أربع رسائل كلاميّة

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

أربع رسائل كلاميّة

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة بوستان كتاب
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-964-X
الصفحات: ٣٢٨

وإلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وصيّته لأبي ذر ( رض ) : « من ختم له بقيام الليل ثمّ مات فله الجنّة » (١).

وإلى بحر السّقا بطريق الصدوق عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إنّ من روح الله عزّ وجلّ ثلاثة : التهجّد بالليل ، وإفطار الصائم ، ولقاء الإخوان » (٢).

قلت : التهجّد : التيقّظ بما ينفي النوم وقال المبرّد : التهجّد عند أهل اللغة : السهر للصلاة أو لذكر الله (٣).

وقال صاحب التبيان : وأصل الهجود النوم ؛ لقول لبيد :

قلت هجّدنا فقد طال السرى ...

وقال علقمة والأسود : التهجّد يكون بعد نومة (٤).

وأمّا قوله : وإفطار الصائم يحتمل معنيين : إفطار الصائم نفسه ليلا بوصل صومه ، وتفطير غيره لينال مثل أجره.

وأمّا لقاء الإخوان : فبالتحابب والتوادد والتناصح والتذاكر ، وقد روي « إذا تلاقى المؤمنان سقط بينهما مائة رحمة ، تسع وتسعون لأشدّهما حبّا لصاحبه ثمّ أقبل الله عليهما بوجهه ، وكان على أشدّهما حبّا لصاحبه أشدّ إقبالا » (٥).

واعلم أنّ الروح هنا ملاك الشيء ، وأشرف ما فيه ، كالخشوع روح الصلاة ، فكأنّه يقول : هذه الأعمال الثلاثة أفضل ما يتقرّب به إليه تعالى. ونسب الروح إليه ؛ لتعلّق الأفعال المذكورة به كما ينسب الحكم إلى المتحاكمين.

وإلى جابر بن إسماعيل بطريق الصدوق أيضا عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليهما‌السلام : « أنّ رجلا سأل عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام عن قيام الليل بالقرآن فقال له : أبشر من صلّى عشر ليلة لله مخلصا ابتغاء رضوان الله ، قال الله تبارك وتعالى لملائكته : اكتبوا لعبدي

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٢٢ / ٤٦٥ ؛ الفقيه ١ : ٣٠٠ / ١٣٧٦.

(٢) الفقيه ١ : ٢٩٨ / ١٣٦٤.

(٣) التبيان ٦ : ٥١١ ، ذيل الآية ٧٩ من سورة الإسراء (١٧).

(٤) التبيان ٦ : ٥١١ ، ذيل الآية ٧٩ من سورة الإسراء (١٧).

(٥) لم نعثر عليه. وقريب منه في الكافي ٢ : ١٨١ ـ ١٨٢ / ١٤ باب المصافحة.

٢٠١

هذا من الحسنات عدد ما أنبت في الليل من حبّة وورقة وشجرة ، وعدد كلّ قصبة وخوط ومرعى. ومن صلّى تسع ليلة أعطاه الله عشر دعوات مستجابات ، وأعطاه كتابه بيمينه ، ومن صلّى ثمن ليلة أعطاه الله أجر شهيد صابر صادق النيّة ، وشفّع في أهل بيته. ومن صلّى سبع ليلة خرج من قبره يوم يبعث ، ووجهه كالقمر ليلة البدر حتّى يمرّ على الصراط مع الآمنين. ومن صلّى سدس ليلة كتب من الأوّابين ، وغفر له ما تقدّم من ذنبه. ومن صلّى خمس ليلة زاحم إبراهيم خليل الله في قبّته. ومن صلّى ربع ليلة كان في أوّل الفائزين حتّى يمرّ على الصراط كالريح العاصف ، فيدخل الجنّة بغير حساب. ومن صلّى ثلث ليلة لم يبق ملك إلاّ غبطه بمنزلته من الله عزّ وجلّ ، وقيل له : ادخل الجنّة من أيّ أبواب الجنّة الثمانية شئت. ومن صلّى نصف ليلة ، فلو أعطي ملء الأرض ذهبا سبعين مرّة لم يعدل جزاءه ، وكان له بذلك عند الله عزّ وجلّ أفضل من سبعين رقبة يعتقها من ولد إسماعيل. ومن صلّى ثلثي ليلة كان له من الحسنات بقدر رمل عالج أدناها حسنة مثل جبل أحد عشر مرّات. ومن صلّى ليلة تامّة تاليا لكتاب الله عزّ وجلّ راكعا وساجدا وذاكرا أعطي من الثواب ما أدناه أن يخرج من الذنوب كيوم ولدته أمّه ، ويكتب له عدد ما خلق الله عزّ وجلّ من الحسنات ، ومثلها درجات ، وينبت النور في قبره ، وينزع الإثم والحسد من قلبه ، ويجار من عذاب القبر ، ويعطى براءة من النار ، ويبعث في الآمنين ، ويقول الربّ تبارك وتعالى لملائكته : يا ملائكتي انظروا إلى عبدي أحيا ليلة ابتغاء مرضاتي ، أسكنوه الفردوس ، وله فيها مائة ألف مدينة ، في كلّ مدينة جميع ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين ، وما لا يخطر على بال سوى ما أعددت له من الكرامة والمزيد والقربة » (١).

