جواهر الكلام - ج ٣٥

الشيخ محمّد حسن النّجفي

والرجوع عن الاعتراف لوقوع الإقرار على الدرهم بلفظ يفيد النصوصية ، فلم يصح إخراج أحدهما بعد أن نص على ثبوته ، كما لو قال : « جاء زيد المسلم وعمرو المسلم وخالد المسلم إلا زيدا » بخلاف ما لو قال : « له درهمان إلا درهما » فإنه قابل للتجوز في الدرهمين.

وأجيب أن التجوز عن نصف الدرهم بدرهم صحيح لصحة قولنا « له درهم إلا نصفه » فكأنه استثنى من كل درهم نصفه ، ونصفا درهم درهم ، وذلك لأن دلالة لفظ « درهم » على مسماه ليس كدلالة « زيد » العلم على مسماه ، إذ لا يمكن أن يراد بالاسم بعض مسماه ، بخلاف إرادة البعض من المجموع لصحة إطلاق اسم الكل على الجزء ، فلا يلزم النقض ، بل غايته التجوز في إطلاق كل من الدرهمين على بعض.

والأولى أن يقال : إن المنساق عرفا بعد تعذر الاستثناء مما يليه ومن سابقه استثناؤه من المفهوم عرفا ، وهو الدرهمان ، كاستثناء الستة من الخمسة والخمسة في قوله : « له علي خمسة وخمسة إلا ستة » ونظائره التي حكى العضدي فيها الاتفاق على صحته.

بل لا يخفى بناء على ما ذكره النحاة والمفسرون من الحذف والتقدير في مثل الاستثناء والعطف ونحوهما أن الأمر أوسع من ذلك كله.

على أن واو العطف بمثابة ألف التثنية عند النحاة والأصوليين ، وقد عرفت سابقا أن الاستثناء من العين صحيح مع قيام احتمال التناقض فيه ، ومن هنا كان على ما حكي خيرة الخلاف والدروس والحواشي وجامع المقاصد ومجمع البرهان الالتزام بدرهم واحد ، ولعله الأقوى لما عرفت ، من غير فرق بين القول بالرجوع إلى الأخيرة أو إلى الجميع ، وما ذكره الشيخ ومن تبعه من البناء المزبور غير ظاهر ، لأن الاستثناء إنما يختص بالأخيرة إذا لم يستغرق ، أما معه فيجب عوده إلى الجميع ، كما يجب عوده إلى المستثنى منه لو كان مستغرقا.

ووجهه أن قرينة المقام تقتضي عوده إلى الجميع ، والاختصاص بالأخيرة

١٠١

إنما هو مع عدم القرينة ، وليس عود الاستثناء خاصة على القول به لكونه حقيقة في ذلك ليمتنع حمله على المجاز ، بل لا بد من أمر آخر يدل على إرادة المجاز ، لجواز الغفلة عن تعذر الحقيقة وعدم إرادة المجاز ، بل لأن مخالفة الأصل مع العود إلى الأخيرة أقل ، فإذا عارضه أمر آخر ـ مخالفته للأصل أكثر وهو إلغاء الاستثناء وجعله هذرا ـ تعين ارتكاب العود إلى الجميع ، خصوصا بعد ما ذكرناه من الانسياق عرفا في مثل هذا التركيب ، ولعله العمدة ، وحينئذ فالمراد من الجميع هنا مجموع ما حصل من قوله : « درهم ودرهم » لا كل واحد واحد منهما ، لعدم قابليته ، والمراد بالجميع في قول القائل برجوعه إليه إذا تعقب الجمل المتعددة كل واحدة بخصوصها ، لا نحو الجميع المزبور الذي مستنده الانسياق العرفي في مثل هذا التركيب المحمول على الوجه الصحيح بعد تعذر المستثنى منه في كل واحدة واحدة.

أما لو قال : « له ثلاثة دراهم ودرهمان إلا درهمين » صح وكان الاستثناء من الثلاثة القابلة ، فيلزمه حينئذ ثلاثة دراهم ، بخلاف ما لو قال : « له درهمان ودرهمان إلا درهمين » فإنه يرجع إلى المجموع الذي هو الأربعة ، لما سمعته من الانسياق ، وقد وافق عليه هنا الفاضل وإن منعه في مثل « درهم ودرهم » للفرق بين المفرد والتثنية بالنسبة إلى الاستثناء المزبور من جهة النصوصية وعدمها ، إلا أنه كما ترى لا فرق بينهما من حيث إرادة المجموع بعد تعذر كل منهما.

ولو قال : « له ثلاثة إلا درهما ودرهما ودرهما » فالظاهر لزوم الاثنين وبطلان خصوص الأخير الذي حصل به الاستغراق ، وربما احتمل بطلان الجميع ، لكن ضعفه لا يخفى ، والله العالم.

١٠٢

( النظر الثاني )

( في المقر )

( ولا بد أن يكون مكلفا حرا مختارا جائز التصرف ) بلا خلاف ( و ) لا إشكال نعم ( لا تعتبر عدالته ) عندنا بل عن المبسوط نفي الخلاف فيه ، كما عن السرائر الإجماع على إطلاق يشمل العدل والفاسق ، بل يمكن تحصيل الإجماع على ذلك ، لكن في المسالك « نبه بذلك على خلاف الشيخ ، حيث حكم بالحجر على غير العدل في التصرفات المالية المقتضي لعدم نفوذ إقراره بها ».

قلت : قد تقدم البحث في ذلك في السفيه ، فلاحظ وتأمل. ولكن الانصاف ، عدم قدح مثله في تحصيل الإجماع المزبور ، خصوصا بعد إمكان حمل كلام الشيخ على الفاسق فسقا يكون به سفيها ، سيما مع ملاحظة ما سمعته منه هنا من نفي الخلاف ، وكذا ما يحكي أيضا عن الراوندي وأبي المكارم من اعتبار العدالة في الرشد.

