تقريب المعارف

أبي الصّلاح تقيّ بن نجم الحلبي

تقريب المعارف

المؤلف:

أبي الصّلاح تقيّ بن نجم الحلبي


المحقق: الشيخ فارس تبريزيان « الحسّون »
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المحقّق
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٠

كما لم يقبح ترك ما هو لطف فيه

والتروك الزنا والربا وشرب الخمر وسائر القبائح الشرعية وجهة قبحها كون فعلها مفسدة في القبح العقلي ووجب تركها لأنه ترك القبح والواجب في هذا التكليف العلم دون الظن وطريقه الكتاب والإجماع والسنة المأثورة عن الصادقين عليهم السلام والعمل به لوجوهه المخصوصة وقد دللنا على صحة هذه الفتيا وفصلنا ما أجملناه هاهنا في مقدمتي كتابي العمدة والتلخيص في الفروع.

ومن شرط الحسن في تكليف هذه الأفعال والتروك تقوية دواعي مكلفها إلى ما يختار عنده أفعالها وصوارفه عن تروكها أو يكون إلى ذلك أقرب دون ما يقتضي الإلجاء المنافي للتكليف لأن ذلك جار مجرى التمكين.

فمتى علم سبحانه في شيء كونه لطفا في التكليف على أحد الوجهين وكان مختصا بمقدوره سبحانه فلا بد أن يفعله وإن كان من مقدورات المكلف فلا بد من بيانه له وإيجابه عليه وإن كان اللطف لا يتم إلا بفعله تعالى وفعل المكلف وجب عليه سبحانه فعل ما يختص به وبيان ما يختص المكلف وإيجابه وإن كان من فعل غير المكلف فعلم سبحانه أن ذلك الغير يفعل هذا اللطف حسن تكليف هذا وإن علم أنه لا يختاره وفي أفعاله تعالى أو أفعال المكلف بدل منه فعل ما يختصه وبين ما يختص المكلف وإن لم يكن له بدل أسقط تكليف ما ذلك اللطف لطف فيه لأن تكليفه (١) والحال هذه قبيح على ما بينته وتكليف غيره ما لا مصلحة له فيه قبيح أيضا وإن كان لطفه يتعلق بفعل قبيح أو بما لا يصح إيجاده فلا بد من إسقاط تكليفه لتعلقه بما لا يصح إيجاده أو يقبح (٢) فعله.

__________________

(١) في النسخة : « تكليف ».

(٢) في النسخة : « أو بقبح ».

١٢١

وقلنا بوجوب ما ذكرناه.

لأنه لا فرق في قبح المنع بينه وبين قبح المنع من التمكين.

يوضح ذلك : أن من صنع طعاما لقوم يريد حضورهم نفعا لهم وعادته جارية في استدعائهم برسول فلم يفعل الإرسال مع كونه مريدا لحضورهم يستحق الذم كما لو أغلق الباب دونهم ولا شبهة في وجوب ما يستحق الذم بتركه.

وإذا صح هذا وكان القديم سبحانه مريدا لتكليفه فلا بد أن يفعل له ما يعلم أنه يختار التكليف عنده أو يكون أقرب إليه أو يبينه (١) له إن كان من فعله وسقط تكليفه إن كان معلقا بما لا يصح إيجاده أو يقبح أو مختصا بفعل غيره مع العلم بأنه لا يفعله ولا بدل (٢) له لكونه تعالى عادلا لا يخل بواجب في حكمته سبحانه.

وما هو من فعله تعالى لا بد أن يكون معلوما للملطوف له به أو مظنونا أو معتقدا لكونه داعيا وما لا يعلم ولا يظن ولا يعتقد لا يكون داعيا وسواء كان ما هو من فعله تعالى لطفا في واجب أو مندوب إليه أو ترك قبيح فإنه يجب في حكمته سبحانه فعله لكونه مريدا للجميع وبيان ما هو لطف من فعل المكلف في التكاليف الثلاثة.

فأما ما يختص المكلف ، فالواجب عليه فعل ما هو لطف في واجب وترك قبيح وترك ما هو مفسدة فيهما وهو في لطف المندوب بالخيار ولا فرق في إعلامه ما هو لطف له في تكليفه وإزاحة علته بين أن ينص له على كونه كذلك وبين أن يوجب عليه فعلا بدليل عقلي أو سمعي فيعلم بذلك كونه لطفا في واجب أو

__________________

(١) في النسخة : « يثبته ».

(٢) في النسخة : « ولا بدّ ».

١٢٢

يوجب عليه تركه فيعلم بذلك كون فعله مفسدة أو يرغبه في فعل أو ترك فيعلم كونه لطفا في مندوب ويحسن تكليفه ما هذا اللطف لطف فيه وإن جهله كذلك إذا كان متمكنا من العلم به لكون علته مزاحة بالتمكين وإن فرط فيما يجب عليه.

ومن شرط اللطف أن يتأخر عن التكليف ولو بزمان واحد لكونه داعيا ولا تتقدر الدواعي إلى غير ثابت فإن علم سبحانه في فعل من الأفعال أنه إن صاحب التكليف دعا إلى اختياره فليس ذلك بلطف لكونه وجها وسببا لحصول التكليف (١).

