الآلوسي والتشيع

السيد أمير محمد القزويني

الآلوسي والتشيع

المؤلف:

السيد أمير محمد القزويني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: محمّد
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٥

كشف الرجز أمر ممكن الوقوع لذا استحق الفريق الثاني الانتقام بنكثه والفريق الأول بسؤاله.

الخلاصة في آية لن تراني

والخلاصة إن قوم موسى عليه‌السلام لما سألوا أولا أن يكلّمهم الله تعالى وأجاب الله تعالى مسألتهم تكرما منه ومنّة عليهم فازداد طمعهم وجرّهم إلى أن يسألوا أكبر من ذلك وهو رؤيته تعالى فمنعهم موسى عن ذلك ونهاهم عنه ، ويدلّ عليه ما ورد في سبب نزول الآية وسياق قوله تعالى : ( إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ) [ البقرة : ٥٥ ] مع قوله تعالى : ( أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا ) [ الأعراف : ١٥٥ ].

وحينئذ فليس من المعقول أن يعذّب الله تعالى أمّة علّقت إيمانها على أمر ممكن الوقوع ولو في الآخرة وسألوا الهداية من نبيّهم عليهم‌السلام بعد حصوله فلم يجبهم إليه ، بل أنزل عليهم العذاب ، أللهم إلاّ إذا كان سؤالهم متعلّقا بطلب ظلم عظيم وأمر غير ممكن في نفسه إطلاقا ، لذلك استحقّوا العذاب على مجرد طلبه كما يدلّ عليه قوله تعالى : ( فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ) [ النساء : ١٥٣ ].

رابعا : قوله : « إنه تعالى علّق الرؤية على استقرار الجبل وهو ممكن في نفسه ».

فيقال فيه : إن المعلّق عليه لم يكن الجبل في نفسه وإنّما علّق الرؤية على عدم استقرار المعلّق عليه وهو الجبل في ذلك الحال بقوله تعالى : ( فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا ) [ الأعراف : ١٤٣ ] أي جعله مستويا والأرض على أحد الأقوال ، أو أنه ساخ في الأرض حتى فنى عن الحسن ، أو أنه صار ترابا كما عن ابن عباس ، أو صار قطعا قطعا.

وأيّا كان فلم يتحقق إمكان الاستقرار في الجبل الّذي علّق الرؤية على استقراره ، فإذا كان هذا ما تراه في حال الجبل فأي استقرار يتصور فيه حتّى يزعم هذا أنّه ممكن الاستقرار ، لا سيّما بعد ملاحظة قوله تعالى : ( لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ ) وقوله تعالى : ( جَعَلَهُ دَكًّا ) فإنه يفيد تعليقه الرؤية على أمر

٣٢١

غير ممكن الاستقرار ، فتعليل وقوع الرؤية باستقرار الجبل محال ، والمعلّق على المحال محال ، فإذا ثبت لديك أن المعلّق عليه لم يقع لاستحالته في ذلك الحال ثبت أن المعلّق لم يقع لاستحالته هو الآخر.

خامسا : قوله : « وأيضا صح عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

فيقال فيه : إن صحيحه غير صحيح وفاسد ، بل هو كذب وافتراء على سيّد الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليخالف كتاب الله في شيء مطلقا أبدا ، وأنت ترى صريح القرآن دالاّ على عدم الجواز إطلاقا ، فإذا كان لا يسلم من افتراء هذا الرجل خاتم الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكيف ترجو أن يسلم الشيعة من كذبه وافترائه.

النظر ليس بمعنى الرؤية مطلقا

سادسا : قوله : « وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ».

فيقال فيه : إن النظر ليس بمعنى الرؤية مطلقا كما توهمه الخصوم بل بينهما عموم وخصوص من وجه ، وذلك فإن النظر يثبت عند انتفاء الرؤية فتقول نظرت إلى الهلال فلم أره ، وتثبت الرؤية عند انتفاء النظر فتقول في الله رأى ولا تقول نظر ، وتأتي الرؤية عقيب النظر فتقول نظرت فرأيت ، ويكون النظر وصلة للرؤية فتقول أنظر لعلك ترى ، ويكون غاية في الرؤية فتقول ما زلت أنظر حتى رأيت ، فمن أين علم الخصم أن النظر بمعنى الرؤية مطلقا حتى يحتج به على إثبات مبتغاه وهو أخص من المدّعى من وجه وأعم منه من وجه آخر ، فالنسبة بين النظر والرؤية كالنسبة بين الأبيض والإنسان لا يدل أحدهما على إرادة الآخر عند الإطلاق كما لا يخفى على أولي الألباب ، وأما قوله : ( والنظر المتعدي ـ بإلى ـ بمعنى الرؤية ) ففاسد وهو من أقبحه من وجهين.

الأول : عدم وروده في اللّغة فيكون القول به تعصبا وعنادا.

الثاني : منقوض بقوله تعالى : ( وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ) [ الأعراف : ١٩٨ ] فكيف يصح ما زعمه الخصم من أن النّظر المتعدّي بإلى بمعنى الرؤية والقرآن العربي يبطله ويحكم بكذبه.

٣٢٢

سابعا : قوله : « أما العقل فهو إنّا نرى الأعراض كالألوان ».

فيقال فيه : يريد الآلوسي بهذا التقرير من رؤيته للأعراض والألوان والأجسام وأمثال ذلك أن يثبت رؤيته لله الّذي هو ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ولا لون ولا يشبهه شيء ، وليس في جهة ولا في محلّ ليجري عليه ما يجري على الآخرين من المخلوقين فيمكن رؤية ، أللهم إلاّ أن يزعم الخصوم أن إلههم الّذي عكفوا على عبادته كواحد من هذه الموجودات فيرونه بباصرة أعينهم ، ولا شك في أن قياسهم لواجب الوجود بالذات الّذي ليس له حدّ محدود ولا أمد ممدود على الممكنات الموجودة من أقبح القياس وأشدّه فسادا ، بل لا يصح أن يقول به أهل القياس لعدم وجود المشابهة بين الخالق والمخلوق في شيء : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) [ الشورى : ١١ ] ويحسن بنا أن نذكر لك تقريره لتعرف بذلك ارتباكه وعجزه ، وأن ما خاله دليلا عقليا على صحة مذهبه لم يكن إلاّ من الشواهد على هذيانه.