ومن الغريب ما يحكي عن الشهيد في الحواشي من أنه يشترط العدالة في المقر إلا في المفلس والموصى في حال المرض والسفيه ، وظني أن نسخة الحاكي غلط ، وأنها « لا يشترط » ويكون اعتبارها حينئذ في الثلاثة للتهمة ، وهذا ليس بشرط في الإقرار من حيث كونه كذلك بل إنما هو في خصوص بعض الأفراد في بعض الأحوال مما تسمعه في إقرار المريض.

وعلى كل حال ( فـ ) لا إشكال في عدم اعتبار العدالة في صحته ، لعموم أدلته معتضدة بما سمعت ، كما أنه لا إشكال بل ولا خلاف عندنا في أن ( الصبي

١٠٣

لا يقبل إقراره ولو كان بإذن وليه ) وعن التذكرة لا يقبل عند علمائنا سواء كان مراهقا أو لا ، وسواء كان مميزا أو لا ، خلافا لبعض العامة ، فأجاز إقراره بإذن وليه ، وهو كما ترى ، لما عرفته مكررا من أن عبارته مسلوبة إقرارا وإنشاء ، نعم هو كذلك مما لا يصح به إنشاؤه.

و ( أما لو أقر بماله أن يفعله كالوصية ) بالمعروف التي قد عرفت الحال في جوازها منه في محله ( صح ) على ما صرح به غير واحد ، لقاعدة من ملك شيئا ملك الإقرار به التي طفحت بها عباراتهم ، بل صريح بعضهم أنه لا خلاف فيها عندهم ، وأنه لا ينبغي أن يقع وإن كان لنا فيها إشكال فيما زاد على مقتضي قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » ونحوه مما سمعته في محله ، ومنه ما نحن فيه ، ضرورة عدم التلازم بين جواز وصيته بذلك وجواز إقراره به ، ولعله لذا قال الكركي في حاشيته : « لا يصح » فتأمل جيدا.

( و ) كيف كان فـ ( لو أقر المجنون ) مطبقا أو أدوارا حال دوره ( لم يصح ) بلا خلاف ولا إشكال.

( وكذا المكره ) بجميع أفراده ، وعن التذكرة الإجماع عليه ، نعم لو اكره على الإقرار بشي‌ء فعدل عنه إلى الإقرار بغيره صح ، لعدم الإكراه فيما أقر به ، كما لو اكره على الإقرار بمأة فأقر بمأتين الزم به ، أما لو أقر بالأقل فهو مكره على ما صرح به غير واحد ، وبالجملة فالمدار على تحقق الإقرار على ما أقر به ، وقد ذكرنا في كتاب الطلاق جملة من الفروع في ( المكره ) (٢) لا يخفى عليك إتيان ما يأتي منها هنا.

( و ) كذا لا يصح الإقرار من ( السكران ) ولو بمحرم وإن وجب عليه قضاء الصلاة ، خلافا للإسكافي فألزم من أسكر حراما باختياره بإقراره كقضاء الصلاة ، وهو ـ مع أنه قياس ـ واضح الفرق ، وفي محكي التذكرة « السكران الذي

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب الإقرار الحديث ٢.

(٢) راجع ج ٣٢ ص ١٠ ـ ١٧.

١٠٤

لا يحصل أو لا يكون كامل العقل حال سكره لا يقبل إقراره عند علمائنا أجمع ، وكذا الكلام في النائم والمغمى عليه والمبرسم والساهي والغافل وغيرهم من غير المكلفين بلا خلاف أجده في شي‌ء منها ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ، ضرورة وضوح اعتبار الاختيار من النصوص المتفرقة في الأبواب والفتاوى في جميع الأسباب الشرعية التي منها الإقرار إلا ما خرج بدليله ، كضمان المتلفات ونحوه ».

( أما المحجور عليه للسفه فإن أقر بمال لم يقبل ) بلا خلاف أجده فيه ، بل عن بعضهم الإجماع عليه ، كما تقدم في كتاب الحجر ، بل في الدروس هنا « ولا يلزم بعد زوال حجره ما أبطلناه قبله » وفي المسالك « وإذا فك الحجر عنه لا يلزم ما أقر به من المال ، هذا بحسب الظاهر ، وأما فيما بينه وبين الله تعالى شأنه فيلزمه التخلص مما لزمه منه ، كما لو كان قد لزمه بغير اختيار صاحبه ، بأن أتلف عليه ما يضمن بالمال » ونحوه في مجمع البرهان.

وهو إن تم إجماعا فذاك ، وإلا أمكن المناقشة فيه ، لعموم « إقرار العقلاء » (١) المقتصر في تخصيصه على الحجر عن تعجيل ما أقر به له ، لا أنه لا يلتزم به حتى لو فك حجره ، إذ هو غير مسلوب العبارة ، ولذا صح بيعه للغير بل ولنفسه باذن وليه ، ولا هو أقل من العبد الذي يؤخذ بإقراره بعد العتق.

اللهم إلا أن يقال : إن الحجر عليه في المال لعدم قابليته لحفظ المال ، فكل سبب يصدر منه فيه حال سفهه لا أثر له في الظاهر بدون انجباره بنظر الولي ، ومنه المؤاخذة بما صدر منه من الإقرار حاله.

نعم لو علم اشتغال ذمته فيما بينه وبين الله تعالى فيما أقر به وجب عليه التخلص ، بل عن التذكرة أنه لو حصل بيده مال باختيار صاحبه حال الحجر كالقرض لا يلتزمه ، لأن الحجر منع من معاملته وصار كالصبي ، ولكن في المسالك

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب الإقرار الحديث ٢.

١٠٥

« الوجه الضمان إن باشر إتلافه كالصبي » وفيه أن ضمانه حينئذ لا للمعاملة التي هي الفرض ، بل للإتلاف الذي لا يعتبر فيه جواز التصرف.