فوصف هذا الجنس من الأفعال بأنه لطف اشتقاقا من التلطف للغير في إيصال المنافع إليه وتسمى صلاحا لتأثيره وقوع الصلاح أو تقريب المكلف إليه ويسمى استصلاحا على هذا الوجه. ويسمى منه توفيقا ما وافق وقوع الملطوف به فيه عنده.

ويسمّى منه عصمة ما اختار عنده المكلف ترك القبيح على كل حال تشبيها بالمنع من الفعل وإن كان الفعل القبيح إنما ارتفع مع اللطف باختيار المكلف ومع المنع لأجله فساوى الحال في ارتفاع القبيح على كل وجه وإن اختلف جهتا الارتفاع فلذلك سمي الملطوف له بهذا الضرب من اللطف معصوما ويجوز أن يكون الوجه في التسمية بمعصوم من حيث كان مفعولا له ما امتنع معه من القبيح تشبيها بالممنوع على الوجه الذي بيناه.

ولا يلزم على هذا عصمة سائر المكلفين لأن ما له هذه الصفة من الألطاف موقوف على ما يعلمه سبحانه من كونه مؤثرا في اختيار المكلف ما كلف فعله أو تركه وما هذه حاله يجوز أن يختص ببعض المكلفين ولا يكون في المعلوم

__________________

(١) في النسخة : « لكونه وجها وسببا لحصول التكليف وسببا لحصول التكليف ».

١٢٣

شيء يعلم من حال الباقين كونهم مختارين لما كلفوه عنده فيختص فعله إذ ذاك بمن علم من حاله كونه غير مختار عنده لشيء من القبائح دون من علم أنه لا يترك القبيح عند شيء من الأفعال كما خبر عنهم سبحانه بقوله ( وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ ) (١) ـ يريد أن يشاء إلجاءهم وكقوله سبحانه ( وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ) (٢) ـ وأمثال ذلك من الآيات الدالة على وجود مكلفين لا يختارون شيئا من الطاعات ولا يتركون شيئا من القبائح وإن فعل لهم كل آية.

ويحسن تكليف من يعلم أنه لا لطف له وأنه يطيع أو يعصي على كل حال لأنه متمكن بجميع ضروب التمكين مما كلف ولم يمنع واجبا وليست هذه حال من لطفه في القبيح أو فيما لا نهاية له لأن هذا اللطف لم يفعل له فقبح تكليفه.

وأما الصلاح الدنيوي العري من وجوه القبح فغير واجب لأنه لا تعلق له بالتكليف ولا له في نفسه صفة وجوب كالصدق والإنصاف لأن وجوب ما هذه حاله معلوم ضرورة على جهة الجملة ومكتسبا على جهة التفصيل ولأنه لو كان له وجه يقتضي وجوبه لكان ذلك لكونه نفعا وذلك يوجب كل نفع لا ضرر فيه على الفاعل والمفعول له والمعلوم ضرورة خلاف ذلك لوجودنا (٣) سائر الأغنياء من العقلاء يمنعون غيرهم ما له هذه الصفة ولا يستحقون به الذم (٤) من أحد.

وتعلق القائلين بالأصلح في إثبات وجه لوجوبه بذم مانع الاستظلال

__________________

(١) الانعام ٦ : ١١١.

(٢) البقرة ٢ : ١٤٥.

(٣) في النسخة : « لوجوب » وفوق الباء ورد : « دنا ».

(٤) في النسخة : « ولا يستحقّون بالذّم ».

١٢٤

بظل حائطه والتقاط المتناثر من حب زرعه وتناول الماء من نهره .

ليس بصحيح لأنه لو كان الوجه فيه كونه نفعا خالصا لوجب كل نفع خالص لأن صفة الوجوب لا تختص بمثل دون مثل وقد علمنا ضرورة خلاف ذلك وإنما قبح المنع بحيث ذكروه لكونه عبثا لا غرض فيه ولهذا متى حصل فيه أدنى غرض حسن ولو كان الوجه في قبح منعه كونه نفعا خالصا لم يحسن لوجود غرض فيه كالظلم على أن مثالهم بخلاف الأصلح لقولهم بوجوب فعل ما فيه نفع خالص وقد علمنا أنه لا يجب بناء الحائط للاستظلال به ولا حفر النهر لتناول الماء منه ولا نثر الحب للالتقاط وإذا لم يجب فلا شاهد لهم.

ولا لهم أن يتعلقوا في إيجابه بأن فاعله جواد ومانعه بخيل (١) ـ وصفة الجود مدح وهو جدير بها سبحانه وصفة البخل ذم لا يجوز عليه تعالى.

