جواهر الكلام - ج ٣٥

الشيخ محمّد حسن النّجفي

استعماله في عرفنا بإرادة القسم بالذات فيه من غير التفات إلى شي‌ء آخر ، مضافا إلى صدق الحلف بالله عرفا ، وإليه يرجع ما عن المختلف والتنقيح من الرجوع إلى عرف الحالف ، فان قصد به الحلف بالله انعقد يمينا وإلا فلا.

بل وما في الدروس من أنه الأقوى إذا قصد به الله الحق أو المستحق للإلهية ، قال : « ولو قصد به ما يجب لله على عباده لم ينعقد ، ولو أطلق فالأقرب الانعقاد ، لأن الاستعمال في الأولين أغلب ، ولو قال : والحق فوجهان مرتبان وأولى بالانعقاد ، لأنه وإن اشترك إلا انه في الله أغلب ، كالرحيم والعليم والحنان ».

واعترضه في الرياض بأنه غير مفهوم من اللفظ ، ومجرد القصد إليه غير كاف إذا لم يضم إليه ما ينعقد به » وهو كما ترى.

بل إلى ما ذكرناه يرجع ما في كشف اللثام حيث إنه بعد أن حكى ما سمعته من المبسوط قال : « وهو المختار إن أراد الحق الذي هو « الله » ولو أطلق فالأقرب الانعقاد » والله العالم.

( ولا ينعقد اليمين ) على وجه تتعلق به الكفارة ونحوها من أحكامه ( إلا بالنية ) والقصد إليها وإلى العقد بها كما ستسمع تحقيقه إنشاء الله بلا خلاف ولا إشكال.

( و ) حينئذ فـ ( لو حلف من غير نية ) على الوجه المزبور بل كان لسبق لسان أو لدفع ضرر أو غير ذلك ( لم ينعقد سواء كان بصريح ) كقول : « والله » ( أو كناية ) كقول : « والسميع » وغيره مما لا يحمل إطلاقه على اليمين ، إذ لا مدخل هنا لصريح اللفظ في عقد اليمين ، إذ أقصاه أنه صريح في القسم ، وهو غير القصد إلى العقد به. ( و ) على كل حال فـ ( هي يمين اللغو ) أو منه التي قد سمعت تفصيل الكلام فيها في أول الكتاب.

( والاستثناء بالمشيئة ) في اليمين بأن يعلقه على مشيئة الله جائز قطعا ،

٢٤١

بل عن بعض العامة وجوبه لظاهر قوله تعالى (١) ( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْ‌ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ ) وهي مع أنها في غير اليمين أيضا ظاهرة في الأدب والإرشاد.

وعلى كل حال فهو ( يوقف اليمين عن الانعقاد ) بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه لو لم يكن المحلوف عليه الواجب أو المندوب أو ترك الحرام أو المكروه ، فلا يحنث حينئذ بالفعل المحلوف عليه ، ولا تلزمه الكفارة ، للنبوي (٢) المنجبر بما عرفت « من حلف على يمين فقال : إنشاء الله تعالى لم يحنث » وخبر السكوني (٣) عن أبي عبد الله : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من استثنى في اليمين فلا حنث ولا كفارة » ولعله المراد من خبر علي بن جعفر (٤) عن أخيه موسى عليه‌السلام المروي عن كتابه قال : « سألته عن الرجل يحلف على الشي‌ء ويستثنى ما حاله؟ قال : هو على ما استثنى ».

بل ظاهرها كالفتاوى الإيقاف مطلقا وإن كان المتعلق فعل الواجب أو المندوب ، بل حكاه في الرياض عن الأكثر بل في الدروس قول الفاضل بقصره على ما لم يعلم مشيئة الله إياه نادر ، بل في الرياض « هو كالاجتهاد في مقابلة النص ، بل فيه المناقشة بمنع العلم بتعلق المشيئة بها على الإطلاق ، فقد لا يشاؤها في حق هذا الحالف لعارض لا يعلم به ».

قلت : قال الفاضل في قواعده : « وضابط التعليق بمشيئة الله أن المحلوف عليه إن كان واجبا أو مندوبا انعقدت » وفي كشف اللثام « ولم يوقفها التعليق ، لأنهما مما شاء قطعا إلا على رأي الأشعري ».

ثم قال : « وإلا فلا » وفي كشف اللثام « لما عرفت من تساوي طرفي المباح في مشيئته تعالى ، وعليه ينزل إطلاق الأصحاب والأخبار (٥) مع احتمال

_________________

(١) سورة الكهف : ١٨ ـ الآية ٢٣.

(٢) سنن البيهقي ج ١٠ ص ٤٦.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من كتاب الايمان الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من كتاب الايمان الحديث ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من كتاب الايمان.

٢٤٢

النبوي (١) منها أن من تبرك بذلك في يمينه وفق للوفاء ، وقيل بعدم الفرق ، لعموم النص والفتوى ، وهو بعيد من حيث الاعتبار » وظاهره الميل إليه ونحوه السيد في شرح النافع.

بل إن لم يكن إجماعا أمكن القول بعدم إيقاف المشيئة مطلقا إذ المراد منها ـ كما يظهر من ملاحظة النصوص (٢) خصوصا ذيل خبر سلام (٣) الاتي استثناء مشيئة الله ـ عدم وقوع الفعل المحلوف عليه ، فإنه حينئذ يسلب القدرة عليه ، فإذا لم يسلبها علم أنه قد شاءه ، إذ لا يقع فعل من العبد إلا بمشيئته وإن كان لم يسلبه الاختيار ، ومن هنا استفاضت النصوص (٤) بالأمر بذكر المشيئة مع النسيان متى ذكر ، لأن التبرك حاصل على كل حال ، ففي الرياض « أن إطلاق الخبرين والعبارة وغيرها يقتضي عدم الفرق في الحكم بين قصد التعليق بالمشيئة والتبرك ، وبه صرح شيخنا في الروضة خلافا لسبطه في الشرح ، فقال بالفرق واختصاص الحكم بالأول ».

