الآلوسي والتشيع

السيد أمير محمد القزويني

الآلوسي والتشيع

المؤلف:

السيد أمير محمد القزويني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: محمّد
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٥

فلو كان ذلك من السّفاهة كما يزعم الخصم لزمه نسبة السّفاهة إلى الله تعالى لأنه أوجب ذلك عليهم وألزمهم بالطاعة للأنبياء عليهم‌السلام وامتثال أوامر الأئمة عليهم‌السلام وكتب عليهم إقامة الصّلاة وإيتاء الزكاة لأهلها وفرض عليهم الجهاد في سبيل الله إلى غير ما هنالك من الواجبات التي ألزمهم بفعلها والمحرمات التي نهاهم عن ارتكابها ، وهو تعالى يعلم بعصيان عاصيها وترك تاركيها وجحد جاحديها ، فإذا كان جحدها وعصيانها موجبين لسفاهة الأمر بها والنهي عنها كان خذلان النّاس للأئمة عليهم‌السلام وقتلهم الخلفاء عليهم‌السلام وإعراضهم عنهم أيضا موجبة لسفاهة نصبهم وتعيينهم ، وإذا كان قتلهم الأنبياء عليهم‌السلام وتحقيرهم لهم عليهم‌السلام وتكذيبهم وعصيانهم وعدم إطاعتهم موجبة لسفاهة إرسالهم وبعثهم وتعيينهم كان عصيانهم للأئمة من آل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقتلهم لهم وخذلانهم وعصيانهم موجبة لسفاهة تعيينهم ونصبهم ، لأن الجميع من واد واحد وحكمه واحد ولا أحسب أن أحدا على الإطلاق من أي ملّة ودين ومن أي عنصر يكون فضلا عن كونه يدين بدين الإسلام يتجرأ أن يزعم أن عصيان النّاس وجحدهم لأوامر الله تعالى وقتلهم الأنبياء عليهم‌السلام والأئمة وخذلانهم لهم يقتضي ألاّ يأمرهم الله تعالى بشيء ولا ينهاهم عن شيء ولا يرسل لهم أنبياء ولا ينصب بعدهم أئمة وخلفاء لأن القول بذلك خروج عن الأديان كلّها.

نعم يجوز ذلك كلّه عند خصم الشيعة ، لذا تراه يقول بكلّ اطمئنان : ( إن غلبة المخالفين ) (١) للأئمة عليهم‌السلام وخذلانهم لهم وعصيانهم لأمرهم تقتضي ألاّ يجب على الله تعالى نصبهم ولا تعيينهم ، لأن ذلك من السّفاهة على حدّ زعمه ، ويقابل هذا كما قدّمنا القول فيه إن غلبة المخالفين للأنبياء عليهم‌السلام وخذلانهم لهم وعصيانهم لأوامرهم بل وقتلهم لهم تقتضي أيضا ألاّ يجب على الله نصبهم ولا تعيينهم ولا إرسالهم ، لأن ذلك أيضا من السّفاهة وإلاّ لكان الواجب عليه تعالى تأيّيدهم دائما وإظهارهم على مخالفيهم أبدا ـ كما لا يزعم الخصم ـ المتجرئ على الله تعالى بنسبة السّفاهة إليه وهذا هو الكفر بعينه.

__________________

(١) إن حديث : ( لا تزال طائفة من أمتي قائمة بالحقّ لا يضرّها من خالفها وخذلها ) أوضح دليل على صحة ما نقول وبطلان ما يقول ، وقد تقدم ذكره عن صحيح البخاري وغيره من الصحاح فلتراجع.

٣٦١

عدم اشتراط اللّطف بالتصرف دائما

ثامنا : قوله : « إذ المعترض يقول بشرط التصرف والنصرة لطف ».

فيقال فيه : إن اعتبار هذا الشرط في تحقق اللّطف مبنيّ على تجاهل الآلوسي بمعنى اللّطف الّذي تقول به الشيعة ، فإنهم لا يقولون بشرطية النّصرة دائما والغلبة أبدا في تحققه حتّى يلزمون به ، وإنّما معناه عندهم على ما حكاه الخصم نفسه في ص : (٦٣) من كتابه : ( هو ما يقرّب العبد إلى الطاعة ويبعّده عن المعصية ) ولا يخفى حتّى على الأغبياء ، معنى هذه الجملة وهو أن الأمر بما يقرّب العبد إلى الطاعة ليس علّة تامة للاقتراب إلى الطاعة والنهي عما يبعده عن المعصية ليس علّة موجبه لدفعه عن المعصية وابتعاده عنها على وجه لا ينفك ذلك عنه لاستلزامه سلب الاختيار عنه ، وهو خلاف اللّطف عندهم فإنهم لا يريدون من اللّطف غير أن الله تعالى لمّا أوجب على نفسه الرحمة وأوجب عليها هداية النّاس أمرهم بما فيه خيرهم وصلاحهم في الدنيا والآخرة ، ونهاهم عمّا فيه فسادهم وهلاكهم كذلك أيضا ، وقد علموا ذلك كله بواسطة أنبيائه عليهم‌السلام وخلفائهم عليهم‌السلام فمن أطاع وامتثل كان من المقرّبين الداخلين في جنّات النعيم ، ومن خالفه وعصاه كان من المعذّبين والنازلين في الجحيم.

هذا هو قول الشيعة في اللّطف وهذا ما تعتقده وترى وجوبه ، ولمّا كان في وجود الإمام صلاح العباد والبلاد وهداية النّاس إلى الرشاد ونهيهم عن الفساد في الأرض كان ولا شك في أن نصبه من الرحمة وتعيينه من الهدى بعد الأنبياء عليهم‌السلام لئلاّ يضيع أمر دين الله ، وحينئذ فيجب على النّاس إطاعة أمرهم والانتهاء عن نهيهم ، وليس أمرهم ونهيهم من العلل الموجبة لعدم التخلّف وإلاّ لاستلزم الجبر المعلوم بالضرورة من العقل والدين بطلانه ، بل لو كان ذلك موجبة تامة لكان في أمر الله ونهيه أشدّ وهو باطل قطعا ، لذلك تقوم الحجّة بهم لله على النّاس ، فمن أطاعهم كان ناجيا ومن عصاهم وخذلهم وقتلهم على دعوتهم إلى الله كان هالكا وخالدا في العذاب الأليم.

٣٦٢

أما كونهم منتصرين على العباد دائما وظاهرين عليهم أبدا وقاهرين لهم على فعل الطاعة وترك المعصية التي أناطها الله تعالى بالاختيار فلا شيء منه بمأخوذ في مفهوم اللّطف إطلاقا ، بل القهر والجبر على ذلك خلاف اللّطف وخلاف الرحمة والمنّة عليهم وهو قبيح منزّه عنه ويستحيل وقوعه منه ولا يجوز نسبته إليه مطلقا ، كما أن اشتراط التصرف دائما والانتصار والظهور أبدا في مفهومه موجب لأكبر المفاسد وأعظمها المغالاة فيهم واتخاذهم آلهة من دون الله ، لأنهم إذا كانوا ظاهرين أبدا ومنتصرين دائما بما أعطاهم الله من المعجزات أيقنوا أنهم أرباب وآلهة ، وليس هذا من اللّطف في شيء.