أما قوله : « وذلك الأمر المتعلّق للرؤية إما الوجود أو الحدوث أو الإمكان ، والأخيران عدميان لا يصلحان لتعلّق الرؤية بهما ، فلم يبق إلاّ الوجود وهو مشترك بين الواجب والممكنات فيجوز رؤيته ».

فيقال فيه : بربك قل لي أيها العاقل هل ترى هناك مناسبة بين مقدمات كلامه وبين النتيجة التي يقول فيها : ( فيجوز رؤيته ) وأي شكل هذا يا ترى من أشكال الأقيسة المنطقية حتّى تكون نتيجة ذلك الشكل جواز رؤيته؟ وما هي الصلة بين قوله : فلم يبق إلاّ الوجود ، وبين قوله : فيجوز رؤيته ، فإن رؤية وجود الممكنات غير رؤيته تعالى بوجوده الخاص الّذي هو عين ذاته.

ثم إنه إن أراد من رؤية الوجود المطلق أو مطلق الوجود وهو الّذي قال فيه إن المراد بالوجود مفهوم الوجود أن رؤية مطلق الوجود تكون رؤية له فهو بأقصى مراتب السقوط.

أما أولا : فلأن رؤية مطلق الوجود فمع كونه مفهوما منتزعا ليس له في الخارج صورة ولا يمكن رؤيته بالعيان والحسّ ، ولا النظر إليه بالبصر ، ولا يمكن

٣٢٣

تعلّق الرؤية به بالمرّة ، وإنما المتعلّق به الرؤية هي الموجودات الخارجية التي هي من أفراد ذلك المفهوم ؛ أعني كلّي الوجود الصّادق على كلّ موجود منها ، المتشخصة في كون الوجود بخصوصياتها ، والوجود من حيث هو لا يمكن أن يرى بباصرة العين أبدا ، فإن كلامنا كان في رؤية الله تعالى بوجوده الخاص الّذي هو عين حقيقته وكنهه وما هو إنيّته في كون الوجود كرؤية غيره من الموجودات الممكنة ، ولم يكن الكلام في رؤية مطلق الوجود على فرض إمكان رؤيته فإنه خارج موضوعا عن محلّ النزاع ، فما زعمه الخصم من إمكان رؤية مطلق الوجود المستحيل لإثبات رؤية الله المستحيل هو الآخر عقلا من أوضح الدليل على خبطه وخلطه وخروجه عن الموضوع ، والخروج عن الموضوع آية الهزيمة وملجأ الهارب.

ثانيا : رؤية المطلق على فرض إمكانه لا يكون من الرؤية لأفراده الخاصة ومصاديقه الجزئية الخارجية ، بل رؤية المطلق من كلّ شيء لو أمكن لا يكون من الرؤية لأفراده في شيء إطلاقا.

ولنفرض ـ وفرض المحال ليس بمحال كما يقال ـ إنه يمكن رؤية مطلق الحيوان إلاّ أن رؤيته لا تكون رؤية للإنسان ، أو أنه يمكن رؤية مطلق الإنسان إلاّ أن رؤيته لا تكون رؤية أفراده كزيد وخالد وغيرهما من أفراده في الخارج ، بل رؤية بعضها لا تكون للبعض الآخر ، وهذا في البداهة إلى درجة لا يشك فيه أي إنسان له عقل.

والآلوسي لما تفطن إلى فساد هذا القول وأنه مما يأباه العقل والعقلاء ولا يقرره إلاّ المصاب في عقله قال : ( وبالجملة إن المعتمد في مسألة الرؤية هو الإجماع ) فأبطل بقوله هذا جميع ما جاء به أولا وآخرا من الباطل لإثبات مذهبه ، وليته تفطن إلى أن الإجماع الّذي ادّعاه هنا لإثبات رؤية الله أشدّ سقوطا وفسادا من تلك المزاعم الفاسدة ، وذلك لأن الإجماع لو سلّمنا جدلا وجوده فهو لا قيمة له في أمثال هذه المسائل العقلية ، لا سيّما أنّ العقل حاكم جزما بامتناع رؤيته ، والقرآن صريح في امتناعه وأن طالب رؤيته ظالم مستحق لإنزال الصّاعقة عليه كما

٣٢٤

مرّت الإشارة إليه في قصة قوم موسى عليه‌السلام وليس استحالة رؤيته عنده بأقل من استحالة وجود شريك الباري.

الإجماع الّذي ادعاه الآلوسي على الرؤية

ثم إنّا نقول للآلوسي : إن الإجماع المدّعى على إثبات رؤية الله فاسد من وجود :

الأول : إننا لم نر فيما نعلم أن واحدا من سلفه ادعى الإجماع على مثل هذه المسألة التي قام النزاع فيها بين الأمة على ساق ، وحينئذ فلا نشك في أن ذلك من مخترعاته واختلاقه فالرجل لمّا أفلس من الحجّة ولم يظفر بالسند وعجز عن إقامة الدليل العلمي على إثباتها ادعى إجماع الأمة على ذلك ليغري العامة فيقول إن مثل هذه المسألة التي يأباها العقل والدين وما لا تسنده الأدلة المنطقية ثابتة بإجماع المسلمين بهتانا وزورا.

الثاني : إن أراد بإجماع الأمة أن الأمة جميعا من أهل السنّة والشيعة أجمعوا على رؤية ففاسد جدا ، لأن جميع الشيعة وكافة المعتزلة من أهل السنّة على خلاف ذلك ، وإن أراد به إجماع المتقدمين في عصر الصّحابة فأقبح فسادا من سابقه ، وذلك لأن مسألة إمكان الرؤية من معتقدات الأشعري وأتباعه ، وليس هو من الصّحابة ولم يكن في عصرهم وعلى فرض التسليم جدلا فهو من الإجماع المنقول ، وقد انفرد بنقله هذا الآلوسي وحده والمنقول في نفسه غير مقبول فكيف إذا كان الناقل له خائنا كاذبا.

الثالث : إن هذا الإجماع المزعوم لو كان محصلا لما نهض دليلا في مثل هذه المسألة وغيرها مما هو من أظهر مصاديق حكم العقل المؤيد بحكم الكتاب الحاكم بفساده.

الرابع : كان على الآلوسي أن ينقل لنا ذلك الإجماع بأسانيد تفيد العلم كما هو شريطة نقل الإجماع عند علماء الأصول من الفريقين ، ومن حيث أنه أهمل ذلك ولم يأت على ذكره علمنا بطلانه.

