جواهر الكلام - ج ٣٥

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الاستعمال الصحيح الشائع بل المستحسن ، لا نحو استعمال الصلاة في الصوم ، ولعل البحث في هذه ونظائره أن متعلق اليمين هو المكنى عنه باللفظ المزبور أو هو مع معنى اللفظ أولى من هذا البحث وإن كان الأقوى فيه الثاني لأنهما مرادان منه.

هذا وفي الدروس « قاعدة : لو تعارض عموم اللفظ وخصوص السبب فان نوى شيئا فذاك ، وإلا فالأقرب قصره على السبب ، لأنه الباعث على اليمين ، كما لو رأى منكرا في بلد فكرهه لأجله فحلف على عدم دخوله ثم زال المنكر فله الدخول ».

قلت : لا يخفى ما فيه ، بل فتح باب التخصيص والتقييد بالدواعي يعدم جملة وافرة من الفقه ، والله العالم.

( المطلب الثالث : )

( في المسائل المختصة بالبيت والدار )

( الأولى : )

( إذا حلف على فعل ) كالبيع والتزويج وغيرهما ( فهو يحنث بابتدائه ) الذي هو مصداقه ، ( ولا يحنث باستدامته ) التي لا يصدق معها اسم الفعل المحلوف عليه ( إلا أن يكون الفعل ينسب إلى المدة ) بأن يقال سكنته مدة أو ركبته كذلك ( كما ينسب إلى الابتداء ) فإنه يحنث حينئذ بها كما يحنث بابتدائه. ( فإذا قال : لا آجرت هذه الدار أو لا بعتها أو لا وهبتها تعلقت اليمين بالابتداء لا بالاستدامة ) لعدم صدق الإجارة التي هي اسم لإيقاع الصيغة الخاصة وكذا البيع والهبة ، بل لا استدامة لها وإن بقي آثارها.

( أما لو قال : لاسكنت هذه الدار وهو ساكن بها أو لا أسكنت زيدا وزيد

٣٠١

فيها حنث باستدامة السكنى أو الإسكان ) لصدق سكناه وإسكانه استدامة كصدقهما ابتداء ، وذلك لأنهما ينسبان إلى المدة ، فيقال سكنتها شهرا وأسكنته كذلك ، إذ الضابط الفارق بين الأفعال المحلوف عليها التي استدامتها كابتدائها في الصدق وغيرها أن ما لا يتقدر بمدة كالبيع والهبة والتزويج وغيرها من العقود والإيقاعات والدخول والخروج ونحو ذلك لا يحنث باستدامتها ، لأن استدامة الأحوال المذكورة ليست كانشائها ، إذ لا يصح أن يقال : بعت شهرا ، ولا دخلت كذلك.

بل قد عرفت أن هذه الاستدامة ليست استدامة للأفعال نفسها ، بل هي بقاء لآثارها ، بخلاف القيام والقعود والسكنى والإسكان واللبس والركوب ونحوها مما يصح نسبتها إلى المدة فيقال : لبسته شهرا. وقمت يوما. وقعدت ليلة. وركبته كذلك. فإنه يحنث باستدامته كابتدائه ، للصدق عليهما على حد سواء ، نعم قد يقع الشك في بعض الأفعال كما تسمعه في التطيب والوطء ونحوهما.

بل جعل ذلك في الدروس قاعدة ، فقال : « قاعدة : الابتداء والاستدامة شيئان ، فما ينسب إلى المدة كالسكنى والإسكان والمساكنة دون مالا ينسب كالدخول والبيع ، وفي التطيب وجهان ، فلو حلف لاسكنت هذه الدار وهو ساكن بها وجب التحول في الحال وإن بقي رحله لا للسكنى ، بخلاف ما لو قال : لا دخلت هذه الدار وهو فيها ، أو لا بعت وقد باع بخيار فاستمر عليه ، أو لا تزوجت وله زوجة فلم يطلقها ».

قلت : كان الوجه في الضابط المزبور أن التقييد بالمدة يقتضي الصدق في تمام المدة ، إلا أنك ستعرف الإشكال في صدق اسم الفعل واسم المصدر ، وإلا فمن المعلوم عدم صدق « لبس » في آنات استدامة اللبس وإن صدق عليه أنه لابس ومتلبس ، نعم قد يطلق الفعل في التقيد بالمدة ويراد الكون والمصدر ، وحينئذ يكون عليه المدار ، فتأمل جيدا.

( و ) كيف كان فلا إشكال في أن من حلف أن لا يسكن هو ( يبر ) يمينه ( بخروجه ) نفسه فورا ( عقيب اليمين ) وإن بقي رحله ومتاعه بل

٣٠٢

وأهله ، لأن الفرض تعلق الحلف بسكناه نفسه لا بأهله ومتاعه ، كما أنه لا إشكال في الحنث مع مكثه نفسه وإن أخرج أهله ورحله ، خلافا لبعض العامة فيهما ، ويمكن حمله على غير الفرض.

( ولا يحنث بالعود لا للسكنى ، بل لنقل رحله ) مثلا وإن مكث بخلاف ما لو حلف على دخولها ، ولو مكث بعد اليمين ولو قليلا ففي المسالك « إن لم يكن لأجل نقل متاعه حنث ، لصدق الاستدامة » وفيه نظر ، ولو كان لأجله بأن نهض يجمع المتاع ونحوه مما يحتاج إليه الخروج فعن التحرير الحنث ، لصدق إقامته فيها مع التمكن من الخروج ، وفيه منع واضح. ولعله لذا جزم في القواعد بعدمه ، لأن المشتغل بأسباب الخروج لا يعد ساكنا في الدار.

