تقريب المعارف

أبي الصّلاح تقيّ بن نجم الحلبي

تقريب المعارف

المؤلف:

أبي الصّلاح تقيّ بن نجم الحلبي


المحقق: الشيخ فارس تبريزيان « الحسّون »
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المحقّق
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٠

ما لقيت منك فقال (١) رسول الله صلى الله عليه وآله بيده فضرب كتفها فقال.

يا حميراء لا تؤذيني في أخي وسيد المسلمين بعدي وأولى الناس بالناس بعدي والله ليقعدنه الله على الصراط فليقسمن النار فيقول هذا لي وهذا لك فيدخلن الله وليه الجنة وليدخلن عدوه النار.

ورووا عن طريف عن الأصبغ بن نباته عن سلمان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول.

يا معشر المهاجرين والأنصار ألا أدلكم على ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا بعدي قالوا بلى يا رسول الله قال هذا علي أخي ووزيري ووارثي وخليفتي إمامكم فأحبوه لحبي وأكرموه لكرامتي فإن جبرئيل عليه السلام أمرني أن أقوله لكم.

ورووا عن زيد بن أرقم قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله :

ألا أدلكم على ما إن استدللتم عليه لم تهلكوا ولم تضلوا إن إمامكم ووليكم علي بن أبي طالب عليه السلام فوازووه (٢) وناصحوه وصدقوه إن جبرئيل عليه السلام أمرني بذلك.

ورووا عن عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبي جعفر محمد بن علي عن أبيه عليه السلام عن علي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لفاطمة عليها السلام :

يا بنية أن الله عز وجل أشرف على أهل الدنيا فاختار أباك على رجال العالمين فاصطفاني بالنبوة وجعل أمتي خير الأمم ثم أشرف ربي الثانية فاختار زوجك علي بن أبي طالب على رجال العالمين فجعله أخي ووزيري وخليفتي في

__________________

(١) في النسخة : « فقال ».

(٢) في النسخة : « فواردوه ».

٢٠١

أهلي ، الحديث.

ورووا عن مطر بن خالد قال سمعت أنس بن مالك قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم :

إن أخي ووصيي وخير من أترك بعدي علي بن أبي طالب عليه السلام.

ورووا عن أنس قال كنت خادما لرسول الله صلى الله عليه وآله فبينا أنا أوضيه إذ قال :

يدخل واحد هو أمير المؤمنين وسيد المسلمين وخير الوصيين وأولى الناس بالناس وأمير الغر المحجلين.

قلت اللهم اجعله رجلا من الأنصار حتى قرع الباب فإذا علي عليه السلام فلما دخل عرق وجه رسول الله صلى الله عليه وآله عرقا شديدا فمسح رسول الله صلى الله عليه وآله من وجهه بوجه علي عليه السلام فقال علي عليه السلام ما لي يا رسول الله أنزل في شيء.

فقال أنت مني تؤدي عني وتبرئ ذمتي وتبلغ رسالتي فقال يا رسول الله أولم تبلغ الرسالة قال بلى ولكن تعلم الناس من بعدي تأويل القرآن ما لم يعلموا أو تخبرهم.

ورووا عن عمرو المسلى (١) قال سمعت جابر الجعفي يقول أخبرني وصي الأوصياء قال دخل علي عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وعنده عائشة فجلس قريبا منها فقال.

يا عائشة لا تؤذيني في أمير المؤمنين وسيد المسلمين يقعد غدا يوم القيامة على الصراط فيدخل أولياءه الجنة وأعداءه النار.

ورووا عن أبي المنذر الهمداني عن أبي داود عن أبي برزة الأسلمي،

__________________

(١) كذا في النسخة.

٢٠٢

قال كنا إذا سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله كان علي عليه السلام صاحب متاعه فإن رأى شيئا يرمه رمه وإن كانت نعل خصفها فنزلا منزلا فأقبل علي عليه السلام بخصف نعل رسول الله صلى الله عليه وآله ودخل أبو بكر فسلم فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم :

اذهب فسلم على أمير المؤمنين قال يا رسول الله وأنت حي قال وأنا حي .

قال ومن ذلكم قال خاصف النعل.

ثم جاء عمر فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله :

اذهب فسلم على أمير المؤمنين.

قال بريدة وكنت أنا فيمن دخل معهم فأمرني أن أسلم على علي عليه السلام فسلمت عليه كما سلموا.

ورووا عن حبيب بن يسار وعثمان بن نسيطة (١) مثله.

وعن أبي بريدة مثله.

ورووا عن أبي ذر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي ع :

يا علي من أطاعك فقد أطاعني ومن أطاعني ( فَقَدْ أَطاعَ اللهَ ) ومن عصاك فقد عصاني ومن عصاني فقد عصى الله.

