جواهر الكلام - ج ٣٥

الشيخ محمّد حسن النّجفي

لا يقتضي العلم بحصوله في يده بعده على وجه يترتب عليه ثبوت الجعل. وكذا لو تنازعا في حصوله في يده قبل العلم بالجعل ، بناء على عدم الاستحقاق معه ، أو في السعي لتحصيله على وجه لا عمل له يستحق به.

نعم في المسالك « وعلى ما تقدم نقله عن التذكرة ـ من أنه إذا حصل بيده قبل الجعل وتوقف تسليمه على مئونة وحصل الجعل ورده استحق الجعل ـ لا يتم هذا الاختلاف لاستحقاقه على التقديرين ».

قلت : قد مر ما يستفاد منه الكلام في ذلك.

ولو تنازعا في التفريط والتعدي حلف العامل ، لأنه أمين ، وفي الدروس خبر السكوني (١) وغياث (٢) عن علي عليه‌السلام يدلان عليه ، وعن التذكرة أن الذي يقتضيه النظر ذلك ، ولكن لم أقف فيه على شي‌ء.

فحينئذ فعلف الدابة ونفقة العبد على المالك على الأقوى ، كما في الدروس ، وفي جامع المقاصد مئونة الدابة والعبد وما يلزمه القماش ونحوه مما هو كالنفقة ـ مثل الجعالة التي إن لم يبذلها ذهب المال أو بعضه الذي هو أزيد من المطلوب ـ على المالك ، لأنه ملكه ، ويد العامل كيد الوكيل.

ولو قال : « إن علمت ولدي القرآن ـ أو علمتني ـ فلك كذا » فعلمه البعض وامتنع من تعليم الباقي فعن التذكرة لا شي‌ء له على إشكال. قال : « وكذا لو كان الصبي بليدا لا يتعلم على إشكال. كما لو طلب العبد فلم يجده ـ وقال أيضا ـ : أما لو مات الصبي في أثناء التعليم فإنه يستحق اجرة ما علمه ، لوقوعه مسلما بالتعليم بخلاف رد الآبق ، فان تسليم العمل بتسليم الآبق ، وهنا ليس عليه تسليم الصبي ولا هو في يده ، ولو منعه أبوه فللمعلم اجرة المثل لما علم ـ قال ـ : ولو قال : إن خطت لي هذا القميص فلك درهم فخاط بعضه فان تلف في يد الخياط لم

_________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٤٩ ـ من كتاب العتق الحديث ١.

٢٢١

يستحق شيئا ، وإن تلف في يد رب الثوب بعد ما سلمه إليه استحق من الأجرة بنسبة ما عمل ».

وفي جامع المقاصد في الفرق بين هذه المسألة ومسألة التعليم نظر ، وقد سبق لنا بعض الكلام في بعض هذه المسائل ، والله العالم.

٢٢٢

( كتاب الأيمان )

الأيمان جمع يمين وهي لغة الجارحة المخصوصة ، ويقال أيضا : على القدرة والقوة ، لكن مجاز على الظاهر.

وشرعا على ما ذكره غير واحد الحلف بالله أو بأسمائه الخاصة لتحقيق ما يحتمل الموافقة والمخالفة في الاستقبال ، والمراد بكونه شرعا ما يترتب عليه من الحنث والكفارة ونحوهما من الأحكام التي رتبها الشارع على اليمين ، وإلا فهو يمين لغة قطعا وإن كان قد يقال : إنها مأخوذة من اليد اليمنى ، لأنهم كانوا يتصافقون بأيمانهم إذا حلفوا ، بل الظاهر أعمية المعنى الشرعي من الاستقبال ، ولذا أطلق الفاضل ، بل في كشف اللثام التصريح بالماضي والمستقبل ، واختصاص الثاني بالكفارة ونحوها لا ينافي صدق اليمين على الأعم.

والمراد باحتمال المخالفة إمكان وقوعها عقلا لا شرعا ، فيصح على فعل الواجب وترك الحرام دون الممتنع ، خلافا لبعضهم كما تسمع تحقيقه إنشاء الله في المحلوف عليه.

نعم اليمين على أقسام : ( منها ) يمين اللغو ، ولها تفسيران على ما في التنقيح : أحدهما الحلف لا مع القصد على ماض أو آت ، وثانيهما أن يسبق اللسان إلى اليمين من غير قصد أنها يمين ، وكلاهما غير مؤاخذ به. قلت : لعل تفسيرها بغير المؤاخذ بها مطلقا أولى.

٢٢٣

وفي موثق مسعدة بن صدقة (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سمعته يقول في قول الله عز وجل (٢) ( لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ ) ، قال : اللغو قول الرجل : لا والله وبلى والله ، ولا يعقد على شي‌ء » ونحوه المروي في تفسير العياشي عن عبد الله بن سنان (٣) عن الصادق عليه‌السلام.

وفي خبر أبي بصير (٤) عنه عليه‌السلام أيضا في قول الله تعالى ( لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ ) ـ إلى آخرها ـ قال : « هو لا والله وبلى والله ».

وفي خبر أبي الصباح (٥) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوله : ( لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ ) ـ إلى آخرها ـ قال : هو لا والله وبلى والله وكلا والله لا يعقد عليها أو لا يعقد على شي‌ء » بل في خبر محمد بن مسلم (٦) المروي عن تفسير العياشي تفسير العرضة بذلك ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله تعالى (٧) ( وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ ) ، قال : هو قول الرجل : لا والله وبلى والله » وفي مرسل ابن أبي عمير (٨) المروي عن تفسير علي بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى (٩) ( لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ ) ـ إلى آخرها ـ قال : « نزلت في أمير المؤمنين وبلال وعثمان بن مظعون ، فأما أمير المؤمنين عليه‌السلام فحلف أن لا ينام في الليل أبدا ، وأما بلال فحلف أن لا يفطر في النهار أبدا ، وأما عثمان بن مظعون

_________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من كتاب الايمان الحديث ١.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٥.

(٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من كتاب الايمان الحديث ٤.

(٧) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٤.

(٨) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من كتاب الايمان الحديث ١.

(٩) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٨٧.

٢٢٤

فإنه حلف أن لا ينكح أبدا ـ إلى أن قال ـ : فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونادى الصلاة جامعة ، وصعد المنبر وحمد الله تعالى وأثنى عليه ، ثم قال : ما بال أقوام يحرمون على أنفسهم الطيبات؟! ألا أني أنام الليل وأنكح وأفطر في النهار ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ، فقام هؤلاء ، فقالوا : يا رسول الله فقد حلفنا على ذلك؟ فأنزل الله تعالى ( لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ ) (١) » ومن هنا قلنا : إن تفسيرها بمطلق غير المؤاخذ بها أولى.

و ( منها ) يمين الغموس ، وهي على ما في التنقيح الحلف على الماضي والحال مع تعمد الكذب ، وسميت غموسا لأنها تغمس الحالف في الإثم أو في النار ، وفي بعض الروايات انها من الكبائر ، وفي بعض أنها تدع الديار بلاقع.

قلت في مرسل ابن حديد (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « الأيمان ثلاث : يمين ليس فيها كفارة ، ويمين فيها كفارة ، ويمين غموس توجب النار ، فاليمين التي ليس فيها كفارة : الرجل يحلف على باب بر أن لا يفعله ، فكفارته أن يفعله ، واليمين التي تجب فيها الكفارة : الرجل يحلف على باب معصية أن لا يفعله فيفعله ، فتجب عليه الكفارة ، واليمين الغموس التي توجب النار : الرجل يحلف على حق امرئ مسلم على حبس ماله ».

وفي مرسل الصدوق ره (٣) عن الصادق عليه‌السلام « اليمين على وجهين ـ إلى أن قال ـ : وأما التي عقوبتها دخول النار فهو أن يحلف الرجل على مال امرئ مسلم أو على حبس ماله » إلى غير ذلك من النصوص.

وعلى كل حال فلا كفارة فيها ، لعدم العقد القابل للحل فيها ، لأنها على

_________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٨٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من كتاب الايمان الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من كتاب الايمان الحديث ٣ وفيه « على مال امرئ مسلم أو على حقه ظلما » كما في الفقيه ج ٣ ص ٢٣١ الرقم ١٠٩٤.

٢٢٥

الإخبار بما مضى كذبا.

و ( منها ) يمين المناشدة ، وهي الحلف على الغير ليفعلن أو يتركن ، وسيذكرها المصنف.

و ( منها ) يمين العقد ، وهي الحلف على الفعل أو الترك في المستقبل ، وهي التي يقع بها الحنث وتجب بها الكفارة.

وإليها أشار المصنف بقوله ( والنظر في أمور أربعة. )

( الأول )

( ما به تنعقد اليمين )

( لا تنعقد اليمين إلا بالله أو بأسمائه التي لا يشركه فيها غيره أو مع إمكان المشاركة ينصرف إطلاقها إليه ، فالأول كقولنا : « ومقلب القلوب » ) والابصار » ( « والذي نفسي بيده » « والذي فلق الحبة وبرأ النسمة » ) بالتحريك الإنسان والمملوك ذكرا كان أو أنثى.

( والثاني كقولنا : « والله » « والرحمن » « والأول الذي ليس قبله شي‌ء ». )

( والثالث كقولنا « والرب » « والخالق » « والبارئ » « والرازق » ) وحاصله أن أقسام اليمين العاقدة ثلاثة مرجعها إلى الحلف بالله أو بأسمائه المختصة به أو الغالبة عليه.

فالأول أن يقسم بما يفهم من ( منه ظ ) ذاته المقدسة بذكر ما يختص به من الأفعال صلة أو غيره ، نحو قوله : « والذي نفسي بيده » فعن أبي سعيد

٢٢٦

الخدري (١) « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا اجتهد في اليمين قال : لا والذي نفس أبي القاسم بيده » ونحوه « والذي فلق الحبة وبرأ النسمة » وعن علي عليه‌السلام « والذي أصوم وأصلي له » إلى غير ذلك.

وفي المسالك « وهذا القسم تنعقد به اليمين سواء أطلق أو قصد به الباري تعالى ، حتى لو قال : قصدت غيره لم يقبل ظاهرا ولو قبل منه عدم القصد إلى اليمين » قلت : لا يخلو من نظر.

الثاني الحلف بأسمائه المختصة به التي لا تطلق على غيره ، كالله ، والرحمن ، ورب العالمين ، ومالك يوم الدين ، وخالق الخلق ، والأول الذي ليس قبله شي‌ء ، والحي الذي لا يموت ، والواحد الذي ليس كمثله شي‌ء ، وعن بعضهم عد « الخالق » « والرازق » منها.

وفي المسالك « الأصح أنهما من الثالث ، لأنهما يطلقان في حق غير الله تعالى ، قال الله تعالى (٢) ( وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً ) وقال تعالى (٣) ( وَارْزُقُوهُمْ ) وفيه أن ذلك غير إطلاق لفظ « الخالق » « والرازق » على الإطلاق.

