الآلوسي والتشيع

السيد أمير محمد القزويني

الآلوسي والتشيع

المؤلف:

السيد أمير محمد القزويني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: محمّد
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٥

لم يكن معصوما بالإجماع ، وقد اعترف الفخر الرازي في تفسير هذه الآية من تفسيره الكبير وغيره من أعلام أهل السّنة بأن الآية تريد عصمة أولي الأمر لأن من تجب طاعته كطاعة الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجب أن يكون معصوما على أساس أن الله تعالى أمر بطاعته على سبيل الجزم والإطلاق ، ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والإطلاق يجب أن يكون معصوما ، فأولوا الأمر في منطوقها معصومون فهي لا تريد إلاّ عصمة الأئمة من البيت النبويّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا سواهم لوضوح بطلان عصمة غيرهم من الأمة إجماعا وقولا واحدا.

ومنها ، قوله تعالى : ( وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) [ الأعراف :

١٨١ ] ، وتقريب الاستدلال بهذه الآية على عصمة الأئمة من البيت النبويّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو : أنهم عليهم‌السلام يهدون بالحق وبه يعدلون ولو بقرينة إطلاقات أحاديث السّفينة ، وباب حطّة ، والنجوم ، وحديث : ( فليتولّ عليّا وذريته من بعدي ، فإنهم لن يخرجوكم من باب هدى ولن يدخلوكم باب ضلالة )كما مضى ، فترك التفصيل مع إطلاق الحكم بأنهم يهدون إلى الحق مطلقا دليل على عصمتهم ، وبعبارة أخرى أن كونهم يهدون بالحق مطلقا يجب أن يكون ذلك في سائر أوقاتهم وفي مختلف أحوالهم وتلك قضية إطلاق الآية وهذا هو معنى عصمتهم ، وأنهم لا يقولون إلاّ الحقّ وإلاّ لم تكن من الهداية بالحق في شيء ، وقد ثبت أنها من الهداية به مطلقا فثبت أنهم معصومون.

فأهل البيت عليهم‌السلام يهدون بالحقّ وبه يعدلون مطلقا ، وكلّ من يهدي بالحق مطلقا مصيب مطلقا ، وكلّ مصيب معصوم ، فالنتيجة من هذا الشكل المنطقي أن أهل البيت النبويّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معصومون ، ودليل صغرى القياس قطعي ، وأما كبراه فلأنه لو جاز عليهم الخطأ لجاز عليهم الضلال خطأ ولا شيء من الضلال خطأ ، يكون من الهدى بالحقّ ، وقد ثبت أنهم يهدون بالحقّ مطلقا فثبت أنهم معصومون عليهم‌السلام.

ومنها ، قوله تعالى : ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) [ النحل : ٤٣ ] ووجه الاستدلال بهذه الآية هو : أن المراد من أهل الذكر في منطوقها خصوص

١٨١

أهل العلم وأهل البيت النبويّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم المعنيون به دون الآخرين ، وذلك لأن وجوب السّؤال يستلزم وجوب الجواب ووجوب الجواب ، يستلزم وجوب العمل مطلقا ، ووجوب العمل مطلقا بجواب المسئول يقتضي عصمته ، وذلك لأنه لو لم يكن المسئول معصوما لأجاب بالخطإ ولا شيء من الخطأ يجوز العمل به ، ومن حيث أنه يجب العمل بالجواب مطلقا كما يقتضيه إطلاق الآية علمنا أنهم معصومون ، ولا قائل من الأمة بعصمة غيرهم عليهم‌السلام إطلاقا.

وإن كنت في شك مما أدلينا عليك فدونك السنّة المتفق عليها بين الفريقين فإنها توضح لك ما عسى أن تجده في الآيات من الإجمال على عصمة عترة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهل بيته عليهم‌السلام.

دلالة السنّة على عصمة الأئمة من البيت النبويّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

فمن السنّة روايات : منها حديث الثقلين المتواتر نقله عن نيف وثلاثين صحابيا على رواية الترمذي في سننه الصحيحة ، وقد اعترف الآلوسي بإجماع الفريقين على ثبوت صدوره وصحته عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو من الأدلة القطعية على إثبات عصمتهم عليهم‌السلام وهو الّذي يكشف لك غامض ما في الكتاب من الآيات التي ترمز إلى عصمتهم عليهم‌السلام من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إنّي مخلّف فيكم الثّقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا أبدا ، ولن يفترقا حتى يردّا عليّ الحوض ).

وهو نصّ صريح في عصمتهم عليهم‌السلام ذلك لأن أهل البيت مع القرآن دائما ، وكلّ من كان مع القرآن دائما مصيب دائما ، وكل مصيب دائما معصوم ، فالنتيجة من هذا القياس أن أهل البيت عليهم‌السلام معصومون ؛ وذلك لأن أهل البيت يأمرون بالصواب مطلقا ، وكلّ من يأمر بالصواب مطلقا معصوم فأهل البيت معصومون ، ودليل الصغريّين من القياسين حديث الثقلين ، أما دليل الكبريّين : فلأنه لو جاز عليهم الخطأ لفارقوا القرآن ، إذ لا شيء من القرآن بخطإ ، ومن حيث أنهم لم يفارقوا القرآن أبدا علمنا أنهم معصومون ، ولأنه لو جاز عليهم الخطأ لجاز التمسك بهم في الأمر بالخطإ ، ولا شيء من الخطأ يجوز التمسك به مطلقا ، ولمّا

١٨٢

علمنا وجوب التمسك بهم مطلقا من ظاهر إطلاق الأمر علمنا أنهم معصومون عليهم‌السلام وحسبنا من السنّة هذا القدر لأنّا لو أردنا استقصاء ما جاء من الأحاديث في عصمتهم عليهم‌السلام لضاق به الكتاب.

دلالة العقل على عصمة الأئمة من أهل البيت عليهم‌السلام

أما العقل فتقريره من وجوه.