نعم الإنصاف إن لم يكن إجماعا جواز تصرفاته في ذمته ، لأن الحجر إنما هو في ماله لا في ذمته فيتبع بها حينئذ بعد فك الحجر ، وفي مجمع البرهان بعد أن حكي عن التذكرة أنه إذا سلطه المال على ماله بالبيع وشبهه بعد الحجر لا يجب عليه أداء ذلك ، لأنه بتسليطه السفيه على ماله مضيع لماله ، فلا عوض له ، فكأنه أتلفه بنفسه ، قال : « هذا مع عدم علمه بسفه مشكل ، بل مع علمه أيضا ، فإنه « على اليد ما أخذت » (١) وما سلمه إليه إلا للعوض ، بل يكون حينئذ مع علمه بعدم لزوم العوض سفيها أيضا ، كالمتصرف فلا يخرج ماله عن ملكه ، ولا يلزمه عدم العوض بتسليطه بلا عوض كالهبة ونحوها ، فكيف على وجه العوض؟ فالظاهر العوض بناء على قوانينهم فافهم ».

وهو وإن لم يكن عين ما قلناه لكنه قريب منه مع فرض إرادته لزوم العوض الذي سماه ، وإن كان مراده مطلق الضمان فظاهره أيضا عدم اختصاصه بما إذا باشر الإتلاف ، كما سمعته من المسالك ، بل يكفى فيه يده.

نعم الظاهر أنه بناء على ما ذكرنا لا تسلط له على الولي بتعجيل ذلك إليه للحجر ، أما بناء على ضمانه لقاعدة الضمان بالإتلاف وباليد فالمتجه مطالبة الولي ، كما لو أتلف السفيه مال الغير بغير اختيار مالكه ، بخلاف ما احتملناه الذي مقتضاه صحة المعاملة في ذمة السفيه.

نعم مع جهل البائع يثبت له الخيار وإلا كان له الثمن في ذمته ، وليس له مطالبة الولي ، لأن معاملته معه قد وقعت بغير إذنه ، فتأمل جيدا ، والله العالم.

( و ) كيف كان فلا خلاف في أنه ( يقبل ) إقراره ( فيما عداه ) أي

_________________

(١) سنن البيهقي ج ٦ ص ٩٥.

١٠٦

المال ( كالخلع والطلاق ) ونحوهما مما هو ليس تصرفا ماليا ، إلا أنه قد قدمنا في كتاب الحجر (١) احتمال عدم جواز الخلع له بدون مراعاة الولي البذل جنسا وقدرا ، لأنه تصرف مالي وإن جاز له الطلاق بلا عوض ، كما أنه قد تقدم هناك احتمال عدم وجوب الإنفاق عليه لو أقر بنسب يتبعه النفقة وإن ألحقناه به ، لأنه ليس مالا ، فيكون حينئذ كمن لا نفقة له ، فينفق عليه من بيت المال وإن التحق نسبه به ، بل قد احتملنا عدم نفوذ إقراره بما يوجب القصاص إذا أراد فداء نفسه منه بالمال ، بل يجب على الولي فداؤه منه مع الإمكان ، إلا أن ذلك كله يدفعه ما أومأنا إليه هنا من أن المتيقن من الحجر عليه التصرف في نفس المال دون غيره وإن استتبع مالا ، لإطلاق الأدلة وعمومها.

( ولو أقر ) حال الحجر ( بـ ) أمر مشتمل على أمرين : مال وغيره كال ( سرقة ) فإنها مال وعليه الحد ( قبل في الحد ) لعدم كونه تصرفا ماليا ( لا في المال ) للحجر عليه فيه ، ولا ضرر في التبعيض ، لعدم الملازمة بين الحد وبينه ، فقد يجتمعان ، وقد يوجد ضمان المال بشهادة رجل وامرأتين دون الحد ، وقد ينعكس كما في الفرض ، وقد أشكل الحال على الأردبيلي ، ولكن يدفعه أن ذلك ليس من التناقض في شي‌ء ، كما أوضحناه في غير المقام.

( ولا يقبل ) عندنا ( إقرار المملوك ) وإن كان بالغا عاقلا ( بمال ولا حد ولا جناية توجب أرشا أو قصاصا ) بل عن التذكرة وظاهر السرائر وقضاء المبسوط الإجماع على أنه لا يقبل إقراره بعقوبة ولا مال ، وفي جامع المقاصد « أجمع أصحابنا على أنه لا يقبل إقراره على نفسه بمال ولا حد ولا جناية مطلقا » وفي المسالك وعن غيرها نفي الخلاف فيه ، وعن الخلاف والغنية الإجماع على عدم قبول إقراره بما يوجب جناية على بدنه ، وعن المبسوط لا يقبل إقراره بحد عندنا ، ولا يقبل إقراره بالمال على مولاه بلا خلاف.

وبالجملة فالمسألة مفروغ عنها عندنا ، لأنه لا مال له ، وبدنه مملوك لغيره ،

_________________

(١) راجع ج ٢٦ ص ٥٧.

١٠٧

فإقراره إنما هو في حق الغير ، بل لو قلنا بملكه مطلقا أو على بعض الوجوه فهو محجور عليه بالتصرف فيه الذي منه الإقرار.

خلافا لبعض العامة فقبله في الحد والقصاص طرفا ونفسا دون المال ، لأن عليا عليه‌السلام قطع عبدا بإقراره ، ولأن الإقرار أولى من البينة.

وفيه مع عدم ثبوت ما أرسله في طرقنا أنه يمكن أن يكون بتصديق المولى له ، والفرق بين البينة والإقرار الذي قد عرفت أنه في حق الغير واضح.

( و ) كيف كان فـ ( لو أقر ) وصدقه المولى قبل بلا خلاف ، كما عن الغنية والسرائر ، بل ولا إشكال ، من غير فرق بين المال والجناية ، لأن الحق لا يعدوهما ، والمنع إنما كان لحق السيد وقد انتفى.