والثالث ما يطلق في حق الله وحق غيره ، لكن الغالب استعماله في حق الله تعالى وإن تقيد في حق غيره بضرب من التقييد ، كالرحيم والرب والخالق والرازق والمتكبر والقاهر.

وفي الدروس بعد أن حكى عن بعض جعل قسم الأول الحلف بالله معرضا بالمصنف وغيره ، وهو ضعيف ، لأن مرجعه إلى أسماء تدل على صفات الأفعال كالخالق والرازق التي هي أبعد من الأسماء الدالة على صفات الذات كالرحمن والرحيم التي هي دون اسم الذات ، وهو الله جل اسمه ، بل هو الاسم الجامع.

_________________

(١) سنن البيهقي ج ١٠ ص ٢٦.

(٢) سورة العنكبوت : ٢٩ ـ الآية ١٧.

(٣) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٥.

٢٢٧

وأجاب عنه في المسالك بأن تخصيصها بذلك من حيث دلالتها على الذات من غير احتمال مشاركة غيره ، ومع ذلك ليست من أسمائه تعالى المختصة ولا المشتركة ، وإنما جعلوها في المرتبة الأولى لمناسبة التقسيم ، فان أسمائه تعالى لما انقسمت إلى أقسام كثيرة : منها المختص به والمشترك الغالب به ، وغيره والدال على صفة فعل وغير ذلك من الأقسام لم يناسب إدخال هذه في جملة الأقسام ولو ناسب بعضها لأنها ليست أسماء ، ولا تأخيرها عنها لأنها أخص به تعالى من كثير من الأقسام ، فأفردت قسما ، وجعلت أولا لجهة اختصاصها ، ولكونها قسما لا ينقسم ، وما هذا شأنه يقدم في القسمة على ما ينقسم ، واسم الله وإن كان أدل على الذات منها إلا أنه من جملة أسمائه تعالى ، فناسب ذكره مع باقي الأسماء ، فلم يكن فيما ذكروه من التقسيم قصور من هذا الوجه ، وإن كان ما اعتبره حسنا أيضا إلا أنه غير مناف لما ذكره الجماعة.

قلت : إن كان المراد ما ذكره فالسؤال والجواب لا حاصل له ، ضرورة رجوعه إلى مجرد لفظ وتسمية ، ولا ريب في أن صدق الحلف بالله على الحلف باسمه المختص به العلمي أتم.

بل عن سيد المدارك في نهاية المرام احتمال اختصاص الحلف بلفظ الجلالة ، لدعوى تبادره من النصوص (١) الإمرة بالحلف بالله وإن كان مخالفا للإجماع في الظاهر ، بل والمحكي عن الشيخين ، بل قد يمنع التبادر بعد ملاحظة سياق تلك الأخبار الظاهر في إرادة ذاته المقدسة من لفظ المزبور لا خصوصها.

بل في الرياض « مع أن في الصحيحة التعبير بالإله وبالله (٢) وعليه ينتفي

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٥ و ٣٠ ـ من كتاب الايمان.

(٢) هكذا في النسخة الأصلية الا أن الموجود في الرياض « مع أن في الصحيحة الأولى وقع التعبير بإلا به لا بإلا بالله ، وعليه ينتفي خصوصية اللفظ » والمراد من الصحيحة التي أشار إليها هي صحيحة محمد بن مسلم الاتية في الصفحة التالية الرقم (٦).

٢٢٨

خصوصية اللفظ قال : ـ ويشهد له أيضا ما سيأتي من الصحيح (١) الدال بانعقاد اليمين بعمر الله ويا هناه يا هناه من التعليل في الأول بقوله : فان ذلك بالله عز وجل ، وفي الثاني بقوله : فإنما ذلك طلب الاسم ، وليس المراد بالله فيه ما ذكره من الخصوصية قطعا ، بل ما ذكرنا من مطلق الذات المقدسة ، وحينئذ فيدل التعليل على انعقاد اليمين بكلما دل عليها ، ولو كان غير لفظ الجلالة فلا وجه لما احتمله ، ولذا لم يحتمله أحد من أصحابنا ، بل أطبقوا على عدم الفرق بين هذه اللفظة وغيرها من أسمائه المقدسة ».

قلت : ستعرف عدم مدخلية التعليل الثاني فيما نحن فيه ، بل المراد به طلب الاسم أي النداء ، وليس من القسم في شي‌ء.

وعلى كل حال فالذي وصل إلينا من النصوص المتعلقة في هذا المقام هي خبر علي بن مهزيار (٢) : « قلت لأبي جعفر الثاني عليه‌السلام : جعلت فداك قول الله عز وجل (٣) ( وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلّى ) ، وقوله عز وجل (٤) : ( وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ) وما يشبه هذا ، فقال : إن لله عز وجل أن يقسم من خلقه بما شاء ، وليس لخلقه أن يقسموا إلا به عز وجل ».

وخبر الحسين بن زيد (٥) عن الصادق عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث المناهي « نهى أن يحلف الرجل بغير الله ، وقال : من حلف بغير الله فليس من الله في شي‌ء ، ونهى أن يحلف الرجل بسورة من كتاب الله عز وجل ، وقال : من حلف بسورة من كتاب الله فعليه بكل آية منها كفارة يمين ، فمن شاء بر ومن شاء فجر ، ونهي الرجل أن يقول للرجل : لا وحياتك وحياة فلان ».

وصحيح محمد بن مسلم (٦) « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : قول الله عز وجل :

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من كتاب الايمان الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من كتاب الايمان الحديث ١.

