جواهر الكلام - ج ٣٥

الشيخ محمّد حسن النّجفي

عموم أدلة الحجر عليه من الكتاب (١) والسنة (٢) وخصوص المروي في الوسائل عن قرب الاسناد (٣) « أن عليا عليه‌السلام كان يقول : ليس على المملوك نذر إلا أن يأذن له سيده » فما في الكفاية حينئذ من التردد فيه في غير محله.

وكان اقتصار المصنف والفاضل في القواعد والتحرير والشهيد في اللمعة في إلحاق النذر باليمين على الزوجة والمملوك لاختصاصهما بالخبرين (٤) المزبورين دون الولد والوالد ، ولكن في الإرشاد والدروس إلحاقه بهما أيضا لبعض الوجوه التي عرفتها.

وفي الرياض بعد أن ذكر ما سمعت قال : « ويستفاد منه مشاركة الولد للزوجة والمملوك في توقف نذره على إذن ولداه كما صرح به العلامة في جملة من كتبه والشهيد في الدروس ، فلا وجه لاقتصار العبارة ونحوها من عبائر الجماعة على ذكر الأولين خاصة ، كما لا وجه لاقتصار السيد في شرح الكتاب على المملوك ، لتطرق القدح إلى ما زعمه ـ من انحصار ما دل على إطلاق النذر على اليمين في بعض ما مر من الأخبار ، وضعفه ، وقصور دلالته بأن الاستعمال أعم من الحقيقة يمنع من العمل به ـ بعدم الحصر ، لاستفادته من النصوص التي فيها ما هو معتبر السند بالصحة والموثقية ، مع انجبار الضعيف منها بالشهرة التي اعترف بها ، وأن مبنى الاستدلال ليس دعوى ثبوت كون الإطلاق بعنوان الحقيقة خاصة يرد (٥) ما ذكره ، بل إما هي على القول بها أو ما قدمنا إليه الإشارة من كونه مجازا أو استعارة يقتضي الشركة مع الحقيقة فيما يثبت لها من الأحكام الشرعية ، ومنها عدم الصحة عند عدم

_________________

(١) سورة النحل : ١٦ ـ الآية ٧٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب الحجر والباب ـ ٨٧ ـ من كتاب الوصايا.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١ و ٢.

(٥) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة. وفي الرياض « خاصة ليرد ما ذكره. » وهو الصحيح كما هو كذلك في المسودة التي هي بخط المصنف طاب ثراه.

٣٦١

إذن أحد من هذه الثلاثة » وإن كان لا يخفى عليك وجه النظر في كلامه بعد الإحاطة بما ذكرناه.

وكان سيد المدارك أخذ الاقتصار على المملوك من جده في المسالك ، فإنه بعد أن ذكر فتوى الجماعة بالإلحاق ، وذكر الدليل على ذلك الإطلاق المزبور ، وأجاب عنه بأنه مجاز ولا بأس بإقرار الإمام عليه‌السلام على مجازيته ، قال : « وعموم الأدلة الدالة على وجوب الوفاء بالنذر من الكتاب والسنة ، لا يتخصص في موضع النزاع بمثل هذه التمحلات ـ إلى أن قال ـ : أما المملوك فيمكن اختصاصه بذلك من حيث له الحجر عليه وانتفاء أهلية ذمته للالتزام بشي‌ء بغير إذن المولى ».

وفيه أن الحجر عليه لا يتناول قول : « لا إله إلا الله » ونحوهما لو حلف عليها ، فالعمدة حينئذ في الاقتصار ما ذكرناه.

بل منه ينقدح الشك في الانجبار بالنسبة إلى إلحاق الولد ، لعدم شهرة فيه ، والظن المزبور بالمساواة باعتبار اتحاد المنشأ لا دليل على حجيته ، فتأمل جيدا.

وكيف كان فقد تقدم تحقيق الحال في اليمين في توقف الصحة على الاذن وأن له الحل ، وتقدم ما يتفرع على ذلك ، وقد بنى المسألة غير واحد من الأصحاب على ما تقدم هناك ، وستعرف ما فيه ، بل ظاهر المصنف وغيره هنا الأول ، بل صرح بالفساد لو تحرر قبل الإذن الذي قد عرفت هناك أنه من ثمرات القولين.

كما أنه صرح بالاكتفاء بلحوق الاذن هنا كالفضولي بقوله ( وإن أجاز المالك ففي صحته تردد أشبهه اللزوم ، ) ولا بأس به بناء على شرطية الإذن ، لعموم الأدلة وإطلاقها ، كما قدمنا تحقيقه في محله.

وعن التحرير والإرشاد الإشكال في ذلك ، إلا أنه قد اخترنا في اليمين عدم اعتبار الاذن وأن له الحل ، لإطلاق الأدلة ، وكأنه ظاهر الدروس هنا ، قال : « وللزوج حل نذر الزوجة فيما عدا فعل الواجب وترك الحرام حتى في الجزاء

٣٦٢

عليهما ، وكذا السيد لعبده والوالد لولده على الظاهر ، ولو زال الحجر قبل الحل لزم في الأقوى » ونحوه في القواعد ، بل في غاية المراد « إن أكثر الأصحاب قالوا : إن له الحل وهو مشعر بالانعقاد ».

قلت : وحينئذ فلا يأتي تفريع الإجازة ، ولعل وجه ما ذكره المصنف من الفرق بين لحوق الاذن وبين الحرية أن الأول على تأهله ويتم بالاذن ، بخلاف الثاني الذي هو كبيع الرهن ثم يفكه ، خصوصا بناء على كون الإجازة كاشفة ، فتأمل جيدا.

