جواهر الكلام - ج ٣٥

الشيخ محمّد حسن النّجفي

في كتاب الصوم (١) فلاحظ وتأمل ( و ) حينئذ فـ ( لو شرع في ذي الحجة ) وفاء لنذره المفروض ( لم يجز لأن التتابع ينقطع بالعيد ) كما هو واضح.

المسألة ( الثالثة : )

( إذا نذر أن يصوم أول يوم من شهر رمضان لم ينعقد نذره ) عند المرتضى والشيخ وأبي الصلاح وابن إدريس ( لأن صيامه مستحق بغير النذر ) فإيجابه بالنذر تحصيل للحاصل ، ولأنه على تقدير كونه يوما من رمضان قد استحق صيامه بالأصل ، ولا يمكن أن يقع فيه غيره.

( وفيه تردد ) عند المصنف مما عرفت ، ومن أن مقتضي التعليل الأول عدم صحة نذر كل واجب ، بل مقتضاه عدم صحة اليمين عليه أيضا ، وقد عرفت تواتر نصوص (٢) انعقاد اليمين على الواجب ، ومنها مضافا إلى عموم أدلة النذر (٣) يقوى الانعقاد ، وفاقا لأكثر المتأخرين ، وإيجاب صومه بأصل الشرع لا ينافي وجوبه من جهة أخرى ، وليس هذا صحة غير شهر رمضان ، بل هو من تعدد السبب في وجوبه الذي يمكن أن يراد لإفادة الانبعاث حذرا من الكفارة ، وحينئذ فيجوز ترامي النذر ، وتعدد الكفارة بتعدده ، كما أنه يجوز نذره واليمين عليه والعهد وغير ذلك مما يقتضي تأكيد وجوبه ، وربما فرع على ذلك دخول شهر رمضان في نذر صوم السنة ، والدهر مع الإطلاق ، وفيه أنه يمكن المنع للعرف لا لعدم صلاحية نذره ، والله العالم.

_________________

(١) راجع ج ١٧ ص ٨٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من كتاب الايمان.

(٣) سورة الحج : ٢٢ ـ الآية ٢٩. وسورة الإنسان : ٧٦ ـ الآية ٧ والوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٦ من كتاب الإيلاء والكفارات.

٤٤١

المسألة ( الرابعة )

لا خلاف بيننا بل ولا إشكال بل نصوصنا متواترة (١) في أن ( نذر المعصية لا ينعقد ، ولا تجب به كفارة ، كمن نذر أن يذبح آدميا أبا كان أو اما أو ولدا أو نسبيا أو أجنبيا وكذا لو نذر ليقتلن زيدا ) مثلا ( ظلما أو نذر أن يشرب خمرا أو يرتكب معصية ( محظورا خ ل ) أو يترك فرضا ، فكل ذلك ) وشبهه ( لغو لا ينعقد ) وفي خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نذر أن ينحر ولده ، فقال : ذلك من خطوات الشيطان » أي الذي أوقع في نفس بعض العامة ، فذهب إلى أن من نذر أن يذبح ولده فعليه شاة وإن نذر ذبح غيره من آبائه وأجداده وأمهاته فلا شي‌ء عليه ، وآخر منهم إلى أن عليه كفارة يمين ، وكذا في كل نذر معصية.

رووا عن ابن عباس أن عليه ذبح شاة (٣) وفي بعض النصوص من طرقنا موافقة لهم في ذلك ، ففي خبر السكوني (٤) عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليه‌السلام « أنه أتاه رجل فقال : إني نذرت أنحر ولدي عند مقام إبراهيم إن فعلت كذا وكذا ففعلته ، فقال علي عليه‌السلام : اذبح كبشا سمينا وتصدق بلحمه على المساكين » ولكن حمله الشيخ على الاستحباب.

