جواهر الكلام - ج ٣٥

الشيخ محمّد حسن النّجفي

المسألة ( الخامسة : )

( لو قال : ) والله ( لا بعت الخمر فباعه قيل : لا يحنث ) لما عرفت من انسياق البيع الصحيح المتعذر في الفرض ، بل قد سمعت دعوى كون البيع حقيقة فيه. ( ولو قيل يحنث كان حسنا ) بل هو المحكي عن الأكثر ( لأن اليمين ) فيه وفي أمثاله ( ينصرف إلى صورة البيع ) صونا للكلام عن الهذر ( فكأنه حلف لا يوقع الصورة وكذا لو قال : لا بعت مال زيد قهرا. )

نعم في المسالك « على هذا التقدير هل يشترط اجتماع شرائط الصحة لولاه؟ قيل : نعم لأنه أقرب المجازات إلى الحقيقة ، فيحمل عليه عند تعذرها ، ويحتمل عدمه ، للأصل ووجود الصورة على التقديرين » وفي القواعد أن الأول أقرب. قلت : لا يخفى عليك قوة الثاني ، ضرورة تحقق اسم البيع فيه.

( ولو حلف ليبيعن الخمر ) حقيقة ( لم تنعقد يمينه ) لتعذره.

ولو حلف لا يبيع حنث بالبيع مع الخيار ، بل في كشف اللثام « قلنا بالانتقال بمجرده أولا ، لأن البيع إنما هو العقد » بل فيه وفي القواعد « وبالبيع المختلف فيه صحة وفسادا كوقت النداء ما لم يعلم حاله من الصحة والفساد ، بأن لا يكون مجتهدا ولا يمكنه الرجوع إلى مجتهد يرجح أحد الرأيين أو يكون مجتهدا مترددا فيهما ، وذلك لأن الأصل الصحة ، فيحكم بها ما لم يعلم الفساد وإن كان الأصل عدم الحنث » قلت : ولا يخلو بعض ذلك من نظر.

٣٢١

( المطلب الخامس)

( في مسائل متفرقة )

( الأولى : )

( إذا لم يعين لما حلف وقتا ) كان وقته العمر فـ ( لم يتحقق الحنث إلا عند غلبة الظن بـ ) عدم التمكن منه بعد هذا الوقت لظن ( الوفاة ) أو غيره بناء على ان الأمر المطلق لا يقتضي فورا ولا تراخيا ( فـ ) متى ظن ( يتعين قبل ذلك الوقت بقدر إيقاعه كما إذا قال : ) والله ( لأقضين حقه ، لأعطينه شيئا لأصومن لأصلين ) ونحو ذلك ، فان لم يفعل أثم بالتأخير ، ثم إن مات قبل فعله وكان مما يقضى قضي عنه وإلا فات كما لو حلف ليكلمن زيدا فمات قبله ، ولو فرض كذب ظنه بأن زال المرض الذي ظن إيصال الموت به أو نحو ذلك فالظاهر بقاء حكم اليمين ، ولا يحنث وإن أثم بالتأخير ، للأصل ولأن التضييق إنما جاء بأمر عارض لا بأصل اليمين ، بخلاف المعين بأصله.

ومثله إذا عين وقتا للمحلوف عليه وكان أوسع منه ، فإنه يكون حينئذ كالواجب الموسع في جواز التأخير إلى آخر الوقت ، فلو فرض حصول ظن الضيق قبل انتهاء الوقت فلم يفعل وبان كذب ظنه بقي على حكم التوسعة الأولى ، وكذا الحكم في الموسع الأصلي كالصلاة ، ولا يقوم الضيق لعارض الظن مقام الوقت المضيق ولا خروجه بخروج الوقت ، كما هو واضح.

نعم أصل التوسعة المزبورة في الأوامر المطلقة محل بحث وإن كان هو الأشهر أو المشهور بين الأصحاب ، بل لم يذكر في المسالك في مقابله إلا قولا

٣٢٢

نادرا ، وهو أنه يتعين فعله أول أوقات الإمكان قال : « نظرا إلى اقتضاء الأمر المطلق الفور ـ ثم قال ـ : وهو ممنوع ولو سلم لم يلزم مثله في اليمين » لكن ربما قيل بتجديد الأوامر المطلقة التي منها الأمر بوجوب الوفاء بالحلف بالوصول إلى حد التهاون والتكاسل عنه عرفا.

وفيه أن ذلك ليس غاية يتضيق بها الفعل من حيث فوات الوقت وإن قلنا بحرمته التي يمكن التخلص منها بالعزم على الفعل والأخذ بأدائه وإن تضيق ، نعم لو فرض توقف ارتفاع التهاون على الفور بأدائه وجب ، وهو أمر آخر غير التضييق بفوت فوات الوقت فتأمل. وقد أشبعنا الكلام فيه في الأصول.

ولا يخفى عليك ما في قوله : « ولو سلم لم يلزم مثله في اليمين » ضرورة كون البحث فيه كغيره من الأمر المطلق ، إذ لا دليل بالخصوص فيه يخرجه عن حكم الأمر المطلق ، اللهم إلا أن يدعى ظهور بعض نصوص اليمين مضافا إلى الإجماع على عدم الفور فيه ، والله العالم.

