جواهر الكلام - ج ٣٥

الشيخ محمّد حسن النّجفي

له حق المطالبة.

وفي شرح الصيمري بعد أن اختار ما سمعته من الشهيد قال : « إلا مع الامتناع لا يجوز حبسه ولا مقاصته ، لإباحة التأخير له » وفيه أنه مناف لجواز مطالبته به ، على أنه يمكن فرض النذر مضيقا فتأمل. وكيف كان فيجوز التوكيل في دفعه وقبضه.

ولو عين شاة فنمت تفرع النماء على التمليك أو التصدق ، فيملكه المنذور له إن قلنا بالتملك القهري.

وإن قال : « أن أتصدق » وفي الدروس في ملكه هنا تردد من إجراء مأخذ الأسباب مجرى وقوع المسبب أم لا ، ولو جعل المال صدقة بالنذر ففي خروجه عن ملكه تردد من إجرائه مجرى الوقف العام أم لا ، وقطع الفاضل بالخروج.

وفيه أنه لا وجه لدخوله في الملك مع فرض كون النذر « أتصدق » كما أنه لا وجه لعدم كونه ملكا لو نذره صدقة وقلنا بصحته.

ولو نذر صرف زكاة أو خمس على معين لزم إن لم يناف التعجيل المأمور به ، بل في الدروس « ولو نافى الأفضلية كالبسط وإعطاء الرحم والأفقه والأعدل ففيه نظر أقربه مراعاة النذر ـ ثم قال ـ : ولو خرج المعين عن الاستحقاق بطل ، فلو عاد إلى الاستحقاق فالأقرب عود النذر ما لم يكن قد أخرجه » ولا يخلو من نظر ، والله العالم.

( ومن نذر أن يتصدق بجميع ما يملكه لزمه النذر ) مع فرض عدم ما يقتضي زوال الرجحان المعتبر في انعقاد النذر وإلا انعقد فيما لم يكن فيه ذلك دونه ، لما عرفته مكررا من الصحة في مثل ذلك وإن قلنا بكراهة الصدقة بجميع المال ، إلا أنه مكروه العبادة الذي قد عرفت انعقاد نذره.

نعم في المتن وغيره ( فان ) نذر كذلك و ( خاف الضرر قوم ماله وتصدق أولا فأولا حتى يعلم أنه قام بقدر ما لزم ) بالنذر نظرا إلى صحيح محمد بن يحيى

٤٢١

الخثعمي (١) قال : « كنا عند أبي عبد الله عليه‌السلام جماعة إذ دخل عليه رجل من موالي أبي جعفر عليه‌السلام فسلم عليه ثم جلس وبكى ، ثم قال : جعلت فداك إني كنت أعطيت لله عهدا إن عافاني الله من شي‌ء كنت أخافه على نفسي أن أتصدق بجميع ما أملك ، وإن الله عز وجل عافاني منه ، وقد حولت عيالي من منزلي إلى قبة في خراب الأنصار ، وقد حملت كل ما أملك فأنا بائع داري وجميع ما أملك وأتصدق به ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : انطلق وقوم منزلك وجميع متاعك وما تملك بقيمة عادلة ، فاعرف ذلك ، ثم اعمد إلى صحيفة بيضاء فاكتب فيها جملة ما قومته ، ثم انطلق إلى أوثق الناس في نفسك فادفع إليه الصحيفة وأوصه ومره إن حدث بك حدث الموت أن يبيع منزلك وجميع ما تملك فيتصدق به عنك ، ثم ارجع إلى منزلك وقم في مالك على ما كنت فيه ، فكل أنت وعيالك مثل ما كنت تأكل ، ثم انظر إلى كل شي‌ء تصدق به عما يستقبل عليك من صدقة أو صلة قرابة أو في وجوه البر فاكتب ذلك كله وأحصه ، فإذا كان رأس السنة فانطلق إلى الرجل الذي أوصيت إليه ، فمره أن يخرج إليك الصحيفة ، ثم اكتب فيها جملة ما تصدقت وأخرجت من صلة قرابة أو بر في تلك السنة ، ثم افعل مثل ذلك في كل سنة حتى تفي لله بجميع ما نذرت فيه ، ويبقى لك منزلك ومالك إنشاء الله ، قال : فقال الرجل : فرجت عني يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جعلني الله فداك ».

وقد اعترف في المسالك بتلقي الأصحاب له بالقبول ، وكان مخالفته لضوابط النذر أولا بالصدقة بالقيمة عن منذور العين ، وثانيا بعدم وجوب تعجيل الصدقة بما لا يضر به من المال ، وثالثا بعدم بطلان النذر فيما يضر به من الصدقة منه.

ويمكن دفع الأخير بأنه لا وجه للبطلان بعد إمكان دفع الضرر بالطريق الخاص ، فيبقى حينئذ ما دل على وجوب الوفاء بالنذر (٢) مؤيدا بالصحيح المزبور

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١.

(٢) سورة الحج : ٢٢ ـ الآية ٢٩ وسورة الإنسان : ٧٦ ـ الآية ٧ والوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٦ من كتاب الإيلاء والكفارات.

٤٢٢

بلا معارض ، بل والثاني بعدم ما يدل على وجوب التعجيل ، لما عرفت أن الأمر بالوفاء للطبيعة التي لا يقتضي فورا ولا تراخيا لأصالة براءة الذمة من التعجيل بحالها ، بل والأول بناء على إجزاء القيمة في مثله ، ولو لأن مقصوده الصدقة بذلك من حيث قدره لا من حيث عينه ، ولعله لذا تلقاه الأصحاب بالقبول لعدم مخالفته للقواعد بوجه.

