أبي الصّلاح تقيّ بن نجم الحلبي
المحقق: الشيخ فارس تبريزيان « الحسّون »
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المحقّق
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٠
وأمّا النكير على عثمان فظاهر مشهور من أهل الأمصار وقطّان المدينة من الصحابة والتابعين ، يغني بشهرة جملته (١) عن تفصيله ، ونحن نذكر من ذلك طرفا يستدلّ به على ما لم نذكره.
فمن ذلك :
نكير أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام
ما رواه الثقفي من عدّة طرق ، عن قيس بن أبي حازم قال : أتيت عليا عليهالسلام أستشفع به إلى عثمان ، فقال : إلى حمّال الخطايا!
وروى الثقفي أنّ العباس كلّم عليا عليهالسلام في عثمان ، فقال : لو أمرني (٢) عثمان أن أخرج من داري لخرجت ، ولكن أبى أن يقيم كتاب الله.
وروى الثقفي عن علي عليهالسلام قال : دعاني عثمان فقال : اغن عني نفسك ولك عير أوّلها بالمدينة وآخرها بالعراق ، فقلت : (٣) بخ بخ قد أكثرت لو كان من مالك ، قال : فمن مال من هو قلت : من مال قوم ضاربوا بأسيافهم ، قال لي : أوهناك تذهب ، ثم قام إليّ فضربني حتّى حجزه عني الربو (٤) ، وأنا أقول له : أما أنّي لو شئت لانتصفت.
وذكر الواقدي في كتاب الدار قال : دخل سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف والزبير وطلحة وعلي بن أبي طالب عليهالسلام على عثمان ، فكلّموه في بعض ما رأوا منه ، فكثر الكلام بينهم ، وكان علي عليهالسلام من أعظمهم عليه ، فقام علي عليهالسلام مغضبا ، فأخذ الزبير بثوبه فقال : اجلس ، فأبى ، فقال عثمان : دعه فو الله ما علمت
__________________
(١) في النسخة : « جملة » ، والمثبت من البحار.
(٢) في البحار : « لو أمر بي ».
(٣) في النسخة : « فقال » ، والمثبت من البحار.
(٤) في النسخة : « الزبو » ، والربو هو : النهيج وتواتر النفس الّذي يعرض للمسرع ، اللسان ١٤ : ٣٠٥ ربو.
أنه لا يكل (١) ، والله لقد علم أنّها لا تكون فيه ولا في واحد من ولده.
وروى الواقدي في كتابه عن ابن عباس : أنّ أوّل ما تكلم الناس في عثمان ظاهرا أنه صلّى بمنى أوّل ولايته ركعتين ، حتّى إذا كانت السنة السادسة أتمّها ، فعاب ذلك غير واحد من أصحاب النبي صلىاللهعليهوآله ، وتكلّم في ذلك من يريد أن يكثر عليه ، حتّى جاءه (٢) علي فيمن جاءه ، فقال : والله ما حدث أمر ولا قدم عهد ، ولقد عهدت نبيّك صلىاللهعليهوآله صلّى ركعتين ، ثم أبا بكر وعمر ، وأنت صدرا من ولايتك ، فما هذا قال عثمان : رأي رأيته.
نكير أبي بن كعب
وذكر الثقفي في تاريخه بإسناده قال : جاء [ رجل ] (٣) إلى أبي بن كعب فقال : يا أبا المنذر إنّ عثمان قد كتب لرجل من آل أبي معيط بخمسين ألف درهم إلى بيت المال ، فقال أبي : لا يزال تأتوني بشيء ما أدري ما هو فيه ، فبينا هو كذلك إذ مرّ به الصكّ ، فقام فدخل على عثمان فقال : يا بن الهاوية يا بن النار الحامية أتكتب لبعض آل أبي معيط إلى بيت مال المسلمين بصكّ بخمسين ألف درهم ، فغضب عثمان فقال (٤) : لو لا أنّي قد نفيتك (٥) لفعلت بك كذا وكذا.
وذكر الثقفي في تاريخه قال : فقام رجل إلى أبي بن كعب فقال : يا أبا المنذر ألا تخبرني عن عثمان ما قولك فيه فأمسك عنه ، فقال له الرجل : جزاكم الله شرا يا أصحاب محمد ، شهدتم الوحي وعاينتموه ثم نسألكم التفقّه في الدين فلا تعلّمونا! فقال أبي عند ذلك : هلك أصحاب العقدة وربّ الكعبة ، أما والله ما عليهم آسى ، ولكن آسى على من
__________________
(١) في البحار : « لما يكلّ ».
(٢) في البحار : « جاء به ».
(٣) من البحار.
(٤) في البحار : « وقال ».
(٥) في البحار : « كفيتك ».
أهلكوا ، والله لئن أبقاني الله إلى يوم الجمعة لأقومنّ مقاما أتكلّم فيه بما أعلم ، قتلت أو استحييت ، فمات رحمهالله يوم الخميس.
نكير أبي ذر
روى الثقفي في تاريخه بإسناده عن ابن عباس قال : استأذن أبو ذر على عثمان ، فأبى أن يأذن له ، فقال لي (١) : استأذن لي عليه ، قال ابن عباس : فرجعت إلى عثمان فاستأذنت له عليه ، قال : إنه يؤذيني [ قلت : ] (٢) عسى أن لا يفعل ، فأذن له من أجلي ، فلمّا دخل عليه قال له : اتّق الله يا عثمان ، فجعل يقول : اتّق الله وعثمان يتوعّده ، قال أبو ذر : إنّه قد حدثني نبيّ الله صلىاللهعليهوآله : أنّه يجاء بك وبأصحابك يوم القيامة فتبطحون على وجوهكم فتمرّ عليكم البهائم فتطؤكم ، كلّما مرّت أخراها (٣) ردّت أولها ، حتّى يفصل بين الناس.
قال يحيى بن سلمة : فحدثني العزرمي (٤) أنّ في هذا الحديث : ترفعون حتّى إذا كنتم مع الثريا ضرب بكم على وجوهكم فتطأكم البهائم.