قلت : الظاهر أن الذي دعاه إلى ذلك ضعف خبر السكوني (٥) متنا ودلالة عن إثبات أصل الحكم ، فيجب الاقتصار فيه على المتيقن من الفتاوى الجابرة له. ومن ذلك يعلم أنه لا وجه لرده في الرياض بالانجبار ، ضرورة عدم معلوميته في الفرض ، بل ربما يظهر من بعض تعليلاتهم خلافه.

ثم إن ظاهر النص والفتوى أن ذلك كذلك ( إذا اتصل ) الاستثناء ( باليمين أو انفصل بما جرت العادة ) به في الكلام الواحد ، كالتنفس والسعال والتثؤب ونحوهما مما لا يخل بالمتابعة عرفا ، لـ ( أن الحالف لم يستوف غرضه و )

_________________

(١) سنن البيهقي ج ١٠ ص ٤٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٥ و ٢٦ و ٢٧ و ٢٩ ـ من كتاب الايمان.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من كتاب الايمان الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من كتاب الايمان.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من كتاب الايمان الحديث ١.

٢٤٣

لم يتم ما أراد أن يحلف عليه.

نعم ( لو تراخي عن ذلك من غير عذر حكم باليمين ولغا الاستثناء ) بلا خلاف أجده بيننا ، للخروج عن العادة وإطلاق أدلة حكم اليمين واستصحابه ، بل في كشف اللثام « لو أثر مطلقا لم يتحقق حنث إلا في واجب أو مندوب أو مع الغفلة عنه رأسا ، لجواز أن يستثنى إذا شاء أن يحنث ، خلافا للمحكي عن الحسن وعطا من أن له ذلك ما دام في المجلس » ولا ريب في ضعفه.

هذا ( و ) لكن مع ذلك أصل اعتبار المشيئة مع التراخي ( فيه رواية مهجورة ) لم يعمل بها أحد من أصحابنا ، بل ولا من العامة ، وهي صحيحة عبد الله بن ميمون القداح (١) ، قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : للعبد أن يستثنى ما بينه وبين أربعين يوما إذا نسي » وزاد في رواية الفقيه (٢) « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أتاه أناس من اليهود فسألوه عن أشياء فقال : تعالوا غدا أحدثكم ولم يستثن ، فاحتبس جبرئيل أربعين يوما ثم أتاه ، وقال ( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْ‌ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ ، وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ ) » (٣).

وفي خبره الآخر عنه عليه‌السلام (٤) أيضا قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « الاستثناء في اليمين متى ما ذكر وإن كان بعد أربعين صباحا ، ثم تلا هذه الآية : ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ ) ».

ورواية حمزة بن حمران (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل (٦) ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ ) ، قال : ذلك في اليمين إذا قلت : والله لأفعلن كذا وكذا ، فإذا ذكرت أنك لم تستثن فقل : إنشاء الله ».

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من كتاب الايمان الحديث ٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من كتاب الايمان الحديث ٧.

(٣) سورة الكهف : ١٨ ـ الآية ٢٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من كتاب الايمان الحديث ٤.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من كتاب الايمان الحديث ١.

(٦) سورة الكهف : ١٨ ـ الآية ٢٤.

٢٤٤

ورواية الحلبي وزرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام (١) « في قول الله عز وجل ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ ) ، قال : إذا حلف الرجل فنسي أن يستثنى فليستثن إذا ذكر ».

ورواية حسين القلانسي أو بعض أصحابه (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « للعبد أن يستثنى في اليمين فيما بينه وبين أربعين يوما إذا نسي ».

وخبر زرارة (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ ) ، فقال : إذا حلفت على شي‌ء ونسيت أن تستثنى فاستثن إذا ذكرت ».

إلا أنها أجمع لا صراحة فيها في التأثير مع التأخير ، ولعله لذا حملت على التعليق بالمشيئة نية ولكن نسي التلفظ بها ، أو على ضرب من الندب في اليمين والوعد ، نحو خبر مرازم (٤) قال : « دخل أبو عبد الله عليه‌السلام يوما إلى منزل معتب وهو يريد العمرة ، فتناول لوحا فيه كتاب فيه قسمة أرزاق العباد وما يخرج لهم ، فإذا فيه لفلان وفلان وفلان وليس فيه استثناء فقال : من كتب هذا الكتاب ولم يستثن فيه؟ كيف ظن أنه يتم؟ ثم دعى بالدواة فقال : ألحق فيه إنشاء الله ، فألحق فيه في كل اسم إنشاء الله ».

وخبر أبي بصير (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث « إن قريشا سألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن مسائل : منها قصة أصحاب الكهف ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : غدا أخبركم ولم يستثن ، فاحتبس الوحي أربعين يوما حتى اغتم وشك أصحابه ، فلما كان بعد أربعين صباحا نزل عليه سورة الكهف ـ إلى أن قال ـ ( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْ‌ءٍ ) ـ إلى آخرها ـ فأخبره أنه احتبس الوحي عنه أربعين صباحا ، لأنه قال لقريش : غدا أخبركم بجواب مسائلكم ولم يستثن ».

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من كتاب الايمان الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من كتاب الايمان الحديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من كتاب الايمان الحديث ٥.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من كتاب الايمان الحديث ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من كتاب الايمان الحديث ١.

٢٤٥

وخبر سلام بن المستنير (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « في قول الله (٢) ( وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ ). الآية فقال : إن الله عز وجل لما قال لادم : ادخل الجنة ، قال له : يا آدم لا تقرب هذه الشجرة ، قال : وأراه إياها ، قال آدم لربه : كيف أقربها وقد نهيتني عنها أنا وزوجتي؟ قال : فقال لهما : لا تقرباها يعني لا تأكلا منها ، فقال آدم وزوجته : نعم يا ربنا لا نقربها ولا نأكل منها ، ولم يستثنيا في قولهما : نعم ، فوكلهما الله في ذلك إلى أنفسهما وإلى ذكرهما ، قال : وقد قال الله عز وجل لنبيه في الكتاب (٣) ( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْ‌ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ ) أن لا أفعله ، فتسبق مشيئة الله أن لا أفعله فلا أقدر أن أفعله ، قال : فلذلك قال الله عز وجل لنبيه (٤) ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ ) ، اي استثن مشيئة الله في فعلك ».