ومنه يعلم النظر فيما في المسالك من أنه يبقى الكلام فيما خرج عن النص ، كما لو لم يكن نذر الصدقة بجميع ماله بل ببعضه ، وإن كان الأولى خلافه ، والضرر يندفع بتقويمه ، فهل يعمل به كما في الرواية أم يبطل النذر؟ وجهان من مشاركته للمنصوص في المقتضي ، وكون كل فرد من أفراد ماله على تقدير نذر الجميع منذور الصدقة ، ولم ينظر إلى آحاده ، وإنما نظر إلى المجموع ورجع فيه إلى التقويم ، ومن خروجه عن الأصل ، فيقتصر فيه على مورده ، ولا يلزم من الحكم في الجميع الحكم في الأبعاض ، لأنهما غيران ، وهذا أجود ، إذ قد عرفت أن الأول أجود لا الثاني ، والله العالم.

( ومن نذر أن يخرج شيئا من ماله في سبيل الخير تصدق به على فقراء المؤمنين أو في حج أو في زيارة أو في شي‌ء من مصالح المسلمين ) لأن السبيل الطريق ، فالمراد ما كان وصلة إلى الخير والثواب وطريقا إليه من جميع أنواع القرب ، وعن الشيخ أنه حصر سبيل الخير في الفقراء والمساكين وابن السبيل والغارمين لمصلحة والمكاتبين ، وجعل سبيل الثواب الفقراء والمساكين ويبدأ بأقاربه ، وسبيل الله الغزاة والحج والعمرة ، لكنه كما ترى لا دليل عليه ، بل العرف شاهد بخلافه إلا أن يقصد الناذر ، والله العالم.

٤٢٣

( مسائل الهدى : )

( إذا نذر أن يهدي بدنة ) مثلا إلى مكة أو منى لزم بلا خلاف ولا إشكال ، بل في المسالك الإجماع عليه.

وإن لم يعين أحدهما ( انصرف الإطلاق إلى الكعبة ، لأنه الاستعمال الظاهر في عرف الشرع ) ولأنها محله شرعا ، قال الله تعالى (١) ( ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) وقال (٢) ( هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ ) ول قول الصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبي (٣) : « إنما الهدي ما جعل لله هديا للكعبة » ولكن في صحيح ابن مسلم (٤) عن الباقر عليه‌السلام « في رجل قال عليه بدنة ولم يسم أين ينحر؟ قال : إنما المنحر بمنى ، يقسمونها بين المساكين ».

إلا أنه في المسالك « عمل الأصحاب على الأول ما لم يسم منى ولو بالقصد ، فينصرف إليها وإلا فلا ، والرواية باشتراك محمد لا تصلح معارضا وصحتها إضافية » قلت : قد يقال إنه لأعرف في زماننا لمثل الفرض يقتضي كون المراد الكعبة ، فلا يبعد العمل بالنص بالنسبة إلى ذلك.

( و ) على كل حال فلا إشكال في أنه ( لو نوى منى لزم ) إنما الكلام مع الإطلاق.

( ولو نذر الهدي إلى غير الموضعين لم ينعقد ، لأنه ليس بطاعة ) وقد عرفت اعتبار ذلك في الانعقاد ، ضرورة عدم مشروعية الهدي في غيرهما وإن استحب أصل الذبح ، ولعل هذا غير ما يأتي للمصنف من انعقاد نذر نحر الهدي في غيرهما.

_________________

(١) سورة الحج : ٢٢ ـ الآية ٣٣.

(٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٩٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١.

٤٢٤

وفي الدروس « ولو نوى غيرهما وقصد الصدقة أو الاهداء للمؤمنين صح ، وإن قصد الاهداء للبقعة بطل ، وإن قصد مجرد الذبح فيها فهو من المباح ، وأطلق في المبسوط بطلان النذر ، وفي الخلاف الصحة وأوجب التفرقة بها ، وفي رواية محمد (١) السالفة « إذا سمى مكانا فلينحر فيه ».

قلت : ستعرف تمام الكلام في المسألة ، وإنما المراد عدم مشروعية الهدي لغيرهما إلا أن يكون بمعنى الاهداء أو الصدقة كما أومى إليه الشهيد في أول الكلام ، والله العالم.

( ولو نذر أن يهدي واقتصر انصرف الإطلاق عرفا في الهدي إلى النعم ) لأن الهدي شرعا عبارة عن ذلك ، بل عن الخلاف الإجماع عليه ( و ) لكن ( له أن يهدي أقل ما يسمى من النعم هديا ) وإن لم يكن جامعا لشرائط الهدي الذي هو نسك ، فهو هدي غير الهدي المعروف في الحج.

( وقيل ) والقائل الشيخ في أحد قوليه ( كان له أن يهدي ) كل ما يتمول ( وإن كان بيضة ) أو تمرة ، لأن اسم الهدي يقع على الجميع ، فيقال :

أهدى بيضة وتمرة ، وقال الله تعالى (٢) ( يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ ) وقد يحكمان بقيمة عصفور أو جرادة ، وفي الحديث (٣) « من راح في الساعة الخامسة فكأنما أهدى بيضة ».

وفيه أنه مناف للمنساق من الإطلاق ، بل ول قول الصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبي (٤) وسئل عن الرجل يقول أنا أهدي هذا الطعام : « ليس بشي‌ء ، إن الطعام لا يهدى » وقال عليه‌السلام أيضا في خبر أبي بصير (٥) : « فان قال الرجل أنا

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١.

(٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٩٥.

(٣) سنن البيهقي ج ٣ ص ٢٢٦ وفيه « قرب بيضة ».

(٤) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ٣.

٤٢٥

أهدي هذا الطعام فليس هذا بشي‌ء ، إنما تهدى البدن » وفي صحيح الحلبي (١) عن الصادق عليه‌السلام « سئل عمن يقول للجزور بعد ما نحره هذا هدي لبيت الله ، فقال عليه‌السلام : إنما تهدي البدن وهن أحياء ، وليست تهدى حين صارت لحما » إلى غير ذلك من الأخبار.