قلت : قوله في النيل : ويحتمل حمل « في » على معناها الحقيقي ، وهو كونها للظرف ويحتمل على المجازي ، وهو كونها بمعنى « على » مثل : ( وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ) (٢) فيكون المعنى ما أنبت على النيل.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٠٠ / ١٣٧٧.

(٢) طه (٢٠) : ٧١.

٢٠٢

والخوط : هو ورق الكرّاث والبقل ، هكذا سمعته من بعض عرب الحجاز ، ويقرب منه قول الجوهري : إنّه الغصن الناعم لسنته (١).

وقال سلمة بن عياض لصبيّة من العرب : أعطيني خويطا ، فجاءته بغصن صغير من شجرة ، فقال : أردت خيطا ، فقالت : هلاّ قلت خييطا.

وقوله : أعطاه عشر دعوات مستجابات ، أي وفّقه لأن يدعو عشر دعوات فيستجيب له.

وقوله : زاحم إبراهيم في قبّته ، أي بلغت منزلته إلى قرب منزلته.

ودخول الجنّة من أيّ باب شاء دليل عظم المكانة وسعة المملكة ، فإنّ له من كلّ باب منها نصيبا.

والملك ـ بكسر الميم ـ المقدار ، أي مقدار ما يملأ الأرض ، وبالفتح المصدر.

وقوله : أفضل من سبعين رقبة يعتقها من ولد إسماعيل ؛ وذلك أنّ حميرا غزاهم فأسرهم فكان من له خير يفاديه عنهم.

وروى الشيخ بإسناده عن معاوية بن وهب ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول :

« أما يرضى أحدكم أن يقوم قبل الصبح ويوتر ويصلّي ركعتي الفجر وتكتب له صلاة الليل؟ » (٢).

وعن هشام بن سالم عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « إنّ العبد ليرفع له من صلاته نصفها وثلثها وربعها وخمسها ، فما يرفع له إلاّ ما أقبل منها بقلبه ، وإنّما أمروا بالنوافل ليتمّ لهم ما نقصوا من الفريضة » (٣).

باب :

روى الشيخ بإسناده إلى الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد » (٤).

__________________

(١) الصحاح ٢ : ١١٢٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٣٧ / ١٣٩١.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٤١ / ١٤١٣ ؛ الكافي ٣ : ٣٦٣ / ٢ ، باب ما يقبل من صلاة الساهي.

(٤) التهذيب ٢ : ١٠٤ / ٣٩١.

٢٠٣

وعن منصور بن يونس عمّن ذكره عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « من صلّى صلاة فريضة وعقّب إلى أخرى فهو ضيف الله ، وحقّ على الله أن يكرم ضيفه » (١).

قلت : الخلق كلّهم أضيافه فوجه تخصيص هذا صرف همّته ، وتوجيه كلّيته إليه ، فله بذلك مزيد استحقاق عليه.

وعن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : « الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة » (٢).

قلت : هذا مختصّ بصلاة النافلة على معنى أنّ الدعاء بعد الفريضة أفضل عن الصلاة نافلة بدله ، وأنّ الدعاء بعد الصلاة أفضل من الصلاة المجرّدة عن الدعاء ، فتكون الأفضليّة لمجموع الصلاة والدعاء على الصلاة بغير دعاء. ولا يبعد أن يقال : إنّ أفضليّة الدعاء على الصلاة الواجبة من حيث إنّه متبرّع به ، ولا حرج ولا عقاب في تركه ، فكان مشكورا عند الله أكثر من الملزم به.

وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « من سبّح تسبيح فاطمة عليها‌السلام قبل أن يثني رجليه من صلاة الفريضة غفر له ، ويبدأ بالتكبير » (٣).

وعن صالح بن عقبة عن أبي جعفر عليه‌السلام : « ما عبد الله بشيء من التحميد أفضل من تسبيح فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، ولو كان شيء أفضل منه لنحله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة عليها‌السلام » (٤).