٣٢٥

الخامس : إن أراد بالإجماع الأشاعرة وحدهم ففاسد أيضا ، لأنه لا أثر لإجماعهم ولا حجّة فيه على شيء إطلاقا فلا يكون دليلا منطقيا له حجيّته لأن الخصم لا يكون حكما ، وما تفرّد به لا يكون حجّة على خصمه المخالف له في الرأي والمبدأ.

ثامنا : قوله : « وأنكر جميع الشيعة رؤية الإله إلاّ المجسّمة منهم ».

فيقال فيه : أولا : إن الظاهر من مقال هذا الخصم إن القول برؤية الله ملازم للقول بتجسيمه ، فكلّ من قال بإمكان رؤيته قال بتجسيمه وأن له أبعادا من الطول والعرض والعمق ، وعليه يكون الآلوسي مجسّما للإله في دعوى رؤيته.

ثانيا : ليس في الشيعة من يقول بتجسيم الإله إطلاقا ، بل يعتقدون كما مرّ أنه ليس بجسم ، وإنما قال بتجسيمه خصوم الشيعة وأعداؤها الّذين قالوا إنه جالس على العرش كجلوسهم على الأرض كما ألمعنا.

ثم إن إنكار رؤيته تعالى ليس من خواص الشيعة وحدهم ، بل أنكر ذلك كافة أهل العقل وعلى هذا الإنكار جميع الفلاسفة والمتكلمين والمعتزلة من أهل السنّة ، ولم يخالف في ذلك إلاّ الأشاعرة كما يجد ذلك كلّ من راجع كلماتهم في هذا الباب من كتب الفلسفة والكلام.

تاسعا : قوله : « وعقيدتهم هذه مخالفة للكتاب والعترة ».

فيقال فيه : إنما خالف الكتاب والعترة في عقيدته وسائر أقواله وأعماله هو وغيره من المنحرفين عن الثقلين كتاب الله وعترة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهل بيته عليهم‌السلام الّذين قالوا إنّ الله يدا ورجلا وساقا وأعضاء وجوارح ، وأنّه ينزل في كلّ ليلة جمعة على حمار في صورة شاب أمرد وينادي إلى الصباح : هل من مستغفر هل من تائب ، أما خصوم الآلوسي فيعتقدون في الله تعالى أنه ليس كمثله شيء ، وهو خالق كلّ شيء ، ولا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللّطيف الخبير ، لا إله إلاّ هو ربّ العالمين ، وقد أدلينا عليك فيما مرّ فساد احتجاجه بآية : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ ) على رؤيته ، وأن الآية صريحة في المنع لا سيّما بلحاظ حكم العقل القاطع بامتناع رؤيته.

٣٢٦

ما قاله في آية أنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون

عاشرا : قوله : « ويدل على ذلك قوله تعالى في حقّ الكافرين : ( إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ).

فيقال فيه : أولا : إنه أخص من المدّعى فلا يجوز جعله دليلا على صحة الدعوى.

ثانيا : لا دلالة فيه على جواز رؤية الله ، إذ لا ربط بين كون الكافرين محجوبين عن رحمة ربهم ـ كما هو مفاد الآية ـ وبين رؤية المؤمنين له في القيامة الخارج عن منطوقها.

وكم من فرق بين كون الكافرين محجوبين عن رحمة ربهم لكفرهم كما تدل عليه الآية وبين رؤية المؤمنين له تعالى ، فإن هذا الأخير لا يفهم من الآية ولا تفيده فكيف يصح أن يستدلّ بها عليه ، وهي لا تلوح منها عليه لائحة ولا تشم منها رائحة.

فالآلوسي لم يزل يأتي بآيات لا علاقة لها بمحلّ النزاع ولا صلة بينها وبينه فيحتج بها في غير موردها ، ويعرف ذلك كلّ من اطلع على كتابه وقرأ ما فيه ، وما أورده هنا من الآيات شاهد عدل على ما نقول.

الشيعة لا يستندون في إنكار رؤية الله إلى الاستبعاد

الحادي عشر : قوله : « مع أن متمسك هؤلاء المنكرين في نفي الرؤية ليس إلاّ الاستبعاد ، وغاية سوء الأدب لمن يؤول آيات الكتاب بمجرد استبعاد عقله الناقص ، ويصرفها عن الظاهر ولا يتفكر ولا يتأمل في معانيها فيه ».

فيقال فيه : إنما يركن إلى الاستبعاد الناشئ عن عقله الناقص وفهمه القاصر وعن سوء تفكيره هو هذا الخصم الّذي أفلس من كلّ حجّة ، وفاته كلّ سند على إثبات مدعياته ، ثم إذا كان هناك من يصرف الآيات عن ظواهرها ولا يلتزم بوجه دلالتها ، ويؤولها حسبما يهوى من دون تفكير ولا تأمل في معانيها ، فأساء إلى

٣٢٧

القرآن إساءة يستمر شؤمها سرمدا فهو صاحب الكتاب من خصماء الشيعة وأعدائها الّذين يصرفون محكمات الكتاب عن وجه دلالتها ، ويأخذون في تأويلها بما يوافق أهواءهم وأذواقهم ، وحسبك شاهدا على صدق ما نقول ما جاء به في كتابه من المزاعم التي يتبرأ منها الدين ، وينبذها كلّ ذي عقل سليم بل الفطرة البشرية تأباها كلّ الإباء وتضربها بيد عنيفة في وجهه.

ما قاله الآلوسي في آية لا تدركه الأبصار

الثاني عشر : قوله : « وفي آية لا تدركه الأبصار نفي للإدراك الّذي بمعنى الإحاطة في اللّغة لا نفي الرؤية ».

فيقال فيه : ليس الإدراك بالبصر لغة بمعنى الإحاطة بجوانب المرئي ـ كما يزعم الخصم ـ وإنما أصل معناه كما نصّ عليه أهل اللّغة بمعنى النيل والوصول ، ولكن ليس في هذا ما يدل على أن الإدراك بالبصر المنفي في صريح الآية بمعنى الرؤية على وجه الإحاطة بجوانب المرئي ، كما يقول الآلوسي الّذي تلقى هذا ونحوه من المتقدمين عليه دون أن يتفطن إلى وضوح بطلانه ، وذلك لأن الإدراك بالبصر المنفي في الآية هو عين الرؤية بالبصر ولا يغايره إلاّ لفظا فهما واحدا مفهوما ومعنى.

الثالث عشر : قوله : « فهما متباينان في الحقيقة وبملاحظة إسناده إلى الأبصار صار بوجه أخص منها ».

