الآلوسي والتشيع

السيد أمير محمد القزويني

الآلوسي والتشيع

المؤلف:

السيد أمير محمد القزويني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: محمّد
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٥

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والشيعة يرون بأمّ أعينهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شدد الأمر على المتأخرين عنهم والمتقدمين عليهم حتّى رتّب عليهم أكبر محذور وهو الهلاك والضلال : ( أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً ) [ النساء : ٨٨ ].

الطوائف التي ذكرهم الألوسي ليسوا من الشيعة

ذكر الآلوسي بعض الطوائف وشيئا ليس بقليل من عقائدها ونسبها إلى الشيعة ، ولمّا لم تكن تلك الطوائف من الشيعة في شيء وليست هي من تلك على شيء ، رأينا أن من الأحرى أن نضرب الصفح عن ذكرها ونعدل إلى تزييف مزاعمه الزائفة :

الآلوسي وكيده

قال الآلوسي : « إذ قد فرغنا من عدّ الفرق فقد آن أن نشرع في ذكر بعض مكايدهم التي توصّلوا بها إلى ترويج مذهبهم الباطل وإضلال العباد ، وهي كثيرة جدا لا تدري اليهود بعشرها وهذا الكتاب يضيق عن حصرها ».

المؤلف : تعرّض الآلوسي لبعض الفرق المتسمية باسم الشيعة ، وعدّ رجالا من الشيعة كعبد الله بن عمر وغيره ممن هو على شاكلته ، وقد عرفت أنهم ليسوا من الشيعة في شيء ، وليست هذه منها على شيء لثبوت انحرافهم عن الوصيّ وآل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عقائدهم وسلوكهم ، فهو إذ يعزو إليهم الكيد لترويج مذهبهم ـ على حدّ تعبيره ـ لا يعتمد إلاّ على الجهل بحال الشيعة تارة وعلى العصبية المقيتة أخرى ، وهي التي تركته يرتكب من الشيعة ما حرّم الله فلا غرو من رواد المنافع إذا تقحموا في كلّ شيء ولم يبالوا بما يقول النّاس فيهم ، فإنك تراهم في كلّ ملّة ودين يبرزون صفحتهم للخزي ، ويطرحون أنفسهم في الفضائح فيرتطمون في مراغة الذم ، وحينئذ يصبحون مضغة في أفواه القارضين ، والغريب ممن يتلقى أباطيله وأضاليله بالقبول ـ كمحبّ الدين الخطيب المجدد لطبع هذا الكتاب من جديد في القرن العشرين قرن العلم والنور كما يقولون ـ ويحسب أن قذائفه وسبابه أدلّه رصينة وبراهين مفنّدة لأقوال خصومه رافعا بها عقيرته ، في حين أنها علامة العجز والخذلان لا قيمة لها ولا وزن في سوق الحقائق.

٤١

ولتعلم أيها القارئ أن هذا الشاتم لشيعة آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يتوخ من رميهم بتلك القذائف ، ولم يقصد من نيلهم بتلك الشتائم سوى إظهار فضيلته عند أبناء مذهبه ليقولوا فيه إنه من الراسخين في العلم في ردّه على الشيعة ، وتفنيده لأقوالهم دون أن يشعر ويشعروا إلى أنه من الجاهلين الّذين يملئون أشداقهم بالادعاء ، وهم خالو الوطاب فارغوا الجراب إلاّ من الإفك والسباب.

ولا نقول ذلك عن تكهن وهذا كتابه بين أيدينا يشهد لنا بصحة ما نقول ، وكم من أمثاله بين ظهرانينا ممن لا يفرقون بين سوانح الخير وبوارح الشر ، ولا يميزون بين السرّاء والضرّاء تربعوا على دست العلم في هذه الأمة وهم يفسدون ولكن لا يشعرون ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

ما تقتضيه المصلحة العامة

ونحن بدافع المصلحة العامة والأخوّة الصادقة التي نتحراها لإخواننا المسلمين أجمعين من سنيّهم وشيعيهم ، نريد أن ننصحهم بكلمة صغيرة تعود عليهم جميعا بأكبر الفوائد وتتقدم ، بهم في شئونهم الاجتماعية كافّة ، سواء في ذلك النواحي السياسية والأدبية والقضائية والصناعية والعسكرية ، وأعظمها أن يجتنبوا أمثال أولئك الدجّالين الّذين همهم فتق الرتق وإشعال نيران الفتن بين المسلمين ، بغية الوصول إلى شهواتهم البهيمية ومشتهياتهم الرخيصة ، وإن أدّى ذلك إلى هلاكهم والقضاء على أرواحهم.

نريد أن يحيدوا عنهم لئلاّ ينخدعوا بآرائهم السّخيفة ومزاعمهم الهزيلة ، فإنهم يا قوم يريدون أن يرجعوا بكم إلى الوراء ، لذا ترونهم بأم أعينكم يذكرون أمورا تؤدي إلى انحلال جامعتكم ، وفتق رتقكم وتشتت شملكم ، حتى إذا أصبحتم هزيلي القوى تناولتكم أيدي ـ أرذل خلق الله وأشدّهم عداوة للّذين آمنوا ـ اليهود بالشر والسوء ، فيدوسونكم دوس الحنظل ، ويحصدونكم حصد السّنبل ، نريد ألاّ تمدوهم بالمال ولا تبذلوا لهم من أنفسكم كلّ نفيس وغال ، فكونوا يا أخوان أكياسا أذكياء ولا تكونوا بلها بسطاء ، فتنطلي عليكم أضاليلهم بألسنة مكرهم وتمويهاتهم بخداعهم ، فإنها وأيم الحق لا توصل إلاّ إلى تمزيق

٤٢

وحدتكم وتفريق كلمتكم وتصديع كيانكم : ( وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً ) [ النحل : ٩٢ ] ، ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً ) [ آل عمران : ١٠٣ ] ونعمة الله هو إسلامه العظيم الّذي أمركم بالتوحيد وتوحيد الكلمة : ( وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) [ الأنفال : ٤٦ ] ، ( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) [ آل عمران : ١٠٥ ].

