جواهر الكلام - ج ٣٥

الشيخ محمّد حسن النّجفي

إلى عيسى فقالوا له : يا معلم الخير أرشدنا ، فقال لهم : إن موسى نبي الله أمركم أن لا تحلفوا بالله كاذبين ، وأنا آمركم ولا صادقين » ولسدير (١) « من حلف بالله كاذبا فقد كفر ، ومن حلف بالله صادقا أثم ، إن الله عز وجل يقول ( وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ ) » وخبر علي بن مهزيار (٢) قال : « كتب رجل إلى أبي جعفر عليه‌السلام يحكي له شيئا ، فكتب : والله ما كان ذلك وإنى لأكره أن أقول : « والله » على حال من الأحوال ، ولكنه غمني أن يقال ما لم يكن » إلى غير ذلك من النصوص.

( وتتأكد الكراهة في الغموس ) المراد بها هنا اليمين الصادقة على الماضي وإن لم يكن ذلك معهودا من معناها ، لما عرفته سابقا ، لكن في كشف اللثام « عن العين أن اليمين الغموس هي التي لا استثناء فيها » وظاهره المستقبل أيضا لا الماضي.

وعلى كل حال فهي مكروهة مؤكدة إذا كانت ( على اليسير من المال ) لمرسل علي بن الحكم (٣) عن الصادق عليه‌السلام « إذا ادعي عليك مال ولم يكن له عليك فأراد أن يحلفك فان بلغ مقدار ثلاثين درهما فأعطه ولا تحلف ، وإن كان أكثر من ذلك فاحلف ولا تعطه ».

بل يستحب عدم الحلف على العظيم من المال أيضا بقصد الإجلال والتعظيم ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) : « من أجل الله أن يحلف به أعطاه خيرا مما ذهب منه » ودفع زين العابدين عليه‌السلام إلى امرأته التي ادعت عليه صداقها أربعمائة دينار (٥) وقال : « أجللت الله عز وجل أن أحلف به يمين بر » وظاهر الخبر الأول تحديد اليسير من المال بمقدار ثلاثين درهما لكن أطلق المصنف والفاضل ، وفي كشف اللثام

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب الايمان الحديث ٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب الايمان الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب الايمان الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب الايمان الحديث ٣.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب الايمان الحديث ١.

٣٤١

أنه يختلف باختلاف الشخص والحال ، ولعل الاقتصار على ما في النص أولى وعلى كل حال فاليمين الصادقة مكروهة.

( نعم لو قصد دفع المظلمة ) عنه أو عن غيره من إخوانه ( جاز ) بلا كراهة ( وربما وجبت ولو كذب ) كما في استنقاذ نفس محترمة من القتل مثلا ، قال الصادق عليه‌السلام (١) في رجل حلف تقية : « إن خشيت على دمك أو مالك فاحلف ترده عنك بيمينك » وقال زرارة (٢) للباقر عليه‌السلام : « نمر بالمال على العشارين فيطلبون منا أن نحلف لهم ويخلون سبيلنا ، ولا يرضون منا إلا بذلك ، فقال : احلف لهم فهو أحلى من التمر والزبد » ومنه يستفاد الرجحان فضلا عن عدم الكراهة. وسئل علي عليه‌السلام (٣) « عن الرجل يحلف لصاحب العشور يحوز بذلك ماله؟ فقال : نعم » وسأل محمد بن أبي الصباح (٤) أبا الحسن عليه‌السلام « إن امه تصدقت عليه بنصيب لها في داره فكتبه شراء فأراد بعض الورثة أن يحلفه على أنه نقدها الثمن ولم ينقدها شيئا ، قال : احلف له » إلى غير ذلك.

( لكن ) في القواعد وغيرها ( إن كان ) ممن ( يحسن التورية وري وجوبا ) وإن لم يكن يمينا تخلصا من الكذب الواجب اجتنابه ما أمكنه ، ( و ) إن لم يحسنها أو أعجله الظالم جاز له ( مع ) الكذب ( اليمين ) عليه و ( لا إثم ولا كفارة ) بلا خلاف ولا إشكال ، لما عرفت ( مثل أن يحلف لدفع ظالم عن إنسان أو ماله أو عرضه ) بل تقدم سابقا أنه يكفي في التورية قصده بما حلف عليه غيره وإن لم يجز استعماله ، فان الحلف على ما في الضمير بل قد يستفاد من إطلاق نصوص المقام عدم

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من كتاب الايمان الحديث ٣ والمستدرك الباب ـ ٨ ـ منه الحديث ٤ راجع الفقيه ج ٣ ص ٢٣٠ ـ الرقم ١٠٨٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من كتاب الايمان الحديث ٦.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من كتاب الايمان الحديث ٨ وفيه « عن الحلبي أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام. ».

(٤) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من كتاب الايمان الحديث ١.

٣٤٢

وجوب التورية وإن أحسنها ، ولا يخلو من قوة وإن كانت أولى مع إمكانها بل تقدم في الطلاق (١) جملة من أحكام التورية وأحكام الإكراه ، فلاحظ وتأمل (٢).

لكن في المسالك هنا « المراد بالتورية أن يقصد باللفظ غير ظاهره ، إما في مفردة بأن يقصد بالمشترك معنى غير المطلوب من الحلف عليه ، بأن يقصد بما في قوله : « ما لفلان عندي وديعة » الموصولة لا النافية ، أو « ماله عندي فراش » ويعني الأرض أو « لباس » ويعني الليل أو النساء أو نحو ذلك ، أو في الإسناد بأن يقول : « ما فعلت كذا » ويعني في غير المكان أو الزمان الذي فعله فيه ، ونحو ذلك » وفيه ما عرفت (٣).