لأن ذلك تعلق بعبارة يجوز غلط مطلقها وصوابه ولا يجوز إثبات وجه الوجوب والقبح للموصوف ضرورة أو استدلالا ولا يجوز عند أحد من العلماء إثبات صفات الذوات بها على أن المعلوم اختصاص إطلاق الجود والبخل بغير من ذكروه لأنه لا أحد يصف من لم يمنع من الاستظلال والالتقاط الذي هو شاهد لهم بأنه جواد وإنما يصفون بذلك من أكثر الإحسان كحاتم وإن كان عليه فيه ضرر بل لا يصفون بالجود من له إحسان ما ولو كان الجود اسما لمن ذكروه لوجب اختصاصه به أو إطلاقه والمعلوم خلاف ذلك.

وأما بخيل فليس بوصف لمن ليس بجواد لعلمنا بوجود أكثر العقلاء غير موصوفين بالجود ولا البخل ولو كان اسما لمن منع نفعا خالصا لوجب وصف كافة العقلاء به حتى الأنبياء والأوصياء والفضلاء لأنه لا أحد منهم إلا وهو مانع ما له هذه الصفة وإنما هو مختص بمانع الواجب عليه لغيره لكونه اسما للذم

__________________

(١) في النسخة : « محيل ».

١٢٥

حسب ما نطق به القرآن وإطلاق العرب له (١) على مانع القرى (٢) لاعتقادهم وجوبه عليهم ولهذا لا يصفون به من أخل بواجب يختصه ولا مانع التفضل على كل حال ويجوز أن يكون ذلك مجازا والمجاز لا يقاس عليه ولا يجعل أصلا يرجع إليه.

فسقط ما تعلقوا به معنى وعبارة والمنة لله.

وأيضا فإن المفعول منه في الوقت الواحد لا بد من انحصاره لوجوب انحصار ما يخرج إلى الوجود وما زاد عليه مما حكمه حكمه في النفع لا يخلو أن يكون مقدورا له تعالى أو غير مقدور ولا يصح كونه غير مقدور لكونه تعالى قادرا لنفسه ولكونه مقدورا لا يخلو أن يكون واجبا أو غير واجب وكونه واجبا يقتضي كونه تعالى غير منفك في حال من الإخلال بالواجب فلم يبق إلا أنه غير واجب.

وليس لأحد أن يقول فأنتم تجيزون فعل الأصلح فيلزمكم في الجواز ما ألزمتموه في الوجوب.

لأن الإخلال بالواجب لا يجوز عليه تعالى والإخلال بالجائز جائز منه فافترقا بغير شبهة.

وليس له أيضا أن يقول القدر الزائد إن كان صلاحا فلا بد أن يفعله وإن لم يكن كذلك فلا مسألة علينا.

لأنا فرضنا مساواة القدر الزائد المعدوم لما وجد منه في الصلاح فاقتضى سقوط وجوب الأصلح أو كونه تعالى غير منفك من الإخلال بالواجب فسؤالهم إذن خارج عن تقديرنا.

ولنا في هذا الدليل نظر لا يحتمله كتابنا هذا.

__________________

(١) لفظ : « له » ورد في نسخة بدل.

(٢) في النسخة : « تعرى ».

١٢٦

وأيضا فلو لم يكن في أفعاله تعالى ما له صفة الإحسان لم يجب شكره لاختصاص الشكر به دون سائر الأفعال فإذا لم يتعين شكره لم يستحق العبادة لكونها كيفية في الشكر وذلك ضلال.

وأيضا فإنا نعلم ضرورة أن من جملة الأفعال الواقعة منا ما يستحق به الشكر والمدح ولا يستحق به الذم كما نعلم أن من جملتها واجب ومباح فيجب أن يكون تعالى قادرا لنفسه على ما هذه حاله وذلك ينتقض قوله إنه ليس في الشاهد ولا الغائب ما يخرج عن واجب في العدل أو واجب في الجود.

وأما المكلف فهو الجملة الحية المشاهدة بدليل حصول العلم بوقوع الأفعال الدالة على كون من تعلقت به قادرا أو المحكمة المترتبة الدالة على كون من تعلقت به عالما مريدا منها والقادر العالم المريد هو الحي المكلف.

وإذا كان المعلوم استناد ما دل على كونه كذلك إلى الجملة وجب وصفها به دون ما لا يعلم ولا يظن تعلق التأثيرات به إذ كان نفيها عن الجملة المعلوم ضرورة تعلقها بها وإضافتها إلى من لا يمكن إضافتها إليه إلا على هذا الوجه تجاهل ولا نعلم حصول الإدراك بأبعاضها والمدرك هو الحي فيجب أن يكون كل عضو حصل به الإدراك من جملتها.

ولأن الأفعال تقع (١) بأطرافها ويبتدأ بها التأثيرات المحكمة ويخف باليدين ما يثقل باليد الواحدة ولا وجه لذلك إلا كون هذه الأعضاء محلا للقدر ومحل القدر هو القادر والقادر هو الحي.

وليس لأحد أن يقول ما المانع من كون الحي غيرها وتقع أفعاله فيها مخترعة.

لأن الاختراع يتعذر بجنس القدر ولأنه لو صح منه أن يخترع فيها لصح

__________________

(١) في النسخة : « نفع ».

