الآلوسي والتشيع

السيد أمير محمد القزويني

الآلوسي والتشيع

المؤلف:

السيد أمير محمد القزويني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: محمّد
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٥

وأما قول الآلوسي : « على أن ولادته لو أوجبت تفضيله على عيسى لأوجبت تفضيله على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

فيقال فيه : لا ملازمة بين تفضيل عليّ عليه‌السلام على عيسى عليه‌السلام وبين تفضيله على سيّد الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذلك لقيام النص القاطع على أفضلية النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عليّ عليه‌السلام وغيره مطلقا ، فيمنع ذلك من تفضيله عليه‌السلام عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا دليل على تفضيل عيسى عليه‌السلام على عليّ عليه‌السلام بل النص قام على أفضلية عليّ عليه‌السلام منه عليه‌السلام ومن سائر الأنبياء والمرسلين ، فيخرج ذلك عن مورده بدليله دونه.

دعوى الآلوسي ولادة غير عليّ عليه‌السلام

وأما قوله : « ولأوجبت تفضيل حكيم بن خزام إذ قد ولد في الكعبة ».

فيقال فيه : أولا : أن دعوى ولادة حكيم بن خزام في الكعبة دعوى باطلة لا أصل لها ، فهي مردودة على ناصية قائلها وصلابة خدّه بما حكاه لنا الحافظ الكبير من أهل السنّة ابن الصباغ المكّي المالكي في كتابه الفصول المهمة ( ص : ١٤ ) من أنه : « لم يولد أحد قبله عليه‌السلام في الكعبة » وهكذا حكاه غيره من مؤرخيهم وحفاظهم فلتراجع.

ثانيا : كان اللاّزم على الآلوسي أن يثبت لنا ما يدّعيه من ولادة غير عليّ عليه‌السلام في الكعبة ولو عن بعض المؤرخين من أهل مذهبه ، والبيّنة على المدعي والأصل مع المنكر ، وليس علينا أن نأتي بما يبطل هذه الدعوى لأنها لم تثبت بل لم أر فيما أعلم أن واحدا من المؤرخين أو المحدثين المعول عليهم في الحديث والتأريخ عند أهل السنّة حكى غير ولادة عليّ عليه‌السلام في الكعبة ، وأن ذلك من خصائصه التي لم يشاركه أحد قبله ولا بعده.

ثالثا : لو فرضنا جدلا وجود ذلك في كتاب ما من كتب قومه ومع ذلك فلا حجّة فيه على خصومه ، بخلاف ذلك في عليّ عليه‌السلام فإن ولادته في الكعبة ثابتة

١٤١

بإجماع الأمة قاطبة ، فلا ينتقض ما نحن فيه طردا ولا عكسا بمدعيات الآلوسي التي لا أساس لها من الصحة.

رابعا : لو فرضنا باطلا صدقه في هذه الدعوى فمن الجهل الفاضح أن يقول إن ذلك يوجب تفضيله على الأنبياء عليهم‌السلام وذلك لقيام النصّ القالع لدبر هذا القياس الفاسد وغيره من أقيسته الباطلة على أفضليتهم عليهم‌السلام من جميع البشر إلاّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ والأئمة المعصومين من بينه عليهم‌السلام فإنهم عليهم‌السلام أفضل من جميع الأنبياء عليهم‌السلام وسيّدهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل من جميع خلق الله تعالى.

ما أورده الآلوسي من كتب قومه مما يزري بشأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

قال الآلوسي ( ص ٣٤ ) : « أن الشيعة يقولون إن أهل السنّة يروون في كتبهم الصحيحة ما يزري بشأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم الغيرة ، فيقولون إنهم يروون ، عن عائشة أنها قالت : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون بالدرق والحراب يوم العيد ، وأنهم يروون عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « أتعجبون من غيرة سعد وأنا أغير منه والله أغير منّي ».

وأدنى الناس لا يرضى برؤية زوجته إلى الأجانب فكيف بسيّد الكونين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. والجواب أن هذه وقعت قبل آية الحجاب وأن ذلك جائز باتفاق الفريقين ، حتى روي أن فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت تغسل الجراح التي أصابته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غزوة أحد بمحضر سهل بن سعد والشيء قبل تحريمه لا يكون فعله موجبا للطعن ، فقد صح بين الفريقين أن سيّد الشهداء حمزة عليه‌السلام وجماعة آخرين من الصحابة شربوا الخمر قبل تحريمها ، ثم أن عائشة إذ ذاك صبية غير مكلّفة فلو نظر مثلها إلى لهو فأي محذور فيه ، وأما زجر عمر بن الخطاب للحبشة فلمكان ظن أن ذلك من سوء الأدب بمحضر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهذا قال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عمر امتنع عن الإنكار.

والعجب من الشيعة أنهم يعدّون مثل هذا من قلّة الغيرة وهم يروون عن أئمة أهل البيت الطاهرين حكايات تقشعر منها جلود المؤمنين ، فقد ثبت في كتبهم

١٤٢

الصحيحة عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال لأصحابه وشيعته أن خدمة جوارينا لنا وفروجهن لكم ، وذكر مقداد صاحب كنز العرفان الّذي هو أجلّ المفسرين عندهم في تفسير قوله تعالى : ( هؤُلاءِ بَناتِي ) [ الحجر : ٧١ ] أن لوط النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد بذلك الإتيان من غير الطريق المعهود بين الناس ، فيا ويلهم من هذا الافتراء ، وسحقا لهم بسبب هذه المقالة الشنيعاء ».

المؤلف : أما نسبة خصوم الشيعة إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمورا لا تليق نسبتها لعاقل فضلا عن أعقل العقلاء وأشرف الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فشيء كثير أخرجوها في كتبهم الصحيحة ، فمن ذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه ( ص : ٦٢ ) من جزئه الأول في باب أصحاب الحراب في المسجد عن عائشة ، قالت : ( رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما على باب حجرتي والحبشة يلعبون في المسجد ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسترني بردائه أنظر إلى لعبهم ).