هذا وفي المسالك بعد أن نسب إطلاق المصنف الكراهة إلى جماعة قال : « وليس على إطلاقه ، لما ثبت أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حلف كثيرا ك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) لما حكى عن سليمان عليه‌السلام أنه قال : « لأطوفن الليلة على سبعين امرأة كلها تأتي بفارس يقاتل في سبيل الله » : « وأيم الله والذي نفس محمد بيده لو قال إنشاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون » وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا في زيد بن حارثة (٥) « وأيم الله لأن كان خليقا بالأمارة » وغير ذلك من الأيمان المروية عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله (٦)

_________________

(١) راجع ج ٣٢ ص ٢٠٧ ـ ٢١٠.

(٢) هذا على الترتيب الذي جاء في النسخة الأصلية المبيضة ، والذي يظهر بالدقة في المسودة التي هي بخط المصنف طاب ثراه ـ وفيها تشويش وتخريج غريب ـ أن ما بين القوسين بعد ذكر كلام المسالك والجواب عنه ، أى بعد قوله : « وفيه ما عرفت » مع تقديم وتأخير بين جملتي ما بين القوسين أيضا ، فخرج في الهامش قوله : « بل تقدم في الطلاق ..... فلاحظ وتأمل » قبل قوله : « بل قد يستفاد. مع إمكانها ».

(٣) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة الا أن الموجود في المسودة « وفيه ما عرفت من أن الظاهر أعميتها من ذلك ، لان الحلف على ما في الضمير » وبعد هذا جاء قوله : « بل تقدم في الطلاق. » كما أشرنا إليه في التعليقة المتقدمة.

(٤ و ٥) سنن البيهقي ج ١٠ ص ٤٤.

(٦) سنن البيهقي ج ١٠ ص ٢٦.

٣٤٣

ثم قال ـ : واستثني بعضهم ما وقع منها في حاجة لتوكيد كلام أو تعظيم أمر ، فالأول ك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) : « فو الله لا تمل الله حتى يملوا » والثاني ك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) : « والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا » وباقي ما ورد عنه من الأيمان راجع إلى هذين ، وقسمها الأكثر إلى الأحكام الخمسة ، فقد تجب في مثل إنقاذ المؤمن من ظالم وإن كان كاذبا ويتأول في الدعوى عند الحاكم إذا توجهت عليه ، وقد يحرم إذا كانت كاذبة إلا لضرورة ، وقد تستحب لرفع ظالم عن ماله المجحف به ، وقد يكره كما إذا كثرت ، وعليه تحمل الآية (٣) وفي العرضة تنبيه عليه ، وكالحلف على القليل من المال ، وما عدا ذلك مباح ».

قلت : هو على طوله خال عن التحصيل ، ضرورة عدم منافاة ما ورد من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة عليهم‌السلام من الأيمان لاقترانها بما يزيل مرجوحيتها التي لا تصدر عنهم ، وبهذا الاعتبار انقسمت إلى الأحكام الخمسة ، فلا ينافي الكراهة الثابتة لها مجردة عن هذه الاعتبارات ، كما هو واضح.

ثم إن عبارة المصنف قد تشعر بوجوب الحلف كاذبا لدفع الظالم عن مال غيره أو عرضه ، وأصرح منه عبارة القواعد « وقد تجب الكاذبة إذا تضمنت تخليص مؤمن أو مال مظلوم أو دفع ظلم عن إنسان أو عن ماله أو عن عرضه ».

لكن صرحوا في غير المقام بعدم وجوب الدفاع عن المال مطلقا ، بل في الدروس التصريح هنا بأن الحلف لدفع الظالم عن مال نفسه المجحف به مستحب ، وفي المسالك « أنه يمكن الفرق بين المال المضر فواته بمالكه وغيره في الأمرين ».

وفيه أن الظاهر عدم الوجوب في مال الغير مطلقا ، نعم يمكن حمل كلامهم

_________________

(١) مسند أحمد ج ٦ ص ٥١.

(٢) سنن البيهقي ج ١٠ ص ٢٦.

(٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٤.

٣٤٤

على إرادة القضية المهملة ، فإنه قد يجب ذلك لمال الغير إذا كان وديعة عنده مثلا ، والأمر سهل.

المسألة ( الثانية )

لا خلاف في أن ( اليمين بالبراءة من الله سبحانه أو من رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ) والأئمة عليهم‌السلام ( لا تنعقد ) بل ( و ) لا إشكال ، لأنه بغير اسم الله بل المشهور أنه ( لا يجب بها كفارة ) كما عرفته في كتاب الكفارة (١) بل قد ذكرنا جملة من أحكامه هناك.

( و ) لكن لا خلاف في أنه ( يأثم ولو كان صادقا ، ) بل ولا إشكال للنصوص المشتملة على هذه المبالغة في النهي عنه ، حتى أنه في النبوي (٢) منها « من قال : إني بري‌ء من دين الإسلام فإن كان كاذبا فهو كما قال ، وإن كان صادقا لم يعد إلى الإسلام سالما » وفي خبر يونس بن حنان (٣) قال : « قال لي : يا يونس لا تحلف بالبراءة منا ، فإنه من حلف بالبراءة منا صادقا أو كاذبا فقد بري‌ء منا » إلى غير ذلك من النصوص التي ذكرنا بعضها هناك.

لكن قد يستفاد من قول أمير المؤمنين عليه‌السلام في نهج البلاغة (٤) : « أحلفوا الظالم إذا أردتم يمينه بأنه بري‌ء من حول الله وقوته ، فإنه إذا حلف بها كاذبا عوجل ، وإذا حلف بالله الذي لا إله إلا هو لم يعاجل ، لأنه قد وحد الله سبحانه » جواز تحليف الظالم بالكيفية المزبورة.