ولقد فات الآلوسي أن يستمع إلى قول الشاعر العربي :

ولو أنّهم فيما لهم من معاجز

على خصمهم طول المدى لهم النّصر

لغالى بهم كلّ الأنام وأيقنوا

بأنّهم الأرباب والتبس الأمر

لذلك طورا ظافرين تراهم

وآخر فيهم ينشب النّاب والظفر

فساد لزوم التأييد والانتصار في معنى اللطف

تاسعا : بقوله : « إذا لم يكن التأييد في البين والإنتصار أبدا لم يكن لطفا ».

فيقال فيه : إن أراد أن إرسال الأنبياء عليهم‌السلام ونصب الخلفاء بعدهم يهدون العباد إلى ـ الحقّ وينهونهم عن الضّلال ليس بلطف من الله عليهم ولا رحمة لهم لزمه إن يقول أن الله تعالى بذلك كلّه كان لاعبا عابثا ، لأن ذلك إن لم يكن لطفا ورحمة فيما بقي إلاّ أن يكون عبثا ونقمة ، وإن أراد أنه ليس بلطف ولا رحمة للأنبياء عليهم‌السلام والأئمة لأنهم مقهورون ومغلوبون من قبل أعدائهم ومخالفيهم وغير منتصرين على خصمائهم وغير مؤيدين دائما لزم الآلوسي أن يقول إنّ الله تعالى أراد بذلك أن ينتقم من أنبيائه وخلفائهم عليهم‌السلام وما أراد لهم الرحمة وما كان لطيفا بهم ، وأنه لو كان يريد لهم الرحمة أو اللّطف لجعلهم منصورين أبدا وغالبين دائما كما يزعم الخصم الّذي يلقي كلامه وهو لا يدري أو يدري بما ينطوي عليه من الطعن في الله والكفر به.

٣٦٣

فظهر من ذلك كلّه أن اعتبار شرط الانتصار دائما والغلبة أبدا في تحقق اللّطف شيء اخترعه المنافقون الّذين يقولون في الله تعالى إنه أراد الانتقام من أنبيائه وخلفائهم ، وما أراد لهم الرحمة ولم يكن لطيفا بعباده بل كان ظلوما غشوما تعالى عما يقول المنافقون لأنهم مغلوبون مقتولون ومقهورون ومخذولون من أعدائهم ومخالفيهم ـ كما يزعم الخصوم ـ : ( أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) [ الأعراف : ١٦٩ ].

ثم إن ما ابتلى به الله تعالى نبيّه أيوب عليه‌السلام وغيره من الأنبياء عليهم‌السلام ـ كان على زعم هذا الخصم العنيد ـ أنه تعالى أراد الانتقام منه لأنه لا عوض على زعمه ، وكذا الحال في يوسف ويعقوب عليه‌السلام وغيرهما من الأنبياء عليهم‌السلام الماضين ، فإن منهم من قتلوه قتلا ، ومن نشروه بالمناشير ، ومن ذبحوه ذبحا ، ومن طبخوه طبخا ، ومن رسّوا عليه الأرض رسّا ، وكان بنو إسرائيل يقتلون في كلّ ليل إذا يغشى أو نهار إذا تجلّى عدا كبيرا من أنبياء الله تعالى ، وقد استعملت معهم أممهم كلّ ألوان التحقير والعذاب والإهانة والاضطهاد إزاء دعوتهم إلى الله تعالى وهدايتهم إلى سبيل الهدى وطريق الرشاد ، وكان أعظمهم أذى في ذات الله هو نبيّنا خاتم الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( ما أوذي نبيّ مثل ما أوذيت ) وهذا معلوم لدى كلّ أحد ، فعلى قول الخصوم إنه تعالى لم يرسل الأنبياء عليهم‌السلام إلاّ لينتقم منهم وما جعل خلفاءهم بعدهم خائفين مقهورين مغلوبين مستترين إلاّ ليلعب ويعبث وينتقم منهم أيضا ـ تعالى الله عمّا يصفون ـ.

ولو عرف الخصم بما في ذلك من اللّطف العظيم والثواب الأوفى والرحمة الواسعة والدرجات الرفيعة والمقام المحمود عند الله ، وما أعدّه لهم من عظيم الزّلفى لعاد أخيرا إلى كلامه ومحاه بالماء الّذي يتقطر من جبهته خجلا.

تخويف النّاس للأئمة معلوم بالضرورة

قال الآلوسي ص : (٨٢) : « وأيضا ما ذكروه من تخويف النّاس للأئمة غير مسلّم وهذه كتب التأريخ في البين ، وأيضا التخويف الموجب للاستتار إنّما هو إذا

٣٦٤

كان بالقتل وهذا لا يتصور في حقّ الأئمة لأنهم يموتون باختيارهم كما أثبت ذلك الكليني في الكافي ، وأيضا لا يفعل الأئمة أمرا إلاّ بإذنه تعالى ، فلو كان الاختفاء بأمره وقد مضت مدّة والخفاء هو الخفاء فلا لطف بلا امتراء ، وأيضا إن كان واجبا لزم ترك الواجب في حقّ الّذين لم يكونوا كذلك كزكريا ويحيى والحسين عليهم‌السلام وإن لم يكن واجبا بأن كان مندوبا لزم على من اختفى ترك الواجب الّذي هو التبليغ لأجل مندوب وهو فحش ، وإن كان أمر الله مختلفا بأن كان في حقّ التاركين بالندب مثلا وفي حقّ المستترين بالفرض لزم ترك الأصلح الواجب بزعم الشيعة وهذا باطل أيضا.

نقول : الاختفاء من القتل نفسه محال لأن موتهم باختيارهم وإن كان من خوف إيذاء البدن يلزم أن الأئمة فرّوا من عبادة المجاهدة وتحمّل المشاقّ في سبيله وهذا بعيد عنهم ، ومع هذا لا معنى لاختفاء صاحب الزمان عليه‌السلام بخصوصه فإنه ليعلم باليقين أنه يعيش إلى نزول عيسى عليه‌السلام ولا يقدر أحد على قتله ، وإنه سيملك الأرض بحذافيرها فأي شيء يتخوف منه ويختفي ، ولم يظهر الدعوى ويتحمل المشقّة كما فعله سيّد الشهداء عليه‌السلام فالاختفاء مناف لمنصب الإمامة الّذي مبناه على الشجاعة والجرأة ، فهلاّ خرج وصبر واستقام إلى أن ظفر ، واستتار سيّد الأبرار من خوف الكفار فكلام واقع في غير موقعه لأن استتاره لم يكن لإخفاء دعوة النبوّة بل كان من جنس التورية في الحرب وهذا أيضا كان ثلاثة أيام فقياس ما نحن فيه عليه غاية حماقة ووقاحة ... انتهى ».

