الآلوسي والتشيع

السيد أمير محمد القزويني

الآلوسي والتشيع

المؤلف:

السيد أمير محمد القزويني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: محمّد
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٥

اللاَّعِنُونَ ) كما في آية (١٥٩) من سورة البقرة ، وقد عرفت أن حديث نزولها في عليّ عليه‌السلام كان من المتفق عليه بين المفسّرين من أهل السنّة والشيعة ، وإنّما تفرّد برواية نزولها في أبي بكر (رض) عكرمة وهو العدوّ الألدّ للأمير عليه‌السلام وقد طعن فيه أئمة الجرح والتعديل وقالوا فيه أنه كذوب ، وكان لا يحسن الصّلاة ، ويكذّب على عبد الله بن عباس ، وكان على رأس الخوارج ، ويميل إلى استماع الغناء ، ودخل في مذهب الخوارج فراجع ترجمته في معجم ياقوت وص : ( ٢٠٨ ـ ٢٠٩ ) من ميزان الاعتدال للذهبي من جزئه الثاني كما مرّ ، لتعلم ثمة سقوطه عن درجة الإعتبار عند علماء الدراية والرجال من أهل السنّة ، وأن حديثه لا يساوي عندهم قدر شعرة ، فكيف يتجرأ مسلم أن يعدل عمّا أجمع المسلمون عليه من نزولها في عليّ عليه‌السلام خاصّة إلى رواية تفرّد بنقلها عكرمة الكذوب الخارجي عدوّ الوصيّ وآل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

الحادي عشر : قوله : ( ولا يعد المحدثون من أهل السنّة روايات الثّعلبي قدرة شعيرة ).

فيقال : أما الثّعلبي فهو أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبي النيشابوري المفسّر المشهور ، وهو من أعاظم أئمة أهل السنّة وأفذاذ رجالهم ، لذا قال ابن خلّكان في وفيات الأعيان ص : (٢٢) من جزئه الأول ( أحمد الثعلبي ) كان أوحد زمانه في علم التفسير ، وصنّف التفسير الكبير الّذي فاق غيره من التفاسير ـ إلى أن قال ـ قال أبو القاسم القشيري : رأيت ربّ العزّة في المنام وهو يخاطبني وأخاطبه ، فكان في أثناء ذلك أن قال الربّ تعالى : أقبل الرجل الصالح ، فالتفت فإذا أحمد الثعلبي مقبل ).

ويقول النووي في شرحه لصحيح مسلم ص : (٧٧) من جزئه الأول : ( إن أبا إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبي كان إماما من الأئمة ، انتهى ) (١) نقله بالمعنى فراجع ثمّة حتّى تعلم كذب الآلوسي وخرصه ، وأنه لم يتجرأ على إمامه

__________________

(١) في باب صدق الإيمان وإخلاصه.

٤٠١

الثّعلبي هذه الجرأة إلاّ لأنه روى حديث نزول الآية في عليّ عليه‌السلام في تفسيره ، ولمّا كان نزولها في الأمير يخالف فكرته الخارجية رمى إمامه بالدجل وقال فيه إنه لا يميّز بين الرطب واليابس.

أما عكرمة الخارجي الكذّاب الّذي لا يحسن الصّلاة فقد تلقّى روايته بالقبول ، لأنه روى حديث نزولها في أبي بكر (رض) ونسب نزولها إلى الجمّ الغفير ، مع أن الراوي له عكرمة وحده ، ولو كان الأمر معكوسا لانعكس أمره عند الآلوسي ، ولو جاهر بالحقيقة فقال إني أبغض عليّا عليه‌السلام وبنيه عليه‌السلام ولا اعترف بهم بشيء من الفضل لأراح نفسه واستراح من سرد هذه المفتريات.

لفظ الوليّ في الآية بمعنى الأولى بالتصرّف

الثاني عشر : قوله : ( إن لفظ الوليّ مشترك فيه المعاني ، ولا يمكن أن يراد من المشترك معنى معيّن بلا قرينة ).

فيقال فيه : أولا : إن المعنى الشائع المنصرف إليه الإطلاق من لفظ الولي هو مالك الأمر فوليّ الصغير من يملك أمره ، ووليّ المرأة من يملك أمر نكاحها ، ووليّ الأمر من له المطالبة بالقود ، ووليّ المقتول من له القصاص ، ووليّ العهد من يملك عهد السلطنة وهذا واضح عند من له أدنى فهم بلغة العرب وما تستعمله في كلامها وما تنطق به في محاوراتها ، فالوليّ بمعنى الأولى والأحقّ هو الظاهر المتبادر من هذه اللّفظة عند إطلاقها فهو الّذي يتعيّن الأخذ به لا سواه.

ثانيا : إن القرينة على إرادة الأولى والأحقّ من لفظ الولي في الآية ثابتة في منطوقها من وجهين :

الأول : لمّا كان إسناد الوليّ في قولنا وليّ الصغير ووليّ المرأة ووليّ العهد ونحوها قرينة عند أهل العرف على إرادة مالك الأمر على وجه لا يحتمل أحد من أهل اللّسان إرادة الحبّ أو الناصر في تلك الجمل ويحكمون جازمين بإرادة مالك الأمر ، فكذلك إسناد الوليّ إلى من كانت له السّلطة الثابتة شرعا أو عرفا قرينة قطعية عندهم على إرادة مالك الأمر ، لذا تراهم لا يفهمون من قولك : ( وليّ

٤٠٢

الرعيّة السّلطان ووليّ عهده والقائم مقامه ) إنك تريد المحبّ أو الناصر ، بل يحكمون قاطعين أنك تعني مالك الأمر لا سواه.

فالوليّ في الآية من هذا القبيل ، وذلك لأن سلطان الله تعالى ثابت على الخلائق أجمعين بالضرورة عقلا ، وكذلك سلطان رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الأمة جميعا من حيث رسالته وخلافته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الله تعالى ، وإذا تسجّل هذا لديك تعيّن الوليّ في الآية بمالك الأمر ، وأن عطف ولاية الّذين آمنوا الّذين يقيمون الصّلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون على ولاية الله تعالى أو على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرينة قطعية على إرادة اشتراك المعطوف مع المعطوف عليه في الحكم كما يقتضيه العطف ، وحينئذ فيلزم أن تكون الولاية الثابتة لمن آتى الزكاة في حال الركوع هي عين الولاية الثابتة لله تعالى ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي الولاية بمعنى الأولوية والأحقّية وملك الأمر بالتصرف في شئون الناس كافة.