هذا ولكن قد يفرق بين المقام وبين اليمين فيشترط الاذن هنا للخبرين (١) في المملوك والزوجة الظاهرين في ذلك المنجبرين بعمل الأصحاب بخلاف مسألة اليمين التي قد عرفت خلو نصوصها عن الإذن أصلا ، وإنما الموجود « لا يمين لولد مع والده » (٢) إلى آخره ، وقد قلنا : إنه ظاهر في المعارضة وإنه يقتضي أن له الحل ، لا أن الاذن شرط ، وبالجملة لا يخلو كلامهم هنا من تشويش ، ومنشأه الاجتهاد في مدرك المسألة ، وأنه نصوص اليمين بناء على شموله للنذر أو الخبران في خصوص الزوجة والمملوك ، فتأمل جيدا.

( و ) كيف كان فلا خلاف ولا إشكال في أنه ( يشترط في ) صحت ( ه‍ ) أي النذر ( القصد ) الاختياري الذي قد مر اعتباره في غيره من العبادات والعقود والإيقاعات ( فلا يصح من المكره ) بقسميه ( ولا السكران ولا الغضبان الذي لا قصد له ) ولا غيرهم كالنائم والمغمى عليه ونحوهم مما لا قصد له أو لا قصد معتد به له ، بل يشترط فيه أيضا انتفاء الحجر عنه لسفه لو تعلق بمال ، نعم لو تعلق بعبادة بدنية ، صح لإطلاق الأدلة ، أما المفلس فلا إشكال في صحته منه لو تعلق بغير المال ، أما فيه فان كان في ذمته فكذلك ، ويؤديه حينئذ بعد البراءة من حقهم ، وإن كان فيما تعلق حق الغرماء به فلا ينفذ فيه معجلا قطعا ، ولكن هل تراعى صحته بالفك؟

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١ و ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الايمان.

٣٦٣

وجهان ، وكذا المرهون كما قدمنا الكلام فيه سابقا.

( وأما الصيغة فهي إما ) معلقة على شرط يكون به نذر ( بر أو زجر أو ) لا فتكون به نذر ( تبرع ، فالبر قد يكون شكرا للنعمة ، كقوله : إن أعطيت مالا أو ولدا أو قدم المسافر ) أو عافاني الله أو نحو ذلك ( فلله علي كذا ، وقد يكون ) شكرا ( دفعا لبلية كقوله : إن بري‌ء المريض أو تخطاني المكروه فلله علي كذا ) ويسمى نذر مجازاة أيضا.

( و ) أما نذر ( الزجر ) فهو ( أن يقول : إن فعلت كذا فلله علي كذا وإن لم أفعل كذا فلله علي كذا. )

وبالجملة ففي المسالك « كل واحد من المزجور عنه والمجازي عليه إما أن يكون طاعة أو معصية أو مباحا ، ثم إما أن يكون من فعله أو فعل غيره خارجا عنهما ، لكونه من فعل الله كشفاء المريض ، ومتعلقة إما فعل أو ترك ، فهذه صورة المسألة ، والجزاء على الطاعة كأن يقول : « إن حججت ـ على معنى إن وفقني الله للحج ـ فلله علي صوم كذا شكرا » والزجر عنها كذلك إلا أنه قصد به الزجر عنها والجزاء على المعصية ، كقوله : « إن شربت الخمر فلله علي كذا » زجرا لنفسه أو شكرا عليها ، والمائز القصد كذلك ، ولا ريب في انعقاد الأول منهما دون الثاني ، وفي جانب النفي كقوله : « إن لم أصل فلله علي كذا » أو « إن لم أشرب الخمر. » فان قصد في الأول الزجر وفي الثاني الشكر على توفيقه له انعقد دون العكس ، وفي المباح يتصور أمران نفيا وإثباتا ، كقوله : « إن أكلت أو لم آكل فلله علي كذا » شكرا على حصوله أو زجرا على كسر الشهوة ، وتتصور الأقسام كلها في فعل الغير ، كقوله : « إن صلى فلان أو قدم من سفره أو أعطاني » إلى غير ذلك من أقسامه ، وضابط المنعقد من ذلك كله ما كان طاعة وقصد بالجزاء الشكر أو تركها وقصد الزجر ، وبالعكس في المعصية ، وفيما خرج من فعله يتصور الشكر دون الزجر ، وفي المباح الراجح دنيا يتصور الشكر ، وفي المرجوح الزجر وعكسه كالطاعة ، وفي المتساوي

٣٦٤

الطرفين يتصور الأمران ، ومثله « إن رأيت فلانا فلله علي كذا » فإن أراد إن رزقني الله رؤيته فهو نذر بر ، وإن أراد كراهة رؤيته فهو نذر نجاح ».

وهو على طوله لا حاصل له بل لا يخلو بعضه من نظر ، بل لعل حاصل عبارة المصنف وغيرها خير منه ، وهو أن النذر ينقسم إلى معلق على شرط ومتبرع به ، ويعتبر في الأول أن يكون متعلق النذر مقصودا فيه الشكر على شي‌ء صالح لأن يشكر عليه ، أو الزجر عن فعل يرجح له الانزجار عنه ، ولو لأنه مباح مرجوح ، فلو لم يقصد الزجر ولا الشكر ـ ولو لأن الشرط غير صالح لكل منهما عرفا ـ لم ينعقد النذر ، كما هو ظاهر المتن وغيره ممن حصر نذر المعلق في الأمرين ، ولعله للأصل وظهور النصوص في ذلك ، بل قد يدعى أنه المتعارف في النذر ، ولعله لذا جزم في الروضة بأنه لو انتفى القصد في القسمين لم ينعقد لفقد الشرط.