( ولو نذر أن يطوف على أربع فقد مرت في باب الحج ) (٥) ( والأقرب أنه لا ينعقد ) كما عن ابن إدريس وغيره ، لأنه هيئة غير مشروعة ، ضرورة كون الثابت

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من كتاب النذر والعهد.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١.

(٣) سنن البيهقي ج ١٠ ص ٧٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ٢.

(٥) راجع ج ١٩ ص ٤٠١.

٤٤٢

قولا وفعلا الطواف مشيا ، وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) : « خذوا عني مناسككم ».

لكن روى النوفلي عن السكوني (٢) عن الصادق عليه‌السلام قال : « قال علي عليه‌السلام في امرأة نذرت أن تطوف على أربع ، قال : تطوف أسبوعا ليديها وأسبوعا لرجليها » ومثله روى أبو الجهم (٣) عنه عن علي عليه‌السلام ، بل عن الشيخ العمل بها في النهاية ، كما عن بعضهم الاختصاص بموردها ، وهو المرأة دون الرجل.

إلا أن ضعفها مع عدم الجابر يمنع من العمل بها في موردها فضلا عن غيره ، مضافا إلى مخالفتها للأصل من وجوب ما ينذره الناذر ولم يقصده ، ويمكن أن يكون وجهه أن الناذر قصد بذلك فعل طوافين ولكن بالهيئة المزبورة فأبطلها الشارع ، لعدم التعبد بها ، وبقي وجوب الطوافين أحدهما لليدين والآخر للرجلين ، كما أنه يمكن العمل بها على جهة الندب للتسامح فيه ، والله العالم.

المسألة ( الخامسة : )

( إذا عجز الناذر عما نذره ) لكونه في سنة معينة أو مطلقة وحصل اليأس ( سقط فرضه ) أداء وقضاء لقبح التكليف بما لا يطاق ، ول قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) « من نذر فبلغ جهده فلا شي‌ء عليه » وحينئذ ( فلو نذر الحج ) مثلا في سنة معينة ( فصد سقط النذر ، وكذا لو نذر صوما فعجز ، لكن روى في هذا ) محمد ابن منصور (٥) عن الرضا عليه‌السلام يتصدق عن كل يوم بمد من طعام.

_________________

(١) تيسير الوصول ج ١ ص ٣١٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧٠ ـ من أبواب الطواف الحديث ١ من كتاب الحج.

(٣) الوسائل الباب ـ ٧٠ ـ من أبواب الطواف الحديث ٢ من كتاب الحج.

(٤) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ٥ وفيه « من جعل لله شيئا فبلغ. ».

(٥) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث ٢ من كتاب الصوم.

٤٤٣

قال : « كان أبي يقول : على من عجز عن صوم نذر مكان كل يوم مد » ومثله رواية الكليني عن علي بن إدريس (١) وزاد فيها « من حنطة أو شعير » بل رجح الشهيد العمل بمضمونها إلا أنها غير جامعة لشرائط الحجية ، فحملها على الندب متجه.

ومثله أو أولى منه أن يعطي من يصوم عنه مدين ، لخبر إسحاق بن عمار (٢) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل يجعل عليه صياما في نذر ولا يقوى ، قال : يعطي من يصوم عنه كل يوم مدين ».

وعلى كل حال فما عن بعض من أنه يجب على العاجز عن الصوم المعين القضاء دون الكفارة ، أي الفدية وعن آخر العكس واضح الضعف ، وقد تقدم الكلام في ذلك في الكفارات (٣).

وكذا ينبغي أن يحمل على الندب خبر إبراهيم بن عبد الحميد (٤) عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : « سأله عباد بن عبد الله البصري عن رجل جعل لله نذرا على نفسه المشي إلى بيت الله الحرام ، فمشى نصف الطريق أو أقل أو أكثر ، قال : ينظر ما كان ينفق من ذلك الموضع فيتصدق به » بعد حمله على العجز واليأس من القدرة.

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث ١ من كتاب الصوم.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١.

(٣) راجع ج ٣٣ ص ١٩٩.