ورووا عن أبي هارون العبدي عن زاذان (٢) عن سلمان الفارسي رضي‌الله‌عنه قال خرج رسول الله صلى الله عليه وآله يوم عرفة فقال :

أيها الناس إن الله باهى بكم اليوم ليغفر لكم عامة ويغفر لعليّ عليه

__________________

(١) كذا في النسخة.

(٢) في النسخة « راذان ».

٢٠٣

السلام خاصة.

فقال ادن مني يا علي فدنا فأخذ بيده ثم قال إن السعيد كل السعيد حق السعيد من أطاعك وتولاك من بعدي وإن الشقي كل الشقي حق الشقي من عصاك ونصب لك العداوة من بعدي.

ورووا عن أبي أيوب مثله إلا أنه قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال :

يا أيها الناس إن الله باهى بكم في هذا اليوم فغفر لكم عامة وغفر لعلي عليه السلام خاصة فأما العامة ففيهم من يحدث بعدي أحداثا وهو قول الله عز وجل ( فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ ) (١) وأما الخاصة فطاعته طاعتي ومن عصاه فقد عصاني.

ورووا عن أبي عمر (٢) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي عليه السلام :

يا علي من خالفك فقد خالفني ومن خالفني فقد خالف الله عز وجل.

ورووا عن ابن أبي ليلى قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم :

ما من رجل مسلم إلا وقد وصل ودي إلى قلبه وما وصل ودي إلى قلب أحد إلا وصل من ود علي عليه السلام إلى قلبه.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله كذب يا علي من زعم أنه يبغضك ويحبني حتى قالها ثلاثا.

وهذه نصوص صريحة على فرض طاعة علي كالنبي عليه السلام وذلك مقتض لإمامته لأنه لا أحد يثبت طاعته كالنبي صلّى الله عليه

__________________

(١) الفتح ٤٨ : ١٠.

(٢) كذا في النسخة.

٢٠٤

وآله وسلّم إلا من يثبت إمامته وعلى كونه خليفة من بعده وولي أمره وأولى الخلق بأمته وسيد المسلمين وأمير المؤمنين.

قد نقلها من ذكرنا وأضعافهم من رجال العامة كل منها مقتض بصريحه النص عليه بالإمامة.

وأما النص المعلوم مراده منه صلوات الله عليه بالاستدلال : فخبرا تبوك والغدير وطريق العلم بهما كبدر وأحد وحنين وغزوة تبوك وحجة الوداع وصفين والجمل.

لأن كل ناقل لغزوة تبوك ناقل لقوله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.

وكل من نقل حجة الوداع نقل نزول النبي صلى الله عليه وآله وسلم بغدير خم وجمع الناس به وقيامه فيهم خطيبا وتقريره الأمة على فرض طاعته وقوله بعد الإقرار منهم من كنت مولاه فعلي مولاه.

كما أن كل من روى بدرا روى مبارزة علي وحمزة وأبي عبيدة لشيبة وعتبة والوليد وقتل الثلاثة.

وكل من روى أحدا روى قتل وحشي حمزة بن عبد المطلب عليه السلام :

وكل من روى الجمل روى قتل طلحة والزبير وعقر الجمل وهزيمة أنصاره.

وكل من روى صفين نقل قتل عمار بن ياسر رضي‌الله‌عنه [ وذي الكلاع الحميري لعنه الله ورفع المصاحف.

وحصول العلم بهذا التفصيل لكل مخالط متأمل للسير والآثار كالجمل.

وإذا كان العلم بخبري تبوك والغدير جاريا مجرى ما ذكرناه من الوقائع المعلومة على وجه يقبح الخلاف فيه لم يحتج إلى استدلال على إثباتهما كما لم يحتج إليه في شيء من الوقائع وما ذكرناه من تفصيل الحادث فيها.

٢٠٥

هذا مع علمنا وكل متأمل للروايات بثبوت ذين الخبرين في نقل من لم يرو المغازي ممن يقوم الحجة بنقله من الخاصة والعامة فشاركا لعامة الوقائع (١) في النقل واستبدا بنقل متواتر من الشيعة وأصحاب الحديث فيجب الحكم بتساوي الطريق إلى العلم بالجميع إن لم يحكم لما ذكرناه بالزيادة لما بينا له من المزية على الوقائع.

وليس لأحد أن يقول إن الأمر لو كان كذلك لاشترك في العلم به العامي والخاص.

لأن العلم به ليس من كمال العقل فيجب القول بعمومه وإنما يحصل للمخالط المتأمل للآثار على الوجه الذي ذكرناه دون البعيد عنهما كأمثاله من المعلومات التي يعلم العلم بها من خالط العلماء وتأمل النقل ولا يحصل للمعرض كتفصيل ما جرى في بدر وأحد والجمل وصفين وتبوك وحجة الوداع وكون الركوع والسجود والطواف والوقوف بعرفة من أركان الصلاة والحج وتعلق فرض الزكاة بأنواع التسعة وإيجاب تعمد الأكل والشرب والجماع في الصوم بالقضاء والكفارة إلى باقي أحكام هذه العبادات وما ثبت تحريمه من المأكل والمشارب والمناكح والمعايش وأحكام البيوع والشهادات والقصاص والمواريث والمعلوم ضرورة من دينه صلى الله عليه وآله وسلم وجوبها مع وجودنا (٢) أكثر العامة وقطان البدو والسواد جاهلين بجميعها أو معظمها لتشاغلهم بما بينهم من المعايش والأغراض الدنيوية.