بل ظاهرها عدم الفرق بين أن يقول : « علي أن أهدى » أو « أهدي هديا » أو « أهدي الهدى » وعن الشافعي الموافقة في الأخير دون غيره ، بل ظاهرها عدم إجزاء غير النعم أو غير البدن حتى مع التصريح بإهداء الطعام ونحوه فضلا عن الإطلاق ، ولعل المراد أنه الهدي المعتبر شرعا لا مطلق الاهداء ، والحصر في البدن في الأخير إضافي.

( و ) على كل حال ( قيل : يلزمه ما يجزئ في الأضحية ) من النعم ، فيعتبر السن حينئذ وغيره مما يعتبر فيها ، فلا يجزئ المسمى من النعم ، بل في المسالك « المشهور في المسألة أن من قال بوجوب الهدي من النعم اعتبر فيه شروط الأضحية وجعله مقابلا للقول الثاني لا غير » وحينئذ فقول المصنف ( والأول أشبه ) ليس قولا لأحد إلا أنك قد عرفت وجهه وإن كان الأوجه خلافه للانسياق ولظاهر النصوص ، والله العالم.

( ولو نذر أن يهدي إلى بيت الله سبحانه غير النعم قيل : يبطل النذر ) كما في محكي السرائر والجامع والإصباح وغيرها ، وفي كشف اللثام هو اختيار الحسن والقاضي وأبي علي ، لاختصاص مشروعية الهدي بالنعم ، فلا يتعلق النذر بغيره.

( وقيل ) كما عن المبسوط ( يباع ذلك ويصرف في مصالح البيت ) وعن الفاضل اختياره في المختلف ، لأنه قربة وطاعة ولو لاندراجه في الصدقات ونحوها لا في اسم الهدي.

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١.

٤٢٦

وفي صحيح علي بن جعفر (١) « سأل أخاه عليه‌السلام عن رجل جعل جارية هديا للكعبة كيف يصنع؟ قال : إن أبي أتاه رجل جعل جاريته هديا للكعبة فقال له : مر مناديا يقوم على الحجر فينادي ألا من قصرت به نفقته أو قطع به أو نفد طعامه فليأت فلان بن فلان ، وأمره أن يعطي أولا فأولا حتى يتصدق بثمن الجارية ».

وفي خبر أبي بكر الحضرمي (٢) عن الصادق عليه‌السلام قال : « جاء رجل إلى أبي جعفر عليه‌السلام قال : إني أهديت جارية إلى الكعبة ، فأعطيت بها خمسمائة دينار ، فما ترى؟ قال : بعها ثم خذ ثمنها ، ثم قم على هذا الحائط حائط الحجر ، ثم ناد ، وأعط كل منقطع وكل محتاج من الحاج ».

وفي خبر آخر لعلي بن جعفر (٣) سأل أخاه عليه‌السلام « عن الرجل يقول هو يهدى إلى الكعبة كذا وكذا ما عليه إذا كان لا يقدر على ما يهديه؟ قال : إن كان جعله نذرا ولا يملكه فلا شي‌ء عليه ، وإن كان مما يملك غلام أو جارية أو شبهه باعه واشترى بثمنه طيبا فيطيب به الكعبة ، وإن كانت دابة فليس عليه شي‌ء ».

وفي المروي عن قرب الاسناد (٤) عنه أيضا أنه سأل أخاه عليه‌السلام « عن رجل جعل ثمن جاريته هديا للكعبة فقال : مر مناديا يقوم على الحجر فينادي ألا من قصرت نفقته أو قطع به أو نفد طعامه فليأت فلان بن فلان وأمره أن يعطي أولا فأولا

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب مقدمات الطواف الحديث ٧ من كتاب الحج.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب مقدمات الطواف الحديث ٨ من كتاب الحج عن أبى الحر عن أبى عبد الله عليه‌السلام.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب مقدمات الطواف الحديث ٢ من كتاب الحج.

٤٢٧

حتى ينفد ثمن الجارية ».

وفي خبر ياسين (١) « أن قوما أقبلوا من مصر فمات منهم رجل فأوصى بألف درهم للكعبة ، فسئل الباقر عليه‌السلام ، فقال : إن الكعبة غنية ، انظر إلى من أم هذا البيت فقطع به أو ذهبت نفقته أو ضلت راحلته أو عجز أن يرجع إلى أهله فادفعها إلى هؤلاء الذين سميت » بناء على أن الوصية لها كالنذر لها ، وحينئذ فيستفاد منه نذر غير الثلاثة وغير النعم ، بل قد يستفاد ذلك من الخبر الأخير لعلي بن جعفر وإن أخرج الدابة منه مع أن الدابة أحد الثلاثة التي يظهر من المصنف وغيره كون الخلاف في غيرها.

قال ( أما لو نذر أن يهدي عبده أو جاريته أو دابته بيع ذلك وصرف ثمنه في مصالح البيت أو المشهد الذي نذر له وفي معونة الحاج والزائرين ) وعن السرائر نسبته إلى الرواية إلى أن قال : « أو الزائرين الذين خرجوا للسفر وتناولهم اسم الحاج والزائرين ، ولا يجوز لأحد أن يعطي شيئا من ذلك لأحد منهم قبل خروجهم إلى السفر » مع أنه قال فيها : « فان قال : متى كان كذا فلله علي أن أهدي هذا الطعام إلى بيته لم يلزمه ذلك ، لأن الاهداء لا يكون إلا في النعم ».