ومن المؤكد لدينا ومن خلال الحوادث التأريخية التي مرّت على هذه البسيطة بتداول الأيام وتعاقب الأجيال ، أن معظم الأمم السّالفة من القرون الخالية في العصور المتقدمة إنما استمرت قاعدة على هامات مجدها ، وغارب رقيّها ، وضخامة ملكها ، واتساع سلطتها ، وقوّة سلطانها زمنا طويلا من عمرها لمكان من فيها من أفذاذ الرجال وكبراء المصلحين الّذين غرسوا في نفوسهم جمع الكلمة ، وتوحيد الصف ، وتعارف الأرواح بين مختلف طبقاتهم وتباين مذاهبهم ، وتضارب أهوائهم ، وكانوا يطاردون داعية كلّ شحناء وبغضاء في أقصى البلاد وأدناها ، لئلاّ يؤدّي السّكوت عنها إلى انحلالهم واضمحلالهم ، وكانوا يحثونهم على الاتحاد والتعاضد في المصالح المشتركة ، وذلك لا شك في أنه عامل فعال من شأنه في الأقل أن يأخذ بيد تلك الأمة وهاتيك الشعوب وترفعها إلى أعلى مراتب المجد والرقي ، ولمّا كان الأمر على عكس ذلك في بعض القرون المنقرضة لم تلبث إلاّ أياما قليلة حتى أصبحت عبرة لغيرها من الأمم والشعوب المتأخرة ، وما ذاك إلاّ لقيام بعض المفسدين فيهم من أهل الأهواء والضلالات والنفوس الشريرة التي لا يهمها إلاّ إشباع رغباتها الفاسدة ولو على أشلاء الآخرين من أبناء الأمة ، فأعطوه المقادة وسلّموا إليه القيادة فانتزع منهم روح الإخاء والوحدة ، وبث فيهم روح العداء والنقمة ، فتدحرجت كرة عزّهم من جراء تلك الروح الخبيثة التي تسلقت إلى أدمغتهم بألسنة المكر والخداع ، فمزقت جسمهم ، ونخرت عظامهم ، وأنزلتهم إلى أعماق مهاوي الهوان والذّل والخسران : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ ) [ إبراهيم : ٢٨ و ٢٩ ].

فإلام يا قوم تقابلون اليقظة بالسّنة ، والنباهة بالبلاهة ، وحتام لا تثقف

٤٣

عقولكم التجارب والعبر وقد أصبحت بمرأى منكم عدد الرمل والحجر ، وبالطبع أن التباعد والتباغض والعداء والتفرقة التي نراها ما بين المسلمين في القرون الأولى والعصور المتوسطة وما بعدها إلى هذه الآونة ، ما هي إلاّ من جراء دسائس أولئك الدجالين ووساوسهم الشيطانية ، ونبزاتهم التي ألصقوها بالشيعة ، ووضعوها على ألسنتهم ليباعدوا بينهم وبين العامّة ، ويغرسوا في أذهانهم ما يعزونه إليهم من نسب قبيحة وتهم شنيعة مما هم أبرّ وأتقى من أن يكون ذلك منهم.

وبهذا استمر العداء عبر القرون بين الفريقين ، واستحكم الغلّ في نفوس الطائفتين ، لذا ترى على الأثر أن العامة مخدوعون بما خطّه لهم أولئك الغواة الخرّاصون من الهمزات حول الشيعة حتى طفق ينظر كلّ فريق منهم إلى الفريق الآخر نظر العدوّ لعدوّه البغيض ، ويتربص كلّ منهما بصاحبه الدوائر ويبتغي له الغوائل ، ويريد الوقيعة فيه عند سنوح أية فرصة يستطيع من ورائها القضاء على أخيه والإتيان على آخر نفس من أنفاس حياته ، ولو أن هؤلاء الدجالين كفوا عن مهاجمة الشيعة ولم يزيدوا على ذلك الطعن في أعراض من عرضهم أنقى من الثلج ، وخفضوا قليلا من عضب لسانهم ، لوجدوا الشيعة أقرب النّاس إليهم مودّة ، وأشدّهم لهم رعاية ، ولكن ما ذا تصنع الشيعة وهؤلاء يلجئونهم إلى تنظيم خطوط الدفاع لمّا وجدوهم هاجمين عليهم بالمكشوف ، وزاحفين إليهم معلنين لهم القتال ، ولمّا لم يجدوا هناك ممن بيده السّلطة الزمنية من الحكّام المعاصرين من يقف حائلا دون هذا الهجوم المدمّر ، ولم يروا من ينتقم من الزاحفين المعتدين عليهم ، ولا من ضارب على أيدي العابثين بيد من حديد ، كانوا أبعد الفريقين طبعا عن المسئولية التي تستتبعها هذه المنازلة وذلك الدفاع ، بل لا تتحمل شيئا من المسئولية تجاه ذلك الموقف ، بعد أن كانوا مضطرين للدفاع عن أنفسهم وعن قداسة مذهبهم الّذي يحاول هؤلاء أن يدنّسوه بذنوبهم ويلوثوه بأكاذيبهم ، وإلاّ فالشيعة إلى السّلم أجنح منها إلى المناجزة ، وإلى إيثار الدعة أميل منها إلى الدخول في المجادلة ، وحسبك شاهدا على ذلك أقوالهم وأعمالهم في مختلف أزمانهم بمختلف أجيالهم.

٤٤

الفصل الثاني

مباحث في آية الوضوء

آية الوضوء

قال الآلوسي ص : (٢٩) : « فمن مكايدهم يقولون إن أهل السنّة يخالفون القرآن المجيد ، فإنهم يغسلون الأرجل بدل المسح ، والكتاب يدلّ ظاهرا على المسح ، والجواب : أن آية الوضوء تواترت إلينا كسائر القرآن بالقراءات السّبع المتواترة ، تواتر قراءتين منها ثابت بإجماع الفريقين بل بإجماع المسلمين ـ وهما قراءتا ـ النصب والجر في الأرجل ، وقد ثبت في أصول الفريقين أن القراءتين المتواترين إذا تعارضتا في آية واحدة فهما في حكم الآيتين ، وأن الجمع بين الدليلين أولى من إلغاء أحدهما ، وهاهنا كذلك إذ يمكن الجمع بينهما حسب قواعدنا بوجهين :

الأول : بحمل المسح على الغسل ، فإن قال الشيعة يلزم من ذلك الجمع بين الحقيقة والمجاز وهو ممتنع ، قلنا : لا يلزم ذلك ، لأنّا نقدّر لفظ اغسلوا قبل بأرجلكم أيضا ، وإذا تعدد اللّفظ فلا بأس أن يتعدد المعنى ، فالمسح الّذي يتعلّق بالرءوس حقيقي والمتعلق بالأرجل مجازي.

الثاني : أن الجرّ بالجوار وهو بالتنزيل كثير الوقوع ، فتئول قراءة الجرّ إلى قراءة النّصب ، وجوّز سيبويه ، والأخفش ، وأبو البقاء وسائر المحققين من النحاة جر الجوار بالنعت والعطف ، أما النعت فكقوله تعالى : ( عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ ) [ هود : ٢٦ ] فقد جر ( أليم ) بمجاورة ( يوم ) مع أنه نعت للعذاب ، وأما العطف فكقوله تعالى : ( حُورٌ عِينٌ كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ ) [ الواقعة : ٢٢ ـ ٢٣ ] على قراءة حمزة والكسائي ، فإنه مجرور بمجاورة : ( بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ ) [ الواقعة : ١٨ ] مع أنه معطوف

٤٥

على : ( وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ ) [ الواقعة : ١٩ ] وقد وقع هذا الجر في كلام العرب العرباء فلا يلتفت إلى إنكار الزجاج وقوع جرّ الجوار في المعطوف ».