بل قد يستفاد أيضا من فعل الصادق عليه‌السلام وتحليفه من وشى به ذلك أيضا ،

_________________

(١) راجع ج ٣٣ ص ١٧٩.

(٢) سنن البيهقي ج ١٠ ص ٣٠.

(٣) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من كتاب الايمان الحديث ٤ عن يونس بن ظبيان.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ من كتاب الايمان الحديث ٢.

٣٤٥

ففي المرسل عن صفوان الجمال (١) « أن أبا جعفر المنصور قال لأبي عبد الله عليه‌السلام : رفع إلى أن مولاك المعلى بن خنيس يدعو إليك ويجمع لك الأموال ، فقال : والله ما كان ـ إلى أن قال المنصور ـ : فأنا أجمع بينك وبين من سعى بك ، فجاء الرجل الذي سعى به فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : يا هذا أتحلف؟ قال : نعم ، والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم لقد فعلت ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ويلك تبجل الله فيستحيي من تعذيبك ، ولكن قل : قد برئت من حول الله وقوته والتجأت إلى حولي وقوتي ، فحلف بها الرجل ، فلم يستتمها حتى وقع ميتا ، فقال المنصور : لا اصدق عليك بعد هذا أبدا ، وأحسن جائزته ورده » ونحوه المروي عن الرضا عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام (٢) في محكي الخرائج والجرائح ، وعن المفيد أنه رواه في إرشاده مرسلا (٣).

إلا أني لم أجد من أفتى بذلك من الأصحاب ، نعم في الوسائل باب جواز استحلاف الظالم بالبراءة من حول الله وقوته (٤) وظاهره الفتوى به ، ولا ريب أن الاحتياط يقتضي تركه إلا في مهدور الدم من الناصب ونحوه.

( و ) كيف كان فقد ( قيل ) والقائل المفيد وسلار والتقي على ما حكي عنهم ( تجب بها كفارة ظهار ) مع المخالفة ( ولم أجد به شاهدا ) معتدا به ، وكذا ما عن النهاية والقاضي من كفارة ظهار ثم كفارة يمين ، وعن الصدوق صوم ثلاثة أيام والصدقة على عشرة مساكين إذا قال : « هو بري‌ء من دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكلما يملكه في سبيل الله ، وأن عليه المشي إلى بيت الله إن كلم ذا من قرابته »

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ من كتاب الايمان الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ من كتاب الايمان الحديث ٣.

(٣) أشار إليه في الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ من كتاب الايمان الحديث ٣ وذكره في الإرشاد ص ٢٥٥ ط حجر إيران.

(٤) وهو الباب ـ ٣٣ ـ من كتاب الايمان.

٣٤٦

والظاهر أن بعض القيود مستغنى عنه في تحقيق الفتوى ، ( و ) ما عن ابن حمزة من كفارة النذر مع المخالفة التي هي عنده كفارة شهر رمضان.

نعم ( في ) توقيع العسكري عليه‌السلام إلى محمد بن يحيى (١) « يطعم عشرة مساكين ويستغفر الله تعالى » وعن الفاضل في المختلف الفتوى به ، ولعله ظاهر المصنف وقد مضى تحقيق الحال في ذلك كله ، وأنه لا كفارة وإن أثم.

( و ) حينئذ فـ ( لو قال : هو يهودي أو نصراني أو مشرك إن كان كذا لم تنعقد ، وكان لغوا ) وإن قلنا أنه من الحلف بالبراءة ، قال إسحاق بن عمار (٢) : « قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام : رجل قال : هو يهودي أو نصراني إن لم يفعل كذا وكذا ، قال : بئس ما قال ، وليس عليه شي‌ء » وسأل أبو بصير (٣) أبا عبد الله عليه‌السلام « عن الرجل يقول : هو يهودي أو نصراني إن لم يفعل كذا وكذا ، قال : ليس بشي‌ء ».

المسألة ( الثالثة : )

( لا يجب التكفير إلا بعد الحنث ) ومخالفة مقتضى اليمين ونقضها ، لأن ذلك هو السبب فيها ، ولا يتقدم المسبب على سببه ، إذ لا يجوز تقديم العبادة قبل وقت وجوبها ، ولا خلاف في أنها لا تجب قبله ، بل في المسالك الإجماع عليه.

( و ) حينئذ فـ ( لو كفر قبله لم يجزه ) ضرورة عدم الخطاب بها ، خلافا لبعض العامة فجوزه قياسا على تعجيل الزكاة قبل تمام الحول ، ول قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) : « إذا

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من كتاب الايمان الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من كتاب الايمان الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من كتاب الايمان الحديث ٣.

(٤) سنن البيهقي ج ١٠ ص ٣١.

٣٤٧

حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فات الذي هو خير ، وكفر عن يمينك » وفي لفظ آخر (١) « فكفر عن نفسك وآت الذي هو خير ».

وهو كما ترى وإن كان في بعض أخبارنا (٢) ما يوافقه إلا أنه محمول على ضرب من الندب أو التقية. ففي خبر طلحة بن زيد (٣) عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما‌السلام « أن عليا عليه‌السلام كره أن يطعم الرجل في كفارة اليمين قبل الحنث » مع احتمال إرادة الحرمة من الكراهة ، نعم عنه عليه‌السلام أيضا في خبر آخر (٤) « إذا حنث الرجل فليطعم عشرة مساكين ، ويطعم قبل أن يحنث ».