وذكر الثقفي في تاريخه : أنّ أبا ذر لمّا رأى أنّ عثمان قد أمر بتحريق المصاحف ، فقال له : يا عثمان لا تكن أول من حرق كتاب الله فيكون دمك أول دم يهراق.
وذكر في تاريخه ، عن تغلبة (٥) بن حكيم قال : بينا أنا جالس عند عثمان وعنده أناس من أصحاب محمد صلىاللهعليهوآله من أهل بدر وغيرهم ، فجاء أبو ذر يتوكّأ على عصاه ، فقال : السلام عليكم ، فقال : اتق الله يا عثمان إنّك تصنع (٦) كذا وكذا وتصنع
__________________
(١) في النسخة : « له ».
(٢) من البحار.
(٣) في النسخة : « أخراكم » ، والمثبت من البحار.
(٤) في النسخة : « العذرمي » والمثبت من البحار.
(٥) في البحار : « ثعلبة ».
(٦) في البحار : « تسمع ».
كذا وكذا ، وذكر مساويه ، فسكت عثمان ، حتّى إذا انصرف قال : من يعذرني من هذا الّذي لا يدع مساءة إلاّ ذكرها ، فسكت القوم فلم يجيبوه ، فأرسل إلى علي عليهالسلام ، فجاء فقام في مقام أبي ذر (١) ، فقال : يا أبا الحسن ما ترى أبا ذر لا يدع لي مساءة إلاّ ذكرها ، فقال : يا عثمان إنّي أنهاك عن أبي ذر ، يا عثمان أنهاك عن أبي ذر ، ثلاث مرات ، أتركه كما قال الله تعالى لمؤمن آل فرعون : ( إِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ) (٢) ، قال له عثمان : بفيك التراب ، قال له علي عليهالسلام ، [ بل ] (٣) بفيك التراب ، ثم انصرف.
وروى الثقفي في تاريخه : أنّ أبا ذر دخل على عثمان وعنده جماعة فقال : أشهد أني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : ليجاء بي يوم القيامة وبك (٤) وبأصحابك حتّى نكون بمنزلة الجوزاء من السماء ، ثم يرمى بنا إلى الأرض فتوطئ علينا البهائم حتّى يفرغ من محاسبة العباد ، فقال عثمان : يا أبا هريرة هل سمعت هذا من النبي صلىاللهعليهوآله فقال : لا ، قال أبو ذر : أنشدك الله سمعت النبي صلىاللهعليهوآله يقول : ما أقلّت الغبراء ولا أظلّت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر قال : أمّا هذا فقد سمعته ، فرجع أبو ذر وهو يقول : والله ما كذبت.
وذكر الثقفي في تاريخه عن عبد الله بن سيان السلمي (٥) أنه قال : قلت لأبي ذر : ما لكم ولعثمان ما تنقمون عليه ، فقال : [ بلى ] (٦) والله لو أمرني أن أخرج من داري لخرجت ولو حبوا ، ولكنّه أبى أن يقيم كتاب الله.
وذكر الثقفي في تاريخه : أنّ أبا ذر ألقي بين يدي عثمان ، فقال : يا كذّاب ، فقال
__________________
(١) في النسخة : « الذر » ، وكذا في سائر الموارد الآتية.
(٢) غافر : ٤٠ : ٢٨.
(٣) من البحار.
(٤) في النسخة : « أو بك ».
(٥) في البحار : « عن عبد الله شيدان السلمي ».
(٦) من البحار.
عليّ عليهالسلام : ما هو بكذّاب ، قال : بلى والله إنه لكذّاب ، قال علي عليهالسلام : ما هو بكذّاب ، قال عثمان : التراب (١) في فيك يا علي ، قال علي عليهالسلام : بل التراب في فيك يا عثمان ، قال علي عليهالسلام : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ، قال : أما والله على ذلك لأسيّرنّه ، قال أبو ذر : أما والله لقد حدّثني خليلي عليه الصلاة والسلام : أنكم تخرجوني من جزيرة العرب.
وذكر الثقفي في تاريخه ، عن سهل بن سعد الساعدي قال : كان أبو ذر جالسا عند عثمان وكنت عنده جالسا ، إذ قال عثمان : أرأيتم من أدّى زكاة ماله هل في ماله حق غيره قال كعب : لا ، فدفع أبو ذر بعصاه في صدر كعب ثم قال : يا ابن اليهوديّين (٢) أنت تفسّر كتاب الله برأيك ، ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ ) ، إلى قوله : ( وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ ) (٣) ، قال : ألا ترى أنّ على المصلّي بعد إيتاء الزكاة حقّا في ماله ، ثم قال عثمان : أترون بأسا أن نأخذ من بيت مال المسلمين مالا فنفرّقه فيما ينوبنا من أمرنا ثم نقضيه ثم قال أناس منهم : ليس بذلك بأس ، وأبو ذر ساكت ، فقال عثمان : يا كعب ما تقول فقال كعب : لا بأس بذلك ، فرفع أبو ذر عصاه فوجى بها في صدره ثم قال : أنت يا ابن اليهوديّين تعلّمنا ديننا! فقال عثمان : ما اكثر أذاك (٤) لي وأولعك بأصحابي ، الحق بمكينك وغيّب عنّي وجهك.
وذكر الثقفي ، عن الحسين بن عيسى بن زيد ، عن أبيه : أنّ أبا ذر أظهر عيب عثمان وفراقه للدين ، وأغلظ له حتّى شتمه على رءوس الناس وبرأ منه ، فسيّره عثمان إلى الشام.
__________________
(١) في النسخة : « التربا » ، وكذا في الموارد الآتية.
(٢) في النسخة : « اليهودين » والمثبت من البحار.
(٣) البقرة ٢ : ١٧٧.
(٤) في النسخة : « ذلك » ، والمثبت من البحار.