فيقال فيه : إنه إن أراد أن الإدراك بالبصر المنفي في الآية مباين للرؤية بالبصر فقد عرفت فساده ، على أن البصر جسم كثيف محدود فليس من الممكن المعقول أن يرى اللّطيف الّذي ليس له حدّ ، فقوله تعالى وهو اللّطيف الخبير آية ثانية على أنه لا تراه العيون الكثيفة.

وإن أراد أنهما متباينان في نفسيهما فمع خروج ذلك عن مورد الآية فاسد أيضا ، لأن النسبة بينهما أيضا عموم وخصوص من وجه لا نسبة التباين ، فالمتنازع فيه أن الإدراك بالبصر الّذي هو المنفي في صريح الآية هو الرؤية بالبصر أولا لا

٣٢٨

أن الإدراك هو بمعنى الرؤية أولا ، وقد عرفت أن الموجود في لغة العرب أن الإدراك بالبصر عين الرؤية بالبصر لا غير.

الرابع عشر : قوله : « فنفي أحد المتباينين لا يستلزم نفي الآخر » فيرد عليه.

أولا : بالتناقض بقوله : ( وبملاحظة إسناده إلى الأبصار صار بوجه أخص منها ) وذلك لأن النسبة بينهما مع إسناده إلى الأبصار المنفي بذلك الإسناد في صريح الآية عموم وخصوص من وجه لا تباين ، فكيف يزعم هذا المتناقض أن نفي أحد المتباينين في المقام لا يستلزم نفي الآخر ، في حين أن النسبة بينهما عموم من وجه على حدّ زعمه الآخر.

ثانيا : لما عرفت أنهما متساويان بالإسناد إلى البصر في المعنى فنفي أحد المتساويين يستلزم نفي الآخر قطعا. فكلّ ما ليس بإنسان ليس بناطق ، فنفي الإدراك بالبصر المنفي عنه تعالى في الآية نفي لرؤيته بالبصر.

الخامس عشر : قوله : « وكذا نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم ».

فيقال فيه : ليست النسبة بينهما عموما وخصوصا مطلقا لما تقدم ذكره من أن النسبة بينهما بالإسناد إليه تساو ، والغريب في تناقضه أنك تراه تارة يقول إن بينهما تباينا ، ومرة يقول وبملاحظة إسناده إلى الأبصار صار بوجه أخصّ ، وأخرى يقول كما هنا وكذا نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم فأثبت أن بينهما عموما وخصوصا مطلقا ، ولو لم يكن منه إلاّ هذا التناقض لأغنانا عن بطلان مزاعمه.

السادس عشر : قوله : « أما ما يرادف العلم فهو المصطلح لا غير لأن الإدراك بمعنى العلم والإحساس ليس في اللّغة ».

فيقال فيه : إن أراد من نفي كون الإدراك في اللّغة بمعنى العلم والإحساس عدم كونهما مشمولين لمفهوم الإدراك فالمنع فيه أظهر من أن يخفى لصدق الإدراك على العلم والإحساس ، وإن أراد عدم تفسير أهل اللّغة ذلك بهما وإن كان ذلك التفسير صادقا عليهما فلا يفيده شيئا ، لأن الظاهر من حال اللّغويين أنهم يضعون بعض الألفاظ لمعان كلية ومفاهيم عامة صادقة على أفرادها من غير أن

٣٢٩

يتعرضوا لتفاصيل الأفراد التي تنطبق عليها تلك المفاهيم الكلية عند الوضع ، بل يكفي عندهم في الوضع أن تكون تلك الأفراد مصاديق لبعض تلك المعاني على وجه يصح أن يحكم عليها بذلك ، وهذا واضح عند من يفهم لغة العرب ويعرف معاني ألفاظها وكيفية وضعها وموارد استعمالاتها.

السابع عشر : قوله : « وبالإجماع يجوز رؤية الجن والشيطان ».

فيقال فيه : لو فرضنا جدلا صدق الآلوسي في جواز رؤية الجن والشيطان وفرضنا قيام الإجماع عليه كلّ ذلك من باب التساهل معه ولكن أين الدليل فيه على جواز رؤية الله تعالى الذي ثبت امتناعها إطلاقا بالعقل والنقل ، وأي ربط يا ترى بين جواز رؤية الشيطان والجن ـ كما يزعم الخصم ـ لو سلّمناه وبين رؤيته تعالى ، وما هي المناسبة بينهما ليكون الدليل على إثبات أحدهما دليلا على إثبات الآخر ، وكم من فرق بين الله وبين الجنّ والشيطان ، وأيهما الأصل في قياس الآلوسي وأيهما الفرع ، وما هو وجه الشبه بينهما وبينه تعالى حتى يكون قيام الإجماع المدّعى في قول الآلوسي على جواز رؤيتها قياسا على جواز رؤية الله تعالى ، ألم يكن الأولى بالآلوسي أن يكفّ عن إيراد أمثال هذه المزاعم الباطلة والآراء المضحكة التي أسقط من أجلها نفسه في نظر قراء كتابه ، والأطم من ذلك أن يدّعي الإجماع عليه.

الثامن عشر : قوله : « ومن طريق العترة ، فلما رواه ابن بابويه من جواز رؤية الله ».

فيقال فيه : إن هذا الافتراء ليس بأول مفتريات الآلوسي على أئمة الشيعة ، فإنه لم يزل يعزو إليهم الأكاذيب ترويجا لخباله وتمشية لهناته ، فهو إذ يكذب عليهم وينسب إليهم الباطل لا يعتمد إلاّ على ما خطّه له سلفه من الكذب عليهم وكم فيهم من كذّب على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنسب إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأحاديث انتصارا للمذهب وتصحيحا لما ارتكبوه من المخالفة لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفعله وتقريره ، وليت الآلوسي علم أن أهل البيت عليهم‌السلام أعلى كعبا وأجلّ قدرا ، وهم أعدال كتاب الله وحملة علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أن يخالفوا القرآن في شيء وهم لا يفارقونه أبدا ، فلا

٣٣٠

يصح في حال نسبة ذلك الباطل إليهم وهم أعرف الناس بآياته ، وأعلمهم بمتشابهه ومحكمه وناسخه ومنسوخه.