الأول : إنّ الحاجة لنصب الإمام بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما هو جواز الخطأ من الأمة ، لأن غير المعصوم مطلقا قد يخطئ فيحصل بسبب ذلك الجهل والضلال في كثير من الأحكام المتعلقة بأمور الدين والدنيا ، فلو جاز الخطأ على الإمام أيضا لاحتاج إلى إمام آخر فيتسلسل أو يدور وهما محالان عقلا ، فلا بد أن ينتهي إلى إمام لا يجوز عليه الخطأ وهو الإمام في الأصل.

الثاني : إن الأئمة حافظون للشريعة وقوامون بها ، فيجب أن يكونوا معصومين لأن غير المعصوم يخطئ فيؤدّي خطأه إلى عدم إقامتها على الوجه الّذي أمر الله به ، كما أن الاجتهاد يخطأ فيؤدي إلى إضاعتها لا حفظها ورعايتها ، ومن حيث أن حفظها واجب فالعصمة أيضا واجبة ، وليس في الأمة من يدّعي العصمة لغير العترة من آل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوجب أن يكونوا هم الأئمة المعصومين عليهم‌السلام لا سواهم.

الثالث : لو كان الإمام يخطأ لوجب الإنكار عليه ، وهو مناف لأمر الطاعة في قوله تعالى : ( وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) [ النساء : ٥٩ ] وقد تقدم أن تخصيص الآية بغير المعصية غير ممكن ؛ وذلك لأن المعصية لا تعرف إلاّ من طريقه ، فلو فعل شيئا أو أمر به وجبت إطاعته سواء أكان ذلك في الواقع واجبا أو حراما ، أما الأول فواضح ، وأما الثاني فلدلالة الأمر على الوجوب اللازم إطاعته فيه ، واللاّزم باطل فتجب عصمته مع أن الآية صريحة في الإطلاق وآبية عن التخصيص ، على أنه موجب للتفكيك بين المتعاطفات من غير دليل وهو باطل ، كما أن الإمام لو عصى لانحطّت بذلك درجته فيكون أقل درجة من العوام ، لأن عقله أقوى ومعرفته بالله أكثر وعقابه أعظم وهذا باطل لا يجوز على الإمام مطلقا.

١٨٣

ثالثا : قوله : « أو بخبر معصوم آخر فقد جاء الدور ».

فيقال فيه : لا دور في إخبار المعصوم بعصمة معصوم آخر ، وذلك لعدم التوقف من الجانبين في شيء ، لأن الّذي أخبر بعصمتهم هو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعصمتهم موقوفة على إخبار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعصمته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم موقوفة على إخبار الله تعالى بعصمته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا على إخبارهم عليه‌السلام لكي يستلزم الدور ، هذا كله من جهة النصّ الشرعي ، أما من جهة العقل فلا دور مطلقا لأن المعصوم الّذي أخبر بعصمة معصوم آخر قد ثبتت عصمته بدليل العقل لا بإخبار المعصوم ، ولو كان خبر المعصوم بعصمة معصوم آخر يستلزم الدور ـ كما زعم ـ لكان إخبار الله تعالى بعصمة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا يستلزم الدور وبطلانه واضح ، نعم إنما يلزم الدور في اعتبار خلافة المستخلفين بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذلك لأن اعتبار خلافتهم موقوف على اعتبار قول من أجمعوا عليهم ، فلو توقف اعتبار قولهم على اعتبار خلافتهم لزم الدور وعلى عكسه كذلك دور صريح.

إجماع الصدر الأول وما فيه

رابعا : قوله : « أيضا إجماع الصدر الأول والثاني ـ يعني قبل حدوث الاختلاف في الأمة ـ » ، فباطل من وجهين :

الأول : إن أول إختلاف حدث في الأمة ومنه نشأت الاختلافات بينهم هو الاختلاف الّذي حدث يوم السّقيفة ( سقيفة بني ساعدة ) الّذي كثر فيه اللّغط والنّزاع ، وقام فيه على ساق يبتغون بذلك عرض الحياة الدنيا فانتزعوا الأمر من أهله اختلاسا ، وقول الآلوسي : ( وقد أجمعوا على خلافة أبي بكر ) كذب وانتحال لا أصل له إذ كيف يا ترى أجمعوا عليه ـ لو سلّمنا جدلا صحة مثل هذا الإجماع ـ وقد تخلّف عن بيعتهم عيون الصحابة وأفذاذهم وفي طليعتهم إمام الشيعة وسيّد أهل البيت عليهم‌السلام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام فإنه عليه‌السلام لم يبايع أحدا منهم قط ، وتخلّف عنها سعد بن عبادة فإنه لم يبايع أحدا من أبي بكر وعمر (رض) حتى قتل غيلة بحوران على ما سجّل ذلك كلّ من جاء على ذكره من أهل التاريخ والسيرة كالطبري وابن الأثير في تاريخيهما وغيرهما من مؤرخي أهل

١٨٤

السنّة ، كما تخلّف عنها قومه من الخزرج وجماعة من قريش ، وإنما بايعه الخليفة عمر (رض) الّذي كان السّابق إليها والمحرّك الكبير فيها ، ووافقه على ذلك جماعة من أحلاس الدنيا وطلاّب أطماعها ، فلم يكن هناك إجماع ولا بعض إجماع.