وذكر الثقفي في تاريخه ، عن عبد الرحمن بن ... (١) أنّ أبا ذر زار أبا الدرداء بحمص ، فمكث عنده ليالي ، فأمر بحماره فأوكف ، فقال أبو الدرداء : لا أراني إلاّ مشيّعك ، وأمر بحماره فأسرج ، فسارا جميعا على حماريهما ، فلقيا رجلا شهد الجمعة عند معاوية بالجابية ، فعرفهما الرجل ولم يعرفاه ، فأخبرهما خبر الناس ، ثم أنّ الرجل قال : وخبر آخر كرهت أن أخبركم به الآن وأراكم تكرهانه ، قال أبو الدرداء : لعلّ أبا ذر قد نفي قال : نعم والله ، فاسترجع أبو الدرداء وصاحبه قريبا من عشر مرات ، ثم قال أبو الدرداء : ( فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ ) كما قيل لأصحاب الناقة ، اللهم إن كانوا كذّبوا أبا ذر فإنّي لا أكذّبه ، وإن اتهموه فإني لا أتهمه ، وإن استغشّوه فإني لا أستغشّه ، إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان يأتمنه حيث لا يأتمن أحدا ، ويسرّ إليه حتّى لا يسرّ إلى أحد ، أما والّذي نفس أبي الدرداء بيده لو أنّ أبا ذر قطع يميني ما أبغضته بعد ما سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر.
وذكر الثقفي في تاريخه بإسناده قال : قام معاوية خطيبا بالشام فقال : أيّها الناس إنّما أنا خازن ، فمن أعطيته فالله يعطيه ، ومن حرمته فالله يحرمه ، فقام إليه أبو ذر فقال : كذبت والله يا معاوية ، إنّك لتعطي من حرم الله وتمنع من أعطى الله.
وذكر الثقفي عن ابراهيم التيمي ، عن أبيه ، عن أبي ذر قال : قلت لمعاوية : أمّا أنا فأشهد أني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : إنّ أحدنا فرعون هذه الأمّة ، فقال معاوية : أمّا أنا فلا.
وعنه ، عن عبد الملك ابن أخي أبي ذر قال : كتب معاوية إلى عثمان : انّ أبا ذر قد حرّف قلوب أهل الشام وبغّضك إليهم ، فما يستفتون غيره ولا يقضي بينهم إلاّ هو ، فكتب عثمان إلى معاوية : أن احمل أبا ذر على ناب صعبة وقتب ، ثم ابعث معه من يخشن به
__________________
(١) ورد بياض في النسخة ، والظاهر أنه : عبد الرحمن بن معمّر ، كما تأتي رواية الثقفي عنه.
خشنا عنيفا (١) ، حتّى يقدم به عليّ ، قال : فحمله معاوية على ناقه صعبة ، عليها قتب ، ما على القتب إلاّ مسح ، ثم بعث معه من يسيّره سيرا عنيفا ، وخرجت معه ، فما لبث الشيخ إلاّ قليلا حتّى سقط ما يلي القتب من لحم فخذيه وقرح ، فكنت إذا كان الليل أخذت ملائي فالقيتهما تحته ، فإذا كان السحر نزعتهما ، مخافة أن يروني فيمنعوني من ذلك ، حتّى قدمنا المدينة ، وبلّغنا عثمان ما لقي أبو ذر من الوجع والجهد ، فحجبه جمعة وجمعة ، حتّى مضت عشرون ليلة أو نحوها ، وأفاق أبو ذر ، ثم أرسل إليه وهو معتمد على يدي ، فدخلنا عليه وهو متّكئ ، فاستوى قاعدا ، فلمّا دنا أبو ذر منه قال عثمان شعر :
لا أنعم الله بعمرو عينا |
|
تحيّة السخط إذا التقينا |
فقال له أبو ذر : لم (٢) ، فو الله ما سمّاني الله عمروا ، ولا سمّاني أبواي عمروا ، وإنّي على العهد الّذي فارقت عليه رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ما غيّرت ولا بدّلت ، فقال له عثمان : كذبت ، لقد كذبت على نبيّنا وطعنت في ديننا وفارقت رأينا وضغنت قلوب المسلمين علينا ، ثم قال لبعض غلمانه : ادع لي قريشا ، فانطلق رسوله ، فما لبثنا أن امتلأ البيت من رجال قريش ، فقال لهم عثمان : إنّا أرسلنا إليكم في هذا الشيخ الكذّاب الّذي كذّب على نبيّنا وطعن في ديننا وضغن قلوب المسلمين علينا ، وإنّي قد رأيت أن أقتله أو أصلبه أو أنفيه من الأرض ، فقال بعضهم : رأينا لرأيك تبع ، وقال بعضهم : لا تفعل فانّه صاحب رسول الله صلىاللهعليهوآله وله حقّ ، فما منهم أحد أدّى الّذي عليه ، فبينا هم كذلك إذ جاء علي بن أبي طالب عليهالسلام يتوكّأ على عصا سرا (٣) ، فسلّم ، عليه ونظر ولم يجد مقعدا ، فاعتمد على عصاه ، فما أدري أتخلّف عمدا (٤) أم يظن به غير ذلك ، ثم قال علي عليهالسلام : فيما أرسلتم إلينا قال عثمان : أرسلنا إليكم في أمر قد فرق لنا فيه الرأي. فاجمع رأينا ورأي المسلمين فيه على أمر ، قال علي عليهالسلام : ولله الحمد ، أما إنّكم لو
__________________
(١) في البحار : « من ينجش به نجشا عنيفا ».
(٢) في البحار : « ولم ».
(٣) في البحار : « سترا ».
(٤) في البحار : « عهدا ».
استشرتمونا لم نألكم نصيحة (١) ، فقال عثمان : إنّا أرسلنا إليكم في هذا الشيخ الّذي قد كذب علينا وطعن في ديننا وخالف رأينا وضغن قلوب المسلمين علينا ، وقد رأينا أن نقتله أو نصلبه أو ننفيه من الأرض ، قال علي عليهالسلام : أفلا أدلّكم على خير من ذلكم وأقرب رشدا : تتركونه بمنزلة مؤمن آل فرعون ( إِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ) (٢) ، قال له عثمان : بفيك التراب ، فقال علي عليهالسلام : بل بفيك التراب ، وسيكون به ، فأمر بالناس فأخرجوا.