وفيه أيضا ( ص : ١١٦ ) في باب الحراب والدروق يوم العيد من جزئه الأول ، عن عائشة ، قالت : ( دخل عليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعندي جاريتان تغنيان ، فاضطجع على الفراش وحوّل وجهه ، ودخل أبو بكر فانتهرهن وقال مزمارة الشيطان عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأقبل عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : دعهما ، وكان يوم عيد ويلعب السودان بالدرق والحراب ، وقال أتشتهين تنظرين؟ قلت : نعم ، قالت : فأقامني وراءه خدي على خده وهو يقول : دونكم يا بني رفدة ، حتى إذا مللت ، قال : حسبك؟ قلت : نعم ، قال : فاذهبي ).

وفيه ( ص : ١١٦ ) من جزئه الأول في باب الدعاء في العيد عن عائشة ، قالت : ( دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث ، فقال أبو بكر : أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذلك في يوم عيد ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا ).

وأنت تجد في هذه الأحاديث المروية في أصح الكتب عند خصوم الشيعة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يحب الغناء ويحب مزامير الشيطان ، وأبو بكر كان لا

١٤٣

يحبهما ، فأبو بكر يقول : مزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول له : دعهما فإن لكلّ قوم عيدا وهذا عيدنا.

فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ـ والعياذ بالله ـ يحب الباطل وهو مزمارة الشيطان ، وأبو بكر لا يحب الباطل ، وكأن مسجد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسس على أن يلعب فيه السّودان بالدرق والحراب لا على ذكر الله والعبادة فيه ، فهل يا ترى لم يجدوا مكانا في أرض الله الواسعة يلعبون فيه إلاّ مسجد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكان العبادة وموضع الدعاء ، وكأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندهم لا يملك شيئا من الغيرة فيقول لزوجته : ( أتشتهين تنظرين ) أو أنه يجوز على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يأمر زوجته بالنظر إلى الأجانب ، ويخالف بذلك قول ربّه الّذي أمر بوجوب الغضّ من أبصارهن بقوله تعالى : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَ ) [ النور : ٣١ ] وهل هناك طعن في قداسة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعفافه غير هذا.

ويقول ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ( ص : ١٤٢ ) من جزئه الثالث ، ومحب الدين الطبري في الرياض النضرة ( ص : ٢١٠ ) من جزئه الأول :

( إن شاعرا أنشد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شعرا ، فدخل عمر فأشار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الشاعر أن أسكت ، ولما خرج عمر قال له : عد ، فعاد ، فدخل عمر فأومأ إليه بالسّكوت مرّة ثانية ، فلما خرج ، قال الشاعر : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذا الرجل؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هذا عمر بن الخطاب وهو رجل لا يحب الباطل ).

ويقول البخاري في صحيحه ( ص : ٤٨ ) من جزئه الثاني في باب الوقوف والبول عن سباطة قوم ، عن حذيفة : ( إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) أتى سباطة قوم فبال قائما ).

وأنت ترى ما في هذه الأحاديث من نسب قبيحة وتهم شنيعة يكاد المسلم أن يموت منها أسفا وينخلع فؤاده جزعا ، وأقبحها أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحب الباطل وكلّ من أبي بكر وعمر (رض) لا يحبان الباطل ، ولو عرف هؤلاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حق معرفته لما نسبوا إليه ما يوجب تشويه سمعته ، والتنقص من قدره ، والحط من كرامته عند أعداء الإسلام ، وإذا تعدينا ما عزوه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الوصمات إلى ما نسبوه إلى الله تعالى لرأينا الأمر فيه أدهى وأطم.

١٤٤

ما نسبه خصوم الشيعة إلى الله تعالى من القبائح

فهذا الخطيب البغدادي يقول في تاريخ بغداد ( ص : ٤٤ ) من جزئه الثالث عشر : قالت عائشة : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إن الله تعالى يضحك من أياس العباد وقنوطهم ، فقالت عائشة : قلت يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو يضحك ربنا؟ قال : والّذي نفس محمّد بيده إنه يضحك ، قلت : لن يعد منّا منه خير إذا ضحك ).

ويحدثنا البخاري في ( ص : ١٢٧ ) من جزئه الثالث في باب قوله تعالى : « وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ » عن أبي هريرة : ( يقال لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد فيضع الربّ تبارك وتعالى قدمه عليها فتقول قط قط ).

وفيه عن أبي هريرة ، قال : ( تحاجّت الجنّة والنار ، فقالت النار : أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين ، وقالت الجنّة : ما لي لا يدخلني إلاّ ضعفاء الناس وسقطهم ، فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله فتقول قط قط ) (١) ويعني حديث أبي هريرة هذا ـ والعياذ بالله ـ أن الأنبياء والمرسلين والصديقين والشهداء والصالحين كلّهم من سقط الناس لأنهم جميعا يدخلون الجنّة ، وهل هناك ضلال أعظم من هذا.

وفيه ( ص : ١٣٨ ) في باب يوم يكشف عن ساق من جزئه الثالث ، عن أبي سعيد ، قال : سمعت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كلّ مؤمن ومؤمنة ».

وأخرج في أول كتاب الاستئذان في باب بدء السلام ( ص : ٥٧ ) من جزئه الرابع من صحيحه ، قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعا » تعالى الله من أن تكون له ساق أو رجل أو صورة ، وسبحانه عما يصفون.

وأخرج في باب الصراط جسر جهنّم ( ص : ٩٢ ) من جزئه الرابع من صحيحه ، عن أبي هريرة : ( تبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله في غير

__________________

(١) تجده في ( ص : ١٢٧ ) من صحيح البخاري في باب قوله تعالى : ( وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ) من جزئه الثالث.