١٢٧

في غيرها وذلك محال ولأنه لو صح منه الاختراع لجاز أن يخترع في الإصبع الواحدة من حمل الثقيل ما ينقل باليدين والمعلوم خلاف ذلك ولأنا نعلم انتفاء الحياة بانتقاض هذه البنية ولو كان الحي غيرها لكان لا فرق بين قطع الرأس والشعر والمعلوم خلاف ذلك.

وببعض ما قدمناه يبطل كون الحي بعض الجملة لصحة الإدراك بجميع أبعاضها وبوقوع الأفعال في حالة واحدة بكثير من أعضائها مع تعذر الاختراع على ما بيناه.

وأما صفات المكلف فيجب أن يكون قادرا ليصح منه إيجاد ما كلف والقدرة مختصة بمقدوراته سبحانه فيجب عليه فعلها.

وإن كان التكليف يفتقر إلى آلة وجبت في حكمته سبحانه فعل ما يختصه كاليد والرجل وتمكينه من تحصيل ما يختصه كالقلم والقوس لتعذر الفعل المفتقر إلى آلة من دونها لتعذره من دون القدرة.

وإن كان التكليف مما يفتقر العلم به والعمل إلى زمان وجب تبقيته الزمان الذي يصحان في مثله لأن اخترامه من دونه قبيح.

ويجب أن يكون عالما بتكليفه ووجهه أو متمكنا من ذلك لأن الغرض المقصود من الثواب لا يثبت مع الجهل بوجوب الأفعال لاختصاص استحقاقه بإيقاع ما وجب أو ندب إليه واجتناب ما قبح للوجه الذي له حسنا وقبح هذا ولأن المكلف لا يأمن براءة ذمته مما وجب عليه فعلا وتركا من دون العلم بهما.

فما اقتضت الحكمة كونها من فعله تعالى فلا بد من فعله للمكلف كالعلم بالمشاهدات بأوائل العقول وسائر الضروريات وما اقتضت المصلحة كونه من فعل المكلف وجب إقداره عليه بإكمال عقله ونصب الأدلة وتخويفه من ترك النظر فيها ويكفي ذلك في حسن تكليف ما يجب علمه استدلالا وإن لم يكن

١٢٨

معلوما في الحال ولا مما لا يعلم (١) في الثاني لأن التكليف كاف والتقصير مختص بالمكلف.

والحال التي يصح معها تكليف (٢) العلم بالمعلوم هي كون الحي عاقلا مخوفا من ترك النظر في الأدلة.

والعقل مجموع علوم من فعله تعالى وهي على ضروب منها العلم بالمدركات مع ارتفاع اللبس.

ومنها : العلم بأن المعلوم لا بد أن يكون ثابتا أو منتفيا والثابت لا يخلو أن يكون لوجوده أول أو لا أول لوجوده.

ومنها : العلم بوجوب شكر المنعم ورد الوديعة والصدق والإنصاف وقبح الظلم والكذب والخطر واستحقاق فاعل تلك ومجتنب هذه المدح والذم على فعل هذه واجتناب تلك إذا وقع ذلك عن قصد.

ومنها : العلم بتعلق التأثيرات بالعبد وفرق ما بين من تعلقت به وتعذرت عليه.

ومنها : العلم بجهات الخوف والمضار وما يستندان إليه من العادات.

وقلنا إن العقل مجموع هذه العلوم.

لأنها متى تكاملت لحي وصف بأنه عاقل ومتى اختل شيء منها لم يكن كذلك ولو كان العقل معنى سواها لجاز تكاملها بحي ولا يكون عاقلا بأن لا يفعل فيه ذلك المعنى أو يفعل في حي من دونها فيكون عاقلا والمعلوم خلاف ذلك.

وقلنا : إنها من فعله تعالى لحصولها على وجه الاضطرار في الحي (٣) لأنها

__________________

(١) في النسخة : « لا يعلم ».

(٢) في النسخة : « التكليف ».

(٣) في النسخة : « الحقّ ».

١٢٩

لو كانت من فعل الحي منا لكانت تابعة لمقصوده.

وقلنا إن كونه عاقلا شرط في تكليفه الضروري هو من جملتها (١) ـ والمكتسب لا يتم من دونها لافتقاره إلى النظر الذي يجب أن يتقدمه العلم بمجموعها ولأنه لا حكم للنظر من دونه.

ومما يجب كونه عليه التخلية بينه وبين مقدوره فإن علم سبحانه حصول منع من فعله تعالى أو فعل المكلف أو غيره قبح تكليفه لتعذر وقوعه وإن اختلفت أسباب التعذر.

ولا يحسن منه تعالى تكليفه بشرط زوال المنع لأنه عالم بالعواقب والاشتراط فيه لا يتقدر وإنما يحسن فيمن لا يعلم العواقب (٢) ـ ولذلك متى علمنا أو ظننا حصول منع من فعل لم يحسن منا تكليفه.

ومما يجب كونه عليه صحة الفعل وتركه لأن إلجاءه (٣) ينقض الغرض المجري بالتكليف إليه من الثواب الموقوف على إيثار المشاق.