وعنه في تاريخه ، باسناده عن عبد الرحمن بن معمّر ، عن أبيه قال : لمّا قدم بأبي ذر من الشام إلى عثمان ، كان ممّا أبنه (٣) به أن قال : أيّها الناس إنّه يقول : إنه خير من أبي بكر وعمر ، قال أبو ذر : أجل أنا أقول ، والله لقد رأيتني رابع أربعة مع رسول الله صلىاللهعليهوآله ما أسلم غيرنا ، وما أسلم أبو بكر و [ لا ] (٤) عمر ، ولقد وليا وما وليت ، ولقد ماتا وإنّي لحيّ ، فقال علي عليهالسلام : والله لقد رأيته وإنه لرابع الاسلام ، فردّ عثمان ذلك على علي عليهالسلام ، وكان بينهما كلام ، فقال عثمان : والله لقد هممت به ، قال علي عليهالسلام : وأنا والله لأهمّ بك (٥) ، فقام عثمان ودخل بيته وتفرّق الناس.
وعنه في تاريخه ، عن الأحنف بن قيس قال : بينما نحن جلوس مع أبي هريرة إذ جاء أبو ذر فقال : يا أبا هريرة هل افتقر الله منذ استغنى فقال أبو هريرة : سبحان الله ، بل الله الغنيّ الحميد ، لا يفتقر أبدا ونحن الفقراء إليه ، قال أبو ذر : فما بال هذا المال يجمع بعضه إلى بعض ، فقال : مال الله قد منعوه أهله من اليتامى والمساكين ، ثم انطلق ، فقلت لأبي هريرة : ما لكم لا تأبون مثل هذا ، قال : إنّ هذا رجل قد وطّن نفسه على أن يذبح في
__________________
(١) في النسخة : « لكم نصيحة » ، والمثبت من البحار.
(٢) غافر ٤٠ : ٢٨.
(٣) أبنه : اتّهمه. الصحاح ٥ : ٢٠٦٦ أبن.
(٤) من البحار.
(٥) في النسخة : « وأنا والله انّي لأهمّ بك » ، والمثبت من البحار.
الله ، أما أنّي أشهد أني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة ، أصدق من أبي ذر ، فإذا أردتم أن تنظروا إلى أشبه الناس بعيسى بن مريم برّا وزهدا ونسكا فعليكم به.
وعنه في تاريخه ، عن المغرور (١) بن سويد قال : كان عثمان يخطب ، فأخذ أبو ذر بحلقة الباب فقال : أنا أبو ذر من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا جندب ، سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : إنّما مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح في قومه ، من تخلّف عنها هلك ، ومن ركبها نجا ، قال له عثمان : كذبت ، فقال له علي عليهالسلام : إنّما كان عليك أن تقول كما قال العبد الصالح : ( إِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ) (٢) ، فما أتمّ حتّى قال عثمان : بفيك التراب ، فقال علي عليهالسلام : بل بفيك التراب.
وذكر الواقدي في تاريخه ، عن سعيد بن عطاء ، عن أبي مروان الأسمر (٣) ، عن أبيه ، عن جدّه قال : لمّا صدّ الناس عن الحجّ في سنة ثلاثين أظهر أبو ذر بالشام عيب عثمان ، فجعل كلّما دخل المسجد أو خرج شتم عثمان ، وذكر منه خصال كلّها قبيحة ، فكتب معاوية بن أبي سفيان إلى عثمان كتابا يذكر له ما يصنع أبو ذر ، وذكر [ الواقدي ] (٤) ما تضمّنه الكتاب ، حذفناه اختصارا ، فكتب إليه عثمان : أمّا بعد ، فقد جاءني كتابك وفهمت ما ذكرت من أبي ذر جندب (٥) ، فابعث إليّ به ، واحمله على أغلظ المراكب وأوعرها ، وابعث معه دليلا يسير به الليل والنهار حتّى لا ينزل عن مركبه ، فيغلبه النوم فينسيه ذكري وذكرك ، قال : فلما ورد الكتاب على معاوية حمله على شارف ليس عليه إلاّ قتب ، وبعث معه دليلا ، وأمر أن يفذّ به السير ، حتّى قدم به المدينة وقد سقط لحم
__________________
(١) في الطبقات ٦ : ١١٨ : المعرور بالعين المهملة.
(٢) غافر ٤٠ : ٢٨.
(٣) في البحار : « الأسلمي ».
(٤) من البحار.
(٥) في البحار : « جنيدب ».
فخذيه ، قال : فلقد أتانا آت ونحن في المسجد ضحوة مع علي بن أبي طالب عليهالسلام ، فقيل : أبو ذر قد قدم المدينة ، فخرجت أغدو (١) ، فكنت أوّل من سبق إليه ، فإذا شيخ نحيف آدم (٢) طوال أبيض الرأس واللحية يمشى مشيا متقاربا ، فدنوت إليه فقلت : يا عمّ ما لي أراك لا تخطو إلاّ خطوا قريبا! قال : عمل ابن عفّان : حملني على مركب وعر ، وأمر بي أن أتعب ، ثم قدم بي عليه ليرى فيّ رأيه ، قال : فدخل به على عثمان ، فقال له عثمان : لا أنعم الله لك عينا يا جنيدب ، قال أبو ذر : أنا جندب وسمّاني رسول الله صلىاللهعليهوآله عبد الله ، فاخترت اسم رسول الله صلىاللهعليهوآله الّذي سمّاني به على الاسم الذي سمّاني به أبي (٣) ، فقال [ له ] (٤) عثمان : أنت الّذي تزعم انّا نقول : إنّ يد ( اللهِ مَغْلُولَةٌ ) و ( إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ ) فقال أبو ذر : لو كنتم لا تزعمون ذلك لأنفقتم مال الله على عباد الله (٥) ، ولكنّي أشهد لسمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا ، جعلوا مال الله دولا ، وعباد الله خولا ، ودين الله دخلا ، ثم يريح الله العباد منهم ، فقال عثمان لمن حضره : أسمعتم هذا (٦) من نبيّ الله عليهالسلام فقالوا : ما سمعناه ، فقال عثمان : ويلك يا أبا ذر أتكذب على رسول الله صلىاللهعليهوآله ! فقال أبو ذر لمن حضره : وأما (٧) تظنّون أنّي صدقت قالوا : (٨) لا والله ما ندري ، فقال عثمان : أدعوا لي عليّا ـ عليهالسلام ـ [ فدعي ] ، فلمّا [ جاء ] (٩) قال عثمان لأبي ذر : اقصص عليه
__________________
(١) في البحار : « أعدو ».