وفي كشف اللثام وهو صريح في الفرق بين الثلاثة وغيرها ، للنص ولذا فرق المصنف أيضا ، وقصر الخلاف على غيرها ، ومثله المحقق في الشرائع ـ ثم قال ـ : ونحو السرائر الإصباح والجامع بزيادة العصفور والدجاج مع الطعام ، وكلام القاضي بزيادة الثوب على المملوك والدابة إلا أنهم لم يذكروه رواية ونص أبو علي علي بيع الغلام والجارية وشراء الطيب للكعبة ، وقال : ولو قال من الحيوان غير الانسى أو الثمانية الأزواج فلم يلزمه شي‌ء ، فأخرج الدابة من الثلاثة كما فيما مر من الخبر ونص المبسوط فان عين فان كان مما ينقل ويحول كالنعم والدراهم

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب مقدمات الطواف الحديث ٦ من كتاب الحج.

٤٢٨

والدنانير والثياب وغيرها انعقد نذره ولزم نقله إلى الحرم وتفرقته في مساكين الحرم إلا أن يعين الجهة التي نذر لها كالثياب لستارة الكعبة وطيبها ونحوهما ، فيكون على ما نذره ، وإن كان مما لا ينقل ولا يحول مثل أن يقول : لله علي أن أهدى داري هذه وضيعتي هذه وهذه الشجرة لزمته قيمته لمساكين الحرم ، فيباع ويبعث بالثمن إلى مساكين الحرم ، فعمم الانعقاد لكل شي‌ء والصرف في المصالح لكنه خص الصرف إلى المساكين ، ولعله أحوط ، للأخبار ولأن الهدي من النعم يصرف إليهم ، ولم يوجب البيع وصرف الثمن فيما ينقل ، لإمكان صرف نفسه ، والأمر كذلك لكنه إن كان صرف الثمن أصلح للمساكين كان أولى ، وعليه ينزل الإطلاق في الأخبار وكلام الأصحاب ، وما فيه من التعميم هو المختار ، لما عرفت من الاعتبار والأخبار ، وهو خيرة المختلف والتحرير ».

قلت : يقوى في النظر عدم الفرق بين الثلاثة والنعم وبين غيرها من المال إذا كان المراد الاهداء والصدقة لا الهدى النسكي ، كما أنه يقوى صرفه فيما يرجع إليها من تعظيم ونحوه ، كما أشعر به خبر (١) التطيب الذي منه يستفاد أولوية البناء ونحوه ، ولعل مما يرجع إليها الصرف إلى الحجاج والمعتمرين.

والظاهر مساواة النذر للمشاهد المعظمة لها في ذلك أما النذر لمن فيها من الأئمة الميامين والأولياء المرضيين فالظاهر إرادة صرفه في سبيل الخير بقصد رجوع ثوابه إليهم من غير فرق بين الصدقة على المساكين والزائرين وغير الصدقة من وجوه الخير التي يرجع ثوابها إليهم ، كل ذلك مع عدم قصد من الناذر ينافيه وإلا اتبع قصده ، كما أنه يتبع ما يتعارف من لفظه الذي جعله عنوانا لنذره.

ولو نذر زيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انعقد ، لأنها من أمهات الطاعات ، سواء قصد زيارة المسجد أو لا ، وكذا زيارة أحد الأئمة أو قبور أحد الصالحين.

والظاهر انصراف نذر زيارتهم عليهم‌السلام إلى قصدهم في أماكنهم حتى الحجة ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) منهم وإن كان عليه‌السلام يزار في كل مكان إلا أن يريد ذلك

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١.

٤٢٩

لا خصوص السرداب.

ولو عين إماما لم يجز غيره وإن عجز عنه وإن أطلق الوقت فهو موسع ولو قيده بوقت وجب ، فإن أخل به عامدا ففي الدروس « قضي وكفر وإلا فالقضاء » قلت : قد يتوقف في وجوب القضاء للأصل فتأمل.

ويكفي في الزيارة الحضور في المقام وفي الدروس « الأقرب وجوب السلام ، لأنه المتعارف من الزيارة » وهو كذلك مع فرض التعارف ، وعلى كل حال فلا يجب الدعاء ولا الصلاة وإن استحبا ، والله العالم.

( ولو نذر نحر الهدي بمكة وجب ، ) لأنه عبادة فيها وطاعة ( و ) لكن ( هل يتعين ) عليه ( التفرقة بها؟ قال الشيخ ) وأكثر المتأخرين كما في المسالك ( نعم عملا بالاحتياط ) لحصول يقين البراءة بذلك ، بخلاف ما لم يفرق أو يفرق في غيرها بل قد يدعى انسياق ذلك من الإطلاق ، وأنه المقصود من الذبح والنحر ، بل قيل : لو لم يلزمه التفرقة لم يصح النذر ، إذ لا فائدة ، ولا أدب في جعل الحرم مجردة بدون الصدقة فيه ، ( وكذا ) الكلام في نذر النحر ( بمعنى ) وإن كان فيه أن المنذور نفس الذبح الذي قد عرفت كونه نفسه طاعة فيها ، والأصل براءة الذمة من غيره ، نعم لو كان هناك عرف يقتضي التفرقة في أهلهما في إطلاق النذر وجب اتباعه على وجه لا يجزئ التفرقة في غيرهما فضلا عن عدم التفرقة أصلا وإلا فلا ، والأمر سهل بعد أن كان المدار العرف.

( ولو نذر نحره ) أي الهدي الذي نذر سوقه إلى مكة ( بغير هذين الموضعين ) أي مكة ومني أو أن المراد لو نذر النحر في غير الموضعين على حسب ما هو المتعارف الان بين الناس من نذر الذبح في بعض البقع الخاصة من المشاهد وغيرها ( قال الشيخ : لا ينعقد ) لعدم التعبد بذلك شرعا ، وقد عرفت اعتبار كون المنذور طاعة.