المسألة ( الثانية : )

( إذا حلف ليضربن عبده ) مثلا ( مائة سوط قيل ) والقائل الشيخ في محكي مبسوطة وخلافه وتبيانه ( يجزئ ) ضربة واحدة بـ ( الضغث ) بالكبس الذي فيه العدد من الشماريخ أو الأسواط ، بل عنه في الخلاف الإجماع صريحا ، وفي الأخيرين ظاهرا ، وعن القاموس « هو قبضة حشيش مختلط الرطب واليابس ».

وفي المسالك « هو لغة مل‌ء اليد من الحشيش ونحوه ـ ثم قال ـ : والمراد هنا ضربة بقبضة تشتمل على عدد من القضبان والسياط ونحوهما ، ووجه الاجزاء ما في قصة أيوب عليه‌السلام حين حلف ليضربن زوجته مائة من قوله تعالى (١) : ( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ ) الظاهر في تحقق متعلق اليمين المقتضي

_________________

(١) سورة ص : ٣٨ ـ الآية ٤٤.

٣٢٣

لعدم الحنث بضربها بعذق فيه مأة شمراخ ، ولأن الضرب حقيقة هو وقوع المضروب به على المضروب بقوة بفعل الضارب وقد حصل ، بل حصل صدق الضرب مائة باعتبار كون المضروب بالعدد المزبور » بل في كشف اللثام « لا خلاف في أنه لو حلف ليضربنه مائة ضربة بربه لأن لكل شمراخ ضربة ».

نعم يبقى الكلام في صدق اسم السوط به في مفروض المثال الذي لا يتحقق إلا بضغث يشتمل على مائة سوط ، بناء على أن المراد به الحزمة مما يضرب به سوطا كان أو غيره ، فيكون متعلق اليمين في المثال حزمة تشتمل على مائة سوط ، أما لو فرض كون المحلوف عليه لأضربنه مائة اكتفى بالعذق ذي الشماريخ ، بل العدد المزبور ، بل لم يستبعد في كشف اللثام صدق اسم السوط حقيقة على الشماريخ.

وكيف كان فلا يخفى عليك قوة القول المزبور على هذا التقدير ، ضرورة صدق اسم الضرب مائة وإن كان دفعة ، واعتبار دعوى التعاقب ممنوعة ، بل كادت الآية (١) تكون صريحة بخلافه مضافا إلى العرف.

ولكن مع ذلك قال المصنف وتبعه غيره ( والوجه انصراف اليمين إلى الضرب بالالة المعتادة كالسوط ) وظاهره مخالفة الشيخ في الاكتفاء بالضرب بالضغث ، وهو ليس من الإله المعهودة ، ولا يندرج فيه السوط لا من حيث التعاقب والدفعة ، ( و ) قد عرفت اندفاعه بإرادة القبضة مما يسمى سوطا مقدار مأة من الضغث هنا ، فلا مناقشة من هذه الجهة ، مضافا إلى عطفه ( الخشبة ) على السوط المقتضي للاجتزاء بها في مفروض المثال الذي هو الضرب مائة سوط ، ولا وجه له إلا بدعوى إرادة ما يشملها من السوط ، وهي ليست بأولى من الدعوى الأولى ، فتأمل جيدا.

ثم قال ( نعم مع الضرورة كالخوف على ) تلف ( نفس المضروب يجزئ الضغث ) وكأنه أخذه مما ورد من الاجتزاء به في الحدود في الحال المزبور ، قال

_________________

(١) سورة ص : ٣٨ ـ الآية ٤٤.

٣٢٤

حنان بن سدير (١) عن الصادق عليه‌السلام « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اتي برجل أجنبي قد استسقى بطنه وبدت عروق فخذيه وقد زنى بامرأة مريضة ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاتى بعرجون فيه مأة شمراخ فضربه به ضربة وخلى سبيله » وذلك قوله تعالى (٢) ( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ ) ولكنه كما ترى إنما هو في خصوص الحدود التي يمكن ترتب الشارع الاجتزاء بالمصداق فيها على حالي الاختيار والاضطرار ، ولا يقاس عليها اليمين بعد فرض الصدق اختيارا خصوصا وظاهر قصة أيوب عليه‌السلام ذلك في الاختيار ، فلا وجه لقصر ذلك على حال الاضطرار كما في الحدود نعم يبقى إشكال اسم السوط في خصوص المثال ، وقد عرفت الحال فيه.

وكيف كان فلو كان المحلوف عليه الضرب أجزأه مسماه وإن كان لا يكفى فيه وضع اليد والسوط ورفعهما والعض والقرص والخنق ونتف الشعر ، خلافا لأبي علي فقال بالحنث بالعض والخنق والقرص ولأبي حنيفة فقال بالحنث بالأولين ونتف الشعر (٣) نعم في الوكز واللكز واللطم وجهان ، أجودهما اعتبار صدقه عرفا.

وهل يشترط فيه الإيلام؟ قيل : لا ، بل عن ظاهر الخلاف الإجماع عليه ، لانقسام الضرب إلى المؤلم وغيره ، والمقسوم صادق على أقسامه حقيقة ، والعام لا يدل على الخاص ، ولصدق سلبه عنه ، فيقال : ضربه ولم يؤلمه ، وهو يقتضي نفي اللزوم ، ويخالف الحد والتعزير حيث يعتبر فيهما الإيلام بسبب أن الغرض هناك الزجر

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب مقدمات الحدود الحديث ١ من كتاب الحدود.

(٢) سورة ص : ٣٨ ـ الآية ٤٤.

(٣) هكذا في النسختين الأصليتين وفي العبارة تشويش ، حيث ان الكلام في تحقق المحلوف عليه بهذه المعدودات وعدمه ، فليس القول بالحنث ببعضها خلافا في المسألة.