وقد يظهر من بعض العبارات احتمال العدم في الحد والقصاص ، لعدم أهليته للإقرار ، لأنه لا يقدر على شي‌ء ، والمولى لا يملك ثبوت الحد والقصاص عليه.

وفيه ما لا يخفى من منع عدم أهليته ، للعموم المعتضد بعدم الخلاف ، وخصوصا في المال المتحد في المدرك مع غيره ، فينزل حينئذ عدم القدرة على ما عارض حق المولى ، وحينئذ يتجه تعجيل الحد والقصاص.

أما المال فان كان عينه موجودا دفع إلى المقر له ، وإن كان تالفا أو لم يصدق المولى أو كان مستندا إلى جناية أو إتلاف ( مال ) (١) تعلق بذمته.

و ( يتبع به إذا أعتق ) بلا خلاف ولا إشكال ، لعموم « إقرار العقلاء » (٢) بعد معلومية عدم ضمان السيد لما يتلفه من مال الغير بغير إذنه.

ومنه يعلم أن المراد بما في المتن وغيره من عدم القبول عدم تعجيله مما هو للسيد

_________________

(١) وفي الشرائع : « بمال ».

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب الإقرار الحديث ٢.

١٠٨

ملكا أو ولاية.

هذا ، وفي المسالك « والفرق بين المملوك والمحجور عليه للسفه حيث نفذ بعد العتق ولم يقع لاغيا بخلاف السفيه أن المملوك كامل في نفسه ، معتبر القول لبلوغه ورشده ، وإنما منع من نفوذه حق المولى ، فإذا زال المانع عمل السبب عمله ، بخلاف السفيه ، فان عبارته في المال مسلوبة شرعا بالأصل ، لقصوره كالصبي والمجنون ، فلا ينفذ في ثاني الحال كما لا ينفذ إقرارهما بعد الكمال ».

وفيه ما عرفت من أنه مجرد دعوى لا شاهد لها ، بل عموم الأدلة على خلافها ، بل الفرق بينه وبين الصبي في كمال الوضوح.

هذا ولكن قد يظهر من المتن اختصاص التبعية بعد العتق بالمال دون الجناية ، بل لعله ظاهر الفاضل في القواعد أيضا لأنه قال : « لا يقبل إقرار العبد بمال ولا حد ولا جناية توجب أرشا أو قصاصا إلا أن يصدقه السيد ، ويتبع بعد العتق بالمال ، ولو قيل يقبل ويتبع به وإن لم يصدقه السيد كان وجها » لكنه فرض المسألة في صورة التصديق ، ولا ريب في اختصاص المال حينئذ بذلك ، ضرورة التعجيل بالحد والجناية مع التصديق بخلاف المال الذي لا يضمنه السيد عنه وإن صدقه.

نعم لا فرق بينهما في صورة عدم التصديق بلا خلاف أجده فيه إلا ما في الدروس فان ظاهره التوقف في المقام ، قال : « وأما العبد فلا يقبل إقراره بما يتعلق بمولاه من نفسه أو ماله ، نعم يتبع بالمال بعد العتق ، وقيل يتبع في الجناية أيضا ، وكذا لو أقر بحد أو تعزير ».

وفي جامع المقاصد بعد أن حكي ذلك عنه قال : « ومقتضي إطلاق عبارة المصنف أنه يتبع في الجميع ، ولا أرى مانعا إلا في الحد من حيث ابتنائه على التخفيف ودرئه بالشبهة ».

وفيه أن احتمال عدم العبرة بإقراره بعد أن كان الظن الاجتهادي بقبوله لا يعد شبهة يسقط بها الحد وإلا كان ظن المجتهد في الحد غير حجة.

١٠٩

فالتحقيق التبعية به مطلقا كما عن السرائر والتحرير وقضاء الدروس وكشف اللثام وظاهر قضاء المبسوط وغيرها ، بل قد عرفت أني لم أجد خلافا في ذلك ، لعموم « إقرار العقلاء » (١) الذي كان المانع من نفوذه معجلا حق المولى ، فإذا زال بالعتق مثلا عمل المقتضي عمله ، ودعوى عدم أهليته للإقرار لأنه لا يقدر على شي‌ء كما ترى ، خصوصا بعد اتفاقهم ظاهرا عليه في المال ، وتوقف الفاضل فيه في حجر القواعد وجعله وجها هنا في غير محله كما عرفت ، ومن هنا لم أجد من اختار العدم في مال أو في جناية أو في حد.

( ولو كان ) العبد ( مأذونا في التجارة فأقر بما يتعلق بها ) من دين ونحوه ( قبل ) على المشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا ( لأنه يملك التصرف فيملك الإقرار ) لما عرفت من أنه من ملك شيئا ملك الإقرار به ، لكن في التذكرة استشكله ، وفي جامع المقاصد والمسالك أن عذره واضح ، بل عن حجر الأخير أن الأصح عدم القبول ، ولعله لعموم الحجر على المملوك إلا ما دل عليه الاذن ، وهو التجارة ، وكون الاستدانة من لوازمها ممنوع ، ولو سلم افتقارها إليها في بعض الموارد فلا يدل على الملازمة ، ولو سلمت فاللزوم غير بين ، فلا يدل الاذن فيها على الاذن فيها بالالتزام ، وانتفاء دلالتي المطابقة والتضمن ظاهر وشهادة الحال ليست حجة لشغل الذمة الخالية ، وتضرر المعاملين بالصبر إلى ما بعد العتق يندفع بالإشهاد ، وليس إقرار العبد بأولى من إقرار الوكيل الذي ذكروا عدم نفوذه على الموكل.

ومن هنا فصل بعض الناس بين ما كان من لوازمها عرفا وبين ما ليس من لوازمها ، وإن تعلق بها فلا يقبل ، بل احتمل بعضهم تنزيل إطلاق كلام الأصحاب على ما حكاه من ظاهر التحرير من فرض المسألة في أن سيده أذن له في التجارة والمعاملة بمائة دينار مثلا ولم يدفع إليه شيئا فعاد وبيده أعراض

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب الإقرار الحديث ٢.