( و ) أما الثاني أي ( التبرع ) الذي لم يعلق على شرط فهو ك ( أن يقول : لله علي كذا. )

( ولا ريب في انعقاد النذر في الأولين ) نصا (١) وفتوى ، بل الإجماع بقسميه عليه ، نعم لو فرض حصول الشرط قبل النذر انكشف عدم انعقاده لتبين عدم التعليق ، ول صحيح ابن مسلم (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام « سألته عن رجل وقع على جارية له ، فارتفع حيضها وخاف أن تكون قد حملت ، فجعل لله عتق رقبة وصوما وصدقة إن هي حاضت ، وقد كانت الجارية طمثت قبل أن يحلف بيوم أو يومين وهو لا يعلم ، قال : ليس عليه شي‌ء » وخبر جميل بن صالح (٣) قال : « قد كانت عندي جارية بالمدينة ـ إلى أن قال ـ : فأجابني إن كانت حاضت قبل النذر فلا عليك ، وإن كانت حاضت بعد النذر فعليك ».

( وفي الثالث خلاف والانعقاد أصح ) وفاقا للمشهور ، بل عن الخلاف

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من كتاب النذر والعهد.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١.

٣٦٥

الإجماع عليه ، لإطلاق الأدلة وعمومها كتابا وسنة ، ( منها ) قوله تعالى (١) : ( إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً ) و ( منها قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) : « من نذر أن يطيع الله فليطعه » ودعوى أن النذر لغة هو الوعد بشرط كما عن تغلب والشرع نزل بلسانهم والأصل عدم النقل يدفعها منع كونه كذلك لغة إذ قد حكي عنه أيضا أنه مطلق الوعد ، بل في الرياض لو سلم فنقل المعارض من اللغة واتفاق أهلها على ما ذكره يعارض بالعرف المقدم عليها ، وإن كان قد يناقش بمنع معلومية كونه كذلك في زمن صدور الإطلاقات كتابا وسنة.

نعم قد يقال : إن جملة من النصوص الدالة على أحكام النذر قد رتبتها على صيغة « لله علي » ونحوها من دون ذكر لفظه بالمرة ، فـ في الصحيح (٣) « من جعل لله عليه أن لا يفعل محرما سماه فركبه فليعتق رقبة أو ليصم شهرين أو ليطعم ستين مسكينا » ونحوه الخبر في العهد (٤) « من جعل عليه عهدا لله وميثاقه في أمر الله وطاعته فحنث فعليه عتق أو صيام » وفي صحيح الحلبي (٥) عن الصادق عليه‌السلام « إن قلت : لله علي فكفارة يمين » وفي آخر (٦) « فما جعلته لله تعالى فف به » وفي ثالث (٧) « ليس من شي‌ء هو لله طاعة يجعله الرجل عليه إلا ينبغي له أن يفي به » وفي

_________________

(١) سورة آل عمران : ٣ الآية ٣٥.

(٢) المستدرك الباب ـ ١٢ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ٢ وسنن البيهقي ج ١٠ ص ٧٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١ والباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٧ من كتاب الإيلاء والكفارات.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من كتاب الكفارات الحديث ١ من كتاب الإيلاء والكفارات.

(٦) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من كتاب الكفارات الحديث ٣ من كتاب الإيلاء والكفارات.

(٧) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ٦.

٣٦٦

موثق الساباطي (١) عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما‌السلام « في رجل جعل على نفسه لله عتق رقبة فأعتق أشل أعرج ، قال : إذا كان ممن يباع أجزأ عنه إلا أن يكون سماه فعليه ما اشترط وسمي » ونحوه الخبران (٢) المتقدمان في نذر عدم بيع الجارية إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة المرتبة للحكم على الصيغة المزبورة.

واحتمالها التقييد بصورة التعليق وإن كان ممكنا إلا أنه فرع وجود الدليل وليس ، ودعوى ورودها مورد الغالب وهو المعلق دون المطلق مردودة ، كدعوى ورودها لبيان حكم آخر غير الصيغة ، فان الدعويين لا يجريان إلا في نحو المطلقات ، وليس منها الأخبار المزبورة ، فإنها ما بين عامة لغة وعامة بترك الاستفصال لإفادته إياه على الأشهر الأقوى.

لكن قد يناقش بأن هذه النصوص وغيرها مما رتب فيها الحكم على الصيغة المزبورة من دون ذكر النذر مبناها على أنها نذر ، ضرورة عدم اقتضائها اللزوم إذا لم يكن نذرا ، ولا يترتب عليها كفارة النذر ، لعدم قسم آخر ملزم عندنا غير اليمين والنذر والعهد ، والفرض عدم كونها من الأول والثالث قطعا ، فليس إلا النذر ، فمع فرض أخذ الشرط في مفهومه كما هو مبنى الاستدلال لم يجد شي‌ء من إطلاقها ، كما هو واضح.

بل قد يقال إن مقتضى الأصل حينئذ عدم الانعقاد بعد الشك ، لمعارضة اللغة بمثلها ، والإجماع المحكي بمنعه ، فان المرتضى وابن زهرة قد قالا بعدم الانعقاد مدعيا أو لهما الإجماع ، والنصوص المزبورة ـ مضافا إلى ما سمعته فيها ـ بغيرها ك موثق سماعة (٣) « سألته عن رجل جعل عليه أيمانا أن يمشي إلى الكعبة أو

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من كتاب العتق الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١١ والباب ـ ١٨ ـ من كتاب الايمان الحديث ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ـ ٤.

٣٦٧

صدقة أو نذرا أو هديا إن هو كلم أباه أو امه أو أخاه أو ذا رحم أو قطع قرابة أو مأثما يقيم عليه أو أمرا لا يصلح له فعله ، فقال : لا يمين في معصية الله ، إنما اليمين الواجبة التي ينبغي لصاحبها أن يفي بها ما جعل لله عليه في الشكر إن هو عافاه الله من مرضه ، أو عافاه من أمر يخافه ، أو رد عليه ماله ، أو رده من سفره ، أو رزقه رزقا فقال : « لله علي كذا وكذا » شكرا ، فهذا الواجب على صاحبه ، وينبغي له أن يفي به ».