ومعلوم أنه بعد ما استتب الأمر لهم وتربعوا على ذلك الدست الّذي خصّه الله لوليّه عليه‌السلام لا لهم ، أخذوا يطاردون الّذين تخلّفوا عن بيعتهم فأجبروهم على الدخول معهم حتى قتلوا الصحابي الكبير مالك بن نويرة وجماعة من قومه إزاء أطماعهم ، ولم يمتنع عنها إلاّ عليّ عليه‌السلام وبنو هاشم وسعد فما استطاعوا على قهره لكثرة أقوامه من الخزرج فخافوا فتنتهم فراجع ( ص : ٣٤٢ ) من استيعاب ابن عبد البر من جزئه الثاني ، ( ص : ٩ ) من الإمامة والسياسة للمؤرخ الكبير عند أهل السنّة عبد الله بن مسلم بن قتيبة من جزئه الأول ، و ( ص : ١٨٨ ) من تاريخ الخميس من جزئه الثاني ، وآخر ( ص : ٣٧ ) من صحيح البخاري من جزئه الثالث في باب غزوة خيبر من كتاب المغازي ، لتعلم ثمة كيف ينعقد إجماع مثل هذا وقد تخلّف عنه وجوه أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته عليهم‌السلام ودخل الباقون فيما دخل فيه الأولون ـ على فرض دخولهم ـ كرها وقهرا.

وإنما يصح لو صح شيء من ذلك إذا دخلوا فيما دخل فيه الأكثر على فرضه طوعا ورغبة ، على أن احتمال رجوع المتقدم قبل دخول المتأخر موجب لانحلال الإجماع لو كان ثمة إجماع ولو من بعضهم ، ثم كيف يصح هذا الإجماع وفي المجمعين أقوام مردوا النفاق وانقلبوا على الأعقاب ، وفيهم بطانة الشرّ كما اقتص بذلك خبرهم القرآن وأخبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بوجودهم بأفصح بيان ، فأي أثر يا ترى لهذا الإجماع الملفق من هؤلاء في إثبات خلافتهم (رض) أجل وأي دليل دلّهم على اعتبار قول عمر (رض) ومن وافقه عليه إذ ليس في كتاب الله آية ولا في السنّة رواية تدل على اعتبار أقوالهم في شيء.

ولو فرضنا جدلا أن الخلافة فرع من الفروع وليست بأصل من أصول الإسلام ـ كما يزعمون ـ فلا يجوز للأمة أو لآحادها أن تشرّع أحكاما وفروعا من عند أنفسهم ، فهل يا ترى أنهم شركاء الله في تشريع أحكامه من حلاله وحرامه

١٨٥

وسائر أحكامه؟ أو يا هل ترى قصّر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تبليغ رسالته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فترك دينه ناقصا ليكمّلوه بإجماعهم ، والقرآن يقول : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) [ المائدة : ٣ ].

وقد ثبت في صحاح القوم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقف فيهم موقفا بيّن لهم جميع ما يحتاجون إليه إلى يوم القيامة ، وثبت بالإجماع قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( حلال محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حلال إلى يوم القيامة ، وحرامه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرام إلى يوم القيامة ) وليس في الأمة من يجهل حدوث بيعتهم لأبي بكر (رض) في السّقيفة بعد وفاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعدم كونها من دينه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولو كانت من دينه أو هداه لبيّنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قطعا ، ولحثّ الأمة على اعتناقها والمسارعة إليها كما أمرهم بالبيعة لعليّ عليه‌السلام في يوم الغدير ، وأوجب عليهم المسارعة إلى التسليم عليه بإمرة المؤمنين كما دلّت عليه أحاديث الفريقين المتواترة.

بل لو كانت بيعة السّقيفة من الدين لدلّ النّاس عليها ولأقام أبا بكر (رض) علما في حياته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لئلاّ يقع الاختلاف بينهم بعد وفاته ، وكيف يرضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يترك شيئا يعلم أنه من دينه بل في تركه ذهاب الأحكام ودرس الشريعة وتعطيل الحدود ولا يبيّنه لهم أو يوكل أمره إليهم مع ما هم عليه من إختلاف الطباع وتضارب الآراء وتصادم الأهواء وجهلهم بالصالح وغيره ، ويخالف بذلك ربّه حيث يقول تعالى في الآية (١٢٣) من سورة هود : ( وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ) [ هود : ١٢٣ ] وهو يفيد أن أمر الخلافة وغيره يعود إليه تعالى لا لغيره مطلقا ، لا سيّما إذا لا حظنا كلمة ( كلّ ) في الآية ـ والتي ستتلى عليك بعدها ـ الدالّة على الاستغراق والاستيعاب.

فليس لهم ولا من حقّهم أن ينصّبوا لأنفسهم إماما ويخالفوا الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك ، وقال تعالى : ( يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ) [ آل عمران : ١٥٤ ] ولا شك في أن أمر التكوين والتشريع في الآيتين يرجع إلى الله تعالى وحده لا شريك له في ذلك من أحد من العالمين أجمعين ، ومنه أمر الإمامة فإنه من أعظم الأمور وعليه تبتني مصالح العباد والبلاد الدينية والدنيوية ، وذلك كلّه لله وحده ليس لأحد أيّا كان نفيه أو إثباته إطلاقا ، ألا

١٨٦

تراه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمّ العين قد أقام سيّد أهل بيته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إمام الشيعة عليّا إماما وهاديا عليه‌السلام عليهم في ذلك اليوم لئلا يختلفوا فيه من بعده ، وقد بايعه جميع المهاجرين والأنصار وكانوا يومئذ يزيدون على عشرين ومائة ألف.

ومنهم هذا الّذي يزعم الآلوسي إجماع أهل السّقيفة عليه حتى قال ( الخليفة ) عمر (رض) : ( بخ بخ لك يا أبا الحسن لقد أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة ) على ما سجّله الحافظ الخوارزمي في مناقبه ص : (٩٤) و (٩٧) والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ص : (٢٩٠) من جزئه الثامن وغيرهما من حفاظ أهل السنّة وأعلامها ، وهي من الشواهد الواضحة على إمامة عليّ عليه‌السلام ومبايعة القوم له عليه‌السلام بالخلافة في ذلك اليوم ، ولكن بعد هذا غلب الهوى لحبّ الرئاسة وحمل عمود الخلافة فتجاوزوا بها إلى غيره للمال الكثير والجاه العظيم والغل الثابت في قلوب جماعة للأمير عليه‌السلام.