بعثة الأنبياء عليهم‌السلام واجبة

قال الآلوسي ص : (٧٠) : « اعلم أن الشيعة يعتقدون أن بعثة الأنبياء عليهم‌السلام واجبة على الله ولا يليق ذلك بمرتبة الربوبية فإن الله هو الحاكم الموجب ، فمن يحكم عليه بوجوب شيء نعم بعثة الأنبياء عليهم‌السلام وتكليف العباد واقع حتما ولكن بمحض فضله ، ولو كانت بعثة الأنبياء عليهم‌السلام واجبة عليه لم يمنن ببعثهم في كثير من الآيات » ثم أورد جملة من الآيات على عادته في سردها على غير هدى ، وستقف أخيرا على مخالفة ذلك لما تقول به الشيعة.

المؤلف : إن مذهب الشيعة أن الله تعالى لا يفعل القبيح ولا يخلّ بالواجب ، وأن جميع أفعاله حكم وصواب ، وأن ما يجب عليه يفعله ، وقد مرّ عليك معنى هذا الوجوب ، وأنه كتبه على نفسه بنفسه لا أن غيره أوجبه وكتبه عليه ، وخالفهم خصومهم في ذلك ، فقالوا : لا يفعل القبيح لأنه لا قبح منه ، ولا يفعل الواجب لأنه لا واجب عليه ، لذا تراهم أسندوا إلى الله تعالى جميع أفعال العباد الواقعة في كون الوجود من الكفور والفجور والشرور والعهور على أساس أنه لا يقبّح منه فعل شيء منها إطلاقا.

فالآلوسي يرى أن هذا يليق بمقام الربوبية ويليق به ـ والعياذ بالله ـ فعل الشرك واللّواط وشرب الخمر والزنا والسّرقة وكل أنواع الفسق والشرور وأنها مرادة له ، ولكنه يرى أنه لا يليق به تعالى على أساس منه ، وكرمه ولطفه بعباده أن يوجب على نفسه بنفسه أشياء بمقتضى حكمته لأنه حكيم لا يفعل إلاّ عن حكمة ومصلحة كبيرة لعباده كما تقول الشيعة ، وقد مرّ عليك برهانه من كتاب الله ومنطق العقل ، فالآلوسي خالف آية : ( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) وآية : ( قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) وغيرهما من الآيات ، فنسب إليه تعالى جميع معاصيه وآثامه ، فهو يرى أن من الرحمة أن يترك الله عباده المنتشرين في الأقطار والأمصار

٣٣١

تأخذ في شعاب الجهل وتسلك أودية الضلال مع ما هم عليه من حبّ الأثرة والأطماع والظلم والجور ولا يرسل إليهم من يهديهم إلى سبيل الرشاد ويبيّن لهم طرق السّعادة والهلاك ، ولا يرى خصومنا أن هذا هو عين الفساد الّذي نفاه عن نفسه القدسية وتسامى عنه في كثير من آياته.

ما زعمه من حتمية بعثة الأنبياء عليهم‌السلام ليس بحتمي على مذهبه

ثانيا : قوله : « نعم بعثة الأنبياء عليهم‌السلام وتكليف العباد واقع حتما ».

فيقال فيه : إنه إذا كان لا واجب عليه فكيف يا ترى يكون ذلك حتما عليه؟ أم كيف يقع ذلك والشيء ما لم يجب لم يوجد؟ ومن أين علم الآلوسي أنه واقع وهو يعتقد أنه لا واجب عليه؟ فهذا الحتم المزعوم في قوله أيضا غير واجب ولا يحصل القطع به إطلاقا.

لا يخلو عصر من نبيّ أو إمام

قال الآلوسي ص : (٧١) : « إن الإمامية لا بد عندهم ألاّ يخلو زمان من نبيّ أو وصي قائم مقامه ، وهم يعتبرون بعث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو نصب الوصيّ واجبا على الله ، وعقيدتهم هذه مخالفة للكتاب والعترة ».

المؤلف : قد عرفت مما تقدم ذكره أن إعتقاد الشيعة في بعثة الأنبياء وإرسال الرسل عليهم‌السلام هو عين ما قاله الله تعالى في كتابه من إيجابه ذلك على نفسه المقدسة ، وقول هذا الخصم : ( وعندهم لا بد ألاّ يخلو زمان من نبيّ ) كذب وانتحال لا أصل له : ( قَدْ خابَ مَنِ افْتَرى ) [ طه : ٧ ].

فالشيعة يعتقدون بوجوب الإمامة على الله تعالى في كلّ زمان لأنه من الرحمة وقد كتبها تعالى على نفسه ، ولأنه من الهدى وقد كتبه أيضا على ذاته المقدسة ، وخالف الآلوسي قول الله في القرآن وتمسّك بآراء أناس لم يتفقهوا في الدين ولم يعرفوا أصوله ولا فروعه فقلدهم في كافة مزاعمهم تقليدا أعمى ، وهذا التقليد لهم في اللّفظ والمعنى لا يليق بالباحث الّذي يريد الوقوف على الحقائق ، ولا يجوز له أن يلقي نفسه في أحضان هذا تارة وفي غيره أخرى ويلتحق بتلفيقاتهم.

٣٣٢

ما قاله في أفضلية الأنبياء عليهم‌السلام من جميع خلق الله

قال الآلوسي ص : (٧١) : « إن الأنبياء أفضل من جميع خلق الله ... وهذا هو مذهب أهل الحق وجميع فرق الإسلام إلاّ المعتزلة في الملائكة المقرّبين ، والإمامية في الأئمة الأطهار ، ولهم في ذلك تنازع وتخالف ، وأكثرهم أجمعوا على أن الأمير أفضل من غير أولي العزم ، وليس بأفضل من خاتم النبيّين ، وأما غيره من سائر أولي العزم فقد توقف فيه بعضهم كابن المطهر ، ويعتقد بعضهم أنه مساو لهم.

ثم أورد رواية وعزاها إلى الكليني (رض) وفيها الحكم بضلالة من قال بأفضلية الأئمة من الأنبياء عليهم‌السلام.

وقال : « والقرآن يدل على أن جميع الأنبياء أفضل من جميع العالم ، والعقل يدل صريحا على أن جعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واجب الإطاعة وحاكما على الإطلاق والإمام نائبا وتابعا له لا يعقل بدون أفضلية النبيّ عليه ولمّا كان هذا المعنى موجودا في حقّ كلّ نبيّ ومفقودا في حقّ كلّ إمام لم يكن إمام أفضل من نبيّ أصلا بل يستحيل ، لأن النبيّ متوسط بين العبد والرب في إيصال الفيضان إليهم ، فمن يستفيض منه لو كان أفضل منه أو مساو له لزم أن يكون أرفع منه في إيصال الفيض ، ومتمسك الإمامية في هذا الباب عدّة شبهات واهية ناشئة من عدة أخبار أثبتها متقدموهم فحكموا بموجبها.