المسألة ( الرابعة : )

( لو أعطى الكفارة كافرا أو من تجب عليه نفقته فان كان عالما ) بذلك ( لم تجزه ) بلا خلاف ( و ) لا إشكال فـ ( ان جهل واجتهد ثم بان له لم يعد ) عند المشهور.

( وكذا لو أعطى من يظن فقيرا فبان غنيا ، لأن ) التكليف بـ ( الاطلاع على الأمور الباطنة يعسر ) وفيه أنه لا عسر في الإعادة لو اتفق الخطأ وإنما هو لو أوجبنا الأداء عليه لمن هو كذلك في نفس الأمر ابتداء ، كما أوضحنا ذلك وأشبعنا الكلام فيه في الزكاة (٥) وقلنا هناك : إن القول بالإعادة الموافقة لمقتضى القواعد لا تخلو من قوة فضلا عن المقام الخالي عن معارضة بعض النصوص (٦) التي مرت هناك ، فلاحظ وتأمل.

_________________

(١) مسند أحمد ٤ ص ١٣٧ وج ٥ ص ٦٣.

(٢) المستدرك الباب ـ ١٣ ـ من كتاب الايمان الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥١ من كتاب الايمان الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٥١ من كتاب الايمان الحديث ٢.

(٥) راجع ج ١٥ ص ٣٢٧ الى ٣٣٢.

(٦) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب المستحقين للزكاة من كتاب الزكاة.

٣٤٨

المسألة ( الخامسة : )

( لا يجزئ في التكفير بالكسوة إلا ما يسمى ثوبا ) كما مر في كتاب الكفارة (١) ( و ) حينئذ فـ ( لو أعطاه قلنسوة أو خفا لم يجزه لأنه لا يسمى كسوة ، و ) قد قال الله تعالى (٢) ( أَوْ كِسْوَتُهُمْ ).

نعم ( يجزئ الغسيل من الثياب ) أي المغسول ( لتناول الاسم ) وقد مر الكلام في ذلك في بيان جنس الثوب ، وأنه لا يكون باليا مرقعا ، وغير ذلك من الأحكام في بحث الكفارة (٣) مفصلا ، فلاحظ وتأمل.

المسألة ( السادسة : )

( إذا مات وعليه كفارة مرتبة ولم يوص ) وجب إخراجها مقدما على الميراث كغيرها من الحقوق المالية و ( اقتصر على أقل رقبة تجزئ ) جمعا بين ذلك وبين حق الوارث بلا خلاف أجده فيه ، بل ظاهرهم أنها من الحقوق المالية وإن كان معسرا في حياته قد تعين عليه الصوم في المرتبة ، وليست هي كالعبادات المحضة كالصلاة والصوم الذي لا يجب إخراجها عنه إلا مع الوصية وإن ناقشنا نحن في ذلك في كتاب الوصايا ، بل بملاحظة ما ذكرنا هناك يظهر لك الوجه فيما هنا ، فلاحظ وتأمل.

وحينئذ فالترتيب الواجب عليه يلحظ في تركته ، وتخرج منه ما تبرأ به ذمته ، إلا أنه يجب الاقتصار على أقل الأفراد ما لم يتبرع الوارث بالزائد ، ولا عبرة بإعساره

_________________

(١) راجع ج ٣٣ ص ٢٧٢ ـ ٢٧٥.

(٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٨٩.

(٣) راجع ج ٣٣ ص ٢٧٤ ـ ٢٧٦.

٣٤٩

في حال الحياة ، إذ هي كالديون لا يستثنى له معها ما استثنى له في زمن حياته من الدار ونحوها ، فيجب عتق الرقبة من ماله مع سعته وإلا فالفرد الآخر ، وهكذا. هذا كله إن لم يوص ، وإن أوصى وأطلق فهو كما لم يوص.

( وإن أوصى بقيمة ) للرقبة ( تزيد عن ذلك ) الذي هو أقل رقبة ( ولم يجز الوارث كانت قيمة المجزئ ) الذي هو كالدين ( من الأصل والزيادة من الثلث ) الذي يجب إنفاذ وصاياه منه ، فهو حينئذ كمن أوصى بحج واجب عليه من بلده في إخراج ما قابل الميقات إلى آخر المناسك من الأصل والزائد من الثلث ، ولو فرض عدم سعة ماله لأقل أفراد الرقبة ، ولكنه يسع لصيام الشهرين وجب صرفه فيه ، ولكن مع الاقتصار على أقل الأفراد ، وهكذا الإطعام. ولو فرض عدم حصول فرد غير الأقل بما أوصى به من الزيادة لغت ورجعت ميراثا ، كما هو واضح.

( وإن كانت الكفارة مخيرة ) ولم يوص أخرجت و ( اقتصر على أقل الخصال قيمة ) وأقل أفراد تلك الخصلة ما لم يتبرع الوارث. ( ولو أوصى بما هو أعلى ولم تجز الورثة فإن خرج ) التفاوت ( من الثلث فلا كلام ، وإلا أخرجت قيمة الخصلة الدنيا من الأصل وثلث الباقي ، فإن قام بما أوصى ) وجب إنفاذه ( وإلا بطلت الوصية بالزائد واقتصر على الدنيا ) ولا يجب إخراج الوسطى ، لعدم وجوبها بالأصل ولا بالوصية وإن احتمله الفاضل في القواعد ، قال : « ولو كان عليه كفارة مرتبة اقتصر على أقل رقبة تجزئ ، فإن أوصى بالأزيد ولم يجز الوارث اخرج المجزئ من الأصل ، والزائد من الثلث ، سواء وجب التكفير في المرض أو الصحة ، ويقتصر في المخيرة على أقل الخصال ، ولو أوصى بالأزيد أخرج الزائد من الثلث ، فان قام المجموع بما أوصى وإلا بطلت في الزائد ، ويحتمل الوسطى مع النهوض ».