والإلجاء يكون لشيئين :

أحدهما : أن يعلم العاقل أو يظن في فعل أنه متى رامه منع منه لا محالة كعلم الضعيف أنه متى رام قتل الملك منع منه هو الملجأ إلى الترك وهذا الضرب من الإلجاء لا يتغير.

والثاني : يكون بتقوية الدواعي إلى المنافع الكثيرة الخالصة أو الصوارف بالمضار الخالصة وهذا يجوز تغييره بأن يقابل الدواعي صوارف يزيد عليها والصوارف دواع يزيد عليها ولهذا استحال الإلجاء على القديم سبحانه،

__________________

(١) كذا.

(٢) في السنخة : « للعواقب ».

(٣) في النسخة : « الحاء ».

١٣٠

لاستحالة ما يستند إليه من المنع ورجاء النفع وخوف الضرر.

ومن صفاته أن يكون مائلا إلى القبيح نافرا من الواجب محتاجا لاستحالة تقدير التكليف من دون ذلك من حيث كانت المشقة شرطا فيه ولا مشقة من دون الميل والنفور لأن ما يلتذ به الحي أو لا يلتذ به ولا يألم لا يشق عليه فعلا كان أو تركا ولأن الوجه في حسنه (١) التعريض للنفع الملتذ به ومتى لم يكن الحي على صفة من يلتذ ببعض المدركات ويألم ببعض لم يدعه داع إلى تكلف مشقة لاجتلاب نفع أو دفع مضرة وكونه كذلك يقتضي كونه محتاجا إلى نيل النفع ودفع الضر فإن فرضنا غناه بالحسن عن القبيح ارتفعت المشقة التي لا يتقدر تكليف من دونها.

وليس من شرط التكليف أن يعلم المكلف أن له مكلفا لأن التكليف الضروري ثابت من دون العلم بمكلفه سبحانه ولأن المعرفة بالمكلف سبحانه لا وجه لوجوبها إلا تعلقها بالضروري فلو وقف حسن التكليف على العلم بالمكلف لتعذر ثبوت شيء من التكاليف.

وليس من شرطه أن يعلم المكلف أنه مكلف لأنا قد بينا قبح الاشتراط في تكليفه سبحانه وقبحه يوجب القطع على تبقية المكلف الزمان الذي يصح منه فعل ما كلف على وجه فلو كان من شرطه أن يكون عالما بأنه مكلف لوجب أن يكون قاطعا على البقاء إلى أن يؤدي ما كلف أو يخرج وقته وذلك يقتضي كونه مغرى بالقبح أو عصمته والإغراء لا يجوز عليه وعصمة كل مكلف معلوم ضرورة خلافه.

ولأنا نعلم من أنفسنا وغيرنا من المكلفين أنه لا أحد منا يقطع على بقائه وقتا واحدا بل يجوز اخترامه بعد دخول وقت التكليف وقبل تأديته العبادة وبعد

__________________

(١) في النسخة : « جنسه ».

١٣١

ما دخل فيها ولم يحملها وإنما نعلم أنه مكلف ما يحتاج إلى زمان إذا فعله أو خرج وقته إن كان موقتا.

وليس لأحد أن يقول فعلى هذا لا يلزم أحدا أن يفعل شيئا من الواجبات وإن فعلها فلغير وجه الوجوب.

لأنه لا يتعين له على ما ذكرتم إلا بعد الأداء أو خروج الوقت لأنه وإن لم يعلم كونه مكلفا ما خوطب به إلا بعد فعله أو خروج وقته فإنه يعلم وجوب الابتداء به وإذا علم ذلك وجب عليه الدخول فيه والعزم على فعله لوجهه.

ولأنه يجوز البقاء ويعلم أنه إن خرج وقته ولم يؤده استحق الضرر فيجب عليه التحرز من الضرر المخوف ويفعله لوجهه فكل ما مضى منه جزء علم كونه مكلفا له حتى يمضي جملته أو وقته وإن اخترم على بعضه في وقته فتكليفه مختص بما فعله دون ما لم يفعله.

إن قيل فيلزم على هذا أن يفرد كل حكم واجب من جملة تكليف بقصد مخصوص.

قيل إذا كان الحكم من جملة تكليف وجب عليه الابتداء به كفاه (١) أن يبتدئ به بعزم على جملته وتفصيله لوجهه لاختصاص تكليفه بذلك وإن كان إفراد كل حكم من جملة تكليف بنية تخصه أفضل ونية الجملة كافية إذ لا فرق في تعلقها بالحكم بين مصاحبته أو تقدمها عليه في حال الابتداء بالعبادة التي هو من جملتها.

مسألة : [ في الألم ]

الألم ما أدرك بمحل الحياة فيه وهو جنس وغير جنس :

__________________

(١) في النسخة : « كفارة ».

١٣٢

فالمدرك بمحل الحياة فيه كالحادث عند الوهي وفي رأس المصدع جنس.

والمدرك بمحل الحياة في غيره كالحرارة والبرودة والطعم ليس بجنس غير هذه المدركات.