٣٢٥

الذي لا يحصل إلا به بخلاف اليمين المعلقة بمصداق الاسم.

وقيل : يشترط الإيلام كما في القواعد ، للعرف ولأن اليمين لا تنعقد إلا مع رجحان الضرب بسبب حد أو تعزير أو تأديب ، ولا يحصل الغرض بدونه ، وفيه أن هذه قرائن ، والكلام في جعل متعلق اليمين مسمى الضرب ، وإلا فمع القرائن لا يحنث.

( هذا ) كله مع فرض انعقاد اليمين على وجه يقتضي الحنث لو لم يفعل ، كما ( إذا كان الضرب ) لـ ( مصلحة ) دينية ( كاليمين على إقامة الحد أو التعزير المأمور به ) البالغ مائة سوط أو دونه.

و ( أما التأديب على شي‌ء من المصالح الدنيوية فالأولى العفو ولا كفارة ، ) لعدم الانعقاد حينئذ باعتبار أن تركها خير منها ، ولخصوص خبر محمد بن العطار (١) المنجبر بالشهرة كما في المسالك ، قال : « سافرت مع أبي جعفر عليه‌السلام إلى مكة فأمر غلامه بشي‌ء فخالفه إلى غيره ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : والله لأضربنك يا غلام ، قال : ولم أره ضربه ، فقلت : جعلت فداك إنك حلفت لتضربن غلامك فلم أرك ضربته ، فقال : أليس الله يقول ( وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى ) (٢) » بل منه يستفاد الاستدلال أيضا بالاية وإن كانت مساقة لغير ذلك.

بقي شي‌ء وهو أن ظاهر قول المصنف وغيره. الأولى جواز فعل المحلوف عليه من حيث إنه محلوف عليه ، بل صرح الكركي في حاشيته بأن المراد منه الأفضل ، وفي غاية المراد « ليست هذه الأولوية من الأولويات الدالة على خلاف أو وجه في المسألة ، بل المعنى الأولى لهذا الحالف أن يعفو ، لا الأولى في الحكم أن يكون كذا ، ويحتمل فيه غير ذلك » قلت : لعل المراد منه بيان عدم انعقادها أو انحلالها ، لأن العفو خير.

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٨ ـ من كتاب الايمان الحديث ١.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٧.

٣٢٦

( و ) كيف كان فـ ( يعتبر في الضغث ) حيث يجتزأ به عن الضرب مائة ( أن يصيب كل قضيب جسده ) كما صرح به غير واحد ، ليتحقق صدق الضرب به ، لكن في المسالك « سيأتي في باب الحدود عدم اشتراط وصولها إليه أجمع ، ويكفي انكباس بعضها على بعض ، بحيث يناله ثقل الكل ، وهنا أولى بالحكم ، لما تقدم من أن المقصود من الحد الردع ، وهنا الاسم ، والآية (١) تدل عليه ، ومن المستبعد في العدد المجتمع إصابة جميعه للبدن ، خصوصا إذا اجتمعت المائة كما ذكروه ، والوجه التسوية بين الأمرين ، وحيلولة بعضها ببعض مع إصابة ثقلها كحيلولة الثياب وغيرها مما لا يمنع تأثير البشرة بالضرب ، والغرض هنا التخفيف ومراعاة المسمى ، كما تدل عليه الآية (٢) فالاكتفاء بذلك أولى ».

قلت : هذا الكلام على طوله لا حاصل له ، ضرورة عدم جريان ما ثبت في الحدود بدليل خاص في المقام المعتبر فيه صدق المحلوف عليه ، فمع فرض عدم الصدق للضرب مائة إلا مع إصابتها أجمع على وجه يتحقق الضرب بها لا يكفي وإن اكتفي بها في الحد للتخفيف بدليله.

نعم قد يقال : لا يعتبر في صدق الضرب بالضغث ذلك لو كان هو المحلوف عليه ، فان المتعارف من الضرب به هو كبسه أجمع ثم الضرب به ، وحينئذ لا يحتاج إلى ذكر حكم الحد ، وفرق واضح بين الحلف على الضرب مائة وبين الحلف على الضرب بالضغث ، بل وبين الضرب بمائة سوط وبينه أيضا

لكن في القواعد الأقرب الاجتزاء بالثاني عن الأول أي لغير ضرورة ، وفي كشف اللثام « لأنه إنما أفاد كون الإله مائة ـ ثم قال ـ : ويحتمل العدم ضعيفا بناء على تبادر التعاقب » ولا يخفى عليك ما في الجميع.

( و ) على كل حال يبر بالسوط الواحد مائة مرة فيما لو حلف على الضرب بمائة إلا أن ينوي ما لا يشمل ذلك ، إذ قد يراد ذلك.

هذا وفي القواعد وظاهر كشف اللثام أنه ( يكفي ظن وصولها إليه )

_________________

(١) سورة ص : ٣٨ ـ الآية ٣٣.

(٢) سورة ص : ٣٨ ـ الآية ٣٣.

٣٢٧

ولعله لعموم الآية (١) والخبر (٢) ومناسبة التخفيف ، لأنه يتعسر حصول ( تحصيل خ ل ) العلم مع الضرب دفعة ، ولكن الجميع كما ترى ، ضرورة عدم دليل على الاجتزاء بالظن بعد فرض اعتبار وصول الجميع إلى الجسد ، والآية والخبر إنما يدلان على صدق الضرب به عرفا ، لا على الاجتزاء بالظن ، ولعله لذا يحكي عن بعض العامة القول باعتبار العلم.