وصحيح منصور بن حازم (١) على ما في التهذيب عن الكافي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا قال الرجل : علي المشي إلى بيت الله وهو محرم بحجة أو علي هدي كذا وكذا فليس بشي‌ء حتى يقول : لله علي المشي إلى بيته ، أو يقول : لله علي هدي كذا وكذا إن لم أفعل كذا وكذا » بل لعلها أوضح دلالة.

بل يمكن تقييد ما عداهما بمفهوم الحصر فيهما مؤيدا بما يشعر به غيرهما أيضا من نصوص أخر (٢) قد تضمنت تقييد ما وقع من النذر بالشكر.

ودعوى أن المقصود منهما بيان لزوم ذكر الله تعالى في النذر وعدم تعلقه بالمحرم ، لا لزوم التعليق كما يتوهم ـ فلا عبرة بمفهومهما ، فليس هما حينئذ إلا كالمطلق المنساق لبيان حكم آخر غير محل الفرض ، مع احتمال ورود التعليق فيهما مورد الغالب في النذر ذلك لا المطلق ، مضافا إلى ما يقال في الصحيح من كون الظاهر أن الشرط فيه متعلق بالجملة الثانية خاصة ، وحينئذ فلا دلالة له ، بل فيه دلالة على الآخر ـ كما ترى ، ولا أقل من تعارض هذه الاحتمالات بالاحتمالات السابقة ، فيحصل الشك ، والأصل عدم الانعقاد.

ولعله لذا كان ظاهر الفاضل في الإرشاد والشهيد في الدروس التوقف ، بل هو

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ٤ والباب ـ ٢٣ ـ منه الحديث ١ والباب ـ ٦ ـ منه الحديث ١.

٣٦٨

ظاهر سيد المدارك وصاحب الكفاية ، وإن قويا الأول ، إلا أن الشهرة العظيمة بل لم نجد الخلاف إلا من السيدين المزبورين ترجح الأول ، بل لعل نذر الشكر أعم من المعلق ، إذ قد ينعم الله على الإنسان نعمة ويريد شكرها بنذر بعض العبادات ، قال أبو بصير (١) : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لو أن عبدا أنعم الله عليه نعمة إما أن يكون مريضا أو يبتلى ببلية فعافاه الله من تلك البلية فجعل على نفسه أن يحرم بخراسان فان عليه أن يتم ».

( و ) كيف كان فلا خلاف بيننا في أنه ( يشترط مع الصيغة نية القربة ) بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى صحيح الحلبي (٢) المتقدم في اليمين عن الصادق عليه‌السلام « كل يمين لا يراد بها وجه الله عز وجل فليس بشي‌ء في طلاق أو عتق » بناء على إرادة النذر منه.

وعلى كل حال فلا إشكال في اعتبار نية القربة فيه ، لكن على معنى قصد الامتثال بإيقاعه كغيره من العبادات التي تعلق الأمر بإيجادها على جهة الوجوب أو الندب ، ضرورة عدم الأمر به هنا ، بل ظاهر موثق إسحاق بن عمار (٣) كراهة إيقاعه ، قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني جعلت على نفسي شكرا لله ركعتين أصليهما في السفر والحضر ، فأصليهما في السفر بالنهار؟ فقال : نعم ، ثم قال : إني لأكره الإيجاب أن يوجب الرجل على نفسه ، فقلت : إني لم أجعلهما لله علي ، إنما جعلت ذلك على نفسي أصليهما شكرا لله ولم أوجبه لله على نفسي ، فأدعهما إذا شئت قال : نعم ».

بل المراد بها إنشاء الالتزام بذلك لله لا لغرض آخر ، ومن هنا صح لهم

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب المواقيت الحديث ٣ من كتاب الحج مع اختلاف يسير في اللفظ وذكره بعينه في التهذيب ج ٨ ص ٣١٠ الرقم ١١٥٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من كتاب الايمان الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١.

٣٦٩

الاستدلال على اشتراطها بالنصوص الكثيرة ، كصحيح منصور بن حازم (١) السابق والموثق (٢) المزبور وغيرهما.

ومن هنا قال في المسالك : « ومقتضى هذه الأخبار أن المعتبر من نية القربة جعل الفعل لله وإن لم يجعله غاية له ، وربما اعتبر بعضهم جعل القربة غاية ، بأن يقول بعد الصيغة : « لله » أو « قربة إلى لله تعالى » ونحو ذلك كنظائره من العبادات ـ ثم قال ـ : والأصح الأول ، لحصول الغرض على التقديرين ، وعموم النصوص ، والمراد بنية القربة أن يقصد بقوله : « لله علي كذا » معناه بمعنى أنه لا يكفي قوله : « لله » من دون أن يقصد به معناه ، وإلا فالقربة حاصلة من جعله لله ، ولا يشترط معه أمر آخر كما قررناه » وظاهره حصول النية المعتبرة في العبادات فيه بالقصد المزبور.

وأصرح من ذلك عبارته في الروضة ، قال : « ويستفاد من الصيغة أن القربة المعتبرة في النذر إجماعا لا يشترط كونها غاية للفعل كغيره من العبادات ، بل يكفي تضمن الصيغة لها ، وهو هنا موجود بقوله : « لله علي » وإن لم يتبعها بعد ذلك بقوله : « قربة إلى الله » أو « لله » ونحوه » وبهذا صرح في الدروس وجعله أقرب ، وهو الأقرب ، ومن لا يكتفي بذلك ينظر إلى أن القربة غاية الفعل ، فلا بد من الدلالة عليها ، وكونها شرطا للصيغة ، والشرط مغاير للمشروط ، ويضعف بأن القربة كافية بقصد الفعل لله في غيره ، كما أشرنا ، وهو هنا حاصل ، والتعليل لازم ، والمغايرة متحققه ، لأن الصيغة بدونها إن كان كذا فعلى كذا فإن الأصل في النذر الوعد بشرط ، فتكون إضافته لله خارجة » وفيه مالا يخفى.