(٤) الوسائل‌الباب ـ ٢١ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ٢.

٤٤٤

المسألة ( السادسة : )

( العهد ) الذي في الأصل على ما قيل الاحتفاظ بالشي‌ء ومراعاته ( حكمه حكم اليمين ) كما في النافع والقواعد والإرشاد والمسالك ، فينعقد حينئذ على المباح المتساوي الطرفين ومن دون تعليق على شرط ، ولا يعتبر فيه القربة ولا غيرها مما اعتبر في النذر ، للعمومات الدالة على لزوم الوفاء به كتابا (١) وسنة (٢) من غير تقييد بما إذا كان متعلقة طاعة ومشروطا بناء على اعتباره في النذر ، بل في خبر ابن سنان (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل (٤) : « ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ، قال : العهود » وفي الدروس واللمعة والروضة ومحكي النهاية حكمه حكم النذر.

قال في الدروس : « تتمة : متعلق العهد كمتعلق النذر ، وأحكامه واردة فيه ، وصورته أن يقول : عاهدت الله أو علي عهد الله أن أفعل كذا معلقا أو مجردا ، ويشترط فيه ما يشترط في النذر ، والخلاف في انعقاده بالضمير كالنذر » لكن يسهل الخطب أن الشهيد جوز النذر على المباح ونذر التبرع ، نعم في كشف اللثام عن صريح المقنعة والمراسم والوسيلة وظاهر النهاية وجماعة اختصاصه بالراجح.

وعلى كل حال فحجتهم على ذلك أصل البراءة في غير محل الاتفاق ، وهو مقطوع بما سمعت من العمومات وما يشعر به خبر أبي بصير (٥) عن أحدهما عليهما‌السلام « من جعل عليه عهد الله وميثاقه في أمر الله طاعة فحنث فعليه عتق رقبة أو صيام

_________________

(١) سورة النحل : ١٦ ـ الآية ٩١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من كتاب النذر والعهد.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ـ ٣.

(٤) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٢ من كتاب الإيلاء والكفارات.

٤٤٥

شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا » من حيث جعل مورده الطاعة ، وهي مورد النذر ، ومن حيث ذكر كفارته كفارة النذر على الأصح ، ك خبر أحمد بن محمد بن عيسى (١) المروي عن نوادره عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام « في رجل عاهد الله عند الحجر أن لا يقرب محرما أبدا ، فلما رجع عاد إلى المحرم فقال أبو جعفر عليه‌السلام : يعتق أو يتصدق على ستين مسكينا ، وما ترك من الأمر أعظم ، ويستغفر الله ويتوب إليه ».

بل قد يشعر خبر علي السابي (٢) بمساواة العهد للنذر « قلت : لأبي الحسن عليه‌السلام : جعلت فداك إني كنت أتزوج المتعة فكرهتها وتشأمت منها ، فأعطيت لله عهدا بين الركن والمقام ، وجعلت على ذلك نذرا وصياما أن لا أتزوجها ، ثم إن ذلك شق على وقدمت على يميني ، ولم يكن بيدي من القوة ما أتزوج به في العلانية ، فقال : عاهدت الله أن لا تطيعه ، والله لئن لم تطعه لتعصينه ».

ونوقش بأن ذلك لا يدل على عدم انعقاده لو كان مورده غير طاعة ، وبأنه معارض بـ خبر علي بن جعفر (٣) عن أخيه عليه‌السلام « سألته عن رجل عاهد الله في غير معصية ما عليه إن لم يف بعهده؟ قال : يعتق رقبة أو يتصدق بصدقة أو يصوم شهرين متتابعين » حيث علق الكفارة على العهد في غير المعصية الشامل للمباح الذي هو مورد اليمين ، ولا يقدح شموله للمكروه وخلاف المندوب وخلاف الأولى بعد خروجه بالإجماع المحكي في المسالك ، وبأن ذلك غير صالح لتخصيص العمومات سيما مع قصور سند الأول.