وقلنا ذلك.

لأن الحي يجد من طريق الإدراك عند قطع بعض أعضائه ما لم يكن يجده ويفصل بين تألمه من ناحية ذلك العضو وبين غيره.

والإدراك يتعلق بأخص صفات المدرك ولا يجوز تعلقه بتفريق البنية لأن الأكوان غير مدركة بمحل الحياة ولا غيره والميل والنفور غير مدركين ولأن حال كل منهما يحصل للحي وهو غير آلم ولا ملتذ فثبت وجود معنى تعلق الإدراك به.

وليست هذه حاله عند إدراك الحرارة والطعم وغيرهما لأن الإدراك تعلق بجنس معلوم فلا حاجة بنا إلى إثبات غيره لما فيه من الجهالة.

وسمي هذا الذي المعنى ألما إذا أدركه الحي وهو نافر ويسمى لذة إذا أدركه وهو مشته.

والشهوة والنفار (١) معنيان مغايران للألم واللذة مختصان بالقديم تعالى.

والألم مقدور للمحدث ولا يصح منه إلا متولدا عن الوهي وتقع منه تعالى متولدا ومبتدأ كحصوله للمصدع والمنفرس.

وإذا ثبت أن الألم جنس الفعل بطل قول من زعم أنه قبيح لكونه ألما من حيث كان الشيء لم يقبح لجنسه لأن ذلك يقتضي اختصاص القبح بجنس معين أو يماثل سائر الأجناس لصحة الاشتراك في صفة القبح ويتعذر الجنس

__________________

(١) في النسخة : « والنفاق ».

١٣٣

في شيء من أعيان الجنس وإنما يقبح لوقوعه على وجه ولهذا يقبح بعض الأكوان ويحسن بعض.

والوجه الذي عليه يقبح الألم هو كونه ظلما بتعريه من نفع يوفى عليه ودفع ضرر هو أعظم منه واستحقاق وكونه مدافعة وكونه عبثا بتعريه من عوض مثله أو أنفع لا يحسن إيصاله (١) إلى المؤلم من دونه أو لدفع ضرر يندفع بغيره أو كونه استفسادا بأن يكون داعيا إلى قبيح أو صارفا عن حسن.

والوجه الذي عليه يحسن هو أن يكون فيه نفع أو دفع ضرر أعظم أو عن استحقاق أو مدافعة.

وقلنا بقبحه لتلك (٢) الوجوه وحسنه لهذه.

لحصول العلم الضروري لكل عاقل بذلك من غير نظر ولا تأمل ويقوم الظن في جميع ذلك مقام العلم لعلمنا باتباع الحسن والقبح له.

والوجه الذي يصح منه تعالى الإيلام أن يكون مستحقا أو لطفا وهذان الوجهان ثابتان فيما يفعله في الدنيا فأما ما يفعله تعالى في الآخرة فمختص بالاستحقاق لأن اللطف فيها غير متقدر.

وقلنا باختصاص إيلامه في الدنيا بالوجهين.

لأن الوجوه التي يقبح عليها الألم لا تصح منه تعالى لما بيناه من حكمته تعالى.

ولدفع الضرر قبيح منه وإن حسن منا على وجه لأن الإيلام لدفع الضرر لا يحسن إلا بحيث لا يندفع الأعظم إلا به.

يوضح ذلك أن كسر يد الغريق لتخليصه لا يحسن مع غلبة الظن

__________________

(١) في النسخة : « او انفع بحسن اتصاله ».

(٢) في النسخة : « لذلك ».

١٣٤

بخلاصه بمجرد الجذب ويحسن إذا غلب الظن أنه لا يتخلص إلا به والقديم تعالى قادر على دفع كل ضرر من غير إضرار فلا وجه له منه تعالى.

ولمجرد النفع لا يحسن لكونه عبثا لأن من استأجر غيره لنقل الرمل من جهة إلى أخرى لنفعه بالأجرة حسب يستحق الذم لكونه عبثا.

وإذا فعل سبحانه الألم لاعتبار (١) المفعول في المؤلم أو غيره فلا بد من عوض ينغمر في جنبه (٢) ليخرج به عن كونه ظلما ولهذا حسن ما يقع منه سبحانه من إيلام ولم يحسن ما يقع منا عريا من النفع ودفع الضرر والاستحقاق والمدافعة وهو الظلم وإن كان في مقابلته عوض لا بد من إيصاله إلى المظلوم.

ولا فرق في حسن الألم للطف بين أن يكون اللطف مختصا به أو مع مساواة النفع له في ذلك لأنه بالعوض المستحق عليه قد لحق بالنفع وزاد عليه فحاله تعالى في التخيير بينهما بخلاف حالنا لأنا لا نقدر ولا نعلم من الأعواض ما يحسن له الألم ولذلك لم يحسن منا الاستصلاح به بحيث يقوم النفع مقامه.

والوجه في حسن إيلام الأطفال كونه لطفا للعقلاء وفي البهائم كونه كذلك وللانتفاع به في الدنيا فيخرج ذلك عن حد العبث وعليه عوض يخرجه عن كونه ظلما.