المؤلف : أولا : قوله : « وأيضا ما ذكروه من تخويف الناس للأئمة غير مسلّم ».

فيقال فيه : لقد علم المسلم والكافر والبر والفاجر والعالم والجاهل أن بني أمية وأمراء بني العباس وولاتهم الظالمين المفسدين في الأرض قد أخذوا على الأئمة من آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أطراف الأرض وآفاق السّماء ، ولم يراعوا فيهم إلاّ ولا ذمة ولا احتراما لحقوقهم ولا رعاية لحرمتهم ، بل استعملوا معهم كلّ أنواع التحقير والتذليل والقتل والإهانة حتى أتوا على آخر نفس من أنفاس حياتهم

٣٦٥

الزكية ، وأنزلوا بهم من الأمر الشنيع والخطب الفظيع ما يملأ قلوب الإنسانية قيحا ، ويفجّر عيونها دما.

وبكلمة واحدة يعرف كلّ أحد أنه ما مات منهم أحد حتف أنفه وما منهم إلاّ مسموم أو مقتول ، فدونك السير والتواريخ لمن جاء على ذكرهم من خصوم الشيعة لتعلم ثمة كذب هذا الخصم المنتصر لأعداء أهل البيت عليهم‌السلام بقلبه ولسانه وقلمه ، وأن ما زعمه من عدم تخويف النّاس لهم عليهم‌السلام افتراء لا أصل له.

وكيف يا ترى لا يلتجئون إلى الاختفاء خوفا من أعدائهم الأمويّين والعباسيّين من أسلاف الآلوسي الّذين كانوا يتقربون إلى أوثانهم بسفك دمائهم حتّى لو أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوصاهم بقتلهم ونهبهم وتحقيرهم وتذليلهم لما تجاوز ذلك عمّا فعلوا بهم وارتكبوا منهم ، فكيف يزعم هذا العدو دفاعا عن أئمته بغاة صفين والدعاة إلى النار أنهم لم يخوفوا أهل البيت عليهم‌السلام بشيء ولم ينالوهم بسوء ، وما ذا يا ترى يريد الآلوسي بعد هذا كلّه أن يصنعوا معهم حتى يشفي غليله ويلين أعاليه ، فإن القوم لم يتركوا شيئا إلاّ فعلوه مع أهل البيت عليهم‌السلام من القتل والسلب والأسر والهتك والاستبداد كما تحدّثنا بذلك سلسلة الحوادث التأريخية التي اتصل أولى حلقاتها بأولهم وآخرها بآخرهم.

الموت غير القتل

ثانيا : قوله : « أيضا التخويف الموجب للاستتار إنما هو القتل ، والقتل لا يتصور في حقّ الأئمة لأنهم يموتون باختيارهم » ، فمدخول لوجهين :

الأول : إن إبطال حياة الحيّ الناشئ عن القتل بالسيف ونحوه غير الموت حتف الأنف ، ولا يلزم من وجود إحداهما وجود الآخر بدليل قوله تعالى : ( أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ ) [ آل عمران : ١٤٤ ] وقوله تعالى : ( ما ماتُوا وَما قُتِلُوا ) [ آل عمران : ١٥٦ ] وقوله تعالى : ( وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ ) [ آل عمران : ١٥٨ ].

وليس من الجائز أن يكون التأكيد والتكرير في اللّفظين : ( الموت والقتل ) يرجعان إلى معنى واحد عند أهل العربية ، فلا يصح حمل القرآن عليه لاستلزامه

٣٦٦

أن يكون المعنى في الآيات هكذا : ( أفإن مات أو مات ) ( ولئن متم أو متم ) ( ما ماتوا وماتوا ) مع ما فيه من تحصيل الحاصل الباطل ، ولأنّا نعلم بأن الله تعالى ليس قاتلا لمن مات حتف أنفه ، ألا ترى إلى العقلاء أنهم يعيبون القائل في ميّت أن الله قتله ويحكمون بخطئه.

وأما القتل المسند إلى الله تعالى في قوله : ( قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) [ التوبة : ٣٠ ] فيعني اللّعن الإلهي الّذي هو عبارة عن الطرد على وجه السخط والغضب عن رحمته وهو الّذي يقتضيه واقع الحال في الآية.

ولأن الموت والقتل عرضان وليسا جسمين ، والقتل وليد الأسباب الخارجية ومحلّه حياة أجسام الأحياء والموت معنى يخالف حياة الحيّ فلا يصح حلوله في الأجسام ، ولأن القتل مقدور للخلق والموت من خلق الله كالحياة لا يقدر عليه أحد إلاّ الله بدليل قوله تعالى : ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ ) [ الملك : ٢ ] أما كون الأئمة لا يموتون إلاّ باختيارهم كما هو مفاد الخبر فإنه يريد أنهم يموتون حتف أنفهم باختيارهم تكرما من الله تعالى عليهم ولا محذور فيه إطلاقا ، أما القتل الّذي هو من فعل الآدميّين فليس في الخبر شيء يدلّ على أنه باختيارهم ولا جائز أن يريده ، لأن ما هو من فعل الآخرين واختيارهم لا يمكن أن يكون من اختيار غيرهم مطلقا.

وبعبارة أوضح : أن صريح الخبر أنهم يموتون باختيارهم لا أنهم يقتلون ولا ملازمة بينهما ، وثبوت أحدهما لا يلزم منه ثبوت الآخر ، والمسبب فيهما وإن كان واحدا لكن السبب في الأول غيره في الثاني ، وصريح الخبر يريد المسبب المسند إلى الإختيار الناشئ عن حتف الأنف دون الناشئ عن الذبح والقتل ، ولا تلازم بين السببين بل هما على نحو التضادّ لذا كان القتل بغير حق جريمة موبقة يستحق فاعله القصاص إذا كان عن عمد وعليه الديّة إن كان عن خطأ ، ولو كان من فعل الله وخلقه لم يجب شيء من ذلك إطلاقا وتلك قضية الموت حتف الأنف.

الثاني : إن المراد باختيارهم في الخبر هو ما يختاره الله تعالى لهم لأن اختيارهم عليهم‌السلام من اختياره تعالى فيكون معناه موافقا لقوله تعالى : ( وَما تَشاؤُنَ

٣٦٧

إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ ) [ الإنسان : ٣٠ ] ويقرر هذا قول الإمام أبي عبد الله الحسين بن عليّ عليه‌السلام : ( رضا الله رضانا أهل البيت ، نصبر على قضائه فيوفينا أجور الصّابرين ).