١٤٥

الصورة التي يعرفون ، فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : نعوذ بالله منك ) (١) هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا ، فإذا أتانا عرفناه ، فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون ، فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : أنت ربنا ، ـ إلى أن قال البخاري ـ ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار ، فيقول : يا ربّ قد غشيني ريحها وأحرقني ذكاؤها فأصرف وجهي عن النار ـ إلى أن قال ـ فلا يزال يدعو فيقول لعلك إن أعطيتك أن تسأل غيره ، فيقول : لا وعزتك لا أسألك غيره ، فيصرف وجهه عن النار ، ثم يقول بعد ذلك : يا ربّ قربني إلى باب الجنّة ، فيقول : أليس قد زعمت أنك لا تسألني غيره؟ ويلك يا ابن آدم ما أغدرك ، فيقول : يا ربّ لا تجعلني أشقى خلقك ، فلا يزال يدعو حتى يضحك فإذا ضحك منه إذن له بالدخول فيها ).

وأخرج في كتاب الدعوات ( ص : ٦٨ ) من جزئه الرابع في باب الدعاء نصف اللّيل من صحيحه ، عن أبي هريرة ، قال : ( يتنزل ربنا تبارك وتعالى كلّ ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث اللّيل الآخر ، يقول : من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فاغفر له ) ويعني هذا الحديث أنه سبحانه وتعالى يوصف بالصعود والنزول ، والقيام والقعود ، سبحانه وتعالى عما يفترون.

وأخرج في باب قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من آذيته فأجعله له زكاة ورحمة ( ص : ٧١ ) من جزئه الرابع من صحيحه ، عن أبي هريرة : أنه سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ( أللهم فأيّما مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة ) نعوذ بالله من هذا الافتراء على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحاشاه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أن يسبّ من لا يستحق السبّ ، وقديما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ) وهو ينطق عن الهوى ، والويل لمن سبّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولعنه لعن من تناسل منه كمروان بن الحكم ، ومعاوية ، وأبي سفيان ، وابنه يزيد وأضرابهم (٢) من الأمويين الشجرة الملعونة في

__________________

(١) يظهر من هذا أن الّذي جاءهم كان بصورة شيطان لذا تعوذوا بالله منه ، فإنه لا يستعاذ بالله إلاّ من كلّ شيطان رجيم وكاذب أثيم.

(٢) يقول ابن الجوزي في تذكرته ، قال الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لمعاوية بن أبي سفيان : وأنت يا معاوية نظر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الخندق إليك وإلى أبيك وهو على جمل أحمر يحرّض الناس على

١٤٦

القرآن ، وهم الّذين تزلّف إليهم أبو هريرة وغيره بوضع هذا الحديث ونحوه من أحاديثه ، وعجائب أبي هريرة وخرافاته لا يسعها هذا الكتاب ، ولكن شيخ الحديث عند خصوم الشيعة البخاري وغيره يتعبدون بها ويرتاحون إليها ويتعامون عن أنوار أهل البيت عليهم‌السلام لا سيّما البخاري فإنه أهمل جميع فضائلهم وخصائصهم ولم يورد منها في صحيحه إلاّ القليل النزر ، ولكن مثل هذه الأباطيل أولى بالذكر عنده من حديث الثقلين وغيره من أحاديث فضل الوصيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأكثر هذه الخرافات مقتبسة من اليهود وموافقة لما بأيديهم من التوراة المحرّفة ، وقد أخذها أبو هريرة عن كعب الأحبار المعروف بابن اليهودية ، حاول بها تشويه

__________________

قتاله ، وأخوك عتبة يقود الجمل وأنت تسوقه فلعنكم جميعا ولعن أباك في كلّ موطن قاتلتماه فيه.

ويقول الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ( ص : ١٨١ ) من جزئه الثاني عشر ( وص : ٤٠٣ ) من جزئه الرابع ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه ).

وأخرج الحاكم في مستدركه ( ص : ٤٨١ ) من جزئه الرابع وصححه على شرط البخاري ومسلم ، عن الشعبي ، عن عبد الله بن الزبير ، قال : ( لعن الله الحكم وولده ) ، وقال : استأذن الحكم بن أبي العاص على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرّة فعرف صوته وكلامه ، فقال : ( ائذنوا له عليه لعنة الله وعلى من يخرج من صلبه ).

وأخرج الخطيب في تاريخ بغداد ( ص : ٤٤ ) من جزئه التاسع : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى بني أمية في صورة القردة والخنازير يصعدون منبره ، فشقّ عليه ذلك ، فأنزل الله : ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ )

وأخرج أيضا في ص : (٢٨٠) من جزئه الرابع ، عن ابن عباس ، قال : ( رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بني أمية على منبره فساءه ذلك ، فأوحى الله إليه إنما هو ملك يصيبونه ، فأنزل الله : ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) يملكها بعدك بنو أمية يا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال القاسم : فعددنا فإذا هي ألف شهر لا تزيد يوما ولا تنقص يوما ).

وأخرج أيضا في ( ص : ١٩١ ) من جزئه الرابع في تفسير قوله تعالى : ( وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ ) من سورة الإسراء ، عن ابن عمر ، أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : رأيت ولد الحكم بن أبي العاص على المنابر كأنهم القردة ، وأنزل الله في ذلك : ( وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) يعني الحكم وولده.