(٢) الآدم من الناس : الأسمر. الصحاح ٥ : ١٨٥٩ أدم.
(٣) في البحار : « الّذي سمّاني رسول الله به على اسمي ».
(٤) من البحار.
(٥) في البحار : « عباده ».
(٦) في البحار : « اسمعتموها ».
(٧) في البحار : « أما » بدون واو.
(٨) في البحار : « فقالوا ».
(٩) في النسخة : « ادعوا لي عليّا عليهالسلام فلمّا دعي » ، والمثبت من البحار.
حديثك في بني أبي العاص (١) ، فحدّثه ، فقال عثمان لعلي عليهالسلام : هل سمعت هذا من رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال علي عليهالسلام : لا ، وقد صدق (٢) أبو ذر ، فقال عثمان : بم عرفت صدقه فقال عليّ عليهالسلام : إني (٣) سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر ، فقال من حضر من أصحاب النبي صلىاللهعليهوآله : صدق (٤) أبو ذر ، فقال أبو ذر : أحدثكم أنّي سمعت هذا من رسول الله صلىاللهعليهوآله ثم تتهموني! ما كنت أظنّ أني أعيش حتّى أسمع هذا من أصحاب محمّد صلىاللهعليهوآله .
وذكر الواقدي في تاريخه ، عن صهبان مولى الأسلميّين قال : رأيت أبا ذر يوم دخل به على عثمان عليه عباءة (٥) مدّرعا (٦) قد درع بها على شارف ، حتّى أنيخ به على باب عثمان ، فقال : أنت الّذي فعلت وفعلت فقال : أنا الّذي نصحتك فاستغششتني ، ونصحت صاحبك فاستغشني ، فقال عثمان : كذبت والله ، ولكنّك تريد الفتنة وتحبّها ، قد أنغلت (٧) الشام علينا ، فقال له أبو ذر : اتبع سنّة صاحبيك لا يكون لأحد عليك كلام ، فقال له عثمان : ما لك ولذاك (٨) لا أمّ لك فقال أبو ذر : والله ما وجدت لي عذرا (٩) إلاّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فغضب عثمان وقال : أشيروا علي في هذا الشيخ الكذّاب : إمّا أن أضربه وأحبسه (١٠) ، أو أقتله ـ فانّه قد فرّق جماعة المسلمين ـ أو أنفيه
__________________
(١) في النسخة : « العباس » ، والمثبت من البحار.
(٢) في البحار : « وصدق ».
(٣) في البحار : « فقال : كيف عرفت صدقه فقال : إنّي ».
(٤) في البحار : « لقد صدق ».
(٥) في البحار : « عباء ».
(٦) في النسخة : « درعا » ، والمثبت من البحار.
(٧) في البحار : « وقد قلبت ».
(٨) في البحار : « ولذلك ».
(٩) في النسخة : « عدوّا » ، والمثبت من البحار.
(١٠) في البحار : « أو أحبسه ».
من أرض الاسلام ، فتكلّم علي عليهالسلام ـ وكان (١) حاضرا ـ فقال : أشير عليك بما قال مؤمن آل فرعون : ف ( إِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ) الآية (٢) ، فقال عثمان : بفيك التراب ، فقال علي بن أبي طالب عليهالسلام : بل بفيك التراب ، ويحك يا عثمان تصنع هذا بأبي ذر صاحب رسول الله صلىاللهعليهوآله أن كتب إليك فيه معاوية ، وهو من عرفت زهقه وظلمه ، وتفرّقوا ، فجعل أبو ذر لا يخرج من بيته ، وجعل أصحاب النبي صلىاللهعليهوآله يأتونه ، وكان عمّار بن ياسر رضي الله عنهما ألزمهم له ، فمكث أياما ، ثم أرسل عثمان إلى أبي ذر فأتي به قد أسرع به ، فلمّا وقف بين يديه قال : ويحك يا عثمان أما رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآله ورأيت أبا بكر ورأيت عمر ، هل رأيت هذا هدرهم ، إنّك لتبطش بي (٣) بطش جبّار ، فقال : اخرج عنّا من بلادنا ، فقال أبو ذر : ما (٤) أبغض إليّ جوارك ، فإلى أين أخرج قال : حيث شئت ، قال : أفأخرج إلى الشام أرض الجهاد قال : (٥) إنّما جلبتك من الشام لما قد أفسدتها ، أفأردّك إليها! قال : أفأخرج (٦) إلى العراق قال : لا ، قال : ولم قال : تقدم على قوم هم أهل شبه وطعن على الأئمة ، قال : أفأخرج إلى مصر قال : لا ، قال : أين أخرج قال : إلى حيث (٧) شئت ، قال أبو ذر : هو إذا التعرّب بعد الهجرة ، أخرج إلى نجد ، فقال (٨) عثمان : الشرف الشرف الأبعد أقصى فأقصى (٩) ، قال أبو ذر : قد أبيت ذلك علي ، قال : امض على وجهك هذا ولا تعدونّ الربذة ، فخرج أبو ذر إلى الربذة ، فلم يزل بها حتّى
__________________
(١) في النسخة : « فكان » ، والمثبت من البحار.
(٢) غافر ٤٠ : ٢٨ ، وفي البحار بدل لفظ « الآية » جاء : إنّ الله لا يهدي من هو مسرف كذّاب.
(٣) في البحار : « هذا هديهم إنّك لتبطش فيّ ».
(٤) في البحار : « فما ».
(٥) في البحار : « فقال ».