وإن كنت في ريب مما ذكرنا فدونك ما أخرجه المحبّ الطبري في الرياض النضرة ص : (١٦٥) من جزئه الثاني في حديث طويل جاء في آخره :

يا أحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ المتكلم ملك الموت عزرائيل عليه‌السلام ـ ما فعل ابن عمك عليّ ، فقلت : وهل تعرف ابن عمّي عليّ؟ قال : وكيف لا أعرفه وقد وكّلني الله بقبض أرواح الخلائق ما خلا روحك وروح ابن عمّك عليّ بن أبي طالب فإن الله يتوفاكما بإرادته واختياره انتهى )

نقل بعضه بالمعنى ، وحال أبنائه المعصومين كحاله عليه‌السلام لأنهم لا يختارون غير ما يختاره الله لهم ورضا الله رضاهم ، وهم بأمره يعملون وإلى سبيله يرشدون.

ثالثا : قوله : « وأيضا لا يفعل الأئمة إلاّ بإذنه ، فلو كان الاختفاء بأمره وقد مضت مدّة ».

فيقال فيه : المسلمون لا يشكون في أن الأئمة لا يفعلون شيئا إلاّ بأمر الله ولا يشك به إلاّ الجاحدون ، وكيف يفعلون خلاف أمره وهم خلفاؤه في أرضه وحججه على بريته ، وهذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يفعل شيئا إلاّ بأمر الله قد نصبهم أئمة عليهم‌السلام على أمته وجعلهم أعدال كتاب الله لا ينفكون عنه ما دامت الدنيا ، ومن كان لا يفارق القرآن معصوم والمعصوم لا يفعل خلاف أمر الله ونهيه فلا يجوز على من كان في وجوب التمسك به ككتاب الله أن يريد غير ما أراد الله ، فلو جاز عليهم خلافه لفارقوا القرآن قطعا إذ لا شيء من القرآن مخالفا لأمره بل هو لا غيره ، وقد ثبت بحكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عدم مفارقتهم لكتاب الله فعلمنا أنهم عليهم‌السلام لا يخالفونه أبدا.

إنما يجب الاختفاء عند حصول موجبه

رابعا : قوله : « وأيضا إن كان واجبا ـ أي الاختفاء ـ لزم ترك الواجب في حقّ الّذين لم يكونوا كذلك ».

٣٦٨

فيقال فيه : لا يجب الاختفاء إلاّ عند حصول موجبه ، ومن حيث لم يتحقق ذلك في الّذين لم يختفوا علمنا عدم وجوبه عليهم لانتفاء موجبه فلا يلزم من تركهم الاختفاء تركهم للواجب ـ على زعم الخصم ـ وكيف يخاف من خرج بأهل بيته وأصحابه قاصدا العراق من الطريق العام حتى قيل له : لو تنكبت الطريق كما فعل ابن الزبير لكان أولى ، فقال عليه‌السلام : ( لاها الله لا يكون ذلك أبدا ) ونسبة الخوف إليه إنّما هو من مفتريات الآلوسي الّذي يروم أن يستحلّ من سبط النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الإمام الحسين بن عليّ عليه‌السلام ما حرّم الله من نسبة ترك الواجب إليه وهو ترك الاختفاء عند حصول موجبه الأمر الّذي لم يحصل له إطلاقا ، على أن لكلّ إمام من أولئك الأئمة عليهم‌السلام كالأنبياء عليهم‌السلام تكليفا يخصّه ، وله مخططا خاصا خطّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له ليسير عليه ، فلا يصح بطبيعة الحال قياس أحدهما على الآخر في شيء لانتفاء علّة المساواة بين هذا وذاك.

خامسا : قوله : « وأيضا نقول الاختفاء من القتل نفسه محال ، لأن موتهم باختيارهم ».

فيقال فيه : قد عرفت فيما ألمعنا فساد ما كرره هنا ، وأنه لا تلازم بين القتل والموت حتف الأنف ، وأن ما في الخبر هو عين ما في كتاب الله فتبصر لتبصر أن الآلوسي لم يقصد بتكرار مزاعمه الفارغة إلاّ تضخيم حجم كتابه ليقال فيه إنه ردّ على الشيعة بكتاب عدد ورقه كذا ، دون أن يشعر إلى أنه لم يأت بغير الأشياء المكررة والمعاني غير الصحيحة التي لا تخطر إلاّ على ذهنه هو.

تناقض الآلوسي في قوله لا معنى لاختفاء صاحب الزمان عليه‌السلام

سادسا : قوله : « لا معنى لاختفاء صاحب الزمان ، فإنه يعلم أنه يعيش إلى نزول عيسى عليه‌السلام ».

فيقال فيه : إنه مردود من وجوه :

الأول : قد أثبتنا بمقتضى الأحاديث أن أهل البيت عليهم‌السلام لا يفعلون شيئا إلاّ بأمر الله تعالى ولا يريدون غير ما يريد الله ، وقد اعترف الخصم بحديث الثّقلين

٣٦٩

وأنه مما لا خلاف فيه بين الأمة ، ولكن لما جهل معناه طفق يزعم هنا وهناك أنه لا معنى لاختفاء صاحب الزمان عليه‌السلام.

أيها القارئ إذا كان هذا الآلوسي يعترف بصحة الحديث وصحة مضمونه فكيف يزعم أنه لا معنى لاختفائه ، والحديث نصّ في أن أهل البيت عليهم‌السلام لا يفعلون شيئا إلاّ بإذنه ، وإذا كان يعترف ويقول كما تقدم أن أهل البيت عليهم‌السلام مصيبون في أفعالهم وأعمالهم لأنهم مع القرآن والقرآن مصيب فكيف يا ترى ينتقدهم ويقول لا معنى لاختفاء قائمهم ، وهل هذا إلاّ قول متناقض مبطل يعترف بثبوت شيء ثم هو ينفي عين ما يعترف بثبوته ، وهذا حاله في جميع ما جاء به من المتناقضات نعوذ بالله من الجهل واختلال العقل.

الثاني : هل لنا أن نسأل الآلوسي فنقول له : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعلم أن المشركين لا يصلون إليه ولا يستطيعون قتله ، وأنه سيظهر على قريش ويعيش سنين طويلة ولا يموت إلاّ في اليوم الّذي يموت فيه ، أو ما كان يعلم ذلك؟ فإن قال : يعلم ، فيقال له : فلما ذا إذن اختفى في الغار وخرج ليلا وأمر عليّا عليه‌السلام أن ينام على فراشه ويقيه بنفسه وهو يعلم أن المشركين لا يصلون إليه بشيء من الأذى ، فإن قال : كان ذلك بأمر الله ، قلنا : الجواب هو الجواب ، لأن أهل البيت عليهم‌السلام أيضا لا يعملون شيئا إلاّ بأمر الله ـ كما مرّ بيانه ـ وإن قال : لا يعلم ، فيقال له : إن ذلك وإن كان خلاف الحقيقة فنقول به في ابنه صاحب الزمان عليه‌السلام أيضا.