المؤلف : يريد الآلوسي وغيره من المموهين لوجه الحقائق أن يصرفوا آية الوضوء (١) عن وجهها ، ويحملوها على معنى لا صلة بينها وبينه ، لأجل هذه التمحلات الباردة والتمويهات العاطلة التي لا يأتي احتمالها في شيء من كلام أهل العربية فضلا عن مثل الكتاب المنزل ـ لبيان تفهيم الأحكام ـ معجزة لنبوّة سيّد الأنام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وسأوضح لك أيها القارئ ما في هذا الكلام من الخلط والتزوير وعدم الانتظام في طي أمور :

فساد ما قاله الآلوسي في آية الوضوء في طي أمور

الأمر الأول : ( قوله ) : « ومن مكايدهم يقولون إن أهل السنّة يخالفون القرآن ».

فيقال فيه : إن كان ثمة من يقول بوجوب المسح على الأرجل ومخالفة خصوم الشيعة له فهو الله تعالى في محكم كتابه العزيز ، حيث يقول لعباده المؤمنين : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ) [ المائدة : ٦ ] ويفهم من هذا كلّ عربي حتى الغبي منهم أنه تعالى يريد منهم أن يغسلوا وجوههم وأيديهم ، ولا يريد غيره ولو أراد غيره لبيّنه لهم ، ولما لم يرد منهم الغسل فصّل بين قوليه ، فقال : ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) فعلمنا من هذه الآية أنه يريد أن نمسح الرءوس والأرجل ، ولو أراد منّا غسلهما أو غسل أحدهما لعبّر به كما عبّر بالغسل في الآية الأولى حينما أراده ، فكما لا يفهم أحد من الآية الأولى إلاّ غسل الوجوه والأيدي فكذلك لا يفهم من الآية الثانية إلاّ مسح الرءوس والأرجل ، ولا يجوز على الله تعالى أن يقول وامسحوا وهو يريد واغسلوا كما يزعم الآلوسي ، واللّفظ بظاهره لا يدلّ عليه ولا يفيده.

__________________

(١) وهي قوله تعالى في سورة المائدة ، آية ٦ : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ).

٤٦

فهل تراه تعالى ملغزا مغريا بالجهل ويريد غير ما هو الموضوع له من ظاهر كلامه ، وهو قبيح يستحيل على الله تعالى أن يريده ، ولنضرب لك مثلا نشاهد به أنه لا يريد في الآية الثانية إلاّ المسح ، وذلك ما إذا قلت : ( اضرب معاوية وعمرا ، وأكرم عليّا وحسنا ) فإنك لا تفهم من الجملة الثانية أنك تريد ضرب حسن ، وإنما تفهم منها إكرام حسن وإكرام عليّ ، كما لا تفهم من الجملة الأولى إلاّ ضرب معاوية وعمرو ، ولو أردت خلاف ذلك من ظاهر كلامك لعدّك العقلاء من زمرة الملغزين المموهين ، والآية من هذا القبيل لا تريد سوى غسل الوجوه والأيدي في الفقرة الأولى ، ومسح الرءوس والأرجل في الفقرة الثانية ، وليس هناك شاهد على خلاف ما تريده مطلقا لا من ظاهرهما ولا من غيرهما ، فوجب الأخذ به والعمل عليه ، فلا يعدل عن الظهور لأجل التحريف الّذي يرتكبه بعض أهل الزيغ في كتاب الله ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وابتغاء تصحيح غير الصحيح.

الأمر الثاني : قوله : « وهما قراءتا النّصب والجرّ ، وقد ثبت في أصول الفريقين أن القراءتين المتواترتان إذا تعارضتا في آية واحدة ».

فيقال فيه : لا يلزم من تواتر القراءتين وتساويهما في آية واحدة أن تكونا متعارضتين ، وليس بين قراءة من قرأ بالجر وبين من قرأ بالنصب من تعارض حتى يحتاج إلى الجمع العرفي بينهما ـ كما يزعم الآلوسي ـ إذ بتقدير الجرّ فإنه معطوف على ( رءوسكم ) فيجب الاشتراك في الحكم على معنى يجب مسح الأرجل ، لاتفاق أهل العربية على أن الواو تشرك في الإعراب والحكم ، فيثبت حكم المسح الثابت للرؤوس للأرجل أيضا ، وأما بتقدير النصب على قراءة من قرأ به فإنه معطوف على محلّ الرءوس إذ أن محلّها النصب ، والتقدير امسحوا رءوسكم وأرجلكم ، فأين التعارض الّذي يزعم هذا الخرّاص وجوده بين القراءتين ، ولعله إنما ادعى هذا التعارض الموهوم ليجمع بينهما حسبما يهوى وشاء له مذهبه ، وإن كان ذلك مخالفا لما عليه أهل هذا الفن في الجمع بين المتعارضين مطلقا ، لذا تراه يقول بكلّ اطمئنان : ( يحمل المسح على الغسل جمعا ) وقد عرفت عدم التعارض لكي نحتاج إلى الحمل والجمع والصرف والتأويل.

٤٧

وجملة القول : ليس المقام من باب التعارض بعد تسليم تواتر القراءتين وتسليم كون التعارض في قراءة الآية الواحدة في حكم التعارض بين الآيتين ، لوضوح عدم التنافي والتعارض بينهما في شيء ، وأن المتعيّن في كلّ من القراءتين هو وجوب مسح الأرجل.

الأمر الثالث : أما قوله : « يحمل المسح على الغسل » فيرد عليه :

أولا : بالنقض بأن نقول : إذا جاز حمل المسح على الغسل بتقدير اغسلوا قبل بأرجلكم جاز حمل الغسل في الأيدي على المسح بتقدير لفظ امسحوا قبل أيديكم ، وإذا تعدد اللّفظ فلا بأس أن يتعدد المعنى ، ولا يختص ذلك بالآية لو صح شيء من ذلك بل يتعدى إلى غيرها ، فلو قال قائل : قتل زيد وخالد بكرا ، فلا يريد أن خالدا كان شريكا مع زيد في قتل بكر ، ولا يكون قاتلا لبكر مع زيد ولا شيء عليه شرعا ، لأنّا نقدّر كلمة ( أكرم ) قبل خالد ، فالقتل يتعلق بزيد حقيقي والمتعلق بخالد مجازي ، وهكذا كما يزعم ـ الفيلسوف العربي الكبير الآلوسي المهول ـ في لفظ المسح المتعلّق بالرءوس تبعا للأهواء والمشتهيات مما لا يعرفه العرب في محاوراتهم وموارد استعمالاتها ، أللهم إلاّ هذا الآلوسي وأخوه الهندي ، بل لا يذهب إليه أيّ أحد من العرب.

