تقريب المعارف

أبي الصّلاح تقيّ بن نجم الحلبي

تقريب المعارف

المؤلف:

أبي الصّلاح تقيّ بن نجم الحلبي


المحقق: الشيخ فارس تبريزيان « الحسّون »
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المحقّق
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٠

على أنا إذا كنا وكل مخالط متأمل بقدم وجوده أو تأخره نعلم نص النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام والأئمة من ذريتهما عليهم السلام على إمامة الثاني عشر وكونه المزيل لجميع الدول والممالك الجامع للخلق على الإيمان بالقهر والاضطرار علمنا توفر دواعي كل ذي سلطان وتابع له إلى طلبه وتتبع آثاره وقتل المتهم بنصرته لما نجدهم عليه من حب الرئاسة وإيثارها على الآخرة وقلة الفكر في العاقبة وتأييدها بقطع الأرحام وهجر الأحباب وبذل الأنفس والأموال وقتل الأبرار وتعظيم الفجار.

وارتفع الريب عنا بوجوب استتاره ما استمر هذا الخوف إلى أن يعلم بشاهد الحال أو بغير ذلك وجود أنصار (١) يتمكن بمثلهم من تأدية الفرض من جهاد الكفار أو توبة المتغلبين من ذوي السلطان فحينئذ يظهر منتصرا للحق كظهور كل من الأنبياء وخلفاء الله في الأرض عليهم السلام بعد الخوف والاضطرار.

وليس لأحد أن يقول فما بال الموجودين من شيعته الذين قد ملأوا الأرض لم ينصروه على أعدائه وما باله هو عليه السلام لم يظهر منتصرا بهم ففي بعضهم نصرة.

لأنه ليس كل متدين بإمامته عليه السلام يصلح للحرب وينهض نعت القتال ويقوي على مجالدة الأقران ولا كل مقتدر على ذلك يوثق منه بنصرة الحق وبذل النفس والأموال والحميم وهجر طيب العيش في اتباعه وإيثاره على هذه الأمور مع ما فيه من عظيم الكلفة.

وكيف يظن ذلك من يعلم ضرورة كون أكثر شيعته ذوي مهن وضعف عن الانتصار من أضعف الظالمين ومن لا يثبت (٢) الجمع الكثير منهم كواحد من أتباع المتغلبين ومن يظن به النصرة من نفسه من شيعة الحجة عليه السلام لكونه ممارسا لآلات الحرب مخالطا لأصحاب الدول هو تبع للضلال وباذل نفسه في نصرة الفجار

__________________

(١) في النسخة : « أنصاف ».

(٢) كذا.

٤٤١

ومعونتهم على مظالم العباد ومن يرجى معونته بماله من ذوي اليسار منهم معلوم كونهم أو معظمهم مانعا لما يجب للحجة عليه في ماله من حقوق الخمس والأنفال التي لو أخرجوها لأوشك ظهور الحجة عليه السلام لتمكنه بها من الانتصار.

ولا عذر لأحد ممن ذكرناه لتمكن كل منهم من النظر في الأدلة الموصلة إلى العلم بالحجة وما يجب له عليه وبذل الجهد من نفسه وتأدية الواجب عليه وإخلاص النية لنصرته وتمرين العامي نفسه على ما معه يستطيع النصرة من معاناة آلات الحرب ورياضة في عادتها.

فلو فعل المكلفون أو أكثرهم أو من يصح به الانتقام من الباقين ما يجب عليه مما ذكرناه لظهر الحجة عليه السلام وغلب كلمة الحق.

ولما لم يفعلوا ما يستطيعونه من تكليفهم ثبت تقصير كل منهم وكونه مستحقا للوزر وإخلاله بالواجب عليه وتأثيره في غيبة الحجة عليه السلام كتأثير العدو المعلن.

وإذا لحق أكثر الأولياء بحكم الأعداء في تسبيب الغيبة سقط الاعتراض بكثرتهم.

وحصول الغيبة للخوف الذي بيناه لا يمنع من العلم بإمامة الغائب عليه السلام وثبوت وجوده لوقوف ذلك على الأدلة التي سلمت دون الغيبة والظهور اللذين لا تعلق لهما بثبوت حجة ولا انتفائها كسائر المعلومات بالأدلة.

[ كيفية الجمع بين فقد اللطف بعدم ظهوره وثبوت التكليف ]

وأما فقد اللطف بظهوره متصرفا ورهبة لرعيته مع ثبوت التكليف الذي وجوده مرهوبا لطف فيه مع عدمه فإن اختصاص هذا اللطف بفعل المكلف لتمكنه من إزاحة علة نفسه بمعرفة الحجة المدلول على وجوده وثبوت إمامته وفرض طاعته وما في ذلك من الصلاح وقدرته على الانقياد وحسن تكليفه ما تمكين الإمام وإرهابه أهل البغي لطف

٤٤٢

فيه وإن كانا مرتفعين بغيبته الحاصلة عن جناية المكلف عن (١) نفسه فالتبعة عليه دون مكلفه سبحانه ودون الحجة الملطوف له بوجوده.