الثالث : نقول لهذا الخصم : أترى أن الله تعالى كان يعلم أن فرعون لا يستطيع أن يقتل موسى عليه‌السلام ولا يناله بسوء ، وأن هلاك فرعون سيكون بسببه ولا يموت إلاّ بعد ذلك بمدّة أو ما كان يعلم؟ فإن قال : كان يعلم ، فيقال له : فلما ذا إذن أمر أم موسى عليه‌السلام بقذفه في اليم وهو يعلم أنه لا يصل إليه شيء مما يخاف منه عليه من فرعون سواء ألقي في اليم أم لم يلق؟ فإن قال : كذلك كان أمر الله مفعولا ، فيقال له : كذلك كان أمر الله في صاحب الزمان مفعولا ، وإن قال : ما كان الله يعلم ، فقد كفر وكفانا مؤنة الردّ عليه ، ولقد فات الآلوسي أن يتمثل بقول الشاعر العربي.

٣٧٠

وقولك إنّ الاختفاء مخافة

من القتل شيء لا يجوّزه الحجر

فقل لي لما ذا غاب في الغار أحمد

وصاحبه ( الصدّيق ) إذ حسن الحذر

ولم أمرت أمّ الكليم بقذفه

إلى نيل مصر حين ضاقت به مصر

وكم من رسول خاف أعداه فاختفى

وكم أنبياء من أعاديهم فرّوا

أيعجز ربّ الخلق عن نصر دينه

على غيرهم كلاّ فهذا هو الكفر

وهل شاركوه في الّذي قلت إنّه

يؤول إلى جبن الإمام وينجر

فإن قلت هذا كان فيهم بأمر من

له الأمر في الأكوان والحمد والشّكر

فقل فيه ما قد قلت فيهم فكلّهم

على ما أراد الله أهواؤهم قصر

ومن جميع ما تلوناه عليك تعرف فساد ما أدلى به الخصم في كتابه الذي يلقاه يوم القيامة منشورا : ( اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ) [ الإسراء : ١٤ ].

مهلا أيها الآلوسي ولا تبتهج بما سوّدت به صحيفة أعمالك فإن ما أوردته من الوجوه حجّة لنا عليك لا لك ، والحقّ يدوم وإن طالت الأيام والباطل مخذول وإن نصره أقوام ، وهيهات هيهات أن تستر السّماء بالأكمام والحقّ أضحى من ذكاء وأجلى من شمس الضحى.

وجوب الاستتار ما دام موجبه موجودا مطلقا

سابعا : قوله : « لأن استتار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الغار لم يكن لإخفاء دعوة النبوّة ».

فيقال فيه : إذا جاز للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الاختفاء خوفا من أعدائه جاز لابنه المهدي عليه‌السلام أن يختفي خوفا من أعدائه لكونهما واحدا موضوعا فيكونان واحدا حكما.

وأما قول الآلوسي : « لم يكن الاستتار لإخفاء دعوة النبوّة » فخارج عن الموضوع ، لأن الكلام كان في جواز الاختفاء خوف الأعداء ودعوة النبوّة والإمامة لا تخفى باختفائهما البتة ، فلا يكون الاختفاء سببا لذهاب الدعوة ولذهاب الإمامة حتّى يقال إن الاختفاء لم يكن لإخفاء الدعوة على زعم الخصم.

٣٧١

ثامنا : قوله : « وهذا كان أيضا ثلاثة أيام فقياس ما نحن فيه غاية حماقة ووقاحة ».

فيقال : إذا كان الاختفاء واجبا عند ظهور الخوف من الأعداء كما اعترف به الخصم ، فالعقلاء لا يفرّقون في وجوبه بين أن يكون يوما أو يومين أو أكثر وإنما يدوم وجوبه بدوام ما وجب الاختفاء لأجله ، فمتى ما كان الموضوع الّذي من أجله رتب عليه ذلك الحكم باقيا فحكمه لا محالة باق لا يزول إلاّ بزواله ولا يرتفع إلاّ بارتفاعه ، وهذا واضح عند كلّ إنسان له عقل يميّز به بين السرّاء والضرّاء ، فظهر لك جليا أن ما حاول الآلوسي أن يجعله دليلا على إنكار وجوب الاختفاء عند ثبوت موجبه واستمرار بقائه ببقائه الّذي أراد من ورائه أن يجحد لطف الله ونعمه على عباده كان من أظهر الشواهد على فساد طريقته المعوجّة ، وأن السّهم الّذي رمى به خصمه عاد إلى أحشائه.

فساد ما زعمه الآلوسي أنه هو وأخوه الهندي من أهل الجنّة

تاسعا : قوله : « وتفكر في هذا المقام ترى الفلاح وأن الحق عند أصحاب الجنّة وأهل السّنة ».

فيقال فيه : إنه إن أراد من أهل السنّة أنه هو وأخوه والهندي وغيرهما فقد عرفت لا مرّة أن عملهم كان على خلاف السنّة ، وأنهم ما برحوا متمسكين بغيرها ومتجاوزين عنها ومنقطعين إلى ضدّها ، فلا يصح والحالة هذه أن يكونوا منهم إطلاقا ، وإن أراد بها أهل الجنّة فهم لا شك قليلون : ( وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ ) [ سبأ : ١٣ ] وقد ألمعنا فيما مرّ منّا أن المقصود بهذا القليل في منطوق الآية هم الشيعة الّذين تابعوا أهل البيت عليهم‌السلام من آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنهم مسلمون وهم قليلون ، فلا تنطبق الآية إلاّ عليهم ولا مصداق لها سواهم لخروج الآلوسي وغيره من خصوم الشيعة بوصف الكثرة عن مدلولها كخروج غيرهم من الطوائف بوصف الكفر عنها ، ولا قليل من المسلمين الشاكرين إلاّ الشيعة بالنسبة إلى أعدائهم فهم لا شك أصحاب الجنة.