ومن هنا اتفقوا على أنه لو خرج ثم عاد لنقل متاعه أو لعيادة مريض أو نحو ذلك لم يحنث ، لعدم صدق السكنى عليه بذلك ، بل في المسالك « لو احتاج إلى أن يبيت فيها ليلة لحفظ المتاع فوجهان ، أجودهما عدم الحنث ، لأن الضرورة على هذا الوجه لا تجامع الحنث ، بل ربما نافت أصل اليمين » وإن كان فيه مالا يخفى من الخروج عن أصل البحث الذي هو صدق السكنى وعدمه.

ولو خرج في الحال ثم اجتاز بها لم يحنث ، لأن ذلك لا يعد سكنى وإن تردد فيها ساعة أو أزيد بلا غرض ، لعدم صدقها بذلك ، إذ ليس المراد منها المكث مطلقا ، بل اتخاذها سكنى ، وهي لا تصدق بذلك ، وإن احتمله في المسالك ، ولا ينافي ذلك فورية الخروج عرفا ، لأن كونها مسكنا لا يخرج عنه بمجرد النية ، كما أن المقيم لا يصير مسافرا بمجردها ، بخلاف من خرج ثم عاد لا لها ، فإنه بعد أن خرج عن اسم الساكن بخروجه احتاج في عوده إلى صدق اسم الساكن إلى إحداث إقامة يصدق معها ذلك.

( وكذا البحث في استدامة اللبس والركوب ) ونحوهما مما عرفت اتحاد الابتداء والاستدامة في الصدق فيه ، اللهم إلا أن يفرق بين الحلف على عدم لبسها

٣٠٣

أو لا يلبسها ، فان الاستدامة يصدق عليها اسم اللبس ، لا فعل اللبس الذي هو إحداث وتجديد ، فتأمل جيدا فإنه جار في غيره ، والله العالم.

( أما التطيب ففيه التردد ) من عدم صدق النسبة إلى المدة ، فلا يقال : تطيب شهرا بل منذ شهر وإن كان باقيا عليه ، كالطهارة مع البقاء عليها ، بل لعله حقيقة في الابتداء مجاز في الاستدامة ، ومن صدق اسم المتطيب عليه فعلا ، ولذا حرمت عليه الاستدامة في الإحرام.

( ولعل الأشبه أنه لا يحنث بالاستدامة ) لصحة السلب ، ولأنه لم يحلف على أن لا يكون متطيبا ، بل على أنه لا يتطيب ، وبينهما فرق.

وربما كان عنوان الحرمة في الإحرام كونه متطيبا لا تطيبه ، وإلا كان من دليل خارج كحرمة شمه.

وكذا الكلام في الوطء الذي لا يقال فيه وطأت يوما أو شهرا ، وحينئذ فمن حلف أن لا يطأ لا يحنث بالاستدامة ما لم يعد بعد النزع وإن حرمت على الصائم والمحرم كالابتداء.

قلت : هكذا ذكروه ، لكن لعل ما أشرنا إليه من التفاوت بين صدق اسم الفعل وبين اسم المصدر آت في المقام ونحوه وإن التفتوا إليه في خصوص التطيب ، ( وكذا ) الوطء ونحوهما دون الأمثلة السابقة.

نعم ( لو قال : لا دخلت دارا ) لم يحنث بالوقوف على الحائط ، بلا خلاف كما عن الخلاف والمبسوط و ( حنث بالابتداء دون الاستدامة ) قطعا لأنها لا تعد دخولا وإن طال مكثه فيها ، كما هو واضح.

٣٠٤

المسألة ( الثانية : )

( إذا حلف ) الخارج عن الدار مثلا وقال ( لا دخلت هذه الدار فان دخلها أو شيئا منها أو غرفة من غرفها ) أو دهليزا خلف الباب أو بين البابين أو تجاوز الباب ( حنث ) للصدق عرفا ، بخلاف الطاق خارج الباب وعتبة الدار.

( ولو نزل إليها من سطحها ) الذي لا فرق في اسم الدخول إليها بينه وبين الباب وبين طرح نفسه في الماء فحمله الماء القعود في سفينة ونحوها فدخلت ، إلا إذا لم يكن يريد الدخول فقط من السطح أو حمله الماء أو السفينة قهرا إلى أن دخل ، فلا يحنث وإن صعد السطح أو دخل الماء أو السفينة مختارا.

لكن عن المبسوط « إن قعد في سفينة أو على شي‌ء فحمله الماء فأدخله أو طرح نفسه في الماء فحمله الماء فأدخله حنث ، لأنه دخل باختياره ، فهو كما لو ركب فدخل راكبا ومحمولا » ونحوه عن الجواهر ، ويمكن إرادتهما القصد.

وفيه أيضا « أنه إن كان فيها شجرة عالية عن سورها فتعلق بغصن منها من خارج الدار وحصل في الشجرة نظر ، فان كان أعلى من السطح لم يحنث بلا خلاف لأنه لا يحيط به سورها ، وإن حصل بحيث يحيط به السور حنث ، لأنه في جوف الدار ، وإن حصل بحيث يكون موازيا لأرض السطح فالحكم فيه كما لو كان واقفا على نفس السطح » انتهى. والأمر سهل بعد أن كان المرجع العرف.

( أما إذا ) تسلق من خارج أو من جدار الغير فـ ( نزل إلى سطحها ) خاصة ففي المتن وغيره ( لم يحنث ، ولو كان محجرا ) لعدم صدق دخولها حينئذ خلافا لما عن بعض من إلحاق المحوط بالدار ، لإحاطة جدران الدار به ، ولاخر من الحنث بصعوده وإن لم يكن محوطا.

لكن الانصاف عدم خلو الأخير من وجه في العرف ، خصوصا بعد ملاحظة

٣٠٥

اندراجه في قوله عليه‌السلام (١) : « من دخل دار غيره بدون إذنه فدمه هدر » فتأمل.