وتكليفه لازم له وإن فقد لطفه بالرئاسة لوقوف المصلحة في ذلك على إيثاره معرفة الإمام والانقياد له باختياره دون إلجائه كسائر المتعلقة بفعل الملطوف له من المعارف العقلية والعبادات الشرعية المعلوم حسن تكليف ما هي لطف فيه من الضروريات وإن انتفى العلم والعمل بها من الملطوف له بها لكونه قادرا على الأمرين وفاقدا للاستصلاح بهما بسوء نظره لنفسه وقبيح اختياره.

[ العلة في عدم منع الله من يريد الحجة بسوء ]

وليس لأحد أن يقول إلا أيد الله سبحانه الحجة الملطوف بسلطانه للخلق أو منع منه من يريده بالسوء ليتم الصلاح ويحسن التكليف.

لأن هذا وإن كان مقدورا له تعالى ولكن المصلحة في غيره لوقوفها على اختيار المكلف دون إلجائه كسائر المعارف العقلية والتكاليف الشرعية المتعلق كونها مصلحة بفعل المكلف دون مكلفه سبحانه وتكليفه الضروري ثابت وإن فقد لطفه لتعلق فقدانه به دون القديم سبحانه.

فكأنما (٢) أن سؤال من قال هلا فعل الله العلم الضروري بجملة المعارف للكفار واضطر الكل إلى فعل الشرعيات وترك قبائحها ليتم المصلحة ويحسن تكليفهم ما هذه المعارف والشرائع لطف فيه ساقط فكذلك سؤال من قال هلا جبر الله تعالى الرعية على طاعة الرئيس ومنعهم من ظلمه إذ كان العذر في الموضعين واحدا.

__________________

(١) كذا في النسخة ، والظاهر أن الصحيح : « على ».

(٢) في النسخة : « فكأنما ».

٤٤٣

[ إمكان ظهوره لأوليائه في زمن الغيبة ]

وليس لأحد أن يقول فهب تكليف أعدائه مع غيبته عليه السلام لازم لتقصيرهم عن الواجب من تمكينه فما بال أوليائه العارفين به المتدينين بطاعته يمنعون لطفهم بظهوره لهم بجناية غيرهم ويلزمهم تكليف ما ظهور الإمام لطف فيه مع غيبته بجريرة سواهم ومقتضى الألطاف عندكم بخلاف هذا.

لأنا لا نقطع على غيبة الإمام عليه السلام عن جميعهم بل يجوز ظهوره لكثير منهم ومن لم يظهر له منهم فهو عالم بوجوده ومتدين بفرض طاعته وخائف من سطوته لتجويزه ظهوره له ولكل مكلف في حال منتصرا منه إن أتى جناية أو من غيره من الجناة فغيبته عنده على هذا التقدير كظهوره في كونه مزجورا معها بل حاله مع الغيبة أبلغ في الزجر من حيث كانت حال الظهور يقتضي اختصاص الحجة لمكان معلوم وخلوه مما عداه وفي حال الغيبة لا مكلف من شيعته إلا ويجوز اختصاص الإمام بما يليه من الأمكنة ولا يأمن ظهوره فيها وإذا كانت هذه حال أوليائه عليه السلام في زمان الغيبة حسن تكليفهم ما وجود الإمام لطف فيه وإن كان غائبا لحصول صلاحهم فيها بالظهور.

حفظ الشريعة في حال الغيبة

وأما حفظه صلوات الله عليه الشريعة وتبليغها في حال الغيبة فإنها لم تحصل له إلا بعد تبليغ آبائه جميع الشريعة إلى الخلق وإبانتهم عن أحكامها وإيداع شيعتهم من ذلك ما يزاح به علة كل مكلف وحفظهم عليهم السلام عليهم في حال وجودهم وحفظه هو عليه السلام بعد فقدهم بكونه من وراء الناقلين وأحد المجمعين من شيعته وشيعة آبائه عليهم السلام فقام والحال هذه إجماع العلماء من شيعته وتواترهم بالأحكام عن آبائه عليهم السلام مع كونه حافظا من ورائهم مقام مشافهة الحجة ووجب على كل مكلف العمل بالشريعة الرجوع إلى علماء شيعته والناقلين عن آبائه عليهم السلام لكونه آمنا من الخطاء فيما أجمعوا عليه لكون الحجة المأمون واحدا من المجمعين وفيما

٤٤٤

تواتروا به عن الصادقين من آبائه عليهم السلام لصحة الحكم المعلوم بالتواتر إسناده إلى المعصوم في تبليغه المأمون في أدائه وقطع على بلوغه جملة ما تعبد (١) به من الشريعة لوجود الحجة المعصوم المنصوب لتبليغ الملة وبيان ما لا يعلم إلا من جهته وإمساكه عن النكير فيما أجمعوا عليه وفقد فتياه بخلاف له أو زيادة فيه.