قلت : لأن الواجب صرف المجموع من حيث نفوذ الوصية به ، وهو بعض الموصى به ، فإذا لم يمكن إنفاذ مجموع ما أوصى به يجب المقدور ، لعموم « إذا أمرتكم

٣٥٠

بشي‌ء فأتوا منه ما استطعتم » (١) إلا أنه كما ترى.

نعم لو أوصى بقدر معين كان يسع العليا فلم يجز الوارث اقتصر حينئذ على إخراج قيمة الدنيا من الأصل وضم إلى ثلثه وصرف في الوسطى ، والفرق بينهما أن الوصية بالعليا نفسها أمر معين فإذا فات لم يكن ما دونه موصى به ، فلا يجب إلا الأدنى الذي يخرج من الأصل ، بخلاف الوصية بقدر يسع العليا المقتضية للتعلق بذلك القدر وبكل جزء جزء ، فإذا فات بعضه لعدم خروجه من الثلث يبقى الباقي ، وهو صالح عوضا عن جميع الخصال ، وليس هكذا الأعلى المعين الذي الأوسط ليس جزء منه ولا موصى به.

وإلى ما ذكرنا يرجع كلام الشهيد في الدروس ، قال : « وتجب إخراج الكفارة من تركة الميت ، ففي المخيرة أدنى الخصال إلا أن يتطوع الوارث بالأرغب ، وفي المرتبة أدنى المرتبة التي هي فرضه ، ولو أوصى بالأزيد ورد الوارث فالزائد من الثلث ، فلو لم يف بالعليا أجزأت الدنيا ، والزيادة ميراث » والله العالم.

المسألة ( السابعة : )

( إذا انعقدت يمين العبد ثم حنث وهو رق ففرضه الصوم في الكفارات مخيرها ومرتبها ) لأنه لا مال له يعتق منه أو يطعم أو يكسي بناء على الأصح من عدم أهليته للملك ، بل ينبغي القطع بذلك بناء على اعتبار الملكية في عتق الكفارة وإطعامها وكسوتها حتى لو أذن السيد أو المتبرع.

( و ) لكن قال المصنف ( لو كفر بغيره ) أي الصيام ( من عتق أو كسوة أو إطعام فإن كان بغير إذن المولى لم يجزه وإن أذن أجزأه ، وقيل : لا يجزؤه لأنه لا يملك بالتمليك والأول أصح ، وكذا لو أعتق عنه المولى باذنه ) وظاهره عدم اعتبار الملكية وإلا فاذن المولى لا يفيدها ، وهو لا يخلو من وجه.

_________________

(١) سنن البيهقي ج ٤ ص ٣٢٦.

٣٥١

وفي المسالك بعد أن أرسل اعتبار الملك في الإطعام والكسوة والعتق إرسال المسلمات قال : « هذا إذا لم يأذن له المول أو نهاه ، وإن أذن له بتكفير بالعتق أو الإطعام أو الكسوة ففي إجزائه قولان ، منشأهما أنه كفر بما لا يجب عليه ، فلا يسقط عنه الواجب ، سواء قلنا بملكه أو أحلناه خصوصا العتق ، لأنه لا عتق إلا في ملك ، نعم لو ملكه مولاه المال وقلنا بصحته اتجهت ، ومن أن المانع من الاجزاء كان عدم القدرة ، فإذا أذن المولى حصلت وجرى مجرى ما لو كفر المتبرع عن المعسر ، وقد تقدم البحث في ذلك في الكتابة ».

قلت : قد اخترنا هناك الصحة ، لإطلاق الأدلة ، إلا أن ذلك لا يقتضي الصحة في غيره ، لاحتمال الفرق بينهما بالملك فيه وإن لم يجز له التصرف فيه بغير التكسب ، فمع فرض رفع الحجر عنه الاذن يندرج في إطلاق الأدلة أما غيره فلا أهلية له للملك.

نعم لو قلنا بعدم اعتبار الملك اتجهت بالصحة حينئذ لإطلاق الأدلة أيضا ولعله لا يخلو من قوة ، خصوصا بناء على إجزاء المتبرع عن المعسر ، إذ هو لا ينقص عنه من هذه الجهة ، فلا يعتبر الملك حينئذ حتى في العتق الذي قد ورد فيه (١) « لا عتق إلا في ملك » لكن قد ذكرنا في محله (٢) أن المراد منه عدم صحة عتق ملك الغير بغير إذنه ، لا أنه لا يصح عتقه عن كفارة الغير باذن مالكه ، وقد ذكرنا بعض النصوص (٣) الدالة على ذلك.

ولا يقال عدم الاجزاء في العبد لأن فرضه الصوم ، فلا يجزئ عنه غيره ، لأن تعين الصوم إنما هو لعدم قدرته على غيره ، فمع فرض الاذن وعدم اعتبار الملك يصير قادرا على غيره ، ويندرج في إطلاق الأدلة ، بل لا فرق بين المولى وغيره في ذلك.

نعم لا بد من إذن العبد إذا نوى الكفارة عنه غيره حتى يكون وكيلا بذلك ،

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من كتاب العتق الحديث ٢ وفيه « لا عتق الا بعد ملك ».

(٢) راجع ج ٣٤ ص ١٤٧ ـ المسألة العاشرة.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب العتق الحديث ٢.

٣٥٢

إذ ليست هي كالديون المحضة التي يصح التبرع بها من دون إذن ، مع احتماله إذا تعقبت الاذن ، بناء على صحة الفضولي في مثله ، كأداء الزكاة والخمس من مال من هما عليه كما ذكرناه في الفضولي ، بل قد يحتمل جواز التبرع من غير حاجة إلى الاذن إن لم يكن إجماع على خلافه ، نحو أداء الصلاة عن الميت ونحوه ، فتأمل جيدا.