وفي المسالك « هذا كله إذا لم يكن السطح مسقفا وإلا كان كطبقة أخرى في الدار » قلت : لم يتضح أن وجه المنع في الفرض عدم صدق الدخول بالتسلق إلى السطح أو من حيث كون السطح ليس دارا ، فان كان الأول لم يفرق بين تسقيفه وعدمه ، وإن كان الثاني فتوجه المنع فيه واضح. وظاهر الفاضل في القواعد الثاني ، قال : « إذا حلف على الدخول لم يحنث بصعوده السطح وإن كان محجرا ، فعلي هذا لا يجوز الاعتكاف في سطح المسجد ، ولا تتعلق الحرمة به ـ أي التي للمسجد ـ على إشكال ».

وفي كشف اللثام من الإشكال في دخوله ، لأن عدم الحنث بالصعود على السطح لا يعين خروجه عن الدار لجواز أن يدخل فيها ، لكن لا يدخل صعوده في مفهوم دخول الدار عرفا ، ويؤيده ملك صاحب الدار له ، ومبني الاحتمالين على أن من المعلوم توقف حصول الدار على السطح ، ولكن يحتمل أن يكون توقف الكل على الجزء وأن يكون توقف المشروط على الشرط ، فتأمل.

( ولو حلف لا أدخل بيتا ) من بيوت الدار مثلا ( فدخل غرفة ) أو غيرها مما لا يدخل تحت اسم البيت ( لم يحنث ) بلا خلاف كما عن الخلاف والمبسوط ، لعدم الصدق بخلاف الدار ، ولو كان الحالف في الدار أو في البيت لم يحنث بالاستدامة التي هي ليست من الدخول الذي لم يجر فيه الضابط المزبور ، ضرورة عدم صحة نسبته إلى المدة ، فلا يقال : دخلته شهرا بل منذ شهر نحو البيع.

خلافا لما عن بعض العامة من الحنث بها أيضا ، لأن حكمها شرعا كالابتداء ،

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب القصاص في النفس الحديث ٢ وفيه « من دخل دار غيره فقد أهدر دمه » وفي المستدرك الباب ـ ٢٣ ـ منها الحديث ٤ وفيه « من دخل على مؤمن في منزله بغير اذنه فدمه مباح ».

٣٠٦

ولذا حرم المكث على من دخل دارا مغصوبة لم يعلم بها ، وهو كما ترى. ضرورة كون العنوان في الغصب مطلق التصرف الذي منه المكث بخلاف اسم الدخول ، وحينئذ فلا يتحقق الدخول.

( و ) لا إشكال في أنه ( يتحقق الدخول ) الذي هو عنوان اليمين ( إذا صار ) منتقلا بجميع بدنه ( بحيث لورد بابه كان من ورائه ) فلا يحنث بدخول يده أو رجله ، بل لا بد من دخول بدنه على وجه يصدق عليه اسم الدخول ، وكذا الخروج ، والله العالم.

المسألة ( الثالثة : )

( إذا حلف ) الحضري ( لا دخلت بيتا حنث بدخول بيت الحاضرة ) الذي هو المتخذ من الطين والأجر والمدر والحجر والخشب ( ولا يحنث بدخول بيت من شعر أو أدم ) والصوف والجلد وأنواع الخيام ، بناء على أن المنساق غيره من البيت عندهم ( و ) هو المتخذ مما عرفت. نعم ( يحنث بهما البدوي ومن له عادة بسكناه ) لدخولهما في متعارفة الشامل لهما والبيت الحاضرة أيضا كما في المسالك.

لكن قد يقال بالحنث للحضري بدخولهما أيضا لأنهما من البيوت في لغة أهل البادية الذين هم من أهل اللسان ، وقد قال الله تعالى شأنه (١) ( وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها ).

وربما أجيب بأن الاستعمال أعم من الحقيقة ، وبعد التسليم فالعرف مقدم على اللغة ، ومن هنا قلنا يحنث به البدوي خاصة ، ولهذا حكموا باختصاص لفظ الرؤوس والبيوض بأنواع خاصة.

_________________

(١) سورة النحل : ١٦ ـ الآية ٨٠.

٣٠٧

قلت : لا يخفى على من نظر كلامهم في الأمثلة السابقة وغيرها الخلط بين الانسياق والحقائق ، ولعل المقام منه ، إذ البيت حقيقة للأعم من ذلك كله ، ولكن قد ينساق غيرها من البيت في لسان الحضر ، مع أنه يمكن أن يكون المدار مسماه الذي هو عنوان اليمين وإن لم يحضر في ذهن الحالف ، بل وإن حضر غيرهما من الأفراد ما لم ينو الحلف من نوع خاص ، وإلا فلا وجه للفرق بين الحضري والبدوي حتى حكم بالشمول للجميع في الثاني دون الأول مع أنه لم يحضر في ذهنه بيت الحاضرة.

وبالجملة فالظاهر من كل متلفظ إرادة عنوان حكمه معنى لفظه إلا مع النية أو الانسياق الدال على إرادته خصوص أفراد منه ، وإلا كان الحكم على كل ما يصدق عليه ، وعن المبسوط الحنث مطلقا إن كان بدويا وكذا إن كان قرويا يعرف بيوت البادية وإلا فلا.