فإن كان جهل العامي المعرض عن سماع النقل بخبري الغدير وتبوك قادحا في عموم علمهما لكل مخالط متأمل للآثار كجهل (٣) من ذكرنا من

__________________

(١) في النسخة : « للعامة للوقائع ».

(٢) في السنخة : « وجودنا ».

(٣) في النسخة : « كجهل ».

٢٠٦

العوام وأهل البدو والسواد والجند والأكراد بما يعم العلم به من تفاصيل الحروب الدينية والأحكام الشرعية قادح فيما أجمع عليها المسلمون منها وعم العلم به لكل مخالط متأمل وهذا ما لا يطلقه أحد من العلماء لعظيم ما فيه.

وإن كان جهل هؤلاء الحاصل فيهم لتشاغلهم عن مخالطة العلماء وإعراضهم عن سماع النقل والفتيا غير قادح في عموم العلم بما اتفق العلماء عليه وعلم من دينه صلى الله عليه وآله وسلم من الشرعيات لم يقدح جهل العوام وطغام (١) الناس بخبري تبوك والغدير في ثبوتهما وعموم العلم بهما.

ولذلك لا نجد أحدا من علماء القبلة قديما وحديثا ينكرهما ولا يقف في صحتهما كما لا يشك في شيء من الأحكام المجمع عليها وإن خالف في المراد بهما.

ولا يقدح في هذا ما حكاه الطبري عن ابن أبي داود السجستاني من إنكار خبر الغدير.

بل ذلك يؤكده لأنه لا شبهة في عموم العلم بما انقضت (٢) الأعصار خالية من منكر له مع ثبوت الاحتجاج به على أكثر أهلها ووقوف دعوى إنكاره على واحد لا ثاني له قد سبقه إجماع أهل الأعصار وتأخر عنه إذ بهذا تميزت المعلومات العامة من غيرها ولم يقدح فيها بعد استقرارها وانقراض العصر بفتيا صحتها واتفاق العلماء على عموم الحجة بها حدوث مخالف فيها بل أطرح الكل قوله لو لا ذلك لبطلت الشريعة جملة إذ لا معلوم منها إلا وقد حدث من يخالف فيه.

على أن المضاف إلى السجستاني من ذلك موقوف على حكاية الطبري

__________________

(١) في النسخة : « طعام » ، والمثبت هو الظاهر ، لأن الطغام : أوغاد الناس.

(٢) في النسخة : « نقصت ».

٢٠٧

مع ما بينها من الملاحاة والشنئان وقد أكذب الطبري في حكايته عنه وصرح بأنه لم ينكر الخبر وإنما أنكر أن يكون المسجد بغدير خم متقدما وصنف كتابا معروفا يعتذر فيه مما قرفه (١) به الطبري ويتبرأ منه.

وما يجري حاله في الثبوت هذا المجرى الذي لا يمكن دعوى مخالف فيه إلا واحد اجتمع (٢) عليه العلماء بخلافه ويعتذر هو مما أضيف إليه ويكذب الحاكي عنه الذاهب إليه مستغن عن إقامة حجة على صحته.

وليس لأحد أن يقول فإذا كان العلم بخبري تبوك والغدير عاما فلم فزع أكثر سلفكم إلى إيراد الأسانيد بهما وإثبات طريق النقل لهما وأي حاجة فيما عم العلم به كبدر وحنين إلى ترتيب نقل.

لأن العلماء من سلفنا وخلفنا رضي الله عنهم لم يعولوا في إثبات ذين الخبرين إلا على ما ذكرناه وإنما نبهوا في الاستدلال على الطريق وصفة التواتر تأكيدا للحجة وتنبيها للمعرض على الطريق التي يعم العلم بتأملها.

وجروا في ذلك مجرى من يسأل بيان العلم بصفة حجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل هي قران أو إفراد أو تمتع وأعيان المخلفين عن غزاة تبوك وهل كانت ذات حرب أم لا وبقتل حمزة بن عبد المطلب رضي‌الله‌عنه يوم أحد دون غيره وبقتل عتبة وشيبة والوليد ببدر.

في فزعه إلى الإشارة إلى كتب أصحاب السيرة وطرق الناقلين لذلك لا يجد مندوحة عنه إذ هو الطريق الذي منه لحق التفصيل بالجمل في عموم العلم ولذلك يجد كل من لم يخالط العلماء ويسمع (٣) الأخبار ويتأمل الآثار من العوام وأهل السواد والأعراب وأشباههم لا يعلم شيئا من ذلك ولا يكون التنبيه لهم

__________________

(١) أي : كذبه.