وعلى كل حال ففي الرياض تظهر ثمرة الخلاف فيما مر وفي توقفه على إذن من يعتبر إذنه على القول الأول دون الثاني إن قلنا بعدم توقف النذر على

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب المتعة الحديث ١ من كتاب النكاح.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١ من كتاب الإيلاء والكفارات.

٤٤٦

إذنهم ، وإلا فلا ثمرة هنا ، كما لا ثمرة فيما مر من المقامين أيضا إن قلنا بانعقاد النذر في المباح المتساوي الطرفين والمتبرع به الغير المعلق على شرط ، كما هو الأظهر ، ولكن الأولان خلافه فيتحقق فيهما الثمرة ».

قلت : التحقيق في الثمرة أنه لا دلالة في شي‌ء من النصوص على مساواة العهد لليمين أو النذر كي يقال بقول مطلق إن حكمه حكمه وشرطه ومورده مورده ، فالمتجه إثبات أي حكم وافق العمومات له من غير فرق بين النذر واليمين.

وأما الكفارة فالمتجه كونها كبرى مخيرة لخبر أبي بصير (١) المزبور ، إذ لا معارض لذلك سوى إطلاق الصدقة في خبر علي بن جعفر (٢) الذي يمكن حمله على إرادة الصدقة على ستين ، ولا يلزم من ذلك كون حكمه حكم النذر مطلقا ، كما أنه لا يلزم من عدم اشتراط كون متعلقة طاعة مثلا للعمومات مساواته لليمين حتى في الكفارة التي لا دليل عليها فيه ، كالقول بأنها كفارة ظهار كما عن المفيد ، وكذا دعوى اعتبار الاذن في الولد والزوجة والسيد ، بناء على أن ذلك حكم اليمين ، إذ العمومات قاضية بخلافه حتى لو قلنا باشتراك النذر معه في ذلك أو غير ذلك ، كما عرفت الكلام فيه سابقا ، بل لا دليل على انحصار أمره فيهما ، إذ يمكن أن يكون قسما ثالثا يوافق كلا منهما في حكم.

( و ) كيف كان ففي المتن تفريعا على حكم كونه حكم اليمين فـ ( صورته أن يقول : عاهدت الله أو علي عهد الله أنه متى كان كذا فعلي كذا ) مع أنك قد عرفت أن مقتضى العمومات كتابا وسنة صحته مع التبرع ، بل عن الخلاف الإجماع عليه ، فيوافق اليمين حينئذ بالنسبة إلى ذلك ، فهو المناسب لتفريعه على مساواته لليمين ، لا خصوص المعلق.

وعلى كل حال ( فـ ) لا إشكال ولا خلاف في أنه ( إن كان ما عاهد عليه )

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٢ من كتاب الإيلاء والكفارات.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١ من كتاب الإيلاء والكفارات.

٤٤٧

( واجبا أو مندوبا أو ترك مكروه أو اجتناب محرم لزم ) للعمومات وإن قلنا بعدم انعقاد النذر على واجب.

( ولو كان بالعكس لم يلزم ) وإن كان فعل مكروه أو ترك مندوب ، وربما يرشد إليه ما سمعته من خبر المتعة (١) الذي مضمونه عدم المستحب مضافا إلى ما عساه يظهر من غير واحد من الإجماع على عدم خروج مورده عن النذر واليمين ، وهما معا لا ينعقدان على ذلك ، ( و ) إلى عموم قوله (٢) « كل ما كان لك فيه منفعة في دين أو دنيا فلا حنث فيه ».