( ولو حلف لا دخلت دار زيد ولا كلمت زوجته ولا استخدمت عبده كان التحريم تابعا للملك ) عرفا ( فمتى خرج شي‌ء من ذلك عن ملكه ) بأن باع الدار وطلق الزوجة وباع العبد ( زال التحريم ) بل في المسالك « لو اشترى زيد دارا أخرى أو عبدا أو تزوج امرأة حنث بالثاني دون الأول إلا أن يقول أردت الأول بعينه ، فلا يحنث بهما ، ولو قال : أردت دارا جرى عليها ملكه أو عبدا كذلك أو امرأة جرت عليها زوجيته حنث بكل منهما » قلت : لا إشكال مع إرادته ، إنما الكلام مع إطلاقه وخلوه عن النية وجعله العنوان مفاد اللفظ ، والظاهر التبعية كما ذكره المصنف ، هذا كله إذا لم يضف إلى الإضافة التعيين.

( أما لو ) أضافه بأن ( قال : لا دخلت دار زيد هذه ) مثلا وجعل قصده تابعا لمفاد اللفظ ( تعلق التحريم بالعين ولو زال الملك ) تغليبا للتعيين على الإضافة ، واستقر به في القواعد.

( وفيه قول بالمساواة ، وهو حسن ) لانسياق إرادة المركب من الإضافة أو التعيين الذي يزول بزوال أحد جزئية ، فلا يحنث بخروجه عن الإضافة ، وعن

٣٠٨

الفاضل في المختلف أنه استقر به في ضمن تفصيل لا يخرج عنه وإن تردد فيه في محكي التحرير والإرشاد ، والله العالم.

المسألة ( الرابعة : )

( إذا حلف لا دخلت دارا فدخل براحا ) بفتح الباء وهو الأرض الخالية من البناء والشجر والزرع سواء ( كان دارا ) أو لم يكن ( لم يحنث ) لعدم الصدق ، بل يصح السلب.

( أما لو قال : لا دخلت هذه الدار فانهدمت وصارت براحا قال الشيخ : ) ( لا يحنث ) أيضا لأنه من تعارض الإشارة والاسم الذي قد عرفت ظهور التركيب في مثله على وجه ينتفي متعلق اليمين بانتفاء أحدهما ، فهو حينئذ كالمسألة السابقة التي استحسن المصنف فيها عدم الحنث.

( و ) لكن هنا قال ( فيه إشكال من حيث تعلق اليمين بالعين فلا اعتبار بالوصف ) ولعله لأن الفرض أن الوصف في السابق مقصود غالبا بخلاف الدار ، فان الحكم فيها لمحض الاسم أو المشار إليه ، قيل : وهذا هو السر في ترجيح المصنف زوال الحنث بانتفاء الوصف في السابقة واستشكاله هنا.

ولكن فيه أنه يمكن أن يعكس الاعتبار بأن يقال : إذا كان زوال الوصف في السابقة موجبا لزوال الحكم مع أن حقيقة المحلوف عليه وهو المرأة والعبد والدار باقية فليزك الحكم هنا مع زوال حقيقة المحلوف عليه وهو الدار ، لأن عرصة الدار المعتبر عنها بالبراح لا تسمى دارا حقيقة.

بل يمكن أن يقال بزوال حكم الإشارة أيضا ، لأنها تعلقت بعين تسمى دارا وهي اسم مركب من العرصة وما تشتمل عليه من البناء وغيره ، والجزء الذي هو العرصة غير المركب فلا يكون هو المشار إليه.

نعم لو قيل بعدم اشتراط أمر زائد على العرصة في اسم الدار ـ كما عن

٣٠٩

بعضهم لأن المتعارف في ألسنة الشعراء من إطلاق اسم الدار على ذاهبة الرسوم ، بل يقال : دار بني فلان وفلان لصحار ليس فيها عمارة ـ اتجه الحنث حينئذ لبقاء الاسم والإشارة ، إلا أنه ينافيه الجزم في سابقه بعدم الحنث فضلا عما استحسنه سابقا ، على أن الحق عدم تسمية العرصة دارا إلا على المجاز الذي يشهد له عدم تبادر الذهن إليها أو تبادر الغير عند الإطلاق ، وصحة السلب وغير ذلك من علاماته.

وربما تكلف على هذا التوجيه أيضا بيان الوجه في حكم المصنف بزوال الحنث في السابقة واستشكاله هنا ، إلا أنه لا حاصل له ، والتحقيق ما عرفت من عدم الحنث فيهما ، والله العالم.

( ولو حلف لا دخلت هذه الدار من هذا الباب فـ ) لا إشكال في عدم الحنث لو دخل من منفذ آخر غيرها ، كما أنه لا إشكال في أنه إن ( دخل منه حنث. )

( و ) لكن الكلام فيما ( لو حول الباب عنها إلى باب مستأنف فدخل بالأول قيل : يحنث ، لأن الباب الذي تناولته اليمين باق على حاله ولا اعتبار بالخشب الموضوع ، وهو حسن ) لأن الباب عرفا اسم للمنفذ المحتاج إليه في الدخول دون الباب المنصوب عليه ، بل لعل تسميته بالباب باعتبار كونه موضوعا عليه ، وحينئذ فيحنث بالأول لبقاء اسمه دون الثاني الخارج عنه بالإشارة المفروضة.

ومن الغريب احتمال العكس ، لأن الباب اسم للخشب المتخذ فيدور الحكم مداره ، فلا يحنث بالأول ، لعدم الباب بخلاف المنفذ الجديد الموضوع عليه الباب التي يصدق الدخول منها.

وأغرب منه احتمال عدم الحنث بكل منهما ، لأنها تحمل على المنفذ والخشب جميعا ، لأن الإشارة وقعت عليهما جميعا ، فلا يحنث بدخول منفذ آخر وإن نصب عليه الباب ، ولا بدخول ذلك المنفذ إذا لم يبق عليه باب.

