الآلوسي والتشيع

السيد أمير محمد القزويني

الآلوسي والتشيع

المؤلف:

السيد أمير محمد القزويني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: محمّد
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٥

قريش ولو بقي من الناس اثنان ) على ما أخرجه البخاري في صحيحه ص : (١٥٤) من جزئه الرابع في باب الأمراء من قريش من كتاب الأحكام ، والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يؤكد هذا بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لا يزال الدّين قائما حتّى تقوم السّاعة أو يكون عليهم إثنا عشر خليفة كلّهم من قريش ) على ما سجله مسلم في صحيحه ص : (١١٩) من جزئه الثاني في باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش ، ويقول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

( يكون بعدي إثنا عشرا أميرا كلّهم من قريش ) على ما أخرجه البخاري في صحيحه ص : (١٦٤) من جزئه الرابع في باب حدّثني محمّد بن المثنى من كتاب الأحكام ، ويقول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لا يزال الدّين قائما ما وليهم إثنا عشر خليفة من بني هاشم ) كما في ص : (٤٤٠) من ينابيع المودّة للحافظ القندوزي من جزئه الثاني.

ولم يكن عبد الحميد ولا غيره من أمراء العثمانيين من قريش في شيء ولا هي منهم على شيء فضلا من أن يكونوا عترة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهل بيته عليهم‌السلام.

ومن ذلك كلّه يتضح كذبه في دعواه وتناقضه فيما ادّعاه وأنّه كان يحاول بتلك الصّفات الهائلة التي كالها لعبد الحميد العثماني ـ لا بخلا ولا كرما ـ أن يصل إلى أغراضه الشخصية ومشتهياته النفسية ، ولو سلّمنا جدلا أن العثمانيّين كانوا من قريش ومع ذلك فلا ينطبق عليهم شيء من مضامين تلك الأحاديث من وجوه :

الأول : أنّهم ليسوا من عترة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهل بيته عليهم‌السلام فلا يجوز إطاعتهم ولا التمسك بهم ولا الرجوع إليهم في شيء مطلقا.

الثاني : إنّهم أكثر من إثني عشر فلا تنطبق عليهم كما لا تنطبق على الأمويّين والعباسيّين ولا على العلويّين في مصر من وجهين :

الأول : إنهم لم يكونوا إثني عشر والحديث نصّ في أنهم اثنا عشر لا يزيدون واحدا ولا ينقصون.

الثاني : أن هؤلاء كلّهم لا يصلحون لخلافة النبوّة صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإمامة الرسالة لمخالفة أفعالهم وأقوالهم لصميم القرآن وقانون الإسلام على ما سجّل ذلك عليهم التأريخ الصحيح المتفق عليه بين الفريقين مما لا سبيل إلى إنكاره.

٢٢١

حديث إثني عشر خليفة من قريش يريد عترة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهل بيته عليهم‌السلام دون غيرهم

فالأحاديث المذكورة لا تريد بالخلفاء الإثني عشر كلّهم من قريش إلاّ الأئمة الإثنا عشر من عترة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهل بيته عليهم‌السلام كما تقول الشيعة ولا تنطبق على غيرهم مطلقا ، لأن أحدا لم يقل بانحصار الخلفاء في إثني عشر سواهم ، فإن أئمتهم أئمة أهل البيت عليهم‌السلام الّذين عناهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه الأحاديث وغيرها لا يزيدون على إثني عشر إماما فيتعيّن فيهم ويختص ذلك بهم فلا يدخل معهم في ذلك داخل ، لا سيّما إذا لا حظنا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( حتّى تقوم السّاعة ) التي هي عبارة أخرى عن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث الثقلين : ( ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ) فوجب أن يكون المراد من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إثنا عشر خليفة كلّهم من قريش ) ولو بقرينة ما في حديث الثقلين وغيره هم الأئمة الإثني عشر من آل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّذي جعل الهدى باتباعهم والضّلال في خلافهم.

فالشيعة يقولون ويعتقدون كما يقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويعتقد ، أن الأئمة بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إثنا عشر إماما ، فأول أئمة الشيعة هو سيّد أهل البيت عليهم‌السلام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ثم من بعده سبط النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأول الحسن بن عليّ عليه‌السلام ثم من بعده سبط النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الثاني الحسين بن عليّ عليه‌السلام ثم من بعده عليّ بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام ثم من بعده ابنه الباقر محمّد عليه‌السلام ثم من بعده ابنه الصّادق جعفر عليه‌السلام ثم من بعده ابنه الكاظم موسى عليه‌السلام ثم من بعده ابنه الرضا عليّ عليه‌السلام ثم من بعده ابنه التقيّ الجواد محمّد عليه‌السلام ثم من بعده ابنه النقي الهادي عليّ عليه‌السلام ثم من بعده ابنه الحسن العسكري عليه‌السلام ثم من بعده ابنه الحجّة محمّد المهدي عليه‌السلام.

فهؤلاء إثنا عشر إماما كلّهم أئمة الشيعة يوالونهم وينقطعون إليهم ويعتقدون خلافتهم بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واحدا بعد واحد كما جاء التنصيص عليهم من النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويتبعونهم في أمورهم كافّة سواء أكانت اعتقادية أم فرعية عملية

٢٢٢

أم قولية ، ويعتقدون بطلان خلافة من تقدم عليهم إطلاقا ، فالإمام للشيعة حتى تقوم السّاعة كما نصّ عليه مسلم في صحيحه وغيره من حفّاظ أهل السّنة بعد أبيه الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام هو أبو القاسم محمّد المهدي الحجّة المنتظر من أهل البيت عليهم‌السلام وهو الّذي نصّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليه بالإمامة بعد آبائه الطاهرين عليهم‌السلام وعناه بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ) وهو إمام زمانهم الّذي يدعون به يوم القيامة.

فهم ما برحوا متمسكين به وآخذين أحكامهم منه ومن آبائه عليهم‌السلام من طريق رواة حديثهم الأمناء على الدين والدنيا سواء في ذلك بين من كان معاصرا لآبائه عليهم‌السلام أو من كان في عصر نوابه عليهم‌السلام الأربعة أو كان بعدهم من رواة حديثهم عليهم‌السلام فهم لا شك على الحقّ والهدي باتباعهم لأولئك الأئمة الكرام البررة من آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغيرهم في مهاوي البوار والردى ، وقديما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صحيح الحديث : ( من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ) (١) أي ميتة كفر.