فمن أراد الشريعة في حال الغيبة فالطريق إليها ما ذكرناه والحجة به قائمة ولا معضل ولا مشكل إلا وعند العلماء من شيعته منه تواتر وهم (٢) على الصحيح منه برهان من طلب ذلك ظفر به ظفر العلماء من شيعته ومن عدل عنه ورغب عن الحجة مع لزومها له بتخويف شيعته ووضوح الحق على جملة الشريعة (٣) وقيام البرهان على جميعها فالتبعة عليه لتقصيره عما وضح برهان لزومه له والمحنة بينهم وبين منكر ذلك.

وقد استوفينا ما يتعلق بهذا الفصل في كتاب العمدة ومسألتي الشافية والكافية وأوضحنا عن ثبوت الحجة به وأسقطنا ما يتعلق به من الشبه فذكرها هاهنا يخرج عن الغرض ومريده يجده هناك مستوفى.

[ حكم تنفيذ الأحكام وإرشاد الضال وحقوق الأموال في حال الغيبة ]

وأما تنفيذه صلّى الله عليه وآله الأحكام وردع الجناة باليد العالية وإقامة الحدود وجهاد الأعداء فساقط عنه عليه السلام لتقيته وقصور يده بإخافة الظالمين له وأعوانهم ولا تبعة عليه في شيء من ذلك لوقوف فرضه على التمكن منه باتفاق بل التبعة فيه على مخيفه ومسبب ضعفه عن القيام بما جعل إليه تنفيذه مع التمكن منه كسقوط ذلك عن كل نبي ووصي ومؤمن في حال الخوف والضعف عن القيام به ولزوم التبعة

__________________

(١) كذا في الأصل ، وفي كشف القناع : « ما يعتد به ».

(٢) في النسخة : « وهم ».

(٣) في كشف القناع : « ووضوح الحق جملة على جهله مواصل الشريعة وقيام.

٤٤٥

للمانع من ذلك بإخافته إذ كان ذلك أجمع من قبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المعلق فرضها بالتمكن منها وعدم المفسدة دون الحجة عليه السلام الممنوع من ذلك بالخوف والاضطرار.

وأما إرشاد الضال عن الحق إليه فالأدلة على التكليف العقلي ثابتة والتخويف من ترك النظر فيها حاصل والبراهين على الحق من التكليف الشرعي قائمة والتخويف من الإعراض ثابت ظاهر وإن كان الحجة غائبا.

فمن ضل عن تكليف عقلي أو شرعي والحال هذه أتى من قبل نفسه ولم يجب على الإمام إرشاده لكونه قادرا على النظر في أدلة المعارف ومستطيعا لتأمل (١) فتيا الشيعة وما يستند إليه من وجود الحجة المعصوم من ورائهم وفرض النظر في ذلك مضيق عليه بالتخويف الشديد من تركه فلو فعل كل مكلف ما يجب عليه منه لعلم ما يلزمه من تكليفه عقلا وسمعا ولما لم يفعل فالحجة لازمة له ولا عذر له في تقصيره عما يجب عليه علمه وعمله وإن كان الإمام عليه السلام غائبا.

وأما حقوق الأموال الواجب حملها إليه ففرض قبضها وتصرفها في وجوهها موقوف على تمكنه صلوات الله عليه وآله من ذلك وعدم التمكين له التبعة على مسبب هذا المنع ولا تبعة عليه كما لا تبعة على من قبله من آبائه عليهم الصلاة والسلام ومن قبلهم من أنبياء الله وحججه صلوات الله عليهم وفرض مكلف ذلك إخراج ما تعين عليه فرضه من الزكوات والفطرة وشطر الخمس إلى من يستحقه وهم معروفون منصوص على أعيانهم وصفاتهم في الكتاب والسنة المعلومة بنقل آبائه عليهم السلام فإن جهل حالهم سأل علماء العصابة عنهم أو حمل ما يجب عليه من الحقوق إليهم فيضعوه في مستحقيه وعزل ما يستحقه الإمام صلوات الله عليه من الخمس والأنفال من جملة المال وأحرزه وانتظر به التمكن من إيصاله إليه أو إلى من يأذن له قبضه والوصية به إن خاف الفوت قبل ذلك كسائر الحقوق المتعذر معرفة مستحقها بعينه فإن ضعف عن

__________________

(١) في الأصل : « التأمل ».

٤٤٦

ذلك حمله إلى المأمون من فقهاء الطائفة ليحكم به بما شرع له وأي الأمرين فعل برئت ذمته مما وجب من حقوق الأموال.

رد من قال : لا حاجة إلى الحجة

وليس لأحد أن يقول فإذا كان التكليف العقلي والسمعي ثابتا والطريق إليها واضحا في زمان الغيبة فلا حاجة بالمكلفين فيها إلى الحجة لصحة التكليف من دونه وهذا ينقض قولكم بوجوب الحاجة إليه في كل حال.