( و ) كيف كان فالمشهور على ما اعترف به غير واحد : أنه ( يشترط في الاستثناء النطق ، ولا يكفي النية ) لإطلاق الأدلة وعمومها المقتصر في تقييدها وتخصيصها على المتيقن الذي هو النطق دون غيره ، خصوصا بعد البناء على أن الحكم تعبدي محض ، خلافا للفاضل في المختلف فاكتفى بها ، وتبعه في كشف اللثام ، لما عرفت من اعتبار النية في انعقاد اليمين ، فإذا لم ينو فعل القسم عليه إلا معلقا بالمشيئة فلم ينو الحلف عليه مطلقا ، فلم ينعقد إلا معلقا بها ، وفي الدروس « ولا تكفي النية وإن اقترنت باليمين ، قاله في المبسوط وتبعه ابن إدريس ، وفي النهاية يكفي إن حلف سرا ، وفي المختلف يكفي مطلقا ، وهو قوى ، وعليه حمل رواية عبد الله بن ميمون (٥) جواز استثناء الناسي إلى أربعين يوما ».

وفيه أن الاستثناء المزبور عند القائل به لا يتقيد بالمدة المزبورة ، ودعوى

_________________

(١) الوسائل الباب ٢٥ ـ من كتاب الايمان الحديث ١.

(٢) سورة طه : ٢٠ ـ الآية ١١٥.

(٣) سورة الكهف : ١٨ ـ الآية ٢٣.

(٤) سورة الكهف : ١٨ ـ الآية ٢٤.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من كتاب الايمان الحديث ٦.

٢٤٦

أن التقييد بها وارد مورد المبالغة يدفعها أن الأزيد من ذلك أبلغ ، ولعله لذا أجاب عنها المصنف بالهجر.

وأما ما حكاه عن النهاية فلعله لما في كشف اللثام عن بعض الكتب عن الباقر عليه‌السلام (١) « إذا حرك بها لسانه أجزأ وإن لم يجهر ، وإن جهر بها إن كان جهر باليمين فهو أفضل » ونحوه قول الصادق عليه‌السلام في خبر السكوني (٢) « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من حلف سرا فليستثن سرا ، ومن حلف علانية فليستثن علانية » وعلى كل حال فلا مخالفة فيهما للمطلوب كفتوى النهاية ، ضرورة كون محل البحث تركها سرا وعلانية ، والاقتصار على نيتها.

هذا وفي القواعد « ولو قال : لأشربن اليوم إلا أن يشاء الله أولا أشرب إلا أن يشاء الله لم يحنث بالشرب ولا بتركه فيهما ، كما في الإثبات » أي كما أنه يوقف اليمين فلا يحنث بالفعل ولا بالترك لمنعه من الانعقاد فكذا بصيغة الاستثناء ، لاتحاد المعنى.

وفي كشف اللثام « وقد يقال هنا بالحنث بالترك في الأول والفعل في الثاني لاشتراط الحل ، وهو فعل خلاف المحلوف عليه ، وهو الترك في الأول والشرب في الثاني بالمشيئة ، فما لم يعلم تحققها لم يجز له خلاف المحلوف عليه ، بخلاف الإثبات ، فإنه يتضمن اشتراط العقد أي فعل المحلوف عليه بالمشيئة. ويدفعه أن المباحات يتساوى فعلها وتركها في تعلق مشيئة الله ، ووقوع كل منهما كاشف عن التعلق ، نعم يفترق الحال في التعليق بمشيئة غيره تعالى كما سيأتي » انتهى.

وفي المسالك « ولو قال : والله لأفعلن كذا إلا أن يشاء الله أو لا أفعلن إلا أن يشاء الله فوجهان : أشهرهما أنه كالأول ، فلا يحنث بالفعل ولا بعدمه ، ويحتمل الحنث في الأول إن لم يفعل ، وفي الثاني إن فعل ، لأن شرط منع

_________________

(١) دعائم الإسلام ج ٢ ص ٩٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من كتاب الايمان الحديث ٢.

٢٤٧

الحنث مشكوك فيه ».

قلت : لا ينبغي التأمل في تفاوت المفهوم من قوله : « إن شاء الله » و « إلا أن يشاء الله » في حد ذاتهما ، لكن الدليل الذي هو خبر السكوني (١) وغيره شامل لهما ، وقد عرفت بناء المسألة عندهم على التقييد ، كما أن مقتضاه أيضا عدم الفرق بين تقديم المشيئة على المحلوف عليه وتأخيره عنه وتوسطه ، بل الظاهر الصحة مع التأخير وإن لم يكن عازما عليه من ابتداء اليمين ، بل عزم عليه في أثنائه أو بعده بلا فصل ، كما صرح به غير واحد ، وإن احتملوا مع ذلك العدم اقتصارا على المتيقن ، هذا كله في التعليق في مشيئة الله تعالى.