ومن المعلوم أن المراد بإمام الزمان في مثل هذا العصر وما قبله إلى سنة إحدى وستين ومائتين وما بعد هذا العصر إلى قيام السّاعة هو الثاني عشر من أئمة أهل البيت عليهم‌السلام الّذي كان مولده عليه‌السلام سنة ست وخمسين ومائتين ، وتاريخه نور لا سواه بقرينة ما في حديث الثّقلين الدال على أنه عليه‌السلام لا يفارق القرآن أبدا ، وحديث : ( يكون بعدي إثنا عشر خليفة كلّهم من قريش ) فكلّ أولئك لا ينطبق على غيرهم ، فالّذين لم يقولوا بإمامته بعد أبيه الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام حتى تقوم السّاعة ولم يتمسّكوا بأذيال طهارته وماتوا وليس له في عنقهم بيعة فليسوا من المسلمين على شيء بنصّ هذا الحديث المجمع عليه بين الأمة أجمعين.

والشيعة الإمامية هم أول القائلين به وأول من آمن وصدّق بذلك كلّه.

__________________

(١) أخرجه الحميدي في جمعه بين الصحيحين صحيح مسلم والبخاري ، وسجله محمّد الخضر حسين في ص : (٢٥) من كتابه ( نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم ).

٢٢٣

الّذين يعتقد الآلوسي بإمامتهم بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

أما الآلوسي فيقول ويعتقد أنّ الخليفة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أبو بكر بن أبي قحافة (رض) ) ثم من بعده ( عمر بن الخطاب (رض) ) ثم من بعده ( عثمان بن عفان (رض) ) ثم من بعده رئيس الفئة الباغية ( معاوية بن أبي سفيان ) ثم من بعده ابنه : ( يزيد بن معاوية ) ثم من بعده : ( مروان بن الحكم ) الوزغ ابن الوزغ طريد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم من بعده : ( عبد الملك بن مروان ) ثم من بعده : ( الوليد بن عبد الملك ) ثم من بعده : ( هشام بن عبد الملك ) ثم من بعده : ( عبد العزيز بن عبد الملك ) ثم من بعده : ( عمر بن عبد العزيز ) حتى تنتهي السلسلة التي أولى حلقاتها من عرفت وآخرها متصل بالحمار ثم من بعد الحمار.

يعتقد الآلوسي أن إمامه وخليفته : ( أبو عبد الله السّفاح العباسي ) ومن بعده : ( الدوانيقي أبو جعفر المنصور ) حتى تنتهي السلسلة إلى المستعصم العباسي ومن بعدهم ، يعتقد بخلافة التتر ، ومن بعدهم يعتقد بخلافة آل عثمان حتى انتهت النوبة إلى عبد الحميد سلطان الترك فيعتقد أنه خليفة الله في أرضه ونائب رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنه أمير المؤمنين وواجب الطاعة عليه وعلى مثله من المألوسين ، وقد ثبت أنه ليس من عترة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهل بيته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل ليس من قريش في شيء فثبت أنه ليس هو خليفة على شيء.

وأن إطاعة الآلوسي له وحكمه بأنه ( أمير المؤمنين وخليفة الله في أرضه ونائب رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) كان يمشي وراء ميوله وأطماعه ، وأن تمسّكه به ليس من التمسك بواحد من آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد ثبت باعترافه أن غير المتمسّك بهم في اعتقاده وأعماله ضالّ ومذهبه باطل ، فالآلوسي لا شكّ في أنّه ضالّ ومذهبه باطل على حدّ اعترافه لأنه لم يتمسك بأبي القاسم المهدي عليه‌السلام خاتمة الأئمة من أهل البيت النبويّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّذين قصدهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث الثّقلين وغيره من أحاديثه ، وإنّما أطاع في أعماله واعتقاده كما تشهد بذلك أقواله : ( عبد الحميد سلطان العنصر التركي ) فدلّ قوله هذا على ضلالة نفسه وبطلان مذهبه ، فانظروا يا أولي الألباب إلى تناقض هذا الرجل وتداعي أركانه وانهدام أساس مذهبه ، فإنّك

٢٢٤

تراه هنا يقول وحقا ما يقول : ( إن من تمسّك بأهل البيت في أعماله واعتقاده بل في كلّ أمر يكون من أهل الهدى ، ومن خالفهم في ذلك يكون من أهل الغواية والردى ) وهناك تراه قد تمسك باطلا بالسلطان عبد الحميد ودعاه ( خليفة الله في أرضه ونائب رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين الواجب إطاعته على الخلق أجمعين ) وهو ليس من عترة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهل بيته عليهم‌السلام ولا من قريش أصلا.

وحسبك هذا دليلا على انحرافه عن أهل البيت النبويّ عليه‌السلام وتمسّكه بغيرهم عليهم‌السلام من أهل الضلال ، فوقع في مهاوي الردى الّذي جعله هو لغير المتمسّك بهم أيا كانوا ، فهو قد حكم ـ والحمد لله ـ على غواية نفسه بنفسه ، وعبّر عن سوء أصله بدلالة قوله ويكفينا هذا وحده مؤنة الردّ عليه.

إمام الزمان في الحديث ليس هو القرآن

فإن قالوا : إنّ المراد من إمام الزمان في الحديث القرآن.

فيقال لهم : إنّ ذلك باطل وغير صحيح من وجوه أما :

أولا : فلأن أحدهما لا يفيد معنى الآخر عند إطلاقه ، فهما غير مترادفين فلا يكونان واحدا مفهوما ، وبعبارة أوضح إنّ لفظ الإمام إذا أطلق فلا يفهم منه القرآن وكذا القرآن إذا أطلق فلا يفهم من لفظه معنى الإمام ، وإرادة ذلك سلب لمعناه المطابقي وتحميله معنى لا صلة بينه وبينها ، وليس في الحديث قرينة مطلقا تدلّ على إرادة خلاف الظاهر الموضوع لكلّ واحد منهما من المعنى في اللّغة ، فهل يا ترى في النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عيّا من أن يأتي بلفظ القرآن بدلا من لفظ الإمام لو كان يريد القرآن؟ أو تراه ملغزا مغريا لأمته بالجهل فيطلق لفظا ويريد غير معناه المطابقي بلا قرينة ترشدهم إلى إرادة خلافه ، ولو أراده لعبّر به لا بغيره ، فذلك كلّه غير ممكن ولا معقول صدوره من أقلّ النّاس فكيف بأفصح العرب نطقا وأبلغهم لسانا.