( و ) كيف كان فقد عرفت أنه ( يجزئ ما يسمى به ضاربا ) وأنه لا يجزئ الوضع ، والله العالم.

المسألة ( الثالثة : )

( إذا حلف لا ركبت دابة العبد لم يحنث بركوبها ) مع فرض إرادة حقيقة الإضافة بناء على أنها الملك ( لأنها ليست له حقيقة وإن أضيفت إليه فعلي المجاز ) نعم إذا أراد الاختصاص لا إشكال في الحنث ، بل قد يقوى ذلك مع الإطلاق ، لدلالة العرف عليه ، وفي الدروس « الإضافة إلى العبد تقتضي التمليك إن قلنا يملك ، وإن أحلنا ذلك أمكن حمله على المنسوب إليه كالدابة ، إعمالا للفظ في مجازه عند تعذر الحقيقة ، وحمله على ما سيملكه بعد عتقه أو كتابته اقتصارا على الحقيقة الممكنة في الجملة بخلاف الدابة ، فإنه لا يتصور لها ملك » قلت : لا يخفى عليك ما في الاحتمال الأخير وإن جزم في القواعد بالحنث بركوب الدابة التي يملكها العبد بعد العتق ، لكنه واضح الضعف ، ضرورة عدم صدق دابة العبد حقيقة ، هذا كله إذا كان متعلق يمينه دابة العبد.

( أما لو قال : لا ركبت دابة المكاتب حنث بركوبها لأن تصرف المولى

_________________

(١) سورة ص : ٣٨ ـ الآية ٤٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب مقدمات الحدود الحديث ١ من كتاب الحدود.

٣٢٨

ينقطع عن أمواله ) بل هو مالك وإن كان ملكا متزلزلا ( و ) لكن مع ذلك ( فيه تردد ) مما عرفت ومن عدم تمامية الملك ، ولذا يمنع من التصرف فيه بغير الاكتساب ، مع أنه بمعرض أن يعود رقا ، فيرجع ماله إلى مولاه.

وربما فرق بين المطلق والمشروط ، فيحنث بالأول دون الثاني ، والحق الحنث مطلقا للصدق عرفا على وجه لا ينافيه الحجر عليه ، كما لا ينافي ملكية الحر الحجر عليه بأحد أسبابه ، بل الظاهر تحقق حقيقة الإضافة بهذا القدر من الملك ، والله العالم.

المسألة ( الرابعة : )

( البشارة اسم للإخبار الأول بالشي‌ء السار ) وإطلاقها على غيره نحو ( فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ ) (١) مجاز بخلاف الإخبار ، فإنه صادق على السار وغيره ، وبما وقع أولا وغيره ، نعم لا فرق فيها بين المتحد والمتعدد ، وإذا أخبروا دفعة ( فـ ) حينئذ ( لو قال : ) والله ( لأعطين من بشرني بقدوم زيد ) مثلا ( فبشره جماعة دفعة استحقو ) ها ، ( ولو تتابعوا كانت العطية للأول ) لأن خبره البشارة دون غيره. ( وليس كذلك لو قال : من أخبرني ، فإن الثاني مخبر كالأول ) كما هو واضح.

المسألة ( الخامسة : )

( إذا قال : أول من يدخل داري فله كذا فدخلها واحد ) بعد اليمين أو جماعة ( فله ) ما حلف ( وإن لم يدخل غيره ) لأن المراد بالأول الذي لم يسبقه غيره ، سواء لحقه غيره أو لا ، وإن كان قد ينساق الأول ، كما عن بعض العامة

_________________

(١) سورة آل عمران : ٣ ـ الآية ٢١ وسورة التوبة ٩ ـ الآية ٣٤ وسورة الشقاق : ٨٤ ـ الآية ٢٤.

٣٢٩

اختياره ، إلا أن التحقيق خلافه ، فيصدق على المفروض أنه أول داخل ، لكن عن المبسوط إن قال : أول من يدخل الدار م عبيدي حر فدخل اثنان معا ودخل ثالث لم ينعتق الاثنان ، لأنه لا أول منهما ، ولا الثالث ، لأنه ليس بأول ، فإن قال : أول من يدخلها من عبيدي فهو حر (١) فدخلها اثنان معا وثالث بعدهما تحرر الثالث وحده ، لأنه أول داخل وحده ، وقد روى في أحاديثنا أن الاثنين ينعتقان لأنهم رووا (٢) أنه إذا قيل أول ما تلده الجارية فهو حر فولدت توأمين أنهما ينعتقان ، وظاهره اعتبار الواحد في الأول ، وربما أشعر به عبارة المتن ، ولكنه في غير محله ضرورة صدق الأول على الواحد والجماعة.

( و ) كيف كان فـ ( لو قال : « آخر من يدخل » كان لآخر داخل ) وهو الذي لم يلحقه غيره ، وهو وإن كان مطلقا يتحقق بما بعد موته ما دامت الدار باقية إلا أنه كان لاخر داخل ( قبل موته لأن إطلاق الصفة يقتضي وجودها في حال الحياة ) بشهادة العرف ، خصوصا بعد ما في المسالك من أن إضافة الدار إليه تقتضي الملك ، ولا يتحقق بعد الموت ، فالجمع بين الأخير وكون دخوله لدار الحالف يقتضي وجود صفة الدخول حال الحياة ، لتحقق دخوله داره ، وأيضا فقوله : « وله كذا » يقتضي ثبوته في ذمته على تقدير الدخول ، ولا يتحقق ذلك إلا في حال الحياة لأن الميت لا يثبت في ذمته شي‌ء إلا في مواضع نادرة ليس هذا منها وإن كان لا يخلو من نظر فتأمل ولو فرض عدم دخول غير الواحد إلى أن مات كان له جعل الأول ، لعدم صدق الآخر عليه ، إذ الظاهر اعتبار مسبوقيته بغيره ، وإلا كان الأول والآخر واحدا ، والله العالم.