(٦) في البحار : « إذن أخرج ».
(٧) في البحار : « قال فإلى أين أخرج قال : حيث ».
(٨) في النسخة : « قال » ، والمثبت من البحار.
(٩) في النسخة : « الشرف الأبعد أقضى فاقض » ، والمثبت من البحار.
توفي.
نكير عمّار بن ياسر
وذكر الثقفي في تاريخه ، عن سالم بن أبي الجعد قال : خطب عثمان الناس ثم قال فيها : والله لأوثرنّ بني أمية ، ولو كان بيدي مفاتيح الجنّة لأدخلتهم (١) إيّاها ، ولكنّي سأعطيهم من هذا المال على رغم أنف من زعم (٢) ، فقال عمار بن ياسر : أنفي والله ترغم (٣) من ذلك ، قال عثمان : فأرغم الله أنفك ، فقال عمّار : وأنف أبي بكر وعمر ترغم ، قال : وإنّك لهناك يا بن سميّة! ثم نزل إليه فوطأه ، فاستخرج من تحته ـ وقد غشي عليه وفتقه.
وذكر الثقفي ، عن شقيق قال : كنت مع عمّار فقال : ثلاث يشهدون على عثمان وأنا الرابع ، وأنا أسوأ الأربعة ، ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ) (٤) ... ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) (٥) ، ... ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) (٦) ، وأنا أشهد لقد حكم بغير ما أنزل الله.
وعنه في تاريخه قال : قال رجل لعمّار يوم صفّين : [ على ] (٧) ما تقاتلهم يا أبا اليقظان قال : على أنّهم زعموا أنّ عثمان مؤمن ، ونحن نزعم أنه كافر.
وعنه في تاريخه ، عن مطرّف بن عبد الله بن الشخير الحرشي قال : انتهيت إلى عمّار في مسجد البصرة وعليه برنس والناس قد أطافوا به وهو يحدّثهم عن (٨) أحداث عثمان
__________________
(١) في البحار : « لأدخلنّهم ».
(٢) في البحار : « رغم ».
(٣) في النسخة : « تزعم ».
(٤) المائدة ٥ : ٤٤.
(٥) المائدة ٥ : ٤٥.
(٦) المائدة ٥ : ٤٧.
(٧) من البحار.
(٨) في البحار : « من ».
وقتله ، فقال رجل من القوم وهو يذكر عثمان : رحم الله عثمان ، فأخذ عمّار كفّا من حصا المسجد فضرب به وجهه ، ثم قال : استغفر الله يا كافر ، استغفر الله يا عدوّ الله ، وأوعد بالرجل (١) ، فلم يزل القوم يسكّنون عمارا عن الرجل حتّى قام وانطلق ، وقعدت في القوم حتّى فرغ عمّار من حديثه وسكن غضبه ، ثم إنّي قمت معه فقلت له : يا أبا اليقظان رحمك الله أمؤمنا قتلتم عثمان بن عفان أم كافرا فقال : لا بل قتلناه كافرا ، بل قتلناه كافرا ، بل قتلناه كافرا.
وعنه ، عن حكيم بن خبير (٢) قال : قال عمّار : والله ما أجدني أسى على شيء تركته خلفي ، غير أنّي وددت أنّا كنّا أخرجنا عثمان من قبره فأضرمنا عليه نارا.
وذكر الواقدي في تاريخه ، عن سعد بن أبي وقّاص قال : أتيت عمّار بن ياسر وعثمان محصور ، فلمّا انتهيت إليه قام معي فكلّمته ، فلمّا ابتدأت الكلام جلس ، ثم استلقى ووضع يده على وجهه ، فقلت : ويحك يا أبا اليقظان إنّك كنت فينا لمن أهل الخير والسابقة ، وممّن عذّب في الله ، فما الّذي تبغي من سعيك في فساد المؤمنين ، وما صنعت في أمير المؤمنين ، فأهوى إلى عمامته فنزعها عن رأسه ، ثم قال : خلعت عثمان كما خلعت عمامتي هذه ، يا أبا إسحاق إنّي أريد أن تكون خلافة كما كانت على عهد النبي صلىاللهعليهوآله ، فأمّا أن يعطي مروان خمس إفريقية ، ومعاوية على الشام ، والوليد بن عقبة شارب الخمر على الكوفة ، وابن عامر على البصرة ، والكافر بما أنزل على محمّد صلىاللهعليهوآله مصر ، فلا والله لا كان هذا (٣) أبدا حتّى يبعج في خاصرته بالحقّ.
نكير عبد الله بن مسعود
وذكر الثقفي في تاريخه ، عن الأعمش ، عن شقيق قال : قلنا لعبد الله : فيم طعنتم
__________________
(١) في البحار : « الرجل ».
(٢) في البحار : « جبير ».
(٣) في النسخة : « فهذا » ، والمثبت من البحار.
على عثمان قال : أهلكه الشحّ ، وبطانة السوء.
وعنه ، عن قيس بن أبي حازم وشقيق بن سلمة قال : قال عبد الله بن مسعود : لوددت أنّي وعثمان برمل عالج ، فنتحاث التراب حتّى يموت الأعجز (١).
وعنه ، عن (٢) جماعة من أصحاب عبد الله ، منهم علقمة بن قيس ومسروق بن الأجدع وعبيدة السلماني وشقيق بن سلمة وغيرهم ، عن عبد الله قال : لا يعدل عثمان عند الله جناح بعوضة.
وفي أخرى : جناح ذباب.
وعنه ، عن عبيدة السلماني قال : سمعت عبد الله يلعن عثمان ، فقلت له في ذلك ، فقال : (٣) سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يشهد له بالنار.
وعنه ، عن خيثمة بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن مسعود قال : بينا نحن في بيت ونحن اثنا عشر رجلا ـ نتذاكر أمر الدجّال وفتنته ، إذ دخل رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : ما تتذاكرون من أمر الدجال ، والّذي نفسي بيده إنّ في البيت لمن هو أشدّ على أمّتي من الدّجال ، وقد مضى من كان في البيت يومئذ غيري وغير عثمان ، والّذي نفسي بيده لوددت أنّي وعثمان برمل عالج يتحاثا التراب حتّى يموت الأعجل (٤).