لأنا قد بينا قبح التكليف العقلي من دون الرئاسة لكونها لطفا في فعل الواجب وترك القبيح وقولنا الآن بإمكان العلم بالتكليف العقلي في حال الغيبة منفصل من حصول اللطف برئاسة الغائب بغير شبهة على متأمل ولزوم التكليف به لعدوه ووليه في زمان الغيبة لا يقتضي القدح في وجوب وجوده لأن تقدير عدمه يقتضي سقوط تكليفها أو ثبوته من دون اللطف وكذلك قد بينا أن العلم بوصول المكلف إلى جملة التكليف الشرعي لا يمكن مع عدم الحجة المنصوص لحفظه وإن علم أحكاما كثيرة لتجويزه بقاء أكثر ما كلفه من الشرعيات لم يصل إليه فكيف يعترض علينا لقولنا بلزوم التكليفين في زمان الغيبة وإمكان العلم بهما فيقال ذلك مقتض للاستغناء عن الإمام مع وقوف التكليفين على وجوده وإن كان غائبا عليه السلام لو لا غفلة الخصم.

[ رد من قال : لا حاجة إلى ظهور الحجة ]

وليس لأحد أن يقول فإذا كنتم معشر القائلين بإمامة الحجة بن الحسن عليهما السلام حال الغيبة عندكم كحال الظهور في إزاحة العلة في التكليفين عقلا وسمعا بل قد رجحتم الغيبة في بعض المواضع على الظهور فلا حاجة بكم خاصة إلى ظهوره ولا وجه لتمنيكم ذلك ورغبتكم إلى الله تعالى فيه.

لأنا وإن كانت علتنا مزاحة في تكليفنا على ما وضح برهانه ففي ظهور الحجة على الوجه الذي نص عليه رسول الله صلى الله عليه وآله فوائد كثيرة وتكاليف يتعين

٤٤٧

بظهوره ومنافع حاصلة بذلك ليس شيء منها حاصلا في حال الغيبة.

لأنه عليه السلام يظهر لزوال دول الظالمين المخيفين لشيعته وذراري آبائه عليه السلام ورفع جورهم بعدله وإبطال أحكام أهل الضلال بحكم الله والسيرة بالملة الإسلامية التي لم يحكم بجملتها منذ قبض الله نبيه صلّى الله عليه وآله.

ومنها الأمر بكل معروف والنهي عن كل منكر وجهاد الكفار مع سقوط ذلك أجمع عنا في حال الغيبة وهذه أحكام تثبت وحقوق تظهر وقبائح ترتفع وتكاليف تتعين بظهوره ليست حاصلة في حال غيبته.

ومنها زوال الخوف عن شيعته وذرية آبائه عليه السلام بظهور سلطانه وارتفاع التقية بدولته وسهولة التكليف الشرعي ببيانه وسقوط كلفة النظر الشاق في الأدلة الموصلة إليه في حال غيبته.

ومنها براءة الذمم من الحقوق الواجبة له في الأموال المتعذر إيصالها إليه في زمان الغيبة.

ومنها ظهور الدعوة إلى جملة الحق في المعارف والشرائع بظهوره والفتيا بذلك والعمل بها في جميع الأرض مع ارتفاع ذلك في حال الغيبة.

وهذه فوائد عظيمة لها رغبنا إلى الله تعالى في ظهوره لنفوز بها ونكون من أنصاره عليها فنحظى بثواب نصرته ونسر بنفوذ حكم الله وظهور عدله عليه السلام.

[ مسألة طول الغيبة وطول عمر الحجة ]

وأما طول الغيبة وتراخي الزمان بها فلثبوت الواجب لها واستمراره من إخافة الظالمين وإصرارهم على الظلم والعزم على استيصال الحجة وإذا كان ما له وجبت الغيبة مستمرا حسن لذلك استمرارها وكانت التبعة على موجب ذلك دون الحجة المضطر إليها.

وأما طول العمر وبقاء الشباب مع كونه خلافا للعادات فلا قدح به لكونه مقدورا للقديم سبحانه وشائعا في حكمه وإنما يفعل منه من طول وقصر وشيخوخة

٤٤٨

وتبقية شباب ما يقتضي المصلحة فعله لكون ذلك موقوفا على مقدوره تعالى المعلوم حسن جميعه وتعلقه بمقدوره تعالى بغير شبهة على موحد.

وإنما استبعد ذلك ملحد يضيف التأثيرات إلى الطبائع أو الكواكب فأما من أثبت صانعا قادرا لنفسه فشبهته في ذلك ساقطة ولم يبق إلا استبعاده في العادة مع المنع من خرق العادات لغير الأنبياء عليهم السلام وكلا الأمرين ساقط.

أما استبعاده في العادة فالمعلوم خلافه.

لإجماع الأمة على طول عمر نوح عليه السلام وأنه عاش ألفا ومائتين وقد نطق القرآن بنبوته في قومه داعيا ( أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عاماً ) ولا شبهة في وجوده حيا قبل الدعوة وبعد الطوفان.