وأخرجه النيشابوري في تفسير هذه الآية ( ص : ٥٥ ) بهامش الجزء الرابع عشر من تفسير ابن جرير والبيضاوي في ( ص : ٢٠٦ ) من تفسيره من جزئه الثالث ، والحاكم في مستدركه ( ص : ٤٨٠ ) من جزئه الرابع في كتاب الفتن والملاحم ، والذهبي في تلخيصه معترفا بصحته على شرط البخاري ومسلم ، ويقول الرازي في تفسيره الكبير ، في تفسير قوله تعالى : ( وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) قال ابن عباس : ( هي بنو أمية ) وهكذا ذكره النيشابوري في تفسيره ( ص : ٥٥ ) بهامش الجزء الرابع عشر من تفسير ابن جرير في تفسير الآية ، والبيضاوي في تفسيره.

١٤٧

سمعة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النقية ، وتلويث ثوبه النظيف عن كلّ دنس ، وقديما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من كذّب عليّ فليتبوأ مقعده من النار ) وأنذر بكثرة الكذابة عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فالآلوسي يقول : إن الشيعة تقول إن أهل السنّة ينقلون في صحاحهم ما يزري بشأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل السنّة أنفسهم ـ كما قدمنا ـ يثبتون في أصح كتبهم ما يوجب الطعن في النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسقوط درجته الرفيعة عن درجة أقلّ النّاس ، فما ذنب الشيعة إذا كان ذلك الازدراء والاحتقار وإلصاق حب الباطل بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّها مسجلة في أصح الكتب عندهم ، وليس في إظهار الحق من غضاضة وإن غيظ المضل ( على أهلها جنت براقش ).

وأما قول الآلوسي : « لأن هذه القصة ـ أي قصة الحبشة ولعبهم بالدرق في المسجد ـ وقعت قبل نزول آية الحجاب ، وكنّ أمهات المؤمنين يخرجن إذ ذاك بلا حجاب ».

فيقال فيه :

أولا : من أين علم أن أمهات المؤمنين كن يخرجن إذ ذاك بلا حجاب؟ ومن هم الناقلون له؟ وفي أي كتاب هو مسطور؟ وكيف ساغ له الإخبار به جازما وهو لم يكن يومئذ موجودا ليطلع عليه؟ ومن حيث أنه أهمل توضيح ذلك كلّه علمنا أنه من كذبه وخرصه الّذي يحاول به تصحيح الباطل بمثله.

ثانيا : لو فرضنا جدلا أنها وقعت قبل نزول آية الحجاب ، ومع ذلك فهو لا يناسب مقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعظيم غيرته على حريمه ، ويتنافى مع سموّه وتعاليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نعم يجوز ذلك على من سجل عليه خصوم الشيعة من أنه يحبّ الغناء ، ويحبّ مزامير الشيطان ، ويطرب لغناء المغنيات ، ويميل إلى المنكرات التي تنزه عنها أبو بكر (رض) ـ لشدّة إيمانه وعظيم تقواه ـ كما يزعمون فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

أما النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأعظم فالمسلمون كلّهم ينزهونه عن كلّ تهمة ووصمة وجهها إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعداء الوصيّ وآل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقدسون زوجاته ، ولا ينسبون

١٤٨

إليهن ما من شأنه التنقص من قدرهن والحطّ من كرامتهن ، أو يمسّ بشيء من عفافهن كما صنعه معهن الخصوم.

فالشيعة يقدّرون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حقّ قدره ، ويحفظونه في زوجاته وأهله ولا يقولون فيه ما يوجب اللّوم عليه ، فضلا عما يوجب الطعن في ربيع شأنه وعلوّ مقامه.

ويعتقد النّاس أن الآلوسي الّذي عزا إلى أمهات المؤمنين خروجهن بلا حجاب بين طبقات بني آدم لا يرى من الجائز في غيرته ـ لو كانت له غيرة ـ أن تخرج نساؤه بلا حجاب فكيف يرى جواز ذلك في غيرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العظيمة وعفاف نسائه المصونة ، وفي الحديث : ( من لا غيرة له لا دين له ).

ثالثا : لو سلّمنا جدلا أن هذه القصة وقعت قبل نزول آية الحجاب ، وسلّمنا باطلا أن أمهات المؤمنين كنّ يخرجن إذ ذاك بلا حجاب ـ على حد زعمه ـ ولكن هل يا ترى كانت قصة المزامير وعمل الشيطان وقصة حبّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للباطل وعدم حبّ عمر (رض) له قبل نزول التحريم؟ وإذا كان ذلك قبل نزول التحريم فكيف جاز لأبي بكر (رض) أن يقول إنه من عمل الشيطان؟ فهل يا ترى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان يعلم أن ذلك من عمل الشيطان؟ وأبو بكر (رض) علم ذلك؟! أو كان يعلم ولكن أراد اللهو والطرب والاستماع إلى الغناء (١) وأبو بكر (رض) منع ذلك لأنه من الباطل ، وهو لا يحب الباطل ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحبه نعوذ بالله من ذلك كلّه ، أو أن خصوم الشيعة أرادوا تنزيه أبي بكر وعمر (رض) عن كلّ منكر

__________________

(١) وقد أخرج السيوطي في الدرّ المنثور ( ص : ١٥٩ ) من جزئه الخامس أكثر من عشرة أحاديث في تفسير قوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) أن لهو الحديث في الآية هو الغناء ، ومن ذلك ما أخرجه عن ابن أبي الدنيا ، والبيهقي ، عن ابن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل ) ومنها ما أخرجه ، عن أبي أمامة : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( ما رفع أحد صوته بغناء إلاّ بعث الله إليه شيطانين يجلسان على منكبيه يضربان بأعقابهما على صدره حتى يمسك ) وفي أواخر ( ص : ١٥٩ ) قال : قال يزيد بن الوليد الناقص : يا بني أمية إيّاكم والغناء فإنه ينصل الحياء ، ويزيد في الشهوة ، ويهدم المروءة ، وإنه لينوب عن الخمر ، ويفعل ما يفعل السّكر ، فإن كنتم لا بدّ فاعلين فجنبوه النساء ، فإن الغناء داعية الزنا ) فلتراجع.