والتحقيق ما عرفت ، وحينئذ فلو خلع الباب ولم يحولها إلى موضع آخر حنث بالدخول إلى المنفذ وإن احتمل عدمه بناء على أن الاعتبار بالخشب لا

٣١٠

بالمنفذ ، ولو نقل الباب إلى دار اخرى فدخلها منه لم يحنث ، لأن القصد الدار المعينة التي كانت على منفذها ، نعم لو أراد أن لا يدخل منها حيث تنصب حنث. ومن الغريب احتماله في المسالك الحنث على الأول.

( ولو قال : لا دخلت هذه الدار من بابها ففتح لها باب مستأنف فدخل به حنث لأن الإضافة متحققة فيه ، ) وكذا لو قال : لا أدخل باب هذه الدار ففتح لها باب جديد ، واحتمال عدم الحنث فيهما لأن اليمين انعقدت على الباب الموجودة فصار كما لو حلف أن لا يدخل دار زيد فباعها واضح الضعف ، ضرورة عدم اشتراط تناول اللفظ بأن يكون المتناول موجودا عند اليمين ، ولذا يحنث لو قال : لا أدخل دار زيد فملك دارا بعد اليمين وباب الدار صادق على كل فرد يكون لها بخلاف دار زيد ، فإنها لا تصدق إلا على المقيدة بملكه ، فإذا زال الملك زالت الإضافة حقيقة ، والتبادر أعدل شاهد على ذلك.

المسألة ( الخامسة : )

( إذا حلف لا دخلت أو لا أكلت أو لا لبست اقتضى التأبيد ) لما تحقق في الأصول من أن النفي للطبيعة الذي لا يتحقق بدون ذلك ، بخلاف الحلف على الفعل الذي يتحقق بجزئي من جزئياته ، كما ذكرناهما في الأمر والنهي وقلنا إن الأول لا يقتضي فورا ولا تراخيا ولا وحدة ولا تكرارا ، بخلاف النهي الذي مفاده مفاد التكرار باعتبار إرادة النفي الذي لا يتحقق إلا بعدم إيجاد الطبيعة مطلقا.

نعم هذا كله مع الإطلاق ( فإن ادعى أنه نوى مدة معينة ) أو وصفا من الأوصاف وغيرهما مما يقتضي التخصيص أو التقييد ( دين بنيته ) وقبل منه ذلك في نظائره ، ولعل من ذلك خبر أبي بصير (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل أعجبته

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٩ ـ من كتاب الايمان الحديث ١.

٣١١

جارية عمته فخاف الإثم ، فحلف بالأيمان أن لا يمسها أبدا فورث الجارية أعليه جناح أن يطأها؟ فقال : إنما حلف على الحرام ، ولعل الله رحمه فورثه إياها لما علم من عفته » باعتبار أنه نوى عدم مسها محرما أو أنه حلف على عدم مسها وهي مملوكة لعمته ، فإذا زال ملكها عنها حلت له ، نحو ما سمعته في « عبد زيد » والله العالم.

( ولو حلف لا أدخل على زيد بيتا فدخل عليه وعلى عمرو ناسيا ) ليمينه ( أو جاهلا بكونه فيه فلا حنث ) ولا بحث ، لما ستعرفه من ارتفاع حكم اليمين بالنسيان والجهل.

( وإن دخل مع العلم ) به وتذكره اليمين ( حنث سواء نوى الدخول على عمرو خاصة أو لم ينو ، ) وفاقا للمحكي عن الشيخ في الخلاف والأكثر ، لصدق الدخول الذي هو حقيقة واحدة لا يختلف باختلاف المقاصد.

( و ) لكن ( الشيخ ) في المبسوط ( فصل ) بين الدخول على عمرو خاصة ـ على معنى استثناء زيد بقلبه ـ وبين عدم عزله له ، فلا حنث بالأول دون الثاني ، لأن الدخول يقبل التخصيص كما يقبله القول ، فيصدق عليه أنه دخل على عمرو لا زيد ، وضعفه واضح للفرق بين الأقوال والأفعال كما ستعرفه.

( و ) كيف كان فـ ( هل يحنث بدخوله عليه في مسجد أو في الكعبة؟ ) ( قال الشيخ : لا ، لأن ذلك لا يسمى بيتا في العرف ) إلا بضرب من التقييد ، كما يقال : الكعبة بيت الله أو البيت الحرام والمسجد بيت الله.

( و ) لكن قال المصنف ( فيه إشكال يبنى على ممانعته دعوى العرف ) لأن الله تعالى أطلق عليهما اسم البيت فقال (١) ( طَهِّرْ بَيْتِيَ ) وقال (٢) ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ ) بل عن ابن إدريس أن ذلك عرف شرعي ، وهو مقدم

_________________

(١) سورة الحج : ٢٢ ـ الآية ٢٦ ـ ٢٩.

(٢) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٣٦.

٣١٢

على العرف العادي لو سلم ، وإن كان الجميع كما ترى ، ضرورة ظهور إرادة غيرهما من إطلاق البيت لو سلم كونهما من أفراده ، ولا عرف شرعي ، إذ الإطلاق أعم من الحقيقة ، وعلى تقدير تسليمه لا يحمل عليه لفظ الحالف الجاري في تلفظه مجرى العادة ، هذا كله في الدخول.

( أما لو قال : لا كلمت زيدا فسلم على جماعة فيهم زيد ) عالما بذلك وباليمين ( و ) لكن ( عزله بالنية ) خاصة أو باللسان معها ( صح ) عزله وتخصيصه ، فلا حنث ، والفرق بينه وبين الدخول أنه كلام يقبل التخصيص والتقييد ، بخلاف الدخول الذي هو ماهية واحدة كالضرب لا يتخصص وإن تخصص الباعث عليه ، ولا يقبل الاستثناء ، فلا يقال : « دخلت عليكم إلا على فلان » بخلاف قول : « سلام عليكم إلا على فلان » كما هو واضح.

