جواهر الكلام - ج ٣٥

الشيخ محمّد حسن النّجفي

بعد معلومية الواقع للمشتري.

وفي الدروس « ثم إن كان أقر بأن المعتق غير صاحب اليد أو بأنه حر الأصل أو بأنه عتيق صاحب اليد إلا أنه لا ولاء له عليه ضاع ماله ، ولو قدر على مقاصة الممسك فله ذلك في صورة كونه معتقا أو عالما بالحرية ، لا مع انتفاء الأمرين » وظاهره عدم المقاصة في غيرهما كما ذكرنا.

ثم إن الظاهر عدم الفرق في الأحكام المزبورة بين شراء من اعترف بحريته وبين من اعترف بعتقه ولم يكن طريق شرعي إلى إثبات ذلك على من في يده ، وكذا في غير ذلك.

لكن في المسالك « ولو كان إقراره بأنك غصبت العبد من فلان ثم اشتراه منه ففي صحة العقد وجهان : أحدهما الصحة ، كما لو أقر بحريته ثم اشتراه وتظهر الفائدة في لحوق أحكام البيع بالنسبة إلى البائع ، ووجوب دفعه على المشتري إلى المالك ، والثاني المنع ، لأن التصحيح ثم للافتداء والإنقاذ من الرق ، ولا يتجه مثله في تخليص ملك الغير ».

وفيه أن الاستنقاذ والافتداء للرق ليس منصوصا بخصوصه كي يقتصر عليه ، بل هو من عمومات الإحسان ونحوه مما هو مشترك بين الجميع ، بل لا ينبغي التأمل في الصحة لو فرض أن دعواه الغصب منه ، كما هو واضح. هذا وفي الدروس أشكل أيضا أصل نفوذ الإقرار بالحرية على وجه يحكم بها بمجرد شرائه ، فان في ذلك ضررا على العبد. وربما كان عاجزا عن التكسب ، فلا ينفذ إقراره في حقه إلا أن يجعل إقراره بمثابة عتقه مباشرة أو يصدقه العبد على الحرية ، وفيه معلومية عدم توقف الحرية إخبارا وإنشاء على اختيار العبد ، ولذا يصح عتق العاجز وينفذ إقرار مالكه بعتقه.

١٤١

( المقصد الثاني )

( في تعقيب الإقرار بما يقتضي ظاهره الابطال )

( وفيه مسائل : )

( الاولى : )

( لو قال : « له عندي وديعة وقد هلكت » لم يقبل ) بلا خلاف أجده بين من تعرض له من الشيخ والفاضل والشهيدين والكركي وغيرهم ، لظهور قوله « له عندي » في بقائها ، فينافيه دعوى الهلاك ، إذ الهالك لا يكون وديعة ، وكذا لو قال : « رددتها ».

( أما لو قال : « كان له عندي » فإنه يقبل ) بيمينه بلا خلاف أجده فيه أيضا ، لعدم ظهور ذلك في البقاء المنافي لدعوى الهلاك أو الرد ، فيبقى على مقتضى قبول قول الودعي في الرد والتلف ، نعم لو فرض استعمال أهل العرف ـ ولو المبتذل ـ للأولى في معنى الثانية ولو على أن يكون قوله : « وقد هلكت » قرينة على إرادة « كان » اتجه القبول أيضا لما عرفت ، ولا يكفي احتمال إرادة ذلك في رفع اليد عن ظاهر ما يقتضي الإقرار الذي به انقطع الأصل وغيره ، وقد تكرر منا غير مرة أن ما يوجد في بعض العبارات ـ من دعوى الاكتفاء في عدم الإقرار بالاحتمال الذي لا يقابل بظاهر الحقيقة ـ لا ينبغي الالتفات إليه ، لعدم دليل عليه ، بل ظاهر الأدلة خلافه.

١٤٢

( ولو قال ) المسلم ( له علي مال ) ثم قال ( من ثمن خمر ) غير محترمة ( أو خنزير لزمه المال ) إجماعا مع الفصل ، كما عن التذكرة ، بل ومع الوصل بلا خلاف أجده فيه ، بل في نهاية المرام نسبته إلى علمائنا ، لاقتضاء ذلك سقوط الأول ، ضرورة عدم سقوط الثمن لهما في شرع الإسلام ، لكن في الدروس « قيل » مشعرا بنوع توقف فيه ، بل في مجمع البرهان « فيه تأمل ، من قاعدة الإقرار المذكورة في التذكرة مرارا ، وهي أنه مبني على اليقين ، فكلما لم يتيقن لم يلزم بشي‌ء ، ولا يخرج عنه بالظن وغيره ، ويسمع فيه الاحتمال ولو كان نادرا ، ولا شك في أنه يحتمل كون اعتقاده لزوم الثمن بشرائهما لاعتقاده صحة ذلك مطلقا ، أو إذا كان الشراء من الكافر ، أو لزوم ذلك إذا كان في زمان الكفر ، ونحو ذلك وبالجملة مع إمكان احتمال لا يلزمه معه شي‌ء ولا يصير الكلام لغوا محضا ومتناقضا بحسب اعتقاده يشكل الحكم باللزوم بمجرد ذلك ، للأصل والقاعدة ، ولهذا قال في التذكرة نقلا عن بعض الشافعية : « لو قال : لفلان علي من ثمن الخمر ألف لم يلزمه شي‌ء يرده بحال ـ إلى أن قال ـ : ويؤيده نقل الإجماع في التذكرة في صورة الفصل الخارجة عن العادة دون صورة الوصل ، وما حكاه فيها أيضا عن الجويني أنه كان يقول كنت أود لو فصل بين أن يكون المقر جاهلا بأن ثمن الخمر لا يلزم وبين أن يكون عالما ، فيعذر الجاهل دون العالم ، ولكن لم يصر إليه أحد من الشافعية ، وقد تبعه في ذلك تلميذه في نهاية المرام ، حتى قال : إن ما ذكره الجويني لا يخلو من قوة » ونحوه في الرياض.