٣٧٢

نفي الآلوسي اشتراط العصمة في الإمامة

قال الآلوسي ص : (٨٤) : « العدالة شرط الإمامة لا العصمة بمعنى امتناع صدور الذنب كما في الأنبياء عليهم‌السلام خلافا للشيعة الإمامية وهو مخالف للكتاب والعترة ، أما الكتاب فقوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً ) [ البقرة : ٢٤٧ ] فكان واجب الطاعة بالوحي ولم يكن معصوما بالإجماع ... ثم أورد بعض الآيات من هذا القبيل وبعض الأحاديث المكذوبة ونسبها إلى الشيعة ، ثم قال :

« وأدلّتهم هو أن المحوج للنصب هو جواز الخطأ للأمة فلو جاز الخطأ عليها لزم التسلسل ، ويجاب بمنع ما ذكر بل المحوج له هو تنفيذ الأحكام ودرأ المفاسد وحفظ بيت الإسلام سلمنا ، لكن التسلسل ممنوع بل تنتهي السلسلة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سلمنا لكنه منقوض بالمجتهد النائب عن الإمام في الغيبة عند الإمامية وليس بمعصوم إجماعا ، ومن أدلتهم أنه حافظ للشريعة ، ويجاب : بالمنع بل هو مروج والحفظ من العلماء وأيضا ، إذا كان الحفظ بالعلماء زمن العترة وفي الغيبة على ما في كشكول الكرامة ففي الحضور كذلك سلّمنا ، لكن الحفظ بالكتاب والسنّة والإجماع لا بنفسه ممتنع الخطأ في هذه الثلاثة والآراء لا دخل لها سلّمنا ، ولكن ذلك منقوض بالنائب ، وقد يقال : بأن وجود المعصوم لو كان ضروريا للأمن من الخطأ لوجب أن يكون في كلّ قطر بل في كلّ بلدة إذ الواحد لا يكفي للجميع بل هو مستحيل ببداهة العقل ، لانتشار المكلفين في الأقطار والحضور مستحيل عادة ونصب نائب لا يفيد لجواز الخطأ وعدم إمكان التدارك لا سيّما في الغيبة ... إلى نهاية ما قاله ».

المؤلف : أولا : قوله : « وهو مخالف للكتاب ».

فيقال فيه : إنما خالف الكتاب من نسب إلى الأنبياء عليهم‌السلام العظائم ، وعزا إليهم المخازي والمرديات ، وأجاز عليهم الكفر والعصيان دون الّذين اتّبعوا آياته وتلوا نصوصه ، واقتفوا أثره ونزّهوا أنبياء الله تعالى من وصمة الكذب والخطأ والنسيان والعصيان وهم الشيعة لا غيرهم.

٣٧٣

وأما قوله : ( إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ ) فأوضح دليل على جهله وبهتانه لأن ما أورده من الآيات في هذا المقام فمع أخصيته من المدّعى لا دلالة في شيء منه على نفي العصمة مطلقا ، فكيف يكون دليلا على نفيها عن الأئمة عليهم‌السلام ولو سلّمنا جدلا دلالته على عدم عصمة طالوت فأيّ ربط يا ترى بين عدم عصمته وبين عصمة الأئمة من أهل البيت عليهم‌السلام ألا ترى أن الآية لا تدل على وجود هذه الصفات في آخرين غيره ، وعدم عصمة طالوت لو سلّمناه لا يدل على انتفاء العصمة عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ودعواه أن طالوت كان واجب الطّاعة بالوحي مناقضة لدعواه عدم عصمته ، لأن من تجب طاعته بالوحي لا يكون إلاّ نبيّا والنبيّ عليه‌السلام لا يكون إلاّ معصوما على ما اعترف به هذا المتناقض بقوله : ( العصمة بمعنى امتناع صدور الذنب كما في الأنبياء عليهم‌السلام ).

فالآلوسي أما أن يقول بعصمة طالوت لوجوب إطاعته بالوحي أو يقول بعدم عصمته ، فإن قال بالأول ـ وهو قوله ـ بطل قوله الثاني الّذي ادّعى الإجماع عليه ، وإن قال ـ بالثاني وهو قوله ـ بطل قوله الأول ، ولو سلّمنا جدلا أن طالوت لم يكن نبيّا يوحى إليه ولكن وجوب طاعته على الإطلاق بتنصيص نبيّ آخر عليه موجب لعصمته ، وإلاّ لم تجب طاعته مطلقا ، ولما وجبت طاعته مطلقا علمنا أنه معصوم وحسبك هذا التناقض دليلا على فساد قوليه.

وإذا راعك منه هذا التناقض فإليك ما أدلى به فيما مرّ من قوله : ( أن أهل البيت عليهم‌السلام مصيبون في أفعالهم ) فإذا كانوا مصيبين في أفعالهم كانوا معصومين إذ ليس المعصوم إلاّ من كان مصيبا في أفعاله مطلقا ، وتلك قضية الظاهر المستفاد من إطلاق كلامه ، ولكن سرعان ما نقض قوله هنا فزعم عدم عصمتهم ، ولتكن على يقين أن الآلوسي لمّا لم يجد دليلا من الكتاب والسنّة على نفي العصمة عن أهل البيت عليهم‌السلام وعلم قطعا أنهم عليهم‌السلام معصومون بنصّ الكتاب والسنّة كما مرّ عليك بيانه مفصلا ، ولم يستطع أن يعتق رقبته من رق التقليد لتأثره بالعاطفة وانقياده إلى العصبية البغيضة عمد إلى التمويه والمغالطة فأورد بعض الآيات فنصبها أدلة في غير محلّها كما هو الظاهر لمن نظر إليها وعرف وجه دلالتها ، وما

٣٧٤

أوردناه لك من آية ( طالوت ) التي اعتبرها دليلا على نفي العصمة عن أهل البيت عليهم‌السلام شاهد عدل على ما نقول.

ثم إن الإجماع الّذي ادّعاه على عدم عصمة طالوت لم يكن إلاّ من مخترعاته واختلاقه ، ومثله لو كان من المحصل لكان الإحتجاج به على إثبات المدّعى ساقط لا حجّة فيه ، فكيف به وهو منقول خاصة والناقل له متهم لدى الوجدان في نقله بالكذب والافتراء.

رجوع الآلوسي في قوله إلى القول بعصمة الإمام عليه‌السلام

ثانيا : قوله : « إن المحوج للإمام هو تنفيذ الأحكام ».

فيقال فيه : إن تنفيذ الأحكام ـ أحكام الله المتعلقة بأفعال المكلّفين ـ يجب أن تكون على الوجه الّذي أمر الله تعالى بها وجاء بها رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهذا بعينه رجوع من الخصم إلى القول بوجوب عصمة الإمام ، ولكن لما كان الآلوسي ينقل مفاسد الآخرين ومناقضاتهم في هذا الكتاب من غير تفكير لم يهتد إلى تناقضه في قوله ، وذلك لأن غير المعصوم قد يخطئ وقد يجور فيكون تنفيذه لها على غير ما أراد الله وغير ما جاء به رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتالي باطل فالمقدّم مثله ، فإذا بطل هذا ثبت وجوب عصمته على الإطلاق.

ثالثا : قوله : « والحاجة إليه لدرء المفاسد وحفظ بيت الإسلام ».

فيقال فيه : إنه فاسد من وجهين :

الأول : هلا حافظ ( الخليفة ) عثمان بن عفان (رض) على بيت الإسلام ، ولما ذا يا ترى قسّم أمواله على بني عمه من الأمويّين وصرفها في أغراضهم وأغراض نفسه؟ وأيّة مفسدة أعظم من استيلاء بني أمية على أموال المسلمين ورقابهم من المهاجرين والأنصار أهل الحلّ والعقد ـ عند خصوم الشيعة ـ الذين وثبوا عليه حينئذ فقتلوه ومنعوا الناس من دفنه ، فلو كان معصوما لم يقع منه كلّ هذا.