المسألة ( الثامنة : )

قد تقدم البحث في أنه ( لا تنعقد يمين العبد بغير إذن المولى ) وقلنا إن الأصح تسلط المولى على فسخه ، لا أن سبق إذنه شرط ( و ) لكن بناء عليه ( لا تلزمه الكفارة قطعا وإن حنث ، أذن له المولى في الحنث أم لم يأذن ) ضرورة عدم انعقادها لفقد شرط صحتها وهو الاذن ، فلا كفارة بالحنث حينئذ ولا إثم.

( أما لو أذن له في اليمين فقد انعقدت ) بلا خلاف ولا إشكال ، وحينئذ ( فلو حنث باذنه وكفر بالصوم لم يكن للمولى منعه ) لإطلاق أدلة الوجوب ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، مع احتماله إلى أن ينعتق أو يتضيق بظن الوفاة.

( ولو حنث من غير إذنه كان له منعه ولو لم يكن الصوم مضرا ) كغيره من أفراد الصوم ، وإذنه في اليمين لا ينافيه ، إذ هي ليست إذنا في الحنث كي تستتبع الاذن في التكفير.

( و ) لكن ( فيه تردد ) من ذلك ومن أن سبب الوجوب مأذون فيه ، والحنث من لوازمه أو توابعه ، والاذن في الشي‌ء إذن في لوازمه أو تستلزم الاذن في لوازمه وتوابعه ، ومن أن التكفير بالصوم صار واجبا عليه وليس للسيد منعه مما وجب عليه كالصوم والصلاة الواجبين ، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ولعله

٣٥٣

الأقوى حتى لو كان مضرا.

خلافا لبعض ففصل بينه وبين غير المضر ، واختاره في الدروس ، قال : « وفرض العبد في جميع الكفارات الصوم ، فلو أذن المولى في العتق أو الإطعام ففي الإجزاء خلاف سبق ، وإنما تلزم الكفارة إذا كان الحلف باذن السيد والحنث باذنه ، ولو حلف بغير إذنه فلغو ، وإن حنث باذنه قال الشيخ : يكفر لأن الحنث من لوازم اليمين ، ولو حلف باذنه وحنث بغير إذنه فله منعه من الصوم المضر به ولو لم يضر به ففي المنع وجهان ، ولو زال الرق ولما يبطله السيد فالأقرب الانعقاد ، ويراعى فيه ما يراعى في الحر حينئذ ، وكذا لو كان الحلف باذنه ثم أعتق ، فيعتبر حال الأداء ». وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه.

واحتمل في القواعد أن له المنع عن المبادرة ، قال : « وإذا انعقدت يمين العبد ثم حنث وهو رق ففرضه الصوم في المخيرة والمرتبة ، فإن كفر بغيره من إطعام أو عتق أو كسوة بإذن المولى صح على رأي وإلا فلا ، وكذا يبرأ لو أعتق عنه المولى ، ولو حلف بغير إذنه لم ينعقد على قول علمائنا ، فإن حنث فلا كفارة ولو بعد العتق وإن لم يأذن له المولى فيه ، ولو أذن في اليمين انعقدت ، وإن حنث باذنه كفر بالصوم ، ولم يكن للمولى منعه ، ولو قيل بمنع المبادرة أمكن ، ولو حنث بغير إذنه قيل : له منعه من التكفير وإن لم يكن الصوم مضرا وفيه نظر ، فلو حنث بعد الحرية كفر كالحر ، وكذا لو حنث ثم أعتق قبل التكفير ».

ولو حلف بغير إذنه وحنث بغير إذنه فلا كفارة قطعا ، بناء على أن شرط الصحة الاذن وإلا جاء الكلام السابق.

ولو حلف بغير إذن وحنث بها فإن أبطلنا يمينه بدونه فلا كفارة ، وإن قلنا بكونها موقوفة ففي المسالك « في استلزام الاذن في الحنث الإجازة وجهان ، من ظهور دلالته عليه ، ومن احتمال الأمرين ، فيستصحب أصالة البراءة ، وهو الأجود ـ ثم قال ـ : ويتفرع عليهما الصوم ، فعلى الأول له الصوم بغير إذنه ، لأن الحنث

٣٥٤

يستعقب الكفارة ، فالإذن فيه إذن في التكفير ، كما أن الاذن في الإحرام إذن في بقية أفعال الحج ، وعلى الثاني يتوقف لزومهما على عتقه إن جعلناه كاشفا عن لزومه حين الحلف ، وإن جعلناه سببا فلا كفارة ».

قلت : لا يخلو ما ذكره أخيرا من بحث ، وعلى كل حال فالأقوى وجوب التكفير عليه بالصوم مطلقا ، نعم يبقى الإشكال في أن له المنع من المبادرة كما في كل واجب موسع ومطلق. أو لا كما جزم به الكركي ، والله العالم.