إلا أن الجميع كما ترى لا ينبغي الالتفات إليه ، خصوصا من القاعدة التي قد عرفت ما فيها غير مرة ، ولو صحت لانسد باب الإقرار ، وأما ما ذكره من التهجسات فليس شي‌ء منها بشي‌ء ، ولهذا لم يذهب إليه أحد من العامة الذين مبنى مذهبهم على نحو هذه الاعتبارات.

نعم لو قال المقر : « كان ذلك من ثمن خمر أو خنزير فظننته لازما لي » وأمكن الجهل بذلك في حقه توجهت دعواه ، وكان له تحليف المقر له على نفيه إن

١٤٣

ادعى العلم بالاستحقاق ، ولو قال : لا أعلم حلف على عدم العلم بالفساد ، ولو لم يمكن الجهل بذلك في حق المقر لم يلتفت إلى دعواه ، والله العالم.

المسألة ( الثانية إذا قال : له علي ألف وقطع ، ثم قال : من ثمن مبيع لم أقبضه لزمه الألف ) بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له ، سواء عين المبيع أو أطلق ، لاستقرار الإقرار ، ( و ) حينئذ فالثاني مجرد دعوى عدم استحقاق التسليم عليه فلا يسمع.

نعم ( لو وصل فقال : « له علي ألف من ثمن مبيع » وقطع ثم قال : « لم أقبضه » ) فعن المبسوط والخلاف والقاضي ( قبل سواء عين المبيع ) كهذا العبد ( أو لم يعينه ) وعن الإيضاح أنه أقوى ، وعن المختلف نفي البعد عنه ، وكأنه مال إليه بعض متأخري المتأخرين ، لأن قوله : « من ثمن مبيع » مقبول من جهة اتصاله ، وهو أعم من كونه مقبوضا وغير مقبوض ، فإذا قال بعد ذلك : « لم أقبضه » فقد ذكر بعض محتملاته بل ما يوافق الأصل ، مضافا إلى أصل البراءة والقاعدة التي سمعتها ، وأن الإنسان محل السهو والنسيان ، وفيه أن قبول قوله : « من ثمن مبيع » بمعنى عدم الحكم بمنافاته ، لا أنه بحيث يمضى على المقر له على وجه لو وصله بعد ذلك بالمنافي لظاهر الأول القاطع لأصل البراءة قبل ، والقاعدة المزبورة قد عرفت عدم إقعادها.

ومن هنا قال المصنف ( وفيه احتمال التسوية بين الصورتين ، ولعله أشبه ) بأصول المذهب وقواعده ، بل هو خيرة الحلي والفاضل والكركي وغيرهم ، بل لعل الأقوى عدم القبول لو وصل الكلام بتمامه ، بأن قال : « له علي ألف من ثمن مبيع لم أقبضه » وفاقا للفاضل والمصنف في النافع والشهيد في اللمعة والمحكي عن الحلي

١٤٤

ويحيى بن سعيد ، بل مال إليه غير واحد من المتأخرين ، لنحو ما سمعته في الأولى من منافاة الأخير للأول الذي مقتضاه ثبوت المال في ذمته على وجه يستحق أداؤه عليه.

خلافا للمحكي عن المبسوط والخلاف فيقبل ، بل مال إليه في المسالك ، بل في نهاية المرام أنه الأصح ، وفي الكفاية أنه الأقرب ، لأن الكلام جملة واحدة ، ولإمكان صدقه فيما أخبر به وأراد التخلص بالإقرار به ، فلو لم يقبل والزم بخلاف ما أقر به لانسد باب الإقرار بالواقع حيث يراد ، وهو مناف للحكمة ، والمنافاة ممنوعة ، وإنما هو وصف زائد على الإقرار المطلق ، والواقع هو الإقرار المقيد لا المطلق ، كما لو قيد الألف بقيد آخر غير ذلك.

وفيه أن كون الكلام جملة واحدة لا يقتضي قبول ما يقتضي إبطال الإقرار منها ، وإلا لقبل قوله : « له علي عشرة دراهم قضيتها » وإمكان صدقه لا محصل له ، فلا يكفي في رفع اليد عما يقتضيه الإقرار الأول وكذا ما ذكره أخيرا.

المسألة ( الثالثة )

( لو قال : ابتعت بخيار أو كفلت بخيار أو ضمنت بخيار قبل إقراره بالعقد ، ولم يثبت الخيار ) بلا خلاف أجده فيه قبل الأردبيلي وتلميذه والخراساني ، بل عن موضع من التذكرة ما يشعر بالإجماع عليه ، ضرورة ظهوره في العرف في كونه إقرارا ودعوى.

بل ينبغي القطع بعدم القبول إذا كان المراد منه إفساد ما وقع منه من الضمان والكفالة بذلك بناء على بطلان الشرط المزبور فيهما ، ولكونه مجهولا باعتبار عدم ذكر الأجل ، ضرورة كونه من مدعي الفساد حينئذ الذي لا ريب في عدم قبوله من دون بينة خصوصا بعد معلومية توقف ثبوت الخيار على اشتراطه ، والأصل عدمه كغيره من الشرائط ، فما وقع من المقدس الأردبيلي ـ من القبول في الفرض ،

١٤٥

لكون الكلام جملة واحدة ، وللقاعدة والأصل ونحو ذلك مما تكرر منا نقله عنه ـ لا ينبغي الالتفات إليه.