وروي عن الباقر عليه‌السلام : « لتسبيح فاطمة عليها‌السلام في كلّ يوم دبر كلّ صلاة أحبّ إليّ من صلاة ألف ركعة في كلّ يوم » (٥).

وروى الصدوق عن الإمام الصادق عليه‌السلام : « المؤمن معقّب ما دام على وضوء » (٦).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٠٣ / ٣٨٨ ؛ الكافي ٣ : ٣٤١ / ٣ ، باب التعقيب بعد الصلاة والدعاء.

(٢) التهذيب ٢ : ١٠٣ / ٣٨٩ ؛ الكافي ٣ : ٣٤٢ / ٥ ، باب التعقيب بعد الصلاة والدعاء. الفقيه ١ : ٢١٦ / ٩٦٢.

(٣) التهذيب ٢ : ١٠٥ / ٣٩٥ ؛ الكافي ٣ : ٣٤٢ / ٦ ، باب التعقيب بعد الصلاة والدعاء.

(٤) التهذيب ٢ : ١٠٥ / ٣٩٨ ؛ الكافي ٣ : ٣٤٣ / ١٤ ، باب التعقيب بعد الصلاة والدعاء.

(٥) التهذيب ٢ : ١٠٥ / ٣٩٩ ؛ الكافي ٣ : ٣٤٣ / ١٥ ، باب التعقيب بعد الصلاة والدعاء. والرواية فيهما عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٦) الفقيه ١ : ٣٥٩ / ١٥٧٦.

٢٠٤

وروى معناه الشيخ بإسناده إلى هشام بن سالم عن الصادق عليه‌السلام (١).

وبإسناد الشيخ في التهذيب إلى صفوان الجمّال قال : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام ، إذا صلّى وفرغ من صلاته رفع يديه جميعا فوق رأسه (٢).

وإلى أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لأصحابه ذات يوم : « أرأيتم لو جمعتم ما عندكم من الثياب والآنية ثمّ وضعتم بعضه على بعض ، أترونه يبلغ السماء؟! » قالوا : لا يا رسول الله ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يقول أحدكم إذا فرغ من صلاته : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ، ثلاثين مرّة ، وهنّ يدفعن الهدم ، والغرق ، والحرق ، والتردّي في البئر ، وأكل السبع ، وميتة السوء ، والبليّة التي نزلت على العبد في ذلك اليوم » (٣).

قلت : لمّا قال : أترونه يبلغ السماء؟ ظهر منه أنّ قول هذه الكلمات يبلغ السماء ، وهذا من الاكتفاء في فنّ البديع ؛ كقول بعضهم شعرا :

مسّني الضّرّ وحوشيته

والمشتكى أنت وحالي كما

وميتة السوء : الظاهر أنّها كلّ ميتة مشنأة ؛ لأنّ السوء هو القبيح الذي يسوء صاحبه ؛ ولقول الباقر عليه‌السلام : « البرّ والصدقة ينفيان الفقر ، ويزيدان في العمر ، ويدفعان عن سبعين ميتة سوء » (٤).

وإلى زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « لا تنسوا الموجبتين ـ أو قال : عليكم بالموجبتين ـ في دبر كلّ صلاة » ، فسأله عنهما فقال عليه‌السلام : « تسأل الله الجنّة وتعوذ بالله من النار » (٥).

قلت : والجيم من الموجبتين يحتمل الفتح والكسر : فالأوّل : يراد به الجنّة والنار ، فإنّ الأعمال أوجبتهما ، ويكون سؤالهما مستلزما لسؤال الأعمال الموجبة للجنّة المبرئة

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٢٠ / ١٣٠٨ ؛ ورواه أيضا في الفقيه ١ : ٢١٦ / ٩٦٣.

(٢) التهذيب ٢ : ١٠٦ / ٤٠٣ ؛ الفقيه ١ : ٢١٣ / ٩٥٢.

(٣) التهذيب ٢ : ١٠٧ / ٤٠٦.

(٤) الكافي ٤ : ٢ / ٢ ، باب فضل الصدقة ؛ الفقيه ٢ : ٣٧ / ١٥٥.

(٥) التهذيب ٢ : ١٠٨ / ٤٠٨ ؛ الكافي ٣ : ٣٤٣ ـ ٣٤٤ / ١٩ ، باب التعقيب بعد الصلاة والدعاء.

٢٠٥

من النار ، وسؤال الأعمال مستلزما لطلب التوفيق من الله لها لا أنّها واقعة.

والثاني : يراد به الدعوتين الموجبتين للجنّة والبعد عن النار ، وهذا أشدّ مطابقة لمعنى لا تنسوا.

وإلى الحسن بن عليّ عليهما‌السلام : « من صلّى فجلس في مصلاّه إلى طلوع الشمس كان له سترا من النار » (١).

