو : العلم على الجملة بقبح كل ضرر عري من نفع يوفى عليه ودفع ضرر أعظم أو استحقاق أو على جهة المدافعة وبكل خبر بالشيء على ما هو به ووجوب شكر كل نعمة.

والمكتسب هو العلم بضرر معين بهذه الصفة وخبر معين وكون فعل معين شكر النعمة.

وقلنا إن الأول ضروري لعمومه كافة (١) العقلاء وحصوله ابتداء على وجه لا يمكن العالم إخراج نفسه عنه بشبهة كالعلم بالمشاهدات ولو كان مكتسبا لوقف على مكتسبه فاختص ببعض العقلاء وأمكن إدخال الشبهة فيه كسائر العلوم المكتسبة.

وليس لأحد أن يقدح في هذا بخلاف المجبرة.

لأن المجبرة لا تنازع في حصول هذا العلم لكل عاقل وهو البرهان على كونه ضروريا ودخول الشبهة عليهم بأنه معلوم بالسمع يسقط لعموميته العقلاء من دان منهم بالسمع وأنكره وبمخالفته السمعيات بدخول الشبهة فيها وبعده عنها وبحصول الشك في جميع السمعيات بالشك في النبوة وارتفاع الريب بقبح

__________________

(١) في النسخة : « كأنه ».

٩٨

العقليات والحال هذه وبكون السمع المؤثر للحسن والقبح معدوما في حال وقوع الحسن والقبح من المكلف مع استحالة تأثير المعدوم ووجوب تعلق بما أثر فيه على آكد الوجوه وبعد (١) السمع المدعى تأثيره في أفعالنا لاختصاصه به تعالى.

وإسناد ذلك إلى الميل والنفور ظاهر الفساد لاختلاف العقلاء فيما يتعلق بالميل والنفور واتفاقهم على قبح الظلم والكذب وحسن الصدق والعدل ولأن الميل والنفور يختصان المدركات وقد نعلم قبح ما لا ندركه ولأنا قد نعلم قبح كثير مما نميل إليه وحسن كثير مما ننفر عنه ولأنا نعلم ضرورة استحقاق فاعل العدل والصدق المدح وفاعل الظلم والكذب الذم ولا يجوز إسناد ذلك إلى الميل والنفور المختصان به تعالى وقبح ذم الغير ومدحه على ما لم يفعله.

وقلنا إن التفصيل مكتسب لوقوف حصوله لمن علم الجمل ولو كان ضروريا لجاز حصوله من دونها.

مسألة : [ في كونه تعالى قادرا على القبيح ]

وهو تعالى قادر على القبح من جنس الحسن وإنما يكون قبيحا لوقوعه على وجه حسنا لوقوعه على وجه كقول القائل زيد في الدار فإن كان متعلق الخبر بالمخبر عنه على ما هو به فهو حسن وإن كان متعلقه بخلاف ما هو به فهو قبيح فلو لم يكن تعالى قادرا على القبيح لم يكن قادرا على الحسن.

وأيضا فلا يخلو القبيح أن يكون جنسا أو وجها وكونه تعالى قادرا على جنس ووجوهه لقيام الدلالة على كونه قادرا لنفسه والقادر لنفسه يجب أن

__________________

(١) في النسخة لا « وبعد ».

٩٩

يكون قادرا على كل ما يصح كونه مقدورا لأن كونه قادرا يصحح تعلقه بكل مقدور وما صح من صفة النفس وجب لأنه لو لم يجب لاستحال من حيث لا مقتضي لوجوب ما جاز في صفة النفس خارج عنها فلا يتقدر فرق بين الصحة والوجوب فيها.

ولأن كون القادر قادرا يصحح تعلقه بكل مقدور والمقتضي للحصر والتخصيص هو القدر المتعلقة بأجناس مخصوصة يستحيل تعلقها بغيرها وبما زاد على الجزء الواحد من الجنس الواحد في المحل الواحد والوقت الواحد على ما بينته فيجب الحكم فيمن كان قادرا لا بقدرة بكونه قادرا على كل جنس وقدر ووجه فإذا ثبت كونه تعالى قادرا لنفسه وجب كونه قادرا على القبيح جنسا كان أو وجها.

ولأن خروج القبيح عن كونه مقدورا له سبحانه يخرجه عن كونه قادرا جملة لأنا نقدر عليه مع كوننا قادرين بقدر محدثة فالقبيح إن كان وجها لجنس فتعذره يقتضي تعذر الجنس وإن كان جنسا ضدا للحسن فتعذره يقتضي تعذر ضده فيجب الحكم في من لا يقدر عليه بكونه غير قادر وقد ثبت كونه قادرا فيجب أن يكون قادرا عليه.

ولأنا نقدر على القبيح وهو آكد حالا منا في كونه قادرا لصحة تعلقه بما لا يقدر عليه من الأجناس والمقادير في كل حال وعلى كل وجه.

وقول النظام إنه لو كان سبحانه قادرا على القبيح لصح منه وقوعه فيقتضي ذلك خروجه تعالى عن كونه عالما أو غنيا أو انتقاض دلالة القبيح على ذلك.

يسقط بوجوب كونه قادرا على كل ما يصح كونه كذلك والقبيح (١) من

__________________

(١) في النسخة : « كذلك هو القبيح ».

١٠٠