أما تعليقها على مشيئة غيره فلا إشكال ولا خلاف في جوازها أيضا ، لإطلاق الأدلة سواء كان التعليق لعقدها أو لحلها ، ( و ) حينئذ فـ ( لو قال : ) والله ( لأدخلن الدار ) (٢) اليوم ( إن شاء زيد ) مثلا ( فقد علق ) عقد ( اليمين على مشيئته ) على وجه كانت شرطا في ذلك. ( فان قال : شئت انعقدت اليمين ) لتحقق الشرط حينئذ ، فإن ترك حنث. ( وإن قال : لم أشأ لم تنعقد ) اليمين ، لفقد الشرط ( و ) كذا ( لو جهل حاله إما بموت أو غيبة ) أو غيرهما ( لم تنعقد اليمين ، لفوات الشرط ، ولو قال : ) والله ( لأدخلن الدار إلا أن يشاء زيد فقد عقدت اليمين ) ولكن له حلها بالدخول قبل مشيئته ، سواء شاء بعد ذلك أولا ، لحصول الحل بفعل مقتضي اليمين ، فلا تؤثر المشيئة بعده فيه ، كما أنها تنحل بما اشترطه في حلها من مشيئة زيد أن لا يدخل ، فان لم يدخلها وشاء زيد أن لا يدخلها بر بمشيئته أيضا ( و ) ذلك لأنه ( جعل الاستثناء مشيئة زيد ، فان قال زيد : قد شئت أن لا يدخل فقد وقفت اليمين ) أي انحلت ، لأن متعلق المشيئة المذكورة هو عدم دخوله ، فكأنه قال : « لأدخلن إلا أن يشاء زيد أن لا أدخل » فلا ألتزم بالدخول ( لأن ) المستثنى والمستثنى

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من كتاب الايمان الحديث ١.

(٢) وفي الشرائع : « لا أدخل الدار ».

٢٤٨

منه متضادان ، ولذا كان ( الاستثناء ) من النفي إثباتا أو ( من الإثبات نفي ) اولما كان المحلوف عليه إثبات الدخول كان الاستثناء عدم الدخول ، فإذا شاءه فقد حل اليمين ، ولو فرض أنه قد شاء الدخول فاليمين بحالها ، لأن مشيئته بالفعل غير مستثناة.

وكذا لو جهل حال مشيئته ، لأن الانعقاد حاصل ، وإنما الحل مشروط بمشيئته عدم الدخول ، ولم يحصل الشرط الذي مقتضي الأصل عدمه ، فلم يقع الحل.

وكذا الكلام لو كان متعلق اليمين النفي فله اشتراط عقدها حينئذ بذلك ، بأن يقول مثلا : « والله لا دخلت الدار إن شاء زيد أن لا أدخلها » والبحث فيه كالسابق في أنه إن قال : « شئت » انعقدت اليمين ، لوجود الشرط ، وإن قال لم أشأ لم تنعقد ، لفوات الشرط.

وكذا لو جهل حال مشيئته لموت أو غيبة ، لعدم حصول شرط الانعقاد ، كما هو واضح.

( و ) له اشتراط حلها بذلك كما ( لو قال : ) والله ( لا دخلت ) الدار ( إلا أن يشاء فلان ) دخولها ، والكلام فيه كالسابق أيضا إلا أن المستثنى منه نفي فيكون الاستثناء إثباتا ، فكأنه قال : « لا دخلتها إلا أن يشاء زيد أن أدخل ( فـ ) ان ( قال ) فلان ( قد شئت أن تدخل فقد سقط حكم اليمين ل ) ما عرفت من ( أن الاستثناء من النفي إثبات ) وحينئذ فإن دخل بعد ما شاء بر يمينه ، كما أنه يبره أيضا إن لم يدخل قبل مشيئة الدخول ، نعم إن دخل وقد شاء أن لا يدخل حنث ولا تنفع مشيئة الدخول بعد ذلك ، وإن لم تعرف المشيئة فهي منعقدة أيضا كما عرفت. هذا ما اقتضاه لفظ الاستثناء عند الإطلاق أو مع قصده.

أما لو قصد في استثنائه عكس ذلك بأن قال : « أردت بالاستثناء مخالفة مشيئته » فأردت بقولي : « لأدخلن الدار إلا أن يشاء أن أدخل » فاني أخالفه ولا أدخل ، وبقوله « لا أدخل إلا أن يشاء أن لا أدخل » فاني أخالفه وأدخل قبل منه ودين بنيته ، وانعكس الحكم. إن شاء في الأول قبل أن يدخل انحلت

٢٤٩

اليمين وارتفع وجوب الدخول ، لوقوع الشرط وإن شاء أن لا يدخل في الثاني انحلت اليمين أيضا ، لوجود شرط الحل ، والتضاد بين المستثنى والمستثنى منه حاصل على هذا التقدير أيضا ، والحكم مع الجهل بمشيئته كالسابق.

والضابط أنه كلما كان العقد موقوفا وجهل الشرط فلا عقد ، وكلما كان الحل موقوفا فهي منعقدة إلا مع علم شرط الحل.

ولو فرض أنه قصد الحلف أيضا على المستثنى كالمستثنى منه دين بقصده ، ولو جهل قصده مع الإطلاق في صورة الحل بعد العلم بكون المراد أحدهما فمع فرض تبادر مشيئة عدم الدخول في صورة الإثبات والدخول في صورة النفي كما هو الظاهر انصرف إليه وإلا بطل ، للاحتمال المفضي إلى جهل الاستثناء الموقف لليمين.

( و ) كيف كان فـ ( لا يدخل الاستثناء ) بمشيئة الله تعالى المراد بها الإيقاف ( في غير اليمين ) الذي ثبت بدليله ، فلا يقاس عليه غيره ، لحرمته عندنا خصوصا بعد ما سمعت من الأدلة في محلها على اعتبار التنجيز في العقود والإيقاعات إلا ما خرج بالدليل منها وهو مناف لذلك ، ضرورة كونه تعليقا.

لكن عن الشيخ قول بصحته في الطلاق والعتاق والإقرار ، بمعنى أنه يوقفه ، لإطلاق ما دل على دخوله في اليمين مع دعوى أن تعليق الطلاق والعتق والإقرار على المشيئة يمين أيضا وإن لم يكن بالله ، كما مر عليه التنبيه في باب الظهار (١) بل قد عرفت تقارب اليمين والشرط ، وهو كما ترى إلا أن قوله المزبور الذي هو : « الإيقاف بمعنى البطلان » فهو متحد مع القول بالبطلان مع التعليق على الشرط الفاسد ، وإنما يخالفه القول بصحة العقد والإيقاع واختصاص البطلان بالشرط كما عن ابن إدريس ، وقد عرفت ضعفه في محله وأن الأصح بطلانهما معا ، كما هو المحكي عن الشيخ أيضا في الخلاف.