(٣) سورة الليل : ٩٢ ـ الآية ١.

(٤) سورة النجم : ٥٣ ـ الآية ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من كتاب الايمان الحديث ٢.

(٦) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من كتاب الايمان الحديث ٣.

٢٢٩

وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (١) وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (٢) وما أشبه ذلك ، فقال : إن الله عز وجل أن يقسم من خلقه بما شاء ، وليس لخلقه أن يقسموا إلا به ».

وصحيح الحلبي (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لا أرى للرجل أن يحلف إلا بالله ، فأما قول الرجل : لا بل شانيك (٤) فإنه قول أهل الجاهلية ، ولو حلف الرجل

_________________

(١) سورة الليل : ٩٢ ـ الآية ١.

(٢) سورة النجم : ٥٣ ـ الآية ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من كتاب الايمان الحديث ٤.

(٤) وعن بعض نسخ الكافي « لا أب لشانيك » قال الجوهري : « لا أب لشانئك ولا أبا لشانئك : أى لمبغضك ، قال ابن السكيت : هو كناية عن قولهم : لا أب لك » انتهى.

وقيل : أسند عدم الأب إلى مبغضة والمراد نسبته إليه رعاية للأدب ، فيكون المراد بالخبر الحلف على مثل هذا مثل أن يقول : « لا أبا لشانئك ان لم يكن كذا » أى لا أب لك.

وعلى نسخة الأصل يمكن ان يكون تقديره « لا ، بل أكون من شانئك ومبغضك ان فعلت كذا » أو يكون أصله « لا أب لشانئك ».

وقيل يمكن أن يكون « لا » نفيا لما ذكر المخاطب. ويكون حرف القسم في شانئك مقدرا فيكون القسم بعرقى رأسه الملزومين لحياته كما في قولهم : « لعمرك وحياتك » وحينئذ فيكون « شانيك » بفتح النون على صيغة التثنية ، قال الجوهري ناقلا عن ابن السكيت : « الشانان : العرقان يتخذان من الرأس إلى الحاجبين ثم الى العينين ».

وأما قولهم : « يا هناه » فمعناه يا هذا ويا فلان ، ويقال في المؤنث : « يا هنتاه » قال الجزري : بفتح النون ويسكن ويضم الهاء الأخيرة ويسكن ، وهو في التثنية « هنتان » وفي الجمع « هنات وهنوات » وفي المذكر « هن وهنان وهنون » ولك أن تلحقه الهاء لبيان الحركة ، فتقول : « يا هنة » وأن تشبع الحركة فتصير ألفا ، فتقول : « يا هناه أقبل ».

٢٣٠

بهذا وأشباهه لترك الحلف بالله ، وأما قول الرجل : يا هناه ويا هناه فإنما ذلك طلب الاسم ، ولا أرى به بأسا ، فأما قوله : « لعمر الله » وقوله « لا هاه » (١) فإنما ذلك بالله عز وجل » وكذا رواه الصدوق (٢) ولكن قال في آخره : « وأما قول الرجل لعمر الله وأيم الله فإنما هو بالله » ونحوه المروي عن قرب الاسناد (٣)

وخبر سماعة (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لا أرى للرجل أن يحلف إلا بالله ، وقال : قول الرجل : لا بل شانئك فإنما هو من قول الجاهلية ، ولو حلف الناس بهذا وشبهه لترك أن يحلف بالله ».

وفي خبر زرارة (٥) المروي عن تفسير العياشي « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله (٦) ( وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ ) ، قال : إن ذلك قول الرجل لا وحياتك » وعنه أيضا (٧) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « شرك طاعة قول

_________________

وقال الجوهري : « هذه اللفظة تختص بالنداء ، وقيل : معنى « يا هناه » يا بلهاء ، نسبة الى قلة المعرفة بمكايد الناس وشرورهم » انتهى.

وقيل : لما كانوا يذكرونه قبل ذكر المطالب كان مظنة أن يتوهم أنه قسم ، فأزال عليه‌السلام الوهم بأنه ليس المراد الحلف ، بل هو نائب مناب الاسم في النداء ، ويحتمل بعيدا أن يكون المراد إذا نودي به الله عز وجل.

وأما « يا هيأه » بالياء المثناة التحتانية فكأنه بمعنى « يا هناه » بالنون ، وفي بعض نسخ الفقيه بالنون في الموضعين ، وهو الظاهر ، والتكرير للتأكيد ( منه رحمه‌الله ).

(١) لا ها الله : الهاء للتنبيه ، وقد يقسم بها تقول : « لا ها الله ما فعلت » أى « لا والله » أبدلت الهاء من الواو ، وان شئت خذفت الألف التي بعد الهاء ، وان شئت أثبتت ( منه رحمه‌الله ).

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من كتاب الايمان الحديث ٤ راجع الفقيه ج ٣ ص ٢٣٠ ـ الرقم ١٠٨٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من كتاب الايمان الحديث ٤ راجع الفقيه ج ٣ ص ٢٣٠ ـ الرقم ١٠٨٥.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من كتاب الايمان الحديث ٥.

(٥) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من كتاب الايمان الحديث ١١.

(٦) سورة يوسف : ١٢ ـ الآية ١٠٦.

(٧) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من كتاب الايمان الحديث ١٢.

٢٣١

الرجل : لا والله وفلان ».