نعم ( لو عاهد على مباح لزم ) أيضا ( كاليمين ) للعمومات والخبر المزبور (٣) أو دعوى كونه كالنذر في اعتبار كون مورده طاعة خالية عن الدليل المعتد به. ( و ) كذا يظهر منهم الإجماع أيضا على أنه ( لو كان ) ما عاهد على تركه ( فعله أولى ) من ذلك ولو من جهة الدنيا ( أو ) كان ما عاهد على تركه ( فعله أولى ) من ذلك ولو من جهة الدنيا ( أو ) كان ما عاهد على فعله ( تركه ) أولى ( فليفعل الأولى ولا كفارة ) عليه عندنا ، كما عن التبيان ، لعدم انعقاده لو كان كذلك ابتداء ، وانحلاله لو عرض ذلك في الأثناء ، والله العالم.

( وكفارة المخالفة في العهد كفارة يمين ، وفي رواية ) أبي بصير (٤) ( كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان ، وهي الأشهر ) كما سمعت الكلام فيه سابقا (٥).

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب المتعة الحديث ١ من كتاب النكاح.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١ من كتاب الإيلاء والكفارات.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٢ من كتاب الإيلاء والكفارات.

(٥) راجع ج ٣٣ ص ١٧٤.

٤٤٨

المسألة ( السابعة )

لا خلاف ولا إشكال في أن ( النذر والعهد ينعقدان بالنطق ) بل الإجماع بقسميه عليه ، والنصوص (١) كادت تكون متواترة فيه.

( وهل ينعقدان بـ ) إنشائهما في ( الضمير والاعتقاد ) من دون ذكر الصيغة الدالة على ذلك؟ ( قال بعض الأصحاب ) وهو الشيخان والقاضي وابن حمزة على ما حكى عنهم ( نعم ) للأصل ، ولا أصل له ، وعموم الأدلة ، وهو فرع الصدق لغة وعرفا وليس ، ولا أقل من أن يكون مشكوكا ، ولأنهما عبادة والأصل فيهما الاعتقاد والضمير ، ول قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) « إنما الأعمال بالنيات » و « إنما » للحصر والباء للسببية ، وذلك يدل على حصر العمل في النية ولا يتوقف على غيرها وإلا لزم جعل ما ليس بسبب سببا ، ولأن الغرض من اللفظ إعلام الغير ما في الضمير والاستدلال به على القصد ، والله تعالى عالم بالسرائر ، ولقوله تعالى (٣) ( إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ ).

ومن الغريب توقف الفاضل وغيره في القولين مع أن أدلة هذا القول كما ترى ، ضرورة أن كونهما عبادة أعم من الاكتفاء فيها بالاعتقاد ، إذ قد تكون لفظية كالقراءة والذكر ، وقد تكون بدنية كالركوع والسجود وأفعال الحج ، وقد تكون مالية كالزكاة والخمس.

واعتبار النية التي هي القصد القلبي فيها لا يقتضي الاجتزاء بذلك ، وأقصى ما يدل عليه الخبر (٤) المزبور اعتبار النية في العمل ، وأنه بدونها لا أثر له ، لا أن

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ وغيره ـ من كتاب النذر والعهد.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب مقدمة العبادات الحديث ١٠.

(٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٨٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب مقدمة العبادات الحديث ١٠.

٤٤٩

العمل هي ، ضرورة كون الواقع خلافه ، وحينئذ فهو دال على مغايرة النية للعمل.

وكون الباء للسببية لا يدل على أزيد مما ذكرناه من اشتراط النية في صحة العمل شرعا ، بل كونها سببا في ذلك مبالغة في شدة اعتبارها ، على أن السبب قد يكون تاما وقد يكون ناقصا ، ومطلقه أعم من التام ، بل الواقع في الأعمال المعتبرة شرعا ذلك ، لأن النية لا تكفي في صحتها من غير انضمام باقي ما يعتبر فيها.

ودعوى انحصار الغرض من اللفظ في الإعلام ممنوعة ، إذ يمكن التعبد بذلك ، بل هو مقتضي قوله عليه‌السلام (١) : « إنما يحرم الكلام ويحلل الكلام »

والآية (٢) لا دلالة فيها على الانعقاد بالنية.