وفي حاشية الكركي « عن الدروس يشترط فيها التقرب إلى الله سبحانه ، وهل يكفي النية في التقرب أو لا بد من التلفظ بالتقرب في تمام الصيغة؟ الأقوى

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ٤.

٣٧٠

الأول ـ ثم قال ـ : قلت : إن كان المراد التلفظ بالقربة فالحق أنه لا يشترط ، لكن يشترط التلفظ بما يقتضي القربة ، مثل لله علي ، وبدون ذلك لا ينعقد ».

والموجود عندنا في نسختين من الدروس بعد أن اعتبر في تعريف النذر كونه ناويا للتقرب : « وهل يشترط نية القربة للصيغة أو يكفي التقرب في الصيغة؟ الأقرب الثاني » وهو كالصريح فيما ذكرنا.

وفي كشف اللثام في شرح قول الفاضل في القواعد : « ويشترط في الصيغة نية القربة » قال : « بالمنذور وإن كان النذر لجاج اتفاقا ، وللأصل والنصوص ، ويعطيها قوله : لله ، ولا حاجة إلى زيادة قوله : قربة إلى الله ، للأصل وإطلاق النصوص والفتاوى ».

وفيه أن نية القربة بالمنذور غير نية القربة بالنذر ، على أن المنذور نية قربته إنما هو وقت أدائه لا وقت الالتزام به ، ولا يتم أيضا لو كان المنذور مباحا متساوي الطرفين أو راجحا في الدنيا ، وكان الذي دعاه إلى التفسير المزبور هو عدم تصور نية القربة في النذر نفسه مع فرض عدم الأمر به على وجه يكون عبادة ، بل قد سمعت النهي (١) عن الإيجاب لله.

وأغرب من ذلك دعوى الاجتزاء عن نية القربة المعتبرة في العبادات التي هي امتثال الأمر المتعلق بقول : « لله علي » الذي هو إنشاء سبب الالتزام والوجوب ، نحو « لزيد علي هكذا إن فعل كذا » إذ لا يخفى أنه أجنبي عن نية القربة ، ودعوى أنها لازمة له كما سمعته من الروضة واضحة الفساد ، كوضوح فساد ما ذكره فيها جوابا عن الشرطية. و ( بالجملة ) كلماتهم هنا لا تخلو من تشويش.

وتنقيح الحال أنه إن أرادوا اعتبار نية القربة في النذر على نحو اعتبارها في العبادة ـ لأن النذر من العبادات كما يقضي به مضافا إلى ما هنا قولهم بعدم صحة وقوعه من الكافر ، لتعذر نية القربة منه ـ فلا ريب في عدم الاكتفاء عنها

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من كتاب النذر والعهد.

٣٧١

بقوله : « لله علي » الذي هو جزء صيغة الالتزام ، لعدم دلالته عليه بإحدى الدلالات بل لا بد من نية القربة مقارنة للصيغة ، ويبقى عليهم المطالبة بدليل كونه عبادة ، ضرورة توقفها على أمر يقتضيها ، وليس ، كما أنه لا دلالة في شي‌ء مما ذكروه من النصوص الكثيرة التي ادعوا دلالتها على ذلك ، ضرورة أنه لا تفيد سوى اعتبار كون النذر لله ، أي لا لغيره ، بمعنى أنه يجب في صيغته التي هي سبب الالتزام أن يقول : « لله علي » بمعنى عدم انعقاد النذر لو جعل الالتزام لغير الله من نبي مرسل أو ملك مقرب ، وهذا غير معنى نية التقرب.

وظني والله أعلم أن الاشتباه من هنا نشأ ، وذلك لأنهم ظنوا أن هذه النصوص والتي دلت على المعنى المزبور دالة على اعتبار نية القربة ، ولا يخفى عليك أن كون الفعل لله بمعنى امتثالا لأمره مباين لكونه له ، بمعنى أنه يعتبر في التزام النذر كون الصيغة الالتزام له لا بغيره ولا مدخلية له في نية القربة ، كما هو واضح.

وحينئذ فالمعتبر في النذر كونه لله بالمعنى الذي ذكرناه لا غيره ، وهذا يجامع نذر المباح وغيره ، فان فرض إرادتهم من نية القربة المعنى المزبور كما هو ظاهر سيد المدارك في شرح النافع حيث قال : « ويشترط في صحة النذر قصد الناذر إلى معنى قوله : « لله » وهو المعبر عنه بنية القربة ، وإنما لم يذكره المصنف صريحا ، لأن الظاهر من حال المتلفظ بقول : « لله » أن يكون قاصدا إلى معناه ، حتى لو ادعى عدم القصد لم يقبل قوله فيه » إلى آخره ، بل هو ظاهر بعض ما سمعته من المسالك فمرحبا بالوفاق ، إلا أنه لا وجه للقول بعدم صحته من الكافر لتعذر نية القربة منه ، ولا لقولهم : إن نية القربة يجزئ عنها قول : « لله » ولا نحو ذلك مما لا يخفى عليك من كلماتهم ، حتى قول المصنف وغيره تفريعا على اعتبار نية القربة ( فلو قصد منع نفسه بالنذر لا لله لم ينعقد ) مع أنك قد عرفت نذر الزجر الذي معناه أن المكلف يوقعه لإرادة منع نفسه عن فعل باعتبار عظم المنذور الذي يقتضي وقوع الفعل منه الالتزام به بسبب النذر.

٣٧٢

نعم لو لم يرد بقول : « لله علي » معناه وإنما ذكر لفظه لغضب ونحوه ولم يقصد إنشاء الالتزام بذلك لله لم ينعقد من هذه الجهة ، بل لعل هذا الكلام منهم مشعر بكون المراد من نية القربة التي ذكروها وفرعوا ذلك عليها هو المعنى الذي ذكرناه ، لا نية القربة المعتبرة في العبادات التي هي قصد امتثال الأمر.