ولعله لذا وغيره تردد بعضهم في أصل جواز الحلف بغير الله تعالى ، لكنه في غير محله ، للسيرة القطعية على جوازه ، مضافا إلى الأصل وإلى وجوده في النصوص ، ك خبر أبي جرير القمي (١) « قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : جعلت فداك عرفت انقطاعي إليك ثم حلف وحق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وحق فلان وحق فلان حتى انتهيت إليه أنه لا يخرج ما تخبرني به إلى أحد من الناس ، وسألته عن أبيه أهو حي أم ميت؟ قال : قد مات والله ـ إلى أن قلت ـ : فأنت الإمام ، قال : نعم ».

وخبر محمد بن يزيد الطبري (٢) قال : « كنت قائما على رأس الرضا عليه‌السلام بخراسان ـ إلى أن قال ـ : فقال : بلغني أن الناس يقولون إنا نزعم أن الناس عبيد لنا لا وقرابتي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما قلته قط ولا سمعته من أحد من آبائي ولا بلغني عن أحد من آبائي ، قال : ولكن إن الناس عبيد لنا في الطاعة موال لنا في الدين ، فليعلم الشاهد الغائب ».

وفي مرفوع القاسم بن علا عن عبد العزيز بن مسلم (٣) عن الرضا عليه‌السلام في حديث طويل في صفة الامام والرد على من يجوز اختياره إلى أن « تعدوا ـ وبيت الله ـ الحق ، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم ».

وفي خبر علي بن أبي حمزة (٤) عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : « وحقك لقد كان مني في هذه السنة ست عمر ».

وفي خبر علي بن مهزيار (٥) قال : « قرأت في كتاب لأبي جعفر الثاني عليه‌السلام إلى داود بن القاسم إني قد جئت وحياتك ».

نعم هي لا كفارة عليها ، للأصل وقول الصادق عليه‌السلام في خبر ابن أبي يعفور (٦)

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من كتاب الايمان الحديث ٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من كتاب الايمان الحديث ٧.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من كتاب الايمان الحديث ٨.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من كتاب الايمان الحديث ١٠.

(٥) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من كتاب الايمان الحديث ١٤.

(٦) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من كتاب الايمان الحديث ١٣.

٢٣٢

« اليمين التي تكفر أن يقول الرجل : لا والله ونحو ذلك » وخبر ميسرة (١) « إن أمير المؤمنين عليه‌السلام مر برحبة القصابين بالكوفة فسمع رجلا يقول : لا والذي احتجب بسبع طباق ، قال : فعلاه بالدرة فقال له : ويحك إن الله لا يحجبه شي‌ء ولا يحتجب عن شي‌ء ، قال الرجل : أنا أكفر عن يميني يا أمير المؤمنين ، قال : لا ، لأنك حلفت بغير الله ».

( و ) كيف كان فلا إشكال في أن ( كل ذلك ) أي الأقسام الثلاثة ( ينعقد به اليمين مع القصد ) بل ولا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى النصوص (٢) بل وإطلاق الأدلة كتابا (٣) وسنة (٤).

نعم صرح المصنف ( و ) غيره بأنه ( لا تنعقد بما لا ينصرف إطلاق اسمه إليه كالموجود والحي والسميع والبصير وإن نوى بها الحلف ، لأنها مشتركة فلم يكن لها حرمة ) في ( القسم ) بل لا أجد فيه خلافا بينهم في ذلك إلا ما يحكي عن الإسكافي من انعقادها بالسميع والبصير ، لكن في كشف اللثام لادعائه اختصاصهما به تعالى ، ويحتمل كلامه العدم.

قلت : بل هو على دعوى الاختصاص خارج عما نحن فيه أيضا ، إذ الكلام على فرض اشتراكها وعدم انصرافها.

لكن الانصاف عدم خلو الحكم المزبور من إشكال إن لم يكن إجماعا مع فرض قصد الحالف بها الذات المقدسة ، وخصوصا مع القرينة الحالية أو المقالية الدالة على ذلك ، لصدق الحلف بالله حينئذ على القسم بها ، بل هي مع القرينة كالقسم الأول.

ودعوى أن اشتراكها أسقط حرمة القسم بها لا شاهد لها ، بل قد عرفت

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من كتاب الايمان الحديث ٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٥ و ٣٠ و ٣٢ ـ من كتاب الايمان.

(٣) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٨٩.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٥ و ٣٠ و ٣٢ ـ من كتاب الايمان.

٢٣٣

أن إطلاق الأدلة يشهد بخلافها ، بل خبر السكوني (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من حلف وقال لا ورب المصحف فعليه كفارة واحدة » قد يظهر منه ما قلناه ، ضرورة اشتراك رب المصحف بين الله تعالى وبين من له ، بل اشتراكه أوضح منه ، لما سمعت.

ودعوى أنها كالعقود اللازمة لا يجوز عقدها إلا باللفظ الصريح بنفسه قد عرفت ما فيها في المقيس عليه فضلا عن المقيس ، والتخلص عن ذلك باحتمال إرادتهم الحلف بها على الإطلاق لا مع خصوص قصد الذات بها فضلا عن ذكر ما يدل على إرادة ذلك منها مناف لظاهرهم ، بل صريح بعضهم كالأصبهاني في كشفه ، فإنه قال : « وإن نوى الحلف به تعالى » مفسرا بذلك عبارة القواعد التي هي كعبارة الكتاب وغيرها ، بل لعل المنساق منها ما ذكره ، وحينئذ فلا دليل إلا الإجماع ودون إثباته خرط القتاد.