١١٠

يدعي شرائها في ذمته وبقاء الثمن ، فإنه يقبل إقراره في المقدار الذي أذن له فيه ، ويؤخذ منه المال الذي في يده ، والفاضل يكون في ذمته يتبع به بعد العتق.

وعن آخر احتمال تنزيل عبارة القواعد التي هي كعبارة المتن على أنه أذن له في التجارة بمقدار معين ودفع إليه مالا ليتجر به ، ثم عاد وبيده أعراض يدعي أنه شراها في ذمته وأن دينها باق ، وادعى تلف ما كان في يده ، إلى غير ذلك من كلماتهم في المقام التي لا تخلو من تشويش.

وتحقيق الحال أن يقال : أنه إن كان الاذن في التجارة على وجه الاستنابة وكانت بمال مخصوص أو بقدر مخصوص كان حاله كحال عامل القراض في أنه يصدق في ما ائتمن عليه ، وإن كانت الاذن في التجارة مطلقة على وجه يشمل الاستدانة وغيرها كان مصدقا في ذلك ، وبالجملة فتصديقه يتبع ما أذن له فيه ، وعبارات الاذن مختلفة ، بل لا حظ للفقيه في كثير منها ، ضرورة كون المدار على ما يفهم منها عرفا.

نعم قد ذكرنا في كتاب الوكالة أن قاعدة تصديق الأمين فيما ائتمن عليه لا يقتضي عدم صحة الدعوى بين الاذن وبين غير المأذون فيما أقر به وأنكره الاذن في بعض الأحوال ، لأن أقصاها عدم دعوى له على الأمين ، بمعنى نفوذ قوله عليه بيمينه ، فلا يتوجه له حينئذ غير ذلك ، وأما غيره فلا دليل على سقوط دعوى الاذن فيه ولا على نفوذ إقرار المأذون على وجه لم يكن للاذن دعوى على ذلك الغير.

وحينئذ فالمتجه في المقام هو ما ذكرناه في الوكالة من أن الوكيل مصدق فيما وكل فيه بالنسبة إليه نفسه ، فلو أقر مثلا بأني قد قبضت ما في ذمة زيد منه بالوكالة عنك وتلف من يدي وأنكر الموكل قبضه بعد اعترافه بوكالته لم يكن له على الوكيل إلا اليمين ، ولكن له مطالبة من عليه المال ولا تبرأ ذمته منه باعتراف الوكيل أني قد قبضت ، كما تقدم الكلام في ذلك محررا ، بل لعل هذا معنى قولهم : « إن إقرار الوكيل ليس إقرار على الموكل » نعم قاعدة

١١١

التصديق مقعدة وما نحن فيه من هذا القبيل.

وإن كانت الاذن على معنى رفع الحجر عنه في التصرفات لا على وجه الاستنابة فلا ريب في قبول إقراره فيما رفع الحجر عنه فيه وإن لم يلتزم بذلك الولي ، لأنه ليس وكيلا عنه ، ولعل حمل كلامهم وقولهم : « يؤخذ ما أقر به مما في يده » إلى آخره كما ستسمع على هذا أولى من الأول.

( و ) على كل حال ففي المتن والقواعد ومحكي المبسوط والتحرير والإرشاد والدروس وظاهر الغنية وغيرها أنه ( يؤخذ ما أقر به مما في يده وإن كان أكثر لم يضمنه مولاه ) بل في جامع المقاصد لا ريب أن القبول إنما هو بقدر ما في يده ، لأن الاذن في التصرف إنما يتناوله ، فالزائد لا يضمنه المولى ( و ) لكن ( يتبع به إذا أعتق. )

وفيه مالا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه من أن المدار في ذلك على ما يفيده الأذن التي بها يكون العبد بمعنى الوكيل.

نعم لو فرض دفع مال إليه وأذن له بالتجارة فيه واستدان لها أزيد مما في يده توجه حينئذ اتباعه به بعد العتق ، إذ هو كالاقتراض بلا إذن ونحوه مما يكون ضمانه على العبد دون المولى.

ولعله لذا قال في مجمع البرهان في عدم ضمان المولى الزيادة عما في يده تأمل ، لأن التاجر قد يخسر بحيث يذهب رأس ماله ويلزمه الديون في ذلك ، لأنه قد يكون ظن النفع للنقل من بلد آخر مثلا بأجرة ، وظهر بعد النقل عدم حصول الأجرة ، أو لوقوع سرقة أو ظلمة أو حرق أو غرق أو نحو ذلك ، كما إذا كان وكيلا في التجارة ودفع الدين ، فإنه على الموكل ، فتأمل ».

قلت : قد يقال : المراد أن بالإذن في التجارة هنا رفع المنع عن معاملته على الوجه الذي عرفته ، لا أنها بمعنى الوكالة عن المولى على وجه تشتغل ذمته بما يستدينه لها ، ولا ينافي ذلك ملكية المولى لما في يده ، إذ لا مانع من كون العين التي استقرضها مثلا

١١٢

ملكا لمولاه ، وكون عوضها في ذمة العبد المأذون ، بل لا مانع من التزام مثل ذلك لو اشترى عينا بثمن في ذمته ، فان العين تكون ملكا للسيد ، ولكن الثمن في ذمة العبد ، إذ هو من جملة أموال السيد أيضا ، نحو ما لو اشترى المولى بمال في ذمته ، فان ما في ذمة عبده باذنه لا يقصر عن المال الذي في ذمته ، فيكون للمولى حينئذ ذمتان : إحداهما ذمته والأخرى ذمة عبده ، فله جعل ثمن المبيع في كل من الذمتين برضا البائع ، ولا يلزم من ذلك جوازه في ذمة الأجنبي ، ضرورة عدم كون ما فيها من أمواله كما هو واضح.