وأجمع العلماء بالنقل على كون الخضر عليه السلام حيا باقيا إلى الآن وهو على ما وردت الروايات به من ولد الثاني (١) من ولد نوح عليه السلام ويكفي كونه صاحبا لموسى بن عمران عليه السلام باقيا إلى الآن.

وقد تواتر الخبر وأجمع أهل السيرة على طول عمر لقمان الحكيم عليه السلام وأنه عاش عمر سبعة أنسر وفيه يقول الأعشى ، شعر :

لنفسك أن تختار سبعة أنسر

إذا ما مضى نسر خلوت إلى نسر

فعمر حتى خال أن نسوره

خلود وهل تبقى النفوس على الدهر

وقال لأدناهن إذ حل ريشه

هلكت وأهلكت بن عاد وما تدري

وإنما اختلفوا في عمر النسر ففيهم من قال ألف سنة وفيهم من قال خمسمائة سنة وأقل ما روي أن عمر السبعة الأنسر الذي عاشه لقمان ألف وخمسون ومائة سنة.

وقد تناصرت الروايات بطول عمر سلمان الفارسي رضي‌الله‌عنه وأنه لقي من لقي المسيح عليه السلام وعاش إلى خلافة عمر بن الخطاب.

__________________

(١) كذا في النسخة.

(٢) كنز الفوائد : ٢٤٩ ، المعمرون : ٤ ـ ٥ ، إكمال الدين ٢ : ٥٥٩.

٤٤٩

ونقل الكل من أصحاب الحديث أو من تثبت بنقله الحجة من الفرق المختلفة أخبار المعمرين ودونوا أشعارهم وأخبارهم.

فمن ذلك عمرو بن حممة الدوسي عاش أربعمائة سنة حاكما على العرب وهو ذو الحلم الذي يقول فيه المتلمس اليشكري ، شعر :

لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا

وما علم الإنسان إلا ليعلما (١)

وهو القائل :

كبرت وطال العمر حتى كأنني

سليم أفاع ليله غير مودع

فما الموت أفناني ولكن تتابعت

علي سنون من مصيف ومربع

ثلاث مئين قد مررن كواملا

وها أنا هذا أرتجي مر أربع

ومنهم الحارث بن كعب بن عمرو بن وعلة بن خالد بن مالك بن أدد المذحجي ، وكان من حكماء العرب وفصحائهم وهو القائل ، شعر :

أكلت شبابي فأفنيته

وأمضيت بعد دهور دهورا

ثلاثة أهلين صاحبتهم

فبادوا وأصبحت شيخا كبيرا

عسير القيام قليل الطعام

قد ترك الدهر خطوي قصيرا

أبيت أراعي نجوم السما

أقلب أمري بطونا ظهورا

ومنهم المستوغر وهو عمرو بن ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد (٤) بن مناة بن تميم بن مر بن أد بن طلحة (٥) بن إلياس بن مضر.

عاش ثلاثمائة سنة وأدرك أول الإسلام وروي أنه مات قبل ظهور النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو القائل ، شعر :

__________________

(١) المعمرون والوصايا : ٥٨.

(٢) كنز الفوائد : ٢٥٠ ، المعمرون والوصايا : ٥٨.

(٣) كنز الفوائد : ٢٥١ ، المعمرون والوصايا : ١٢٤ ، الأمالي للمرتضى ١ : ٢٣٢ ـ ٢٣٣.

(٤) في الأمالي للمرتضى : « زيد مناة ».

(٥) في الأمالي : « طابخة بن الياس ».

٤٥٠

ولقد سئمت من الحياة وطولها

وعمرت من عدد السنين مئينا

مائة أتت من بعدها مائتان لي

وازددت من عدد الشهور سنينا

هل ما بقي إلا كما قد فاتنا

يوم يكر وليلة تحدوها

ومنهم دويد بن زيد بن نهد بن (٢) سود بن أسلم بن ألحاف بن قضاعة بن مالك بن مرة بن مالك بن حمير.

عاش أربعمائة سنة وستا وخمسين سنة وهو القائل ، شعر :

اليوم يبنى لدويد بيته

......................................

إلى قوله ، شعر :

لو كان للدهر بلى أبليته

أو كان قرني واحدا كفيته

ومن قوله ، شعر :

ألقى علي الدهر رجلا ويدا

والدهر ما أصلح يوما أفسدا

يفسد ما أصلحه اليوم غدا (٤)

ومنهم زهير بن جناب بن هبل بن عبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن ألحاف بن قضاعة بن مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير. عاش مائتي سنة وواقع مائتي وقعة وكان سيدا مطاعا شريفا في قومه ويقال كانت فيه عشر خصال لم يجتمعن في غيره من أهل زمانه كان سيد قومه وشريفهم وخطيبهم وشاعرهم ووافدهم إلى الملوك وطبيبهم وكاهنهم وفارسهم وله البيت فيهم والعدد منهم وله حكم ووصايا وأشعار مشهورة فمن قوله ، شعر :

لقد عمرت حتى ما أبالي

أحتفي في صباحي أو مسائي

__________________

(١) المعمرون : ١٢ ـ ١٤ ، الأمالي للمرتضى ١ : ٢٣٤ ، كمال الدين ٢ : ٥٦١.