ومن الغريب ما في الرياض من التسوية بين هذه المسألة والمسألة السابقة ، وهي لو قال : « له علي كذا من ثمن مبيع لم أقبضه » في الخلاف وإن قلنا نحن : إن حكمهما واحد باعتبار تضمن الأخير دعوى فيما أقر به أولا وإن لم يكن منافيا له ، لا أنه أحد أفراده.

ومن ذلك يظهر لك النظر فيما اعترف به المخالف في المقام من عدم ذكره منافيا للأول ، إذ هو كما عرفت دعوى جديدة فيما أقر به وإن لم يكن منافيا ، نحو قوله : « كان لك علي دين وقضيته ».

هذا وفي المسالك في المسألة السابقة « وموضع الاشتباه ما إذا كان المقر غير معتقد لزومه على هذا الوجه باجتهاد أو تقليد ، وإلا فلا إشكال في اللزوم ، لأنها مسألة اجتهادية ، فيؤخذ على المعتقد بما يدين به ، ويبقى على مقتضى نظر المفتي ».

وقد سبقه للكلام في هذه المسألة الكركي في جامعه وقال : « وهنا نكتة سنح ذكرها هنا ، وهو أن المؤاخذ بهذا الإقرار ونظائره من المواضع المختلف فيها هو كل مقر ، سواء كان ممن له أهلية الاجتهاد أم لا ، معتقدا قبول مثل ذلك أم لا. أم يقال : إن من يعتقد مثل ذلك وعلم ذلك من مذهبه يعامل بمعتقده؟ لا أعلم في ذلك كلاما للأصحاب ، والذي يقتضيه النظر أنه يلزم بمعتقد الحاكم كائنا ما كان ».

قلت : لعله جعله من نقض الفتوى بالحكم الذي بيناه في كتاب القضاء ، وكون المسألة عرفية لا يقتضي صدور الكلام من المعتقد على اعتقاده الذي قد يغفل عنه ويتكلم على طريقة العرف ، فيصيب في استعماله وإن كان مخطئا في اعتقاده الذي هو ليس اصطلاحا له ولا قرينة على إرادته بخطابه ذلك ، نعم لو علم منه الخطاب على ذلك اتجه حينئذ المؤاخذة به ، والله العالم.

١٤٦

المسألة ( الرابعة )

( إذا قال : « له علي دراهم ناقصة » صح إذا اتصل بالإقرار ، ) لأنه حينئذ ( كالاستثناء ) بلا خلاف أجده فيه إلا ما عن الإيضاح من أن الأصح عدم القبول عملا بأول الكلام وكون الوصف منافيا للسابق ، لاقتضائه الرجوع عن بعضه ، ولا يخفى ضعفه ، إذ لم يثبت بالإقرار سواه حتى يقال إنه سقط ، ولا منافاة بين الأمرين ، فقطع بعض الكلام عن بعض وإلزامه به بعيد عن مقصد الشارع ، خصوصا بعد ما سمعت من صحيح هشام (١) المتضمن عدم الأخذ بالكلام حتى يتم ، مضافا إلى فهم العرف كونه كلاما واحدا أو أنه ليس إقرارا ودعوى ، ولا رجوعا ، بل قيل : لولا ذلك لأدى إلى تعذر الإقرار ممن عليه دراهم ناقصة.

نعم لو انفصل لم يسمع بلا خلاف أجده فيه ، بل في جامع المقاصد لا بحث فيه ، ولعله لكونه حينئذ دعوى جديدة يقتضي رفع ما حكم بثبوته ، فلا تسمع بدون البينة ، لكن عن التحرير احتمال القبول إذا كان التعامل بالناقص غالبا ، وهو كذلك.

( و ) على كل حال فـ ( يرجع في قدر النقيصة ) مع فرض تعددها ( إليه ) بلا خلاف ولا إشكال.

( وكذا ) يقبل مع الاتصال ( لو قال : ) له علي ( دراهم زيف ) أي مغشوشة لنحو ما سمعته ( لكن يقبل تفسيره بما فيه فضة ) من أفرادها المتعددة.

( ولو فسره بما لا فضة فيه لم يقبل ) لعدم صدق الدرهم الزيف أي

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من آداب القاضي الحديث ٣ من كتاب القضاء.

١٤٧

المغشوش عليه ، ولو فرض تعارف الناقص والمغشوش معاملة وإطلاقا كالتام والصحيح لم يعتبر الاتصال في قبوله ، كما هو واضح.

ولو قال : « له علي دريهمات » أو « دراهم صغار » وفسرها بالناقص لم يقبل إلا مع الاتصال ، لأن الغالب في الدرهم التام وإن كان صغيرا في شكله ، نعم لو كان في الدراهم ما يعد صغيرا وكان ناقصا قبل والمدار في هذه وغيرها قبول التفسير مع الانفصال بما يندرج تحت إطلاقها عرفا دون غيره.

وأما مع الاتصال فقد تكرر منا قبول كل ما يعد في العرف أنه كلام في مقصد واحد ، وبعضه يشهد لبعضه ولو على حسب قرائن المجاز دون غيره مما يكون رجوعا عن الأول ، أو دعوى فيه تقتضي رفع ما يقتضيه ولو إطلاقه ، ومع الشك يؤخذ بظاهر ما يقتضي الإقرار ، ويحتمل العدم ، للأصل وغيره.