وحينئذ فإذا اتفق خسارته في التجارة تبقى ذمته مشغولة من دون ضمان على المولى إلا أن يكون وكيلا عنه في ذلك ، وليس مجرد الاذن في التجارة توكيلا.

بل ربما يؤيد ذلك ذكرهم أحكاما للعبد المأذون لا تنطبق على الوكالة ومنها ما سمعته من أخذ ما أقر به مما في يده وإن زاد اتبع بعد العتق ، مع أنه إذا كان وكيلا اتجه الرجوع به على الموكل الذي هو السيد ، كما سمعته من الأردبيلي ، خصوصا مع إطلاق المعظم العبد المأذون في التجارة سواء دفع له سيده مالا أو لا ، وقد يكون في يده شي‌ء وقد لا يكون ، فلا إصلاح لهذا الكلام إلا بما سمعت ، ويكون الرجوع على ما في يده وإن كان من كسبه الذي هو للمولى أو من الأعيان التي اشتراها في الذمة ، باعتبار اقتضاء الإذن ورفع الحجر عنه ذلك ، بل قد يقوى عدم جواز الرجوع بها لقاعدة « لا ضرر ولا ضرار » فتأمل جيدا.

وقد أشبعنا الكلام في مسألة المأذون ونقلنا النصوص المتعلقة بها في كتاب القرض (١) فلاحظ. وربما كان بعض ما ذكرناه هنا منافيا لبعض ما هناك.

وعلى كل حال فلعله بهذا يمكن إصلاح إطلاقهم السابق أن المأذون في التجارة يقبل إقراره فيما يتعلق بها ، فتأمل جيدا.

نعم قد يقال : إنه يتوجه على هذا تعلق الدين بكسبه مضافا إلى ما في يده

_________________

(١) راجع ج ٢٥ ص ٧٣ و ٧٥.

١١٣

وقد يتكلف تناول ما في يده له أو يقال : لا يلتزم السيد به ، لأن له قطع الاذن فيبقى العبد مشغول الذمة غير متمكن من الأداء ، فيتبع به بعد العتق ، وعلى كل حال فهو أمر آخر لا تعلق له في أصل المسألة.

وكيف كان فإقراره يقبل فيما يتعلق بالتجارة المأذون فيها دون غيرها وحينئذ فلو أقر بدين ولم يذكر سببه لم ينفذ إلا أن يسنده إلى الوجه الذي يقبل إقراره فيه.

وهل يشترط في نفوذ الإقرار وقوعه حالة الاذن أو ينفذ وقد وقع بعد زوال الاذن في المسالك « وجهان ، أظهرهما الأول ، كما لو أقر الولي بتصرف في مال المولى عليه بعد زوال الولاية » قلت : قد تقدم في الوكالة ما يستفاد منه قوة الثاني.

ولا يصح إقرار المولى عليه بحد ولا غيره من العقوبات كالتعزير وضرب اليد في الاستمناء ونحو ذلك ، بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في جامع المقاصد ، بل عن الخلاف والإيضاح الإجماع عليه ، لأن إيلام العبد حق متعلق به وبالمولى ، فلا يكفي إقرار المولى.

نعم لو أقر عليه بجناية في النفس أو الطرف نفذ فيه ، لكن لا على معنى القصاص منه ، بل على معنى رفعه فيها أو فدائه بأرشها على حسب ما عرفته في جناية العبد ، وكذا لو أقر عليه بمال يرجع إلى ما في يده أو إلى كسبه لعموم « إقرار العقلاء على أنفسهم » (١).

أما لو أقر عليه بما يرجع إلى ذمته بعد العتق كان شهادة لا إقرارا ، وقد ذكرنا تمام الكلام في كتاب القضاء عند قولهم : « وإذا ادعى على المملوك فالغريم مولاه سواء كانت الدعوى مالا أو جناية » إلى آخره فلاحظ وتأمل كي تعرف مما ذكرنا توجيه الدعوى تارة على المولى خاصة واخرى على العبد كذلك وثالثة عليهما.

هذا وفي القواعد « لو أقر عليه بالجناية فالأقرب قبول قوله ، ويجب المال

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب الإقرار الحديث ٢.

١١٤

ويتعلق برقبته ، لا في حق العبد كفك الإرث ، فيعتق بالقيمة وإن قصرت على القولين » والمراد أن إقرار مولاه بالجناية عليه لا ينفذ إلا في حق المولى خاصة ، سواء كانت خطأ أو عمدا ، دون العبد الذي هو غير المولى ، حتى لو فرض موت مورثه المقتضي لفكه بالقيمة ليرث لا يدفع من ماله أزيد من قيمته وإن كانت أقل من أرش جنايته المقر بها.

نعم لو كانت جنايته ثابتة بالبينة مثلا اتجه حينئذ فكه بأرشها من التركة وإن زاد على قيمة العبد بناء على أن الواجب فيها الأرش كائنا ما كان.

وتفصيل الحال في ذلك أنه لو أقر المولى بجنايته خطأ فإن كانت مستوعبة لقيمته تخير بين دفعه فيها وبين فدائه بقيمته وإن كانت أقل من الأرش على الأصح ، لأن الجاني لا يجني على أكثر من نفسه ، وقيل بالأرش بالغا ما بلغ كما سمعته في المكاتب ، ويأتي في الديات ، إنشاء الله.

وإن لم تكن مستوعبة تخير بين دفع ما قابلها من العبد وبين فكه بأرشها ، فلو اتفق موت مورثه في هذا الحال قبل الفداء أو الدفع لم يتغير الحكم المزبور ، فتدفع إليه القيمة من التركة فيدفعها إلى المجني عليه أو ما قابل جنايته منها والزائد له ، ويفك العبد ويرث بقية المال.