الثاني : إن أداة الحصر وهي كلمة : ( إنّما ) المفيدة للحصر باتفاق أهل اللّغة قرينة قطعية على أن الآية تريد من الوليّ من له السلطة وولاية الأمر وأولوية التصرف لا سواه من المعاني لو صح شيء منها من لفظ الوليّ في منطوقها ، وذلك لأن غيرها من المعاني غير منحصرة في الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين فيها بل يتعدى إلى غيرهم من المؤمنين أجمعين.

لا قرينة في سياق الآية على إرادة المحبّ من الوليّ

الثالث عشر : قوله : ( والقرينة من السّياق وهو ما بعده هذه الآية تعيّن إرادة المحبّ ).

فيقال فيه : إنّ الآية بحكم الوجدان مفصولة عمّا قبلها من الآيات الناهية عن اتخاذ الكفار أولياء ، ومجرد كون الولي في آية أخرى سابقة أو لاحقة مفصولة عن هذه الآية بمعنى المحبّ لا يستلزم أن يكون معنى الوليّ في آية الولاية بمعناها إطلاقا لعدم الملازمة بينها وبين الآية ، بل المناسب لسابقها ولاحقها أن يكون معنى الولي في هذه الآية بمعنى ولي الأمر والأولى والأحق بالتصرف في الأمور

٤٠٣

فهي ترشد المؤمنين إلى ولي أمركم هو الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنون الموصوفون بإيتاء الزكاة حال الركوع ، وأنتم أيها الناس كلّكم تحت ولاية أمرهم ، ولا يجوز لكم الإختيار في اتخاذ المودّة بينكم وبين الكافرين بهم سواء في ذلك أهل الكتاب أو غيرهم ، وعليكم بالطاعة لمواليكم وامتثال أمرهم والانتهاء بنهيهم ، فالآية فيها من التأكيد للنهي في السّابق واللاّحق من الآيات ما لا يخفى على أولي الألباب ، كما أن وجود القرينة القطعية في هذه الآية على إرادة الأولى بالتصرف لا سيما وقد انضم إلى ذلك ما لا يمكن الترديد في إرادة الأولى والأحق بالتصرف وهو ولاية الله تعالى لأوضح دليل على إرادة الولاية العامة في كلّ شيء ، وقد عرفت أن ولاية الله تعالى عامة فكذلك الحال في ولاية النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والوليّ عليه‌السلام والتفكيك مخالف للحصر ومخالف للسياق ولنصّ الآية وموجب لبطلانها.

إرادة المحبّ من الوليّ في الآية تضر الآلوسي

ولو سلّمنا جدلا أنها تريد بالولي المحبّ ومع ذلك فهو يستلزم الإمامة لقوله تعالى : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) [ آل عمران : ٣١ ] وتعني هذه الفقرات الكريمة بمقتضى ( إن ) الشرطية عدم تحقق المحبّة بدون الطاعة ، فعليّ عليه‌السلام واجب المحبّة مطلقا ، وكلّ واجب المحبّة مطلقا واجب الطاعة مطلقا ، وكلّ واجب الطاعة مطلقا صاحب الإمامة فعليّ عليه‌السلام صاحب الإمامة.

ودليل الصغرى آية الولاية وآية المحبّة دليل الكبرى في القياس ، ولو تفطّن الآلوسي إلى هذه النتيجة لاختار للآية معنى آخر لا تمت إليها بصلة لئلاّ تدلّ على خلافة عليّ عليه‌السلام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ أنه وجد من كان قبله يقول إن الولي في الآية بمعنى المحبّ ، فقال بمقالته تقليدا وبدون أن يشعر بهذه النتيجة الحاصلة مما عيّنه من إرادة المحبّ من الوليّ فيها ، وهو ما تقدّم ذكره من ثبوت إمامة عليّ عليه‌السلام بنصّ ما عيّنه من معناها فتأمل.

الرابع عشر : قوله : ( وثالثا : إن العبرة بعموم اللّفظ فمفاد الآية حصر الولاية لرجال معدودين ).

٤٠٤

فيقال فيه :

أولا : إن إرادة العموم موجبة لإبطال الوصف الثابت في الآية وهو إيتاء الزكاة حال الركوع وهو باطل ، ولأنه يلزم أن يكون من شرط المؤمن إيتاء الزكاة حال الركوع وبطلانه واضح ، فإرادة العموم للمؤمنين أجمعين كما يزعم باطلة.

ثانيا : إن إرادة العموم لا تجدى الآلوسي فتيلا ، وذلك لعدم دخول من يريد الآلوسي إدخالهم في الآية لخروجهم عنها ولا دليل له على دخولهم فيها إطلاقا إذ لا ولاية لهم على أحد البتة ، على أن من الجائز أن يكون الإتيان بصيغة الجمع لأجل التعظيم للّذين آمنوا وهو عليّ عليه‌السلام وهو كثير الوقوع في القرآن الكريم فلا يفيد العموم لا سيّما بلحاظ ما ورد في نزولها فيه عليه‌السلام كما يجوز أن يكون الإتيان بلفظ الجمع للدلالة على لزوم تعدد الإمام ، فيكون معناها مطابقا لحديث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المتواتر بين الفريقين بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( يكون بعدي إثنا عشر خليفة كلّهم من قريش ) الّذي قد عرفت عدم انطباقه إلاّ على الأئمة الاثني عشر من أهل البيت عليهم‌السلام لا سواهم مطلقا.

ثالثا : إن إرادة العموم موجبة لبطلان معنى الآية ، وذلك لأن قوله تعالى : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ ) يقتضي قطعا أن مرجع الضمير في : ( وليّكم ) المؤمنون أنفسهم ، فلو كان يريد العموم كما يزعم الخصم لزم أن يكون معنى الآية هكذا : ( إنما ولي المؤمنين المؤمنون ) فيكون من إسناد الشيء إلى نفسه ، وهو محال باطل لا يجوز حمل كلام الله عليه.

الخامس عشر : قوله : « فحمل الجمع على الواحد متعذر وحمل العام على الخاصّ خلاف الأصل ».

فيقال فيه : إنه مردود من وجهين :

الأول : ما تقدم من إن إرادة جميع المؤمنين بمقتضى العموم تعنى حمل الآية على إرادة المحال وهو معلوم البطلان.