ثانيا : ليس هذا القول من غلطات الآلوسي وحده ، وإنما التقطه من وراء بعض أشياخه من غير تفكير ولا تعقّل ، وهو شيء اخترعه الزمخشري وغيره لما تفطّنوا إلى فساد ما تكلّفوه من العطف للقول بوجوب الغسل ، فاعتذروا عن وقوع عطف الأرجل التي حكمها الغسل على مذهبهم في الآية على الرءوس التي حكمها المسح بأن قالوا : إن المراد بالمسح الغسل وإنما عبّر عنه بلفظ المسح للدلالة على وجوب غسل الأرجل غسلا خفيفا ، هذا تقرير كلام أئمة الآلوسي هذا ، وليس فيهم من يزعم ما زعمه من التعارض بين القراءتين وأنه يحمل المسح على إرادة الغسل ، ولو تفطّن إلى معنى كلامه قبل إيراده لسبق لسانه إلى إختيار ما ذكرنا.

وأما الاعتذار المذكور فهو أشدّ فسادا من العطف على وجوهكم لتصحيح الغسل لكونه من استعمال اللّفظ الواحد ، وهو المسح الموضوع له معنى واحد ،

٤٨

وهو المسح في أكثر من معنى وهو لا يجوز حتى على القول بجواز استعمال المشترك اللّفظي في أكثر من معنى ، وأعطف عليه فساد قوله : ( وإنما عبّر عنه بلفظ المسح للدلالة على وجوب غسل الأرجل غسلا خفيفا ) وذلك لعدم دلالة المسح على وجوب الغسل مطلقا حتى يعبّر به عنه ويريد الدلالة عليه ، لأن المسح هو غير الغسل لفظا ومعنى ، فلا يكون التعبير عن أحدهما تعبيرا عن الآخر ، ولو أراد الغسل لعبّر به أو بما يدلّ عليه ولو بالقرينة ، ألا تراه لما أراد غسل الوجوه والأيدي عبّر به ولم يعبّر بغيره ، وكذا الحال لمّا أراد مسح الرءوس والأرجل عبّر بالمسح لا بغيره ، وإنما عبّر بلفظ المسح للدلالة على أنه يريد معناه المطابقي وهو المسح.

والخلاصة أن المسح غير الغسل لغة وعرفا وشرعا ، ولا يدلّ المسح على الغسل بإحدى الدلالات المنطقية لا بالمطابقة ولا بالتضمن ولا بالالتزام ، والموجود في الفقرة الثانية من الآية هو المسح ، فكيف يا ترى ينقلب إلى الغسل؟! ولأي شيء جاز حمله على الغسل وهو لا يفيده ولا يدلّ عليه ولا يجوز الاعتماد فيه على هوى النفس ، كما لا يجوز أن يقول من له عقل إن الله يقول وامسحوا ويريد اغسلوا ، أو أنه كان عاجزا من أن يقول اغسلوا لو كان يريد الغسل ، أو أن الآلوسي يريد غير ما يريد الله ، وهل إرادته الغسل إلاّ من قبيل : أراد الله المسح وأردت الغسل وحينئذ نقول له : نحن نريد ما أراد الله لا ما أراده الّذين : ( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا ) [ المائدة : ١٣ ] ويتقولون على الله ويكذبون عليه ، وينسبون إليه النقص والعيب ، وهو المستحق لكلّ كمال أنفس ، وكيف يتجرأ من له دين أن يصرف الآية عن معناها ويسلخها عن وجه دلالتها تبعا لهوى النفس ، الأمر الّذي جعله الآلوسي أصلا يسير عليه في كتابه ، لذا تراه يحمل ظواهر الآيات المحكمات ونصوص القرآن الواضحات على خلاف ما يريد الله تعالى من ظاهرها.

الأمر الرابع : قوله : « إن الجرّ بالجوار وهو في التنزيل كثير الوقوع ، فتئول قراءة الجرّ إلى قراءة النصب ».

٤٩

فيقال فيه ، أولا : أن المنصوص عليه عند أهل العربية أن تغيير الإعراب بالمجاورة من الشواذّ الّذي لا يقع في كلام الفصحاء ، مع أنه من القياس في اللغة والقياس فيها باطل ، لأنها مستفادة من الاستقراء فلا يجوز فيها القياس لخروجه عن كلام العرب وعمّا كانوا يستعملونه في كلاهم ، وإذا خرج إلى هذا الحدّ من الشذوذ نظير ما ورد شاذا في نصب الفاعل فيستحيل حمل كلام الله تعالى عليه.

ثانيا : قد صرّح جماعة من اللّغويين بامتناع الإعراب بالمجاورة في كتاب الله ، بل صرّح غير واحد بعدم جوازه مطلقا ومنهم الأخفش ، فإنه صرّح بعدم ورود الإعراب بالمجاورة في كتاب الله فكيف يصح حمله عليه مع إنكار مثل هذا من علماء اللّغة.

ثالثا : إن الإعراب بالمجاورة بتقدير جوازه إنما يسوغ بشرطين ، الأول : عدم وقوع الفصل بحرف الجرّ ونحوه كما ذكروه في الأمثلة ، كقولهم : ( جحر ضبّ خرب ) وذلك بخلاف الآية ، فإن حرف العطف فيها جاء فاصلا بين الجملتين للدلالة على إرادة حكمين كلّ واحد منهما متعلق بموضوعين في الخارج ، الأول : غسل الوجوه والأيدي ، والثاني : مسح الرءوس والأرجل.

الشرط الثاني : عدم وقوع الالتباس في المعنى لدى السّامع كما في المثال ، فإن كون ( خرب ) صفة ( لجحر ) لا ( لضبّ ) يعرفه كلّ من ترعرع قليلا عن رتبة العوام ، بخلاف ذلك في الآية لوقوع الالتباس بالعطف لدى السّامع بين كونه معطوفا على ما يليه أو معطوفا على المعطوف في الجملة السّابقة.

أما على قراءة النصب ، فهو معطوف على محلّ الرءوس ، لأن محلّها النصب على المفعولية وهو كثير الوقوع في كلام الفصحاء ، والقرآن مشحون بذلك ، فيلزم تأويل قراءة النصب إلى قراءة الجرّ كذلك لأنه كثير الوقوع في القرآن ، إلحاقا للفرد المشكوك بالأعمّ الأغلب ، والإعراب بالمجاورة شاذّ نادر بل غير واقع لا كما يزعمون فالجمع الّذي زعمه الآلوسي لتصحيح مذهبه معكوس عليه ومردود على وجهه ، فيقوى حينئذ تأويل قراءة النصب بالجرّ على فرض التعارض لا تأويل قراءة الجرّ بالنصب لشذوذه بل لامتناعه رأسا.