بل لعل عبارة الدروس التي ذكرناها في نسختين كذلك أيضا ، ضرورة أن الأول الذي جعله غير أقرب هو نية القربة للصيغة على حسب نية العتق ، بخلاف الثاني الذي جعله أقرب ، وهو التقرب في الصيغة بأن يقول : « لله علي » لا نية قربة اخرى ، وهو امتثال الأمر ، فتأمل جيدا فإن المسألة دقيقة جدا ، ولم أر من حررها.

بقي الكلام في شي‌ء آخر ، وهو أنه يعتبر في الصيغة قول : « لله » بخصوصه على وجه لا يجزئ غيره من أسمائه المختصة فضلا عن المشتركة المقصود بها ذاته أو يجزئ كل واحد منها ، قال في نهاية المرام في شرح قوله في النافع : « ويشترط النطق بلفظ الجلالة ، فلو قال : علي كذا لم يلزم » : « إن مقتضى عبارة المصنف وأكثر الأصحاب أنه لا بد في انعقاد النذر من النطق بلفظ الجلالة ، واكتفى الشهيد في الدروس بأحد الأسماء الخاصة ، وهو محل إشكال ، وكذا الإشكال في انعقاد النذر مع إبدال لفظ الجلالة بمرادفه من الألفاظ العربية » ونحوه في الكفاية.

ولعله لظهور النصوص (١) المزبورة في اعتبار قول « لله » خصوصا قوله في صحيح الحلبي (٢) السابق : « فان قلت : لله فكفارة يمين » بل عن ظاهر الانتصار اعتبار خصوص هذه اللفظة مدعيا عليه إجماع الإمامية ، إلا أنه لا يخفى أن سياق النصوص أجمع إرادة خصوص ذاته المقدسة لا خصوص هذه اللفظة ، ولذا أرسله الشهيد في الدروس

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ـ ٠.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من كتاب الكفارات الحديث ١ من كتاب الإيلاء والكفارات.

٣٧٣

إرسال المسلمات من غير نقل خلاف ولا إشعار باحتمال ، ومنه ومن سكوت غيره يضعف الاعتماد على الإجماع المزبور.

بل المتجه بناء على ما ذكرنا في العقود والإيقاعات عدا ما خرج منها بالدليل الاجتزاء بكل ما دل على إنشاء الالتزام لله تعالى شأنه من غير فرق بين الأسماء المختصة وغيرها ، كما سمعته في اليمين ، بل لا يبعد الاجتزاء بالمرادف من كل لغة لمن لم يحسن العربية على نحو ما ذكرناه في العقد والإيقاع ، لفحوى الاجتزاء بإشارة الأخرس في سائر العقود والإيقاعات ، بل ظاهر الرياض الانعقاد بالمرادف اختيارا أو نحو ذلك يجري في اليمين أيضا ، خصوصا بعد اقتضاء الاحتياط ذلك أيضا.

نعم لو لم يتلفظ أصلا بل اقتصر على قول « علي كذا » لم ينعقد النذر وإن نوى معنى « لله » كما هو ظاهر الأكثر ، للأصل ول قول الصادق عليه‌السلام في خبر مسعدة بن صدقة (١) : « إذا لم يجعل لله فليس بشي‌ء » وخبر إسحاق بن عمار (٢) المتقدم في صلاة الركعتين شكرا وغيرهما من النصوص المعتضدة بفتاوى الأصحاب.

خلافا للمحكي عن ابن حمزة من أنه إن قال : « علي كذا إن كان كذا » وجب الوفاء ولا كفارة ، وإن قال : « علي كذا » استحب الوفاء ، ففرق بين المشروط وغيره ، ولعله لصحيح منصور بن حازم (٣) السابق على ما في نسخ الكافي من الاقتصار على قول : « علي » من دون ذكر « لله » نعم في نسخ التهذيب عن الكافي أو يقول : « لله علي هدى كذا » ولكنه كما ترى. بل في المختلف المحتمل عدم الوجوب في الجميع ، لما تواتر من أن مناط الوجوب تعليق النذر بقوله : « لله »

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١ راجع الكافي ج ٧ ص ٤٥٤ والتهذيب ج ٨ ص ٣٠٣ والموجود في الكافي الطبع الحديث « لله على ».

٣٧٤

إلا أنه في كشف اللثام « لم أظفر بخبر واحد ينص عليه فضلا عن المتواتر ، وما تقدم من الخبرين (١) مع ضعفهما يحتملان الجعل لله بالنية وإن لم يتلفظ به ». وفيه أن النصوص بين صريح وبين ظاهر في ذلك.

وفي قواعد الفاضل « لو قال : علي كذا ولم يقل. لله استحب له الوفاء » ولعله لأنه طاعة أو حمل صحيح منصور بن حازم (٢) على ما في الكافي عليه ، وفي كشف اللثام لخبر إسحاق بن عمار (٣) عن أبي إبراهيم عليه‌السلام « قلت له : رجل كانت عليه حجة الإسلام فأراد أن يحج فقيل له تزوج ثم حج ، فقال : إن تزوجت قبل أن أحج فغلامي حر ، فتزوج قبل أن يحج ، فقال أعتق غلامه ، فقلت : لم يرد بعتقه وجه الله ، فقال : إنه نذر في طاعة الله ، والحج أحق من التزويج ، وأوجب عليه من التزويج ، قلت : فان الحج تطوع ، قال : وإن كان تطوعا فهي طاع لله عز وجل ، فقد أعتق غلامه » وفيه أنه مجرد عن قول : « علي » مع الحكم فيه بحرية الغلام.

وفي النافع « روى إسحاق بن عمار (٤) عن أبي إبراهيم عليه‌السلام في رجل قال : إن تزوجت قبل أن أحج فغلامي حر فبدأ بالنكاح تحرر الغلام وفيه إشكال إلا أن يكون نذرا ».