( وهل يدخل ) أي الاستثناء ( في الإقرار؟ فيه تردد ) وخلاف ( والأشبه ) الأشهر بل المشهور ( أنه لا يدخل ) بل يكون تعقبه إياه

_________________

(١) راجع ج ٣٣.

٢٥٠

كتعقب الإقرار بالمنافي ، فيلغو الاستثناء ويلزم الإقرار ، خلافا لمن عرفت ممن قال بدخوله فيه موقفا له عليها ، لأصالة براءة الذمة ، لكنه واضح الضعف ، ضرورة كون الإقرار إخبارا وقد عرفت عدم قابليته للتعليق ، فهو أولى بالجزم من الطلاق والعتق ، فمن الغريب تردد المصنف فيه وجزمه بالأولين ، والله العالم.

( والحروف التي يقسم بها ) بشهادة أهل اللسان ثلاثة : وهي ( الباء والواو والتاء ) بل قيل : إن أصلها الباء التي تدخل على الظاهر والمضمر بخلافهما وتليها الواو التي تدخل على الأسماء الظاهرة جميعها بخلاف التاء المختصة بالقسم بلفظ الجلالة ، كقوله تعالى (١) ( تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ ) و ( تَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ ) (٢) نعم ربما قيل : « ترب الكعبة » و « تالرحمن » لكنه نادر.

وعلى كل حال فلا شبهة في انعقاد القسم بقوله : « بالله لأفعلن » مع إرادته.

بل في المسالك « يحمل عليه عند الإطلاق ، لاشتهار الصيغة في الحلف شرعا وعرفا ولو قال : لم أرد به اليمين ، وإنما أردت وفقت بالله أو اعتصمت به أو أستعين أو أومن ثم ابتدأت لأفعلن فوجهان أظهرهما القبول إذا لم يتعلق به حق آدمي ، كما لو ادعى عدم القصد ، وهذا بخلاف ما لو أتى بالتاء أو الواو » قلت :

هو لا يخلو من نظر لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما أسلفناه في مسألة دعوى عدم القصد ، بل لعل كلامه هنا لا يخلو من منافاة لكلامه السابق في الجملة ، بل يمكن النظر أيضا فيما يظهر منه من التفصيل بين حق آدمي وغيره باعتبار أن القسم وإن تعلق بآدمى فهو حق لله في عنقه تجب عليه الكفارة مع عدم فعله ، لا أنه يتعلق به حق المطالبة والمقاصة ونحوها ، مع احتماله كما تسمعه في النذر إنشاء الله.

( وكذا ) ينعقد اليمين ( لو خفض ونوى القسم من دون النطق بـ ) أحد

_________________

(١) سورة يوسف : ١٢ ـ الآية ٨٥.

(٢) سورة الأنبياء : ٢١ ـ الآية ٥٧.

٢٥١

( حروف القسم ، ) فقال : الله لأفعلن ولكن ( على تردد ) ينشأ من وروده لغة ، ومنه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « وكأنه الله (١) ما أردت إلا واحدة » وكون الجر مشعرا بالصلة الخافضة ، وبناء اللغة على الحذف والتقدير ، ومن استمرار العادة على الحلف بغير هذه الكيفية ، بل لا يعرف ذلك إلا خواص الناس ، والأصل البراءة ، وعن الشيخ في الخلاف اختياره.

ولكن لا يخفى عليك أن ( أشبهه الانعقاد ) لاندراجه في إطلاق الأدلة بعد أن يكون صحيحا في اللغة ، نعم لو رفع أو نصب أشكل إجراء حكم اليمين بأنه لحن ، لكن في المسالك الوجهان ، بل قال : « أولى بالوقوع هنا مع النصب ، لجوازه بنزع الخافض » وفيه أنه غير مطرد ، والفرق بينهما وبين الأول واضح ، ولعله لذا اقتصر المصنف عليه.

ولو قال باله وشدد اللام وحذف الألف بعدها فهو غير ذاكر لاسمه تعالى صريحا ، فان البله هي الرطوبة ، لكن في المسالك « إن نوى به اليمين انعقد ، لأنه لحن شائع في ألسنة العوام والخواص ، وقد يستجيز العرب حذف الألف في الوقف لأن الوقف يقتضي إسكان الهاء ، فالوجه وقوع اليمين به مع قصده ».

وفيه ما لا يخفى بعد فرض كونه لحنا ، ضرورة اشتراط الجريان على القانون العربي في الصيغة العربية في القسم وغيره ، نعم إن ثبت ما ذكره من جواز حذف الألف في الوقف مطردا على وجه يشمل المقام وفرض حصوله كذلك اتجه الانعقاد حينئذ.

( ولو قال : ها الله كان يمينا ) بلا خلاف ولا إشكال ، لأنه مما يقسم به لغة ، وتقديره في مثل « لا ها الله فعلت » « لا والله فعلت » وها التنبيه يؤتي بها في القسم عند حذف حرفه ، بل عن ابن هشام في المغني أنه يجوز في الصيغة المزبورة

_________________

(١) هكذا في النسختين الأصليتين المبيضة والمسودة والظاهر أنه سهو من قلمه الشريف والصحيح كما جاء في الحديث قول النبي ( ص ) لركانة : « الله ما أردت إلا واحدة » راجع سنن البيهقي ج ٧ ص ٣٤٢.

٢٥٢

حذف الهمزة ووصلها مع إثبات الألف وحذفها.

( وفي ) الانعقاد بـ ( أيمن الله تردد من حيث هو جمع يمين ) عند الكوفيين ، وإن أورد عليه بجواز كسر همزته وفتح ميمه ، ولا يجوز مثل ذلك في الجمع من نحو « أفلس » و « أكلب » لكن عليه يكون القسم به لا بالله ، بل وعلى القول الآخر يكون القسم بوصف من أوصافه الذي هو اليمن والبركة لا باسمه.