١٤٩

ودنس من طريق الغضّ من كرامة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهذه جرأة على قداسة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يرتكبها ذو دين ومن كان من المسلمين.

وأما قوله : ( مع أنهن كنّ يخدمن الأزواج بحضور الأجانب باتفاق الفريقين ).

فيقال فيه : إن أراد بالضمير في قوله ( يخدمن ) أزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأن ذلك مما اتفق الفريقان عليه ، فإن أراد أنهن يخدمن وهن محجبات فذلك مما لا كلام فيه ، وإن أراد أنهن كن يخدمن وهن بلا حجاب فذلك ما تتبرأ الشيعة أشدّ البراءة منه وممن ينسبه إليهم إفكا وزورا ، إذ لا يجوز عند عقولهم ـ وهم القائلون بالتحسين والتقبيح العقليين ـ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدع زوجته سافرات بحضور الأجانب فضلا من أن يتفقوا عليه.

نعم هذا شيء اتفق عليه خصوم الشيعة فيمن نسبوا إليه أنه يحبّ مزمارة الشيطان ويحبّ الأغاني والطرب ، ولا ينكر الباطل الّذي أنكره أبو بكر (رض) وشدّد النكير عليه في بيته على مرأى منه ومسمع ، وهذه هي الطامة التي يصغر عندها الطامات وهي الرزية التي ما أصيب الإسلام بمثلها أبدا.

وأما قوله : « كيف لا وروي أن فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت تغسل جراحه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمحضر سعد ».

فيقال فيه :

أولا : إنّا نطالب الآلوسي عمن روى هذا الحديث وأين رواه ومن هم الناقلون له؟ لنرى مبلغ صدقه من كذبه ، ولما لم يأت على ذكره علمنا أنه موضوع لا أصل له ، أو مجهول ساقط لا يساوي فلسا.

ثانيا : لو سلّمنا به جدلا فإن أراد أنها كانت بلا حجاب بمحضر سعد فذلك باطل وهو من أقبحه ، فإن المسلمين يربأون عن نسبة ذلك إلى الصدّيقة الطاهرة البتول عليه‌السلام لا سيّما أن غسل جراحة بمحضر سعد لو صح لا يدل على أنها كانت بلا حجاب ، لأنه أعمّ منه والعام لا دلالة فيه على إرادة الخاص عند العلماء ، وإن أراد أنها كانت بحجاب فذلك لا محذور فيه ولم يكن كلامنا فيه.

١٥٠

وأما قوله : « مع أن الشيء قبل تحريمه لا يكون فعله موجبا للطعن ».

فيقال فيه :

أولا : إنّا لو قطعنا النظر عن التحريم لكان خروجهن بلا حجاب بين الأجانب يعني ـ على زعم الآلوسي ـ أنهن فاقدات الحياء : ( ومن لا حياء له لا غيرة له ) وهل يكون الطعن في غيرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحياء نسائه غير هذا.

ثانيا : إن الشيء قبل تحريمه لا يمنع من الطعن في ارتكابه لانتفاء الملازمة ، إذ ربّ فعل لا يكون حراما أولا وبالذات ولكن فعله موجب للطعن كجلوس بعض الذوات الرفيعة مع زوجاتهم في المقاهي العامة من غير ضرورة ، أو التجوال معهن في الأزقة جنبا إلى جنب أو يدا بيد ونحو ذلك مما يوجب عيبا وحطّا من قدرهم مع أنه ليس بحرام وقد يكون حراما ثانيا وبالعرض كما لو كان فعله مخالفا للمروءة كأكل العالم الديني الطعام ماشيا في الأسواق بين الناس ، فإن ذلك يجعله موضع السّخرية والاستهزاء بينهم.

والخلاصة أن الطعن وعدمه في ارتكاب غير الحرام يختلف باختلاف أشخاص المكلفين رفعة وضعة ، فرب فعل يفعله الشريف وهو مناف لشرفه ، وهو وإن لم يكن حراما ولكن فعله يوجب الطعن فيه ، وعلى العكس من ذلك لو فعله غيره فإنه لا يكون موجبا للطعن فيه وهلم جرا.

الّذي شرب الخمر هو غير سيّد الشهداء حمزة عليه‌السلام

وأما قوله : « وقد صح بين الفريقين أن سيّد الشهداء حمزة شرب الخمر ».

فيقال فيه :

لم يصح شيء من ذلك بين الفريقين كما يزعم هذا الآلوسي الّذي يحيف على من يبغض ، فيلصق به الدواهي وينسب إليه العظائم.

نعم إنما صح بين الفريقين أن الخليفة عمر (رض) شرب الخمر بعد نزول آيات التحريم ، وقد سجّل ذلك عليه شيخ أهل السّنة شهاب الدين محمّد بن أحمد ، في كتاب المستطرف ( ص : ٢٦٠ ) من جزئه الثاني ، قال : ( قد أنزل الله

١٥١

تعالى في الخمر ثلاث آيات ، فكان من المسلمين من شارب ومن تارك ، حتى شربها عمر (رض) فأخذ بلحى بعير وشجّ به رأس عبد الرحمن بن عوف ، ثم قعد ينوح على قتلى بدر بشعر الأسود بن يعفر ، يقول :

وكائن بالقليب قليب بدر

من الفتيان والعرب الكرام

أيوعدني ابن كبشة (١) أن سنحيا

وكيف حياة أصداء وهام

أيعجز أن يردّ الموت عنّي

وينشرني إذا بليت عظامي

ألا من مبلغ الرّحمن عنّي

بأنّي تارك شهر الصّيام

فقل لله يمنعني شرابي

وقل لله يمنعني طعامي

فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخرج مغضبا يجرّ رداءه فرفع شيئا كان في يده فضربه به ، فقال : أعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله تعالى : ( إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ) [ المائدة : ٩١ ] ، فقال عمر (رض) : انتهينا انتهينا ).