( ويقوى أنه ينعقد ) وفاقا للمحكي عن الأكثر ( لأنه ) يرجع

٤٣٠

إلى أنه ( قصد ) نذر ( الصدقة على فقراء تلك البقعة ، وهو طاعة ) بل قد يقال : إن نفس الذبح لله طاعة ، لأنه يحب إراقة الدماء وخصوص البقعة من قيود المنذور التي قد عرفت مكررا عدم اعتبار الرجحان فيها نحو الصلاة في البيت ، كل ذلك مضافا إلى ما في صحيح محمد بن مسلم (١) عن الباقر عليه‌السلام « في رجل قال عليه بدنة ينحرها بالكوفة ، قال : إذا سمى مكانا فلينحر فيه ».

وفي المسالك « قد يستدل به على انعقاد نذر المباح لأن الذبح في غير البلدين ليس طاعة بمجرده » وفيه ما عرفت من إمكان كون ذلك من القيود التي لا يعتبر فيها الرجحان وإن قلنا بعدم انعقاد نذر المباح ، خصوصا إذا كان المراد من النذر المزبور تفرقته في فقراء تلك البقعة ، كما هو ظاهر المصنف وإن قلنا بعدم اعتبار ذلك في صحة النذر ، لما عرفت من رجحان نفس الذبح شرعا ، بل عن المختلف عدم انسياق التفرقة في أهل تلك البقعة من النذر المزبور ، فله التفرقة في غيرها ، بل ظاهر المحكي عنه عدم لزوم أصل التفرقة فضلا عن التفرقة في أهل تلك البقعة ، وقد ذكرنا أن المسألة تختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة ، ولعل القول بفهم العرف إرادة تفرقته في ذلك الموضع من إطلاق نذر الذبح فيه لا يخلو من قوة.

( ولو نذر أن يهدي بدنة فان نوى من الإبل لزم ) ذلك بلا خلاف ولا إشكال ( وكذا لو لم ينو ) بل قصد مسماها الواقعي ( لأنها ) لغة وعرفا ( عبارة عن الأنثى من الإبل ) خلافا لبعض العامة فقال : اسم البدنة يقع على الإبل والبقر والغنم جميعا فان نوى شيئا بعينه فذاك ، وإلا تخير ، وعن آخر منهم أنه يتخير ناذرها بينها وبين البقرة أو سبع شياه ، لأن المعهود من الشارع إقامة كل منهما مقام الأخرى.

ولا يخفى عليك أن كلا من القولين خرافة ، خصوصا بعد قول الصادق عليه‌السلام في خبر حفص بن غياث (٢) بطريقين : « من نذر بدنة فعليه ناقة يقلدها ويشعرها

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ٢.

٤٣١

ويقف بها بعرفة » وقولهم عليهم‌السلام (١) « البدنة والبقرة تجزئ عن سبعة » وقوله تعالى (٢) ( فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها ).

نعم هل يشترط فيها الصحة والكمال وغيرهما من شروط الأضحية أم يكفي ما يطلق عليه اسمها لغة؟ في المسالك « وجهان قد سلف الكلام فيهما وبنائهما على ما تقدم من أن مطلق النذر هل يحمل على أقل واجب من ذلك الجنس أو على أقل ما يتقرب به منه ، ومثله ما لو نذر أن يهدي بقرة أو شاة ».

قلت : قد عرفت أن ذلك لا يبنى على ذلك ، بل على أنه إن كان المراد الهدي النسكي اعتبر فيه حينئذ ما يعتبر فيه وإلا كفى مسماه ، بل الظاهر ذلك حتى مع الإطلاق.

( وكل من وجب عليه بدنة في نذر فان لم يجد لزمه بقرة فان لم يجد فسبع شياه ) بلا خلاف أجده فيه بيننا ، ولو لم يجد إلا الأقل من سبع شياه فالأحوط إن لم يكن الأقوى وجوبه ، لقاعدة الميسور ، و « إذا أمرتكم » نعم لو قدر على بعض البدنة أو البقرة لا يجزئ ، لأن البدل مقدم على البعض ، لثبوته شرعا على تقدير العجز عن مجموع المبدل من غير التفات إلى القدرة على البعض ، والله العالم.

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبح من كتاب الحج.

(٢) سورة الحج : ٢٢ ـ الآية ٣٦.

٤٣٢

( وأما اللواحق فمسائل : )

( الأولى )

لا إشكال ولا خلاف نصا (١) وفتوى في أنه ( يلزم بمخالفة النذر المنعقد كفارة ) وهي عند جماعة كفارة ( يمين وقيل : كفارة من أفطر ) يوما ( في شهر رمضان ، والأول ) وإن قال المصنف : إنه ( أشهر ) إلا أن الثاني أصح ، كما تقدم الكلام فيه مفصلا (٢) ( و ) كذا تقدم في أنه ( إنما تلزم الكفارة إذا خالف عامدا مختارا ، ) فلاحظ وتأمل ، والله العالم.

المسألة ( الثانية : )

( إذا نذر صوم سنة معينة ) مثل هذه السنة من دون اشتراط التتابع ( وجب صومها أجمع ) لإطلاق الأدلة وعمومها ( إلا العيدين وأيام التشريق إن كان بمنى ) ناسكا أو مطلقا على الخلاف السابق ، لخروجها عن النذر ، خلافا للعامة في وجه. ( و ) حينئذ فـ ( لا تصام هذه الأيام ولا تقضى و ) ذلك لما عرفت من خروجها عن النذر ، نعم ( لو كان بغير منى لزمه صيام أيام التشريق ) لوجود المقتضي وانتفاء المانع.

لكن قد يشكل ذلك في خصوص أيام التشريق إن لم يكن إجماعا ، لشمول اللفظ لها ، وعدم لزوم كونه بمنى فيها ، فهي حينئذ كأيام الحيض والسفر التي ستعرف وجوب قضائها ، وربما كان هذا هو الوجه الذي سمعته من العامة ، إلا أنه لا أجد خلافا بين أصحابنا في كونها كالعيدين في خروج ذاتها عن إطلاق النذر إذا كان بمنى ،

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الكفارات من كتاب الإيلاء والكفارات.