ثم أخذ يكثر من الكلام ويزعم معارضة أخبار الإمامية بعضها لبعض ، إلى أن قال : « ولنذكر شبهاتهم ونبيّن عدم دلالتها ».

الأولى : أن الأئمة كانوا أزيد من الأنبياء عليهم‌السلام علما فكانوا أفضل منهم رتبة ، لأن الله تعالى يقول : ( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) [ الزمر : ٩ ] وقد روى الراوندي عن الصّادق عليه‌السلام قال : إنّ الله فضّل أولي العزم من الرسل

٣٣٣

على الأنبياء بالعلم فورثنا علمهم ، ففضلنا عليهم بعلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مما لا يعلمون وعلمنا علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والجواب عن هذه الشبهة : بأن هذا الخبر بعد تسليم صحته يدل على زيادة الأئمة في العلم واستيعابهم علوم المرسلين ، لأن المتأخر يكون مطّلعا على علوم المتقدم وناظرا فيه فيحيط بعلمه بخلاف المعاصر والمتقدم ، فإن لا يمكن له ذلك.

ثم مثل بأئمة النحو من المتقدمين منهم والمتأخرين ، وأن وقوف المتقدم في البابين على العلمين بالأصالة فضيلة لا يسبقها من تأخر عنهما سلمنا ، ولكن لا يلزم كثرة العلم الثواب ، ومدار الفضل عند الله على كثرة الثواب لا على كثرة العلم ، وإلاّ فيلزم تفضيل الخضر على موسى عليه‌السلام وهو خلاف الإجماع ، والدليل على هذا المدّعى أن كل نبيّ لو لم يكن العلم الّذي عليه مدار الإعتقاد والعمل حاصلا له بوجه أتم كيف يخرج عن عهدة التبليغ ، ومع قطع النظر عن هذه الأمور كلّها لا يذهب عليك من الخلل والفساد في الخبر ، فإن توريث الأئمة علم الأنبياء عليهم‌السلام وتفضيلهم عليهم بذلك التوريث كما ذكر فيها يلزم منه أن يكون الأئمة أفضل من نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ وجه التوريث وهو توريث العلم ثابت هاهنا وهو فاسد البتة بالإجماع ».

أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام أفضل من جميع الأنبياء عليهم‌السلام

المؤلف : أولا : قوله : « ولكنهم أجمعوا على أن الأمير أفضل من غير أولي العزم ».

فيقال فيه : قد أدلينا عليك فيما مرّ أنّ عليّا أمير المؤمنين عليه‌السلام أفضل من جميع الأنبياء والمرسلين عليهم‌السلام إلاّ خاتم النبيّين محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنص آية المباهلة ، ونصّ الحديث المقبول عند الفريقين الّذي لا يشك فيه إلاّ آثم قلبه ، وأما ما عليه أهل السّقيفة وأتباعهم فإنهم يفضلون المستخلفين بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على من فضّله الله تعالى على جميع الأنبياء عليهم‌السلام.

كأنهم يرون أنفسهم أعلم من الله بالأفضل عنده ، فأيهما يا ترى أهدى سبيلا الّذين اتّبعوا كتاب الله وعملوا بنصوص آياته ونيّر بيّناته وتلوا نصوص نبيّهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مقتفين في ذلك أثره ـ وهم الشيعة الإثنا عشرية ـ أم الّذين ضربوا الكتاب عرض

٣٣٤

الجدار وأسقطوه من الحساب ، ففضلوا الآخرين عليه ورفضوا قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تفضيله على الأنبياء عليهم‌السلام فضلا عن الخلفاء (رض) ولم يقبلوا قوله بل تمسّكوا بقول غير الله وغير رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أفراد الناس في المجالات كلّها ، ومع ذلك لا يقبل الآلوسي إحتجاج أهل الحق بتصريح القرآن والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأفضلية عليّ من الأنبياء عليهم‌السلام فضلا عن هؤلاء مع أنه أحاديث أئمته :

يأبى الفتى إلاّ إتّباع الهوى

ومنهج الحقّ له واضح

الأئمة من البيت النبويّ عليهم‌السلام أفضل من جميع الأنبياء عليهم‌السلام ما عدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

أما غير أمير المؤمنين عليه‌السلام من أئمة البيت عليهم‌السلام فهم أفضل من جميع الأنبياء عليهم‌السلام إلاّ جدّهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذلك بدليل قوله تعالى لخليله إبراهيم عليه‌السلام لما طلب الإمامة لذريّته : ( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) [ البقرة : ١٢٤ ـ ١٢٥ ].

ولا شك في أن الأئمة من آل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ذريّة إبراهيم الخليل عليه‌السلام ولم يكونوا ظالمين في حال مطلقا ، وقد نصّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على إمامتهم واحدا بعد واحد (١) إلى الثاني عشر منهم كما دلّت عليه أحاديث الفريقين

__________________

(١) فساد قول ابن تميمة : إن الأحاديث في الخلفاء أعظم تواترا من حديث النص في أهل البيت عليهم‌السلام وقد ذكر القندوزي الحنفي في ينابيع المودّة ص : (٤٤٥) عن الحمويني ، وموفق بن أحمد ، عن سلمان الفارسي ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال للحسين عليه‌السلام : ( أنت إمام ابن إمام أخو إمام ، وأنت سيّد ابن سيّد وأخو سيّد ، وأنت حجّة وابن حجّة وأخو حجّة وأبو حجج تسعة تاسعهم قائمهم ).

وقد تواتر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال للحسين عليه‌السلام : ( هذا إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة تاسعهم قائمهم ، اسمه اسمي وكنيته كنيتي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ).