الثاني : لو كان يريد بالإمام القرآن لكان تقييده بالزمان ـ أي زمان المكلف ـ لغوا عبثا باطلا ـ وذلك لوجود القرآن على مرّ الدهور والأيام منذ نزوله على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يختص بزمان دون زمان.

٢٢٥

الثالث : لو كان يريد به القرآن لوجب على أعيان المكلفين أجمعين تعلّم القرآن ، والتالي باطل بالضرورة لا سيّما عند الإمام أبي حنيفة الّذي ثبت عنه أنه لا يوجب حتّى الفاتحة منه.

الرابع : إن قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث : ( إنّي مخلّف فيكم أمرين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) أوضح دليل على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يريد بالإمام معناه المطابقي المعروف وهو من يقوم مقامه بأمر الأمة في الدين والدنيا ، ويؤكد هذا ما في غيره من الأحاديث كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما مر : ( من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من خرج عن السّلطان شبرا ومات فقد مات ميتة جاهلية ) فإنه لا يفهم منه في أيّ محاورة ولسان أنه يريد القرآن لأنّه لا يفيده.

خصوم الشيعة غير متمسكين بعترة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهل بيته عليهم‌السلام في شيء

ثانيا : قوله : « وليس المتمسّك بهذين الحبلين إلاّ أهل السنة ».

فيقال : نحن لا نشك في أن الآلوسي نفسه يعلم كذبه وافتراءه في هذا الأمر ، ولكن يحاول عبثا أن يستر الحقيقة بهذا التمويه المكشوف عن وجه أبناء المسلمين.

ونحن نقف هنا قليلا ونسأل الآلوسي ، فنقول له : بما ذا يا ترى تمسّك أهل السّنة بهذين الحبلين؟ أتراهم تمسّكوا بهما بقولهم في سيّد النبيّين ( يهجر ) عند ما أمرهم بأن يأتوه بدواة وكتف ليكتب لهم كتابا لن يضلوا بعده أبدا ، فقال ـ الخليفة ـ عمر (رض) : إن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليهجر ، أو قال ما معناه : غلبه الوجع (١) حسبنا كتاب الله فالتعويل عليه ، أي أنه يتكلم بكلام المرضى وهو عين قوله فيه يهجر ، وكتاب الله يقول في وصف نبيّه : ( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى ) ويقول تعالى : ( ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) [ الحشر : ٧ ].

__________________

(١) وقد أبدل أولياء الخليفة كلمة ( يهجر ) مع ثبوتها في صحاحهم إلى كلمة ( غلبه الوجع ) ليرفعوا بذلك ما فيها من الاستهجان دون أن ينتبهوا إلى أن ذلك لم يغيّر شيئا من معناها ، لأن معناها أنه يتكلم بكلام المرضى وهو عين الهذيان والهذر في قول عمر (رض) ( وهل يصلح العطّار ما أفسد الدهر ).

٢٢٦

أو يا هل ترى أنّهم تابعوا الثّقلين بنصبهم غير عليّ عليه‌السلام للخلافة ودفعهم له عليه‌السلام عن منصبه الّذي نصّبه الله تعالى فيه ، فقال تعالى : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) [ القصص : ٦٨ ] إطلاقا لا في تكوين ولا في تشريع ، وقال تعالى : ( وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً ) [ الأحزاب : ٣٦ ] وقد قضى الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكون عليّا إمام الأمة وخليفتها الأوّل بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دون من تمسّكوا به.

أو يا هل ترى تمسّكوا بالعترة بانحرافهم عنهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أخذ أحكامهم من الأئمة الأربعة ، أو أنهم تابعوا عترة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمنعهم فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إرثها من أبيها وسلبهم منها فدك ، أو أنهم تمسّكوا بأهل البيت عليه‌السلام في حربهم لنفس (١) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقتلهم وقتالهم لعترته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحت كلّ حجر ومدر ، أو أنهم تمسّكوا بالثّقلين في نقضهم بيعة عليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام يوم الغدير وطلبوا بعد ذلك البيعة منه ، وحاولوا قتله وحرق بيته ومن فيه وكان فيه فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) سيّدة نساء العالمين ، والحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة من الأولين والآخرين وريحانتا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الدنيا ، أو يا هل ترى تمسّكوا بهم بترك الرواية عن العترة عليهم‌السلام في صحاحهم ومسانيدهم ، وعدم الإحتجاج بشيء منها والإعراض عنها واحتجاجهم بروايات أعدائهم ، فهذا شيخ الحديث وأجلّ حفاظ أهل السّنة قد أعرض عن الرواية عنهم لا سيّما عن الصّادق جعفر بن محمّد عليه‌السلام على ما سجله ابن تيمية في منهاجه ص : (١٤٣) من جزئه الرابع حيث يقول : ( وقد استراب البخاري في بعض أحاديث ـ يعني الإمام الصادق عليه‌السلام ـ لما بلغه عن يحيى بن سعيد القطان فيه كلام فلم يخرّج له ).

__________________

(١) كما دلّ عليه آية المباهلة من أن نفس عليّ كنفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عليّ عليه‌السلام وأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبيّ وليس عليّ عليه‌السلام نبيّا كما مرّ.

(٢) قد سجل هذا ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ، وابن عبد ربه في العقد الفريد ، والشهرستاني في ص : (٧٣) من الملل والنحل بهامش الجزء الأول من الفصل وغيرهم من مؤرخي أهل السنة.

٢٢٧

ويقول ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب ص (١٠٣) من جزئه الثاني في ترجمة الإمام الصّادق عليه‌السلام : ( إن ابن المديني سأل يحيى بن سعيد عنه عليه‌السلام فقال : في نفسي منه شيء ، ومجالد أحبّ إليّ منه ).

هذا ما دعا البخاري على قول ابن تيمية أن يترك الإحتجاج بحديث الصّادق عليه‌السلام ممن اشتهر بالكذب وأدرجه علماء أهل السّنة في عداد الضعفاء كما تجده في ص : (٤٠) و : (٤١) من تهذيب التهذيب من جزئه العاشر ، فإذا كان شيخ الحديث عند أهل السنّة والآخر شيخ إسلامهم وغيرهم من حفاظهم قد قدموا على صادق أهل البيت عليهم‌السلام الخوارج والنواصب والمارقين المرتكبين الفجور والشاربين للخمور والقاتلين النفوس المحترمة من أعداء الوصيّ وأهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكيف يزعم الآلوسي أنهم من أتباع الوصيّ وآل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إفكا وزورا.