(٢) في النسخة : « سمع »

(٣) في النسخة : « وسمع »

٢٠٨

على طريق العلم بما نقله الرواة وأصحاب السير من تفاصيل ما جرى قادحا في عموم العلم بها لكل متأمل للآثار.

كذلك حال المنبه من شيوخنا رضي الله عنهم على طرق الناقلين والمشير إلى صفات المتواترين بخبري تبوك والغدير للمعرض عن سماع ذلك ليس بقادح فيما بيناه من عموم العلم بهما للمتأملين.

على أن بإيراد ما نقله أصحاب الحديث من الخاصة والعامة حصل للسامع العلم بهما كما ينقل الرواة للمغازي حصل العلم بها لكل سامع وكيف يكون التنبيه على طريق عموم العلم بالمنقول قادحا فيه لو لا الغفلة.

وإذا كانت الحجة ثابتة بهما على الوجه الذي ذكرناه تعين فرض النظر فيهما ليعلم المراد بهما ومتى فعل هذا الواجب دل فاعله على كون كل منهما دالا على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام من وجوه.

أما خبر تبوك فإنه صلوات الله عليه دل به على أن عليا عليه السلام منه بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة في الحال التي استثنى فيها ما لم يرد ثبوته لعلي عليه السلام من النبوة وذلك يقتضي ثبوت ما عداها من منازل هارون لعلي عليه السلام بعد وفاته ودال على استخلافه له بهذا القول من وجوه :

منها : أن من جملة منازل هارون عليه السلام كونه خليفة لموسى عليه السلام على بني إسرائيل وقد نطق بذلك القرآن في قوله سبحانه ( وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ ) (١) الآية وأجمع عليه المسلمون فيجب كون علي من رسول الله صلى الله عليه وآله وعليهما (٢) كذلك إذ لا فرق بين أن يقول فيه أنت الخليفة من بعدي وبين أن يقول أنت مني بمنزلة هارون من موسى مع علم المخاطب بكون هارون خليفة لموسى،كما لا

__________________

(١) الاعراف ٧ : ١٤٢.

(٢) في النسخة : « وعليها ».

٢٠٩

فرق بين قول الملك الحكيم لمن يريد استيزاره أنت وزيري أو أنت مني بمنزلة فلان من فلان المعلوم كونه وزيرا له.

ومنها أن من جملة منازل هارون كونه مفترض الطاعة على كافة بني إسرائيل فيجب كون علي عليه السلام كذلك وذلك يوجب إمامته إذ لا فرق بين أن يقول عليه السلام أنت الخليفة من بعدي أو إمام أمتي أو المفترض الطاعة عليهم أو أنت مني بمنزلة هارون من موسى مع علم السامع والناظر بكون هارون مفترض الطاعة على كافة بني إسرائيل.

ومنها أن من جملة منازل هارون كونه مستحقا لمقام موسى عليه السلام باتفاق فيجب أن يكون علي عليه السلام كذلك إذ لا فرق بين أن يقول عليه السلام أنت مستحق لمقامي أو أنت مني بمنزلة هارون المعلوم استحقاقه لمقام موسى عليه السلام.

وليس لأحد أن يقدح فيما ذكرناه بأن الاستحقاق وفرض الطاعة والاستخلاف كان لهارون بالنبوة وقد استثناها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيجب أن يلحق بها في النفي ما هو موجب عنها.

لأنا نعلم عدم وقوف الاستخلاف وفرض الطاعة على النبوة لصحة استحقاق ذلك من دونها والمعلوم ثبوت الاستحقاق والاستخلاف وفرض الطاعة لهارون عليه السلام ولا سبيل إلى العلم بوجهه.

على أنه لو سلم لهم ذلك لم يضرنا لأنه صلى الله عليه وآله وسلم جمع في الاستحقاق فيجب الحكم بمشاركتهما فيه وإن اختلف (١) جهتاه إذ كان اختلاف جهات الاستحقاق لا يمنع من المشاركة فيه بغير إشكال.

وإنما كان يكون في كلامهم شبهة لو كان فرض الطاعة والخلافة لا يثبتان إلا لنبي ليكون استثناء النبوة استثناء لهما والمعلوم خلاف ذلك فليس

__________________

(١) في النسخة : « اختلف ».

٢١٠

استثناؤها يقتضي استثناء المنازل الثابتة بها وإلا لم يكن في كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فائدة لأنه لا يبقى شيء من منازل هارون يصح إثباته لعلي عليه السلام حسب ما تضمنه لفظ النبي ودل منه على مراده وذلك مما لا يصح وصفه به.

فلم يبق إلا القول بثبوت منازل هارون له بعد النبوة أو بها وليس في استثنائها استثناء المنازل ليصح مقصود النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.