وقد اعترف ( شيخ الإسلام ) ابن تيمية في منهاجه بثبوت هذا الحديث ص : (٢١٠) من جزئه الرابع ، ولكن ادّعى أن ما ورد في الخلفاء (رض) أعظم تواترا من نقل هذا النصّ ، وقد فات على ابن تيمية من أن الشيعة جميعا ترى ما يدعيه مزوّرا موضوعا لا أصل له إلاّ في مخيلة ابن تيمية وغيره من خصوم الشيعة فلا حجّة فيه عليهم ، بخلاف ما اعترف به من النصّ على الأئمة من البيت النبويّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنه

٣٣٥

المتواترة ، ونصّ كلّ إمام على إمامة من يأتي بعده ، فإذا ثبتت إمامتهم بالنصّ الجليّ من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثبتت أفضليتهم من جميع الأنبياء والمرسلين عليهم‌السلام وذلك لأن للإمامة مراتب أتمها وأكملها ما ثبت للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لذا كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل الأنبياء أجمعين ، ولا شك في أن مرتبة إمامة الفرع في مرتبة إمامة أصله ، فإمامة الأئمة من البيت النبويّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا هي الأخرى أتمّ مراتب الإمامة ، وإلاّ لم تصح أن تسدّ مسدّها وتقوم مقامها على أساس أنها أصلها وهي فرعها ، وذلك مفقود في جميع الأنبياء عليهم‌السلام وموجود في الأئمة من آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويدلّ على أفضليتهم عليهم‌السلام منهم عليهم‌السلام أيضا الحديث المتواتر نقله في صحاح الخصوم ، وقد أخرجه جماعة من حملة الحديث عندهم من ائتمام عيسى عليه‌السلام ( وهو نبيّ من أولي العزم ) بخاتمة الأئمة من البيت النبويّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو الإمام المهدي المنتظر عليه‌السلام.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما تواتر عنه : ( يؤمّ القوم أقرؤهم ) أي أعلمهم فالمهدي عليه‌السلام ، من أئمة أهل البيت عليهم‌السلام الّذي ختم الله به الأئمة من آل نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل من عيسى عليه‌السلام وغيره من الأنبياء عليهم‌السلام وحال آبائه عليهم‌السلام كحالته في كونهم أفضل من جميع الأنبياء عليهم‌السلام إلاّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فراجع ص : (٩٩) في الآية الثانية عشرة في الفصل الأول من الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبويّ من الصواعق المحرقة لابن حجر ، لتعلم ثمة أن المهدي المنتظر عليه‌السلام من أئمة أهل البيت عليهم‌السلام أفضل من المرسلين أجمعين.

( فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَساراً ) [ فاطر : ٣٩ ].

وأما ما نقله الآلوسي عن الكلين (رض) وغيره من محدّثي الشيعة ، فقد عرفت غير مرّة خيانة الرجل في نقل الحديث وكذبه كذبا مبينا فلا حجّة في نقله ما

__________________

متواتر وتلك قضية مفاد ( افعل ) التفضيل في قوله : إن الأحاديث في خلفائه أعظم تواترا ، وهو يعني تواتر النصّ في أئمة أهل البيت عليهم‌السلام من قبل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو حجّة لنا على خصومنا يلزمهم النزول على حكمه إن كانوا مؤمنين به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٣٣٦

لم يذكره بسنده ، وكونه صحيحا معمولا به وأنّى له ذلك والشيعة لا تعرفه بل أجمعت على بطلانه.

آيات تفضيل الأنبياء على جميع خلق الله مخصص بغير أئمة أهل البيت عليهم‌السلام

ثانيا : قوله : « والكتاب يدل بجميع آياته على تفضيل الأنبياء عليهم‌السلام.

فيقال فيه : إن دليل الخاص من الكتاب أو السنّة المتواترة يقضي على عموم إطلاق الآيات ويخصصها ، فلا حجّة في العام في مخصصاته عند العلماء جميعا ، فعموم إطلاقات آيات تفضيل الأنبياء عليهم‌السلام على جميع خلق الله مخصص بالدليل القطعي من الكتاب والسنّة بغير عليّ والأئمة من ذريته عليه‌السلام فهي شاملة للآخرين دونهم عليهم‌السلام بحكم المخصص.

فساد ما ذكره من دليل العقل على تفضيل الأنبياء عليهم‌السلام على أئمة أهل البيت عليهم‌السلام

ثالثا : قوله : « والعقل يدلّ عليه صريحا من أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حاكم على الإطلاق والإمام تابع له فلا يعقل أن يكون مساو له أو أفضل » فاسد من وجهين :

الأول : إن قيام النصّ القطعي على اختصاص عموم الحكم بأفضلية الأنبياء عليهم‌السلام من الخلق كافة بغير الأئمة من البيت النبويّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكون رافعا لموضوع حكم العقل ، فينتفي حكمه على فرض وجوده بانتفاء موضوعه فيخرج ذلك عن العموم بلحاظ حكومته بنحو التخصص ذاتا.

الثاني : إن حكم العقل بتقدير وجوده إنّما يأتي بالنّسبة إلى كلّ نبيّ ومن يقوم مقامه من الأئمة فلا يتمشى حكمه بالنسبة إلى غيرهم من الأئمة القائمين مقام غيره من الأنبياء لقصور حكمه عن تناول ذلك لانتفاء مناط حكمه هاهنا ، ألا ترى أنه لا يجب الامتثال والإطاعة في كثير من الأحكام التي جاء بها أولئك الأنبياء عليهم‌السلام إلى أممهم المنسوخة بشريعة خاتم النبيّين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنسبة إلينا فضلا عن أئمتنا أئمة المسلمين فلا حاكمية لهم على أئمتنا عليهم‌السلام إطلاقا ، وليسوا تابعين

٣٣٧

لهم عليهم‌السلام حتى لا يعقل أن يكونوا أفضل منهم ـ على حدّ زعم الخصوم ـ فتعليل الخصم أفضلية الأنبياء عليهم‌السلام على الأئمة من أهل البيت النبويّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتابعية مطلقا والحاكمية على الإطلاق منهم عليهم‌السلام عليهم فاسد جدا ، وبفساده لا حكم للعقل لارتفاع موضوع حكمه.

رابعا : قوله : ( ولمّا كان هذا المعنى موجودا في حقّ كل نبيّ ومفقودا في حقّ كلّ إمام لم يكن إمام أفضل من نبيّ ).

فيقال فيه : إن ثبوت ذلك في حقّ كلّ نبيّ وحقّ كلّ إمام بعد ذلك النبيّ لا يستلزم ألاّ يكون إمام أفضل من نبيّ مطلقا ، لأن المناط لحكم العقل في عدم أفضلية الإمام على النبيّ لو سلّمناه ثبوت الحاكمية والتابعية للنبيّ على كلّ إمام ممن يقوم بعده لا كلّ إمام على الإطلاق ، وإن لم يكن من لعدم التساوي بينهم ولانتفاء موضوع حكمه ، فالقياس الّذي أدلى به الآلوسي لإثبات ما دان به ـ فمع كونه من الاستدلال بالباطل ـ ليس صحيحا إطلاقا.