ورواه ابن بابويه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

قلت : « كان » هنا يحتمل حملها على حقيقتها ، أي كان ذلك الجلوس له سترا ، ويحتمل أن يكون بمعنى حصل ، أي وجد له سترا من النار ، كما قال :

إذا كان الشتاء فأدفئوني

فإنّ الشيخ يهرمه الشتاء (٣)

وفي حديث آخر عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ المعقّب حتّى تطلع الشمس كحاجّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغفر له ، فإن جلس فيه حتّى تكون ساعة تحلّ فيها الصلاة فصلّى ركعتين أو أربعا غفر له ما سلف ، وكان له من الأجر كحاجّ بيت الله » (٤).

وروى ابن بابويه عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : « الجلوس بعد صلاة الغداة والتعقيب والدعاء حتّى تطلع الشمس أبلغ في طلب الرزق من الضرب في الأرض » (٥).

وعن مرازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سجدة الشكر واجبة على كلّ مسلم ، تتمّ بها صلاتك ، وترضي بها ربّك ، وتعجب الملائكة منك » (٦).

قلت : يحتمل أن يكون الوجوب هنا بمعنى السقوط ، ومنه : ( فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها ) (٧).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٢١ / ١٣١٠.

(٢) الفقيه ١ : ٣١٩ / ١٤٥٦ ؛ ورواه أيضا عن رسول الله في التهذيب ٢ : ١٣٩ / ٥٤٢ ، ولفظ الحديث فيهما : « من جلس في مصلاّه من صلاة الفجر إلى طلوع الشمس ستره الله من النار ».

(٣) لسان العرب ١٣ : ٣٦٥ ، « ك. و. ن ».

(٤) التهذيب ٢ : ١٣٨ / ٥٣٥. مع تفاوت في صدر الحديث.

(٥) الفقيه ١ : ٢١٧ / ٩٦٥ ؛ التهذيب ٢ : ١٣٨ / ٥٣٩.

(٦) الفقيه ١ : ٢٢٠ / ٩٧٨ ؛ التهذيب ٢ : ١١٠ / ٤١٥.

(٧) الحجّ (٢٢) : ٣٦.

٢٠٦

وعجب الملائكة من حيث إنّه فعلها مع مجازية طبيعته إلى تركها والميل إلى الراحة عنها ، وعلمه بعدم المؤاخذة عليها.

باب :

وروى الشيخ بإسناده إلى زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « من تمام الصوم إعطاء الزكاة ، كالصلاة على النبيّ وآله من تمام الصلاة ، ومن صام ولم يؤدّها فلا صوم له » (١).

قلت : قد انعقد الإجماع على صحّة الإتيان بواجب دون آخر ، فيحمل توقّف الصوم على الزكاة على أنّه : إذا لم يزكّ منع اللطف الزائد على الواجب ، فلا يخلص لذلك في صومه ، فلا يقبل منه ، أو يكون تركه للزكاة استحلالا ، فإنّه كفر للإجماع ، والنصوص القرآنية والنبويّة على وجوبها ، ومع الكفر لا قبول لعمل صوم ولا غيره. وسيأتي في حديث « من منع الزكاة وقفت صلاته ».

وعن محمّد بن عجلان قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « أحسنوا جوار النعم » قلت : وما حسن جوار النعم؟ قال : « الشكر لمن أنعم بها ، وأداء حقوقها » (٢).

قلت : أداء حقوقها ـ والله أعلم ـ إشارة إلى دفع الحقوق الواجبة من زكاة وغيرها ، وعلى أنّ ذلك من جملة شكر منعمها على أحد الأقوال السالفة.

وعن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « من أحبّ الأعمال إلى الله تعالى إشباع جوعة المؤمن ، وتنفيس كربته ، وقضاء دينه » (٣).

وعن مسمع عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « أفضل الصدقة إبراد كبد حرّى » (٤).

قلت : الإبراد : إشارة إلى زوال شدّة الفاقة ، فإنّ لها حرارة ناشئة عن همّ وهمّة ، وفي الدعاء : « أذقني برد عفوك » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٩ / ٦٢٥ ، و ٤ : ١٠٨ ـ ١٠٩ / ٣١٤.

(٢) التهذيب ٤ : ١٠٩ / ٣١٥ ؛ الكافي ٤ : ٣٨ / ٢ ، باب حسن جوار النعم.

(٣) التهذيب ٤ : ١١٠ / ٣١٨ ؛ الكافي ٤ : ٥١ / ٧ ، باب فضل إطعام الطعام.

(٤) التهذيب ٤ : ١١٠ / ٣١٩ ؛ الكافي ٤ : ٥٧ / ٢ ، باب سقي الماء.