وليس لأحد أن يقول المحبة والنصرة غير موجبين عن النبوة كالخلافة وفرض الطاعة الثابتين عنها فإذا استثناهما باستثناء مقتضيهما بقيت المحبة والنصرة فتخصص مراده بهما وذلك يخرج كلامه عليه السلام عن العبث.

لأن المحبة والنصرة كالخلافة وفرض الطاعة في صحة كونهما موجبين عن النبوة كصحة كون الخلافة وفرض الطاعة ثابتين بغير النبوة إذا كانت هذه القضية واجبة فمطلق قوله صلى الله عليه وآله وسلم يتناول جميع المنازل الهارونية إلا ما استثناه من النبوة التي لا يدل استثناؤها على استثناء بعض المنازل دون بعض لصحة استحقاق الكل بها وخروج ثبوت الجميع عن مقتضاها فلو أراد بعض ما عدا المستثنى لوجب عليه بيانه وفي إطلاقه صلى الله عليه وآله وإمساكه عن الإبانة بتخصيص مراده ببعض المنازل دليلا على إرادته الجميع.

وأيضا فإن المحبة والنصرة معلوم ضرورة لكل سامع مقر بالنبوة ومنكر لها ثبوتها لعلي من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا فائدة أيضا إذا في إعلام ما لا يدخل في معلومه شبهة.

على أن ذلك لو صح أن يكون مرادا مع بعده وقصده النبي صلى الله عليه وآله وسلم لنص عليه خاصة ولم يحتج إلى إطلاق لفظ موهم له ولغيره مع عدم الإبانة.

٢١١

ولا يجوز أن يقال على هذا لو أراد الخلافة لنص عليها بعينها ولم يحتج إلى قول يحتملها وغيرها.

لأنه عليه السلام أراد بما قاله الخلافة وما عداها من المنازل الهارونية عدا النبوة ولو نص على الخلافة أيضا لم يستفد من نصه غيرها فافترق الأمران المنة لله.

وليس لهم أن يقولوا لو أفاد الخبر فرض الطاعة والاستخلاف لكان ثابتا في حياته كثبوت ذلك لهارون من موسى عليه السلام والإجماع بخلاف ذلك.

لأن الخبر إذا كان مفيدا للاستخلاف بما أوضحناه وجب حمله على عرف الاستخلاف وقد علمنا أنه لا يفهم من قول الملك لغيره أنت خليفتي والقائم مقامي إلا بعد وفاته.

وأيضا فإن الخبر إذا وجبت به إمامته عليه السلام على كل حال فمنع الإجماع من ثبوتها في حال الحياة بقيت أحوال بعد الوفاة.

وبعد فإنا قد أوضحنا أنه عليه السلام قد أفصح في كلامه بمراده فأغنى الناظر عن هذا القدح بقوله إلا أنه لا نبي بعدي فنفى النبوة بعده فاقتضى ذلك أن يكون ما عدا المستثنى ثابتا في الحال التي نفي فيها ما لم يرده من المنازل فناب ذلك مناب قوله صلى الله عليه وآله وسلم أنت مني بعد وفاتي بمنزلة هارون من موسى في حياته لأن إطلاق الاستحقاق وفرض الطاعة يتناول زماني الحياة والوفاة فإذا استثنى ما لم يرده من المنازل التي لو لا الاستثناء لكانت ثابتة في حال بعد الوفاة اختص مراده صلى الله عليه وآله بها دون حال الحياة لأنه لا فرق بين قول القائل لصاحبه اضرب غلماني يوم الخميس إلا زيدا وبين قوله اضرب غلماني إلا زيدا يوم الخميس في تخصيص أمره بإيقاع الضرب بالمأمور بهم بيوم الخميس.

ولا يجوز حمل قوله عليه السلام بعدي على بعد نبوتي لأنه رجوع

٢١٢

عن الظاهر الذي لا يفهم من إطلاقه إلا بعد الوفاة كقوله صلى الله عليه وآله وسلم لا ترجعوا بعدي كفارا.

أو كقوله لعلي عليه السلام ستغدر بك الأمة بعدي

وقوله تقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين

في إفادة ذلك أجمع بعد الوفاة بغير إشكال.

ولأن الخبر قد أفاد فرض الطاعة والإمامة فمنع ذلك من حمله على ما قالوه.

ولأنه لا أحد قال إن الخبر يفيد الإمامة إلا قال بثبوتها بعد وفاته عليه السلام وقد دللنا على اختصاص إفادته لذلك.

ولو سلم ما قالوه لاقتضى استحقاق علي عليه السلام الإمامة وفرض الطاعة في كل حال انتفت فيه النبوة من بعد ثبوتها له ولا يخرج من ذلك إلا ما أجمع عليه المسلمون.

ولا يعترضنا قولهم إن لفظ منزلته لفظ توحيد وأنتم تحملونها على جملة منازل.