الثاني : لو جاز على الإمام الخطأ لوقع منه الفساد كما وقع غير مرة من المستخلّفين بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والآلوسي يعترف أن الحاجة إليه لدرء المفاسد

٣٧٥

فتنتفي الفائدة من نصبه ، لأن غير المعصوم قد يخطئ وقد يجور فتقع منه المفاسد ، فمن يا ترى يزيل مفاسده إن لم يكن ثمة إمام معصوم.

عدم مانعية الاجتهاد والعدالة من ضياع الشريعة

رابعا : قوله : ( بل الاجتهاد والعدالة ).

فيقال فيه : كان على الآلوسي أن يفكر في مقاله قبل إيراده ليرى أن الاجتهاد لا يغني صاحبه من حفظ نفسه عن الخطأ ، فكيف يمكنه أن يغني من حفظ الشريعة عن الضياع ، فإن المجتهد قد يخطئ فيؤدي خطؤه إلى تفرّقها وتلاشيها لا حفظها ورعايتها.

أما العدالة التي هي دون مرتبة العصمة فلا تجدي نفعا ، لأن العادل قد يجور خطأ فيصرف أموال بيت الإسلام في أغراض نفسه ، ويقيم الحدود في غير محلّها ، ويتركها في موضعها بالاجتهاد كما فعل ذلك عثمان بن عفان (رض) الّذي يقول الخصم باجتهاده ، فالعصمة لا بدّ منها في الإمام ولا محيص عن القول بها فيه.

بطلان قول الآلوسي بانتهاء المتسلسل إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

خامسا : قوله : ( سلّمنا لكن التسلسل ممنوع لانتهاء السلسلة إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ).

فيقال فيه : أنه فاسد من وجوه :

الأول : إن انتهاء السلسلة إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باطل ، لأن الآلوسي يزعم عدم عصمة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنه يجوّز عليه الزلاّت والخطأ والنسيان كما تقدم نقله عن صحيح البخاري ، واعتراف الخصم بثبوت الزلاّت له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

الثاني : كان بحثنا في أن الحاجة لنصب الإمام هو جواز الخطأ من الأمة فلو جاز الخطأ من الإمام لاحتاج إلى إمام آخر فيلزم التسلسل ، فلا بد من انتهائه إلى إمام لا يجوز عليه الخطأ وهو الإمام في الأصل ، وما كان بحثنا في النبوّة التي هي غير الإمامة حتّى يزعم الآلوسي بانتهاء السلسلة إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكم من فرق بين الموضوعين ، موضوع النبيّ وموضوع الإمام الّذي يدركه من يفهم.

٣٧٦

الثالث : إنّ التسلسل هو وجود سلسلة المعلولات المتعددة في الأزمنة المتعددة قبل وجود عللها وهو محال عقلا كتوقف وجود زيد على وجود بكر وبكر على خالد إلى ما لا نهاية له في الوجود ، ولا شكّ في أن وجود فعلية الإمامة موقوف على فقد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا على وجوده ، فكيف يصح أن تنتهي السلسلة إليه بعد فقده ، والإمام لو لم يكن معصوما لوجب أن يكون له إمام آخر موجود لا مفقود ، فيخرج ما ذكره عن موضوع التسلسل أصلا وفرعا ، لأن أحد الموقوف عليه مفقود والآخر موجود ، وشرط التسلسل الترامي في الوجود إلى ما لا نهاية له وهو هنا لا وجود له إطلاقا ، ولكن خلط الرجل وخبطه بين الموضوعين وعدم تميّيزه بين النبيّ والإمام ، وعدم فهمه لمورد التسلسل ، وأنه في أي شيء يكون ومتى يكون دعاه إلى أن يقول : ( لكن التسلسل ممنوع لانتهاء السلسلة إلى النبيّ ) يروم بهذه القفزة التي كسرت ساقيه أن يمنع هذه السلسلة التي غلّ بها عنقه.

المجتهد غير الإمام فلا ينتقض أحدهما بالآخر

سادسا : قوله : ( سلّمنا لكنه منقوض بالمجتهد النائب عن الإمام في الغيبة ).

فيقال فيه : أنّه مردود لوجهين :

الأول : إنّ من شروط النقض وحدة الموضوع والمحمول والزمان والمكان وغيرها من الشروط المعتبرة في تحقق التناقض وهي ثمانية عند علماء المنطق ، والمجتهد هو غير الإمام مطلقا سواء في ذلك زمان حضوره أو زمان غيبته ، فكيف ينتقض هذا بذاك وبين الموضوعين صغرى وكبرى وقياسا بون شاسع ، ولكن يهون على الآلوسي أن يلقي الكلام جزافا ويهون عليه أن يمشي والقيد في رجليه.

الثاني : إنّما يجوز الاجتهاد عند تعذر العلم وانسداد بابه وعدم إمكان تحصيله ، أما مع إمكان العلم وانفتاح بابه فلا يجوز الركون إليه لأنه من الظنون التي يمنع العقل من الرجوع إليها مع العلم ، وإنما أجاز الرجوع إلى الظن مع تعذر العلم لكونه يؤدّي الوظيفة العملية في ذلك الحال ولا سبيل له سواه لا مطلقا وعلى كلّ حال.

٣٧٧

سابعا : قوله : ( إنّ الإمام هو مروج الأحكام والحافظ العلماء ).

فيقال فيه : إن أراد بالعلماء نفسه ومن كان مثله فنحن لا نشك في أنهم من الجاهلين ، وإن أراد بهم المجتهدين في الأحكام وأنهم حافظون للشريعة من الزيادة أو النقصان والضياع والاضمحلال ففيه ما تقدم ذكره من أن المجتهدين قد يخطئون فيؤدي خطؤهم إلى إضاعة الشريعة وإدخال النقص أو الزيادة فيها ، وأن اجتهادهم لا يغنيهم من حفظ أنفسهم من الخطأ فكيف يحفظون غيرهم ، فإذا كانوا لا يسلمون على حفظ أنفسهم فكيف يا ترى يسلم غيرهم : ( والفاقد لا يعطى والناقص لا يكمل ).

زعم الآلوسي حفظ الشريعة بالكتاب والسنّة والإجماع

ثامنا : قوله : « سلّمنا لكن الحفظ بالكتاب والسنّة والإجماع ».