(٥) أمالي المفيد : ٩٢ / ٨ ؛ المجلس ١٠.

٢٠٧

أي اصرف عنّي حرارة همّ عقوبتك.

وعن عبد الله بن سنان قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « داووا مرضاكم بالصدقة ، وادفعوا أمواج البلاء بالدعاء ، واستنزلوا الرزق بالصدقة ، فإنّها تفكّ من بين لحيي سبعمائة شيطان ، وليس شيء أثقل على الشيطان من الصدقة على المؤمن » (١).

قلت : الصدقة ليست بين لحى الشياطين ، ولكنّهم لمّا منعوا منها بتسويلهم أشبهوا من أدخل شيئا في فمه ، وقبض عليه ممتنعا من فضه إلاّ بمشقّة شديدة لفرط أعدائه.

وعن الصادق عليه‌السلام : « من منع الزكاة وقفت صلاته حتّى يزكّي » (٢).

وعن أبي الحسن الأوّل عليه‌السلام ، قال : « من لم يستطع أن يصلنا فليصل فقراء شيعتنا ، ومن لم يستطع أن يزور قبورنا فليزر صلحاء إخواننا » (٣).

وعن عيسى بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من صنع إلى أحد من أهل بيتي يدا كافأته يوم القيامة » (٤).

باب :

روى الصدوق عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « الصوم جنّة من النار » (٥).

وقال عليه‌السلام : « قال الله تعالى الصوم لي وأنا أجزي به » (٦).

وقال عليه‌السلام : « إنّ الله وكّل ملائكة بالدعاء للصائمين. وأخبرني جبرئيل عليه‌السلام عن ربّه

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١١٢ / ٣٣١ ؛ الكافي ٤ : ٣ / ٥ ، باب فضل الصدقة ؛ الفقيه ٢ : ٣٧ / ١٥٦.

(٢) التهذيب ٤ : ١١٢ / ٣٣٠ ؛ الكافي ٣ : ٥٠٤ ـ ٥٠٥ / ١٢ ، باب منع الزكاة ؛ الفقيه ٢ : ٧ / ٢٢.

(٣) التهذيب ٤ : ١١١ / ٣٢٤ ؛ الكافي ٤ : ٥٩ ـ ٦٠ / ٧ ، باب الصدقة لبني هاشم ومواليهم وصلتهم ؛ الفقيه ٢ : ٤٣ / ١٩١.

(٤) التهذيب ٤ : ١١٠ / ٣٢٢ ؛ الكافي ٤ : ٦٠ / ٨ ، باب الصدقة لبني هاشم ومواليهم وصلتهم ؛ الفقيه ٢ : ٣٦ / ١٥٢.

(٥) الفقيه ٢ : ٤٤ / ١٩٦ ؛ الكافي ٤ : ٦٢ / ١ ، باب ما جاء في فضل الصوم والصائم ؛ التهذيب ٤ : ١٥١ / ٤١٨.

(٦) الفقيه ٢ : ٤٤ / ١٩٨ ؛ الكافي ٤ : ٦٣ / ٦ ، باب ما جاء في فضل الصوم والصائم ؛ التهذيب ٤ : ١٥٢ / ٤٢٠. وفي الكافي : « أجزي عليه » بدل « أجزي به ».

٢٠٨

تعالى ذكره أنّه قال : ما أمرت ملائكتي بالدعاء لأحد من خلقي إلاّ استجبت لهم فيه » (١).

وقال عليه الصلاة والسلام لأصحابه : « ألا أخبركم بشيء إن فعلتموه تباعد الشيطان منكم كما تباعد المشرق من المغرب؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : « الصوم يسوّد وجهه ، والصدقة تكسر ظهره ، والحبّ في الله عزّ وجلّ والمؤازرة في العمل الصالح يقطع دابره ، والاستغفار يقطع وتينه. ولكلّ شيء زكاة ، وزكاة الأبدان الصيام » (٢).

قلت : قد ذكر المصنّف رحمه‌الله في قواعده وجوها من التراجيح (٣). وعليها إيرادات ، من وقف لها وقف عليها.

وأمّا قوله : يسوّد وجهه : تسويد الوجه هنا من الغيض من الصوم.

وكسر الظهر قد تكون عبارة عن انقطاع حيله.

والدابر : الأصل ، وقيل : الآخر ، وعقب الرجل ، دابره.

والوتين : عرق معلّق به القلب ، إذا قطع مات صاحبه.

وعن الصادق عليه‌السلام : « نوم الصائم عبادة ، وصمته تسبيح ، وعمله متقبّل ، ودعاؤه مستجاب » (٤).