(٢) في الأمالي : « نهد بن زيد بن ليث بن سود ».

(٣) المعمرون والوصايا : ٢٦ ، أمالي المرتضى ١ : ٢٣٦ ـ ٢٣٧.

(٤) كنز الفوائد : ٢٥٠ ، المعمرون والوصايا : ٢٥ ، الأمالي ١ : ٢٣٧.

٤٥١

وحق لمن أتت مائتان عاما

عليه أن يمل من الثواء

ومنهم ذو الأصبع العدواني واسمه حرثان بن محرث بن الحارث بن ربيعة بن وهب بن ثعلبة بن ظرب بن عمرو بن عباد بن يشكر بن عدوان. وكان شاعرا فصيحا ومن حكماء العرب عاش مائة سنة وسبعين سنة وفي رواية أبي حاتم أنه عاش ثلاث مائة سنة ومن حسن شعره :

لا يبعدن عهد الشباب ولا

لذاته ونباته (٢) النضر

هزئت أثيلة إن (٣) رأت هرمي

وأن أنحني لتقادم ظهري

أكاشر ذا الطعن (٤) المبين عنهم

وأضحك حتى يبدو الناب أجمع

وأهدنه بالقول هدنا ولو يرى

سريرة ما أخفي لبات يفزع

ومنهم الربيع بن ضبع الفزاري روي أنه دخل على عبد الملك بن مروان فقال له يا ربيع أخبرني عما أدركت من العمر ورأيت من الخطوب الماضية فقال أنا الذي أقول ، شعر :

ها أنا ذا آمل الخلود وقد

أدرك عقلي ومولدي حجرا

فقال عبد الملك قد رويت هذا من شعرك وأنا صبي يا ربيع لقد طلبك جد غير عاثر ففصل لي عمرك فقال عشت مائتي سنة في فترة عيسى عليه السلام وعشرين ومائة في الجاهلية وستين في الإسلام وهو القائل ، شعر :

إذا كان الشتاء فأدفئوني

فإن الشيخ يهدمه الشتاء

فأما حين يذهب كل قر

فسربال خفيف أو رداء

__________________

(١) المعمرون والوصايا : ٣٤ ، الأمالي ١ : ٢٣٨ ـ ٢٤١.

(٢) في النسخة : « وبيانه ».

(٣) في النسخة : « هربت أثلية إذا ».

(٤) كذا في الأصل ، وفي الأمالي والبحار : « الضغن ».

(٥) الأمالي للمرتضى ١ : ٢٤٤ ـ ٢٥١.

٤٥٢

إذا عاش الفتى مائتين عاما

فقد ذهب المسرة والفتاء

ومنهم عبد المسيح بن بقيلة واسمه ثعلبة بن عمرو بن قيس بن حيان عاش ثلاثمائة سنة وخمسين سنة وأدرك الإسلام فلم يسلم وكان نصرانيا وبنى له قصرا بالحيرة وعاش إلى خلافة عمر ولما نزل خالد بن الوليد بالحيرة صالحه على مائة ألف درهم فقال في ذلك ، شعر :

أيعد المنذرين أرى سواما

تروح بالخورنق والسدير

تحاماه فوارس كل قوم

مخافة ضيغم عالي الزئير

إلى قوله ، شعر :

نؤدي الخرج بعد خراج كسرى

وخرج من قريظة والنضير

كذاك الدهر دولته سجال

فيوم من مساة أو سرور

ومنهم النابغة الجعدي واسمه قيس بن عبد الله بن عدس بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ويكنى أبا ليلى وأدرك الإسلام فأسلم وهو القائل ، شعر :

تذكرت والذكرى تهيج على الهوى

ومن حاجة المحزون أن يتذكرا

نداماي عند المنذر بن محرق

أرى اليوم منهم ظاهر الأرض مقفرا (٣)

كهول وفتيان كأن وجوههم

دنانير مما شيف في أرض قيصرا

وأيضا ، شعر :

لبست أناسا فأفنيتهم

وأفنيت بعد أناس أناسا

ثلاثة أهلين أفنيتهم

وكان الإله هو المستآسا

يعني المستعاض. وله :

__________________

(١) إكمال الدين ٢ : ٥٤٩ ـ ٥٥٠ ، الأمالى للمرتضى ١ : ٢٥٣ ـ ٢٥٥ ، المعمرون : ٨ : ١٠.

(٢) الأمالي للمرتضى ١ : ٢٦٠ ـ ٢٦٢.

(٣) في الأمالي : « أقفرا ».