( و ) لكن ( لعل الانعقاد أشبه لأنه موضوع للقسم بالعرف ) بل ينبغي الجزم به بعد ما سمعت من النص عليه ، ولا مدخلية لكونه اسما أو حرفا مفردا مشتقا من اليمين أو جمعا في ذلك بعد تعارف القسم به ، والغالب فيه رفعه على الابتداء وإضافته إلى اسم الله ، والتقدير « أيمن الله قسمي » ولكن يجوز جره بحرف القسم وإضافته إلى الكعبة وكاف الضمير.

( وكذا ) الكلام في ( « أيم الله » و « من الله » و « م الله » ) مما هو مقتضب من « أيمن » تخفيفا بحذف بعض حروفه وإبداله لكثرة الاستعمال ، بل عن ابن آوى في استدراك الصحاح في هذه الكلمات إحدى وعشرون لغة : أربع في « أيمن » بفتح الهمزة وكسرها مع ضم النون وفتحها ، وأربع في « ليمن » باللام المكسورة والمفتوحة والنون المفتوحة والمضمومة ، ولغتان في « يمن » بفتح النون وضمها ، وثلاث لغات في « أيم » بفتح الهمزة وكسرها مع ضم الميم ، وبفتح الهمزة مع فتح الميم ، ولغتان في « أم » بكسر الميم وضمها مع كسر الهمزة فيها ، وثلاث في « من » بضم الميم والنون وفتحها وكسرها ، و « م الله » بالحركات الثلاث ، وكل ذلك يقسم به ، بل في كشف اللثام « هيم الله » بفتح الهاء المبدلة من الهمزة ، والله العالم.

٢٥٣

( الثاني )

( الحالف )

( ويعتبر فيه البلوغ وكمال العقل والاختيار والقصد ) بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل ولا إشكال كما في غيره من العقود والإيقاعات ، بل على الأخير منها هنا الإجماع ، عن ظاهر الغنية والدروس وغيرهما ، مضافا إلى قوله تعالى (١) ( وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ) فان كسب القلوب النية والقصد ، وكذا قوله تعالى (٢) ( وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ ) خصوصا بعد رعاية المقابلة باللغو الذي قد سمعت النصوص (٣) السابقة فيه الدالة على المطلوب أيضا وكأن اعادة المصنف ذكره هنا مع ذكره سابقا اعتبار القصد في الصيغة أما لبيان أنه كما يصلح شرطا لها يصلح شرطا له أيضا ، أو للتنبيه على مغايرته لها من وجه ، بأن يراد منه اتصاف الحالف به في نفسه سواء ربطه بمقصود أم لا ، وبالنية ربط القصد بالصيغة الدالة على الحلف ، كما ينبه عليه نشره ، فإنه أخرج باشتراط قصده السكران والغضبان الذي لا يملك نفسه ، فإنهما لا قصد لهما في أنفسهما ، بخلاف الكامل الخالي من موانع القصد ، فإنه قاصد في الجملة ، لكن قد يربط قصده بالصيغة ، فيكون قاصدا ناويا ، وقد لا يتوجه بقصده إليها ، فيكون لاغيا بحلفه ، ولعله لذا اعتبر الفاضل في الإرشاد في الحالف أن يكون

_________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٥.

(٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٨٩.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من كتاب الايمان.

٢٥٤

قاصدا ناويا ، وربما تسمع زيادة تحقيق لذلك إنشاء الله.

وعلى كل حال ( فلا ينعقد يمين الصغير ) وإن كان مميزا قد بلغ عشرا وإن تعلق بما جاز له من الوصية.

( ولا المكره ) لعموم ما دل على (١) أن الإكراه أحد الأمور التي رفعت عن الأمة ، وخصوص خبر عبد الله بن سنان (٢) قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا يمين في غضب ولا في قطيعة رحم ولا في جبر ولا في إكراه ، قال : قلت : أصلحك الله فما فرق بين الجبر والإكراه؟ قال : الجبر من السلطان ، ويكون الإكراه من الزوجة والام والأب وليس ذلك بشي‌ء ».

( ولا المجنون ) مطبقا أو أدوارا لسلب عبارته ( ولا السكران ) لعدم قصده أو عدم العبرة بقصده ، بل ( ولا الغضبان إلا أن يملك نفسه ) على وجه يكون كغير الغضبان بالنسبة إلى عقد اليمين ، فتشمله العمومات حينئذ بخلاف الأول المنزل عليه قوله عليه‌السلام (٣) « لا يمين في غضب ».

إلا أن الانصاف ظهور ذكر الغضبان هنا نصا وفتوى دون باقي العقود والإيقاعات ، وكذا قول المصنف وغيره ( وتنعقد اليمين بالقصد ) مضافا إلى ما سمعته من الجمع بين النية والقصد في عبارة الإرشاد ، بل وغيره كالمصنف الذي قد ذكر أولا اعتبار النية فيه بالصريح والكناية ، وثانيا اعتبار القصد في الحالف ، وثالثا أنه ينعقد بالقصد ، وقبول دعوى عدم القصد منه وإن كان اللفظ صريحا وغير ذلك ، في زيادة اليمين باعتبار قصد آخر فيه غير قصد باقي العقود والإيقاعات ، وأنه لا يكفي في انعقاده مجرد القصد إلى إنشاء صيغة الصريحة ، كما في صيغ العقود والإيقاعات ، بل لا بد مع ذلك من قصد العقد والربط بصيغة اليمين ، وهو المراد بالنية.

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من كتاب الايمان والباب ـ ٥٦ ـ من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من كتاب الايمان الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من كتاب الايمان الحديث ١.