وجملة القول : إنه ليس بالممكن ولا بالمعقول أن يترك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمته تأخذ في شعاب الجهل وتسلك أودية الضلال بعده ـ على قرب عهدهم بالكفر ـ ولا ينصّب عليهم من يقوم مقامه في غيبته الدائمة ، كما لا يعقل أن يحيل أمر ذلك إليهم مع علمه بأن ذلك سيكون معرّضا للفتن والخلاف لاختلافهم في الميول والاتجاهات ، لا سيّما أن المرأ حريص على حبّ الجاه العريض وحبّ الإمارة ، كما لا يرضى لأمته إمامة الجاهل بأحكام شريعته فيحكم فيها بالرأي والنظر ، فهذا ابن حجر يحدّثنا في صواعقه في الفصل الثالث من الباب الأول الّذي عقده لخلافة أبي بكر (رض) ص : (١٦) (١) عن ميمون بن مهران ، قال : كان أبو بكر إذا ورد عليه الخصم نظر في كتاب الله فإن وجد فيه ما يقضي بينهم قضى به ، وإن لم يكن في الكتاب (٢) وعلم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك الأمر سنّة قضى بها ، فإن أعياه

__________________

(١) من الطبعة الجديدة التي كانت سنة ١٣٧٥ ه‍ وقد ناقشنا ابن حجر الحساب بدقة في كتابنا ( نقض الصواعق المحرقة لابن حجر ) وأرجعنا كل طعنة من طعناته إلى نحره ، يجدر بالباحثين الوقوف عليه.

(٢) كيف يصح نسبة خلو الكتاب من ذلك والله تعالى يقول في وصف كتابه : ( وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ ) كما في الآية (٨٩) من سورة النحل ، فتأمل. ـ

١٨٧

خرج فسأل المسلمين ، وإن أعياه ذلك جمع رءوس الناس وخيارهم واستشارهم ، فإن أجمع أمرهم على رأي قضى به ، وكان عمر يفعل ذلك.

ونحن نقول لو لم يجتمع رأيهم على شيء فما ذا تراه يصنع فهل يتوقف؟ وفي توقفه هضم الحقوق وتعطيل القوانين وفساد سوق المسلمين ، أو تراه يقول ويقولون برأيهم ما يشاؤون وشاء لهم الهوى وبه هدم الدين وتحليل حرامه وتحريم حلاله.

أرأيت كيف يجب أن نقول بعصمة الإمام وأنه يجب أن يكون عالما بجميع الأحكام لأن به تحفظ الشريعة ويصل به كلّ ذي حقّ في كتاب الله إليه حقّه ، لذا ترى إمام الشيعة عليّا عليه‌السلام الّذي نعتقد أنه هو الخليفة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد تأخر عن بيعتهم ، فهذا البخاري يقول في آخر ص : (١٢٣) من صحيحه في باب فرض الخمس من جزئه الثاني ، وفي ص : (٣٨) من صحيحه في باب غزوة خيبر من جزئه الثالث : ( إن فاطمة ابنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سألت أبا بكر بعد وفات رسول الله أن يقسّم لها ميراثها ما ترك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مما أفاء الله عليه ، فقال لها أبو بكر : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا نورّث ما تركناه صدقة ، فغضبت فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهجرت أبا بكر ، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت ، وعاشت بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ستّة أشهر ، فلما توفيت دفنها زوجها عليّ ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر وصلّى عليها ، وكان لعليّ من الناس وجه حياة فاطمة فلما توفيت استنكر عليّ وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ، ولم يكن يبايع تلك الأشهر ).

وإنما أوردناه بطوله لتعلم ثمة تأخر عليّ عليه‌السلام عن بيعتهم ، ويقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما أخرجه الحاكم في مستدركه ص : (١١٩) من جزئه الثالث ، والذهبي في تلخيصه وقد صححاه على شرط البخاري ومسلم : ( عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ ) وأخرج الحاكم أيضا في ص : (١٢٥) من مستدركه من جزئه الثالث عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : ( تكون بين الناس فرقة واختلاف ، فيكون هذا وأصحابه على الحقّ ـ وأشار إلى عليّ ـ ) وهو يفيد أن الحقّ في جانب عليّ عليه‌السلام في جميع قضاياه ، لأن كلمة ( الحقّ ) اسم جنس قد دخله الألف واللام فهو يفيد العموم مطلقا عند علماء الأصول من المسلمين أجمعين.

١٨٨

فالشيعة لمّا رأت تخلّف إمامهم عليه‌السلام عن تلك البيعة وعلمت أن الحق في تأخره عليه‌السلام عنها بما سجّله لهم حفاظ أهل السنّة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أن الحق في جانب عليّ عليه‌السلام عند إختلاف الناس علموا أن بيعتهم ليست حقّة وباطلة ، وأما دعوى مبايعته عليه‌السلام لهم فباطلة لأمرين :

الأول : ليس في حديث البخاري ما يدلّ على مبايعته لهم غير قوله عليه‌السلام لأبي بكر (رض) : ( موعدك العشية للبيعة ) من حديثه في باب غزوة خيبر عن عائشة لا سيّما مع اشتماله على لفظ المصالحة وهي ليست من البيعة في شيء ، ولو سلّمناه جدلا فهو معارض بحديثها الآخر في باب فرض الخمس الخالي مما لفقته في حديثها في باب غزوة خيبر من أمر المصالحة والبيعة ، والترجيح في جانب حديثها في باب فرض الخمس لأنه متفق عليه بين الفريقين ، فيسقط حديثها في باب غزوة خيبر لأجله.