وعلى كل حال فالأمر سهل من أن الحكم مستحب والفرض إن لم يكن نذرا منعقدا فهو وعد أو شبه الوعد.

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ٤ والباب ـ ٦ ـ منه الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١ في الطبع الحديث منه عن أبى عبد الله عليه‌السلام ، الا ان الموجود في الكافي ج ٧ ص ٤٥٥ والاستبصار ج ٤ ص ٤٨ عن أبي إبراهيم عليه‌السلام.

(٤) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١ في الطبع الحديث منه عن أبى عبد الله عليه‌السلام ، الا ان الموجود في الكافي ج ٧ ص ٤٥٥ والاستبصار ج ٤ ص ٤٨ عن أبي إبراهيم عليه‌السلام.

٣٧٥

وفي خبر عمر بن خالد (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « النذر نذران ، فما كان لله وفى به ، وما كان لغير الله فكفارته كفارة يمين ».

وفي خبر صفوان الجمال (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قلت له : بأبي أنت وأمي جعلت على نفسي شيئا إلى بيت الله الحرام فقال : كفر بيمينك ، فإنما جعلت على نفسك يمينا ، وما جعلته لله فف به ».

وأضعف من ذلك ما عن الشيخين والقاضي من الانعقاد بمجرد النية من دون ذكر شي‌ء أصلا ، وستعرف ضعفه عند تعرض المصنف له.

( و ) كيف كان فـ ( لا بد أن يكون الشرط في النذر ) المعلق ( سائغا إن قصد الشكر ) بمعنى كونه مما يحسن الشكر عليه حتى يشمل ما كان من فعل الله تعالى ، كالعافية ونحوها الذي لا يوصف بكونه سائغا ، فإنه خاص بفعل المكلف ، والأمر سهل بعد وضوح المطلوب.

وقد عرفت في نذر الشكر أنه يجوز كون الشرط واجبا أو مندوبا أو مباحا راجحا في الدنيا أو متساوي الطرفين أو ترك محرم أو مكروه ، لإطلاق الأدلة وعمومها ، كما أنك عرفت في نذر الزجر كونه فعل محرم أو مكروه أو ترك واجب أو ترك مندوب أو ترك مباح راجح أو متساوي الطرفين.

وبالجملة فالمدار على ما يحسن في العرف النذر له شكرا أو زجرا سواء تعلق به أو بغيره ، حتى لو كان على فعل المعاصي من عدو الدين مثلا فيقول : إن افتضح زيد مثلا بأن تجاهر بالزنا وشرب الخمر أو قتل زيد الكافر مثله فلله علي صوم كذا مثلا ، وليس اقتصار المصنف على الشكر لخصوصية فيه ، إذ لا فرق بين نذر الشكر والزجر والاستدفاع في اعتبار كون الشرط سائغا بالمعنى المزبور الذي هو صلاحيته شرعا وعرفا للشكر أو الزجر ، كما هو واضح ، فلا يصح نذر الزجر على فعل المندوب أو ترك المكروه فضلا عن الواجب والمحرم.

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٦ من كتاب الإيلاء والكفارات عن عمرو بن خالد كما في الاستبصار ج ٤ ص ٥٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٣ ـ من كتاب الإيلاء والكفارات.

٣٧٦

( و ) لا بد أيضا أن يكون ( الجزاء ) في نذر المعلق أو مطلقا ( طاعة ) أي عبادة من العبادات كما ستعرف تحقيق الحال فيه.

( و ) على كل حال فـ ( لا ينعقد ) عندنا ( النذر بالطلاق ولا بالعتاق ) كأن يقول : « زوجتي طالق إن فعلت كذا » أو « عبدي حر إن لم أفعل كذا » بل الإجماع بقسميه عليه ، بل النصوص متواترة (١) في عدم انعقاد مثل ذلك ، سواء قصده نذرا أو يمينا ، فإنه لا التزام بالحلف بغير الله تعالى وبالنذر بغير الصيغة المعهودة ، والله العالم.

( وأما متعلق النذر ) سواء كان معلقا أو تبرعا ( فضابطه أن يكون طاعة مقدورا للناذر ، فهو إذن مختص بالعبادات كالحج والصوم والصلاة والهدى والصدقة والعتق ) ونحوها مما هو مأمور به واجبا أو مندوبا على وجه يكون عبادة لصحيح منصور بن حازم (٢) وموثق سماعة (٣) السابقين وصحيح أبي الصباح الكناني (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل قال : علي نذر ، قال ليس النذر بشي‌ء حتى يسمى لله شيئا صياما أو صدقة أو هديا أو حجا » وخبر أبي بصير (٥) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقول : علي نذر ، قال ليس بشي‌ء حتى يسمى النذر ، فيقول : علي صوم لله أو يتصدق أو يعتق أو يهدي هديا ، فان قال الرجل : أنا أهدى هذا الطعام فليس هذا بشي‌ء إنما تهدى البدن » وغيرها من النصوص الظاهرة أو المشعرة بذلك.

وحينئذ فلو نذر محرما أو مكروها لم ينعقد بلا خلاف نصا وفتوى ، بل الإجماع محصلا ومنقولا عن الانتصار وغيره عليه ، بل والمباح المتساوي طرفاه

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من كتاب الايمان.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ٣.

٣٧٧

أو كان راجحا في الدنيا ، بل في الرياض أو الدين ناسبا له إلى إطلاق غير واحد من الأصحاب ، بل عن بعضهم نسبته إلى المشهور ، بل عن ظاهر المختلف في مسألة نذر صوم أول رمضان الإجماع ، حيث قال بعد اختياره جوازه ردا على المبسوط والحلي : للإجماع منا على أن النذر إنما ينعقد إذا كان طاعة.