فالشيعة يا هذا هم الّذين تمسّكوا بثقلي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودخلوا من الباب الّذي أمروا بالدخول منه : باب مدينة علم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام الإمام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخذوا أحكام الشريعة من كتابها وسنّتها وأوصلوا فرعها بأصلها ، وركبوا سفينة نجاة الأمة من كلّ هلكة ، والتجئوا إلى أمانها ، وجاءوا من باب حطّتها ، واعتصموا بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها من هدى آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحرّمون حرامهم ويحللون حلالهم ، وينشرون أحكامهم ويبيّنون للملإ فضائلهم عليهم‌السلام ويظهرون للناس ضلالة من خالفهم وكفر من جحد ولايتهم عليهم‌السلام وآل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الحقّ والهدى الّذي كان عليه جدّهم سيّد الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأعداؤهم على الضلال والعمى ، فكيف يجوز على شيعتهم وهم المتمسّكون بهم شيء مما ينسبه إليهم الخرّاصون ، ويقوله فيهم المبطلون الّذين يخلطون الضلال بالهدى ولا يميزون بين أهل الحقّ والباطل ، قاتل الله الحرص على الدنيا وقبّح الله التفاني في الخسائس والتهالك في الرذائل ، فبئس ما سوّلت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ، نبذوا حكم الله وراء ظهورهم طمعا في المال ، وحكموا بما تقتضيه رغبة ملوكهم وأمرائهم جشعا

٢٢٨

بزخارف الدنيا وحرصا على الوظائف والمناصب ، فأرجفوا في المؤمنين وشتّتوا شمل المسلمين ، وفرّقوا كلمتهم ، ومزّقوا جامعتهم ، وخرقوا وحدتهم ، ولو لا أولئك الدجالون لائتلفت قلوبهم ، واتّحدت نفوسهم ، وتعارفت أرواحهم ، ولأصبح الجميع إخوانا يقوّي بعضهم بعضا ، ولكن وللأسف غلبهم أولئك المفسدون ، واستحوذوا على مشاعرهم بالتمويه فخلبوا أبصارهم بأصباغه ، ولعبوا أفكارهم بألوانه ، فنحروا دين الله في سبيل أغراضهم الشخصية ، وضحّوا عباده المخلصين بإزاء أهوائهم النفسية : ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) [ الشعراء : ٢٢٧ ].

كتاب الله ساقط عند خصوم الشيعة لا عندهم

ثالثا : قوله : « لأن كتاب الله ساقط عند الشيعة » .. إلى نهاية قوله.

فيقال فيه : قد عرفت غير مرّة أن القائل بسقوط كتاب الله وتحريفه هم خصوم الشيعة على ما سجله عليهم السّيوطي في الدر المنثور وفي إتقانه والبخاري في صحيحه كما مرّت الإشارة إليه فلا حاجة إلى التكرار بالإعادة.

وأما ما حكاه هذا العدو عن الكليني (رض) ففاسد وهو من أقبحه ، إذ يكفي في كذبه وافترائه أنه موافق لخصوم الشيعة فهي من رواياتهم المسجلة في أصح كتبهم ـ كما مرّ ذكره ـ وليس هو من أخبار الشيعة في شيء ، بل الشيعة تطعن فيه وتنبذه.

رابعا : قوله : « أما العترة ففي اللّغة أقارب الرجل ».

فيقال فيه : مضافا إلى ما ألمعنا من عدم دخول غير الأئمة من أهل البيت عليهم‌السلام في الحديث وأنه لا ينطبق على غيرهم مطلقا ، أنه لا يريد بعترة في الحديث بقرينة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أهل بيتي ) إلاّ أخصّ أقاربه ـ وهم عليّ وفاطمة وأولادهم الطاهرون سلام الله عليهم أجمعين ـ ولو لم يقل : ( أهل بيتي ) لجاز لمتوهم أن يتوهم أنه يريد غيرهم أيضا ، ويؤكد هذا ما رواه مسلم في صحيحه في آخر ص : (٢٧٨) من جزئه الثاني في باب فضل عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام عند آية المباهلة وحديث الكساء ، عن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه ، قال : ( دعا رسول

٢٢٩

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال : هؤلاء أهلي ) وحينئذ فلا يدخل معهم في ذلك داخل ولا داخلة ولا دخيلة.

الشيعة لا ينكرون بعض العترة

خامسا : قوله : « والشيعة ينكرون نسبة بعض العترة كرقية وأم كلثوم ابنتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

فيقال فيه : الشيعة لا ينكرون ما هو المراد من العترة في الحديث ، ولا ينكرون أقارب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنّما ينكرون من ألصق نفسه بآل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ كالآلوسي مثلا ـ من الدخلاء والأجانب وقديما : ( لعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الداخل في غير نسبه والخارج عنه ).

وأما قوله : « كرقية وأم كلثوم ابنتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

فيقال فيه : إن ما ادعاه من وجود بنات لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير فاطمة الزهراء عليهم‌السلام لم يأت عليه بدليل كعادته من الاقتصار على صرف الدعاوى المجردة التي لا يقودها سوى العصبية المقيتة ، وقد فاته أن يتمثل بقول الشاعر العربي :

والدّعاوى ما لم تقيموا عليها

بيّنات أبناؤها أدعياء

أما أن فاطمة عليها‌السلام وحدها بنته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فثابت بالضرورة لا يختلف فيها من المسلمين اثنان ، وأما غيرها فقد اختلفوا فيهن فبين مثبت وبين ناف ، فمدعي الإثبات يحتاج إلى التدليل بأدلة مقبولة ، أما أن الخصم يدلي على خصمه بأحاديثه الخاصة لإثبات أن غير فاطمة عليهم‌السلام بناته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فليس من الحجّة على خصمه المنكر في شيء والدليل على المدّعي والأصل مع المنكر ، وليس على المنكر أن يأتي بما يبطل هذه الدعوى وينفيها لأنها غير ثابتة عنده ، وليس عليه النزول عند مدعيات خصمه لأنه ليس بأولى من عكسه.