الثاني : لو سلّمناه باطلا فلا حجّة في حديث البخاري ولا في غيره مما لم يتفق عليه الفريقان فهو ساقط لا حجّة فيه مطلقا ، وبعد فهل يا ترى كانت خلافتهم باطلة في تلك المدّة ثم صارت حقّة؟ وكيف يا ترى كان عملهم في أيام خلافتهم الباطلة؟

الناس كلهم تابعون لتصرف الشارع بهم

الوجه الثاني : إن النّاس كلّ النّاس تابعون لتصرف الشارع بهم ، فليس لهم جميعا فضلا عن بعضهم أن يتصرفوا في أي أمر من أمورهم إطلاقا ، سواء أكان متعلقا بأمور معاشهم أو معادهم سلبا وإيجابا ، فليس لهم أن يجعلوا من يتصرف في شئونهم الخاصة والعامة في أموالهم وأعراضهم وأنفسهم ، لأن الله تعالى يقول : ( اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ) [ الأعراف : ٣ ] ويعني هذا أنه لا يجوز إتباع غير ما أنزل الله ، وأن كلّ من اتّبع غير ما أنزل الله فقد اتّبع من دونه أولياء ، ومن اتّبع من دون الله أولياء مشرك.

فإذا كان إعتقاد الشيعة بطلان خلافة الخلفاء (رض) يعدّ ذنبا فالمسئول عن

١٨٩

ذلك كتاب الله وسيّد الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ سيّد الأوصياء عليه‌السلام وما كان للشيعة أن يخالفوهم في شيء أبدا.

أما كتاب الله فقد مرّت عليك آياته البيّنات الحاكمة بأنه ليس للناس من الأمر شيء وإنّ الأمر كلّه لله ، ولا شك في أن أمر الإمامة من أهم الأمور فيرجع أمرها إلى الله تعالى وحده ، وقد أمر الله نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن ينصّب عليّا عليه‌السلام إماما من بعده ، وجعله هاديا لأمته في أحاديث التي سجّلها حفاظ أهل السنّة في صحاحهم ودونوها في مسانيدهم ، وقد مرّت عليك شذرة منها آمن بها قوم وجحدها قوم آخرون ، فهي مقدمة على الإجماع المدّعى لأبي بكر (رض) في السّقيفة وهي أحق بالاتباع منه لو كان ثمة إجماع ، وأما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد أودع في الأمة الثّقلين كتاب الله وعترته أهل بيته عليهم‌السلام وأمر النّاس بالتمسك بهما ، ورتّب الضلال على المنحرفين عنهما ، ونهى أشدّ النهي عن التقدم عليهما والتأخر عنهما ، وحكم بأنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض فنصّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصّا واضحا جليّا على خلافة عليّ والأئمة الأحد عشر من بعده عليه‌السلام ولم ينصّ على خلافة المستخلفين بعده بإجماع الأمة ، ولم يكن واحدا ممن زعم الآلوسي إجماع أهل السقيفة عليه من عترته أهل بيته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إطلاقا.

أما أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام فإنه لم يبايع أحدا منهم ، فلو كانت خلافتهم حقّة لكان أول المبادرين إليها لما مرّ عليك قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ يدور معه حيث دار ) ومن حيث أنه تخلّف عنها ولم يبادر إليها علمنا بطلانها.

أما خلافة عمر (رض) فقد كانت بالنصّ من أبي بكر (رض) عليه ، وهذا ما دعا ( الخليفة ) عمر (رض) يوم السّقيفة إلى أن يبادر إلى بيعته (رض) ويسبق الآخرين بها ، وإن وصفها بعد ذلك : ( بأنها فلتة وقى الله المسلمين شرها ) ، ورتب القتل على من عاد إلى مثلها ، على ما سجّله الهيتمي في ( ص : ٣٤ ) من صواعقه في الشبهة السّادسة من شبهاته ، أما الأمة فما أجمعت على الأول (رض) منهم فضلا عن الثاني (رض) فأبو بكر (رض) كما ترى قد نصّبه ( الخليفة ) عمر (رض)

١٩٠

فهو خليفة له (رض) لا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأما عمر (رض) فبالطبع هو خليفة أبي بكر (رض) ويرشدك إليه أنهم لما وجدوا أن قولهم لعمر (رض) ، خليفة خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يطول قالوا له أنت أمير المؤمنين ، قال : نعم أنتم المؤمنون وأنا أميركم (١).

فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يستخلف أحدا منهم من بعده بإجماع الفريقين ، أما الشيعة فواضح ، وأما أهل السنّة فقد حكى هذا الإجماع عنهم النواوي في شرحه لحديث مسلم ص : (١٢٠) من جزئه الثاني في باب الاستخلاف ، وتركه من صحيحه عند قول عمر بن الخطاب (رض) لما قيل له : ( ألا تستخلف؟ فقال : فإن أستخلف فقد استخلف من هو خير منّي ـ يعني أبا بكر ـ وإن أترككم فقد ترككم من هو خير منّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ).

قال النواوي : ( وفي هذا الحديث دليل أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم ينصّ على خليفة وهو إجماع أهل السّنة ) ومن هذا تفقه أن كلّ واحد من ( الخليفتين ) (رض) قد خالف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فعله وقوله ، أما أبو بكر (رض) فقد استخلف عمر (رض) وأما عمر (رض) فقد خالف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخالف أبا بكر (رض) لأنه جعل الأمر شورى في ستّة نفر لا يزيدون واحدا ولا ينقصون ، لذا فإن الشيعة تقول : إن كان ترك الاستخلاف حقّا كان فعله باطلا ، وإن كان فعله حقّا كان تركه باطلا ، فإن قالوا بالأول ـ وهو قولهم ـ لزم أن يكون استخلاف أبي بكر لعمر (رض) باطلا ، وإن قالوا بالثاني لزمهم أن يلصقوا الباطل بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ترك الاستخلاف فيما يزعمون ، وأيّا قالوا فهو دليل على بطلان خلافتهما معا.

__________________

(١) أخرجه الهيتمي في صواعقه ص : (٨٨) في الفصل الثالث من الباب الرابع الّذي عقده في خلافة عمر (رض) قال : وقيل إن أول من سمّاه به المغيرة بن شعبة ، وهذا الأخير معروف في عدائه وبغضه لأمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام.