وقلنا ذلك.

لأن إضافته إلى الطبائع أو الكواكب أو الظلمة أو الشيطان أو القديم تعالى على وجه يقبح ولا يصح (٣) على ما دللنا على فساده.

وكونه لذة معلوم ضرورة خلافه وكونه للاستحقاق يقتضي مصاحبة الذم

__________________

(١) في النسخة : « الاعتبار ».

(٢) في النسخة : « جنسه ».

(٣) في النسخة : « ولا يصحّ ».

١٣٥

له ومعلوم قبحه وتقدم (١) تكليف قبل زمانه وذلك يقتضي حصول الذكر له.

ولأن القائلين بذلك يبنونه على قبح الإيلام لغير الاستحقاق وقد بينا حصول العلم الضروري بحسنه للنفع ودفع الضرر والمدافعة.

ولأنه يوجب عليهم تقدم تكليف على تكليف إلى ما لا نهاية له أو الانتهاء إلى تكليف غير مستحق فيسقط معه مذهبهم ويقتضي كون التكليف عقابا وذلك محال.

وبهذا يسقط مذهب القائلين بالتناسخ ويسقطه أيضا قيام الدلالة على أن الحي هو الجملة دون بعضها أو غيرها واستحالة كون زيد قردا (٢) ـ وإنما كان يصح ذلك لو كان الحي غير الجملة وقد أفسدناه وإن كانوا لا يهتدون إلى هذا الذي لا يتقدر تناسخ من دونه ولأنه يقتضي تكميل عقل المنسوخ ليعلم كونه معدولا فيه معدنا والمعلوم ضرورة خلاف ذلك ولأنه كان يجب ذم كل مؤلم لكونه (٣) عقابا وإن كان نبيا أو صديقا.

واعتذارهم في عدم الذكر بالموت لا يغني سببا لأن فقد العلم في مدته لا يمنع عند الأحياء وإكمال العقل من الذكر بل يجب كالنوم وحال العقلاء في البعث ولأن الموت غير متقدر على مذاهبهم وإنما هو انتقال الروح أو الحي فإن فهموا مذهب القائلين به من جملة إلى جملة فعلى هذا ما حاله في التنقل في الهياكل إلا كالتنقل في الأماكن فكما يجب العلم بحمل أحوال المنتقل عن بلد إلى أخرى فكذلك يجب ما قلناه.

__________________

(١) في النسخة : « وبعدم ».

(٢) في النسخة : « فردا ».

(٣) في النسخة : لكنه لكونه ».

١٣٦

مسألة : [ في العوض ]

العوض هو النفع المستحق العري من تعظيم وتبجيل.

وليس بدائم لأنه لو كان من حقه الدوام لكان شرطا في حسنه وقد علمنا حسن الألم لنفع منقطع وجهة استحقاقه على المحدث كون ما يستحق به ظلما من فعله أو واقعا عند فعله كالآلام الواقعة من الكحل.

وهو على ضربين أحدهما يصح نقله كالأموال وما لا يصح ذلك فيه كالآلام والغموم على السب وفوت المنافع.

فعوض الأول يصح التخلص بإيصاله إلى مستحقه أو استحلاله لصحة قبضه واستيفائه والثاني يقف على الانتصاف منه تعالى في الآخرة لتعذر القبض فيه والاستيفاء.

وجهات استحقاق العوض عليه تعالى من وجوه أربعة.

أحدها لألم يفعله للطف به كالآلام المبتدأة في الأطفال والبالغين وما يفعله عند التعريض منا للحر والبرد لعلمنا بحسن ذلك ولو كان العوض على من طرح غيره في الثلج لكان قبيحا مع كونه فعلا له سبحانه وإنما يقبح التعريض.

وثانيها ما يفعل بأمره كالضحايا وحدود الامتحان.

وثالثها ما يفعل بإباحته كذبح الحيوان وركوب البهائم والحمل عليها واستخدام الرقيق.

ورابعها : ما يفعل بإلجائه.

وجهة استحقاق العوض من الوجه الأول قد بيناه ومن الوجوه الثلاثة علمنا بحسن ما يقع من الألم بأمره وإباحته وإلجائه فلو لا أنه سبحانه (١)

__________________

(١) في النسخة : « فلو لا أنه سبحنه أنه قد ».

١٣٧

تكفل بالعوض عنه لقبح (١) كسائر ما يفعله (٢) من الألم بغيرنا.

ويجوز تعجيل ما يمكن ذلك فيه في الدنيا لأنه لا صفة له يمنع من تعجيله وما لا تعجيل منه لا بد من فعله في الآخرة لمستحقه من العقلاء وغيرهم.

ولا يجوز في حكمته سبحانه تمكين غيره من الظلم إلا مع إمكان الانتصاف منه في حال الاستحقاق لأن تبقيته أو تكفل العوض عنه تفضل عليه يجوز منعه والانتصاف واجب ولا يجوز تعلقه به.