_________________

(١) هكذا في النسختين الأصليتين الا ان الموجود في المبسوط « من عبيدي وحده فهو حر » وهو الصحيح فان هذا القيد هو الفارق بين الصورتين.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من كتاب العتق الحديث ١ والمستدرك الباب ـ ٢٧ ـ منه الحديث ١ و ٢.

٣٣٠

المسألة ( السادسة : )

( إذا حلف لا شربت الماء أو لا كلمت الناس تناولت اليمين كل واحد من أفراد ذلك الجنس ) لأن الماء اسم جنس معرف يتناول القليل والكثير والعذب والمالح إلا أن يكون هناك انسياق للأول من الشرب ، وأما الناس فهو وإن كان جمعا وقد قيل إن مقتضاه لغة عدم الحنث بكلام واحد ، نحو قوله : « لا كلمت ناسا ورجالا » لكن قد حققنا في الأصول أن الجمع المعرف باللام يقتضي الاستغراق الأفرادي ، أو هو كاسم الجنس المعرف ، فإذا قال : « لا أتزوج النساء » أو « لا أشتري العبيد » يحنث بتزويج امرأ واحدة وشراء عبد واحد ، والله العالم.

المسألة ( السابعة : )

( اسم المال يقع على العين ) لغة وعرفا إجماعا ، بل ( والدين ) عندنا وعند الأكثر من غيرنا على ما حكي ( الحال ) منه ( والمؤجل ، ) فيقال : « مال فلان ديون على الناس » و « استوفى فلان ماله من فلان » وشبه ذلك ، خلافا لبعض العامة فخصه بالزكوي وآخر فخصه بالعين ، وثالث فخصه بما عدا المؤجل والجميع كما ترى.

وحينئذ ( فإذا حلف ليتصدقن بماله لم يبر إلا بالجميع ) حتى ثياب بدنه ودار سكناه وعبيد خدمته وغيرها وإن استثنيت من وفاء الدين لدليله ، إذ المدار هنا على الاسم الشامل للجميع وللعبد الآبق والمال الضال والمغصوب والمسروق والمدبر والموصى به والمعلق عتقه على صفة وأم الولد ، بل والمكاتب بقسميه وإن قيل فيه وجهان ناشئان من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) : « المكاتب عبد ما بقي عليه درهم » ومن

_________________

(١) المستدرك الباب ـ ٤ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ٦ وفيه « المكاتب رق. ».

٣٣١

أنه كالخارج عن ملكه ، لعدم ملكه لمنافعه ولأرش الجناية عليه ، وربما فرق بين المشروط والمطلق ، فيدخل الأول دون الثاني ، بل هو خيرة الدروس ، ولو كان يملك منفعة بوصية أو إجارة ففي دخولها في إطلاق المال وجهان أظهرهما ذلك ، ولهذا يصرف في الدين ، أما حق الشفعة والاستطراق فلا ، وأرش الجناية خطأ أو عمدا إذا عفى على مال من جملة أفراده ، والله العالم.

المسألة ( الثامنة : )

( يقع على القرآن اسم الكلام ) عند الأكثر على ما في المسالك ، فإذا حلف أن لا يتكلم حنث بقراءة القرآن حينئذ لقوله تعالى (١) ( حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ) ولأن الكلام لغة وعرفا هو المشتمل على الحروف الهجائية قليلا كان أو كثيرا مهملا كان أو مستعملا.

وكذا التسبيح والتهليل والدعاء والذكر وغيرها من النظم والنثر ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) : « أفضل الكلام أربع : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر » و « لا إله إلا الله كلمة ثقيلة في الميزان خفيفة على اللسان » (٣) ولا ينافي ذلك قوله تعالى (٤) ( آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَةَ أَيّامٍ إِلاّ رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ ) بعد معلومية كون المراد منه الكلام مع الناس لا مطلق الكلام ، كما لا ينافيه عدم انقطاع الصلاة به كقراءة القرآن

_________________

(١) سورة التوبة : ٩ ـ الآية ٦.

(٢) صحيح البخاري ج ٨ ص ١٧٣ ط مصر.

(٣) يستفاد مضمونه مما رواه في البحار ج ٩٣ ص ١٧٥ فراجع.

(٤) سورة آل عمران : ٣ ـ الآية ٤١.

٣٣٢

بعد أن كان العنوان لقطعها قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) : « لا يصلح فيه شي‌ء من كلام الآدميين » نعم لو فرض انسياق عرفي ولو من القرائن إرادة خصوص كلام الآدميين لم يحنث حينئذ بغيره.

( و ) حينئذ فما ( قال ) ه ( الشيخ ) قدس‌سره من أنه ( لا يقع ) اسم الكلام ( عرفا ) على القرآن ووافقه عليه الفاضل في محكي الإرشاد لا يخلو من نظر إلا إذا كان المراد الانسياق عرفا في الجملة ( و ) إلا فـ ( هو يشكل بـ ) ما عرفت من ( قوله تعالى ) (٢) ( حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ) تعالى شأنه وغيره ، أو يريد عدم الحنث ، لعدم انعقاد اليمين ، لأنه غالبا طاعة أو غير ذلك.