الثاني : إنما يتعذر حمل الجمع على الواحد ويكون حمل العام على الخاص خلاف الأصل إن لم يكن ثمة قرينة توجب حمله على الواحد أو لا يوجد خصوص

٤٠٥

يقتضي حمل العام عليه ، أما مع القرينة والخاص فهو المتعيّن عند الراسخين في العلم ، وقد عرفت وجود الخاص والقرينة فلا محالة أنه متعيّن فيه لا في غيره.

السّادس عشر : قوله : ( أين ذكرت هذه الآية أن التصدق لم يكن من أحد غير عليّ عليه‌السلام ).

فيقال فيه : إنّما ذكر ذلك أعاظم أعلام أهل السنّة في تفاسيرهم وأخرجوه في صحاحهم ، وأنه لم يتصدّق يومئذ أحد غير عليّ عليه‌السلام وكان ذلك هو السبب في نزول الآية فيه عليه‌السلام ومن لا يدري أين ذكرت هذه القصة لا ينبغي له أن يبني على عدم درايته علما ومن يدري حجّة على من لا يدري وجهلك بذلك لا يكون علما بخلافه ، وإذا كانت الآية لم تأت على ذكر المتصدّق باسمه ونعته فقد جاء حديث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ذكره وتعيينه بما أخرجه حفاظ أهل السنّة ، وقال تعالى : ( وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ) [ الحشر : ٧ ] فهو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّذي ذكر أن التصدّق لم يكن يومئذ من أحد غير عليّ عليه‌السلام لذا فلا يجوز لمسلم أن يعدل عنه إلى غيره.

وإذا كان هذا ثابتا في صحاح أهل السنّة فلا يهمنا بعد ذلك أن ينكره الآلوسي وغيره من المبغضين للوصيّ وآل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

استعمال الركوع بمعنى الخشوع في القرآن لا يوجب

إرادة الخشوع من الركوع في آية الولاية

السابع عشر : قوله : ( الركوع بمعنى الخشوع مستعمل في القرآن ).

فيقال فيه : إنه مردود من وجوه :

الأول : إن استعمال الركوع بمعنى الخشوع خلاف الأصل الموضوع له من المعنى في اللّغة ، فإطلاق أحدهما لا يفيد معنى الآخر إلاّ مع القرينة وهي مفقودة في الآية.

الثاني : إن استعمال الركوع بمعنى الخشوع في القرآن مع القرينة في بعض الآيات لا يقتضى حمل الركوع المستعمل في غيرها بمعناه الحقيقي المتبادر منه عند إطلاقه على الخشوع بلا قرينة ، لذا فلا يصح العدول في الآية عن معناه

٤٠٦

الحقيقي الموضوع له في اللّغة وهو الانحناء كالهيئة المرعية في الصّلاة شرعا إلى معنى الخشوع لأنه لا يفهم منه ولا يفيده.

الثالث : إن الأمر في آية الولاية معكوس على الآلوسي ، وذلك لوجود القرينة في الآية على عدم إرادة الخشوع من الركوع ، وهي قوله تعالى : ( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) فيكون المعنى الّذين يؤتون الزكاة حال ركوعهم في الصّلاة ، والركوع في الصلاة هو الانحناء المرعي فيها في الشريعة وهذا ما يفهمه كلّ عربي عرف لسان العرب وعرف ما تستعمله في كلامها ، كما أن إجماع المفسّرين القائم على أنه عليه‌السلام أعطى السّائل خاتمه وهو راكع في صلاته قرينة أخرى على عدم إرادة الخشوع من ظاهر لفظ الركوع.

الرابع : لو سلّمنا جدلا أن الآية تريد من الركوع الخشوع ومع ذلك فلا يدخل فيها من يريد الآلوسي إدخالهم ، إذ لا نسلّم له أنهم من الخاشعين حتّى يكونوا من أفرادها ، ومهما تكلّف الآلوسي في صرف الآية بالتأويل عن وجه دلالتها وسبب نزولها تبعا للهوى لإثبات دخول أئمته فيها ، فلا يجد به نفعا بعد أن كان ذلك كلّه منطوقا ومفهوما لا يتفق مع مزعمته أبدا.

ما زعمه من التناقض والتخالف في إرادة عليّ عليه‌السلام من الوليّ في آية الولاية

الثامن عشر : قوله : ( ولا يجوز حمل كلام الله على التناقض والتخالف ).

فيقال فيه : كان على الآلوسي إن يذكر لنا موردا واحدا من التناقض والتخالف توجبه إرادة عليّ عليه‌السلام من الوليّ في الآية ، ولو صح ما زعمه لزمه أن يقول إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان جاهلا بمعنى هذا التناقض والتخالف ، فحمل كلام الله عليهما إذ نصّ على أن الوليّ في الآية بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو عليّ عليه‌السلام فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بزعم الآلوسي ما كان يعلم بهذا التناقض الّذي علمه هو فامتنع من حمل كلام الله عليه دون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعلم به ولكنه أراد أن يحمل كلام الله عليه بتنصيصه بالولاية فيها على عليّ عليه‌السلام بعده وهل هناك كفور أعظم من هذا الكفور.

٤٠٧

والغريب من هذا الآلوسي أنك تراه يزعم أن إرادة عليّ عليه‌السلام من الولي في الآية توجب حمل كلام الله على التناقض والتخالف على زعمه دون أن يشعر إلى ما زعمه هنا في عليّ عليه‌السلام بعينه يأتي على زعمه : ( وقد روى الجم الغفير نزول الآية في أبي بكر ) فإرادة عليّ عليه‌السلام من الولي عند الآلوسي توجب حمل كلام الله على التناقض والتخالف ، أما إرادة أبي بكر (رض) فلا توجب شيئا من ذلك عنده.

وهل يا ترى هناك تناقضا وتعصّبا أعمى للباطل أقبح من هذا ، ومن ثم فإنه يرد عليه كلّ ما زعمه واردا على تفسير الآية في عليّ عليه‌السلام أللهمّ إلاّ أن يخصصه بغض الوصيّ وآل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم أن إيتاء الزكاة في الصّلاة لا ينافي الصّلاة مطلقا ، لأن الزكاة عبادة دخلت في عبادة أخرى ، وتداخل العبادات بعضها في بعض شيء جاءت به الشريعة ورجحته في كثير منها.