والصحيح حسن تمكين من علم أنه يستحق من الأعواض بمقدار ما يستحق عليه في المستقبل أو يتكفل القديم سبحانه عنه العوض لأن الانتصاف للمظلوم وإيصاله إلى ما يستحقه من الأعواض ممكن مع كل واحد من الأمرين كإمكانه مع ثبوت العوض في حال الظلم ولا مانع من قبح ولا غيره.

مسألة : [ في الآجال ]

الكلام في الآجال عبارة ومعنى :

فالعبارة الأجل وهو الوقت لأن أجل الدين وقت استحقاقه والوقت هو الحادث الذي تعلق به حدوث غيره إذا كان معلوما والموقت هو الحادث المتعلق بالوقت إذا لم يكن معلوما كطلوع الشمس هو وقت لقدوم زيد إذا كان المخاطب يعلم طلوعها لأنه حادث معلوم تعلق به حادث غير معلوم.

فإذا صح هذا فأجل الموت أو القتل وقت حدوثهما ولو جاز أن يطلق على حدوث موت أو قتل أجلان لجاز عليه أن يطلق عليه وقتان وتقدير بقائه لو لم يمت أو يقتل لا يجوز له أن يوصف بأن له أجلان لأن ما لم يحدث فيه موت ولا قتل لا يوصف بذلك بالتقدير كما لا يكون ما لم يقع فيه موت ولا قتل وقتا

__________________

(١) في النسخة : « ولقبح ».

(٢) في النسخة : « ما يفعله ».

١٣٨

للموت ولا قتل.

والمعنى : هل كان يجوز بقاء من مات أو قتل أكثر مما مضى أم لا وهذا ينقسم.

إن أريد كونه مقدورا فذلك صحيح لكونه سبحانه قادرا لنفسه فالامتناع منه كفر.

وإن أريد العلم بوقوعه وحصوله فمحال لأنه سبحانه عالم لنفسه فلو كان يعلم أن هذا الميت أو المقتول يعيش أكثر مما مضى لعاش إليه ولم يمت ولم يقتل في هذه الحال وفي اختصاص موته أو قتله بها دليل على أنه المعلوم الذي لا يتقدر غيره وكونه معلوما لا يوجب وقوعه ولا يحيل تعلق القدرة (١) بخلافه لأن العلم يتعلق بالشيء على ما هو به ولا يجعله كذلك لأنا نعلم جمادا وحيوانا ومؤمنا وكافرا فلا يجوز انقلاب ما علمناه وإن كنا لم نوجب شيئا منه.

مسألة : [ في الرزق ]

الرزق ما صح الانتفاع به ولم يكن لأحد المنع منه بدليل إطلاق هذه العبارة فيمن تكاملت له هذه الشروط.

والملك ما قدر الحي على التصرف فيه ولم يجز منعه بدليل صحة هذا الإطلاق على من تكاملت له هذه الصفات كمالك الدار والدراهم.

والحرام لا يكون رزقا لمن قبضه لأن الله تعالى أباح الانتفاع بالرزق بقوله تعالى ( كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) (٢) ومدح على الإنفاق منه فقال سبحانه ( وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ) (٣) ، وكونه حراما

__________________

(١) في النسخة : « للرزق ».

(٢) البقرة ٢ : ٦٠.

(٣) البقرة ٢ : ٣.

١٣٩

ينافي ذلك.

ولأنه لا يخلو أن يكون سمة الرزق مختصة بما ذكرناه أو بما يصح الانتفاع به فقط وكونها مختصة بما قلناه يمنع من وصف الحرام بالرزق واختصاصها بما يصح الانتفاع به يقتضي كون أموال الغير وأملاكهم وأزواجهم والخمر ولحم الخنزير أرزاقا لصحة الانتفاع بالجميع وذلك فاسد فثبت اختصاص سمته بما قلناه.

والرازق هو من فعل الرزق أو سببه أو مكن منه على جهة التفضل والقصد بدليل وصف من تكاملت هذه الشروط له رازقا ولا يوصف البائع ولا قاضي الدين ولا المورث بأنه رازق.

وإذا وجب هذا لجميع ما ينتفع به الحي منا من غير منع يوصف (١) بأنه تعالى الرازق له لأنه الموجد للأجسام وما فيها من أجناس الملذوذات والممكن من تناولها والمرغب في إيصالها والمبيح لها وإن وصل الحي إلى شيء منها بفعله أو من جهة غيره لاختصاص ذلك بما هو الخالق والمبيح والمقدر على تناوله وإيصاله والمرغب فيه وخالق الشهوة لمتناوله.

ويجوز وصف من أوصل إلى غيره تفضلا بأنه رازق له مجازا وقد وصفهم بذلك سبحانه فقال ( وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ ) (٢) ـ ولأنه قد تفضل بما يصح الانتفاع به وقد كان له أن لا يفعل ولهذا يستحق به الشكر.

مسألة : [ في الأسعار ]

الكلام في الأسعار عبارة ومعنى

__________________

(١) يوصف جواب وإذا.

(٢) سورة النساء ٤ : ٨.

١٤٠