__________________

(١) أخرج البخاري في باب ما جاء في ضرب شارب الخمر من كتاب الحدود ( ص : ١١٣ ) من جزئه الرابع من صحيحه ، عن أنس بن مالك : ( أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضرب في الخمر بالجريد والنعال ) ولا شك في أن الضرب بالنعال ادعى إلى التأديب لشارب الخمر عندهم.

١٥٢

الفصل السادس

دفاع عن السنّة والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

بطلان قوله : إن عائشة إذ ذاك كانت صبيّة غير مكلفة

وأما قوله : « أما عائشة فكانت إذ ذاك صبية غير مكلفة ، فلو نظر مثلها إلى لهو فأيّ محذور فيه ».

فيقال فيه : إن هذا الاعتذار بارد وغير وارد ؛ لأنها إن كانت صبية غير مكلفة فكيف دخل بها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل بلوغها وتكليفها ، وقد أجمع المسلمون كلّهم أجمعون على حرمة الدخول بالزوجة قبل بلوغها ، وإن زعم الآلوسي أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عقد عليها قبل بلوغها ودخل بها بعد بلوغها فباطل من وجهين :

الأول : لا دليل على ثبوته بين الفريقين فلا حجّة فيه على شيء.

الثاني : لا ضرورة تدعو إلى عقد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليها قبل بلوغها والحديث ظاهر في بلوغها ، وأيّ حاجة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أن يعقد عليها ولها من العمر ست سنين ـ كما يزعم أولياؤها ـ وهي في دور الحضانة ، فهل يا ترى كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يريد أن يحتضنها من دون من وجبت عليه حضانتها؟ أو كان يخشى من وليّها أبي بكر (رض) أن يزوجها بعد بلوغها من غيره رغبة منه في ذلك الغير دون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فما بال الآلوسي يهرف بما لا يعرف ويركب رأسه وهو لا يدري ، ولو سلّمنا جدلا أنها إذ ذاك كانت صبية غير مكلفة فلو نظر مثلها إلى لهو فلا محذور فيه على حدّ زعمه ، ولكن هل كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يومئذ غير مكلّف فلو نظر مثله إلى لهو فلا محذور فيه.

فالآلوسي يريد تصحيح ما ثبت في الصحيح عنده بما يرتعد من هو له فرائض أهل الدين ، وترجف منه قلوب المؤمنين ، ويندى منه جبين الإنسانية حياء وخجلا ، وكان الأجمل بالآلوسي أن يتجافى عن ذكر الشيعة رعاية لمذهبه الأود وسلوكه المعوج ، فهو لم يكثر بذلك إلاّ لجاجه ، ولم يظهر للملإ إلاّ اعوجاجه ،

١٥٣

فأوقف الناس على مواضع خطأه وخطيئته بجرأته على مقام الجناب الأقدس المستحق لكلّ كمال أنفس ، وعلى نبيّه وصفيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاتم النبيّين المنزّه عن كلّ رذيلة نسبها إليه أعداؤه وأعداء أهل بيته معدن الرسالة وأزواجه أهل العفة والنجابة ، واتضح لديهم ما وقع فيه من زلاّت يستمر شؤمها سرمدا وعثرات لا تقال أبدا.

بطلان قوله : إنها كانت متسترة وإن لهو الحبشة كان لتعلم الحرب

ثامنا : قوله : « ولا سيما إذا كانت متسترة يعني أم المؤمنين عائشة ».

فيقال فيه : قل لي بربك كيف كانت متسترة والحديث يقول : ( يسترني بردائه ) فهل يا ترى هذا قول متسترة أم مكشوفة سافرة : ( بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ ) [ المطففين : ١٤ ].

وأما قوله : ( أما لهو الحبشة ولعبهم كان لتعلّم الحرب ).

فيقال فيه ، أولا : ليس في الحديث ما يدل على أن لهوهم ولعبهم كان لتعلّم الحرب لو صح أنهما كانا لتعلم الحرب على حدّ زعمه.

ثانيا : لو سلّمنا ذلك جدلا فهل يا ترى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت حتى يتخذوا من مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ملها وملعبا ، وما هو الوجه يا ترى في توقف معرفة الحرب وأساليبها على اللهو والضرب بالطبل واللّعب بالدرق لا سيما في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأغرب من ذلك أن يزعم الآلوسي حضور الملائكة مثل هذا اللهو واللّعب عازيا ذلك إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسامى قدره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقدر ملائكة الله المكرمين من هذه المنكرات التي تصرخ منها جنّة الأرض وملائكة السماء : ( وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ ) [ العنكبوت : ١٣ ].

زجر عمر (رض) للحبشة بحضرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

وأما قوله : « وأما زجر عمر عن ذلك فلمكان ظن أن ذلك بمحضر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من سوء الأدب ».

فيقال فيه ، أولا : أن زجر عمر (رض) الحبشة عن ذلك بمحضر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن صح كان هو الآخر من سوء الأدب بمحضره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذ ليس له ولا لغيره من

١٥٤

أفراد الأمة أن ينهى ويزجر بحضوره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحدا مطلقا ، والقرآن يقرر هذا : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ ) [ الحجرات : ٢ ] فما ارتكبه عمر من الزجر بمحضر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم داخل في النهي المدلول عليه في الآية.

ثانيا : أن سوء الأدب المذكور في فعل الحبشة بمحضر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن كان حراما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولى بزجرهم من عمر (رض) وإن لم يكن حراما كان زجر عمر (رض) لهم حراما ، لأنه زجر من لا يستحق الزجر شرعا ، أللهم إلاّ أن يقول أولياء عمر (رض) إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان يعلم حرمته وعلم ذلك عمر (رض) أو أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يرغب في فعل الحرام بمحضره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعمر (رض) ما كان يرغب فيه وذلك كلّه هو الضلال البعيد.