وأما قول الخصم : ( إن ذكر الزكاة بعد إقامة الصلاة مضر لكم لأن المراد بالزكاة الزكاة المفروضة لا الصدقة ).

فيقال فيه : إنه مردود لوجهين الأول : إن حمل الزكاة على إرادة خصوص الزكاة المفروضة من التصرف في عموم الآية بلا قرينة وهو باطل ، والزكاة في منطوقها أعمّ من المفروضة فتخصيصها بالمفروضة تخصيص بلا مخصص وهو باطل.

الثاني : لا دلالة في الآية على أن الزّكاة التي أعطاها الأمير إلى السّائل كان من التصدّق المندوب ، ولفظ الصدقة يعم المندوبة وغيرها ، والصدقات هي عين الزكوات المدلول عليها في القرآن بقوله تعالى : ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ) [ التوبة : ٦٠ ] والآية تعني الزكوات المفروضة ، وقياس الآلوسي قول الله تعالى في الآية على قول القائل : ( إنما يليق بالسّلطنة من بينكم من له ثوب أحمر ) من أقبح القياس الموجب لإسقاط كلام الله وحمله على اللّغو ، وذلك فإن إيتاء الزكاة حال الركوع فضيلة لعليّ عليه‌السلام لم تكن لسواه لوقوعها في خير مواضعها حتى أنزل الله تعالى فيه قرآنا ، وربّ صفة تعلو بصاحبها إلى ما شاء ربك ومن

٤٠٨

ذلك هذه الصفات التي اتصف بها إمام الأمة وخليفتها الأول بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكيف يجوز للآلوسي أن يقيس هذا على ذاك ويحمل كلام الله تعالى لأجله على اللّغو والجزاف ، نعوذ بالله من البغي والنفاق.

لا تعارض بين آية الولاية وبقية الآيات الدالّة على إمامة الأئمة الأطهار عليهم‌السلام

التاسع عشر : قوله : ( إن هذه الآية وإن كانت دليلا على حصر الولاية في عليّ عليه‌السلام لكن يعارضها الآيات الدالّة على إمامة الأئمة الأطهار ).

فيقال فيه : إن التعارض يعني تنافي الدليلين من جميع الوجوه على وجوه لا يمكن التوفيق بينهما ويكون العلم بصدق أحدهما كذب للآخر ، ومن المستحيل أن يكون شيء منه واقعا في كتاب الله فإن كتاب الله كلّه صدق صدق كلّه ، فكيف يجوز أن يقع فيه شيء من التعارض بين آياته كما يزعم الخصم الّذي لا يفهم معنى التعارض ولا يدري ما هو فينسب إلى كتاب الله ما لا يجوز لمسلم أن ينسبه إليه ، وبعد فإن تلك الآيات الدالّة على إمامة الأئمة الأطهار عليهم‌السلام لا تصادم آية الولاية ، وليس بينهما تعارض مطلقا لورودها في جهة وورود تلك في جهة أخرى لا دخل لإحدى الجهتين بالأخرى ، فهما مختلفان موضوعا ومحمولا ومع اختلاف الموضوع في الدليلين فلا تعارض في البين.

وإن أراد التعارض بينهما لمكان الحصر في آية الولاية فمردود بما تقدم ذكره من صحة حصر الولاية في المترتب عليه في السلسلة الطولية لرجوع ولاية المترتب إلى ولاية عليّ عليه‌السلام وليست هي في عرضها حتى ينافيها.

عدم وجود آية فضلا عن آيات في خلافة الخلفاء الثلاثة (رض)

العشرون : قوله : « وتلك الآيات المعارضات هي الآيات الناصّة على خلافة الخلفاء (رض) ».

فيقال فيه : لو كانت هناك آية فضلا عن آيات في خلافة الخلفاء الثلاثة لاحتج بها أبو بكر (رض) يوم السّقيفة على من نازعه في الخلافة ، ولكان اللاّزم

٤٠٩

عليه أن يوردها لهم بدلا من أن يقول لهم : ( نحن الأمراء وأنتم الوزراء ) فإنه كان يومئذ في أمسّ الحاجة إليها لو كانت نازلة في خلافته ، بل لو كانت لأوردها أولياؤه في السّقيفة تقربا له ، ولو كان هناك آيات في خلافتهم فلما ذا لم يذكرها أبو بكر (رض) حينما استخلف عمر (رض) من بعده وقد قالوا له : ( ما أنت قائل لربّك إذا سألك عن تولية عمر علينا وقد ترى غلظته ، فقال أبو بكر : بالله تخوفني ، أقول اللهم استخلفت عليهم خير أهلك ، فإن عدل فذلك ظني فيه وعلمي به ، وإن بدّل فلكلّ امرئ ما اكتسب ، والخير أردت ولا أعلم الغيب ) (١).

فأين عنه تلك الآيات المزعومة في خلافته ليدلي بها عليهم ويذكرها لهم إن كان ثمة آيات كما يزعم الآلوسي ، بل لو كانت هناك آية فضلا عن آيات ناصّة على خلافة عمر (رض) ـ كما يزعم ـ لكان المناسب أن يجيب ذلك القائل بها لا بغيرها ، وكان عليه أن يقول لو صح شيء منها في خلافته : ( ليس لي بدّ من استخلافه عليكم ، لأن الله أنزل في استخلافه عليكم آيات ، ونصّ بها عليه بالخلافة ).

ومن حيث أن أبا بكر (رض) لم يقل ذلك وقال : ( استخلفت عليهم خير أهلك فإن عدل أو بدل ) الدالّ على ترديده الموجب لشكّه فيه والمنصوص عليه من الله طبعا لا يمكن أن يقع الشكّ والترديد فيه إطلاقا ، علمنا أن ما زعمه الخصم من الآيات في خلافته كذب وافتراء ، ولا جائز على الخلفاء ألاّ يعلموا بتلك الآيات الناصّة على خلافتهم فيتركوها وهي أقوى سلاح لهم في إثباتها ، أو ينسوها فلا يذكروها ويعلم بها الآلوسي ولا ينساها ، كما لا يجوز عليهم ألاّ يعرفوا وجه دلالتها وأنها لا تريد واحدا منهم أبدا فلم يذكروها وعرف ذلك الآلوسي فزعم دلالتها على خلافتهم (رض) وإذا كان الخلفاء (رض) لم يعرفوا وجه دلالتها فأعرضوا عنها فلا جائز على أهل السّقيفة ألاّ يعرفوا ذلك فلا يذكروه مع قربهم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإذا بطل هذا بطل ما زعمه الخصم من الآيات في خلافتهم (رض).