نعم بناء على احتمال وجوب الأرش كائنا ما كان يمكن دفع ذلك من التركة ، لتوقف الفك عليه ، ولا يجب على المولى دفعه من نفسه ، إذ المولى مخير بين دفعه وفدائه ، فله اختيار الأول ، ويحتمل هنا عدم استحقاقه وإن قلنا باستحقاقه في غير الفرض ، لتجدد خطاب الفك بالقيمة هنا ، فتقوم حينئذ هي مقام العبد ، ويتعلق بها حق المجني عليه. ولأن الجناية إنما هي بإقراره الذي لا يمضى على العبد ، لا أنها ثابتة ببينة أو بإقرار العبد ، ولعله إلى هذا لمح الفاضل واختار ما سمعت.

وإن كانت الجناية المقر بها عمدا فقد عرفت أنه لا قصاص عليه لأنه إقرار

١١٥

بحق الغير ، بل قد يقال : ليس له دفعه للاسترقاق مع فرض عروض موت المورث في هذا الحال ، لكن يدفع القيمة التي أخذها من التركة إليه ، نعم لو كان قد دفعه فيها قبل ذلك واسترقه المجني عليه فك منها بها ، كما أنه كذلك لو دفعه في الخطأ أيضا.

هذا وفي الدروس « فلو أقر أي المولى بالجناية عمدا على المكافي وأنكر سلم المجني عليه ولم يقتص منه ، ولو اتفق موت مورثه بعد إقرار مولاه عليه بالجناية فكه بقيمته ، ويتعلق بها حق المجني عليه مع الإيعاب ، ولا يتوجه هنا الفك بأقل الأمرين ، لأن ذلك وظيفة المولى ».

وقد ناقشه الكركي في إطلاقه ، بل أطنب في أصل المسألة ، بل حكى عن فخر المحققين بناء صورة العمد فيها على أن الواجب في العمد القصاص خاصة أو أحد الأمرين : هو أو الدية ، وقد حكى عن الأكثر الثاني. ولكن لا يخفى عليك ما في الجميع بعد الإحاطة بما ذكرناه.

( و ) كيف كان فقد تقدم في كتاب الفلس (١) أنه لا خلاف معتد به في أنه ( يقبل إقرار المفلس ) بدين سابق ( و ) لكن ( هل يشارك المقر له الغرماء ) لعموم « إقرار العقلاء » (٢) ( أو يأخذ حقه من الفاضل ) لأنه إقرار في حق الغير؟ ( فيه تردد ) وخلاف ، وقد أشبعنا الكلام فيه بل وفي باقي أطراف المسألة من الإقرار بالعين وغيره في كتاب الفلس (٣) فلاحظ وتأمل.

( وتقبل وصية المريض ) والصحيح ( في الثلث وإن لم يجز الورثة ) إجماعا أو ضرورة من المذهب إن لم يكن الدين ( وكذا ) يقبل ( إقراره ) من الثلث ( للوارث أو الأجنبي مع التهمة ) فيهما ( على أظهر القولين ) بل الأقوال التي هي ستة أو سبعة ، بل قيل هي عشرة كما أشبعنا الكلام فيه

_________________

(١) راجع ج ٢٥ ص ٢٨٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب الإقرار الحديث ٢.

(٣) راجع ج ٢٥ ص ٢٨٧ ـ ٢٨٩.

١١٦

وفي غيره من فروع المسألة في كتاب الحجر (١) وقلنا إن هذا القول هو الذي تجتمع عليه نصوص (٢) المسألة وأن غيره من الأقوال مستلزم لطرحها أجمع أو بعضها ، فلاحظ وتأمل.

( ويقبل الإقرار بالمبهم ويلزم المقر بيانه ، فان امتنع حبس وضيق عليه حتى يبين ، وقال الشيخ رحمه‌الله : يقال له إن لم تقر جعلت نكالا ، فإن أصر أحلف المقر له ) كما تقدمت الإشارة إليه في المقصد الثاني.

( و ) كيف كان فقد عرفت أنه لا خلاف ولا إشكال في أنه ( لا يقبل إقرار الصبي بالبلوغ ) أي دعواه ( حتى يبلغ الحد الذي يحتمل البلوغ ) فيه كالعشر سنين ، فإنه يقبل حينئذ لو ادعاه بالاحتلام فيها ، كما صرح به الحلي فيما حكي عنه والفاضل والكركي والشهيدان وغيرهم ، بل لم يحك أحد منهم خلافا في ذلك.

بل ظاهر المصنف وصريح غيره القبول بلا يمين وإلا دار ، ضرورة توقف صحة يمينه على بلوغه ، فلو توقف عليها ثبوت البلوغ دار.

وفي الدروس « يمكن دفع الدور بأن يمينه موقوفة على إمكان بلوغه ، والموقوف على يمينه إنما هو وقوع بلوغه ، فتغايرت الجهة » وفي جامع المقاصد « ضعفه ظاهر ، لأن إمكان البلوغ غير كاف في صحة أقوال الصبي وأفعاله ».

قلت : وهو كذلك إذ دعوى اختصاص اليمين بالاكتفاء بإمكان البلوغ مصادرة واضحة ، لكن مقتضاه عدم صحة دعواه أيضا مطلقا ، للأصل وغيره.

وما في مجمع البرهان ـ من أن دليل المسألة كأنه الإمكان وظهور الصدق في المسلمين وعدم إمكان الإشهاد عليه مثل قبول انقضاء العدة عن المرأة وغيره ـ كما ترى ، ضرورة عدم كون الإمكان من الأدلة ، وظهور الصدق في المسلمين إنما هو في البالغ ، كقاعدة القبول فيما لا يمكن إلا من قبل المدعي بناء على تسليمها

_________________

(١) راجع ج ٢٦ ص ٥٩ ـ ٩٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من كتاب الوصايا.

١١٧

التي منها تصديق المرأة في الحيض وانقضاء العدة ، مضافا إلى ما دل (١) على تصديقها في نحو ذلك.