( و ) كيف كان فـ ( لا يحنث بالكتابة والإشارة لو حلف لا يتكلم ) قطعا لعدم تسميتهما كلاما لغة ولا عرفا. بل يصح أن يقال : ما كلمه وإنما كاتبه وأشار إليه ، وقد قال تعالى شأنه (٣) ( إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً ، فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ). ( فَأَشارَتْ إِلَيْهِ ) ولو أن الإشارة كلام لحنث بنذرها.

خلافا للمحكي عن جماعة من العامة ، فحكموا بالحنث بذلك ، لقوله تعالى (٤) ( ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً ) فاستثنى الرسالة من التكليم ، فيدخل الأخيران بطريق أولى ، وكذا يدخل الرمز في الكلام في الآية السابقة ، لأصالة الاتصال في الاستثناء.

والكل كما ترى بل لا يدخل فيه إشارة الأخرس وإن جرى عليه حكم الكلام في كثير من المقامات ، لكن لا تدخل بذلك تحت اسمه في المفروض ونحوه ، ولو

_________________

(١) المستدرك الباب ـ ٢١ ـ من أبواب قواطع الصلاة الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٢) سورة التوبة : ٩ ـ الآية ٦.

(٣) سورة مريم : ١٩ ـ الآية ٢٦.

(٤) سورة الشورى : ٤٢ ـ الآية ٥١.

٣٣٣

قال : « لا كلمتك فتنح عني » حنث بخلاف ما لو قال : « أبدا » أو « الدهر » أو « ما عشت » أو « كلاما حسنا » أو « قبيحا » ونحو ذلك مما هو متعلق اليمين ، بل لا يعد تكليما له.

ولو قال : « لأنك حاسد » أو « مفسد » ففي القواعد إشكال ، ولعله من الدخول في الجملة القسمية وعدم الاستقلال ، ومن أن اليمين تمت قبله مع اشتماله على الحكم والخطاب لغة. قلت : إلا أن يكون المراد غير ذلك ونحوه من الكلام الملحق باليمين. وكذا لو شتمه مواجهة حنث إلا أن يريد كلام موادة.

ولو حلف على المهاجرة حنث بالمكاتبة والمراسلة وإن قال الفاضل في القواعد على إشكال ، ولعله من الإشكال في شمول المهاجرة لترك جميع ذلك ، فإنها قطع الموادة ، وهي تحصل بكل من ذلك ، ولا يعلم أنه حلف على قطع جملة مراتبها أو بعضها ، فان الكلام موجب لفظا منفي معنى ، فان اعتبر اللفظ كفى نوع من القطع ، وإن اعتبر المعنى لزم القطع جملة ، لكن لا يخفى عليك أن الظاهر الثاني ، ولعله لذا جزم به في الإرشاد.

ولو حلف أن لا يكلمه فكلم غيره بقصد إسماعه لم يحنث نعم لو ناداه بحيث يسمع فلم يسمع لتشاغله أو غفلته ففي القواعد حنث أما لو كلمه حال نومه أو إغمائه أو غيبته أو موته أو صممه لم يحنث ، لكن يحنث لو كلمه حال حياته ، كما أنه يحنث لو سلم عليه ، ولو صلى به إماما لم يحنث إذا لم يقصده بالتسليم كما في القواعد ، بل وإن قصده ، لعدم الصدق عرفا ، والله العالم.

المسألة ( التاسعة : )

اسم ( الحلي ) مفردا بفتح الحاء وسكون اللام ( يقع على الخاتم واللؤلؤ ) فضلا عن السوار والخلخال وغيرهما. ( فلو حلف لا يلبس الحلي حنث

٣٣٤

بلبس كل واحد منهما ) للصدق عرفا ولخصوص قوله تعالى في اللؤلؤ (١) : ( وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها ) خلافا لبعض العامة ، فذهب إلى عدم تناول اسمه للؤلؤ ، بل قطع به في الدروس ، وهو غريب ، بل عن التحرير أن العقيق والشيح يسمى حليا في السوار ، بل من أفراده الدراهم والدنانير على بعض الأحوال التي تستعملها النساء في الزينة ، ولو كان متعلق يمينه الحلي جمعا بضم الحاء أو كسرها وكسر اللام وتشديد الياء فقد عرفت الحنث في مثله من الجمع المعرف بكل واحد من أفراده بخلاف الجمع المنكر والمثنى ، فإنه لا يحنث إلا بمسماهما ، وقد سمعت الكلام في الإيلاء لو قال لزوجاته : « لا وطأتكن » فلاحظ وتأمل.

المسألة ( العاشرة : )

( التسري ) في عرفنا ( هو وطء الأمة ) ولو مع عدم الانزال كما في الدروس ( وفي اشتراط التخدير ) مع ذلك ( نظر ) أقربه العدم ، لأن التسري من السر الذي هو الوطء ، قال امرئ القيس :

فقد زعمت سياسة القوم أنني

كبرت وأن لا يحسن السر أمثالي (٢)

خلافا لبعض فقال يحصل بثلاثة أمور : ستر الجارية عن أعين الناس ، وهو المعبر عنه بالتخدير ، والوطء ، والانزال ، ولاخر فقال : يكفى الستر والوطء ، وعن المبسوط اعتبار الوطء والانزال ، ولعل ذلك كله لاختلاف العرف باختلاف الأزمنة والأمكنة ، والله العالم.