(٢) راجع ج ٣٣ ص ١٧٤ ـ ١٧٨.

٤٣٣

ولعله لأن الأصل عدم القضاء.

وعلى كل حال ( فلو أفطر عامدا لغير عذر في شي‌ء من أيام السنة قضاه وبنى إن لم يشترط التتابع وكفر ) بلا خلاف في شي‌ء من ذلك ، بل ولا إشكال في التكفير للمخالفة المقتضية له نصا (١) وفتوى ، بل ولا القضاء لعموم « من فاتته » (٢) ولصيرورته بالنذر من الصوم الواجب الموقت الذي يقضي لو فات ، وأما البناء فلأن الفرض عدم نذر التتابع ، ففواته لا يقتضي فوات المنذور الذي هو كل يوم يوم بخصوصه ، والتتابع فيه اتفاقي لا نذري ، فهو كصوم شهر رمضان الذي ينحل إلى الأمر بصوم كل يوم يوم منه على انفراده وإن سمي المجموع باسم السنة والشهر إلا أن المنذور ليس ذلك من هذه الحيثية بل هو ذات كل يوم يوم على وجه لا مدخلية لامتثال كل يوم يوم بالمخالفة له في غيره ، مع احتماله ، ( و ) لكن ظاهر الأصحاب الاتفاق على عدمه ، وأنه لا ينحل النذر بذلك ، بل يبقى مخاطبا بما بقي من أيامها ومكلفا بقضاء ما فات مع صحة ما مضى منه قبل المخالفة.

نعم ( لو شرط ) التتابع ( استأنف ) عند المصنف لأن ذكر التتابع يدل على كونه مقصودا ، ولا بد من تحصيله وقد فات بتخلل الإفطار ، فيجب تحصيله بالاستئناف وإتمام السنة بعد انقضاء المعين بقدر ما فات فيها.

وفيه أن الأصل البراءة وصوم كل يوم عبادة مغايرة لصوم غيره ، وإنما يجب عليه قضاء ما أخل به ولما لم يكن تدارك ما وجب عليه من التتابع الذي هو صفة للعبادة لم يجب عليه ، لعدم إمكان الإتيان بالصفة دون الموصوف ، إذ الاستيناف إنما يفيد التتابع في القضاء دون المنذور ، لأن الفرض كون السنة معينة ، بل ربما قيل : إن اشتراط التتابع فيها لغو وإن كان فيه ما فيه ، ولعله لذا جزم الفاضل في القواعد بعدم الاستئناف.

( وقال بعض الأصحاب ) وهو الشيخ في المبسوط فيما حكي عنه : إنه ( إن

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الكفارات من كتاب الإيلاء والكفارات.

(٢) راجع التعليقة (١) من ص ٣٨٥.

٤٣٤

تجاوز النصف جاز البناء ولو فرق ) عمدا وإلا فلا ، ( و ) نسبه إلى رواية أصحابنا لكن ( هو ) كما ترى ( تحكم ) إن كان مراده بالرواية ما ورد (١) في الشهر والشهرين ، لحرمة القياس عندنا ، ودعوى الأولوية ممنوعة كدعوى الحقيقة الشرعية في التتابع.

وكيف كان فلا يدخل في الفرض شهر رمضان وإن قلنا بصحة نذره إلا إذا قصده ، خلافا للفاضل في القواعد ، فأدخله لاندراجه في السنة ، وحينئذ فيجب بإفطاره عمدا كفارتان ، نعم على كل حال ليس عليه إلا قضاء يوم واحد ، كما هو واضح. هذا كله إن أفطر لغير عذر.

( و ) أما ( لو كان ) الإفطار ( لعذر كالمرض والحيض والنفاس بنى على الحالين ) أي شرط التتابع وعدمه ، لظهور الأدلة في الكفارة في عدم انقطاع التتابع بالإفطار لعذر ( و ) حينئذ فـ ( لا كفارة ) للأصل.

أما القضاء فقولان أجودهما ذلك ، لعموم « من فاتته » (٢) وللنصوص (٣) السابقة ، والآخر العدم ، للأصل ولأنه كالعيد في عدم الدخول في النذر ، ( و ) فيه منع واضح ، ضرورة عدم قابلية العيد للصوم بخلاف الأيام المزبورة.

نعم ( لو نذر صوم الدهر صح ) وإن قلنا بكراهته إذ هو مكروه عبادة ( ويسقط العيدان وأيام التشريق بمنى ) لما عرفت وفيها الاشكال السابق ، بل ربما احتمل البطلان في الجميع مع إطلاق الصيغة المتناولة للمجموع من حيث هو مجموع ولم يحصل ، وإن كان فيه أن المجموع هنا كالمجموع في السنة والشهر الذين عرفت تناولهما لكل يوم يوم ، والمجموع تابع ، ولا يضر تخلفه ، خصوصا لعارض ، بل

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ و ٥ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب من كتاب الصوم.

(٢) راجع التعليقة (١) من ص ٣٥٨.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ٢ و ٥ والباب ـ ١٠ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١.

٤٣٥

لو صرح بإدخالها في النذر ، فالأقوى الصحة فيما عداها وإن كان البطلان هنا أولى لو قيل به ثم ، كما أنه لا يخلو من وجه لو صرح بدخولها من حيث كون المراد مسمى الدهر على وجه ينتفى بانتفاء اليوم منه ، ولكن ذلك خروج عن الفرض الذي هو إطلاق صوم الدهر على نحو إطلاق صوم الشهر والسنة.

( و ) كيف كان فلا خلاف في أنه ( يفطر ) ناذر صوم الدهر ( في السفر ) الذي وضع الله عنه الصوم فيه بعد أن لم يكن قد نواه ، بل ظاهرهم وصريح المسالك أن له اختيار السفر وإن كان غير ضروري ، نعم قال في المسالك : « تجب الفدية بمد عن كل يوم كالعاجز عن النذر » مع أنه لا يخلو من نظر ، ضرورة عدم كونه كالعاجز بحسب ذاته ، فلا يثبت له حكمه للأصل وغيره.