كل ذلك مضافا إلى النصوص المستفيضة (٣) الدالة على أن النذر ليس بشي‌ء حتى يقول كذا ، وفيها الصحيح وغيره ، وإن نوقش في الاستدلال بها باحتمال كون المراد بها اشتراط قصد القربة خاصة لا اشتراط الصيغة ، بل قد يظهر ذلك من سياقها ، وإنما ذكر التلفظ والتسمية تبعا للنذور الغالبة ، إلا أنه كما ترى لا ينافي ظهورها في اعتبار القول.

( و ) لعله لذا وغيره قال المصنف وفاقا للمحكي عن الإسكافي وابن إدريس وأكثر المتأخرين ( الوجه أنهما لا ينعقدان إلا بالنطق ) مضافا إلى أصالة عدم ترتب حكمهما على غير ذلك ، وكونهما من الأسباب التي لا يكفي فيها مجرد القصد وغير ذلك ، وهو الأقوى.

نعم لو قيل بصدق العهد لغة وشرعا وعرفا على الإنشاء الضميري قوي القول بالانعقاد للعمومات ، ولعله لذا قواه في كشف اللثام فارقا بينه وبين النذر باعتبار

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام العقود الحديث ٤ من كتاب التجارة وفيه « انما يحل الكلام ويحرم الكلام ».

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٨٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب النذر والعهد.

وبهذا أكملنا تعاليقنا على الجزء ٣٥ من جواهر الكلام بجوار مولانا أمير المؤمنين

٤٥٠

كون النذر في الأصل الوعد ، وهو لفظي بخلاف العهد ، والله العالم.

( تم قسم الإيقاعات ) والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله على محمد وأهل بيته الطاهرين.

_________________

على بن أبى طالب عليه أفضل الصلاة والسلام في يوم بعثة سيد الكونين خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وعلى عترته الطيبين الطاهرين ونسأل الله العلى القدير التوفيق لإتمام تحقيق هذه الموسوعة الفقهية الكبيرة انه سميع مجيب.

محمود القوچاني

النجف الأشرف ـ ٢٧ ـ رجب المرجب ـ ١٣٩٦

وتم تصحيحه وترتيبه وتهذيبه

في اليوم العاشر من شهر شوال سنة

ـ ١٣٩٨ ـ وبتمامه تم المجلد الخامس

من الطبعات السابقة ، والحمد لله أولا

وآخرا ، وذلك بيد العبد :

السيد إبراهيم الميانجى

عفى عنه وعن والديه

٤٥١

فهرس الجزء ٣٥ من كتاب

جواهر الكلام

( كتاب الإقرار )