لأن القائل قد يعبر عمن له عدة منازل من السلطان فيقول منزلة فلان من السلطان جليلة وهو يريد الجميع ويوضح ذلك ثبوت الاستثناء مع قبح دخوله في لفظ الواحد إذ كان من حقه أن يخرج من الجملة ما تعلق به وتبقى ما عداه.

وإذا ثبت أن لفظ منزلة متناول لعدة منازل بدليل دخول الاستثناء الذي لا يدخل إلا على الجمل فكل من قال بذلك قال إن الخبر مفيد للإمامة.

وليس لأحد أن يقول إنه عليه السلام لو أراد الخلافة لشبهه بيوشع.

لأنا قد بينا دلالة الخبر على الخلافة مع تشبيهه بهارون فاقتضى ذلك سقوط السؤال إذ كان الاقتراح في الأدلة باطلا.

٢١٣

على أن لعدوله صلى الله عليه وآله بتشبيهه بهارون عن يوشع وجهين :

أحدهما أن خلافة هارون منطوق بها في القرآن ومجمع عليها وخلافة يوشع مقصورة على دعوى اليهود العرية من حجة.

الثاني أنه عليه السلام قصد مع إرادة النص على علي عليه السلام بالإمامة إيجاب باقي المنازل الهارونية من موسى له منه من النصرة وشدة الأزر والمحبة والإخلاص في النصيحة والتأدية عنه ولو شبهه بيوشع لم يفهم منه إلا الخلافة فلذلك عدل إلى تشبيهه بهارون عليه السلام.

وأما خبر الغدير فدال على إمامته عليه السلام من وجهين :

أحدهما أنه صلوات الله عليه قرر المخاطبين بما له عليهم من فرض الطاعة بقوله ألست أولى بكم منكم بأنفسكم فلما أقروا قال عاطفا من غير فصل بحرف التعقيب فمن كنت مولاه فعلي مولاه وذلك يقتضي كون علي عليه السلام مشاركا له صلوات الله عليه وآله في كونه أولى بالخلق من أنفسهم وذلك مقتض لفرض طاعته عليهم وثبوتها على هذا الوجه يفيد إمامته بغير شبهة.

إن قيل دلوا على أن من جملة أقسام مولى أولى وأنها في الخبر مختصة به وأن أولى يفيد الإمامة.

قيل أما كون أولى من جملة أقسام مولى فظاهر في العربية ظهورا لا يدخل في [ فيه ] (١) شبهة على أحد عرفها لثبوتها من جملة أقسامها وحصول النص منهم عليها كالمالك والمملوك ونص أهلها على كونها من جملة الأقسام كهما وقد نطق القرآن بذلك في قوله تعالى ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) (٢) يريد أولى

__________________

(١) في النسخة : « في ».

(٢) الحديد ٥٧ : ١٥.

٢١٤

بكم وقوله سبحانه ( وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ ) (١) يريد أولى بالميراث بغير خلاف بين علماء التأويل ولأنه لا تحتمل لفظة مولى في الآيتين إلا الأولى.

على أن اشتقاق أقسام مولى يرجع إلى الأولى على ما بينته وذلك يوجب حملها عليه لكونها حقيقة في الأولى دون سائر الأقسام.

وأما كونها مقصودة في الخبر دون سائر الأقسام فمن وجهين :

أحدهما أنها الأصل لسائر أقسام مولى فيجب حمل مطلقها عليها كخطاب سائر الحكماء.

الثاني اتفاق العلماء بالخطاب على أن تقديم البيان على المجمل وطريق (٢) المخاطبين على المراد به أبلغ في الإفهام من تأخيره.

يوضح ذلك أن مواضعة المكلف سبحانه على معنى صلاة وزكاة قبل الخطاب بهما أبلغ في البيان من تأخير ذلك عليه وأن قول القائل لمن يريد إفهامه ألست عارفا بأخي زيد الفقيه وداري الظاهرة بمحلة كذا فإذا قال بلى قال فإن أخي ارتد وداري احترقت أبلغ في الإبانة عن مراده من تأخير هذا البيان عن قوله ارتد أخي واحترقت داري لوقوع العلم بمقصوده مع الخطاب الأول في الحال وتراخيه مع الثاني ولاختلاف العلماء فيما يتأخر بيانه وهل هو بيان له أم لا واتفاقهم على كون ما تقدم بيانه مفيدا للعلم بالمراد حين يسمع المجمل.

وإذا تقرر هذا وكنا وخصومنا وكل عارف بأحكام الخطاب متفقين على أنه صلوات الله عليه وآله لو قال بعد قوله من كنت مولاه فعلي مولاه أردت بمولى أولى لم يحسن الشك في إرادته بلفظة مولى أولى ولم يستحق المخالف فيه

__________________

(١) النساء ٤ : ٣٣.

(٢) كذا.

٢١٥

جوابا إلا التنبيه على غفلته فتقديمه صلوات الله عليه وآله التقرير على الأولى وإتيانه بعده بالمجمل أبلغ في بيان مراده من التقرير الأول على ما أوضحناه من ذلك.