__________________

(١) هكذا سجله الهيتمي في ص (٨٧) في الفصل الثاني من الباب الرابع في خلافة عمر بن الخطاب (رض) من الصواعق المحرقة لابن حجر.

٤١٠

وأما خلافة عثمان فأثبتوها بزعمهم بالشورى التي ابتكرها الخليفة عمر (رض) ولم يذكر أحد نزول آية في خلافته فضلا عن نزول آيات فيها كما يزعم (١).

فالآلوسي يورد الآيات ويزعم أنها ناصّة على خلافة الخلفاء (رض) والخلفاء أنفسهم (رض) لا يعرفون شيئا من أمرها ولم يأتوا على ذكر آية واحدة منها في إثبات خلافتهم ، فهو ينسب الجهل بتلك الآيات إلى الخلفاء (رض) فيطعن فيهم طعنا صريحا ويفتري عليهم افتراء فظيعا ، فيعزى إليهم ما يجهلون ، كما نسب الجهل إلى الصحابة جميعا بمفهومها ووجه دلالتها ، لأن واحدا منهم لم يقل عند ما احتدم النزاع في السّقيفة : ( لما ذا تتنازعون وهذه الآيات التي أوردها الآلوسي ناصّة على خلافة أبي بكر (رض) تمنعكم من التنازع وتوجب عليكم الخضوع لها والتسليم لأمرها ) ومن حيث أن شيئا من ذلك لم يقع إطلاقا علمنا أن ما ادعاه الآلوسي من الآيات الناصّة على خلافة الثلاثة كذب وانتحال لا أصل له حتى عند الخلفاء الثلاثة (رض).

بطلان الإحتجاج بغير المسلّم ثبوته

والغريب من الآلوسي ـ وإن كانت مزاعمه كلّها غريبة ـ أنك تراه تارة يزعم :

( أن الإحتجاج بالآيات أو الأحاديث لا بدّ وأن تكون مسلّمة الثبوت عند الخصم لأن الغرض من إقامتها إلزامه بما هو حجّة لديه وعليه ) وأخرى كما تراه هنا يحتج بآيات يزعم أنها ناصة على خلافة الخلفاء (رض) مما لا تعرفه الشيعة وتطعن أشدّ الطعن فيه ، بل يحكمون بكذب كلّ حديث تفرّد به خصومهم في فضل الخلفاء الثلاثة (رض) ويعتقدون أن كلّ آية أو رواية زعموا نزولها أو ورودها فيهم (رض) هي من وضع أوليائهم فيهم تعصبا لهم لا سيّما عصر معاوية بن أبي سفيان وغيره من الأمويّين والعباسيّين ، ذلك العصر المظلم بغياهب الظلم والفساد والتعصب والعناد والسّجون والإرهاب فكيف يسوغ له الإحتجاج بذلك عليهم وهم يتبرءون منه ، وناهيك بتناقضه هذا دليلا على جهله بأصول المناظرة.

__________________

(١) تجد قصة الشورى في ص ١٠٣ ـ ١٠٤ ، في الباب السادس في خلافة عثمان بن عفان (رض) من الصواعق المحرقة لابن حجر.

٤١١

فظهر من جميع ما تلوناه عليك سلامة الآية عن المعارض مطلقا ، وأنها نصّ صريح في إمامة عليّ عليه‌السلام بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبطلان خلافة المتقدمين عليه ، وأن ما أدلى به الآلوسي من القول وضعيف الرأي ليوهن به ركن الآية قد أوهن به قرنه قبل أن يوهنها أو يمسّها بشيء : ( وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ ) [ المائدة : ٦٧ ] (١).

تمسك الشيعة بآية الولاية لم يكن بخبر الواحد

قال الآلوسي ص : (١٠١) : بعد كلام طويل فارغ لا لب فيه قال : « إن تمسك الشيعة بهذه الآية كان باطلا أيضا ، لأن التمسك بالآية التي يتوقف دلالتها على خبر الواحد لا يجوز في مسألة الإمامة ».

فيقال فيه : لا زال الآلوسي يعطينا صورا متنوعة من صور الافتراء ليخدع بمزاعمه القراء ، ولا أحسب أن هذه المفتريات تنشب بذهن مسلم عرف الدين ووقف على أصوله وفروعه وقفة الباحث البصير.

فإن قوله : « فيتوقف دلالة الآية على خبر الواحد وهو لا يجوز في مسألة الإمامة » فاسد من وجهين :

الأول : ما تقدم ذكره من أن دلالة الآية كانت بالأحاديث المتواترة بين الفريقين ، وأن إجماع المفسرين من أهل السنّة والشيعة قائم على نزولها في ولاية عليّ عليه‌السلام لا في غيره.

الثاني : لمّا كان خبر الواحد حجّة عند خصوم الشيعة في مسألة الإمامة كان الاستدلال به عليهم إلزاما لهم بما ألزموا به أنفسهم من حجيّة آحاد الخبر صحيحا لا ريب فيه ، وكيف لا يكون حجّة في مسألة الإمامة وقد قامت خلافة أهل السّقيفة عليه ، فإن حديث الخلافة في قريش الّذي أورده أبو بكر (رض) ليدفع به الأنصار

__________________

(١) ويقول ابن حجر في الفصل الثالث من الباب التاسع في ثناء الصحابة على عليّ عليه‌السلام ص : (١٢٥) من الصواعق المحرقة لابن حجر ، عن ابن عباس ، قال : ( ما أنزل الله يا أيّها الّذين آمنوا إلاّ وعليّ أميرها وشريفها ، ولقد عاتب الله أصحاب محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غير مكان وما ذكر عليّا إلاّ بخير ).

٤١٢

عن منصب الخلافة هو من آحاد الخبر ، لأن الراوي له واحد وهو أبو بكر (رض) وعليه بنوا صحة خلافته عندهم ولكن بغض الآلوسي للوصيّ عليه‌السلام وحقده على آل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منعاه من التمسك بالآية على ولاية الأمير عليه‌السلام لا ما زعمه من توقف دلالتها على خبر الواحد ، إذ لو كان صادقا في زعمه لبطل قوله بدلالة الآية على ولاية أبي بكر (رض) وتناقض فيه لأن الراوي نزولها فيه (رض) هو عكرمة الحروري ، وهو من آحاد الخبر لا يقتضي علما ولا عملا و : ( سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ ) [ القمر : ٢٦ ].