( ولو قال : « وقدرة الله » « وعلم الله » فان قصد المعاني الموجبة للحال ) الزائدة على الذات كما يقول الأشعري أو المقدور والمعلوم ( لم ينعقد اليمين ) لأنها حلف بغير الله تعالى ، وقد عرفت عدم الانعقاد به ( وإن قصد كونه قادرا عالما ) باعتبار أنه أمور ينتزعها العقل من الذات وإلا فليس إلا الذات ( جرى ) حينئذ الحلف بهما ( مجري القسم بالله القادر العالم ) ولأنها في العرف أيمان بالله تعالى وإن قصد الأمور المنتزعة ، إذ لا يتعين الحلف به تعالى بالحلف بذاته مع مشاركتها للذات في الحرمة ، وربما يحترم الذات فلا يقسم بها ، بل بما يتعلق بها ، وقد سمعت التعليل في الصحيح (٢) لكون لعمر الله يمينا بأنه قسم بالله ، مع أن مرجعه إلى القسم بعمرة الذي هو الحياة.

ومما ذكرنا يعلم الوجه في الانعقاد مع الإطلاق المنصرف إلى الحلف بالله

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من كتاب الايمان الحديث ١ وفيه «. فحنث فعليه كفارة واحدة ».

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من كتاب الايمان الحديث ٤.

٢٣٤

عرفا ، خصوصا إذا كان ممن يعتقد عدم زيادة الصفات ، وفي المسالك « يحتمل العدم ، لاشتراك اللفظ فسقط حرمته ، وكون المسألة اجتهادية قد اختلف فيها أكابر العلماء ، فلا ينصرف إلى أحد الأمرين بدون القصد ، وذلك يوجب وقوف اليمين » وفيه منع الاشتراك ، والاختلاف لا ينافي الانصراف عرفا.

( وكذا ينعقد بقوله : وجلال الله وعظمة الله وكبرياء الله ، ) لأنها وإن شاركت القدرة والعلم في كونها من الصفات لكنها ليست من الصفات التي ذهب بعضهم إلى زيادتها ، وإنما مرجعها إلى ذاته المتصفة بالكبرياء والعظمة والجلال ، بل عن المبسوط الإجماع على ذلك.

ومنه يعلم قوة ما ذكرنا من أعمية الحلف بالله للحلف بذاته أو الأمور الانتزاعية الراجعة إليها.

ولكن المصنف قال ( وفي الكل تردد ) وجعله في المسالك « مما عرفت ومن أن اشتراك القدرة والعلم يمنع من الانعقاد بهما وإن قصد بهما أنه كغيرهما من أسمائه المشتركة من غير أغلبية عليه تعالى والعظمة والجلال والكبرياء كذلك لأنها تستعمل في الصفة الزائدة ، وربما أطلقت على ما يطلق عليه القدرة والعلم ، وبقول الإنسان : « عاينت كبرياء الله وعظمته » ويريد مثل ذلك ، ولأن هذه الصفات ليست من أسماء الله تعالى الغالبة ولا المشتركة ، فلا تنعقد بها اليمين ، لأنها لا تنعقد إلا بالله وأسمائه ، والأشهر الأول » قلت : والأصح ، لما عرفت.

( ولو قال : اقسم بالله أو أحلف بالله ) ينشئ بذلك الحلف ( كان يمينا ) لغة وعرفا ، ( وكذا لو قال : « أقسمت بالله » « أو حلفت بالله » ) بقصد إنشائه بذلك الحلف بالله تعالى ( و ) اليمين ، لاندراجه عرفا فيما دل على الحلف بالله الذي منه قوله تعالى (١) ( وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ ).

نعم ( لو قال : أردت الإخبار عن يمين ماضية ) أو الوعد بيمين آتية ( قبل : لأنه إخبار عن نيته ) والأصل عدم الانعقاد ، لكن في المسالك

_________________

(١) سورة الانعام : ٦ ـ الآية ١٠٩.

٢٣٥

« يحتمل عدم القبول ظاهرا ، لظهور كونه إنشاء ، كما لا يقبل إخباره عن قوله : « أنت طالق » إني أردت طلاقا سابقا » وفيه منع الحكم في المشبه به فضلا عن المشبه ، ضرورة عدم اختصاص اللفظ في الإنشاء على وجه يحمل الإطلاق عليه وإن لم يكن ثم قرينة حال تشهد بذلك ، بل استعماله في الوعد والاخبار من الحقيقة أيضا.

ومن ذلك يظهر أنه لا ينبغي الحكم باليمين مع إطلاق اللفظ وعدم قرينة تدل على إرادة الحلف ، لأصالة عدم ترتب أحكام اليمين مع عدم العلم بقصدها بعد عدم دلالة اللفظ ، وإن كان قد تشعر عبارة المتن وغيرها بالحكم باليمينية مع الإطلاق ، لكن فيه منع واضح. نعم بعد أن يحكم باليمينية للقرائن الدالة على ذلك لم يقبل منه ظاهرا وإن أخبر بخلافها ، مع احتماله إذا كان مورده تكليفا راجعا إليه ، وليس حقا متعلقا بغيره. ومنه ربما ينقدح الفرق في الجملة بينه وبين الطلاق ، خصوصا بعد النصوص الواردة في اليمين (١) أنه على ما في الضمير ، فتأمل جيدا.

( ولو لم ينطق بلفظ الجلالة ) في الألفاظ الأربعة ( لم ينعقد ) يمينه قطعا وإن نواه وأضمره ، لعدم صدق الحلف بالله ، وقال الصادق عليه‌السلام في خبر السكوني : « إذا قال الرجل أقسمت أو حلفت فليس بشي‌ء حتى يقول : أقسمت بالله أو حلفت بالله ».