٥٠

الأمر الخامس : قوله « نقدّر لفظ اغسلوا قبل بأرجلكم ».

فيقال فيه : إذا كان التقدير والصرف والتأويل في ظواهر الكتاب الكريم بيد الآلوسي فمتى شاء أن يقدّر قدّر ، وإن كان فيما لا يمكن فيه التقدير بدلالة القرآن ، ومتى شاء ألاّ يقدّر لا يقدّر ، وإن كان فيما يصح فيه التقدير بدلالة الكتاب ، وإذا كان كلّ قول لم يشفع بدليل ولم يعضد ببرهان يستقبله النّاس باحتفال وإجلال إذن فليتبوأ كلّ من الآلوسي وذلك الهندي مقعدا ليشار إليهما بالبنان.

فالآلوسي يرى أن الله تعالى لا يستطيع أن يثبت لفظة اغسلوا قبل أرجلكم لو كان يفيد ما يبتغيه ، أو يرى أنه تعالى لا يستطيع بيانه ، فأوكل أمر بيانه إلى ( شيخ الإسلام ) الآلوسي ، أو يرى أن في الله عيّا من أن يثبت لفظة اغسلوا قبل أرجلكم ليدلّ ـ لو كان فيه دلالة ـ على ما يريده الآلوسي ، ولا شك في أن مثل هذا النوع من التصرف والتأويل في آيات القرآن الكريم يغمز في إيمان صاحبه.

الأمر السّادس : قوله : « وجوّز سائر المحققين جرّ الجوار في النعت والعطف ».

فيقال فيه : أما قوله تعالى : ( عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ ) [ هود : ٢٦ ] فلا ربط له بما نحن فيه لوجود القرينة الحالية فيه ، فإن كون أليم صفة للعذاب لا ليوم يعرفه كلّ عربي ، ومثله لا يصلح أن يكون شاهدا على شيء من ذلك مطلقا ، فكيف يقاس هذا على ذاك وبينهما بون شاسع ، أضف إلى ذلك بطلان القياس في مثل ذلك في اللّغة.

وأما قوله تعالى : ( وَحُورٌ عِينٌ ) [ الواقعة : ٢٢ ] على قراءة من قرأ بالجرّ فمع أن أكثر القرّاء قرأ بالرفع ولم يقرأ بالجرّ غير حمزة والكسائي فليس معطوفا على : ( بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ ) [ الواقعة : ١٨ ] كما توهمه الآلوسي ، فهذا أبو عليّ الفارسي يقول في كتابه الحجّة : هو عطف على قوله تعالى : ( أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) [ الواقعة : ١٩ ـ ١٢ ] ويكون قد حذف المضاف وتقديره أولئك في جنّات نعيم وفي مقارنة حور العين أو معاشرة حور العين.

٥١

الأمر السّابع : قوله : « ولا يلتفت إلى إنكار الزجّاج وقوع جرّ الجوار في المعطوف ».

فيقال فيه : إذا كان لا يلتفت إلى إنكار الزجاج وغيره من علماء اللّغة فأي عاقل يا ترى يلتفت إلى مزاعم الجاهلين كالآلوسي وأخيه الهندي ، ويترك قول هؤلاء العلماء من أهل اللّغة ، ثم لم يكن هذا من قول الزجّاج وحده بل هو قول كثيرين غيره من اللّغويين ، فإنهم صرّحوا بامتناع وقوع ذلك في كلام أحد الفصحاء فكيف بكلام الله تعالى ، فعدم وقوعه فيه أولى ، هذا كلّه فيما إذا كانت الآية داخلة في مورد جرّ الجوار ، أما إذا لم تكن من موارده ـ كما هو الصحيح ـ فلا يكون شاملا لها مطلقا ، فلما ذا إذن كلّ هذا الطنين السّمج والأنين المزعج من الآلوسي حول الآية ، وجلب جرّ الجوار في النعت والعطف عليها وهي واضحة لا غموض فيها ولا التباس ، ويفهم منها كلّ عربي له فهم مستقيم وذوق سليم أنها تريد غسل الوجوه والأيدي ومسح الرءوس والأرجل ، ومن أي يا ترى يفهم العربي من الفقرة المشتملة على الأمر بمسح الرءوس والأرجل أنها تريد مسح الرءوس وغسل الأرجل ، فقل عربيا وأنطق عربيا ولا تقل ما لا تفهمه العرب ، فإن العرب يقولون بامتناع وقوع شيء من ذلك في كلام الفصحاء ، فكيف يجوز وقوعه في كلام الله الّذي لا أفصح منه أبدا مطلقا.

فيما حكاه عن الشيعة في الجمع بين القراءتين

قال الآلوسي في ص : (٢٠) : « وقد ذكر الشيعة في الجمع بين القراءتين وجهين ، الأول : أن تعطف قراءة النصب على محلّ رءوسكم لا على المنصوب السّابق لاستلزامه الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بجملة أجنبية ، فحينئذ حكم الأرجل حكم الرءوس.

الثاني : أن الواو فيه بمعنى مع كقولهم استوى الماء والخشبة.

وفي كلا الوجهين نظر من وجوه ، أما الأول : فلان العطف على المحلّ خلاف الظاهر بإجماع الفريقين ، وقد استدلّوا على خلاف الظاهر بقراءة الجرّ فقد سبق وجه رجوعها إلى قراءة النصب ، على أنها لا تدل على مدّعاهم لاحتمال جرّ

٥٢

الجوار ، وأما ثانيا : فلأن استلزام الفصل بجملة أجنبية إنما يخل إذا لم يكن جملة وامسحوا برءوسكم لها تعلّق بما قبلها ، وأما إذا قلنا إن المعنى وامسحوا بعد الغسل برءوسكم فلا فصل كما هو مذهب أكثر أهل السنّة ، وأما ثالثا : فلأنه لو عطف وأرجلكم على محلّ رءوسكم جاز لنا أن نفهم منه معنى الغسل ، لأن من القواعد المقررة في العربية أنه إذا اجتمع فعلان متقاربان بحسب المعنى جاز حذف أحدهما وعطف متعلق المذكور ، ومن ذلك قول لبيد بن ربيعة العادي :

فعلى فروع الأيهفان وأطفلت

بالجبلتين ظباؤها ونعامها

أي باضت نعامها فإن النعام لا تلد بل تبيض ، إلى أن قال : ومنه قول الأعرابي : علفتها تبنا وماء باردا أي سقيتها ، وأما رابعا : فلأن حمل الواو على معنى مع بدون قرينة لا يجوز ، ولا قرينة هاهنا بل القرينة على خلافه لما تبيّن من وجوه التطبيق هذا ، ولمّا حصل الجمع بين الفريقين ولزم الترجيح رجع المحققون إلى سنّة خير الورى إذ هي المبيّنة لمعاني القرآن المجيد ، إلى أن قال : وقد كان ( عليه الصّلاة والسّلام ) ويتوضأ في اليوم واللّيلة خمس مرات على رءوس الأشهاد لأجل التعليم ، ولم يرو واحد ولو بطريق الآحاد أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسح الرجلين ، إلى أن قال : وقد روى الجميع غسلهما بروايات متواترة ، وقد اعترف بذلك الشيعة إلاّ أنهم يقولون قد روى لنا المسح عن الأئمة ، وما روى أهل السنّة عن أولئك الأئمة فهو محمول على التقية ، هذا مع أن روايات غسل الرجلين عن الأئمة ثابت في كتب الإمامية الصحيحة المعتبرة ، إلى أن قال : ولنذكر ما ورد في كتبهم من روايات غسل الرجلين التي لم يتصدّ أحد منهم للطعن فيها.