( وإن ) نوى السلام عليه معهم أو ( أطلق حنث مع العلم ) به وتذكر اليمين.

المسألة ( السادسة )

( قال الشيخ رحمه‌الله : اسم البيت ) لو كان متعلقا لليمين مثلا ( لا يقع على الكعبة ولا على الحمام ، لأن البيت ما جعل بإزاء السكنى ، وفيه ) عند المصنف ( إشكال يعرف من قوله تعالى ) (١) ( وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) وغيره مما مر وفي ‌الحديث (٢) « نعم البيت الحمام » وفيه أن الاستعمال أعم والعرف أعدل شاهد على إرادة غيرهما من إطلاق البيت ، بل قيل : لا يدخل فيه الغرف والمقصرة ونحوهما مما لا يعد للسكنى ، بل عن الخلاف والمبسوط نفي الخلاف فيه وإن كان هو غير

_________________

(١) سورة الحج : ٢٢ ـ الآية ٢٦ ـ ٢٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب آداب الحمام الحديث ١ من كتاب الطهارة.

٣١٣

واضح بالنسبة إلى العرف في عرف هذا الزمان ، بل وغيره الذي منه ما في الكتاب (١) والسنة (٢) من الترغيب للناس بسكنى غرف الجنة ، وأن فوقها غرفا تجرى من تحتها الأنهار ، والأمر سهل ، نعم لا يدخل فيه بعض المتخذ مرفقا للدار.

بل ( قال : وكذا ) لا يدخل فيه ( الدهليز ) وهو ما دخل عن باب الدار بينه وبينها ( و ) لا ( الصفة ) المتعارفة عند أهل القرى ، وهو كذلك ، لعدم أعدادهما للسكنى ، بل يقال : لا يدخل فلان البيت وهو واقف في الدهليز والصفة ، وإنما يدخلان في الدار عرفا ، كما هو واضح.

المطلب ( الرابع : )

( في مسائل العقود )

( الاولى : )

( العقد اسم للإيجاب والقبول ) بلا خلاف أجده فيه ، وحينئذ ( فلا يتحقق إلا بهما فلو حلف ليبيعن ) بعقد البيع ( لا يبرأ ) (٣) ( إلا مع حصول الإيجاب والقبول ، وكذا لو حلف ليهبن ) بناء على أنها اسم للعقد كالبيع.

( و ) لكن ( للشيخ في الهبة قولان : أحدهما أنه يبرأ ) (٤) ( بالإيجاب ) قال في محكي الخلاف : « إن الحالف لا يهب يحنث بالإيجاب سواء قبل الموهوب

_________________

(١) سورة العنكبوت : ٢٩ ـ الآية ٥٨ وسورة سبأ : ٣٤ ـ الآية ٣٧ وسورة الزمر ٣٩ ـ الآية ٢٠.

(٢) البحار ج ٨ ص ١١٩ و ١٢٨ و ١٤٩ و ١٥٨ ط الحديث.

(٣) في الشرائع : « لا يبر ».

(٤) في الشرائع : « يبر ».

٣١٤

أم لم يقبل » ثم نقل عن بعضهم أنه لا يحنث بالإيجاب وحده كالبيع ، قال : « وهو قوي » وعنه في المبسوط أنه قوي القولين أيضا وهو يدل على تردده ، ( و ) على كل حال فهو ( ليس بمعتمد ) لأنها كغيرها من العقود.

نعم في المسالك تبعا للقواعد يستثنى من ذلك الوصية ، فإنها عقد يفتقر إلى الإيجاب والقبول كما عرفت في محله ، لكن لما كان قبولها المعتبر ما كان بعد الموت إجماعا وإن جاز قبله على الخلاف يحنث الحالف عليها بمجرد الإيجاب ، إذ لا يعقل توقف الحنث على ما يقع بعد الموت أو يجوز وقوعه ، ولأن المتبادر من الوصية عرفا ـ إذا قيل فلان أوصى بكذا وقوله أوصيت بكذا ـ هو الإيجاب ، وفي المسالك مع احتمال توقف الحنث على القبول اطرادا لباب العقود ، ودليلها السابق. قلت : هو الأقوى مع التصريح بعقد الوصية ، لأنها المحتمل لإرادة الإيجاب منه خاصة بالقرينة ، والله العالم.

المسألة ( الثانية : )

( إطلاق العقد ينصرف إلى العقد الصحيح دون الفاسد ) لا لأنه حقيقة فيه دونه ، بل لانصراف البيع و « بعه » ونحوهما إلى إرادة الصحيح ، وهو الذي يشعر به لفظ الانصراف في عبارة المصنف وغيره ، مضافا إلى معلومية كون البيع اسما للأعم منهما على وجه الحقيقة.

ومن الغريب ما في المسالك من دعوى كونه حقيقة في الصحيح مجازا في الفاسد لوجود خواص الحقيقة ، كمبادرة المعنى إلى ذهن السامع عند إطلاق قولهم : « باع فلان داره » وغيره ، ومن ثم حمل الإقرار به عليه ، حتى لو ادعى إرادة الفاسد لم يسمع إجماعا ، وعدم صحة السلب وغير ذلك من خواصه ، ولو كان مشتركا لقبل تفسيره بأحدهما كغيره من الألفاظ المشتركة ، وانقسامه إلى الصحيح والفاسد أعم من الحقيقة ، إذ هو جميعه كما ترى منطبق على الانصراف

٣١٥

الذي ذكرنا ، وليس شي‌ء منه يدل على الحقيقة والمجاز ، كما هو واضح.