_________________

(١) سورة النحل : ١٦ ـ الآية ١٤.

(٢) والموجود في ديوان امرئ القيس المطبوع في مصر عام ١٣٧٨ ص ١٥٩.

ألا زعمت بسياسة اليوم أننى

كبرت وأن لا يحسن السر أمثالى

٣٣٥

المسألة ( الحادية عشرة : )

( إذا حلف لأقضين دين فلان ) مثلا ( إلى شهر كان غاية ) عرفا فيجب أن يكون القضاء قبل انقضائه ، لأن « إلى » للغاية وبيان الحد ، وهي خارجة عن المغيا إما مطلقا أو هنا بالقرينة ، ولو لكونه منفصلا محسوسا.

وربما قيل بجواز تأخيره إلى أن يهل ، كما لو قال : « عند الهلال » لأن « إلى » كما تكون للغاية تكون بمعنى « مع » كقوله تعالى (١) ( مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ ) أي معه ، فلا يحنث حينئذ بالشك

وفيه أنه مناف للعرف الذي مقتضاه كون الشهر ظرفا للأداء وآخره آخر الوقت المعين باليمين ، لا أن الهلال وقت له دون ما قبله الذي هو مقتضى الثاني ، وحينئذ فيجب إحضار الحق متصلا بالهلال ، فيدفعه عنده من غير تقديم ولا تأخير ، حتى لو قدم عليه لم يبر كمن حلف على أكل الطعام غدا فأكله أو أتلفه قبله ، ولا ريب في عدم فهم العرف ذلك عند الإطلاق ، نعم لو قصده دين به.

( ولو قال : ) لأقضين دينه ( إلى حين أو زمان قال الشيخ : يحمل على المدة التي حمل عليها نذر الصيام ) وهي الستة أشهر في الأول والخمسة في الثاني ، لأنه عرف شرعي ناقل عن الوضع اللغوي.

( وفيه إشكال ) بل منع ( من حيث هو تعد عن موضع النقل ) ولم يصل إلى حد الحقيقة الشرعية ، خصوصا بعد استعماله في الشرع في غير ذلك ، كقوله تعالى (٢) ( فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ) ( وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ

_________________

(١) سورة آل عمران : ٣ ـ الآية ٥٢ وسورة الصف : ٦١ ـ الآية ١٤.

(٢) سورة الروم : ٣٠ ـ الآية ١٧.

٣٣٦

حِينٍ ) (١) ( فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتّى حِينٍ ) (٢) المفسر في الأخيرين بيوم القيامة ، و ( هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ ) (٣) المفسر بتسعة أشهر الحمل أو الأربعين سنة بناء على أنه إشارة إلى آدم حيث صور ( مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) و ( طِينٍ لازِبٍ ) ثم نفخ فيه الروح أربعين سنة.

بل في المسالك شارحا لعبارة المتن أيضا « فهو مشترك ولا يمكن حمله على جميع معانيه اتفاقا ، فهو مبهم ، وما ورد (٤) في النذر مختص به على خلاف الأصل ، فلا يتعداه » ( وما عداه إن فهم المراد به ) بقصد اللافظ أو قرينة يدل على تعيين أحد معاني المشترك ( وإلا كان مبهما ) يصلح للقليل والكثير ، ولا يحصل الحنث إلا بالموت ، لأصالة براءة الذمة فيما عدا ذلك ، وكذا القول في الزمان والوقت والدهر والمدة وغيرها مما يدل على الزمان المبهم وإن كان فيه منع واضح ، ضرورة كونه من المشترك المعنوي لا اللفظي ، وعدم الحنث إلا بالموت من جهة الصدق ، والله العالم.

المسألة ( الثانية عشرة )

لا خلاف ولا إشكال في أن ( الحنث ) الموجب للكفارة ( يتحقق بالمخالفة اختيارا ، ) بل الإجماع بقسميه عليه ( سواء كان بفعله أو بفعل غيره ) الذي يرجع إليه أيضا ( كما لو حلف لا أدخل بلدا فدخله بفعله أو قعد ) باختياره ( في سفينة فسارت به أو ركب دابة ) مختارا ( أو حمله إنسان ) بإذنه ، إذ في الجميع

_________________

(١) سورة ص : ٣٨ ـ الآية ٨٨.

(٢) سورة المؤمنون : ٢٣ ـ الآية ٥٤.

(٣) سورة الإنسان : ٧٦ ـ الآية ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث ١ من كتاب الصوم.

٣٣٧

يصدق أنه دخل البلد راكبا وعلى ظهر وفي سفينة ، بل لو حمله بغير إذنه إلا أنه قادر على الامتناع فلم يمتنع يحنث ، لصدق الفعل مختارا عليه وإن احتمل عدمه.

بل في القواعد الاشكال فيه ، لعدم وجود الدخول منه ، وإنما استند إلى غيره ، إذ المفهوم من الدخول ما كان باختياره كسائر الأفعال المنسوبة إلى المختار ، ولا اختيار مع السكوت ، فإنه إنما يتحقق اختيار الدخول بجعل المركوب آلة فيه ، وإنما تتعين الألية مع الإذن ، إذ بدونه ربما كان المقصود دخول المركوب ، وإنما دخل الراكب تبعا وإن قصد في نفسه الدخول ، فإنه كمن قصد الحنث ولم يحنث.