فقد روى العياشي ، عن عليّ بن حمزة ، قال : سألت أبا هريرة عن القدمين ، فقال : تغسلان غسلا.

وروى محمّد بن النعمان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إذا نسيت رأسك حتى تغسل رجليك فامسح رأسك ثم اغسل رجليك ، وهذا الحديث أيضا رواه الكافي ، وأبو جعفر الطوسي ، بأسانيد صحيحة ، ولا يمكن حملها على التقية لأن المخاطب شيعي خاص.

٥٣

إلى أن قال : وكلّ ما يروونه في هذه المسألة عن أحد أئمة أهل السنّة فهو إفك وزور ، فقد تبيّن أن هذا الكيد صار في نحورهم ودلّ بمخالفتهم للنصوص القرآنية على كفرهم » انتهى.

المؤلف : الله ما أكذب هذا الرجل وما أقلّ حياءه ، وما أضلّ في تلك المزاعم عقله ، وأنت تراه من خلال هذه المفتريات قد حكم بكفر الشيعة وخروجهم عن الإسلام.

الجواب على أقواله من وجوه

وسنجيبه عن مفترياته وأكاذيبه التي حاول أن يخلب بها أبصار الجاهلين من أتباعه ، وإليك نصّ الجواب من وجوه :

الأول : قوله : « فلأن العطف على المحلّ خلاف الظاهر بإجماع الفريقين ».

منقوض ، بأن العطف على قراءة الجرّ على الوجوه خلاف الظاهر بإجماع الفريقين ، وأما قوله : ( وقد سبق رجوعها إلى قراءة النّصب ) فقد عرفت فساد هذا الرجوع ، وأن الأمر فيه معكوس عليه ومردود على ناصيته ، وأما قوله : ( على أنه لا يدل على مدّعاهم لوجود احتمال جرّ الجوار ) فمدخول مضافا إلى أنه مناقض لزعمه تواتر القراءتين ، على معنى لا يتأتى والحالة هذه احتماله أن وجود احتمال النصب بالعطف على محلّ الرءوس يمنع من رجوع قراءة الجرّ إلى قراءة النّصب ، بل احتمال كونه معطوفا على الرءوس في قراءة الجرّ يؤكد المنع في عدم رجوعه إلى قراءة النصب بالعطف على لفظ الأيدي ، فلا يدلّ على مدّعى الآلوسي في شيء ، والعطف على المحلّ مشهور عند أعلام اللّغة ، بخلاف ذلك في جرّ الجوار فإنه شاذّ لا يلتفت إليه عندهم ، على أن العطف على المحلّ أولى من جرّ الجوار لأمرين :

الأول : القرب ، وهو معتبر في اللّغة ، فإنهم اتفقوا على مثل ضرب عيسى موسى أن الأقرب إلى الفعل هو الفاعل ، وكذلك جعلوا أقرب الفعلين إلى المعمول عاملا ، وهو معلوم من لغتهم ، وفي العطف على لفظ الأيدي تفوت هذه الأولوية الملحوظة بعين الإعتبار في اللّغة.

٥٤

الأمر الثاني : أنه من القبيح في لغة العرب الانتقال من حكم قبل تمامه إلى حكم آخر غير مشارك ولا مناسب له ، بل فيه إغراء بالجهل لظهوره في العطف على ما قبله مع عدم الفصل ، وهذا هو الموافق للعربية الصحيحة الفصيحة ويعرفه كلّ عربي حتى الغبي ، ولا شك في أن كلام الله من أفصح كلام العرب ، كما أن الإغراء بالجهل من سائر النّاس قبيح ، فكيف من اللّطيف الخبير الغنيّ المطلق فإن نسبة ذلك إليه أقبح ، فكيف استساغ هذا الآلوسي حمل كلام الله تعالى عليه.

الوجه الثاني : قوله : « فلأن استلزام الفصل بجملة أجنبية إنما يخلّ إذا لم يكن جملة : امسحوا برءوسكم ، لها تعلّق بما قبلها ».

فيقال فيه : أيّ تعلّق يا ترى يكون بين الجملتين ـ كما يزعم ـ وموضوع الحكم في الجملة الأولى هو غيره في الجملة الثانية ، فإن موضوع الحكم في الجملة الأولى هو غسل الوجوه والأيدي وموضوعه في الجملة الثانية هو مسح الرءوس والأرجل ، فأيّ تعلّق للثانية بما قبلها وأيّة صلة تجدها بين الحكم بوجوب غسل الوجوه والأيدي وبين مسح الرءوس والأرجل وهما مختلفان موضوعا وحكما صغرى وكبرى ، ولو فرضنا جدلا أن جملة امسحوا لها تعلّق بما قبلها فإن شيئا من ذلك لا يرفع غائلة الالتباس ، ولا يزيل الإغراء بالجهل لحكومة الظهور على إرادة مسح الأرجل بمقتضى عطفه على الرءوس المحكومة بوجوب المسح على خلافه.

الوجه الثالث : قوله : « أما إذا قلنا إن المعنى وامسحوا بعد الغسل برءوسكم فلا فصل ».