وطبيعي إلى درجة البداهة بين الفريقين أن لفاطمة عليه‌السلام ـ وهي أصغر هاتيك سنا ـ من رفيع الشرف وعظيم القدر أجلّه وأعلاه : ( أن الله يرضى لرضاها ويغضب لغضبها ) فهذا ابن حجر العسقلاني يحدّثنا في إصابته ص : (١٥٨) من

٢٣٠

جزئه الثاني في ترجمته لفاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلمعن عائشة ، وقال : فيه صحيح على شرط البخاري ومسلم ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال لفاطمة عليها‌السلام : ( يا فاطمة إن الله يرضى لرضاك ويغضب لغضبك ).

ويقول البخاري في صحيحه ص : (١٩٨) من جزئه الثاني في باب مناقب قرابة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنقبة فاطمة بنت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إن فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة ).

ويقول مسلم في صحيحه في أواخر ص : (٢٩٠) من جزئه الثاني في باب فضائل فاطمة عليه‌السلام قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إن فاطمة سيّدة نساء المؤمنين وسيّدة نساء هذه الأمة ).

هذا ما أوحى الله تعالى به لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أن يعطيه لابنته الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء عليهم‌السلام من الفضل أعلاه ومن القدر أسماه ، الأمر الّذي لم ينله غيرها من أقرانها مطلقا ، ولم يرد في شأن رقية وأم (١) كلثوم من اللاّتي يقولون أنهن بناته شيء من الفضل ، ولم تكن لهما ميزة على سائر النّساء بفضل إطلاقا ، وإنما الوارد من طريق خصوم الشيعة بالأسانيد الصحيحة شيء من الفضل لغيرهما ما لم يرد مثله ولا بعضه فيهما ، فهذا المؤرخ الكبير عند أهل السنّة ابن عبد البر في استيعابه يقول في ص : (٧٧٤) من جزئه الثاني ، وذاك ابن حجر العسقلاني يقول في إصابته ص : (١٦٠) من جزئه الثاني في ترجمة فاطمة بنت أسد (رض) أم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : ( لمّا توفيت فاطمة بنت أسد ( رضوان الله عليها ) ألبسها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قميصه المبارك واضطجع في قبرها ، فقيل له : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما شاهدناك تصنع ما صنعت لفاطمة؟ قال : لم يكن بعد أبي طالب عليه‌السلام أبرّ بي منها ، ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنّة ، واضطجعت في قبرها ليهون عليها ).

__________________

(١) قيل إن رقية وأم كلثوم كانتا ابنتي هالة أخت خديجة (رض) والقائل بذلك غير واحد من أمناء الحديث والتأريخ ، ومن ذلك يقوى القول إنهما ليستا بناته ، وقال جماعة آخرون كانتا ربيبتيه من جحش ، ولعلم الهدى (رض) السيّد المرتضى تحقيق جميل فيهما يجدر بالمحققين الوقوف عليه.

٢٣١

وفي الإصابة أيضا أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( كفّنها في قميصه ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لم ألق بعد أبي طالب عليه‌السلام أبرّ بي منها ). وقال : ( قال ابن سعد. وكانت امرأة صالحة ، وكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يزورها ).

ويقول العسقلاني في ص : (١١٤) و : (٣١٢) و : (٤١٤) من جزئه الثامن ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أم أيمن : ( إنها إمرأة من أهل الجنّة ).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سميّة أم عمار وفي زوجها ياسر : ( إنّ موعدكم الجنّة ).

ولم يرد شيء من هذا القبيل ولا بعضه بأسانيد صحيحة في أم كلثوم ورقية ، والّذي يوجب قوة القول بعدم كونهما ابنتيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أخرجه العسقلاني في إصابته ص : (١٦١) من جزئه الثاني ، وحكاه محبّ الدّين الطبري في الرياض النضرة من جزئه الثاني قالا : ( أهدي للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حلّة إستبرق فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ عليه‌السلام : ( اقسمها أخمرة بين الفواطم ؛ فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفاطمة بنت أسد ، وفاطمة بنت حمزة ) قال : ولم يذكر غيرهن ، ولعلّ الباقية فاطمة زوجة عقيل ، فلو كانتا ابنتيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكان من غير الممكن المعقول أن يؤثر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ابنتيه غيرهما من الأخريات وهما أقرب إليه رحما وأشدّهنّ به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نوطا ، وهو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القائل في الصحيح المتواتر : ( الرحم شحنة من الرحمن قال الله من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته ).

وهو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القائل فيما أخرجه البخاري في صحيحه ص : (٣٤) من جزئه الرابع في باب من وصل وصله الله من كتاب الأدب : ( قالت الرحم هذا مقام العائذ بك من القطيعة ، قال : نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ، قالت : بلى يا ربّ ، قال : فهو لك ) فراجع ثمة حتى تعلم أن قول الآلوسي إنهما ابنتاه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يرتكز إلاّ على التقليد الأعمى الّذي لا يعتمد على فهم ولا يستند إلى منطق وإن أدى ذلك بصاحبه إلى الكفر والخروج عن الدين فيختار القول في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قطع رحمه في تلك القسمة ، وأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بوصلها وخالف هو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أمر به فقطعها في ما ادعاه الخصم من ابنتيه ، وأنه خالف قول الله تعالى حيث يقول : ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) [ الأنفال : ٧٥ ]

٢٣٢

فقدّم في وصله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أمر الله تعالى بتأخيره وأخّر من أمر الله بتقديمه ، أو أنّه أمر الآخرين ونسي نفسه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكان داخلا في قوله تعالى : ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) [ البقرة : ٤٤ ] وكلّ هذا لعمر الله كفر صراح نعوذ بالله منه.

أولاد العباس غير داخلين في عترة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديثه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

خامسا : قوله : « ولا يدخلون ـ أي الشيعة ـ أولاد العباس في العترة ».