وليس لأحد عرف الخطاب أن يقول دلوا على أن الكلام الثاني مبني على الأول وأن الأول بيان له.

لأن دخول الفاء المختصة بالتعقيب في الكلام الثاني يوجب تعلقه بالأول على أخص الوجوه وتعلقه به مع احتماله لو انفرد له ولغيره من المعاني دليل على كونه بيانا له لأن قوله صلى الله عليه وآله وسلم فمن كنت مولاه متعلق بقوله ألست أولى بكم بمقتضى العطف وتعلقه به يقتضي إرادة مولى لترتبه عليه وكونه بيانا له وقوله عليه السلام إثر ذلك فعلي مولاه جار هذا المجرى فيجب إلحاقه به والحكم له بمقتضاه.

وأما إفادة الأولى للإمامة فظاهر لأن حقيقة الأولى الأملك بالتصرف الأحق بالتدبير يقولون فلان أولى بالدم وبالمرأة وباليتيم وبالأمر بمعنى الأحق الأملك فإذا حصل هذا المعني بين شخص وجماعة اقتضى كونه مفترض الطاعة عليهم من حيث كان أولى بهم من أنفسهم في تقديم مراداته وإن كرهوا واجتناب مكروهاته وإن أرادوا وعلى هذا خرج قوله تعالى ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) (١) وعليه قررهم صلّى الله عليه وآله.

وإذا وجب مثله للمنصوص عليه به وجبت طاعته على الوجه الذي كان له عليه السلام ووجوبها على هذا الوجه يقتضي إمامته بغير نزاع.

وبهذا التحرير تسقط شبهة من يظن اختصاص أولى بشيء دون شيء أو بحال دون حال أو مكلف دون مكلف لأن ترتبها على ما قرره صلوات الله عليه وآله من فرض الطاعة الثابت عمومها للمكلفين والأحوال والأمور يوجب

__________________

(١) الأحزاب ٣٣ : ٦.

٢١٦

المشاركة له صلوات الله عليه وآله في جميع ذلك ولأنه لا أحد قال إن مراده بمولى أولى إلا قال بإيجاب طاعته عليه السلام على الجميع وعمومها للأحوال والأمور.

والوجه الثاني من الاستدلال أن مجرد قوله عليه السلام من كنت مولاه فعلي مولاه يدل على أنه عليه السلام أراد الأولى المفيد للإمامة لما قررناه من وجوه ثلاثة :

منها : أن لفظة مولى حقيقة في الأول لاستقلالها بنفسها ورجوع سائر الأقسام في الاشتقاق إليها لأن المالك إنما كان مولى لكونه أولى بتدبير رقيقه وبحمل جريرته والمملوك مولى لكونه أولى بطاعة مالكه والمعتق والمعتق كذلك والناصر لكونه أولى بنصرة من نصره والحليف لكونه أولى بنصرة حليفه والجار لكونه أولى بنصرة جاره والذب عنه والصهر لكونه أولى بمصاهره والأمام والوراء (١) لكونه أولى بمن يليه وابن العم لكونه أولى بنصرة ابن عمه والعقل عنه والمحب المخلص لكونه أولى بنصرة محبه ومواده.

وإذا كانت لفظة مولى حقيقة في الأولى وجب حملها عليها دون سائر أقسامها كوجوب ذلك في سائر الخطاب الجاري هذا المجرى.

الثاني أن لفظة مولى لو كانت مشتركة بين سائر الأقسام وغير مختصة ببعضها لوجب حمل خطابه صلوات الله عليه وآله بها على جميع محتملاتها إلا ما منع مانع كوجوب مثل ذلك في خطاب مشترك فقدت الدلالة من المخاطب به على تخصص مراده ببعض محتملاته.

الثالث أنه عليه السلام جمع الخلق لهذا الأمر وأظهر من الاهتمام به ما لم يظهر منه في شيء مما أتى به ولا بد لذلك من غرض مثله لأن خلوه من غرض أو غرض مثله عبث وسفه ولا يجوز وصفه عليه السلام به.

__________________

(١) كذا في النسخة.

٢١٧

ولا يجوز أن يريد عليه السلام المالك ولا المملوك ولا المعتق ولا المعتق ولا الحليف ولا الجار ولا الأمام ولا الوراء (١) ولا الصهر لحصول العلم الضروري بخلاف ذلك أجمع.

ولا يجوز أن يريد ابن العم لأنه لا فائدة فيه لحصول العلم به قبل خطابه.

ولا يجوز أن يريد ولاية المحبة والنصرة لوجوبهما على كافة المسلمين فلا وجه لتخصيصه عليا بها.

فلم يبق إلا الأولى الأحق بالتدبير الأملك بالتصرف.

وليس لأحد أن يحمل مراده عليه السلام بلفظة مولى على الموالاة على الظاهر والباطن حسب ما وجب له عليه السلام على المخاطبين من وجوه.