فيقال فيه : أجل يصح هذا إذا طرح المسلمون مراد الله من ظاهر قوله وأخذوا بقول الآلوسي ، الّذي يأخذ في تأويل الآيات بما يهوى وشاء له هواه ، لذا تراه يقول : إذا قلنا إن المعنى وامسحوا بعد الغسل برءوسكم ، وهل هذا إلاّ عين ما يدّعيه من الآية ، فكيف يصح أن يجعل قوله دليلا على صحة مدّعاه ، وكونه صار مذهبا لأكثر أهل السنّة كما يقول فهو يدلّ على أن هناك الكثير من أهل السنة لا يذهبون هذا المذهب ، ويوافقون الشيعة على مذهبهم ، فيكون ذلك إجماعا من

٥٥

الفريقين ، والحجّة في المجمع عليه بينهم دون ما اختلفوا فيه فإنه لا حجّة فيه ، على أن ذلك مناقض لقوله : وقد روى الجميع غسلهما بروايات متواترة ، فإن وجود الكثير من أهل السنّة المخالف لأكثرهم يمنع من تواترها ، كما أنه مناقض لقوله : ولم يرو واحد ولو بطريق الآحاد أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسح الرجلين ، لأن ذهاب الكثير منهم إلى وجوب المسح يعني وجود روايات كثيرة عندهم يروونها في وجوب المسح كما هو مذهب الشيعة ، ومناقض أيضا لقوله : وكلّ ما يروونه في هذه المسألة عن أحد أئمة أهل السنّة فهو إفك وزور ، لأن اعترافه بذهاب الكثير من أئمة أهل السنّة إلى وجوب المسح يعني وجود ما يروونه في هذه المسألة من الروايات في وجوبه.

فالآلوسي الّذي يكتب ما لا يفهم ، ولا يفهم ما يكتب ، إما أن يقول ببطلان مذهب الكثير من أهل السنّة الذاهبين إلى وجوب المسح خلافا لأكثرهم ، وأن ما يروونه في هذه المسألة فهو إفك وزور ، أو لا يقول ذلك ، فإن قال بالأول فقد أبطل مذهب الكثير من أهل السنّة دون أن يمسّ مذهب الشيعة بشيء ، وإن قال بالثاني فقد أبطل مذهب أكثرهم دون مذهب الشيعة ، وأيّا كان فهو دليل واضح على تناقضه وبطلان مذهبه ، وهب أنه صار مذهبا لأكثر أهل السنّة إلاّ أن ذلك لا يقتضي أن يترك الآخرون قول ربّهم وسنّة نبيّهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله وفعله وتقريره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأجل أن أكثرهم يرون خلافهما ويعملون على العكس من أمرهما ، ولا شك في أن امرأ يختار خلاف ما يختاره الله تعالى ويريده لهو في ضلال مبين.

الوجه الرابع : قوله : « على أنه لو عطف وأرجلكم على محلّ رءوسكم جاز لنا أن نفهم منه معنى الغسل ».

فيقال فيه : من أين يا ترى فهم الآلوسي أنه يجوز من عطف الأرجل على محلّ الرءوس أن يفهم منه معنى الغسل ، ومحلّ الرءوس النصب على المفعولية وحكمها المسح ، والتقدير : ( وامسحوا رءوسكم وأرجلكم ) فلا يفهم منه إلاّ مسح الأرجل؟ وإنما ارتكب الآلوسي هذا الخطأ ليوهم أن الحمل على محلّ الرءوس يفيد معنى الغسل ، ويقابل هذا بأن نقول إن جرّ الجوار في العطف في قوله تعالى :

٥٦

( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ) أيضا يفيد معنى المسح ، فاحتمال إرادة المسح من جرّ الجوار في العطف في الآية يمنع من احتمال إرادة الغسل ، على أن أرجلكم منصوب بنزع الخافض على قراءة النصب وهو كثير الوقوع في القرآن وفي لغة العرب ، فلا يدلّ على كونه معطوفا على لفظ الأيدي ولا يفهم منها الغسل مطلقا.

الوجه الخامس : قوله : « من القواعد المقرّرة في العربية أنه إذا اجتمع فعلان متقاربان بحسب المعنى جاز حذف أحدهما ».

فيقال فيه : كان على الآلوسي أن يذكر لنا ما هي العلاقة بين ما جاء على ذكره هنا وبين محلّ النزاع ، إذ لا حذف في الآية حتى يعطف متعلّق المحذوف على متعلّق المذكور ـ كما زعمه فيما أورده من المثال ـ الأمر الّذي يشهد عليه بأنه يكتب ولا يشعر بما يكتب فهو يكتب بشهوة وعاطفة مذهبية ، لذا تراه يتخبط في بحثه خبط عشواء ، على أنه لا يقاس ما جاء به من المثال على الآية لوجود القرينة فيه وعدمها فيها ، ومن حيث أنه أهمل ذلك ولم يأت على ذكره علمنا أن ذلك من خرصه وتمويهه ، يحاول به تصحيح ما هو باطل بالباطل وهيهات له ذلك.

الوجه السّادس : قوله : « فلأن حمل الواو على معنى ( مع ) بدون قرينة لا يجوز ».

فيقال فيه : أولا : إذا كنت تعترف أن الحمل على خلاف الظاهر بدون قرينة لا يجوز فكيف إذن جاز لك أن تحمل المسح على الغسل في الآية بدون قرينة ، فالآلوسي إما أن يقول بجواز حمل الظاهر على خلاف ظاهره بدون قرينة أو لا يقول به ، فإن قال بالأول ـ وهو قوله ـ بطل قوله الثاني ، وإن قال بالثاني ـ وهو قوله ـ بطل قوله الأول ، وحسبك هذا دليلا على بطلان مذهبه.

ثانيا : متى قالت الشيعة إن الواو في الآية بمعنى مع ـ وإن كانت تفيده ـ وأين قالوا ومن هم الناقلون له ، وأيّ حاجة بهم إلى أن يقولوا بأن الواو فيها بمعنى مع وهي بمعناها تفيد الاشتراك في المعنى والحكم ، وأن حكم المسح الثابت للرؤوس ثابت للأرجل بمقتضاها في اللّغة ، ولقد أثبتت الشيعة غير مرّة أن

٥٧

العطف هاهنا على الأيدي ممتنع لا يجوز المصير إليه لأنه مبطل لقراءة الجرّ للتنافي بينهما ، وقد اعترف الآلوسي بتواتر قراءة الجرّ ، وقوله : والعطف على لفظ الأيدي يؤكد لك كمال المناقضة بين قوليه إذ لا يبقى معه محلّ لقراءة الجرّ ، لأن لفظ الأيدي منصوب لفظا ومحلاّ ، وهذا بخلاف العطف على الموضع ، لأن به يحصل التوفيق بين القراءتين فيتعيّن المصير إليه ، وهذا هو الجمع الصحيح إن كان هناك تعارض بين القراءتين دون ما زعمه هذا الآلوسي.

الوجه السّابع : قوله : « ولمّا حصل الجمع بين الفريقين لزم الترجيح ».