فيقال فيه : أمّا الكتاب فهو نفسه يحتاج إلى حافظ وذلك الحافظ يجب أن يكون معصوما ، لأن غيره ينسى ويخطأ فلا يصلح أن يكون حافظا ، ولو كان نفسه حافظا من دون قيّم عليه لبطل قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إنّي تارك فيكم الثّقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ) لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما قرن عترته أهل بيته عليهم‌السلام بكتاب الله ليكونوا قائمين به ، ومبيّنين للناس أحكامه ، وحافظين له من تحريف الضالّين وانتحال المبطلين ، والقول ببطلان قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كفر وضلال ، ومن ثم لا يمكن أن يكون حافظا للشريعة لعدم إتيانه على كافة الأحكام التفصيلية من صلاة وزكاة وحج ونحوها ، ولاشتماله على الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه.

وغير المعصوم يخطئ فيختلط عليه أمر الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه ولا يهتدى إلى فهم معناه كلّ أحد ، وقال تعالى : ( وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ ) [ يس : ١٢ ] فلا بد أن يكون هناك إمام مبيّن لغوامضه وأسرار دقائقه وتفصيل أحكامه وناسخه ومنسوخه ، وهذا شيء لا يستطيع عليه حتى المجتهدون فضلا عن غيرهم من الجاهلين الّذين يحكمون في الدين بالرأي والهوى والعصبية

٣٧٨

العمياء ، وأما السنّة فكذلك لعدم إتيانها على جميع الأحكام التفصيلية وإلاّ لبطل الاجتهاد وفسد القياس المعتبر عند الآلوسي وغيره من خصوم الشيعة ، وبطلت المذاهب الأربعة التي يرجع إليها الآلوسي وغيره في أخذ دينهم.

وأما الإجماع فكذلك ، لأنه إذا جاز على كلّ واحد من المجمعين الخطأ جاز الخطأ على المجموع إن لم يكن ثمة معصوم معهم ، وذلك فإن معناه ضم من يجوز عليه الخطأ إلى مثله في جواز الخطأ عليه فلا عاصم لهذا المركب مع عدم وجود المعصوم فيهم ، ولأن إجماعهم ليس لدلالة وإلاّ لاشتهرت ولا لإمارة إذ من الممتنع اتفاق الناس في سائر البقاع على الإمارة الواحدة ، إذ لا يمكن اتفاقهم على أكل طعام معين في وقت واحد كما هو معنى الإجماع.

وجهة أخرى أن الإجماع عند خصوم الشيعة من الأمور المستحيلة وأنه ليس بالممكن المعقول وجوده بالمرّة على ما حكاه العضدي في شرحه للمختصر ، والبيضاوي في منهاجه ، والآمدي في أصول أحكامه (١).

وحكى عن إمامه أحمد بن حنبل ، أنه قال : ( من ادعى وجود الإجماع فهو كاذب ) وغيرهم من أعلام أهل السنّة في أصولهم ، فكيف يكون المستحيل حافظا للشريعة على زعم هذا الخصم الّذي لم ير شيئا من مقررات أئمته وأعلام مذهبه ، ثم إن الموارد التي أجمعوا عليها في المسائل الشرعية قليلة جدا والموارد التي اختلفت فيها أهواؤهم وآراؤهم كثيرة وقد مرّ عليك بعضها فتذكّر ، فكيف يكون حافظا مع هذا الاختلاف الفاحش بينهم ، فلو صح أن يكون الإجماع حافظا كما يزعم الآلوسي لحفظهم من ذلك الاختلاف الّذي بدّلوا به الدين وسنن سيّد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرأيت كيف يجب أن يكون الإمام هو الحافظ وأنه هو الّذي يجب

__________________

(١) تجد أقوالهم مفصلا في ص : ( ٢٨٢ ـ ٢٨٤ ) من جزئه الأول المطبوع سنة ( ١٣٣٢ ه‍ ) ، وحكى ذلك أيضا الصدّيق حسن أحد شيوخ أهل السنّة في كتابه ( مطالب الحصول في المأمول من علم الأصول ) ص : (٤٣) وما بعدها المطبوع سنة ( ١٢٨٩ ه‍ ). وهو تلخيص كتاب ( إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول ) للشوكاني ، وهكذا سجّله العضدي في شرحه ص : (١٢٣) من جزئه الأول المطبوع سنة ( ١٣٠٧ ه‍ ).

٣٧٩

الرجوع إليه ليبيّن للنّاس وجه الصواب فيما اختلفوا فيه ويرشدهم إليه حفاظا على أمر دينه ، وأن على النّاس أن يخضعوا له وينقادوا إليه.

زعم الآلوسي أن وجود المعصوم بالضرورة يوجب التعدد في كلّ محل

تاسعا : قوله : ( ولو كان وجود المعصوم ضروريا لوجب أن يكون في كلّ محلّ وقطر ).

فيقال فيه : من الغريب أن يقول الآلوسي إن وجود المعصوم بالضرورة يوجب تعدده في كلّ قطر بل في كلّ بلدة ، ألم أقل لك إنه يلتقط الآراء من هنا وهناك وهو على غير بيّنة من فسادها ، بربك قل لي ما هي الملازمة بين ضرورة وجود المعصوم وبين وجوب تعدده في كلّ قطر ، والقرآن يقول : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) [ النساء : ٥٩ ] وعقيدتي أن الأغبياء لا يعسر عليهم فهم ما ينطوي عليه منطوق هذه الآية من وجود من تجب طاعته كطاعة الله وطاعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كلّ زمان ، نعم لا يجوز بنظر الآلوسي أن يكون الواحد كافيا للجميع للتعليل الّذي جاء به : ( من انتشار المكلّفين وعدم عصمة النائب ) فيلزم على علّته التي ابتلي بها إما عدم عصمة الأنبياء عليهم‌السلام التي اعترف بعصمتهم أو تعدد الأنبياء عليهم‌السلام في كلّ قطر بل في كلّ بلدة : ( لأن الواحد لا يفيد للجميع بل هو مستحيل ببداهة انتشار المكلّفين والنائب عنه لا يكفي لأنه غير معصوم ) على زعمهم ، فالآلوسي إما أن يقول بعدم عصمة الأنبياء عليهم‌السلام للتعليل الّذي جاء به من وجوب تعدد المعصوم في كلّ قطر ومحلّ إذا كان وجود المعصوم ضروريا والّذي من أجله حاول مستحيلا إبطال وجوب عصمة الإمام أو يقول بعصمتهم ، فإن قال بالأول بطل قوله الثاني وهو اعترافه لهم بالعصمة ، وإن قال بالثاني ـ وهو قوله ـ بطل تعليله الفاسد من وجوب تعدده في كلّ قطر ومحلّ ، وأيّا كان فهو دليل على فساد مزعمته.

ثم نقول للآلوسي : أترى أن الله تعالى ما كان يعلم بانتشار المكلفين في الأقطار والبلدان؟ وما كان يعلم بكفاية الواحد المعصوم؟ فإن قال : يعلم ، فيقال له : فكيف يا ترى أرسل محمّدا نبيّا واحدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وختم به الأنبياء عليهم‌السلام فدعا إلى

٣٨٠