خامسا : وأما قوله : ( بل يستحيل لأنه متوسط بين العبد والربّ في إيصال الفيضان إليه ، فمن يستفيض منه لو كان أفضل منه لزم أن يكون أرفع منه في إيصال الفيض ).

ساقط من أصله لوجهين :

أما الأول : فلأنه إذا كان يعترف أن من يستفيض من غيره لا يكون أفضل من المستفيض منه فكيف يزعم أفضلية الخلفاء (رض) على عليّ المرتضى عليه‌السلام وهم يستفيضون منه علم كلّ شيء حتّى ما جهلوه من لفظة ( كلالة وأبّ ) وغير ما هنالك مما لم يعرفوه كما دلّت عليه أحاديث الفريقين المتواترة مما لا سبيل إلى إنكاره.

الثاني : إنما يستفيض من ذلك النبيّ عليه‌السلام الإمام الّذي يقوم بعده والأمة التي بعث إليها دون الأئمة لغيره من الأنبياء عليهم‌السلام لعدم كونهم مستفيضين منه حتى لا يجوز أن يكونوا أفضل منه ، فالتعليل الّذي جاء به الآلوسي لإثبات العموم فمع أخصيته وضعفه في نفسه باطل.

وأما قوله : ( فهم يقولون الإمامة نيابة النبوّة ).

٣٣٨

فيقال فيه : ما أشدّ تجاهل هذا الآلوسي وما أعظم روغانه ، فإن قولهم هذا لا يدل على أفضلية غير نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهم عليهم‌السلام لأنهم لم يقولوا إن إمامة الأئمة من آل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي نيابة لكلّ نبيّ مرسل حتّى يلزمهم عدم أفضليتهم عليهم‌السلام منهم على أساس : ( أن مرتبة النيابة لن تبلغ مرتبة الأصالة على حدّ زعمه ) وإنّما قالوا إنها نيابة عن إمامة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي أتم مراتب الإمامة كما ألمعنا وإمامتهم فرع عنها ، فهي الأصل لإمامتهم لا الإمامة عن كلّ نبيّ لوضوح بطلانه.

بطلان ما قاله الآلوسي إن مرتبة النبوّة أصالة والإمامة نيابة فلن تبلغ مرتبة الأصالة على إطلاقه

ثم إنه إن أراد من أصالة مرتبة النبوّة أن مرتبة الإمامة لا تصل إليها مطلقا فباطل ، وذلك لأن هارون عليه‌السلام كان إماما وخليفة لموسى عليه‌السلام وقد بلغ مرتبة النبوّة ، وإن أراد من أصالة النبوّة الإمامة الثابتة للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأن مرتبة الإمام الّذي يقوم مقامه لا تبلغ تلك المرتبة فقد أريناك فساد هذا الزعم ، وأنه يجب أن تكون مرتبة إمامة الفرع في مرتبة إمامة الأصل ، وإلاّ لم يصلح بطبيعة الحال أن يقوم مقامه في الإمامة إذا كان فاقدا لتلك المرتبة.

صحّة الخبر الدال على أفضلية الأئمة من أهل البيت عليهم‌السلام من الأنبياء عليهم‌السلام

سادسا : قوله : « إن هذا الخبر بعد تسليم صحته ».

فيقال فيه : إنّما يشك في صحة هذا الخبر من لا يعرف شيئا من أسانيد الأحاديث ، ولم يطّلع على خبر من أخبار أئمته ليعلم أن هذا الحديث قد شهد صحيح الحديث بصحة معناه ، وكلّ ما شهد صحيح الحديث بصحة معناه فهو صحيح عند علماء الحديث إجماعا وقولا واحدا ، فإليك ما سجله المتقي الهندي في منتخب كنز العمال بهامش الجزء الخامس من مسند أحمد بن حنبل ص : (٩٤) وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ص : (٤٥٠) من جزئه الثاني ، والحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء في باب فضل أهل البيت عليهم‌السلام ص : (٨٦)

٣٣٩

من جزئه الأول ، وصاحب كنز العمال في آخر ص : (٢١٧) من جزئه السّادس ، عن ابن عباس :

قال : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من سرّه أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ، ويسكن جنّة عدن التي غرس ربّي قضبانها بيده ، فليوال عليّا من بعدي وليوال وليّه ، وليقتد بأهل بيتي من بعدي فإنهم عترتي خلقوا من طينتي ورزقوا فهمي ، فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي ).

وهل هناك دلالة أوضح من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( خلقوا من طينتي ورزقوا فهمي ) على أفضليتهم من غيرهم مطلقا ، فإن أحدا من العالمين من الأولين والآخرين لم يخلقوا من طينته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يرزقوا فهمه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ عترته أهل بيته عليهم‌السلام فهم بحكم هذا الحديث أفضل الأولين والآخرين بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سواء في ذلك الأنبياء عليهم‌السلام وغيرهم.

سابعا : قوله : « والجواب عن هذه الشبهة : أنه يدل على زيادة الأئمة في العلم واستيعابهم علوم المرسلين عليهم‌السلام ).

فيقال فيه : إن الّذي لا يفرّق بين الشبهة والدليل القالع لجذور الباطل لجدير به أن يقول في مثل هذا الدليل إنه شبهة ، وكيف يتجرأ مسلم أن يقول فيما ورد عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أفضلية أهل بيته عليهم‌السلام من الأنبياء عليهم‌السلام إنه شبهة.

وأما ما جاء به الآلوسي من المثال في أن المتقدم في كلّ فن يكون أفضل من المتأخر مهما كان فلا ينطبق شيء منه على الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام ولا يصلح أن يكون شاهدا على صحة مزعمته ، إذ مضافا إلى ضعفه في نفسه وفساده على إطلاقه من أفضلية الأنبياء عليهم‌السلام على أئمة أهل البيت عليهم‌السلام أن الخصم قد اعترف بوجدان الأئمة من البيت النبويّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما عند الأنبياء عليهم‌السلام من العلم وزيادة ، ولا شك في أن زيادة العلم فيهم عليهم‌السلام هو المقتضي لتفضيلهم على الأنبياء عليهم‌السلام لأن عندهم علم الأنبياء عليهم‌السلام وعلم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّذي ليس هو عند الأنبياء عليه‌السلام فشاركوهم فيما عندهم وزادوا عليهم بما ليس عندهم ، فوجدان الأئمة عليهم‌السلام لما عند الأنبياء عليهم‌السلام من العلم يقتضي المساواة بينهما ، ووجدان

٣٤٠