فيقال فيه : لقد أثبتنا أن الآية لا دلالة فيها على إرادة غسل الأرجل ، بل تدلّ بوضوح على وجوب مسحها وحرمة غسلها ، وأن العطف على لفظ الأيدي ممتنع لغة ، والعطف على محلّ الرءوس على قراءة النّصب هو المتعيّن ، ومما يضحك الثاكل الحزين قول هذا الجاهل : ( ولمّا حصل الجمع بين الفريقين لزم الترجيح ) بربّك قل لي أيها الناقد إذا كان يعترف بحصول الجمع بين الفريقين ـ إن أراد به القراءتين ـ فبأي وجه يا ترى يلزم الترجيح ، فإن المرجح إنما يلتمس في ترجيح أحد المتكافئين فيما إذا كانا متعارضين مطلقا ، ولم يمكن الجمع بينهما على ما تقتضيه قواعد فن الجمع بين المتعارضات ، أما مع إمكان الجمع وحصوله ـ كما يزعم هذا الآلوسي ـ فلا يبقى محلّ للترجيح في شيء ، وإن أراد بالفريقين في قوله : ( بين الفريقين ) حصول الجمع والوفاق بين المتخاصمين من أهل السنّة والشيعة في هذه المسألة ، ورجوع أكثر أهل السنّة إلى مذهب الشيعة أو رجوع الشيعة إلى أكثرهم فأقبح فسادا من دعوى حصوله الجمع بين القراءتين ، فإنه ما برح مخالفا لنصّ الكتاب في غسلهما حتى هلك عليه ، ولا زال خصومه موافقين لنصوص القرآن في مسحهما من زمن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة الطاهرين من آله وعصر الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى اليوم ، وما بعده حتى قيام الساعة.

الثامن ما رواه أهل السنّة في وجوب مسح القدمين

الوجه الثامن : قوله : « ولم يرو أحد ولو بطريق الآحاد أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسح الرجلين ».

٥٨

فيقال فيه : من أين لك أيها الخرّاص أنه لم يرو أحد أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسح على الرجلين ، إذ لا يجوز لك أن تنفيه وأنت لم تحط به خبرا ، وإذا فعلت ذلك نفيت أشياء كثيرة واردة والجهل بالشيء لا يكون علما بعدمه فكيف ينفي ذلك مع وروده ، أما الشيعة فإنهم يروون عن أئمتهم أعدال كتاب الله وجوب مسحهما ، ولم يرد من طريقهم ما يدلّ على الغسل مطلقا ، وما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته عليهم‌السلام ليخالفوا كتاب الله وهم يتّبعون سوره ويقتفون أثره ، وللشيعة برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأسوة الحسنة.

وأما أهل السنّة فقد روى جماعة من أعلامهم وجوب مسحهما ، وأن الأمين جبرائيل عليه‌السلام نزل من عند الله تعالى بمسحهما وأبى الناس إلاّ غسلهما ، لذا ذهب جماعة كثيرة من علماء أهل السنّة إلى وجوب مسحهما (١) وقد اعترف الآلوسي بذلك ، حيث قال : ( إن وجوب الغسل هو مذهب أكثر أهل السنّة ) وهو يرشد إلى أن الكثير من أهل السنّة ذهبوا إلى وجوب المسح فراجع ( ص : ١٢٤ ). من الجزء الأول من المسند للإمام عند أهل السنّة أحمد بن حنبل ، وفيه : ( أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسح على ظاهر القدمين ) وفعله حجّة لا فعل غيره ، والحجّة في هذا لأنه متفق عليه بين الفريقين ، وما كان مخالفا له فهو شاذّ لا يلتفت إليه ، وإن صار مذهبا للآلوسي وغيره ، وفي الحديث : ( يد الله مع الجماعة ، فمن شذّ فإلى النّار ) (٢).

وقد ذهب جماعة من الصحابة وغيرهم إلى وجوب مسح القدمين ، فمنهم : سيّد الأئمة من آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وابن عباس ( حبر الأمة ) وأنس بن مالك ، وبه قال أبو العاليه ، وعكرمة وذهب جماعة إلى التخيير بين المسح والغسل ، منهم : ابن جرير الطبري ، وأبو الحسن البصري ،

__________________

(١) تجد ذلك في ( ص : ١١٨ ) من الجزء الثاني من ميزان الشعراني من الطبعة الثالثة سنة ( ١٣٤٤ ه‍ ).

وفيه يقول : إن جماعة كثيرة من علماء أهل السنّة ذهبوا إلى وجوب المسح على القدمين.

(٢) أخرجه الترمذي في سننه ( ص : ٣٩٠ ) من جزئه الثاني ، والسيوطي في جامعه الصغير ( ص : ١٧٨ ) من جزئه الثاني ، مقتصرا على قوله : ( يد الله مع الجماعة ) ومعناه ثابت الصحّة على ما في سنن الترمذي.

٥٩

وقد صرّح السّخاوي من أكابر علماء أهل السنة في شرحه على المنظومة للجزري : أن المعتمد أن ليس في مسند أحمد بن حنبل شيء موضوع ، ويقول السيوطي ـ من شيوخ أهل السنّة ـ في الدر المنثور ( ص : ٢٦٢ ) من جزئه الثاني ، في تفسير آية الوضوء في سورة المائدة ، مرفوعا : إن رسول الله قال : ( لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله ، يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ، ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين ) وفيه عن ابن عباس : ( الوضوء غسلتان ومسحتان ) وفيه عن ابن جرير ، عن الشعبي قال : ( نزل جبريل بالمسح على القدمين ) وفيه عن ابن عباس ، قال : ( أبى النّاس إلاّ الغسل ، ولا أجد في كتاب الله إلاّ المسح ) وهكذا أخرجه ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري في شرح حديث البخاري ( ص : ١٨٧ ) من جزئه الأول ، فراجع ثمة حتى تعلم أن وجوب مسح القدمين ثابت عند الفريقين.

ولكن الآلوسي وغيره من المتطفلين على الإسلام المنتحلين لبعض أحكامه أبوا إلاّ الغسل ، إنكارا على الله وجحودا لوحيه وخلافا لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإذا كان هذا كلّه ثابتا في صحيح أهل السنّة ، وقد فعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته عليهم‌السلام والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين أتبعوهم بإحسان ، وفعله كثيرون من علماء أهل السنّة فلا يهمنا بعد ذلك أن ينكره الآلوسي.

الشيعة لم ترو رواية الغسل

الوجه التاسع : قوله : « وقد روى الجمّ الغفير غسلهما بروايات متواترة ».

فيقال فيه : متى روى الشيعة ذلك وأين روته؟ وفي أي كتاب سطّرته؟ ومن هم الناقلون له؟ فهذه أسئلة يجب الجواب عنها ، ولما أهمل الجواب عنها ولم يأت بغير الكلام الفارغ علمنا أن ذلك من كذبه وزوره ، والحق الّذي لا ريب فيه أنه لم يرو أحد من الشيعة عن طريق أهل البيت عليهم‌السلام ما يدلّ على غسل الأرجل ، وإنما المروي عنهم وفي كتبهم ـ سواء في ذلك الحديث أو التفسير عن أئمتهم عليهم‌السلام ـ هو وجوب مسحهما وأن غسلهما بدعة.

الوجه العاشر : قوله : « واعترف الشيعة بذلك ».

٦٠