قال الآلوسي ص : (١٠٢) : « ومنها قوله تعالى : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) [ الأحزاب : ٣٣ ] قالت الشيعة : أجمع المفسرون على نزولها في حق عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام وهي تدل على عصمتهم دلالة مؤكدة وغير المعصوم لا يكون إماما ، وهذه المقدمات كلّها مخدوشة ، أما الأولى : فلكون إجماع المفسرين على ذلك ممنوعا لما روي نزولها في نساء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ إلى أن قال ـ : والظاهر من ملاحظة السّياق إرادة خطاب الأزواج المطهّرات وافتتاح كلام جديد مخالف للبلاغة التي هي أقصى الغاية في كلام الله تعالى.

وأما إبراز ضمير جمع المذكر في ( عنكم ) فبملاحظة لفظ الأهل فإن العرب تستعمل صيغ التذكير في المؤنث ، وفي الصحيح أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا هؤلاء الأربعة وأدخلهم في عباءته ودعا لهم وقال : « اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا ، وقالت أم سلمة : أشركني فيهم ، قال : أنت على خير وأنت على مكانتك ) فهو دليل صريح على أن نزولها كان في حقّ الأزواج فقط ، ولو كان نزولها في حقّ الأربعة لما كانت الحاجة إلى الدعاء ، وما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليفعل تحصيل حاصل ».

ثم تكلم بسلسلة طويلة من الهراء إلى أن قال :

« لأن وقوع مراد الله غير لازم لإرادته عند أهل السنّة ، فرب أشياء يريد الله وقوعها ويمنعه الشيطان والإنسان من أن يوقع ذلك ، لو كانت هذه الكلمة مفيدة

٤١٣

للعصمة ينبغي أن يكون الصّحابة لا سيّما الحاضر في غزوة بدر قاطبة معصومين ، لأن الله تعالى قال في حقّهم في مواضع ولكن يريد ليطهّركم ويتم نعمته عليهم.

أما المقدمة الثانية : فلأن غير المعصوم لا يكون إماما مقدمة باطلة ممنوعة يكذبها الكتاب وأقوال العترة سلّمنا ، ولكن يثبت من هذا الدليل صحة إمامة الأمير عليه‌السلام أما كونه إماما بلا فصل فمن أين؟ إذ يجوز أن أحدا من السّبطين يكون إماما قبله ولا محذور والتمسك بالقاعدة التي لم يقل بها أحد دليل العجز إذ المعترض لا مذهب له ».

نزول آية التطهير في عليّ وفاطمة والحسنين عليهم‌السلام

المؤلّف : أولا : قوله : ( فلكون إجماع المفسّرين على ذلك ممنوعا ).

فيقال فيه : إن مراد الشيعة من إجماع المفسّرين هاهنا وفي مثله اتفاق المفسرين من أهل السنّة والشيعة على ذلك ، وهذا المعنى ثابت بموافقة بعض المفسّرين من علماء أهل السنّة لهم ، فضلا عمّا إذا كان أكثر المفسرين عليه لا سيّما إذا كان المخالف حادثا متأخرا عنهم بقرون ، فيكون من المجمع عليه بين الفريقين والحجّة فيه لا فيما اختلف فيه الفريقان فإنه لا حجّة فيه على الخصم المخالف ، فدعوى الآلوسي نزول الآية في نساء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فمع كونها فاسدة في نفسها بقرينة سياق الآية وغيره لا يكون حجّة على الشيعة لتفرّده بنقله ، وهذا بخلاف نزولها في الأربعة فإنه متفق عليه بين الخصمين فهو الحجّة عليهم لا سواه ، مع أن المخالف مسبوق بالإجماع على خلافه فلا يعتد به خاصة إذا علمنا بغضه للوصيّ عليه‌السلام وآل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنّه على هذا الأساس فسرها في أزواجه فحملوا الآية على غير أهلها مخالفين في ذلك الدليل والبرهان.

فهذا ابن حجر يقول في صواعقه ص : (٨٥) في الفصل الأول من الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبويّ : ( أكثر المفسّرين على إنّها نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين ) ولا شك في أن الترجيح مع الأكثر لتقدمه وحدوث المتأخر لا سيّما بملاحظة اتفاق الشيعة معهم على ذلك.

٤١٤

الآية لا تريد أزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ثانيا : قوله : ( والظاهر من ملاحظة سياق الآية إرادة الأزواج ).

فيقال فيه : إنه مردود من وجوه :

الأول : إنّ في تغيير الأسلوب في الآيات المتقاربة المسوقة لذكر أهل البيت عليهم‌السلام وأزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والعدول عن خطاب المؤمنات إلى الذكور ( دقيقة ) لم يهتد لها الآلوسي ، وإنما زعم نزولها في الأزواج تبعا للآخرين تقليدا وبغير تفكير وتلك هي ، إن مقام أهل البيت عليهم‌السلام عند الله هو غير مقام أزواجه عليه‌السلام ولا يمكن لإحداهن الوصول إليه إطلاقا لذا أخرجهن الله عن أهل البيت عليهم‌السلام إخراجا كما ستقف عليه.

الثاني : إن إطلاق أهل البيت على الأزواج ليس على أصل وضع اللّغة وإنما هو إطلاق مجازي لا يصار إليه إلاّ مع القرينة ، لذا ترى الآلوسي اعتبر السّياق قرينة على إرادة الأزواج دون أن يشعر إلى أن قرينة السّياق مخالفة لإرادته ومدمّرة لمبتغاه ، ولو كان من المشترك اللّفظي لعيّنته قرينة السياق التي تأبى إرادة الأزواج كلّ الإباء مع قطع النظر عمّا ورد في نزولها في الأربعة باتفاق الفريقين.

الثالث : إنّ الآية نصّ صريح في حصر التطهير بأهل البيت عليه‌السلام من الرّجس ـ أي مطلق الذنب ـ وقصره عليهم بقرينة : ( إنّما ) والإرادة دلالة على وقوع الفعل للمراد لاستحالة تخلّف مراده عن إرادته التكوينية ، لقوله تعالى : ( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) [ يس : ٨٢ ] وحينئذ فلا يجوز وقوع الذنب ممن طهّره الله من مطلق الذنب.