وحينئذ فثبوت البلوغ بمجرد دعواه أو مع اليمين ـ بحيث يجب على من بيده مال له دفعه إليه ويجب قبول شهادته وجميع الأحكام المترتبة على البلوغ وإن تعلقت بغيره سواء كان في مقام الخصومة أولا ـ لا يخلو من منع ، اللهم إلا أن يكون إجماعا.

ثم على تقديره فقد صرح غير واحد بأن الصبية مثله أيضا في قبول دعوى الاحتلام ، بل عن التذكرة قبوله لو ادعته بالحيض في وقت الإمكان ، وأشكله في الدروس بأن مرجعه إلى السن ، أي مرجعه إلى دعوى البلوغ بالتسع ، لأن إمكان الحيض لا يكون إلا معه ، وناقشه في مجمع البرهان بأنه لا فرق بين الاحتلام والحيض ، وقد يعرفان بالعلامات قبل العلم بالسن مع الاحتمال ثم يعلم السبق.

قلت : قد تقدم الكلام في ذلك في كتاب الحيض وغيره في قاعدة الإمكان ، وفي جعلهم الحيض علامة للبلوغ ، وفي غير ذلك. إنما الكلام هنا في قبول دعواها الحيض على الوجه الذي عرفته في الصبي ، ولا ريب في اقتضاء القواعد عدمه ، وتوهم الإجماع هنا أيضا كالصبي معلوم العدم ، كما لا يخفى على الخبير المتتبع.

ولو ادعاه بالإنبات اعتبر ، لأن محله ليس عورة كما صرح به غير واحد ، بل لو فرض كونه عورة فهو موضع حاجة ، كرؤية الطبيب وشهود الزنا.

ولو ادعاه بالسن طولب بالبينة ، كما صرح به الفاضل والشهيدان والكركي ، وظاهرهم عدم الفرق بين الغريب وخامل الذكر وغيرهما ، خلافا للمحكي عن التذكرة ، فألحقهما فيها بمدعي الاحتلام لعجزه عن البينة.

_________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب الحيض من كتاب الطهارة ، والباب ـ ٢٤ ـ من أبواب العدد من كتاب الطلاق.

١١٨

وفيه أن ما يعتبر فيه البينة لا يتغير حكمه بعجز المدعى عنها ، وما سمعته في الاحتلام مما لا يجري نحوه هنا يقتضي عدم الفرق بينهما وبين غيرهما في التصديق كما لعله ظاهر المتن إلا أنه واضح الضعف.

ويمكن إرادته قبول دعواه البلوغ على الاجمال بناء على أن من أسبابه ما يصدق فيه وهو الاحتلام وإن كان هو أيضا واضح الضعف وإن استوجهه بعضهم ، ضرورة عدم صلاحية ذلك لسماع دعواه المجملة ، خصوصا بعد ما عرفت من عدم قبول دعواه المفصلة فضلا عن المجملة.

ثم لا يخفى عليك إرادة الدعوى من الإقرار في المتن وغيره وإن استلزمت هي بعض الأحكام المتعلقة به ، كغيرها من الدعاوي ، لكن لا يكون بذلك إقرارا وإلا لم يكلف البينة في السن ، ولم يحتج إلى الاختبار في الإنبات ولا إلى اليمين في الاحتلام بناء عليه ، كما هو واضح.

ولو أقر المراهق ثم اختلف هو والمقر له في البلوغ فالقول قوله من غير يمين إن كان الاختلاف قبل تحقق بلوغه ، وإن كان بعده قيل يحلف أنه حين أقر لم يكن بالغا ، لكن قد ذكرنا في كتاب البيع (١) أنه لو اختلفا فيه كذلك احتمل تقديم قول مدعي البلوغ ، لأصالة الصحة ، وفي الدروس وجامع المقاصد فيه وجهان.

_________________

(١) راجع ج ٢٣ ص ١٩٦ ـ ١٩٨.

١١٩

( النظر الثالث )

( في المقر له )

وقد ذكر المصنف له شرطا واحدا ( وهو أن يكون له أهلية التملك ) لكن في القواعد وغيرها له شرطان : أحدهما ذلك ، والثاني عدم التكذيب ، بل في الدروس ومحكي التذكرة وغيرها ثلاثة ، والثالث تعيين المقر له فمن أقر لرجل لا يعرف بطل إقراره ، لكن قد يشكل بطلان الإقرار المزبور بخروجه عن ملكه بالإقرار على كل تقدير ، وإنما تعذر معرفة مستحقه ، فيكون مالا مجهول المالك ، بل قد يشكل الشرط الثاني بأنه ليس شرطا في صحة الإقرار على نحو الشرط الأول ، بل في نفوذه في حق المقر له ، كما سمعت تحقيقه في مسألة ما لو رجع المقر له عن إنكاره ، ولعله لذا اقتصر المصنف هنا على الشرط الأول الذي لم أجد خلافا فيه ، بل ولا إشكالا.

( فلو أقر ) بالملك ( لبهيمة ) مثلا ( لم يقبل ) قطعا نعم في الدروس لو أقر للدابة احتمل البطلان والاستفسار ، ونفي عنه البأس بعض الناس ، لأنه إذا أوصى بذلك لعلفها أو نذره له جاز ، كما ذكره الفاضل وجماعة فيما إذا أوصى لها وقصد صرفه لعلفها.

وفيه أن ذلك لا يقتضي صحة الإقرار بالملكية الظاهرة من اللام ، والاستفسار إنما يجب في المبهم ، ولا إبهام في الفرض ، كما لا انصراف إلى إرادة ذلك من مثله ( و ) لو بملاحظة تعذر الحقيقة الذي لا يصلح بمجرده معينا ، كما هو واضح.

نعم ( لو قال : ) علي كذا ( بسببها صح ، ويكون الإقرار للمالك ) كما

١٢٠