( وكذا لو قال : اشهد ) مجردا عن لفظ الجلالة ، بل هو أولى بعدم الانعقاد ( إلا أن يقول : بالله ) بل عن الخلاف ليس بيمين وإن قال ، لأن لفظ الشهادة لا تسمى يمينا ولم يطرد عرف اللغة ولا الشرع ، لكن المبسوط أنه إن أراد به اليمين كان يمينا ، بل لعله ظاهر المصنف أيضا ، بل في المسالك أنه أشهر ، وظاهره الميل إليه ، قال : « لورود الشرع بهذه اللفظة بمعنى اليمين قال الله تعالى (٢) ( قالُوا : نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ ) والمراد نحلف ، ولذلك قال الله تعالى

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ و ١٢ ـ من كتاب الايمان.

(٢) سورة المنافقين : ٦٣ ـ الآية ١.

٢٣٦

على الأثر ( اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً ).

وفيه أنه لا وجه لجعل ذلك منهم إنشاء يمين مع عدم ذكر لفظ الجلالة ، فلا بد مع فرض إرادة اليمين منهم على ذلك بقوله تعالى ( اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ ) من كون اليمين منهم بغير اللفظ المزبور ، نعم هو لا يخلو من قوة ، لتعارف اليمين به في العرف واستعماله في أيمان اللعان ، إلا أن ذلك مع العلم بقصد اليمين منه.

أما مع الإطلاق فقد يظهر من المصنف بل والفاضل في القواعد الحكم بيمينه أيضا ، بل حكاه عن الشيخ أيضا بقوله ( وفيه للشيخ قولان ) ونحوه الشهيد في الدروس ، إلا أن الذي حكاه عنه في المسالك التصريح باعتبار القصد فيه وأنه لا يكون يمينا مع الإطلاق ، بل حكى عنه فيها أن لفظ القسم كذلك ، نعم غيره فرق بينهما ولعل الفرق أن لفظ القسم ظاهر في ذلك وحمله على غيره خلاف الظاهر فلا يصار إليه إلا مع دعوى إرادته ، بخلاف الشهادة.

بل في المسالك « بهذا المعنى صرح غير الشيخ من أتباعه والعلامة في المختلف والتحرير ـ ثم قال ـ : فإن قيل : القصد معتبر في سائر الأيمان فكيف ينعقد هنا مع الإطلاق؟ فيكون تقييد الشيخ أجود من إطلاق من حكم بصحته مع الإطلاق قلنا : ليس المراد من القصد الذي لم يعتبره القصد إلى اليمين الموجب لانعقاده في نفس الأمر ، لأن ذلك لا نزاع في اعتباره ، وإنما الكلام في القصد الذي لا يحكم بوقوعه من اللفظ إذا لم يكن صريحا ، وإذا كان صريحا يحكم بوقوعه على من تلفظ به ظاهرا وإن لم يعلم منه قصده إلى مدلول اللفظ ، وإن كان محتملا على السواء لا نحكم به إلا مع تصريحه بإرادة المعنى المطلوب ، هذا بحسب الظاهر وأما فيما بينه وبين الله تعالى فالمعتبر ما نواه ، وحينئذ فيحكم بوقوع اليمين ممن سمع منه قول : « أقسمت بالله لأفعلن » ما لم يخبر عن إرادة الخبر ، ولا نحكم على من سمع منه « اشهد بالله لأفعلن » إلا من إخباره بإرادة اليمين ، وعلى قول الشيخ لا يحكم باليمين فيهما إلا مع إخباره بإرادة اليمين ، كما لو تلفظ بالكنايات في الطلاق والظهار وقلنا بوقوعه بها أو ببعضها على ما سبق تحقيقه ».

٢٣٧

قلت : قد حققنا أيضا أنه لا لفظ صريح بذلك بحيث يحكم به على الوجه الذي ذكره ، ضرورة اشتراك هذه الصيغ بين الإخبار والإنشاء ، ولا تحمل على الأخير منهما إلا مع القرائن الدالة على ذلك ، ولو سلم فالظاهر عدم الفرق فيما عندنا الان من العرف بين اللفظين المزبورين في إرادة القسم به أو عدمه ، كما هو واضح بأدنى تأمل ، والله العالم.

( و ) على كل حال فـ ( لا كذلك لو قال : اعزم بالله ) أو عزمت بالله لأفعلن ( فإنه ليس من ألفاظ القسم ) بل في كشف اللثام لم يرد قسما إلا للطلب كان يقول : « عزمت عليك لما فعلت كذا » فلا تنعقد به اليمين حينئذ وإن قصده به فضلا عن الإطلاق المحتمل للاخبار عن عزمه والحلف على المعزوم عليه أو الوعد بذلك ، خلافا لبعض العامة وإن كان لا يخلو من وجه إن لم يكن إجماعا بناء على التوسعة في ألفاظ القسم ، فإنه يتحقق عرفا بكل ما يصلح مؤديا له ، ويندرج في قولهم عليهم‌السلام (١) « من حلف بالله » وإن كان ظاهر الأصحاب بل وبعض النصوص (٢) خلافه.

ثم إن المراد بذلك ونحوه عدم كونه يمينا يترتب عليه الكفارة ، وإلا فيمكن حرمة الحلف به وإن لم يكن يمينا منعقدة ، كما ورد النهي عن قول : « الله يعلم » فيما ليس بصحيح ، قال الصادق عليه‌السلام في خبر وهب بن عبد ربه (٣) ووهب بن حفص (٤) وغيرهما : « من قال : الله يعلم فيما لا يعلم اهتز عرشه لذلك إعظاما له » وقال (٥) « إذا قال العبد : علم الله وكان كاذبا قال الله عز وجل : ما وجدت أحدا تكذب عليه غيري؟ ».