وطىء الإماء بالتحليل شرعا

وأما قوله : « والعجب من الشيعة أنهم يروون عن أهل البيت ما تمجّه أسماع المسلمين ».

فيقال فيه :

كان على الآلوسي أن يذكر لنا هذه الرواية بتلك العبارة في أي كتاب من كتبهم الصحيحة موجودة؟ ومن هم الناقلون لها بأسانيدها؟ لنرى هل هي صحيحة أو أنها مكذوبة لا أصل لها؟ ومن حيث أنه قد اقتصر على ذكرها ولم يذكر شيئا من ذلك علمنا أنها موضوعة لا سيّما بعد أن عرفت غير مرّة عدم دقته في نقل الروايات ، وأنه يذكر روايات مجهولة والناقل لها مجهول والمعزيها إليهم جاهل متعصب مرذول ، فليس علينا ولا على أحد أن يفهم مدعيات هذا الآلوسي ومفترياته ، فإنك تراه يسند إلى الشيعة أمورا لم يعتمد فيها على ركن وثيق.

نعم يستباح وطء الإماء بالتحليل عند أكثر الإمامية ، فإذا أحل الرجل لغيره نكاح جاريته جاز له وطؤها من غير حاجة إلى العقد عليها ، وهو كما لو أباح له التصرف في شيء من ماله ، ويدل عليه قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) [ المؤمنون : ٥ ـ ٦ ]

١٥٥

فالآية تفيد جواز ذلك لأنها شاملة لملك العين وملك المنفعة فيدخل ذلك فيها لفظا ومفهوما ، وقد جزم به أكثر علماء الشيعة وخالف فيه خصومهم ، لذا ترى الآلوسي يقول إن هذا مما تمجّه أسماع ( المسلمين ) لأنه مخالف لهواه ولما أجمع عليه أهل الأهواء ، فكأن الآلوسي يرى أن أسماع المسلمين تمج ما جاء به كتاب الله ، وأن جلود المؤمنين تقشعر من أحكام الله ، فلا وربك لا تمجه إلاّ أسماع المعاندين ، ولا تقشعر منه إلاّ جلود أعداء الوصيّ وآل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وقد ورد في الصحيح عن صادق أهل البيت عليهم‌السلام الإمام جعفر بن محمّد عليه‌السلام ، قال : سألته عن امرأة أحلّت لابنها جاريتها ، قال : هو له حلال ، قلت : أفيحلّ له ثمنها؟ قال : إنما يحلّ ما أحلّت له.

فإذا كان هذا ما حكاه الله تعالى في كتابه من حليّة ذلك ، وإذا كان هذا ما حكاه أهل البيت عليهم‌السلام عن جدّهم الأعظم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في إباحته ، فكيف يزعم هذا العدو أن ذلك تمجّه أسماع المسلمين بهتانا وزورا.

ما نسبه إلى مقداد صاحب كنز العرفان في تفسير الآية كذب لا أصل له

وأما قوله : « وذكر مقداد صاحب كنز العرفان الّذي هو أجلّ المفسرين عندهم في تفسير قوله تعالى : ( هؤُلاءِ بَناتِي ) أن لوطا النبيّ عليه‌السلام أراد بذلك الإتيان من غير الطريق المعهود ».

فيقال فيه : لا غرابة أيها القارئ إذا قلنا لك إن الآلوسي لا يعرف شيئا عن مقداد بن عبد الله السّيوري ، ولم يقف على شيء من كتابه ، ولم يدر ما فيه ، يدلك على ذلك قوله : ( هو أجلّ المفسرين عندهم ) والحال أنه ليس من مفسري الشيعة وإنما هو من مصنّفيهم في آيات الأحكام كما يرشد إليه قوله (رض) في تسمية كتابه : ( كنز العرفان في فقه القرآن ) وهو عبارة عن استخراج الآيات التي يستفاد منها الأحكام الشرعية وهي تسمى بفقه القرآن ، فهذا كتابه ( كنز العرفان ) بين أيدينا ، قال بعد ما أورد الآية الكريمة ما نصّه : ( قالوا فيها دلالة على جواز الوطء في الدبر ، وتحرير القول هنا أن نقول : أكثر المخالفين منعوا منه ، وأجازه مالك

١٥٦

ـ إلى أن قال ـ : وأما أصحابنا فلهم في ذلك روايتان ، إحداهما : التحريم وهو قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( محاشّ النساء حرام على أمتي ).

وثانيتهما : الحلّ ، وهو رواية عبد الله في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام ( قال : سألته عن الرجل يأتي المرأة في دبرها؟ قال : لا بأس به ـ إلى أن قال ـ : واحتجوا لتأييد ذلك بآيات الأولى : هذه الآية ( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) [ البقرة : ٢٢٣ ] ولفظ أنّى للمكان كأين ، يقال اجلس أنّى شئت أي أيّ موضع شئت ، إن قيل : يحمل على القبل لكونه موضع الحرث ، قلنا : إنما يصح ذلك لو كان الحرث اسما للقبل ، وأما إذا كان للنساء فلا ، كيف ولو حمل على القبل فقد لزم تحريم التفخيذ أيضا ولا قائل به ، الثانية قوله : ( هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ) [ هود : ٧٨ ] وجه الاستدلال : أنه علم رغبتهم في الدبر فيكون الإذن مصروفا إلى منزل الرغبة ، الثالثة قوله : ( أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ ) [ الشعراء : ١٦٥ ] وفي هذين نظر ».