العنوان

الصفحة

العنوان

الصفحة

في تعريف الاقرار في أصل مشروعيته

٢

مكلفا حرا مختارا جائز التصرف

١٠٣

في صيغة الاقرار

٥

في المقر له وشرائطه

١٢٠

في الأقارير المبهمة

٣٢

في تعقيب الاقرار بالاقرار

١٣٠

في الاقرار المستفاد من الجواب

٧٩

في تعقيب الاقرار بما يقتضى ظاهره الابطال

١٤٢

في صيغ الاستثناء

٨٥

في الاقرار بالنسب

١٥٣

في المقر وشرائطه من كونه

٤٥٢

العنوان

الصفحة

العنوان

الصفحة

كتاب الجعالة

في مسائل التنازع

٢١٤

في معنى الجعالة وفي أصل مشروعيتها

١٨٧

كتاب الأيمان

في ايجاب الجعالة وأنها تصح على كل عمل مقصود محلل

١٨٩

في معنى اليمين وأنه على أقسام

٢٢٣

في عوض الجعالة

١٩٣

فيما به تنعقد اليمين

٢٢٦

فيما يعتبر في الجاعل وما يعتبر في العامل

١٩٦

في الحالف وشرائطه من البلوغ والعقل والاختيار والقصد

٢٥٤

الجعالة جائزة قبل التلبس

١٩٨

في متعلق اليمين وفيه مطالب الأول

٢٦٤

فيما لو عقب الجعالة على عمل معين بأخرى وزاد في العوض

٢٠٢

المطلب الثاني ـ في الايمان المتعلقة بالمأكل والمشرب

٢٧٩

في أحكام الجعالة وهي مسائل

٢٠٥

المطلب الثالث ـ في المسائل المختصة بالبيت والدار

٣٠١

الأولى ـ لا يستحق العامل الأجرة إلا إذا بذلها الجاعل أولا

٢٠٥

المطلب الرابع ـ في مسائل العقود وفي تعريف العقد وأنه اسلم للايجاب والقبول

٣١٤

الثانية ـ إذا بذل الجاعل جعلا

٢٠٥

المطلب الخامس ـ في مسائل متفرقة

٣٢٢

الثالثة ـ إذا قال من رد عبدي فله دينار فرده جماعة

٢٠٩

فروع

٢١٠

٤٥٣

العنوان

الصفحة

العنوان

الصفحة

في اللواحق وفيها مسائل

٣٤٠

كتاب النذر

الأولى ـ الأيمان الصادقة كلها مكروهة وتتأكد الكراهة في الغموس

٣٤٠

في معنى النذر وفي أصل مشروعيته

٣٥٦

الثانية ـ اليمين بالبراءة من الله سبحانه أو من رسوله صلى الله عليه وآله لا تنعقد

٣٤٥

في الناذر وشروطه من البلوغ والعقل والاسلام وغيرها

٣٥٦

الثالثة ـ لا يجب التكفير إلا بعد الحنث

٣٤٧

في صيغة النذر

٣٦٤

الرابعة ـ لو أعطى الكفارة الكافر أو من تجب عليه نفقته

٣٤٨

في متعلق النذر وضابطه أن يكون طاعة مقدورا للناذر

٣٧٧

الخامسة ـ ولا يجزئ في التكفير بالكسوة إلا ما يسمى ثوبا

٣٤٩

فيما إذا كان متعلق النذر حجا

٣٨٣

السادسة ـ إذا مات وعليه كفارة مرتبة ولم يوص

٣٤٩

في فروع متفرقة فيما إذا كان متعلق النذر حجا

٣٨٧

السابعة ـ إذا انعقدت يمين العبد ثم حنث وهو رق

٣٥١

في مسائل الصوم ( أي فيما كان متعلق النذر صوما )

٣٩٣

الثامنة ـ لا تنعقد يمين العبد بغير اذن المولى

٣٥٣

في مسائل الصلاة ( أي فيما كان متعلق النذر صلاتا )

٤٠٣

التاسعة ـ إذا حنث العبد بعد الحرية كفر كالحر

٣٥٥

في مسائل العتق ( أي فيما كان متعلق النذر عتقا )

٤١٠

في مسائل الصدقة ( أي فيما كان متعلق النذر صدقة )

٤١٤

٤٥٤

العنوان

الصفحة

العنوان

الصفحة

في مسائل الهدي ( أي فيما كان متعلق النذر هديا )

٤٢٤

ولا تجب به كفارة

٤٤٢

في اللواحق وفيها مسائل الأولى ـ يلزم بمخالفة النذر المنعقد كفارة

٤٣٣

الخامسة ـ إذا عجز الناذر عما نذره

٤٤٣

الثانية إذا نذر صوم سنة

٤٣٣

السادسة ـ في العهد وأحكامه

٤٤٥

الثالثة إذا نذر أن يصوم أول يوم من شهر رمضان

٤٤١

السابعة ـ في أن النذر والعهد هل ينعقدان بالضمير والاعتقاد أم لا بد فيهما من النطق

٤٤٩

الرابعة ـ نذر المعصية لا ينعقد

الفهرس

٤٥٢

٤٥٥