١٩١
١٩٢

الفصل التاسع

حليّة المتعة

عقد المتعة كان حلالا على عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يحرّمه مطلقا

خامسا : قوله : « وقد أجمعوا على حرمة المتعة ».

فيقال فيه : إن أردت أيها القارئ أن تعرف الكذب الصريح فأنظر إلى قول هذا ، فإن أحدا من أعلام أهل السنّة لم يقل إن الصحابة الأولين أجمعوا على حرمة المتعة وقد نزل بها كتاب الله على مرأى منهم ، وجاءت بها السنّة القطعية على مسمع منهم ، وفعلوها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكيف يزعم هذا أنهم أجمعوا على حرمتها ، فهذا السّيوطي يحدّثنا في الدر المنثور ص : (١٤٠) من جزئه الثاني عند تفسير قوله تعالى : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ ) [ النساء : ٢٤ ] عن عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن الأنباري في المصاحف ، والحاكم وصححه من طرق ، عن أبي نضرة ، قال : ( قرأت على ابن عباس ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) قال ابن عباس : فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى ، فقلت ما نقرؤها كذلك ، فقال ابن عباس : والله لأنزلها كذلك.

وفيه عن سعيد بن جبير ، عن قتادة ، قال في قراءة أبيّ بن كعب : ( فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى ).

وفيه عن عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن مجاهد : فما استمتعتم به منهن ، قال : يعني نكاح المتعة.

وفيه عن ابن جرير ، عن السدّي في الآية ، قال : هذه المتعة الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجل مسمى ، فإذا انقضت المدّة فليس له عليها سبيل ، وهي منه بريئة ، وعليها أن تستبرئ ما في رحمها ، وليس بينها ميراث ليس يرث واحد منهما صاحبه.

١٩٣

وفيه ص : (١٤١) عن ابن عباس ، قال : يرحم الله عمر ما كانت المتعة إلاّ رحمة من الله رحم بها أمة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولو لا نهيه عنها ما أحتاج إلى الزنا إلاّ شقي ، قال : وهي التي في سورة النساء ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ ) إلى كذا وكذا من الأجل على كذا وكذا ، قال : وليس بينهما وراثة ، فإن بدا لهما أن يتراضيا بعد الأجل فنعم ، وإن تفرّقا فنعم ، وليس بينهما نكاح ، وأخبر أنه سمع ابن عباس يراها الآن حلالا.

وفيه من طريق عمار مولى الشريد ، قال : سألت ابن عباس عن المتعة أسفاح هي أم نكاح؟ فقال ، لا سفاح ولا نكاح ، قلت فما هي؟ قال : هي المتعة ، كما قال الله ، قلت هل لها من عدّة؟ قال : نعم.

وفيه ، عن سعيد بن المسيب ، قال : نهى عمر عن متعتين متعة النساء ومتعة الحج.

وفيه ، عن خالد بن المسيب ، قال : نهى عمر عن متعتين متعة النساء ومتعة الحج.

وفيه ، عن خالد بن المهاجر ، قال : أرخص ابن عباس في المتعة ، فقال له ابن أبي عمرة الأنصاري : ما هذا يا ابن عباس؟ فقال ابن عباس : فعلت مع إمام المتقين.

وفيه ص : (١٤٠) من جزئه الثاني أيضا ، عن ابن أبي شيبة ، والبخاري ، ومسلم ، عن ابن مسعود ، قال : كنا نغزو مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس معنا نساؤنا ، فقلنا ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ، ورخص لنا أن نتزوج المرأة بالثوب إلى أجل ، ثم قرأ عبد الله : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ ) [ المائدة : ٨٧ ].

ويقول البخاري في صحيحه ص : (٧١) من جزئه الثالث في باب قوله : ( وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) [ البقرة : ١٩٥ ] قال عمران بن الحصين : نزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم ينزل

١٩٤

قرآن يحرّمه ، ولم ينه عنها حتى مات ، قال رجل برأيه ما شاء ، قال محمّد ـ يعني البخاري ـ يقال إنه عمر.

وأخرج في باب قوله : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ ) عن إسماعيل ، عن قيس عن عبد الله ، قال : كنا نغزو مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس معنا نساء ، فقلنا ألا نختصى؟ فنهانا عن ذلك ، فرخّص لنا بعد ذلك أن نتزوج المرأة بالثوب ، ثم قرأ ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ ) ص : (٨٤) من جزئه الثالث في باب تفسير سورة المائدة من كتاب التفسير.

ويقول مسلم في صحيحه ص : (٤٥٠) من جزئه الأول في باب نكاح المتعة ، عن إسماعيل ، عن قيس ، قال : سمعت عبد الله يقول : كنا نغزو مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس لنا نساء ، فقلنا ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ، ثم قرأ عبد الله : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ ).

وفيه ، عن عمرو بن دينار ، قال : سمعت الحسن بن محمّد يحدّث ، عن جابر بن عبد الله ، وسلمة بن الأكوع ، قالا : خرج علينا منادي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أذن لكم أن تستمتعوا ، يعني متعة النساء.

وفيه في أوائل ص : (٤٥١) : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتانا فأذن لنا في المتعة.

وفيه : (٤٥١) عن جابر بن عبد الله ، أنه قال : استمتعنا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وعمر.

وفيه ص : (٤٥١) قال : أخبرني أبو الزبير ، قال : سمعت جابر بن عبد الله ، يقول : كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وعمر ، حتى نهى عنها عمر في شأن عمر بن حريث ) (١).

__________________

(١) قالوا : إن عمرو بن حريث تمتع بامرأة في أيام عمر (رض) وهو لا يعلم بها ، فظهر أنها ابنته من امرأة تمتع بها من ذي قبل فحرّمها لذلك ، ونحن نقول : إن ذلك إن أوجب الحكم بحرمتها لأوجب أيضا حرمة النكاح الدائم ، وذلك إن من الجائز لرجل من أهل ـ

١٩٥

وفيه ص : (٤٥١) قال : كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت ، فقال : ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين ، فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم نهانا عنهما عمر.