ومن ذلك :

المسألة ( الخامسة : )

التي هي ( لو قال : « له علي عشرة لا بل تسعة » ) لم يقبل منه و ( لزمه عشرة ) لأن ذلك يعد رجوعا عن الأول عرفا ( وليس كذلك لو قال : ) « له ( عشرة إلا واحدا » ) فإنه كلام عن مقصد واحد ، واحتمال بداء الاستثناء له بعد الإقرار بالعشرة لا يلتفت إليه في مثله ، ولو قال : « أودعتني مأة فلم أقبضها » أو « أقرضتني مأة فلم آخذها » فعن التحرير والتذكرة الجزم بالقبول مع الاتصال ، لاستعمال ذلك عرفا مع عدم القبض ، بل يستعمل فيه الإيجاب وحده ، فيقال « أودعتني فلم أستودع » و « أقرضتني فلم أقترض » من دون تناقض.

لكن في القواعد الإشكال في ذلك ، بل لا ترجيح في محكي الإيضاح والدروس والحواشي ، بل في الجامع المقاصد « إن الذي يقتضيه النظر إن باع وأودع وأقرض إن صدق على الإيجاب حقيقة لم يفرق بين الاتصال والانفصال في القبول ، وإلا لم يقبل مع الانفصال قطعا ، ومع الاتصال فالراجح عدم القبول ، لأنه يقتضي رفع

١٤٨

الإقرار من أصله ، وأنا في ذلك من المتوقفين ».

وهو كما ترى لم يأت بشي‌ء ، بل احتمال صدق « باعني » على الإيجاب وحده بحيث يقبل منه قول : « فلم أقبل » منفصلا واضح الضعف.

فالتحقيق الرجوع إلى ما ذكرناه من القاعدة التي مقتضاها هنا على الظاهر القبول في مفروض المسألة مع الاتصال وعدمه مع الانفصال وإن حكي عن التذكرة الإشكال فيه لكنه في غير محله.

بقي الكلام في صحة البدل في عبارة المقر ، والتحقيق الرجوع فيه إلى ما ذكرناه من القاعدة التي مرجعها إلى العرف. لكن في القواعد « الأقرب صحته إن لم يرفع مقتضى الإقرار ، كما لو قال : له هذه الدار هبة أو صدقة » ونحوه عن التذكرة والتحرير والإيضاح ، وفي جامع المقاصد أنه الأصح ، بل عن الحواشي أنه المشهور ، وحينئذ يكون المقر به في المثال هبة يجوز له الرجوع فيها ، لأن البدل مستعمل عرفا ولغة فيجري مجرى الاستثناء ، وليس رافعا للإقرار من أصله ، والكلام إنما يتم بآخره ، مضافا إلى أصل البراءة وغيره ، وظاهرهم صحة البدل الذي لا يقتضي رفع الإقرار من أصله.

أما لو قال : « له هذه الدار عارية أو سكنى » ففي القواعد « فيه نظر ينشأ من كونه رفعا لمقتضى الإقرار ومن صحة بدل الاشتمال لغة » وعن التذكرة الجزم بالصحة ، وعن التحرير أنه أقرب.

لكن لا يخفى عليك ما فيه من عدم اقتضاء صحة بدل الاشتمال لغة صحته إقرارا ، ضرورة صحة بدل الغلط وبدل الإضراب لغة ولا ريب في عدم قبولهما ، لكونهما رجوعا ، ولعله لذا جزم الكركي بعدم القبول وإن قال بقبول البدل الذي لا يرفع أصل الإقرار ، نحو ما سمعته من الفاضل أولا.

ومن الغريب قوله في القواعد أيضا « لو قال : له هذه الدار ثلثها أو ربعها ففيه الإشكال » أي الذي سمعته منه في بدل الاشتمال الذي لا يخفى وضوح الفرق بينه وبين ذلك باقتضاء الأول بطلان الإقرار من أصله بخلاف الثاني الذي هو كالاستثناء ،

١٤٩

مع أن المحكي عن الإيضاح أن الأقوى عدم قبوله ، ولا يخلو من وجه إن لم يفهم العرف منه أنه على حسب المجاز الذي يذكر قرينته متصلة به على نحو الاستثناء ، وإلا كان رجوعا حتى مع الشك بناء على ما سمعته سابقا.

المسألة ( السادسة )

( إذا شهد ) على نفسه بالإقرار ( بالبيع وقبض الثمن ثم أنكر ) القبض ( فيما بعد وادعى أنه أشهد تبعا للعادة ولم يقبض قيل ) وإن لم نتحقق هنا قائله من العامة فضلا عن الخاصة ( لا تقبل دعواه لأنه مكذب لإقراره. )

وفيه أنه معترف بإقراره ولكن يدعى كونه على الوجه المزبور ، فلا تكذيب.

ومن هنا لم نجد خلافا في القبول نعم عن أبي إسحاق من العامة عدم قبول دعوى الواهب عدم الإقباض بعد إقراره به.

وربما احتمل الإشارة بالخلاف هنا إلى ما بنيت عليه المسألة وهو مسألة سماع الدعوى بالإقرار التي قد حررنا الكلام فيها في كتاب القضاء ، مع أنه لم نجد خلافا في سماعها ، وإنما تردد فيها المصنف وبعض من تأخر عنه.

وعلى تقديره لا مدخلية لها في مسألتنا. ضرورة الاعتراف في المقام بإقراره ، لكنه يدعي كونه على الوجه المزبور بل في الدروس في الهبة « أنه إن قلنا بسماع الدعوى بالإقرار صح له إحلافه على عدم المواطاة وإلا فلا ».