خلافا للشهيد في الدروس ، قال : « وفي تعلق النذر بالمباح شرطا أو جزاء نظر ، أقربه متابعة الأولى في الدين أو الدنيا ، ومع التساوي رجح جانب النذر ، لرواية الحسن بن علي (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام « في جارية حلف لها بيمين فقال : لله علي أن لا أبيعها فقال : فـ لله بنذرك » وفيه دقيقة ».

بل وللفاضل في القواعد قال : « الثالث ـ أي من أقسام متعلق النذر ـ المباحات كالأكل والشرب ، وفي لزومها بالنذر إشكال ، نعم لو قصد التقوى بها على العبادة أو منع النفس من أكل الحرام وجب ».

وربما يؤيده ـ مضافا إلى خبري (٢) الجارية وإلى عموم الوفاء بالنذر (٣) خبر يحيى بن أبي العلاء (٤) عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما‌السلام « إن امرأة نذرت أن تقتاد مزمومة بزمام في أنفها فوقع بعير فخرم أنفها فأتت عليا عليه‌السلام تخاصم فأبطله فقال : إنما نذرت لله ».

إلا أنها جميعا قاصرة عن معارضة النصوص (٥) المزبور المعتضدة بما سمعت

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١١ وهو نقل بالمعنى.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من كتاب الايمان الحديث ٥ والباب ـ ١٧ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١١.

(٣) سورة الحج : ٢٢ ـ الآية ٢٩ وسورة الإنسان : ٧٦ ـ الآية ٧ والوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٦ من كتاب الإيلاء والكفارات.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ٨.

(٥) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١ و ٣ والباب ـ ١٧ ـ منه الحديث ٤.

٣٧٨

من الشهرة والإجماع المحكي وبالمروي عن ابن عباس (١) قال : « بينما النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يخطب إذا هو برجل قائما في الشمس فسأل عنه ، قالوا : هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم فلا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم ، قال : مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه ».

بل وبصحيح الحلبي (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام إنه قال : « في رجل حلف بيمين أنه لا يكلم ذا قرابة له ، قال : ليس بشي‌ء فليكلم الذي حلف عليه ، وقال : كل يمين لا يراد بها وجه الله فليس بشي‌ء في طلاق أو غيره » بناء على إرادة النذر من اليمين وأن المراد من قوله : « لا يراد بها » إلى آخره أن المنذور يعتبر فيه أن يكون مما يراد به وجه الله تعالى.

بل وبما يشعر به صحيح الكناني (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « ليس من شي‌ء هو لله طاعة يجعله الرجل عليه إلا ينبغي له أن يفي به ، وليس من رجل جعل لله عليه شيئا في معصيته تعالى إلا أنه ينبغي له أن يتركه إلى طاعة الله » بناء على أن المراد مما في صدره التحديد على وجه تكون جميع قيوده معتبرة ، بل وبما يستفاد من ملاحظة جميع النصوص من كون النذر مفيدا للالتزام بما هو ثابت لله على العبد قبل النذر والنذر ملزم به ، ومن هنا كان المنذور جزاء للشكر ، بل لعله لا يتصور كون المباح لله عليه ، فان النذر لا يجعل ما ليس لله له.

وبغير ذلك مما يظهر للمتأمل في النصوص التي لا يعارضها خبر يحيى (٤) السابق الظاهر في كون ذلك راجحا لأن « أفضل الأعمال أحمزها » (٥) فهو

_________________

(١) سنن البيهقي ج ١٠ ص ٧٥.

(٢) ذكر صدره في الوسائل الباب ـ ١١ ـ من كتاب الايمان الحديث ١٢ وذيله في الباب ـ ١٤ ـ منه الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ٦.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ٨.

(٥) نقله ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كما في نهاية ابن الأثير في مادة : « حمز ».

٣٧٩

كالحج ماشيا ، بل ولا خبر الجارية (١) بعد احتمالهما الاختصاص بصورة رجحان البيع على وجه يكون مما يتقرب به إلى الله ، وترك الاستفصال وإن كان يأباه إلا أنه لا يوجب الصراحة ، بل غايته الظهور في العموم ، وهو يقبل التخصيص بتلك الصورة ، جمعا بينهما وبين تلك النصوص الراجحة عليهما من وجوه التي لا وجه لطرحها في مقابلتهما ، سيما بعد قابليتهما للتأويل بما يرجع إليها دونها ، مضافا إلى تضمنهما الأمر بالوفاء بعدم البيع مع رجحانه للحاجة ، وهو مناف لما ذكره جماعة من جواز المخالفة في هذه الصورة ، بل عن بعض نفي الخلاف فيه ، وعن آخر دعوى الإجماع عليه.

وفي خبر زرارة (٢) « قلت لأبي عبد الله : أي شي‌ء لا نذر فيه فقال : كل ما كان لك فيه منفعة في دين أو دنيا فلا حنث عليك فيه » معتضدا بما سمعته في اليمين بناء على قاعدة الشركة معه في أحكامه وإن كان قد عرفت ما فيها. وعلى كل حال فلا ريب في ضعف القول المزبور.

وأضعف منه ما في اللمعة من التفصيل بين المعلق وغيره ، فيعتبر الطاعة في الأول ، ويكفي في الثاني المباح الراجح وإن نسبه في الروضة إلى المشهور ، ولكن لم نتحققه ، بل المتحقق خلافه ، ولعله للجمع بين خبري (٣) الجارية والنصوص (٤) المزبورة بالاقتصار على ما فيهما من نذر التبرع ، إلا أن فيه عدم معلومية كون عدم البيع راجحا في الدنيا ، بل ظاهرهما العكس. ومن هنا قيل بالتفصيل المزبور مع الإطلاق في المباح وإن كنا لم نعرف قائله ، وهو مناف لما

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من كتاب الايمان الحديث ٥ والباب ـ ١٧ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من كتاب الايمان الحديث ٥ والباب ـ ١٧ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١ و ٣ والباب ـ ١٧ ـ منه الحديث ٤.

٣٨٠