وعلى كل حال ففي كلامهم هنا شهادة على ما ذكرناه من عدم وجوب نية الإقامة لمن كان عليه قضاء شهر رمضان وقد تضيق ، لكون الحضر شرط وجوب الصوم ، ولا يجب عليه تحصيله ، ومنه المقام ونظائره ، والله العالم.

( وكذا ) تفطر ( الحائض في أيام حيضها ) التي حرم الله عليها الصوم فيها ( و ) لكن ( لا يجب القضاء ) عليها ولا على المسافر ( إذ لا وقت له ) لأن الفرض نذر صوم الدهر ، لا لعدم اندراجها في متعلق النذر ، بل لو أخل عامدا لا قضاء عليه لذلك وإن وجب التكفير.

ولو كان عليه قضاء شهر رمضان أو صوم كفارة قبل النذر أو بعده فالظاهر خروجهما عن وجوب النذر ، وأن ذلك بحكم المستثنى جريا على المتعارف ، وحينئذ فلا يجب التأخير في قضاء شهر رمضان إلى أن يتضيق بدخول شهر رمضان ، لأن المستثنى كلية.

وأولى من ذلك خروج نفس شهر رمضان وإن دخل في الدهر والسنة إلا أن المراد إيجاب ما يقتضيه النذر منهما ، هذا إن قلنا بصحة نذر الواجب ، وإلا فلا إشكال في الخروج عن الإطلاق.

ومن الغريب احتمال الدخول والخروج في شهر رمضان دون قضائه ، وبنائهم

٤٣٦

الدخول والخروج على مسألة صحة نذر شهر رمضان وعدمه ، مع أنه يمكن القول بالخروج وإن قلنا بصحة نذره ، للتعارف الذي ذكرناه.

ولو عين يوما للقضاء فهل له إفطاره قبل الزوال اختيارا؟ في القواعد إشكال ، وفي المسالك وجهان ، قلت : لا ريب أن المتجه عدم جوازه ، للنذر وإنما يكون مستثنى إذا تم صحيحا قضاء لا مطلقا وحينئذ فإذا نوى تركه عاد وجوب النذر ، إذ الأمر لا يخرج عنهما ، فالمستثنى اليوم الذي تم صومه قضاء ، لا الذي نوى كونه قضاء ، وحينئذ فلو أفطره كان عليه كفارة النذر.

وفي القواعد متصلا بالإشكال السابق « فان سوغناه ففي إيجاب كفارة خلف النذر إشكال ، ينشأ من أنه أفطر يوما من القضاء قبل الزوال ولا كفارة فيه ، ومن كون العدول عن النذر سائغا بشرط القضاء ، فإذا أخل به فقد أفطر يوما كان يجب صومه بالنذر لغير عذر ، إذ العذر صوم القضاء ولم يفعله ، وبإفطاره خرج عن كونه قضاء ، لأن سقوط الكفارة في اليوم الأول يوجب سقوطها في اليوم الثاني ، وهكذا ، أي فيؤدي إلى سقوط النذر وخروج المنذور عن الوجوب ».

وفيه أنه لا وجه للإشكال في عدم وجوب كفارة النذر بعد التسويغ وكونه قضاء ، والفرض خروجه عن النذر ، بل قد يقوى وجوب كفارة النذر خاصة لو أفطر بعد الزوال ، ضرورة عدم تشخصه قضاء إلا بعد تمامه كذلك فلا يلحقه كفارة قضاء شهر رمضان.

لكن في القواعد « لو عين وأفطر بعد الزوال ففي وجوب الكفارتين أو إحداهما وأيتهما إشكال » إلا أن في المسالك وكشف اللثام الميل إلى وجوبهما معا عليه ، لأنه أخل بالقضاء والمنذور كليهما من جهتين وإن لم يكن الصوم الذي شرع فيه المنذور ، وفيه أنه لا وجه لأن يتشخص قضاء ، لكونه بعد الزوال وقد نوى ، فلا وجه لكفارة النذر ، لأن الفرض خروجه عن النذر ، وإلا فهو نذر لا قضاء ، ومن هنا يقوى ما ذكرناه من وجوب كفارة النذر خاصة ، لانكشاف عدم كونه قضاء وإن

٤٣٧

نواه هو كذلك فتأمل جيدا.

( و ) كيف كان فـ ( السفر الضروري ) الذي يخاف من تركه على نفس محترمة أو مال يضر بحاله أو نحو ذلك ( عذر لا ينقطع به التتابع و ) إن شرط في السنة المعينة وفي صوم الدهر. نعم ( ينقطع بالاختياري ) لكن لا فائدة فيه في صوم الدهر بل والسنة بناء على المختار إلا ترتب الكفارة ، لعدم إمكان تداركه فيهما كما عرفته.

بقي شي‌ء وهو أنه لو أخر القضاء حتى ضاق الوقت بدخول شهر رمضان فهل تتشخص الأيام بكونها قضاء على وجه يلحقها حكم القضاء خاصة أو يبقى لها جهة النذر؟ وجهان وإن كان المنساق في بادئ النظر أولهما ، وكذا لو عين أيام القضاء بيمين أو عهد ، كل ذلك بناء على خروج أيام القضاء عن النذر وإلا فلا فائدة.

ثم إن السفر الاختياري الذي قلنا إنه يقطع التتابع لا يجوز صدوره منه للنذر وإن قلنا بجواز السفر مع تضييق الصوم ، إلا أن التتابع أمر آخر ، وحينئذ يمكن أن يكون السفر معصية ، فلا يحرم الصوم فيه ، فلا ينقطع التتابع ، وتكون المسألة شبه المسائل الدورية التي يستلزم الوجود فيها العدم ، اللهم إلا أن يمنع حرمة السفر وإن استلزم فوات التتابع المنذور فتأمل جيدا.