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من كتاب الايمان الحديث ١ ـ ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٥ و ٣٠ ـ من كتاب الايمان.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من كتاب الايمان الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من كتاب الايمان الحديث ٣ عن وهيب بن حفص الا أن الموجود في الكافي ج ٧ ص ٤٣٧ وهب بن حفص.

(٥) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من كتاب الايمان الحديث ٢.

٢٣٨

( ولو قال : لعمر الله ) بفتح العين مرفوعا على الابتداء والخبر محذوف وهو « يميني » أو « قسمي » ( كان قسما وانعقدت به اليمين ) بلا خلاف معتد به أجده فيه ، للنص (١) المتقدم ، وإن قيل هو من البقاء والحياة ، وهو قريب من العمر بالضم ، لكنه لم يستعمل في القسم إلا مفتوحا ، وهو بهذا المعنى محتمل للمعاني المانعة من انعقاده ، كالقدرة والعلم وغيرهما من الصفات ، إلا أنه كالاجتهاد في مقابلة النص المعمول به بين الأصحاب ، والله العالم.

( و ) كيف كان فلا خلاف معتد به بيننا نصا وفتوى في أنه لا ينعقد اليمين بغير « الله » على الوجه الذي قدمنا ، فـ ( لا تنعقد بالطلاق ولا بالعتاق ولا بالتحريم ولا بالظهار ولا بالحرم ولا بالكعبة والمصحف والقرآن والأبوين ) ولا بغير ذلك مما سمعته في النصوص (٢) السابقة أو ما يستعمله العامة.

( ولا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة عليهم‌السلام ) فضلا عن غيرهم من المخلوقات المعظمة والأماكن المشرفة ، كالأنبياء والملائكة وغيرهم ، للأصل وما سمعته من النصوص السابقة الناهية (٣) عن الحلف بغير الله والأمر بالحلف به إن أريد ، بل قد سمعت الإشكال في أصل جواز الحلف بغيره وإن لم يكن منعقدا ، وأن الأقوى جوازه ، لما عرفت. بل لا ينبغي ترك الوفاء به مع منافاته لتعظيم ما أريد تعظيمه شرعا ، بل لا بد منه مع فرض الإهانة في بعض الأحوال.

ولعل هذا هو المراد بالمحكي عن ابن الجنيد من انعقاده بما عظم الله من الحقوق ، نحو « وحق رسول الله » و « حق القرآن » لا وجوب الكفارة ، كما أنه يمكن أن يراد بما يحكي عنه أيضا من انعقاده بالطلاق والعتاق والصدقة ونحوها انعقاد ما يقبل التعليق منها على ذلك لا على أنه يمين ، وإلا كان شاذا يمكن تحصيل الإجماع على خلافه ، بل يمكن دعوى تواتر النصوص (٤) بذلك أيضا ،

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من كتاب الايمان الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٤ و ١٥ ـ و ٣٠ و ٣١ من كتاب الايمان.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٥ و ٣٠ ـ من كتاب الايمان.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من كتاب الايمان.

٢٣٩

بل لعله من ضروري مذهب الشيعة في الطلاق والعتاق ونحوهما.

وأما اليمين بالبراءة فقد عرفت الكلام فيه سابقا ، ويأتي أيضا ، كما أنه لا إشكال في طرح ما تضمن (١) من النصوص من الكفارة على الحلف بآية من آي القرآن أو حمله على ضرب من الندب.

( وكذا ) لا ينعقد بقول ( وحق الله ، فإنه حلف بحقه ، لا به تعالى ) كما في القواعد ومحكي الخلاف وغيرهما ، قيل : « لأنه مشترك بين ما يجب له على عباده من العبادات التي أمر بها ، وفي الحديث (٢) « قلت : يا رسول الله ما حق الله؟ قال : أن لا تشركوا به شيئا وتعبدوه وتقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة » وبين القرآن ، لقوله تعالى (٣) ( وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ ) وبين كونه وصفا كغيره من الصفات الراجعة إلى ذاته من غير اعتبار زيادة ـ إلى أن قال ـ : فإذا قال : وحق الله لأفعلن لم ينعقد ، لاشتراكه بين أمور كثيرة أكثرها لا ينعقد به اليمين ، سواء قصد تلك الأفراد التي لا إشكال في عدم الانعقاد بها مع قصدها أم أطلق ، لأن المتبادر من حقه غيره ».

وفيه أن اشتراكه يقتضي عدم الانعقاد به حتى مع قصد الأخير ، نحو ما سمعته في السميع والبصير.

( وقيل ) والقائل الشيخ في المحكي من مبسوطة وجماعة ( ينعقد ، ) لأنه يمين بالله عرفا ولغلبة استعمالها في المعنى الأخير ، ولأن « حق » صفة عامة فإذا أضيف إلى الله تعالى اختص به ، فكان يمينا كسائر صفات ذاته من العظمة والعزة وغيرهما.

( وهو بعيد ) عند المصنف لكن الإنصاف أنه قريب ، خصوصا مع ملاحظة

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من كتاب الايمان الحديث ٢.

(٢) روى ذلك مع الاختلاف اليسير في مجمع الزوائد ج ١ ص ٥٠.

(٣) سورة الحاقة : ٦٩ ـ الآية ٥١.

٢٤٠