٤٥٣

ولقد شهدت عكاظ قبل محلها

فيها وكنت أعد مل فتيان

والمنذر بن محرق في ملكه

وشهدت يوم هجائن النعمان

وعمرت حتى جاء أحمد بالهدى

وقوارع تتلى من القرآن

ومنهم : أكثم بن صيفي الأسدي عاش ثلاثمائة سنة وثلاثين سنة وأدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآمن به قبل أن يلقاه وله أحاديث كثيرة وحكم وهو القائل ، شعر :

وإن امرأ قد عاش تسعين حجة

إلى مائة لم يسأم العيش جاهل

مضت مائتان بعد عشر وفازها (٢)

وذلك من عد الليالي قلائل

ومنهم صيفي بن رياح عاش مائتي سنة وسبعين سنة لا ينكر من عقله شيء وهو في بعض الروايات ذو الحلم الذي يقول المتلمس اليشكري فيه البيت السالف (٤).

ومنهم ضبيرة بن سعد بن سهم بن عمرو عاش مائتي سنة وعشرين سنة ولم يشب وأدرك الإسلام ولم يسلم ومات أسود الشعر صحيح الأسنان فرثاه ابن عمه قيس بن عدي فقال ، شعر :

من يأمن الحدثان بعد

ضبيرة السهمي مائتا

سبقت منيته المشيب

فكان ميتته افتلاتا

فتزودوا لا تهلكوا

من دون أهلكم خفاتا (٥)

ومنهم شريح بن هاني بن نهيك بن دريد بن سلمة أدرك الإسلام وقتل في ولاية الحجاج وهو القائل ، شعر :

قد عشت بين المشركين أعصرا

ثمة أدركت النبي المنذرا

__________________

(١) الأمالي للمرتضى ١ : ٢٦٣ ـ ٢٦٦.

(٢) في الإكمال للصدوق : « خلت مائتان غير ست وأربع ».

(٣) كنز الفوائد : ٢٤٩ ، المعمرون : ١٤ ـ ٢٥ ، إكمال الدين ٢ : ٥٧٠.

(٤) إكمال الدين ٢ : ٥٧٠ ، الوصايا ١٤٦.

(٥) الغيبة للطوسي : ٨١ ، إكمال الدين ٢ : ٥٦٥ ، المعمرون : ٢٥.

٤٥٤

وبعده صديقه وعمرا

ويوم مهران ويوم تسترا

والجمع من صفينهم والنهرا

هيهات ما أطول هذا عمرا (١)

ومنهم الحارث بن مضاض الجرهمي (٢) عاش أربعمائة سنة وأدرك الإسلام ولم يسلم وقتل يوم حنين وهو القائل ، شعر :

حرب عوان ليتني فيها جدع

......................................

وإذا كان ما ذكرناه من أعمار هؤلاء معلوما لكل سامع للأخبار وفيهم أنبياء صالحون وكفار معاندون وفساق معلنون سقط دعوى خصومنا كون عمر الغائب خارقا للعادة لثبوت أضعاف ما انتهى إليه من المدة لأبرار وفجار.

على أن خرق العادة على غير الأنبياء عليهم السلام إنما يمنع منه المعتزلة وإخوانها الخوارج إذا تكاملت فيه شروط المعجز وطول عمر الحجة عليه السلام خارج عن قبيل الإعجاز بغير شبهة لانفصاله من دعواه بل هو مستحيل ـ (٣) لأن تأخر الدعوى ومضي العمر الخارق للعادة لا تؤثر شيئا لوجوب تقدم الدعوى لخرق العادات المفعول للتصديق عقيبها وتقدم الدعوى بطول العمر لا يجدي شيئا لتعريها من برهان صحته ولوقوعها على ما لم يحصل إلا بعد أزمان.

اللهم إلا أن يجعل جاعل طول عمره عليه السلام مدة معلومه دلالة على صدقه بعد مضي الزمان الذي أخبر به غير أن هذا المعجز من قبيل الإخبار بالغائبات دون طول العمر.

أو يجعل جاعل ظهوره عليه السلام بعد طول المدة شابا قويا معجزا فيصح ذلك إلا أنه مختص بزمان ظهوره دون زمان غيبته.

وبعد فلو سلمنا أن طول عمر الغائب عليه السلام المدة التي بلغها أحد من

__________________

(١) كمال الدين : ٥٥٨.

(٢) راجع ترجمته في تذكرة الخواص : ٣٦٥ ، المعمرون : ٨.

(٣) كذا.

٤٥٥

ذكرناه من المعمرين وأضعافها خارقا للعادة على ما اقترح علينا وأنه من قبيل الإعجاز لم يقدح ذلك في شيء مما قدمناه لجواز ظهور المعجز عندنا على الأبرار فضلا عن الحجج والصالحين حسب ما دللنا عليه في ماضي كتابنا هذا وأوضحناه.

كيف يمكن معرفة الحجة عند ظهوره

فإن قيل فهب أنكم تعلمون تخصيص حجة الإمامة في هذا الزمان بابن الحسن عليه السلام فكيف لمن ظهر له من خاصته في زمان الغيبة بمعرفته ولجميع شيعته وغيرهم حين الظهور العام.