( ولو نذر سنة غير معينة كان مخيرا بين التوالي والتفرقة ) للصدق ( إن لم يشترط التتابع ) وإلا وجب الاتصال في الامتثال ( و ) حينئذ فـ ( له ) في امتثال الأول ( أن يصوم اثنى عشر شهرا ) ولو متفرقة.

( والشهر ) عرفا ( إما عدة بين هلالين ) وإن نقص ( أو ثلاثون يوما ) ولا يكفي في صدقه تلفيق الهلالي بمقدار ما مضي منه من غيره على وجه يكون شهرا وإن نقص عن ثلاثين ، لأنه متى انكسر الشهر ، فلم يصم يوما منه وجب في الامتثال صوم ثلاثين يوما ( و ) حينئذ فـ ( لو صام شوالا وكان ناقصا أتمه بيوم بدلا عن العيد ) قطعا ، وعن الشيخ الاجتزاء به ، لدعوى تحقق الصدق ، وفيه ما عرفت ، ( و ) من هنا ( قيل : ) يتمه ( بيومين ، وهو

٤٣٨

حسن ) لما عرفت من خروجه عن الهلالي بالانكسار بيوم العيد ، فلا بد في صدق صوم الشهر من ثلاثين يوما حينئذ.

( وكذا ) الكلام ( لو كان بمنى ) بحيث يحرم عليه الصوم ( في أيام التشريق ، فصام ذا الحجة قضى ) أي أدى بدل ( يوم العيد وأيام التشريق ولو ) فرض أنه ( كان ناقصا قضى خمسة أيام ) ليكون شهرا ثلاثين يوما.

( ولو صام سنة واحدة ) مبتدأ بهلال المحرم منها ( أتمها بشهر ) ثلاثين يوما ( ويومين بدلا عن شهر رمضان وعن العيدين ) بناء على إرادة السنة تامة إذا فرض تمام شوال وذي الحجة ( ولم ينقطع التتابع بذلك ) لو فرض أنه نذره ( لأنه لا يمكنه الاحتراز منه ) في كل سنة ، فيكون المنذور التتابع في غير ذلك.

( و ) كذا ( لو كان بمنى قضى ) وأدى ( أيام التشريق أيضا ) وكأن الوجه في فصلها عن شهر رمضان والعيدين أن أيام التشريق قد يقطع إفطارها التتابع إذا كان السفر لها اختياريا.

هذا وربما احتمل وجوب صوم السنة العددية في نذر صوم السنة ، لأن السنة تنكسر لا محالة بسبب رمضان والعيدين ، فإذا انكسرت وجب أن يعتبر فيها العدد أجمع ، كما أن الشهر إذا انكسر يعتبر فيه العدد.

وفيه أنه يصدق عرفا صوم السنة مع ملاحظة العدد في خصوص المنكسر منها ، نعم قد يحتمل الاجتزاء بصوم السنة بالابتداء من المحرم مثلا إلى المحرم بناء على إرادة ما عدا شهر رمضان إن لم نقل بدخوله في النذر والعيدين منها ، والأمر سهل بعد أن كان المدار على ما يفهم عرفا.

ولو نذر السنة متتابعا فقد عرفت وجوبه عليه ، ويصوم رمضان عن فرضه إن لم نقل بدخوله ، ويفطر العيدين وأيام التشريق إن كان بمنى ، وهل يلزمه تداركها للنذر؟ فيه وجهان : أحدهما لا ، لأن المراد صوم ما يمكن صومه منها ،

٤٣٩

وقد فعل ، والثاني نعم ، لتوقف صدق صوم السنة حقيقة على ذلك.

وفرق بين المعينة التي لا يقوم البدل مقام ما فات منها بخلاف المطلقة التي هي كالعوض الكلي في البيع والإجارة ، ومن هنا لو أفطر فيها لغير عذر وجب الاستئناف قولا واحدا ، بخلاف المعينة التي فيها البحث السابق ، وذلك لأن المعينة جميع أجزائها معين ، فلا يزول تعينه بالإخلال ببعضه ولا يمكن تداركه ، بخلاف المطلقة التي يراد منها إيقاع مجموع العدد متتابعا ، ومع الإخلال يتمكن من الإتيان بالمنذور موصوفا بالوصف ، فيجب عليه تحصيلا للمكلف به.

نعم الظاهر أن الإفطار لعذر الحيض والنفاس والمرض والسفر الضروري لا يخل بالتتابع ، ولكن يقضي ما فات كالمعين ، قال أيوب بن رفاعة (١) : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل جعل عليه صوم شهرين متتابعين فيصوم شهرا ثم يمرض هل يعتد به؟ قال : نعم ، أمر الله حبسه ، قلت : امرأة نذرت صوم شهرين متتابعين ، قال : تصوم وتستأنف أيامها التي قعدت حتى تتم الشهرين ، قلت : أرأيت إن هي أيست من الحيض هل تقضيه؟ قال : لا يجزؤها الأول ».

نعم يمكن إجراء خلاف الشيخ في الاكتفاء بتجاوز النصف في حصول التتابع في المطلقة أيضا ، بل في الدروس حكاه عن الشيخ في نذر السنة مطلقا ، بل في القواعد حكايته عنه في المطلقة.

( ولو نذر صوم شهر متتابع وجب أن يتوخى ما يصح ذلك فيه ) مقدمة لوجوب الوفاء بالنذر ( وأقله أن ) يتوخى شهرا ( يصح فيه تتابع خمسة عشر يوما ) للاكتفاء بالتتابع فيها في مثله نصا (٢) وفتوى كما فصلنا الكلام فيه

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١ من كتاب الإيلاء والكفارات مع الاختلاف في اللفظ.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث ١ من كتاب الصوم.

٤٤٠