( و ) على كل حال فـ ( لا يبر بالبيع الفاسد لو حلف ليبيعن ، وكذا غيره ) من الصلح والإجارة ونحوهما.

المسألة ( الثالثة : )

( قال الشيخ : الهبة اسم لكل عطية متبرع بها كالهدية والنحلة والعمرى والوقف والصدقة ، ونحن نمنع الحكم في العمرى ) قطعا ، لأنها كالسكنى والرقبى تمليك للمنفعة ، بخلاف الهبة التي هي تمليك العين ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) : « العمري هبة لمن وهبت له » مع فرضه على ضرب من المجاز.

( و ) أما ( النحلة ) ففي المتن والمسالك أنها كالعمرى تمليك للمنفعة أيضا فقال ( إذ يتناولان المنفعة ، والهبة تتناول العين ) إلا أنا لم نتحقق ذلك في النحلة ، بل قد يدعى أنها كالهبة ، خصوصا بعد إطلاق الزهراء عليها‌السلام اسم النحلة على فدك والعوالي (٢) المعلومين كونهما هبة من أبيها لها.

وكذا قوله متصلا بذلك ( وفي الوقف والصدقة تردد ، منشأه متابعة العرف في إفراد كل واحد باسم ) مع أنه لا تردد في عدم تناولها الوقف المقطوع بكونه ليس هبة اسما ولا حكما ، بل عن ابن إدريس عدم الخلاف فيه.

نعم قد يتردد في الصدقة المندوبة التي هي العطية قربة إلى الله تعالى باعتبار أنها الهبة بعوض هو القرب إلى الله تعالى ، بل لا يكاد ينكر صدق اسم الهبة في عرفنا عليه ، والاختصاص بالاسم لا ينافي اندراجها في الهبة التي هي للأعم منها ومن فاقدة العوض وذات العوض غير القرب.

_________________

(١) سنن البيهقي ج ٦ ص ١٧٣ وفيه « العمرى لمن وهبت له ».

(٢) البحار ج ٨ ص ١١٢ ط الكمپاني.

٣١٦

أما الواجبة كالزكاة ونحوها فينبغي القطع بعدم كونها من الهبة التي هي عقد ، بل ولا الصدقة المندوبة التي هي الزكاة المندوبة والفطرة المندوبة والكفارة المندوبة ، نعم يقوى لحوق ما عرفت من الصدقة التي هي في الحقيقة هبة بعوض هو القرب ، وثبوت بعض أحكام لها خاصة بها ـ كعدم جواز رجوع بها ونحوه ـ لا ينافي ذلك أيضا ، ضرورة اختصاص جملة من أفراد المطلق باسم وأحكام لا تثبت في غير الفرد المزبور كالسلم ونحوه ، فإن هبة الرحم تختص بعدم جواز الرجوع بها ، ولم تخرج بها عن اسم الهبة ، وحينئذ فكل صدقة هبة ولا عكس.

وحينئذ فما عن ابن إدريس ـ من الجزم بأنه لا يبرأ الحالف على الهبة بالوقف ولا بالصدقة لإفراد كل باسم ، والأصل براءة الذمة ، والفرق بين الهبة والصدقة ، ومن جملته جواز الرجوع في الهبة على بعض الوجوه دون الصدقة ـ فيه ما لا يخفى ، نعم هو كذلك في الوقف بل وفي الصدقة الواجبة ، بل والمندوبة المشخصة باسم كفارة مندوبة ونحوها ، دون العطية المتبرع بتمليك عينها قربة إلى الله.

وأما العطية ففي المسالك « لا إشكال في تناول العطية المتبرع بها لجميع ما ذكر ، لأن العطية أعم من تعلقها بالعين والمنفعة ، فيدخل في الأولى الهدية والوقف والصدقة ، وفي الثانية النحلة والعمرى إلا أنه لا يخلو من إشكال في بعضها كالوقف والعمرى.

بل قال فيها أيضا « وربما دخلت الوصية في تعريف الشيخ أيضا ، لأنها عطية متبرع بها ، غايتها أنها بعد الموت ، وليس في إطلاق العطية ما يخرجها ، ودخولها في الهبة أبعد ».

وفيه ما لا يخفى من عدم دخول الوصية في الهبة بل والعطية إلا في العرف المبتذل ، ومع فرض كون الحالف من أهله يمكن دعوى اندراجها فيهما.

ومما ذكرنا يظهر لك النظر فيما في الدروس أيضا ، قال : « والهبة تتناول

٣١٧

الهدية لا العمرى على الأقرب والوصية والصدقة الواجبة ، وفي المندوبة وجهان ، وكذا في الوقف ، والأقرب المغايرة » إلى آخره.

المسألة ( الرابعة : )

( إذا حلف ) أن يفعل أو أن ( لا يفعل لم يتحقق ) البر ولا ( الحنث إلا بالمباشرة ) التي هي حقيقة الاسناد دون مجازه وإن كان المباشر الوكيل والمأذون والأجير ونحوهم ، وكونهم كالمباشر في الحكم الشرعي لا يقتضي جريان حكم اليمين الذي هو تابع لمفاد اللفظ حقيقة أو مجازا ، ولعل الأمر لأيوب عليه‌السلام بقوله تعالى (١) ( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً ) في امتثال حلفه على أن يضرب زوجته مشعر بما ذكرنا ، وحينئذ ( فإذا قال : لا بعت أو لا شريت فوكل فيهما لم يحنث ) لعدم المباشرة ، وكذا لو حلف لأبيعن أو أشترين مع فرض إرادته مفاد اللفظ ، نعم إذا نوى أن لا يفعل على وجه يعم الاذن والأمر ونحوهما فلا خلاف في الحنث حينئذ بفعل غيره بأمره به ، بل ولا إشكال ، فإن عموم المجاز من الاستعمال الصحيح المستحسن كعموم الاشتراك ، خصوصا في اليمين الذي قد عرفت تصريح النصوص (٢) « بأنه على الضمير » بل ظاهر الفاضل في القواعد انصراف الإطلاق عرفا إلى ما يشمل التوكيل ، وهو لا يخلو من وجه. هذا كله إذا لم يكن ثم عرف ولو انصرافي.