( وقيل ) والقائل الشيخ ومن تأخر عنه إلى الكفاية ( تقبل ) دعواه ويتوجه له على المقر له اليمين على نفي ما يدعيه من عدم القبض ( لأنه ادعى ما هو معتاد ) من الإقرار لرسم القبالة مخافة تعذر الشهود أو لغيره.

( وهو أشبه ) بأصول المذهب وقواعده التي منها البينة على المدعي واليمين على من أنكر الشامل للفرض ، ولا يشكل بكونها تكذيبا لإقراره ، ( إذ ليس

١٥٠

هو مكذبا لإقراره ، بل ) هو ( مدعيا شيئا آخر ) معه ، ( فيكون على المشتري اليمين ) لعموم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) « واليمين على من أنكر ».

( وليس كذلك ) في سماع الدعوى ( لو شهد الشاهدان بإيقاع البيع ومشاهدة القبض ، فإنه لا يقبل إنكاره ، ولا يتوجه ) له ( اليمين ) عندنا وعند أكثر العامة في المحكي عن قضاء كشف اللثام ( لأنه إكذاب للبينة ) وهو كذلك فاني لا أجد فيه خلافا إلا من الكركي في حاشية الكتاب ، حيث قال : « هذا إذا لم يدع المواطاة في القبض عند البينة وإعادة المقبوض بعد المفارقة ، فإن ادعاه كان له الإحلاف أيضا » ونحوه عنه في تعليق الإرشاد أيضا.

لكن فيه ما لا يخفى ضرورة خروجه عن الفرض إذ هو دعوى إعادة المقبوض بعد مضي البينة لا إنكار ما شهدت به عليه ، كما هو واضح.

هذا وفي الدروس « لو أقر ثم ادعى المواطاة فله إحلاف المقر له على الاستحقاق لا على عدم المواطاة أما لو أقر بين يد الحاكم ثم ادعاها لم يسمع وكذا لو شهد الشاهد بمشاهدة القبض » وعن شرح الإرشاد للفخر أنه يحلف على الإقباض أو الاستحقاق ، وفي محكي الكفاية يحلف على الإقباض ، لكن في جامع المقاصد والروضة يحلف على الإقباض أو عدم المواطاة.

وفيه أن الحلف على نفي المواطاة لا يقتضي نفي دعوى عدم القبض للمواطاة ، إذ يمكن عدمه من دون مواطاة ، وكأنه هو الذي لحظه الشهيد في عدم الاكتفاء بالحلف على نفيها وإن أبرز الدعوى بها ، إلا أن المراد عدم القبض مواطاة ، لا أن الدعوى نفس المواطاة ، كما هو واضح بأدنى تأمل.

نعم قد يناقش في قوله : « أما » إلى آخره بأن إقراره بين يدي الحاكم لا يقتضي عدم قبول دعواه المستأنفة حتى لو حكم الحاكم بإقراره الذي لا يزيد على

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب كيفية الحكم الحديث ٥ وفيه « البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه » وفي المستدرك الباب ـ ٣ ـ منها الحديث ٤ وسنن البيهقي ج ١٠ ص ٢٥٢ « البينة على المدعى واليمين على من أنكر ».

١٥١

اعترافه به الان حال الدعوى لكنه يدعي كونه على الوجه المزبور ولم يكن بإقراره بمحضر من الحاكم قطع لهذه الدعوى المفروض سماعها منه.

كما أنه قد يناقش فيما ذكره المصنف وغيره من أن ذلك ليس تكذيبا لإقراره إلى آخره بأن المراد من تكذيبه هو دعوى خلاف مقتضاه لا إنكاره ، ولا ريب في أنه هنا كذلك ، لكنه ادعى كون صدوره للوجه المزبور ، فان كان ذلك كافيا في قبول دعواه على وجه يستحق اليمين على المدعى عليه لعموم « البينة على المدعى واليمين على من أنكر » (١) اتجه التعدية لغير المقام ، فلو ادعى المقر مثلا أن إقراره كان لمصلحة من المصالح التي منها أن يقر المدعى عليه بماله عليه في مقابلة إقراره الصوري ، ومنها دفع ضرر يكون عليه وغير ذلك إلا أن ذلك مناف لما يفهم من المصنف وغيره أن السبب في سماع الدعوى في المقام جريان العادة.

بل في جامع المقاصد وغيره تعليله بكونه مما تعم به البلوى ، وبنحو ذلك مما يظهر منه خصوصية للمقام سوغت سماع الدعوى فيه وإن كانت مكذبة لإقراره.

نعم قول المصنف : « إذ ليس » إلى آخره ظاهر أو صريح في أن المقام ليس من تكذيب الإقرار ، بل من دعوى شي‌ء آخر معه ، ونحوه غيره في التعليل المزبور وإن كان هو كما ترى ، ضرورة صدق التكذيب عليه ، إذ دعوى عدم القبض بعد الإقرار به تكذيب له قطعا وإن ذكر وجها لإقراره.

ولعل الأقوى في النظر إن لم يكن إجماع عدم خصوصية للمقام ، فتسمع الدعوى بما لا ينافي الإقرار مطلقا إذا ذكر وجها ممكنا لإقراره الأول ، بل لو ادعى علم المقر له به استحق له اليمين عليه ، بل لا يبعد جريان نحو ذلك في البينة ، لعموم الأدلة التي منها « البينة على المدعي واليمين على من أنكر » (٢) وليس

_________________

(١) راجع ص ١٥١.

(٢) راجع ص ١٥١.

١٥٢

في شي‌ء منها اعتبار عدم استلزامها تكذيبا للإقرار والبينة في القبول وإن ذكر وجها ممكنا لهما.