وروي عن جميل بن درّاج عن الصادق عليه‌السلام ، أنّه قال : « من دخل على أخيه وهو صائم ، فأفطر عنده ولم يعلمه بصومه فيمنّ عليه ، كتب الله له صوم سنة » (٥).

قوله : ولم يعلمه. قلت : فلو أراد بالإعلام سروره وبشارته بإفطاره لينال مثل ثوابه لم يكن من هذا الباب ، كما سمعناه من بعض الطلاّب. والظاهر من الحديث أنّ

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٤٥ / ٢٠٢ ؛ الكافي ٤ : ٦٤ / ١١ ، باب ما جاء في فضل الصوم والصائم.

(٢) الفقيه ٢ : ٤٥ / ١٩٩ ؛ الكافي ٤ : ٦٢ / ٢ ، باب ما جاء في فضل الصوم والصائم ؛ التهذيب ٤ : ١٩١ / ٥٤٢.

(٣) القواعد والفوائد ١ : ١٣٧ ـ ١٣٩.

(٤) الفقيه ٢ : ٤٦ / ٢٠٧.

(٥) الفقيه ٢ : ٥١ / ٢٢٢ ؛ الكافي ٤ : ١٥٠ / ٣ ، باب فضل إفطار الرجل عند أخيه إذا سأله.

٢٠٩

الكراهة متعلّقة بقصد المنّ عليه.

وعن عليّ عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من صام يوما تطوّعا أدخله الله عزّ وجلّ الجنّة » (١).

وعن أبي الحسن موسى عليه‌السلام : « رجب شهر عظيم يضاعف الله فيه الحسنات ، ويمحو فيه السيّئات ، من صام يوما من رجب تباعدت عنه النار مسيرة سنة ، ومن صام ثلاثة أيّام وجبت له الجنّة » (٢).

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام : « من صام أوّل يوم من شعبان وجبت له الجنّة البتّة » (٣).

وعن أبي الحسن موسى عليه‌السلام : « من صام أوّل يوم من عشر ذي الحجّة كتب الله له صوم ثمانين شهرا ، فإن صام التسع كتب الله عزّ وجلّ له صوم الدهر » (٤).

وعن الصادق عليه‌السلام : « صوم يوم التروية كفّارة سنة ، ويوم عرفة كفّارة سنتين » (٥).

وروى المفضّل بن عمر عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « صوم يوم غدير خمّ كفارة ستّين سنة » (٦).

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام : « لا تدع صوم يوم سبعة وعشرين من رجب ، فإنّه اليوم الذي أنزلت فيه النبوّة على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وثوابه مثل ستّين شهرا لكم » (٧).

وعن الرضا عليه‌السلام : « صوم يوم خمسة وعشرين من ذي القعدة كصوم ستّين شهرا ـ قال ـ : وهو مولد الخليل عليه‌السلام ، وعيسى بن مريم عليهما‌السلام ، ودحيت فيه الأرض » (٨).

قال الصدوق ، وروي : « أنّ الكعبة أنزلت في تسع وعشرين من ذي القعدة ، وهي

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٥٢ / ٢٢٥.

(٢) الفقيه ٢ : ٥٦ / ٢٤٥.

(٣) الفقيه ٢ : ٥٦ / ٢٤٧.

(٤) الفقيه ٢ : ٥٢ / ٢٣٠.

(٥) الفقيه ٢ : ٥٢ / ٢٣١.

(٦) الفقيه ٢ : ٥٥ / ٢٤١.

(٧) الفقيه ٢ : ٥٥ / ٢٤٠.

(٨) الفقيه ٢ : ٥٤ / ٢٣٨. بتفاوت في الألفاظ.

٢١٠

أوّل رحمة نزلت ، فمن صام ذلك اليوم كان كفّارة سبعين سنة » (١).

وعن الصادق عليه‌السلام : « من تطيّب بطيب أوّل النهار وهو صائم لم يفقد عقله » (٢).

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما من صائم يحضر قوما وهم يطعمون إلاّ سبّحت أعضاؤه ، وكانت صلاة الملائكة عليه ، وكانت صلاتهم استغفارا » (٣).

باب :

قال ابن بابويه رحمه‌الله ، قال الصادق عليه‌السلام : « من أمّ هذا البيت حاجّا أو معتمرا مبرّأ من الكبر ، وغمط الناس بطره ، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمّه » (٤).

قلت : الكبر ، بطر الحقّ. وغمط الناس بطره : ردّه على قائله.

وغمص الناس : انتقاصهم ، وتقرأ « وغمط » بالغين المعجمة والطاء المهملة ، والأولى بالعين والصاد المهملتين.

وقال الصادق عليه‌السلام : « من أمّ هذا البيت وهو يعلم أنّه البيت الذي أمر الله به ، وعرفنا أهل البيت حقّ معرفتنا ، كان آمنا في الدنيا والآخرة » (٥).