فلو كانت الآية تريد الأزواج لزم حمل كلام الله على التنافي والتناقض لأجل أزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حدّ زعم الآلوسي وهو لا يجوز ، فذلك مثله لا يجوز ، ولمّا كان التناقض في قوله تعالى مستحيلا كانت إرادة الأزواج من الآية مستحيلة أيضا.

توضيح ذلك هو : أنه لو كان يريد الأزواج لكان قوله تعالى في السياق : ( إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَ ) [ الأحزاب : ٢٨ ]

٤١٥

ـ أي أطلقكن ـ مناقضا لتطهيرهن من مطلق الذنوب ، لأنها ملعبة ومفاخرة بغير تقوى الله بقرينة ما بعدها من قوله تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ ) [ الأحزاب : ٢٩ ] فلو كان أهل البيت في الآية هم نساء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبطل هذا التفصيل ولم يكن له في الوجود صورة والقول ببطلانه كفر وضلال.

الرابع : لو صح أن الآية تريد نساء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكان ذلك أيضا مناقضا لقوله تعالى في السياق : ( يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ ) [ الأحزاب : ٣٠ ] لأن فيه دلالة واضحة على جواز الفاحشة عليهن ، فأين هذا من التطهير وعدم جواز الفاحشة على أهلها كما هو مفادها.

الخامس : لو كانت الآية تريد نساء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فما معنى قوله تعالى : ( عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَ ) [ التحريم : ٥ ] أوليست هذه آية أخرى على أن الله تعالى قد أباح لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طلاقهن ، ولما ذا يا ترى أباح له ذلك والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قد عرفناه وعرفنا قول الله تعالى فيه : ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) [ القلم : ٤ ] أو ليس ذلك لصدور ما يوجب غضبه وتنفره من بعضهن ، وليس من الممكن المعقول أن يقدم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن كان ذلك شأنه على مفارقة بعض زوجاته بالطلاق إلاّ لحدوث عظائم الأمور منهن ، وأين هذا من التطهير من كلّ الذنوب المدلول عليه في الآية.

السّادس : لو صح أنها تريد الأزواج فأي معنى يا ترى لقوله تعالى في السياق : ( أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً ) [ التحريم : ٥ ] أو ليس هذا يرشد : ( لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ) [ الأحزاب : ٦ ] إلى أن هناك نساء في عصرهن خير منهن قبل أن يتزوج بهن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا شك في أن طهارة تلك النّسوة من الذنوب باطلة بإجماع الأمة فكيف يا ترى يكون من المعقول أن غير المعصومات في عصر نسائه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خير من نسائه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو كنّ معصومات كما يزعم الخصوم.

وإنّما أوردنا لك ذلك كلّه لتعلم أن ما زعمه الآلوسي من نزول الآية في نساء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يعتمد إلاّ على التقليد الأعمى الّذي هو آفة الأيمان الذي يورد صاحبه إلى الجحيم.

٤١٦

احتجاج الآلوسي ( وأزواجه أمهاتهم )

وأما الإحتجاج بقوله تعالى : ( وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ ) [ الأحزاب : ٣٢ ] ففاسد كفساد أوله وذلك لأنه آية على تفضيل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتعظيمه وليس فيه ما يدلّ على تفضيلهنّ وتعظيمهنّ وكونهنّ أمهات المؤمنين لا يمنع من عدم إيمانهن فضلا عن عدم عصمتهن ، إذ لا ملازمة بين كونهن أمهات المؤمنين وبين عصمتهن أو إيمانهن ، فإن أم المؤمن قد تكون غير مؤمنة فضلا عن كونها غير معصومة.

وأما قوله : ويدل على ذلك قوله تعالى : ( يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ ) [ الأحزاب : ٣٢ ] فمعطوف بفساده على فساد قوله الأول ، وذلك لأنه مشروط بالتقوى كما يقتضيه قوله تعالى في آخر الآية : ( إِنِ اتَّقَيْتُنَ ) فالشرط بعد لم يحصل فالمشروط مثله لم يحصل ، فأيّ فضيلة لهن في هذا ولا دليل لخصومنا على حصوله أصلا وفرعا ، ولو سلّمنا جدلا حصوله فلا يدلّ على شيء من العصمة مطلقا.

وأما التدليل بقوله تعالى : ( إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما ) [ التحريم ٤ ] على تفضيلهن فمعكوس على هذا المستدل لوضوح ظهوره في سبق العصيان منهما كما يقتضيه قوله : ( فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما ) وأما صدر الآية فلا يشعر بشيء من التوبة منهما البتّة ، بل فيه دلالة صريحة على عدم تحققها بقرينة المقابلة من قوله تعالى : ( وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ ) [ التحريم : ٤ ] وهما أم المؤمنين عائشة وحفصة (رض) كما في الدر المنثور وغيره من تفاسير أعلام أهل السنّة في تفسير هذه الآية من سورة التحريم ، وأخرجه البخاري في بابين من أبواب صحيحه ففي ص : (٤٧) من جزئه الثاني في باب إماطة الأذى ، وفي ص : (١٧٥) من جزئه الثالث في باب غيرة النّساء ووجدهن ، فأين العصمة المزعومة لهن في زعم الخصوم؟ كما أن : ( إن ) الشرطية في علم البيان لا تفيد القطع بالوقوع بل تفيد الشك بوقوع ما بعدها والأصل يقتضى عدمه.

٤١٧

مجيء آية التطهير في سياق آيات نساء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير مخلّ بالبلاغة

ثالثا : قوله : « وافتتاح كلام جديد مخالف لوظيفة البلاغة ».

فيقال فيه : إنه مردود من وجوه :

الأول : إن مجيء آية التطهير في سياق آيات النّساء لو كان مخلاّ بالبلاغة لزم الآلوسي أن يقول بمخالفة البلاغة في كثير من آيات الذكر الحكيم واللاّزم باطل فالملزوم مثله ، وذلك لوجود الاستطراد بين الكثير من كلماته المتناسقة بإيراد جملة أجنبية كما في الآية وفي غيرها ، ومن ذلك قوله تعالى : ( إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ ) [ يوسف : ٢٩ ] فقد استطرد قوله : ( يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا ) بين كلاميه وهي أجنبية عنهما.