منها أن طريقته المقدمة يمنع منه.

ومنها كون مولى حقيقة في أولى يجب لها حمل المراد عليها حسب ما بيناه ومنها وجوب حمل اللفظ المحتمل للأشياء على جميع محتملاته فلو كان ما ذكروه مما يحتمله لفظة مولى لوجب دخوله تحت المراد من غير منافاة لإرادة الأولى.

ومنها أن الموالاة على الباطن ليست من أقسام مولى في لغة العرب المخاطبين بها فلا يجوز حمل خطابه عليه السلام على ما لا يفيد مطلقه من غير مواضعة تقدمت ولا بيان تأخر.

ومنها أنه لو كانت هذه الولاية من جملة الأقسام لوجب لو أرادها أن يقول من كان مولاي فهو مولى لعلي لأنه وعليا عليهما السلام هما (٢)

__________________

(١) كذا في النسخة.

(٢) في النسخة : « هو ».

٢١٨

المتوليان على الظاهر والباطن دون المخاطبين فلما خرج خطابه صلى الله عليه وآله بعكس ذلك استحال حمل مولى في الخبر على ولاية الباطن والظاهر لو كان ذلك شائعا في اللغة لأنه يقتضي كون النبي وعلي صلوات الله عليهما هما المتوليان للمخاطبين على الظاهر والباطن وهذا ظاهر الفساد.

على أن الحامل لمخالفينا على هذا التأويل المتعسف تخصيص علي عليه السلام بما لا يشركه فيه غيره حسب ما اقتضت الحال والولاية على الظاهر والباطن حاصلة لجماعة من الصحابة باتفاق فمنع ذلك من تخصيص علي عليه السلام بها لو كان الخطاب محتملا لها.

اللهم إلا أن يريدوا ولاية خاصة لا يشرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها غير علي عليه السلام ليكون [ فيكون ] (١) ذلك تسليما منهم الإمامة بغير شبهة.

إن قيل فطريقكم من هذا الخبر يوجب كون علي عليه السلام إماما في الحال والإجماع بخلاف ذلك.

قيل : هذا يسقط من وجوه :

أحدها أنه جرى في استخلافه عليا صلوات الله عليهما على عادة المستخلفين الذين يطلقون إيجاب الاستخلاف في الحال ومرادهم بعد الوفاة ولا يفتقرون إلى بيان لعلم السامعين بهذا العرف المستقر.

وثانيها أن الخبر إذا أفاد فرض طاعته وإمامته عليه السلام على العموم وخرج حال الحياة بالإجماع بقي ما عداه.

وليس لأحد أن يقول على هذا الوجه فألحقوا بحال حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحوال المتقدمين على أمير المؤمنين عليه السلام لأنا إنما أخرجنا حال الحياة من عموم الأحوال للدليل [ ولا دليل ] على

__________________

(١) في النسخة : « ليكون.

٢١٩

إمامة المتقدمين وسنبين ذلك في ما بعد ولأن كل قائل بالنص قائل بإيجاب إمامته عليه السلام بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلا فصل فإذا كان دالا على النص بما أوضحنا سقط السؤال ووجب إلحاق الفرع بالأصل.

وثالثها أنا نقول بموجبه من كونه عليه السلام مفترض الطاعة على كل مكلف وفي كل أمر وحال منذ النطق به وإلى أن قبضه الله تعالى إليه وإلى الآن وموسوما بذلك ولا يمنع منه إجماع لاختصاصه بالمنع من وجود إمامين وليس هو في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كذلك لكونه مرعيا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتحت يده وإذا كان مفترض الطاعة فقط لثبوته للأمراء (١) وإنما كان كذلك لأنه لا يد فوق يده وهذا لم يحصل إلا بعد وفاته صلوات الله عليه.

[ مراعاة أمير المؤمنين القوم لا تقدح في إمامته ]

ولا يمكن القدح في ثبوت إمامته عليه السلام بإمساكه عن النكير ومبايعته للقوم وإظهار التسليم وحضور مجالسهم والصلاة خلفهم وأخذ عطائهم والنكاح من سبيهم وإنكاح عمر ابنته وقول العباس له عند وفاة النبي عليه السلام ألا يدخل بنا إليه فنسأله هل لنا في هذا الأمر شيء ولو كان النص ثابتا لم يجهله العباس وامتناعه بعد وفاته صلى الله عليه وآله من مبايعة العباس وأبي سفيان وهما سيدا بني عبد مناف ودخوله في الشورى وتقلده الأمر بعد عثمان بالاختيار وتحكيم الحكمين.

لأن هذه الأمور أجمع غير قادحة في شيء من أدلة النص ومع ذلك فهي ساقطة على أصول المسئول عنها والسائل ولا شبهة في سقوط ما هذه حاله من الشبه وسقوط فرض الإجابة عنه.

__________________

(١) كذا في النسخة.

٢٢٠