٢٥٥

ومن هنا لم يحكم على الحالف بالصيغة الصريحة بانعقاد يمينه إلا أن يضم مع ذلك قرائن قطعية تدل على ذلك ، وإلا فمجرد التلفظ بصيغة اليمين لا يحكم عليه بانعقاد اليمين عليه على وجه تجب عليه الكفارة وإن علم منه إرادة الحلف الذي هو أعم من اليمين المنعقدة التي هي من كسب القلب ، وهو معنى قول المصنف وغيره : إنها تنعقد بالقصد وإنه لا بد في اليمين من النية وغير ذلك مما ذكروه في اليمين دون غيره من العقود والإيقاعات ، والتأمل فيه يشرف الفقيه على القطع بمدخلية قصد خاص في انعقاد اليمين.

ولعله لذلك أطلق في الرواية (١) أنه « لا يمين في غضب » باعتبار غلبة اثارة الغضب للحلف من دون ملاحظة العقد ، وكذا ما يحصل من اليمين بإكراه الزوجة والام والأب وغيرهما.

بل لعله إلى ذلك يرجع ما في الكفاية ، قال : « ويدخل في يمين اللغو كل يمين لفظا لم يقرن بها نيتها ، كسبق اللسان بعادة أو غير عادة ، أو جاهلا بالمعنى ، أو للغضب المسقط للقصد ، أو لمجرد النفي والإثبات كذلك ».

بل ولعله إليه يرجع ما في المسالك في شرح قول المصنف « وينعقد بالقصد » قال : « لا شبهة في انعقادها بالصيغة مع باقي الشرائط ، وإنما الغرض أنها لا تنعقد بدونه ، فالمقصد من العبارة مفهومها لا منطوقها ، ونبه بذلك على خلاف بعض العامة ، حيث حكم بانعقاد اليمين بالقسم الصريح وإن لم يقصد ، وإنما يتوقف على القصد ما ليس بصريح ، كالكناية بالحق والقدرة والكلام ونحو ذلك » خصوصا مع ملاحظة كلامه السابق على هذا ، والله العالم.

( ويصح اليمين من الكافر ) وإن كان كفره بجحود الخالق ( كما يصح من المسلم ) كما عن الشيخ وأتباعه وأكثر المتأخرين ، لإطلاق الأدلة وعمومها كتابا (٢) وسنة (٣) اللذين لا ينافيهما كفره بعد أن كان مخاطبا بفروع

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من كتاب الايمان الحديث ١.

(٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٨٩.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ و ٣٠ من كتاب الايمان.

٢٥٦

الشريعة ، ولعموم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) « البينة على المدعي واليمين على من أنكر » ولازم ذلك توجه اليمين على الكافر وإن كان جاحدا ولا قائل بالفصل ، بل قد يدل انعقادها في مثل ذلك الذي قد يتعلق بالفروج والدماء والأموال على انعقادها في غيره بطريق أولى.

بل منه يظهر فساد ما تسمعه من التعليل للعدم بعدم معرفة الكافر بالله المقتضي لعدم اعتبار اليمين منه مطلقا ، وقال الصادق عليه‌السلام في خبر جراح المدائني (٢) « لا يحلف بغير الله ، وقال : اليهودي والنصراني والمجوسي لا تحلفوهم إلا بالله عز وجل » وقال الحلبي في الصحيح (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن أهل الملل يستحلفون فقال : لا تحلفوهم إلا بالله عز وجل » وسأله سماعة (٤) أيضا « هل يصلح لأحد أن يحلف أحدا من اليهود والنصارى والمجوس بآلهتهم؟ قال : لا يصلح لأحد أن يحلف إلا بالله عز وجل » ونحوه صحيحه الآخر (٥) كل ذلك مضافا إلى النصوص الناهية عن عدم الرضا إذا حلف له بالله (٦).

ومن الغريب بعد ذلك كله المعتضد بعمل الأكثر بل المشهور مناقشة فاضل الرياض بعدم إطلاق يشمل مفروض المسألة لاختصاصه في الكتاب وبعض السنة بمقتضى قاعدة خطاب المشافهة بحاضري مجلسه والمتيقن منهم المسلمون خاصة والتعدية إلى غيرهم ومنهم الكفار مطلقا يحتاج إلى دلالة هي في المقام مفقودة ، إذ ليست إلا الإجماع ، وهو مفقود في محل النزاع ، وأما إطلاق باقي السنة فغير نافع أيضا لوروده لبيان حكم آخر غير حكم المسألة ، ولا اعتداد بمثلها فيها كما

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كيفية الحكم الحديث ٥ وفيه « البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه » وفي المستدرك الباب ـ ٣ ـ منها الحديث ٤ وسنن البيهقي ج ١٠ ص ٢٥٢ « البينة على المدعى واليمين على من أنكر ».

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من كتاب الايمان الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من كتاب الايمان الحديث ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من كتاب الايمان الحديث ٥.

(٥) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من كتاب الايمان الحديث ٥ بسند الشيخ ( قده ).

(٦) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من كتاب الايمان والمستدرك الباب ـ ٤ ـ منه.

٢٥٧

مر غير مرة ، وأما الصحيحان فليسا من مفروض المسألة ، لكون اليمين على المستقبل الموجب مخالفتها للحنث والكفارة ، ولا كذلك موردهما ، لتعلقه باستحلافهم في مقام الدعوى ، وهو غير الحلف الذي قدمناه.

ولا يخفى عليك ما في آخر كلامه بعد ما ذكرناه كما اعترف هو به بعد ذلك ، بل ولا أول كلامه ، ضرورة ثبوت قاعدة الاشتراك في التكاليف بين المسلم وغيره والذكر والأنثى والحر والعبد من غير حاجة إلى عموم في خصوص كل مورد ، بل لا ينافيها المباشرة الخطابية ، نحو ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) ونحوه كما هو واضح بأدنى تأمل.