هذا ما قاله الشيخ الجليل مقداد ( رضوان الله عليه ) في كتابه المذكور ، فهل يا ترى أنه نسب في كلامه هذا إلى أهل البيت عليهم‌السلام ما لا يوافق ذوق الآلوسي وطبعه؟ أم يا هل تراه قال عند الآية : ( إن لوطا النبيّ عليه‌السلام أراد بذلك الإتيان من غير الطريق المعهود ) كما يزعم الآلوسي : ( إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ ) [ النحل : ١٠٥ ] ألم تر أنه كان في مقام الإحتجاج بالآية وذكر الاحتمالات التي يمكن تطرقها على الاستدلال بها شأن العلماء في استدلالاتهم على صحة الأشياء وعدمها ، فكيف يزعم أنه نسب إلى أهل البيت عليهم‌السلام أن لوطا النبيّ عليه‌السلام أراد ذلك الإتيان من غير الطريق المعهود إفكا وزورا.

وأما قوله : « فيا ويلهم من هذا الافتراء وسحقا لهم بسبب هذه المقالة الشنيعاء » ، فلسان حال الشيعة في جوابه يقول :

إذا نطق اللّئيم فلا تجبه

فخير من إجابتك السّكوت

لئيم القوم يشتمني فيخطئ

ولو دمه سفكت لما خطيت

فلست مشاتما أبدا لئيما

جزيت لمن يشاتمه جزيت

١٥٧

خصوم الشيعة يجوزون الغناء المحرّم شرعا

قال الآلوسي ص : (٣٥) : « ومن مكايدهم يقولون إن أهل السنّة يجوزون التغني وقد النهي عنه في الأحاديث ، الجواب : هذا محض افتراء وكلام أشبه بالهراء فإن ذلك الغناء عند جميع أهل السّنة حرام ، ولكن الشيخ المقتول ذكر في كتاب الدروس أنه يجوز الغناء بشروط في العرس ، وتلك الشروط هي أن يكون المستمع إمرأة وألاّ يكون شعرا في الهجاء كذا في شرح القواعد ، وهذا ما يقضي منه العجب ويزيد الطرب ، وقد طعنوا أنفسهم وأصابهم سهمهم ، ومكايدهم لا تحصى ولا تعدّ ولا ترسم ولا تحدّ ».

المؤلف : أما قوله : « يقولون إن أهل السنّة يجوزون التغني وهو محض افتراء ».

فيقال فيه : لقد تقدم منا أن شيخ الحديث عند أهل السنّة البخاري يقول في صحيحه عن عائشة : ( أن جاريتين كانتا تغنيانها ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مضطجع على فراشه ) وقد سجل جوازه عند أهل السنّة محمّد رضا في مناره بمصر القاهرة : ( ج ٣ م ١٧ ص ١٨٥ ) ونسب الحكم بكراهته إلى بعضهم ، وكيف يا ترى يكون حراما عندهم وهم يزعمون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منع أبا بكر (رض) من زجر المغنيتين حينما كانتا تغنيان لابنته عائشة في بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث البخاري المتقدم ذكره ، فليس للآلوسي أن يزعم أن ذلك محض افتراء ، وهو لم يقف على شيء من صحاح أئمته وفقهاء مذهبه وإلاّ كان هو المفتري عليهم في نسبة المنع عنه إليهم دون خصومهم.

ليس في الغناء تشويق للعبادة كما يزعم الآلوسي

وأما قوله : « أللهم إلاّ إذا كان فيه تشويق للعبادة ».

فيقال فيه : ما قاله إمامه يزيد بن الوليد الأموي على ما تقدم تسجيله في الدر المنثور : ( إن الغناء ينقص الحياء ، ويزيد في الشهوة ، ويهدم المروءة ، وإنه لينوب

١٥٨

عن الخمر ، ويفعل ما يفعل السّكر ، وهو داعية الزنى للنساء ) فهو من أشدّ المرغبات للعهور والفجور وفيه من التشويق إلى الزنى والعبث بالنساء ما لا يخفى أمره على أحد من العالمين ، وكيف يا ترى يكون فيه تشويق للعبادة ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول فيما تقدم في حديثه : ( ما رفع أحد صوته بغناء إلاّ بعث الله إليه شيطانين يجلسان على منكبيه يضربان بأعقابهما على صدره حتى يمسك ) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل ) نعوذ بالله من الخبط والخلط والكذب والافتراء وسبات العقل.

وأما قوله : « إن الشيخ المقتول أجاز ذلك في الأعراس بشروطه ».

فيقال فيه : إن جواز الغناء في الأعراس خاصة شريطة ألاّ تكون المغنية من اللّواتي يدخل عليهن الرجال ولا ينطقن بالباطل ولا يلعبن بآلات اللهو والطرب فلقيام النص المخصص لعموم تحريمه في خصوص الأعراس بشروطه المذكورة عن أهل البيت عليه‌السلام الّذين يجب على الناس أجمعين الرجوع إليهم في أخذ الأحكام من حلال وحرام نزولا على أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتمسك بثقليه كتاب الله وعترته أهل بيته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كافة شئون حياتهم العملية ، فهو كما تراه يقضي منه العجب ويزيده الطرب من جواز الغناء في الأعراس بشروطه المقررة في الشريعة مستهزئا بحكم الله وجاحدا لأمره وآخذا بخلافه لأنه وارد عن ثقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعدال كتاب الله ، ولا يقضي منه العجب ويزيده الطرب عند ما يقول بجواز الغناء إذا كان فيه تشويق للعبادة لأنه وارد عن المنحرفين عن الثقلين المستهزئين بهما : ( اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) [ البقرة : ١٥ ].

وأما قوله : ( وقد طعنوا أنفسهم وأصابهم سهمهم ).

فنقول فيه : ما قاله الشاعر العربي :

وذي سفه يواجهني بجهل

فأكره أن أكون له مجيبا

يزيد سفاهة فأزيد حلما

كعود زاده الإحراق طيبا

١٥٩
١٦٠