بل لعل اتفاقهم ظاهرا على سماع دعوى الفساد بعد فعل ما حكم الشارع بصحته واعترافه بذلك مؤيد لما ذكرناه ، وقد ذكرنا بعض الكلام في ذلك في كتاب القضاء.

( المقصد الثالث )

( في الإقرار بالنسب )

الذي أجمع العلماء كافة على قبوله فيه ، كما في نهاية المرام ، ولا خلاف بين العلماء في ثبوته به كما في الكفاية ، مضافا إلى عموم أدلته ، وخصوص النصوص (١) الواردة التي فيها الصحيح والقوى والمرسل ، وقد تقدم جملة منها في كتاب النكاح.

( و ) كيف كان فـ ( فيه مسائل : )

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث. من كتاب المواريث.

١٥٣

( الاولى : )

( لا يثبت الإقرار بنسب الولد ) الصغير ولو اثنى ( حتى تكون البنوة ممكنة ، ويكون المقر به مجهولا ، ولا ينازعه فيه منازع ، فهذه قيود ثلاثة ) لا خلاف في اعتبارها في الإقرار بنسب الولد وإن اختلف التعبير عنها ، ففي كثير من الكتب التعبير بالعبارة المزبورة ، وفي جملة أخرى « يشترط في الإقرار به عدم تكذيب الحس والشرع وعدم المنازع » إلا أن المراد واحد ، مضافا إلى ما تقدم اعتباره في المقر من البلوغ والعقل ، بل في الرياض من عدم الحجر وإن كان فيه ما فيه.

نعم ظاهر ما حضرنا من نسخة الشرائع ومحكي السرائر والنافع اختصاص اعتبارها في الصغير ، وليس كذلك قطعا وإن أوهمه المحكي عن عبارة المبسوط أيضا ، لكنه قال بعد ذلك : « وإن كان كبيرا ، فإنه يعتبر فيه أربعة شروط : الثلاثة التي ذكرناها ، والرابع تصديقه » ويمكن تنزيل العبارات الثلاثة على ذلك أيضا.

بل لعل المعروف من نسخة الشرائع المشروحة فيما عندنا من المسالك عدم التقييد بالصغير ، بل لا يكاد يتم قوله : « فلو انتفى » إلى آخره مع فرض بلوغ المقر وصغر المقر به ، كما أنه يمكن تنزيل إطلاق الإرشاد ومحكي المبسوط والسرائر والتذكرة وغيرها على ما في الكتاب والقواعد والدروس وغيرها من التقييد بإمكان التولد عادة ، لأنه المتيقن من الإجماع الذي هو عمدة دليل المسألة وإن قلنا سابقا في اللحوق بالفراش : « إن ابن العشر يمكن التولد منه على خلاف العادة ».

بل في المسالك هنا « أن الأولى اعتبار مطلق الإمكان » لكن فيه ما عرفت من عدم الدليل هنا غير الإجماع المعلوم منه ذلك ، بخلاف قاعدة الفراش ، إذ نصوص المقام لا دلالة في شي‌ء منها على ثبوت النسب بالنسبة إلى غير المقر من أرحامه ففي

١٥٤

الخبر (١) « إذا أقر الرجل بالولد ساعة لم ينتف عنه أبدا » وفي المرسلة (٢) « رجل ادعى ولد امرأة لا يعرف له أب ثم امتنع من ذلك قال : ليس له ذلك ».

وفي الصحيحين (٣) في أحدهما « عن المرأة تسبى من أرضها ومعها الولد الصغير ، فتقول : هذا ابني ، والرجل يسبى فيلقى أخاه فيقول : أخي ويتعارفان ، وليس لهما بينة على قولهما ، فقال عليه‌السلام ما يقول من قبلكم؟ قلت : لا يورثونهم ، لأنهم لم يكن لهم على ذلك بينة ، إنما كانت ولادة في الشرك ، فقال : سبحان الله ، إذا جاءت بابنها أو بنتها ولم تزل مقرة وإذا عرف أخاه وكان ذلك في صحة من عقلهما ولم يزالا مقرين ورث بعضهم من بعض ».

والخبر (٤) « عن رجلين جاءا من الشرك ، فقال أحدهما لصاحبه : أنت أحي فعرفا بذلك ، ثم أعتقا ولكن يعرفان بالإخاء ، ثم إن أحدهما مات ، فقال : الميراث للأخ يصدقان » إلى غير ذلك من النصوص التي لا دلالة فيها على ثبوت النسب بالنسبة إلى غير المقر وإن كان قد يشم ذلك منها بالنسبة إلى الصغير ، خصوصا صحيح المرأة التي أثبت لها إرثه بمجرد إقرارها ، بل قوله عليه‌السلام : « لا ينتفى عنه أبدا » كناية عن كونه له ولدا شرعا أزيد من ولد الفراش.

لكنه كما ترى يحتاج إلى إتمام ذلك بالإجماع فالمتجه حينئذ الاقتصار فيه على المتيقن الذي ذكرناه ، وليس هو إلا الإمكان العادي اللهم إلا أن يقال إن المراد منه ما يمكن فيها ولو نادرا ، فيبقى خارق المعتاد الذي هو كالاعجاز خارجا ، لا ما يكون فيها ولو نادرا فتتفق الكلمة حينئذ.

_________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث ٣ من كتاب المواريث.

(٣) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث ١ بسندين. راجع الكافي ج ٧ ص ١٦٥ و ١٦٦.

(٤) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث ٢ من كتاب المواريث.