قيل لا بد في حال ظهوره الخاص والعام من معجز يقترن به ليعلم الخاص والعام من شيعته وغيرهم عند تأمله كونه الحجة تعيينه إذ كان النص المتقدم من الكتاب والسنة والاعتبار العقلي دلالة على إمامته وتخصيص الحجة على الجملة ولا طريق لأحد من المكلفين منها إلى تعيينه وكذلك وجب ظهور المعجز مقترنا بظهوره عليه السلام.

٤٥٦

[ مسائل التكليف الشرعي ]

٤٥٧
٤٥٨

مسألة : [ في تقسيم التكليف الشرعي ]

التكليف الشرعي على ضربين أفعال وتروك والأفعال على ضروب اثني عشر الصلاة وحقوق الأموال والصوم والحج والزيارات والوفاء بالعهود والوعود والنذور والوفاء بالأيمان وتأدية الأمانة والكفارات والوصايا وأحكام الجنائز وما يلزم من العبادة في فاعل الحسن (١) والقبح والمصر (٢) عليهما.

والتروك على ضروب أربعة.

مآكل كالميتة والدم ولحم الخنزير وكل محرم من الأغذية.

ومشارب كالخمر والفقاع وكل محظور من الأشربة.

ومدركات كالأغاني والملاهي وكل قبيح من الأصوات.

ومناكح كالزناء واللواط وكل وطئ محرم.

والأفعال ينقسم إلى مفروض ومسنون والتروك كلها قبيحة.

وقد فصلنا أحكام هذه العبادات في كتاب التلخيص إذ كان بذلك أولى من هذا الكتاب المقصور على المعارف.

وجهة وجوب الفرائض كون فعلها لطفا في واجبات العقول واجتناب قبائحها وقبح (٣) تركها لأنه ترك لواجب.

وجهة الترغيب في المسنون كونه لطفا في مندوبات العقول ولم يقبح تركه كما لا يقبح ترك ما هو لطف فيه.

وجهة قبح التروك كون فعلها مفسدة ووجب تركها لأنه ترك لقبيح وقلنا

__________________

(١) كذا في النسخة.

(٢) في الأصل : « المضر ».

(٣) في النسخة : « وقبيح ».

٤٥٩

ذلك لأنه لا بد لما وجب أو قبح أو رغب فيه من وجه له كان كذلك لولاه لم يكن ما وجب أولى بالوجوب من القبح أو الترغيب حسب ولا ما قبح أولى بالقبح من الحسن.

وإذا كان لا بد من وجه لم يخل أن يكون الأمر والنهي على ما قالته المجبرة أو كونها شكرا لنعمته تعالى على ما ذهب إليه بعض المتكلمين أو الترك على ما قاله أبو علي أو الفعل على ما نقوله.

ولا يجوز أن يكون الأمر والنهي لأنه متى لم يكن للفعل صفة لها يحسن تعلق الأمر به أو النهي عنه كان الأمر والنهي عبثا ولم يكن المنهي عنه أولى بالنهي من الأمر به ولا المأمور به أولى بالأمر من النهي عنه.

ولأنها فرع لصدق المدعي وصدقه موقوف على النظر في معجزه ولا داعي إلى ذلك إلا خوف المفاسد في ما ينهى عنه وفوت المنافع في ما يأمر به فينبغي حصول صفتي المصلحة والمفسدة فيما يدعو إليه وينهى عنه قبل أمره ونهيه الكاشف عن كونهما كذلك.

ولأن الأمر الشرعي متناول للفرض والنفل والشيء الواحد لا يجوز أن يقتضي إيجابا لشيء وترغيبا في غيره ولأن مجرد الأمر والنهي لا يخصص المأمور ولا المنهي بوقت دون وقت ولا بوجه دون وجه ولا بصفة دون أخرى وهذه صفة العبادات الشرعية قبحت تعلقها بالمصالح المخصصة لها بالأوقات والصفات والشروط.

ولا يجوز كون الوجه فيها شكرا لنعمه تعالى لأن حقيقة الشكر هي الاعتراف بالنعمة والعزم على تعظيم فاعلها وليست الشرعيات من ذلك في شيء.

ولأن شكره تعالى تعم المكلفين والأزمان على كل حال والشرعيات يختص مكلفا ويسقط عن آخر ويجب على صفة يختص الفاعل ويقبح من دونها ويسقط مع صفة له ويجب بارتفاعها.

ولأنها ينقسم إلى فرض ونفل وحرام والمقتضي الواحد لا يجوز أن يقتضي إيجابا وندبا وقبحا.

ولا يجوز أن يكون الترك هو المراعى في العبادات والقبائح الشرعيات لأن الإشارة والتعيين والنص والترغيب والتزهيد والزجر بوجه إلى الصلاة والزكاة والحج والزناء

٤٦٠