المسألة ( التاسعة : )

( إذا حنث بعد الحرية كفر كالحر ) بلا خلاف ولا إشكال ، لأن الحرية هي حال الأداء ، بل ( و ) كذا ( لو حنث ثم أعتق فـ ) ان ( الاعتبار بحال الأداء ) كالحر لا حال الوجوب ، لأنها عبادة ، والعبادات يراعى فيها حال الأداء لا حال الوجوب ، بل الظاهر أن خطابها كذلك وحينئذ ( فإن كان موسرا كفر بالعتق أو الكسوة أو الإطعام ، ولا ينتقل إلى الصوم إلا مع العجز ) عن الإطعام ، ( هذا في المرتبة ، وفي المخيرة كفر بأي خصالها شاء. )

خلافا لبعض فجعل الاعتبار بحال الوجوب ، لأن الكفارة نوع تطهير يختلف حاله بالرق والحرية ، فينظر إلى حالة الوجوب كالحد ، فإنه إذا زنى وهو رقيق ثم أعتق ، أو بكر ثم صار محصنا بعد العتق أقيم عليه حد الرق والبكر ، وهو كما ترى لا يرجع إلى محصل شرعي يصح الاعتماد عليه ، خصوصا بعد أن كان ظاهر الأدلة ما ذكرنا ، سيما بملاحظة حال الصلاة المختلف كيفية فعلها قصرا وتماما وصلاة قادر وغيره باعتبار حال أدائها ، والله العالم.

٣٥٥

( كتاب النذر )

الذي هو لغة الوعد بشرط أو مطلقا بخير أو بشر ، وعن ابن فارس أن أصل النذر يدل على التخويف وأنه إنما سمي به لما فيه من الإيجاب والتخويف من الأخلاف.

وشرعا بالمعنى الذي سمعته مكررا في غيره الالتزام بالفعل أو الترك على وجه مخصوص ، وإليه يرجع ما عن المهذب والدروس وغيرهما من أنه التزام الكامل المسلم المختار غير المحجور عليه بفعل أو ترك بقول : « لله تعالى » ناويا القربة.

والأصل في مشرعيته بعد الإجماع والسنة المتواترة التي سيمر عليك شطر منها قوله تعالى (١) ( وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) و ( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) (٢).

( و ) كيف كان فـ ( النظر في الناذر والصيغة ومتعلق النذر ولواحقه ) فهي أمور أربعة.

( أما الناذر فهو البالغ العاقل المسلم ، فلا يصح من الصبي ) وإن ميز وبلغ عشرا وكان المنذور ما يصح منه من الوصية بالمعروف وإن قلنا بشرعية عبادته إلا أنه قد عرفت سلب عباراته التي منها العبادة القولية المترتب عليها أحكام شرعية حتى صارت من هذه الجهة كالايقاع والعقد اللذين لا إشكال في عدم صحتهما منه ، للأصل وحديث الرفع (٣) والإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى معلومية عدم

_________________

(١) سورة الحج : ٢٢ ـ الآية ٢٩.

(٢) سورة الإنسان : ٧٦ ـ الآية ٧.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.

٣٥٦

التكليف قبل البلوغ.

( ولا من المجنون ) بقسميه بلا خلاف ولا إشكال ، نعم يصح من الأدواري حال إفاقته والوثوق بفعله.

( ولا من الكافر ) بأقسامه ( لتعذر نية القربة في حقه ) باعتبار شرطية الايمان بصحة عبادته والفرض عدمه ، فلا يتصور نية القربة منه ، إذ ليس المراد منها أفعل كذا قربة إلى الله وإن لم يكن الفعل مقربا له ، ومن هنا لم أجد خلافا في عدم صحته منه بين أساطين الأصحاب كما اعترف به في الرياض.

نعم تأمل فيه سيد المدارك وتبعه في الكفاية ، فإنهما بعد أن اعترفا بالشهرة وذكر الدليل المزبور قالا : « وفيه منع واضح فان إرادة التقرب ممكنة من الكافر المقر بالله » وفي الرياض لا يخلو من قوة إن لم يكن الإجماع على خلافه كما هو الظاهر إذ لم أر مخالفا سواهما من الأصحاب ، والاحتياط لا يخفى ، وهو كما ترى بعد الإحاطة بما ذكرناه ، وقد مر بعض الكلام في ذلك في العتق وغيره ، بل الظاهر عدم صحته من المخالف حتى فرق الإمامية غير الاثنى عشرية ، لما عرفته من أن الايمان بهم عليهم‌السلام شرط صحة العبادات كما استفاضت به النصوص (١) بل كاد يكون من ضروريات المذهب.

( و ) حينئذ فمع معلومية ( اشتراطها ) أي النية ( في النذر ) كما ستعرف لا ينبغي التأمل في عدم الصحة ، إذ هو كالصلاة والصوم ونحوهما مما علم بطلانها من غير الإمامي وإن جاء بها جامعة بجميع الشرائط عدا الايمان بهم عليهم‌السلام أجمع ، نعم ستعرف المناقشة في اعتبارها فيه عند تعرض المصنف لذلك.

( لكن لو نذر ) الكافر ( فأسلم استحب له الوفاء ) كما صرح به غير واحد ، لما روي من أن عمر قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « كنت نذرت اعتكاف ليلة

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب مقدمة العبادات.

٣٥٧

في الجاهلية فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أوف بنذرك » مؤيدا بالاعتبار ، وهو أنه لا يحسن أن يترك بسبب الإسلام ما عزم عليه في الكفر من خصال الخير التي الإسلام أولى بها ، مع أن الحكم استحبابي يتسامح فيه.

( و ) كيف كان فـ ( يشترط في نذر المرأة بالتطوعات إذن الزوج ) وفاقا للمشهور بين الأصحاب سيما المتأخرين كما قيل ، للصحيح (١) « ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق ولا صدقة ولا تدبير ولا هبة ولا نذر في مالها إلا بإذن زوجها إلا في حج أو زكاة أو بر والديها أو صلة رحمها » مؤيدا بالمعتبرين (٢) المتقدمين في اليمين بناء على شيوع إطلاقها على النذر في النصوص المستفيضة.