١٥٥

وعلى كل حال ( فلو انتفى إمكان الولادة لم يقبل ، كالإقرار ببنوة من هو أكبر منه سنا أو مثله في السن أو أصغر منه بما لم تجر العادة بولادته لمثله ) بناء على اعتبار العادة ( أو أقر ببنوة ) ولد ( امرأة له وبينهما مسافة لا يمكن الوصول إليها في مثل عمره ) عادة بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ولا إشكال وإن تصادقا.

( وكذا لو كان الطفل معلوم النسب ) شرعا لغيره ( لم يقبل إقراره ) أيضا كذلك ( وكذا لو نازعه منازع في بنوته لم يقبل ) أيضا ( إلا ببينة ) أو بالقرعة كما صرح به جماعة ، ولعله للإشكال من تعارض الإقرارين ، ولفحوى الصحاح المستفيضة الواردة في وطء الشركاء الأمة المشتركة (١) مع تداعيهم جميعا في ولدها.

ولو دخلت حربية مثلا دار الإسلام ومعها ولد فاستلحقه مسلم أو ذمي مقيم بدار الإسلام لحق به ، إلا أن يعلم عدم دخوله دار الحرب وعدم خروجها إلى دار الإسلام وعدم مساحقتها لموطوءته ، فلا يلحق لتكذيب الحس إياه ، ولا يكفي إمكان إنفاذ الماء في قارورة إليها ، لبعد وقوعه والانخلاق منه.

( ولا يعتبر تصديق الصغير ) بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في الكفاية والرياض ، بل في المسالك ومجمع البرهان والمحكي عن جامع المقاصد الإجماع عليه ، سواء كان مراهقا رشيدا أو لا ، بل لا يعتبر تصديقه أيضا بعد بلوغه ورشده ، لما ستعرفه من عدم سماع إنكاره بعدهما ، بل عن نهاية المرام الإجماع على أنه لا يتوقف نفوذ الإقرار به على بلوغه وتصديقه ، وفي الكفاية لا نعرف فيه خلافا قلت : ولا إشكالا ، ضرورة كونه مع ذلك هو مقتضى إطلاق الأدلة.

ولو استلحق المنتفى باللعان غير صاحب الفراش ففي ثبوت نسبه وجهان ، من عدم المنازع ومن إمكان الشبهة ، ولعل الأول أقوى.

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

١٥٦

ولو استلحق عبد الغير أو أمته ففي ثبوت نسبه مع التصديق أو لا معه إذا كان غير كامل تردد ، من العموم ومن أنه يمنع إرثه بالولاء ، والأول أقوى.

ولو استلحق عبد نفسه الكبير وكذبه لم يثبت النسب ، وفي عتقه نظر من إقراره بموجبه ومن عدم ثبوت النسب ، والأول أقوى إلزاما له بإقراره ، نعم لو كان مشهور النسب أمكن عدم العتق ، لالتحاقه بغيره شرعا.

( و ) كيف كان فـ ( هل يعتبر تصديق الكبير؟ ظاهر كلامه في النهاية لا ) يعتبر ، لأن المحكي عنه اقتصاره على اشتراط عدم كونه مشهور النسب ، لكن يمكن أن يكون تركه كترك اشتراط الإمكان الذي لا ريب في اشتراطه.

( وفي المبسوط ) وتبعه جميع من تأخر عنه ( يعتبر ) ذلك بل عن أبي علي لا نعلم فيه خلافا ( وهو الأشبه ) للأصل وغيره. وحينئذ ( فلو أنكر الكبير لم يثبت النسب ) بينهما وإن كان يؤخذ المقر بإقراره ، بل لا يحتاج إلى الإنكار ، فيكفي سكوته في عدم الثبوت ، ولذا كان المعتبر في كلام الأصحاب التصديق ، نعم في قواعد الفاضل اعتبار عدم تكذيبه ، ويمكن إرادة التصديق منه الذي هو الموافق للأصل ، كما هو واضح.

( ولا يثبت النسب ) بين المقر والمقر به ( في غير الولد إلا بتصديق المقر به ) فيثبت لكن على الوجه الذي ستعرفه ، كما هو المشهور بين الأصحاب ، بل في نهاية المرام والكفاية الظاهر أنه لا خلاف في ذلك ، ولعلهما لم يعتنيا بما عن المبسوط من عدم اعتبار التصديق في الصغير ولدا كان أو غيره ، أو لم يتحققاه أو نزلا كلامه على ما عن الوسيلة من عدم اعتباره في غير الولد بالنسبة إلى جريان أحكام المقر عليه لا المقر به ، وعلى تقديره فهو واضح الضعف ، للأصل السالم عن المعارض.

( و ) حينئذ فـ ( إذا أقر بغير الولد للصلب ولا ورثة له وصدقه

١٥٧

المقر به توارثا بينهما ) بلا خلاف ولا إشكال ، لا لثبوت النسب بذلك ، بل للنص (١).

( و ) كذا ( لا يتعدى التوارث إلى غيرهما ) بلا خلاف أجده فيه على ما في الرياض ، وعن الكفاية وعن نهاية المرام الظاهر أنه لا خلاف فيه ، ولعله للأصل الذي خرجنا عنه في الولد الصغير بالإجماع الذي اعترف به غير واحد ، لكن عن المبسوط والسرائر والجامع والتحرير والتلخيص التعدية إلى أولادهما خاصة وإن كان لم يظهر لنا وجهه.