ذكره في تفسير قوله تعالى : ( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) (٦).

قلت : ووجه الأمان في الدنيا بمعرفتهم أنّ من تمامها اعتقاد صحّة ما نهوا عنه ممّا يوجب حدّا يمنع من الإقدام عليه.

إن قلت : فقد رأينا العارف بهم في الدنيا مبغوضا مهضوما ومنغوصا مظلوما وخائفا مهموما ، ويعلم قطعا أن أكثر سبب ذلك معرفتهم.

قلت : الأمر المذكور لم يعيّن فيه زمان المأمون ، فجاز أن يكون الأمن الحاصل في

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٥٤ / ٢٣٩.

(٢) الفقيه ٢ : ٥٢ / ٢٢٨.

(٣) الفقيه ٢ : ٥٢ / ٢٢٩.

(٤) الفقيه ٢ : ١٣٣ / ٥٥٩ ؛ الكافي ٤ : ٢٥٢ / ٢ ، باب فضل الحجّ والعمرة وثوابهما ؛ التهذيب ٥ : ٢٣ / ٦٩. وليس في المصادر : « وغمط الناس بطره ».

(٥) الفقيه ٢ : ١٣٣ / ٥٦٠ ؛ التهذيب ٥ : ٤٥٢ / ١٥٧٩.

(٦) آل عمران (٣) : ٩٧.

٢١١

الدنيا هو من عذاب الآخرة ، فإذا جاءت الآخرة لا يحزنهم الفزع الأكبر ، فتطابق الحالان ؛ ولأنّ من عرفهم حقّ معرفتهم التزم بطرائقهم ، ومن أكثر ما حثّوا عليه ورغّبوا فيه لزوم التقيّة ، فمن عمل بها وأخفى أمره عن أعدائهم أمنهم.

وقال عليه‌السلام : « ومن قدم حاجّا فطاف بالبيت ، وصلّى ركعتين كتب الله له سبعين ألف حسنة ، ومحا عنه سبعين ألف سيّئة ، ورفع له سبعين ألف درجة ، وشفّعه في سبعين ألف حاجة ، وكتب له عتق سبعين ألف رقبة قيمة كلّ رقبة عشرة آلاف درهم » (١).

وقال الصادق عليه‌السلام : « إنّ لله تبارك وتعالى حول الكعبة عشرين ومائة رحمة منها ستّون للطائفين ، وأربعون للمصلّين ، وعشرون للناظرين » (٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : « من صلّى عند المقام ركعتين عدلتا عتق ستّ نسمات.

وطواف قبل الحجّ أفضل من سبعين طوافا بعد الحجّ » (٣).

وقال الصادق عليه‌السلام : « ما من رجل من أهل كورة وقف بعرفة من المؤمنين إلاّ غفر الله لأهل تلك الكورة من المؤمنين » (٤).

قلت : الكورة هي المدينة والصقع ، وجمعها ، كور.

وقال الصادق عليه‌السلام : « لا يزال العبد في حدّ الطائف بالكعبة ما دام شعر الحلق عليه » (٥).

قلت : المراد به الشعر النابت بعد الحلق ، أي ما لم يحلق ثانيا.

وروي « أنّ الحاجّ من حين يخرج من منزله حتّى يرجع ، بمنزلة الطائف بالكعبة » (٦).

وروي : « أنّه ما تقرّب إلى الله عزّ وجلّ بشيء أحبّ إليه من المشي إلى بيته الحرام على القدمين ، وأنّ الحجّة الواحدة تعدل سبعين حجّة » (٧).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤١١ / ١ ، باب فضل الطواف ؛ الفقيه ٢ : ١٣٣ / ٥٦٣.

(٢) الكافي ٤ : ٢٤٠ / ٢ ، باب فضل النظر إلى الكعبة ؛ الفقيه ٢ : ١٣٤ / ٥٦٥.

(٣) الفقيه ٢ : ١٣٤ / ٥٦٧.

(٤) الفقيه ٢ : ١٣٦ / ٥٨٤.

(٥) الفقيه ٢ : ١٣٩ / ٦٠١.

(٦) الفقيه ٢ : ١٣٩ / ٦٠٢.

(٧) الفقيه ٢ : ١٤٠ ـ ١٤١ / ٦٠٩.

٢١٢

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « كلّ نعيم مسئول عنه صاحبه إلاّ ما كان في غزو ، أو حجّ » (١).

وروي : « أنّ الحجّ أفضل من الصلاة والصيام » (٢).

فالجمع بينه وبين ما تقدّم ، من أنّ صلاة الفريضة خير من عشرين حجّة ، أن تكون الحجّة مجرّدة عن الصلاة.