وعنه ، عن علقمة قال : دخلت على عبد الله بن مسعود فقال : صلّى هؤلاء جمعتهم قلت : لا ، قال : إنّما هؤلاء حمر ، إنّما يصلّي مع هؤلاء المضطرّ ومن لا صلاة له ، فقام بيننا فصلّى بغير أذان ولا إقامة.
وعنه ، [ عن ] أبي البختري قال : دخلوا على عبد الله ـ حيث كتب عبد الرحمن يسيّره ـ وعنده أصحابه ، فجاء رسول الوليد فقال : إنّ الأمير أرسل إليك : إن أمير المؤمنين يقول : إمّا أن تدع هؤلاء الكلمات ، وإما أن تخرج من أرضك ، قال : ربّ
__________________
(١) في النسخة : « الأعجل » ، والمثبت من البحار.
(٢) في البحار : « عنه وعن ».
(٣) في النسخة : « فقلت » ، والمثبت من البحار.
(٤) في البحار : « فتحاثا التراب حتّى يموت الأعجز ».
كلمات [ لا ] (١) أختار مصري عليهنّ ، [ قيل : ] (٢) ما هن قال : أفضل الكلام كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمّد صلىاللهعليهوآله ، وشرّ الأمور محدثتها ، وكلّ محدّثة ضلالة ، فقال ابن مسعود : ليخرجنّ منها ابن أم عبد ، ولا أتركهنّ أبدا وقد سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقولهنّ.
وقد ذكر ذلك أجمع وزيادة عليه الواقدي في كتاب الدار ، تركناه إيجازا (٣).
نكير حذيفة بن اليمان
وذكر الثقفي في تاريخه ، عن قيس بن أبي حازم قال : جاءت بنو عبس إلى حذيفة يستشفعون به على عثمان ، فقال حذيفة : لقد أتيتموني من عند رجل وددت أن كلّ سهم في كنانتي (٤) في بطنه.
وعنه ، عن حارث بن سويد قال : كنّا عند حذيفة فذكرنا عثمان ، فقال : عثمان! والله ما يعدو أن يكون فاجرا في دينه ، أو أحمق في معيشته.
وعنه ، عن حكيم بن جبير ، عن يزيد مولى حذيفة ، عن أبي شريحة الأنصاري أنه سمع حذيفة يحدّث قال : طلبت رسول الله صلىاللهعليهوآله في منزله فلم أجده ، وطلبته فوجدته في حائط نائما رأسه تحت نخلة ، فانتظرته طويلا فلم يستيقظ ، فكسرت جريدة فاستيقظ ، فقال ما شاء الله أن يقول ، ثم جاء أبو بكر فقال : ائذن لي (٥) ، ثم جاء عمر ، فأمرني أن آذن له ، ثم جاء علي عليهالسلام فأمرني أن آذن له وأبشّره بالجنّة ، [ ثمّ قال : يجيئكم الخامس لا يستأذن ولا يسلّم وهو من أهل النار ، فجاء عثمان حتّى وثب
__________________
(١) من البحار.
(٢) من البحار.
(٣) في النسخة : « إجازا » ، والمثبت من البحار.
(٤) الكنانة : جعبة السهام ، اللسان ١٣ : ٣٦١ كنن.
(٥) في النسخة : « انذر لي » ، والمثبت من البحار.
من جانب الحائط ، ] (١) ثم قال : يا رسول الله بنو فلان يقاتل بعضهم بعضا.
وذكر الواقدي في تاريخه ، عن أبي وائل قال : سمعت حذيفة بن اليمان يقول : لقد دخل عثمان قبره بفجره (٢).
وعنه ، عن عبد الله بن السائب قال : لمّا قتل عثمان أتي حذيفة وهو بالمدائن ، فقيل : يا أبا عبد الله لقيت رجلا آنفا على الجسر فحدّثني أنّ عثمان قتل ، قال : هل تعرف الرجل قلت أظنّني أعرفه وما أثبته ، قال حذيفة : إنّ ذلك عثيم الجنّي ، وهو الّذي يسير بالأخبار ، فحفظوا ذلك اليوم فوجدوه قتل في ذلك اليوم ، فقيل لحذيفة : ما تقول في قتل عثمان [ فقال : ] هل هو إلاّ كافر قتل كافر [ ا ] أو مسلم قتل كافرا ، فقالوا : ما جعلت له مخرجا ، قال : الله (٣) لم يجعل له مخرجا.
وعنه ، عن حصين بن عبد الرحمن قال : قلت لأبي وايل (٤) : حدّثنا فقد أدركت ما لم ندرك ، فقال : اتهموا القوم على دينكم ، فو الله ما ماتوا حتّى خلطوا ، لقد قال حذيفة في عثمان : إنه دخل حفرته وهو فاجر.
نكير المقداد
وذكر الثقفي في تاريخه ، عن همّام بن الحارث قال : دخلت مسجد المدينة فاذا الناس مجتمعون على عثمان ، وإذا رجل يمدحه ، فوثب المقداد بن الأسود أخذ (٥) كفّا من حصا أو تراب ، فأخذ يرميه (٦) به ، فرأيت عثمان يتّقيه بيده.
__________________
(١) من البحار.
(٢) في النسخة : « يفجره » ، والمثبت من البحار.
(٣) في البحار : « لأن الله ».
(٤) في البحار : « وابل ».
(٥) في البحار : « فأخذ ».
(٦) في البحار : « برميه ».
وذكر في تاريخه ، عن سعيد بن المسيّب قال : لم يكن المقداد بن الأسود يصلّي (١) خلف (٢) عثمان ، ولا يسمّيه (٣) أمير المؤمنين.
[ وذكر عن سعيد أيضا قال : لم يكن عمار ولا المقداد بن الأسود يصلّيان خلف عثمان ولا يسمّيانه أمير المؤمنين ] (٤).