( منها ) ما وقع الإطلاق فيه في كلام الأئمة عليهم‌السلام كالمعتبرين : أحدهما الموثق بعمار عن سماعة (٣) « لا يمين في معصية ، إنما اليمين الواجبة التي ينبغي لصاحبها أن يفي بها ما جعل لله عليه في الشكر إن هو عافاه من مرض أو عافاه من أمر يخافه أو رد عليه ماله أو رده من سفره أو رد رقه فقال : لله علي كذا وكذا شكرا فهو الواجب على صاحبه أن يفي به » والثاني (٤) « جعلت على نفسي شيئا إلى بيت الله تعالى قال : كفر يمينك ، فإنما جعلت على نفسك يمينا فما جعلته لله تعالى فف به ».

و ( منها ) ما وقع الإطلاق فيه في كلام الرواة مع تقرير الأئمة عليهم‌السلام لهم

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الايمان الحديث ٢ والباب ـ ١١ ـ منه الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ٤ عن عثمان بن عيسى عن سماعة ، وفيه « أو رزقه رزقا » بدل « أو رد رقه » كما يأتي نقله كذلك في الجواهر في ص ٣٦٧ الرقم (٣).

(٤) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ٤ وفيه « شيئا الى بيت الله ».

٣٥٨

عليه ، وهو مستفيض ( منها ) (١) الخبر « إن لي جارية ليس لها مني مكان ولا ناحية وهي تحتمل الثمن ، إلا أني كنت حلفت فيها بيمين ، فقلت : لله علي أن لا أبيعها أبدا ، وبي إلى ثمنها حاجة لمئونة فقال : فـ لله بقولك » ونحوه آخر (٢).

وفي ثالث (٣) « عن الرجل يحلف بالنذر ونيته في يمينه التي حلف عليها درهم وأقل ، فقال : إذا لم يجعله لله فليس بشي‌ء ».

وفي رابع (٤) « إني كنت أتزوج المتعة فكرهتها وتشاقيت بها ، فأعطيت لله عهدا بين الركن والمقام وجعلت علي في ذلك نذرا أو صياما أن لا أتزوجها ، ثم إن ذلك شق علي وقدمت على يميني ، ولم يكن بيدي من القوة ما أتزوج في العلانية فقال : عاهدت الله أن لا تطيعه ، والله لئن لم تطعه لتعصينه ».

مضافا إلى ما دل من النصوص (٥) على اشتراط اليمين بالقربة المحمول على النذر ، لما عرفته من الإجماع على عدم اشتراط اليمين بها.

وفي الرياض « وحيث ثبت إطلاق اليمين على النذر فاما أن يكون على سبيل الحقيقة أو المجاز والاستعارة ، وعلى التقديرين فدلالة المعتبرين على المقصود واضحة ، لكون النذر على الأول من جملة أفراد الحقيقة المتعينة ، وعلى الثاني مشاركا لها في أحكامها الشرعية ، ومنها انتفاؤها عند عدم إذن الثلاثة ، هذا مضافا إلى إلغاء الفرق بالاستقراء والتتبع التام الكاشف عن اشتراك النذر واليمين في كثير

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من كتاب الايمان الحديث ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب المتعة الحديث ١ من كتاب النكاح وفيه « وتشأمت بها » كما يأتي نقله كذلك في الجواهر.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من كتاب الايمان.

٣٥٩

من الأحكام ، ولذا يقال : إنه اليمين في نفسها وبالجملة بملاحظة جميع ما ذكر يظهر الظن المعتمد عليه بصحة ما عليه الأكثر ».

قلت : لا يخفى عليك أن الاستعارة المزبورة في النصوص المذكورة لا تقتضي الشركة التي ذكرها ، كما أنه لا حجة في الاستقراء الذي ذكرها ، خصوصا بعد افتراقهما بأحكام كثيرة ، كنية القربة ورجحان المتعلق وغيرهما ، وليس الإطلاق المزبور نحو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) : « الطواف بالبيت صلاة » إذ لا شي‌ء في النصوص أن النذر يمين ، كما هو واضح.

نعم قد يقال : إن المراد باليمين في المعتبرين ما يشمل النذر بقرينة الشهرة بين الأصحاب والظن باتحاد المنشأ فيهما ، وهو وجوب طاعة الزوج وكونه قيما على المرأة.

مضافا إلى الصحيح المزبور الذي لا يقدح في حجيته اشتماله على ما لا نقول به من الأمور المزبورة وعلى الاستثناء الذي قد يقال بمنافاته أيضا بعد انجباره بالعمل ، وقاعدة عدم خروج الخبر عن الحجية بعدم العمل ببعضه والاستثناء إنما هو من التصرف في مالها ، ولا ريب في جواز ذلك لها ، بل وجوبه في الحج الواجب والزكاة الواجبة ، وصلة الرحم كذلك ، كما أنه لا ينافيه جواز تبرعها في مالها بغير إذنه ، إذ لعل للإلزام حكما يفارق التبرع ، كما في الولد بل والعبد فيما لا يضر بالسيد ، كالحلف على بعض الأقوال المندوبة ونحوها ، وكأنه لعموم قواعد الشرع ، فلم يجعل له ولا للولد والزوجة يمينا ونذرا مطلقا وإن لم يكن مما نافى حق الزوج وحق الولد وحق السيد.

ولعله لذا قال المصنف وغيره ( وكذا يتوقف نذر المملوك على إذن المالك ، فان ) لم يأذن و ( بادر لم ينعقد وإن تحرر ، لأنه وقع فاسدا ) بل في الرياض نفي الخلاف فيه ، بل عن صريح المسالك الإجماع عليه وإن لم أتحققه ، مضافا إلى

_________________

(١) سنن البيهقي ج ٥ ص ٨٧.

٣٦٠