فيقال فيه : قد عرفت فيما تقدم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الّذي أخرج أولاد العباس من حديثه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إخراجا ، ولم يدخلهم مع عترته موضوعا وذاتا ، فالحديث لا ينطبق على أحد منهم أبدا كما لا ينطبق المؤمن على المنافق والمسلم على الكافر ، ولقد فات الآلوسي قول أبي فراس الحمداني في قصيدته العصماء مخاطبا بني العباس (رض) ومشيرا إلى ما ارتكبوه مع عترة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ألوان العذاب والنكال والقتل والتشريد كما يحدّثنا بذلك أمناء التأريخ عند أهل السنّة ممن جاء على ذكرهم :

ما نال منهم بنو حرب وإن عظمت

تلك الجرائم إلاّ دون نيلكم

يا جاهدا في مساويهم يكتمها

غدر الرّشيد بيحيي كيف ينكتم

كم غدرة لكم في الدّين واضحة

وكم دم لرسول الله عندكم

وأنتم آله فيما ترون وفي

أظفاركم من بنيه الطّاهرين دم

هيهات لا قربت قربى ولا رحم

يوما إذا قست الأخلاق والشّيم

كانت مودّة سلمان لهم رحما

ولم يكن بين نوح وابنه رحم (١)

__________________

(١) يشير بقوله هذا إلى قول الله تعالى فيما اقتصّه في القرآن من خبر ابن نوح عليه‌السلام : ( وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ. قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ ) كما في الآيتين ( ٤٥ ـ ٤٦ ) من سورة هود ، وفي الآية دلالة واضحة على أن الصّلاح هو الملاك في إلحاقه بأهله لا مجرد كونه خارجا من صلبه ، لذا تراه تعالى نفاه عن أهله حكما لأنه غير صالح فلا يصلح أن يكون منهم ، فبنو العباس من هذا القبيل فقد تركوا سفينة النجاة من كلّ هلكة ولم يركبوا فيها ، ولم يكتفوا بذلك ـ

٢٣٣

باءوا بقتل الرّضا من بعد بيعته

وأبصروا بعض يوم شرّهم وعموا

بئس الجّزاء جزيتم في أبي حسن

أباهم العلم الهادي وأمّهم

لا بيعة ردعتكم عن دمائهم

ولا يمين ولا قربى ولا ذمم

لا يطغين بني العباس ملكهم

بنوا عليّ مواليهم وإن رغموا (١)

أتفخرون عليهم لا أبا لكم

حتّى كأن رسول الله جدّكم

منكم عليه أمّ منهم وكان لكم

شيخ المغنين إبراهيم أم لهم

يا باعة الخمر كفّوا عن مفاخركم

لمعشر حبّهم يوم الهياج دم

إذ تلوا آية غنّى خطيبكم

قف بالدّيار الّتي لم يعفها قدم

بنوا عليّ رعايا في ديارهم

والأمر تملكه النّسوان والخدم

ليس الرّشيد كموسى بالقياس ولا

مأمونكم كالرّضا إن أنصف الحكم

ومن الطبيعي إلى درجة البداهة عند المسلمين أجمعين أن التبري من أعداء آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الضروريات الأولية في الدين الإسلامي ، ولا شك في أن من عادى الصالحين منهم وإن كان من قرباهم ـ كبني العباس مثلا ـ كانوا من أظهر أفراد القاطعين لرحمهم ، ومن أقذر الجرائم وأقبحها قتلهم ذرّية المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتمزيقهم كلّ ممزق ، حتى ضيّقوا عليهم الأرض بما رحبت وأوسعوهم قتلا وتشريدا وملئوا منهم السّجون والطوامير ، وجعلوهم في الأسس وبنوا عليهم الإسطوانات إلى غير ذلك مما يفتّت الأكباد ويمزّق المرائر ويملأ قلوب الإنسانية دما.

ألا هلم فاستمع أيها المسلم إلى ما يقول كتاب الله : ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) [ هود : ١١٣ ] ويقول تعالى : ( إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) [ القصص : ٧٧ ] ويقول تعالى : ( وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ ) [ الأعراف : ٥٦ ] ويؤكد القرآن

__________________

حتى خرّقوها خرقا ومزّقوها مزقا فكانوا من المغرقين وفي زمرة الكافرين.

(١) يشير بهذا إلى أمّ العباس (رض) فقد أثبت التاريخ أنها كانت أمة لعبد المطّلب (رض) ولمّا ولدت العباس (رض) اجتمع أولاد عبد المطّلب إلى أبيهم وقالوا له إن العباس هو مولى لنا فليس له التقدم علينا في شيء ولا يقاسمنا في شيء مطلقا فتأمل.

٢٣٤

ذلك بقوله تعالى : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ ) [ محمّد : ٢٢ ].

فأي قطع يا ترى من بني العباس لأرحامهم قربى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفظع من قتلهم وتذليلهم وتحقيرهم وتشريدهم وبناء الإسطوانات عليهم وفي طليعتهم أئمة الهدى من عترة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنهم عليهم‌السلام لاقوا من العباسيّين العتاة المردة أنواع التعذيب والأذى حتى خرجوا من الدنيا مقتولين ومسمومين على أيدي الأمويّين والعباسيّين ، فهل يا ترى هناك فسادا أعظم من ذلك الفساد؟ أو يا ترى هناك قطع رحم أشدّ قطعا من قطعهم؟ ولا شكّ في أنّ من لا يجوز الركون إليه في مدلول الآية يجب مناواته وبغضه أيّا كانوا ، فالظالمون لآل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من آل العباس في هذا القبيل ، لذا يجب بغضهم ومعاداتهم لأنهم قطعوا أرحامهم وعاثوا في الأرض الفساد فهم داخلون في منطوق الآيات.

فالشيعة إنما يبغضون العباسيّين الّذين أذلّوا ذريّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقتلوهم ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن بغضهم حتى جعل الموت على بغضهم موتا على الكفر والنفاق ، فقال فيما تواتر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من أبغضهم فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله ، ومن أبغض الله فقد كفر ) ويقول القرآن : ( وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها ) [ التوبة : ٦٨ ] ويقول الكتاب : ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ) [ المجادلة : ٢٢ ] ومفهوم هذه الآيات واضح وهو لا يتفق مع ما يدّعيه الآلوسي من حبّه لبني العباس العتاة الطغاة الّذين حادّوا الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكذبوا بفضل ذرّيته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقطعوا فيهم صلته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا أنالهم الله تعالى شفاعته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

لذا فإن الشيعة لا يتوقفون عن بغضهم تبعا لكتاب الله وتمسّكا بسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اللّذين أمرا ببغض أعداء الوصي وآل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالا إنه لا إيمان لمن أحبّ عدوهم وأشاد بذكرهم المائت كالآلوسي وأخيه الهندي ، وقديما لعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المستحلّين من عترته أهل بيته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما حرّم الله كما تقدم تفصيله مستوفى.

٢٣٥

فإذا كان هذا ما حكاه الله تعالى في كتابه عن مبغضي نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإذا كان هذا ما قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مبغضي عترته أهل بيته ، فكيف يجوز على شيعتهم ألاّ يبغضوا أعداء الله وأعداء رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والهداة من أهل بيته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والله تعالى يقول : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) [ التوبة : ٧١ ].