ومنها قوله تعالى فيما حكاه عن بلقيس : ( إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ) [ النمل : ٣٤ ـ ٣٥ ] فقوله : ( وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ ) مستطرد من جهة الله تعالى بين كلام بلقيس ، ونحو هذا كثير الوقوع في الكتاب والسنّة وكلام العرب العرباء يضيق المقام عن تعداده ، فما زعمه الآلوسي من أنّ ذلك إخلال لوظيفة البلاغة هو الإخلال الفظيع والتصرف القبيح وصرف لآيات الكتاب العزيز عن معناها بغير دليل.

فآية التطهير جاءت من هذا القبيل معترضة بين آياتها للتنبيه والبيان على شدّة عناية الله تعالى بأهل بيت نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( عليّ وفاطمة والحسن والحسين ) عليهم‌السلام وترغيب أزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى العفّة والصلاح والتزام جادّة الصواب ، ولئلا ينال الأربعة ولو من جهتهن لومة لائم.

الثاني : لا خلاف في وقوع الاختلاف في ترتيب نزول الآيات ، وأن ترتيبه لم يكن على حسب ترتيبه في النزول إجماعا وقولا واحدا ، فهناك آيات مدنية مقدمة على آيات نزلت بمكّة ، وذلك حينما جمع الكتاب غير أهله فقدّم وأخّر في

٤١٨

ترتيبه لحاجة في نفسه ، فالاحتجاج بالسّياق لو لم يكن دليلا لنا عليه بذلك التحقيق فلا يكون دليلا له على شيء ، بل ولا يصادم الصحاح الناصّة على نزولها في الأربعة الّذين هم تحت الكساء على حدّ تعبيرها بالإجماع.

الثالث : لو فرضنا جدلا معارضة السّياق لها ، ومع ذلك فلا وثوق حينئذ بنزولها في ذلك السّياق مع وجود الاختلاف في ترتيب نزول الآيات لا سيّما وقد عرفت عدم إمكان تطبيق الآية على نسائه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولسن بصغرى لها في شيء ، وأما حمل الآية على خلاف سياقها فلا ينافي البلاغة كما مرّ خاصة إذا كانت القرينة موجودة في نفس السّياق على خلافه فضلا عمّا إذا قام الدليل القطعي عليه كما ألمعنا.

رابعا : قوله : ( فإن العرب تستعمل ضمير التذكير في المؤنث ).

فيقال فيه : إن استعمال العرب ضمير المذكر في المؤنث مع القرينة لا يقتضي حمل الآية عليه بدون قرينة لا سيّما لو كان يريد النّساء لكان الخطاب في الآية بما يصلح للإناث من قوله : عنكنّ ويطهّركنّ لأن هذا هو المناسب كما في غيرها من آيات النّساء ، فتذكير ضمير الخطاب فيها خاصة دون غيرها من آياتهن قرينة واضحة لذي بصيرة على عدم إرادة نسائه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس في الله تعالى عيّ من أن يأتي بضمير النّسوة لو كان يريد نساءه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع علمه تعالى بأن الموضوع له الضمير في : ( عَنْكُمُ ) و ( يُطَهِّرَكُمْ ) للذكور ، وإطلاقه على الإناث ولو للتعظيم إطلاق على غير ما وضع له وهو غير صحيح إلاّ مع القرينة ، وقد أريناك أنه تعالى نصّب القرينة على عكس ذلك في سياق الآية فلا يصح حمل الآية عليه بدعوى أنّ العرب تستعمله أحيانا مع القرينة والآية لا ترضى به وتطعن فيه.

ما قاله الآلوسي من تحصيل حاصل في دعاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

خامسا : قوله : ( ولو كانت نازلة في حقهم لما كانت الحاجة إلى الدعاء ، وما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليفعل تحصيل حاصل ).

فيقال فيه : إن قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( اللهم هؤلاء أهل بيتي ) من أظهر الأدلّة وأقواها على أن الأربعة هم أهل بيته لا غيرهم من نسائه ، فهو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يريد تنبيه

٤١٩

القوم على أنه لا أهل له سوى هؤلاء الأربعة الّذين هم تحت الكساء خشية أن يقول قائل إن نساءه أهله الّذين نزلت فيهم الآية ، ولكي يكون إنكار الآلوسي وغيره من خصوم الشيعة بعد هذا لهم عليهم‌السلام وكونهم أهله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا سواهم دليلا على جحودهم وردّهم قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ردا مكشوفا واضحا لا ما توهمه الخصم من استلزام ذلك طلب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحصيل حاصل.

ولو كان ذلك من تحصيل الحاصل لما أنكر الآلوسي كونهم أهله وزعم أن نساءه أهله دونهم ، فالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع تأكيده على القوم وتنبيهه لهم بأن هؤلاء الأربعة أهلي فاحفظوني فيهم ولا تنكروهم بعدي وتقولوا أن أهل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( هم أزواجه ) ترى هذا الآلوسي المتناقض المبطل يقول : إنهم ليسوا من أهله وإنّما أهله نساؤه ، ثم يقول : إن دعاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( اللهم هؤلاء أهلي ) تحصيل حاصل.

ويدلك على ما ذكرنا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصحيح : ( أذكركم الله في أهل بيتي ، قالها ثلاثا ) وقول أم المؤمنين أم سلمة : ( إني رفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي ، وقال : إنك على خير ) وفي حديث آخر إنها سألته : ( ألست من أهل البيت؟ قال : إنك على خير ) فراجع ثمة حتى تعلم كذب هذا الآلوسي في تقريره عدم نزول الآية في الأربعة وأنها نازلة في نسائه ، وأنت ترى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يعترف لأم سلمة بأنها من أهل البيت عليهم‌السلام وإنّما جذب الكساء من يدها ومنعها من الدخول معهم ، وقال لها : ( أنت على خير أو أنك على خير ) مع أنها من أهل اللّسان ، فلو كانت من أهل البيت عليهم‌السلام لما سألته بقولها : ألست من أهل البيت.

فكل هذا دلائل واضحة عند من لم يعصب عينيه بعصابة سوداء على عدم كونها من أهل البيت عليهم‌السلام وأن الآية ما عنتها وما عنت غيرها من نساء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إطلاقا.

وأما قول الآلوسي : ( وقالت أم سلمة : اشركني فيهم ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أنت على خير وأنت على مكانتك ) فهو دليل صريح على أن نزولها كان في حق الأزواج ).

٤٢٠