ومن ذلك كله يعلم ما في المحكي عن الشيخ في الخلاف في المتن وغيره بقوله : ( وقال في الخلاف : لا يصح ) مع أن المحكي عنه فيه أيضا الرجوع عن ذلك إلى الأول ، بل ربما كان ذلك اتفاقا من الجميع عدا ابن إدريس المعلوم نسبه ، فيفيد المسألة زيادة قوة ، خصوصا بعد وضوح ضعف ما ذكر دليلا له من الأصل المقطوع بما عرفت ، ومن أن الكافر لا معرفة له بالله الذي قد عرفت ما فيه ، مع أنه غير شامل لمن كان كفره بما لا ينافي معرفة الله ، ومن أن « الإسلام يجب ما قبله » (٢) المراد به قطع ما ثبت وجوبه كالصلاة الواجبة ونحوها ، وهو غير منعه عن الثبوت في حال الكفر ، فلعل اليمين تنعقد عليهم حال كفرهم بحيث توجب مخالفتها عليهم الحنث والكفارة ، وإسلامهم بعد يجب ما وجب عليهم قبله بالمخالفة من الكفارة.

هذا وفي المسالك وتبعه في الرياض الميل إلى ما عن العلامة من التفصيل بين الكافر العارف بالله وغيره ، فينعقد من الأول دون الثاني ، بل في الرياض نسبته إلى

_________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ١.

(٢) المستدرك الباب ـ ١٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٢ والخصائص الكبرى ج ١ ص ٢٤٩ وكنز العمال ج ١ ص ١٧ الرقم ٣٤٣ والجامع الصغير ج ١ ص ١٢٣.

٢٥٨

التنقيح وسيد المدارك ، بل قال : وعليه كثير ممن تبعهم.

ولا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه ، ضرورة صدق الحلف مطلقا فهو حينئذ من الأسباب التي لا مدخلية للمعرفة بالله وعدمها في ترتب أحكامها ، بل قد يحصل في فساق مظهري الإسلام من هو أقل من الكافر معرفة بالله تعالى شأنه ، وعلى كل حال فلا محيص عما عليه الأصحاب.

وتظهر فائدة الصحة في بقاء اليمين لو أسلم في المطلقة أو قبل خروج الموقتة ، وفي العقاب على متعلقها لو مات على كفره ولما يفعله ، لا في تدارك الكفارة لو سبق الحنث الإسلام ، لأنها تسقط عنه به بلا خلاف يظهر ، كما اعترف به في الرياض وإن حكى عن سيد المدارك التأمل فيه ، وهو في غير محله بعد الخبر المزبور (١) المعتضد بالعمل على وجه يمكن أن يكون إجماعا ، كما عن بعض الاعتراف به ، وفحوى سقوط قضاء الصلاة الذي سقوط الكفارة أولى منه.

( و ) كيف كان فعلى القول بصحة اليمين منه ففي المتن ( في صحة التكفير منه تردد ، منشأه الالتفات إلى اعتبار نية القربة ) به ولم أجده لغيره ، إذ لا ريب في أن الكفارة من العبادات المعتبر في خصالها أجمع نية القربة التي لا تقع من الكافر على الوجه الذي ذكرنا سابقا ، من غير فرق بين الجاحد وغيره.

واحتمال كون المراد من نية القربة قصد التقرب إلى الله سواء حصل القرب أم لا ـ نحو ما سمعته في عتق الكافر ـ واضح الفساد ، كاحتمال كون وجهه أن بعض خصال الكفارة قد يشك في اعتبار نية القربة فيه كالإطعام والكسوة كما يقوله بعض العامة الذين لم يعتبروا النية إلا في الصوم من خصالها ، ضرورة خروجه عن كلمات الأصحاب وقواعدهم.

وعلى كل حال فتردده في غير محله ، ولذا جزم كل من قال بصحة يمينه بعدم صحة التكفير منه حال كفره ، لكن قال : ذلك لا يمنع صحتها وترتب الحنث

_________________

(١) المذكور في ص ٢٥٨ الرقم (٢).

٢٥٩

عليها وعقابه عليها لو مات كافرا.

( ولا تنعقد من الولد مع والده إلا مع إذنه ، وكذا يمين المرأة والمملوك إلا أن يكون اليمين في فعل واجب أو ترك قبيح ) بلا خلاف في شي‌ء من ذلك في الجملة ، بل عن الغنية الإجماع عليه ، لخبر ابن القداح (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لا يمين لولد مع والده ، ولا للمرأة مع زوجها ، ولا للمملوك مع سيده » وصحيح منصور ابن حازم (٢) عنه عليه‌السلام أيضا قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يمين للولد مع والده ، ولا للمملوك مع مولاه ، ولا للمرأة مع زوجها ، ولا نذر في معصية ، ولا يمين في قطيعة » ونحوه خبره الآخر (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام ، وخبر أنس بن محمد عن أبيه (٤) عن جعفر بن محمد ، عن آبائه عليهم‌السلام في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام قال : « ولا يمين في قطيعة رحم ، ولا يمين لولد مع والده ، ولا امرأة مع زوجها ، ولا للعبد مع مولاه ».

وعلى كل حال فقد قيل : إن مقتضاها كالعبارة ونحوها عدم الصحة هنا ، لأنه أقرب المجازات إلى نفي المهية بعد تعذر الحقيقة ، مضافا إلى شهادة سياق الصحيح (٥) المتضمن لنفي النذر على المعصية المراد منه نفي الصحة إجماعا بذلك.

ومن هنا كان عدم الصحة خيرة الفاضل في الإرشاد وثاني الشهيدين في المسالك وغيرهما ممن تبعهما على ذلك ، ولأن اليمين إيقاع ولا تقع موقوفة.

هذا ولكن قول المصنف متصلا بما سمعت ( ولو حلف أحد الثلاثة في غير ذلك كان للأب والزوج والمالك حل اليمين ولا كفارة ) ظاهر في الصحة بدون الاذن وإن كان له حلها ، وكذا عبارته في النافع ، بل وعبارة الدروس ، بل في المسالك وعن المفاتيح نسبته إلى الشهرة ، وحينئذ فلو مات الأب أو طلقت المرأة أو أعتق العبد قبل

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الايمان الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الايمان الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من كتاب الايمان الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الايمان الحديث ٣.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الايمان الحديث ٢.

٢٦٠