ويقول الفخر الرازي في تفسيره الكبير ص : (١٩٤) من جزئه الثالث عند تفسير آية المتعة ، قال عمر بن الخطاب (رض) : ( متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حلالا أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما ، متعة النساء ومتعة الحج ) ونحن الشيعة قبلنا شهادة عمر (رض) واعترافه بأن متعة النساء كانت حلالا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفهمنا من مجموع كلامه وكلام جابر بن عبد الله المتقدم ذكره في حديث مسلم : ( كنّا نستمتع الأيام على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وعمر حتى نهى عنه عمر ).

وبقية الأحاديث الواردة في هذا الباب عن حفاظ أهل السنّة أن هذه المتعة كانت حلالا في جميع أوقات حياة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحياة أبي بكر (رض) وشطر من حياة عمر (رض) وأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم ينه عنها ولم ينزل وحي في تحريمها حتى مات عليها ، كما يشير إليه مقاله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويؤكده حديث ابن الحصين المسجل في صحيح البخاري ، ويدلك على ذلك قوله (رض) : ( أنا أنهى عنهما ) فإنه أسند النهي عنهما إلى نفسه.

فلو كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عنهما في وقت من الأوقات لأسند النهي إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا إلى نفسه ، لكونه أدخل في الزجر ، بل ولو كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد نهى عنهما في وقت كان عليه أن يعلل نهيه عنهما بنهي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دون نفسه ، على أن قوله (رض) : ( كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حلالا ) يدلّ بوضوح على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم ينه عنهما أبدا ، وأن نهي عمر (رض) عنهما كان من رأيه واجتهاده ،

__________________

ـ السنّة ممن لا يرى حلية المتعة أن يتزوج بامرأة ثم يفارقها بالطلاق فيمضي عليها سنين فيتزوج بأخرى وهو لا يعلم بها فيظهر أنها ابنته من تلك المرأة فيكون قد وطأ بنته ، فيجب لهذا أن يحرّم كلّ نكاح لا خصوص المتعة لأن ما يرد عليها واردا على الدائم ، وكل ما يقولونه في الدائم نقوله في المتعة.

١٩٦

وهو باطل بشهادته واعترافه بحلّيتها في عصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي سائر حياته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وباطل بما تقدم من الأحاديث الصريحة في حلّيتها على عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعهد أبي بكر (رض) والمحرّم لها نفسه (رض) فيكون ذلك من الاجتهاد المقابل للنصّ المحجوج به.

وأخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ص : (٤٣٨) من جزئه الرابع ، عن ابن الحصين ، قال : نزلت آية المتعة في كتاب الله ، وعملنا بها مع رسول الله ، فلم تنزل آية تنسخها ، ولم ينه عنها حتى مات ، وفيه ص : (٤٣٩) من طريق حميد ، عن الحسن ، عن عمران مثله ، وأخرج نحوه في ص : ( ٣٢٥ و ٣٥٦ و ٣٦٣ ) من جزئه الثالث.

ويقول ابن جرير الطبري في ص : (٩) من تفسيره ، عند تفسير الآية من جزئه الخامس ، عن شعبة ، عن الحكم وهو من أكابر أعلام أهل السنّة ، قال : سألته عن هذه الآية : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ ) أمنسوخة هي؟ قال : لا ، قال الحكم (١) : وقال عليّ عليه‌السلام : ( لو لا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلاّ شفى ).

ويقول ابن الأثير في نهايته في مادة شفى ، قال ابن عباس : ما كانت المتعة إلاّ رحمة رحم الله بها أمة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو لا نهيه ـ يعني عمر ـ عنها ما احتاج إلى الزنا إلاّ شفي ، أي قليل من الناس.

ويقول الرازي في : ( ص ٢٠٠ ) من تفسيره من جزئه الثالث ، عن تفسير الطبري في تفسير آية المتعة ، عن عليّ عليه‌السلام أنه قال : ( لو لا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلاّ شقي ).

وإنما تلونا عليك ذلك كلّه ليتجلّى لك بطلان قول الآلوسي إجماع الصحابة الأولين على حرمة المتعة ، وأنها كانت حلالا على عهدهم وما بعده إلى يوم القيامة ، وأن الّذي نهى عنها هو ( الخليفة ) عمر (رض) فقبله قوم وقدّموه على قول

__________________

(١) وأخرجه السّيوطي في الدر المنثور من جزئه الثاني في أواخر ص : (١٤٠) عن عبد الرزاق ، وأبي داود في ناسخه ، وابن جرير عن الحكم.

١٩٧

الله وقول رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى حكمهما بإباحتها ، ولم تقبله الشيعة تمسّكا بكتاب الله وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونزولا على حكمهما بحليتها.

دعوى أن آية المتعة منسوخة كدعوى إرادة النكاح الدائم من المتعة باطلتان

فإن قال خصومنا : إن آية المتعة منسوخة بنهي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنها في كثير من أحاديث ، فيقال لهم :

أولا : إن حلّيتها قطعية فهي دراية ، وما قيل في نسخها رواية لا تتعدى مراتب الظنون ، والحكم القطعي لا ينسخه إلاّ برهان قطعي مثله وهو مفقود.

ثانيا : إن ما ورد من النهي عنها كلّه آحاد ، وقد عارضه ما هو أقوى منه سندا وأظهر دلالة ، فهو لا يقتضي علما ولا عملا ولا يرجع بمثله عن الدليل القطعي.

ثالثا : لو سلّمنا جدلا معارضته لتلك الأحاديث الناصّة على حليتها ، كان الترجيح في جانب الأحاديث الحاكمة بتحليلها لموافقتها للكتاب ولما أجمع عليه المسلمون أجمعون على حلّيتها فيجب طرحه لأجلها.