( أما ) إذا كان كما ( لو قال : لا بنيت بيتا فبناه البناء بأمره أو باستئجاره قيل : يحنث نظرا إلى العرف ) وقواه في المسالك. ( و ) لكن في المتن ومحكي الخلاف والسرائر ( الوجه أنه لا يحنث ) لما سمعته من أن حقيقة الاسناد المباشرة ، ولا عرف هنا بحيث هجر المعنى الحقيقي على وجه يكون

_________________

(١) سورة ص : ٣٨ ـ الآية ٤٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٧ و ٢١ ـ من كتاب الايمان.

٣١٨

استعماله فيه مجازا ، ضرورة الصدق حقيقة لو بنى بنفسه ، فالعمل حينئذ بالحقيقة والاستصحاب لحكمها أولى.

وفي المسالك بناء هذه المسألة تجميع أفرادها على ترجيح المجاز اللغوية إلا مع معارضة العرف والشرع على وجه تهجر اللغوية ، فلا إشكال في ترجيح العرفية حينئذ ، قال : « وإن بقيت مستعملة مرجوحة فوجهان مبنيان على ترجيح المجاز الراجح والحقيقة المرجوحة ، وإن استويا في الاستعمال صار حينئذ كالمشترك في المنع ، من ترجيح أحد أفراده بغير قرينة أو الحمل على الجميع على قول ، وهذه المسألة ترجع إلى جميع هذه القاعدة ».

قلت : قد ذكرنا في الأصول ما يستفاد منه النظر فيما ذكره من القاعدة كما أنه قد تكرر منا في هذا الكتاب أن الانسياق العرفي من اللفظ تحمل عليه عبارة الحالف وإن لم يكن من الحقيقة ، فمع فرض كون الحالف أراد مفاد إطلاق « لا بنت » والفرض أنه شامل لما كان بأمره لا محيص عن العمل به ، خصوصا إذا كان ممن لا يحسنه ، وكذا غيره من الصناعة كالحياكة والصياغة إلا إذا قصد جعل العنوان الحقيقة الاسنادية ، كما هو واضح بأدنى تأمل. ومنه يعلم ما في كلام المصنف فتأمل.

ولو باع الحالف على نفيه فلا إشكال في الحنث وإن انعقد البيع ، كما صرح به في المسالك بل ظاهره المفروغية عنه ، قال : « لأن النهي في المعاملة لا يقتضي الفساد ، خصوصا إذا كان النهي لوصف خارج كما هنا ».

قلت : قد ذكرنا في الأصول أن النهي عن المعاملة لنفسها أو لجزئها يقتضي الفساد عرفا ، ويمكن كون الفرض منها باعتبار كونه نفسه مخالفة لليمين ، نحو المعاملة المشتملة على المعاونة في الإثم ، بل قد يقال : إن اليمين والنذر والشرط قاطعة لسلطنة المالك عن التصرف المنافي لمتعلقها ، خصوصا مع تعلقها بحق الغير كنذر الصدقة والعتق واشتراطهما أو الحلف عليهما ، وحينئذ لو خالف وباع بطل بيعه ، ولتحقيق المسألة محل آخر.

٣١٩

ثم إنه بناء على اقتضاء اليمين الفساد لو حلف لا يبيع يكون متعلق اليمين البيع الصحيح لو لا اليمين ، فيتحقق حينئذ بكل صحيح لولا اليمين لا البيع الصحيح ، وإلا لزم الجمع بين النقيضين ، لأنه يلزم من ثبوت اليمين نفيها ، والله العالم.

( ولو قال : لا ضربت فأمر بالضرب لم يحنث ) لنحو ما سمعته في نحو « لا بعت » و « لا اشتريت » الذي لم يعارضه عرف ( و ) لو انسياقا نعم ( في ) قول ( السلطان ) ونحوه ممن عادته أو عادة صنفه عدم مباشرة الضرب ( تردد ) مما عرفته في « لا بنيت » ( أشبهه ) عند المصنف ( أنه لا يحنث إلا بالمباشرة ) لنحو ما سمعته منه في نحو « لا بنيت » وقد عرفت أن الأشبه خلافه.

( ولو قال : لا أستخدم فلانا فخدمه بغير إذنه لم يحنث ، ) لأن الاستفعال حقيقة في طلب الفعل ، وورود « استقر » بمعنى « قر » و « استوقد » بمعنى « وقد » غير مناف لكون الحقيقة ما ذكرنا ، على أن الحلف إنما يتعلق بفعل نفسه ، وخدمة الغير بلا طلب منه ليس من فعله ، فلا يتعلق به يمين.

( ولو توكل ) الحالف على أن لا يبيع ولا يشترى ( لغيره في البيع والشراء ففيه تردد والأقرب الحنث ) كما في القواعد ( لتحقق المعنى المشتق منه ) إلا مع قصد نفيهما لنفسه ، أو كان المنساق من إطلاقهما عرفا ذلك ، كما في نحو « لا أتزوج » « ولا أنكح » إذ لا يقال للوكيل : إنه تزوج أو نكح ، نعم لو قال : « لا أزوج » و « لا أنكح » من الإنكاح حنث قطعا ، ولعل التردد من التردد في الانسياق المزبور من إطلاقهما ، ومع الشك فالأصل إرادة النفي مطلقا.

٣٢٠