وفي كشف اللثام « يحتمل قويا الاكتفاء بالقصد ، فإنه بقصده جعل المركوب آلة ـ ثم قال ـ : ويمكن تعميم الاذن له وجعل السكوت في مقابله » ( و ) لا يخفى عليك ما في الجميع بعد الصدق عرفا أنه دخل مختارا.

نعم ( لا يتحقق الحنث ) عندنا ( بالإكراه ) الذي تطابق النص (١) والفتوى على عدم تأثير كل سبب شرعي معه ، ومنه الفعل الذي هو سبب الكفارة.

( ولا مع النسيان ) للحلف مثلا كذلك أيضا ( ولا مع عدم العلم ) بالمحلوف عليه كما لو دخل الدار من لا يعرف أنها المحلوف عليها ، لعموم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) : « رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه » ولأن البعث والزجر المقصودين من اليمين إنما يكونان مع اختيار الفعل ذاكرا لليمين ، ضرورة أن كل حالف إنما قصد بعث نفسه أو زجرها باليمين ، وذلك إنما يكون عند ذكرها وذكر المحلوف عليه حتى يكون تركه أو فعله لأجل اليمين ، وهذا

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من كتاب الايمان.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.

٣٣٨

لا تتصور إلا مع القصد إليها والمعرفة بها ، وفي الثلاثة لا يتصور بعث ولا زجر ، إذ هما في الأفعال الاختيارية المعلومة دون غيرها.

خلافا لجماعة من العامة ، فحكموا بالحنث في الجميع ، لوجود المحلوف عليه مع عدم سقوط الكفارة بالأعذار عندهم ، لأنه قد يجب عليه أن يحنث نفسه ومع ذلك تلزمه الكفارة ، كما لو حلف أن لا يفعل الواجب أو يفعل المحرم ، فان اليمين تنعقد عندهم وإن وجب الحنث حينئذ ، كما أنه يستحب لو حلف على ترك المندوب إلى غير ذلك من خرافاتهم المعلوم فسادها في مذهبنا.

لكن في خبر علي بن جعفر (١) المروي عن قرب الاسناد وغيره أنه سأل أخاه عليه‌السلام « عن الرجل يحلف وينسى ما قال ، قال : هو علي ما نوى » ولعل المراد منه أنه نسي ذكر ما قال ولكن ذكر ما نوى ، أو يكون أنه نسي ما قال لفظا ومعنى ويكون الغرض من الجواب أن اليمين لا يبطل في الواقع ، بل هو على ما نوى ، فإذا ذكره عمل به ، أو يكون أنه إذا نسي ونوى العمل إذا ذكر فله الأجر ، وإن نوى عدم العمل بعد الذكر فلا.

نعم في المسالك وغيرها « هل ينحل اليمين مع عدم الحنث عندنا بالأمور الثلاثة؟ وجهان ، أحدهما نعم ، لوجود الفعل المحلوف عليه حقيقة ، فكان كما لو حنث عمدا بالنسبة إلى ذلك وإن افترقا بالكفارة وعدمها ، فقد حصلت المخالفة وهي لا تتكرر ، فإذا خالف مقتضاها بعد ذلك لم يحنث ، وقد حكموا في الإيلاء لو وطأ ساهيا أو جاهلا ببطلان حكمه مع أنه يمين صريحة ، وثانيهما لا ، لعدم دخول الثلاثة تحتها ، فالواقع بعد ذلك هو الذي تعلقت به اليمين ، فيتحقق به الحنث » وعن الشهيد في قواعده أنه استقرب الأول ونسبه إلى ظاهر الأصحاب وكأنه أخذه من كلامهم في الإيلاء.

مضافا إلى صدق الإتيان بخلاف اليمين ، ضرورة صدق أنه شرب الذي هو خلاف « لا أشرب » حتى في صورة الإكراه التوعدي مثلا التي يمكن دعوى انحلال

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٠ ـ من كتاب الايمان الحديث ١.

٣٣٩

اليمين فيها من حيث نفسها ، باعتبار صيرورة خلاف اليمين جزاء للإكراه ، وعدم الحنث الذي يترتب عليه الكفارة باعتبار ظهور أدلتها في غير الفرض لا يقتضي عدم اندراج هذه الأفراد في متعلق اليمين ، فالأقوى حينئذ الانحلال.

نعم ينبغي أن يعلم أن الانحلال إنما يكون مع تعذر الإتيان بالمحلوف عليه ، كما لو حلف على عدم إيجاد الطبيعة فأوجدها ونحو ذلك ، وهو المراد من قولهم : « إن المخالفة لا تتكرر » أما إذا كان متعلق اليمين صوم كل خميس فإنه لا تنحل بالمخالفة في خميس مثلا ، لمكان تعدد المحلوف عليه وإن اتحد اليمين ، كما يشهد بذلك كلامهم في نذر صوم السنة المعينة والشهر والدهر فلاحظ وتأمل ، فإنه قد اشتبه الحال على بعض الأعلام ، والله العالم.

النظر ( الرابع )

( في اللواحق : )

( وفيه مسائل : )

( الأولى : )

( الأيمان الصادقة كلها مكروهة ) لقول الله تعالى (١) ( وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ ) وقول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي أيوب الخزاز (٢) : « لا تحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين ، فإنه يقول عز وجل : ( وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ ) » وفي حسن ابن سنان (٣) « اجتمع الحواريون

_________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب الايمان الحديث ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب الايمان الحديث ٢.

٣٤٠