الشيعة لا يخالفون الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بغض من أبغضاه

وما كانت الشيعة ليخالفوا كتاب ربّهم وسنّة نبيّهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يبغضون من أبغضه الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن سرّ الآلوسي أن يخبّ في أثره قوم عمون ، ويقول القرآن : ( الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ) [ التوبة : ٦٧ ] لذا كان طبيعيا ألاّ يبغض الآلوسي وأخوه الهندي طغاة العباسيّين ومردة الأمويّين لأنهما منهم أو من بعضهم.

فأيّ مسلم بعد هذا كلّه يشكّ في وجوب بغض المنافقين المفسدين في الأرض والعاثين فيها الفساد من العباسيين والمروانيّين وأبناء أبي سفيان الطّلقاء وأمثالهم من البغاة الّذين أماتوا الدين والمسلمين (١) حينما تملّكوا رقابها وأحيوا سنن الجبارين عند ما أخذوا بزمامها وأبادوا الأبرار بالقتل والسمّ والنار وأبقوا الأشرار المستحقّين عذاب النار : ( أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ ) [ الأنعام : ٧٠ ].

الشيعة لا يبغضون أولاد فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

سادسا : قوله : « فهم ـ أي الشيعة ـ يبغضون أولاد فاطمة عليه‌السلام ».

فيقال فيه : إنّ الشيعة لا يبغضون أبناء فاطمة عليهم‌السلام وإنما يبغضون أعداءها

__________________

(١) أخرج الحاكم في مستدركه ص : (٤٨٩) من جزئه الرابع بإسناده الصحيح على شرط البخاري ومسلم إلى أبي ذر من طريقين ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : ( إذا بلغ بنو أمية أربعين اتخذوا عباد الله خولا ، ومال الله دخلا ، وكتاب الله دغلا ) وأخرج أيضا في ص : (٤٨٠) من مستدركه من جزئه الرابع والذهبي في تلخيصه معترفا بصحته على شرط الشيخين ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : ( إذا بلغ بنو العاص ثلاثين رجلا اتخذوا مال الله دولا ، وعباده خولا ، ودينه دغلا ).

٢٣٦

وأعداء بعلها وبنيها عليه‌السلام أولئك الذين أبغضهم الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولعنهم وأعدّ لهم عذابا أليما من المناوءين لآل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كالآلوسي وغيره من أهل الدجل.

نعم إنّما أبغض أبناء فاطمة عليها‌السلام وجاهر بالعداء لهم هو هذا الآلوسي وأشياخه من بني أمية وبني العباس الّذين تتبعوهم أحياء وأمواتا فقتلوهم وقتلوا شيعتهم ، وكان أولئك الكافرون بأنعم الله يقتلونهم على الظنّة والتهمة حتى ألجأوهم إلى ملازمة التقيّة خوفا من الاستئصال والاضطهاد ، وما ذا يا ترى يصنع الضعيف العاقل إذا ما ابتلى بذلك ، ولا شكّ في أن مجرد الخوف على النّفس أو المال أو العرض من استيلاء أولئك الظّالمين عليها يكفي في مشروعية العمل بها لوجوب دفع الضرر المحتمل عقلا وشرعا عند ظهور أماراته ، فضلا عمّا إذا كان الضرر مقطوعا به كما كان يتعرض له أولئك البررة من آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشيعتهم المخلصون لهم من عتاة الأمويّين وفراعنة العباسيّين في تلك العصور المظلمة التي كان النّاس فيها عبيد ملوكهم وأمرائهم ، فتشبعت أفكارهم بروح الانتقام من أخصامهم والإجهاز على حياتهم ، والقرآن يعزز هذا ويقرره بقوله تعالى : ( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) [ النحل : ١٠٦ ] ويقول الكتاب : ( لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً ) [ آل عمران : ٢٨ ] وقال تعالى : ( فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) [ التغابن : ١٦ ] وقال تعالى : ( وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) [ الحج : ٧٨ ] وسيأتي تفصيل ذلك في بابه إن شاء الله تعالى.

سابعا : قوله : « وسيأتي في الأبواب الآتية مخالفتهم ـ أي الشيعة ـ للثّقلين في كلّ مسألة ».

فيقال فيه : وستعلم أيها القارئ هناك من الموافق ومن المخالف لهما في عقيدته وسلوكه ، وتعلم الصّادق من الكاذب ، وأنّ ما زعمه من مخالفة الشيعة للثّقلين معكوس ومنكوس عليه وحجّة لنا عليه لا له ، وقد عرفت ذلك غير مرّة فيما سلف ، وسيجيء إنّ من أظهر مصاديق المخالفين لهما والمنحرفين عنهما هو وأخوه الهندي وغيرهما من أعداء الوصيّ وآل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٢٣٧

طعن الآلوسي في الشيعة طعن في نفسه

قال الآلوسي ص : (٤٠) : « إن أسلاف الشيعة وأصول الضلالات كانوا عدّة طبقات ، الطبقة الأولى : هم الّذين استفادوا هذا المذهب بدون واسطة من رئيس المضلّين إبليس اللّعين ، وهؤلاء كانوا منافقين جهروا بكلمة الإسلام وأضمروا في بطونهم عداوة أهله ، وتوصلوا بذلك النفاق إلى الدخول في زمرة المسلمين ومقتداهم على الإطلاق عبد الله بن سبأ اليهودي الصنعاني ، فقال : إنّ الأمير ( كرم الله وجهه ) هو وصيّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأفضل النّاس بعده وأقربهم إليه ، واحتج على ذلك بالآيات الواردة في فضائله والآثار المروية في مناقبه ، وأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استخلفه بنصّ صريح ، وهو قوله تعالى : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) الآية ، ولكن الصّحابة قد ضيّعوا وصيّه وغلبوا الأمير بالمكر والزور وظلموه ، فعصوا الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وارتدّوا عن الدّين إلاّ القليل منهم محبّة للدنيا وطمعا في زخارفها.

واستدل على ذلك فيما وقع بين فاطمة عليه‌السلام وبين أبي بكر (رض) في مسألة فدك ـ إلى أن قال ـ وقال : إنّ الأمير يصدر منه ما لا يقدر عليه بشرّ من قلب الأعيان والإخبار بالمغيّبات وإحياء الموتى وبيان الحقائق الإلهية والكونية وفصاحة الكلام والتقوى والشجاعة والكرم إلى غير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ـ إلى أن قال ـ :

الطبقة الثانية : جماعة ممن ضعف إيمانهم من أهل النفاق ، وهم قتلة عثمان وأتباع عبد الله بن سبأ الّذين كانوا يسبّون الصحابة ».