نكير عبد الرحمن بن حنبل القرشي
وذكر الثقفي في تاريخه ، عن الحسين بن عيسى بن زيد ، عن أبيه قال : كان عبد الرحمن بن حنبل القرشي ـ وهو : من أهل بدر ـ من أشدّ الناس على عثمان ، وكان يذكره في الشعر ، ويذكر جوره ويطعن عليه ، ويبرأ منه ويصف صنائعه ، فلمّا بلغ ذلك عثمان عنه ضربة مائة سوط وحمله على بعير وطاف به في المدينة ، ثمّ حبسه موبقا (٥) في الحديد.
نكير طلحة بن عبيد الله
وذكر الثقفي في تاريخه ، عن مالك بن النصر الأرجني : أن طلحة قام إلى عثمان فقال له : إنّ الناس قد جمعوا (٦) لك وكرهوك للبدع الّتي أحدثت ، ولم يكونوا يرونها ولا يعهدونها ، فإن تستقم فهو خير لك ، وإن أبيت لم يكن أحد أضرّ بذلك منك في دنيا ولا آخرة.
وذكر الثقفي في تاريخه ، عن سعيد بن المسيّب قال : انطلقت بأبي أقوده إلى
__________________
(١) في النسخة : « يصلّيان » ، والمثبت من البحار.
(٢) في البحار : « مع ».
(٣) في النسخة : « ولا يسمّيانه » ، والمثبت من البحار.
(٤) من البحار.
(٥) في البحار : « موثقا ».
(٦) في النسخة : « سبقوا » ، والمثبت من البحار.
المسجد ، فلمّا دخلنا سمعنا لغط الناس وأصواتهم ، فقال أبي : يا بني ما هذا فقلت : الناس محدقون بدار عثمان ، فقال : من ترى من قريش قلت : طلحة ، قال : اذهب بي إليه فأدنني منه ، فلمّا دنا منه قال (١) : يا أبا محمد ألا تنهى الناس عن (٢) قتل هذا الرجل ، قال يا أبا سعيد إنّ لك دارا فاذهب فاجلس في دارك ، فان نعثلا لم يكن يخاف هذا اليوم.
وذكر ، في تاريخه ، عن الحسين بن عيسى ، عن أبيه : أنّ طلحة بن عبيد الله كان يومئذ في جماعة الناس عليه السلاح عند باب القصر يأمرهم بالدخول عليه.
وذكر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : انتهيت إلى المدينة أيام حصر عثمان في الدار ، فإذا طلحة بن عبيد الله في مثل الخزّة (٣) السوداء من (٤) الرجال والسلاح مطيف بدار عثمان حتّى قتل.
وذكر عنه قال : رأيت طلحة يرامي الدار ، وهو في خزّة (٥) سوداء عليه الدرع قد كفر عليه بقباء ، فهم يرامونه ويخرجونه إلى (٦) الدار ، ثم يخرج فيراميهم ، حتّى دخل عليه من دار من قبل دار ابن حزم فقتل.
وذكر الواقدي في تاريخه ، عن عبد الله بن مالك ، عن أبيه قال : لمّا أشخص الناس لعثمان لم يكن أحد أشدّ عليه من طلحة بن عبيد الله ، قال مالك : اشترى (٧) منّي ثلاثة أدراع (٨) وخمسة أسياف ، فرأيت تلك الدروع على أصحابه الّذين كانوا يلزمونه قبل مقتل عثمان بيوم أو يومين.
وذكر الواقدي في تاريخه قال : ما كان أحد من أصحاب محمّد صلىاللهعليهوآله
__________________
(١) في البحار : « فقال ».
(٢) في البحار : « من ».
(٣) في النسخة : « الحرّة » ، والمثبت من البحار.
(٤) في البحار : « مع خ ».
(٥) في النسخة : « حرّة ».
(٦) في البحار : « من ».
(٧) في البحار : « واشترى ».
(٨) في البحار : « أدرع ».
أشدّ على عثمان من عبد الرحمن بن عوف حتّى مات ، ومن سعد بن أبي وقاص حتّى مات عثمان وأعطى الناس الرضى ، ومن طلحة ، وكان أشدّهم ، فإنّه لم يزل كهف المصريين وغيرهم ، يأتونه بالليل يتحدثونه عنده إلى أن جاهدوا ، فكان ولي الحرب والقتال ، وعمل المفاتيح على بيت المال ، وتولّى الصلاة بالناس ، ومنعه ومن معه من الماء ، وردّ شفاعة علي عليهالسلام في حمل الماء إليهم ، وقال له : لا والله ولا نعمة عين ، ولا ببركة يأكل (١) ، ولا يشرب ، حتّى يعطي بني أميّة الحقّ من أنفسها.
وروى قوله لمالك بن أوس وقد شفع إليه في ترك التأليب على عثمان : يا مالك إني نصحت عثمان فلم يقبل نصيحتي ، وأحدث أحداثا ، وفعل أمورا لم (٢) نجد بدّا من أن يغيّرها ، والله لو وجدت من ذلك [ بدّا ] (٣) ما تكلّمت ولا البت.
نكير الزبير بن العوام
وذكر الواقدي في تاريخه قال : عتب عثمان على الزبير ، فقال : ما فعلت ولكنّك صنعت بنفسك أمرا قبيحا ، تكلّمت على منبر رسول الله صلىاللهعليهوآله بأمر أعطيت الناس فيه الرضا ، ثم لقيك مروان وصنعت ما لا يشبهك ، حضر الناس يريدون منك ما أعطيتهم ، فخرج مروان فآذى وشتم ، فقال له عثمان : فإنّي استغفر الله.
وذكر في تاريخه : أن عثمان أرسل سعيد بن العاص إلى الزبير فوجده بأحجار الزيت في جماعة ، فقال له : إنّ عثمان ومن معه قد مات عطشا ، فقال له الزبير : ( حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ ) (٤).
__________________
(١) في البحار : « ولا بركة لا يأكل ».
(٢) في البحار : « ولم ».
(٣) من البحار ، ويحتمل : « برّا ».
(٤) سبأ ٣٤ : ٥٤.