( و ) حينئذ فـ ( لو كان له ورثة مشهورون لم يقبل إقراره في النسب ) الموجب للتوارث ، لكونه حينئذ إقرارا في حق الغير ، ضرورة كون الإرث حقا لغيره ، وليس من حقوق نفسه حتى يكون مقتضى الإقرار بثبوتها عليه ، ولا ينافي ذلك الحكم بالإرث لهما إذا تقارا ولا وارث غيرهما ، لما سمعته من النص (٢) المعتضد بالفتوى ، بل وبقاعدة أن المقر له مدع ، ولا معارض له ، والإرث بالولاء مشروط بعدم وارث له ، وهو وإن كان لا يكفي فيه الأصل إلا أن ظاهر الأدلة هنا الاكتفاء بالإقرار المزبور في عدم الإرث له مع وجود أحد المتقاربين نفسه دون غيره.

هذا وقد يظهر من الصحيح (٣) المزبور عدم الفرق بين الأب والأم في لحوق الولد الصغير بالإقرار ، بل لعله ظاهر المصنف هنا والنافع ، بل قيل هو ظاهر النهاية والمبسوط والوسيلة والسرائر والجامع والإرشاد والتبصرة والتلخيص ، بل قيل إنه خيرة التذكرة والحواشي ومجمع البرهان والمحكي عن التحرير في أحكام الأولاد.

_________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب ميراث ولد الملاعنة من كتاب المواريث.

(٣) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث ١ من كتاب المواريث.

١٥٨

ولكن في الدروس والروضة الاختصاص بالأب ، بل في الإيضاح « الحق أن النص لا يتناولها » بل فيه « قد وردت رواية بصيغة الجمع المذكر » وهي لا تتناول الإناث عنده وإن كنا لم نتحققها ، نعم في الخبر (١) « لا يثبت نسب تدعيه النساء وينكره الرجال وورثتهم » وهو مع عدم جامعيته لشرائط الحجية يمكن تخصيصه بما دل على ثبوته بإقرارها في الولد الصغير (٢) مؤيدا بعدم الفرق بينهما وبين الرجل في ذلك.

بل قيل : إنها أولى منه فيه ، وإمكان إقامتها البينة على أصل الولادة غير إقامتها على ولادة المقر به بخصوصه الذي تتعذر في الغالب ، ومن ذلك يقوى الظن بإلحاق الأم بالأب في ذلك.

نعم ينبغي الاقتصار على خصوص الولد للصلب دون ولد الولد ، كما صرح به غير واحد ، بل عن الكفاية نسبته إلى الأصحاب تارة واستظهار نفي الخلاف فيه اخرى ، وحينئذ لا يثبت به نسب على حسب ما سمعته في الولد للصلب.

أما الالتزام بما يقتضيه الإقرار على المقر نفسه من نفقة وحرمة نكاح مثلا ونحو ذلك كما في كل مقام قلنا بعدم ثبوت النسب فيه بالإقرار فالمتجه ثبوته.

وعلى كل حال فظاهر المصنف وغيره ، بل هو صريح جماعة ثبوت النسب الذي لا يتعدى إلى غير المقر بالإقرار بالولد وإن اشترط التصديق من الكبير في ذلك ، فيكون الفرق حينئذ بين الولد وغيره من المتصادقين بالنسبة إلى التعدية في

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث ١ وهو نقل بالمعنى والظاهر أن هذا اللفظ مأخوذ من عنوان الباب المشار إليه في الوسائل فإن فيه « باب أنه لا يثبت نسب وارث تدعيه النساء وينكره الرجال أو ورثتهم ».

(٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث ١ من كتاب المواريث.

١٥٩

الإرث إلى غير المتقارين في الأول دون الثاني ، فإنه يقتصر عليهما على الوجه المزبور.

بل ظاهر المسالك المفروغية من ذلك ، حيث قال في شرح قوله : « وإذا أقر بغير الولد » إلى آخره : « هذا من جملة ما افترق فيه الإقرار بالولد من غيره ، فإن الإقرار بالولد مع التصديق أو بدونه يثبت به النسب ، ويتعدى التوارث إلى غيرهما من أنسابهما بشرطه ، وأما الإقرار بغير الولد للصلب وإن كان ولد ولد فيختص حكمه مع التصديق بالمتصادقين ، لما تقرر من أن ذلك إقرار بنسب الغير ، فلا يتعدى المقر ، ولو لم يحصل تصديق افتقر إلى البينة ».

لكن ربما ظهر من بعضهم التردد في ذلك ، لأصالة عدم التعدي من غير فرق بين الولد الكبير وغيره بعد أن لم يكن نص ولا إجماع » وفي الرياض هو في غاية الجودة كالروضة ونهاية المرام وغيرهما.

قلت : يمكن تحصيل الإجماع عليه في الولد أو شهرة تصلح لجبر الخبر (١) والمرسل (٢) الدالين على لحوق الولد بالإقرار ، وأنه لا ينتفي بالنفي أبدا بالنسبة إلى دلالته على ذلك ، وإن اعتبرنا التصديق فيه ـ لما عرفته من كون الشهرة أو الإجماع على ذلك مع كونه موافقا للقواعد ـ فيضعف العمل بهما بالنسبة إلى العمل بهما في ذلك وإن كان ظاهر النهاية كما سمعت ذلك ، لكن بعد حصول التصديق يثبت النسب المستفاد من فحوى الخبرين المزبورين الدالين على كونه أعظم من الفراش.

أما غير الولد فيبقى على قاعدة عدم ثبوت النسب بالإقرار صغيرا كان أو كبيرا إلا مع التصديق ولو من الصغير بعد بلوغه ، فيثبت التوارث بينهما خاصة على الوجه

_________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث ٣ من كتاب المواريث.

١٦٠