ثم تكلّم بسلسلة طويلة من الهراء من ص : (٤٢) إلى ص : (٥١) وألصق أمورا بالشيعة قد افترى في بعضها عليهم كعادته في الافتراء ، وأورد من كلمات سيّد البلغاء بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذمّ أناس لا تعرفهم الشيعة وقال إنهم من الشيعة ، وهم في واقع الأمر من أظهر أفراد أسلاف ( الشيخ ) الآلوسي من رؤساء الخوارج والنواصب من المنافقين الأولين الأعداء الألدّاء لعليّ وبنيه الطّاهرين عليهم‌السلام.

٢٣٨

ثم ذكر عقائد أسلافه في التجسيم والحلول ورؤية الله وغير ذلك من عقائد اليهودية والنصرانية والمجوسية وخرافاتهم وكفرهم التي تقدم عليك بعضها مشفوعا بدليله من صحيح البخاري وغيره ، فنسب ذلك كلّه إلى كبار عبّاد الله الصّالحين من شيعة آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد أبت على الآلوسي نفسه ألاّ يدع شيئا من التشنيعات والمفتريات في تلك الأساطير المهملة إلاّ ويلحقها بالشيعة يبتغي بذلك مرضاة أميره ( التركي ) عبد الحميد ليعطيه ما يريد ، لذا تراه قد أتعب من أجله نفسه فطعن في وجدانه وضميره ، فصرف شطرا كبيرا من عمره في تسجيل تلك المفتريات ونشر هاتيك الخزعبلات دون أن يشعر بأن الله تعالى سبحانه عن ذلك كلّه حسابا عسيرا.

لا وجود لعبد الله بن سبأ في كون الوجود إطلاقا

المؤلف : ونحن نجيبه على الإجمال عن تلك الأسطورة وتجد التفصيل في باب الطعون من وجوه :

الأول : إنّ عبد الله بن سبأ (١) من قبيل العنقاء والغيلان لا وجود له إلاّ في مخيلة خصوم الشيعة ، وهم الّذين نحتوا هيكله ليبنوا عليه الطعن في الشيعة والنيل من كرامتهم ، ليزعموا أن مقتداهم على الإطلاق عبد الله بن سبأ ، فإذا كان من الثابت المعلوم بالبداهة أن قصّة السّبائية وأسطورتها وبطلها عبد الله بن سبأ كلّها مختلقة لا وجود لها إلاّ في مخيلة قصّاصيها ، فكيف يزعم هذا تقليدا للآخرين من أسلافه بلا تفكير ولا فحص ولا تنقيب أن بطلهم الخيالي وأسطورته الكاذبة هو مقتدى الشيعة على الإطلاق ، ولو فرضنا جدلا أن عبد الله بن سبأ قد تجسد في مخيلتهم ثم صار شخصا مرئيا في الخارج فإن الشيعة قديما وحديثا تتبرأ منه وتلعنه كما تتبرأ من أصحاب السّبت وتلعنهم وتلعن من ينسبه إليهم إفكا وزورا ، فإذا كانت الشيعة يتبرءون منه ويلعنونه فكيف يصح لعاقل أن يقول إنه مقتداهم ومؤسس مذهبهم إذ لا يجوز عقلا أن يتبرءوا من مقتداهم لو صح ما يزعمه

__________________

(١) وقد أثبت منشأ الأسطورة السّبئية واختلاقها الفاضل المحقق المعاصر السيّد مرتضى العسكري في كتابه : ( عبد الله بن سبأ ) يجدر بالمحققين الّذين يريدون الوقوف على حقيقة قصته أن يرجعوا إليه.

٢٣٩

الدجالون ، ألا ترى أنه لا يجوز لمن اقتدى في مذهبه بمذهب أبي حنيفة ، أو محمّد بن إدريس الشافعي ، أو مالك ، أو أحمد بن حنبل أن يتبرأ منهم ويلعنهم وينكر نسبة مذهبه إلى واحد منهم.

ثم أن الذين جاء الآلوسي على ذكرهم وعدّهم من الشيعة كالخطابيّين والغلاة وأضرابهم ليسوا من الشيعة ولا يصح عدّهم من فرق المسلمين ، والشيعة تتبرأ منهم كما تتبرأ من المتمردين على النفاق والمنقلبين على الأعقاب ، وتتبرأ من بطانة الشرّ كما جاء التنصيص على ذكرهم في القرآن والأحاديث المتواترة بين الفريقين ، فما ذنب الشيعة إذا كان هناك من يعتقد خلاف ما يعتقد المسلمون ، إذ لا يجوز في عرف النقد أن يطعن الآلوسي في المسلمين أجمعين لوجود بعض الطوائف تستوجب الطعن ، كما لا يصح التعويل على مزاعم ينسبها إليهم أعداؤهم ، ولا يجوز الأخذ بأباطيل يرميهم بها خصماؤهم ، ولكن الآلوسي لم يراع هذه الأصول الأصيلة في باب المناظرة مع خصومه لذا تراه يذكر عقائد بعض الغلاة الخارجين عن الإسلام بحكم الشيعة ويزعم أنهم من الشيعة ، نعوذ بالله من كلّ خوّان أثيم ونستجير به من كلّ متزلّف إلى الظالمين بالحيف على من يبغض فيلحق بهم من الدواهي وعظائم الأمور ما يقتضيه بغضه ويوجبه حقده ويوحيه إليه ضميره الخبيث ، ولا يراقب الله ولا يخشى حسابه في الآخرة : ( وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً ) [ الأعراف : ٥٨ ].

أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام هو وصيّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

الثاني : قوله : « إن الوصيّ بعد رسول الله أمير المؤمنين وأفضل النّاس بعده وأقربهم منه ».

فيقال فيه : إن الآلوسي ذكر هذه الجملة ولم يعقبها بشيء يبطلها أو يخدش في شيء من صحتها ، ومن حيث أنه لم يأت بما يبطل هذه الدعوى علمنا صحتها ، ومع ذلك فإنا نقول له : أما كون عليّ عليه‌السلام وصيّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حقّا فثابت بالأدلة القاطعة المفيدة المقنعة لمن لم يتسربل بسربال الجهل والتعصب ، فمن ذلك ما أخرجه إمام أهل السنّة أحمد بن حنبل في مسنده ص : (١١١)

٢٤٠