رابعا : إن شهادة ـ الخليفة ـ عمر (رض) واعترافه بحلّيتها على عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإضافة النهي عنها إلى نفسه تمنع القول من الخصوم بنسخها وإذ لو كانت منسوخة لأسند نهيه إلى نسخها ، ومن حيث أنه لم يقل ذلك علمنا أنها غير منسوخة أللهم إلاّ أن يقولوا بجواز النسخ بعد موت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانقطاع الوحي ، وليس هناك مسلم يقول به.

خامسا : إن ـ الخليفة ـ عمر (رض) قرن بين (١) متعة الحج ومتعة النساء في النهي ، فوجب أن يكون حكم متعة النساء حكم متعة الحج ، ولما كانت متعة

__________________

(١) متعة الحج التي نهى عنها عمر (رض) هي العدول عن حج الإفراد المندوب إلى عمرة التمتع كما نهى عن متعة النساء ، إلاّ أن أهل السنّة لم يقبلوا ذلك منه وقبلوه في متعة النساء ، ونحن لم نقبل ذلك منه فيهما معا.

١٩٨

الحج غير منسوخة ولا محرّمة فوجب أن يكون حكم متعة النساء أيضا غير منسوخ وغير محرّم.

سادسا : إن نكاح المتعة من الطيّبات المدلول عليها بقوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ ) في قول عبد الله بن مسعود المتقدم ذكره ، وقد نهى الله تعالى عن تحريم طيّبات ما أحلّه للنّاس ومنها متعة النّساء ، فكيف يصح نسبة النهي إليه تعالى عنها إذ لا شيء بحرام طبعا ولا بمنسوخ من طيّبات ما أحلّه إطلاقا ، ومن ذلك تفقه أن متعة النّساء من الطيّبات الثابتة بنصّ الكتاب والسنّة في حال السّعة وليست من الخبائث حتى يتوهم اختصاصها في حال الضرورة ، وابن مسعود هذا من أكابر علماء القرن الأول خير القرون عند أهل السنّة ، وهو أحد الأربعة الّذين أوجب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الرجوع إليهم في تعلّم القرآن ، فهذا البخاري يقول في صحيحه من جزئه الثاني في آخر ص : (٢٠١) في باب مناقب عبد الله بن مسعود ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( استقرءوا القرآن من أربعة ، من عبد الله بن مسعود ... ) الحديث.

وإن قال خصومنا : بأن المراد من قوله تعالى : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ ) فما انتفعتم وتلذذتم بالجماع من النّساء بالنكاح الشرعي الدائم.

فيقال لهم : أولا : إنّ حملها على إرادة الانتفاع والتلذذ بعد تسليمه لا يخرجها عن مسمّى النّكاح الصحيح الشرعي لبداهة صحة نكاح المتعة في صدر الإسلام ، وقد فعلها أهل القرون الثلاثة كما ألمعنا إليه.

ثانيا : إنّ عدم استنادهم في هذا الحمل على آية محكمة أو سنّة ثابتة مانع من صحة إرادته من الآية ، لا سيّما إذا لا حظنا أن صريح الأحاديث يريد منها نكاح المتعة المعمول به في عصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيجب النزول عندها والعمل بمنطوقها ومفهومها دونه.

ثالثا : إنّ لفظ الاستمتاع وإن وقع في الأصل على الانتفاع والتلذذ ولكن الشيء الّذي يجب أن يؤخذ بعين الإعتبار هو أن لفظ القرآن إذ احتمل أمرين ،

١٩٩

أحدهما : وضع اللّغة ، والآخر : عرف الشّرع ، فإنه يجب حمله على الثاني ، ومن هنا حملوا لفظ الصّلاة والحج والزّكاة وغيرها على عرف الشّريعة ، ومن الواضح أن لفظ الاستمتاع قد أضيف إلى النّساء وعليه يكون المراد : متى عقدتم عليهن بهذا العقد الخاص فآتوهن جميع أجورهن أي مهورهن ، ولو لم يكن المراد المتعة المذكورة لم يجب شيء من المهر على من لم ينتفع من المرأة بشيء بالنّكاح الدائم واللاّزم باطل والملزوم مثله باطل ، لأنه يجب وإن لم ينتفع بشيء منها إجماعا.

توضيح البطلان : هو أنّ الله تعالى قد علّق وجوب إيتاء الأجور على الاستمتاع بهن فلا يجب بدونه ، وقد علمنا أنّه إذا طلّقها قبل الدخول لزمه نصف المهور في النّكاح الدائم فيكون معناه هذا النّكاح المنعقد بمهر معيّن إلى أجل معلوم.

وشيء آخر : أنّه لو أراد النّكاح الدائم لوجب على الزوج بحكم الآية جميع المهر بمجرد العقد ، لقوله تعالى : ( فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ ) أي مهورهن ولا قائل به إجماعا ، وإنّما تجب الأجور بتمامها بنفس العقد في نكاح المتعة خاصّة دونه.

رابعا : لو كانت الآية تريد النكاح الدائم لكان على الخصوم أن يكتفوا في انعقاده بلفظ التمتع كما ينعقد بلفظ التزويج والنّكاح ، لأن الآية صريحة في الاكتفاء بلفظ الاستمتاع في انعقاده ، ومن حيث أنّهم لا يكتفون بلفظ التمتع في انعقاده دواما علمنا باختصاصه في نكاح المتعة المدلول عليه في الآية.

خامسا : إن الاستمتاع أعمّ من الجماع ، فتخصيصه به تخصيص بلا مخصص وهو باطل وإرادته من الآية خاصّة باطلة.

موسى جار الله وفساد قوله في المتعة

وإن عشت أراك الدهر عجبا فإن تعجب فعجب قول موسى جار الله في ( وشيعته ) : « لو كان ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ ) في حلّ المتعة بكفّ من بر فكيف يكون قوله تعالى بعد هذه الآية : ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ

٢٠٠