وقال الصادق عليه‌السلام : « من أنفق درهما في الحجّ كان خيرا له من مائة ألف درهم ينفقها في حقّ » (٣).

وروي : « أنّ درهما في الحجّ خير من ألف ألف درهم في غيره ، ودرهم يصل إلى الإمام مثل ألف ألف درهم في حجّ » (٤).

وروي : « أنّ هديّة الحاجّ من نفقة الحجّ » (٥).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : « أتى آدم عليه‌السلام هذا البيت ألف أتية على قدميه ، منها سبعمائة حجّة ، وثلاثمائة عمرة ، وكان يأتيه من ناحية الشام ، وكان يحجّ على ثور » (٦).

باب :

قال الله تعالى : ( وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ) (٧).

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « والذي نفسي بيده ، لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها » (٨).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فوق كلّ برّ برّ حتّى يقتل الرجل في سبيل الله ، فإذا قتل في سبيل الله

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١٤٢ / ٦٢١.

(٢) الفقيه ٢ : ١٤٣ / ٦٢٦.

(٣) الفقيه ٢ : ١٤٥ / ٦٣٧.

(٤) الفقيه ٢ : ١٤٥ / ٦٣٨.

(٥) الفقيه ٢ : ١٤٥ / ٦٣٩.

(٦) الفقيه ٢ : ١٤٧ ـ ١٤٨ / ٦٥١.

(٧) النساء (٤) : ٩٥.

(٨) صحيح البخاري ٣ : ١٠٢٨ ـ ١٠٢٩ / ٢٦٣٩ ، ٢٦٤١ كتاب الجهاد ؛ صحيح مسلم ٣ : ١٤٩٩ ـ ١٥٠٠ / ١١٢ ـ ١١٥ ، كتاب الإمارة.

٢١٣

فليس فوقه برّ. وفوق كلّ عقوق عقوق حتّى يقتل والديه ، فإذا قتل والديه فليس فوقه عقوق » (١).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الجنّة تحت ظلال السيوف » (٢).

وقال علي عليه‌السلام : « الجنّة تحت أطراف العوالي » (٣).

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « رباط ليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه ، فإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله ، وأجري عليه رزقه » (٤).

وروي عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « جاء رجل من خثعم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : يا رسول الله أخبرني ما أفضل الإسلام؟ قال : الإيمان بالله. قال : ثمّ ما ذا؟ قال : صلة الرحم. قال : ثمّ ما ذا؟ قال : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال ، فقال الرجل :

فأيّ الأعمال أبغض إلى الله عزّ وجلّ؟ قال : الشرك بالله. قال : ثمّ ما ذا؟ قال : قطيعة الرحم. قال : ثمّ ما ذا؟ قال : ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر » (٥).

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ، وتعاونوا على البرّ والتقوى ، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات ، وسلّط بعضهم على بعض ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء » (٦).

__________________

(١) التهذيب ٦ : ١٢٢ / ٢٠٩ ؛ وأورد صدره في الكافي ٥ : ٥٣ / ٢ ، باب فضل الشهادة.

(٢) بحار الأنوار ٩٧ : ١٣ / ٢٧ ، نقلا عن صحيفة الإمام الرضا عليه‌السلام.

(٣) نهج البلاغة : ٢٣٧ ، الخطبة ١٢٤.

(٤) صحيح مسلم ٣ : ١٥٢٠ / ١٦٣ ، كتاب الإمارة.

(٥) الكافي ٥ : ٥٨ / ٩ ، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ التهذيب ٦ : ١٧٦ / ٣٥٥. في المصدرين : « الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف » بدل « ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ».

(٦) التهذيب ٦ : ١٨١ / ٣٧٣.

٢١٤

الفصل الخامس

في الترهيب

روى الصدوق عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : « قال الله جلّ جلاله : أيّما عبد أطاعني لم أكله إلى غيري ، وأيّما عبد عصاني وكلته إلى نفسه ، ثمّ لم أبال في أيّ واد هلك » (١).

وعن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام : « من كان ظاهره أرجح من باطنه خفّ ميزانه » (٢).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « قال الله جلّ جلاله : إذا عصاني من خلقي من يعرفني سلّطت عليه من خلقي من لا يعرفني » (٣).

وعن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام أنّه قال لبعض ولده : « يا بنيّ إيّاك أن يراك الله عزّ وجلّ في معصية نهاك عنها ، وإيّاك أن يفقدك الله عند طاعة أمرك بها ، وعليك بالجدّ ، ولا تخرجنّ نفسك من التقصير عن عبادة الله ؛ فإنّ الله عزّ وجلّ لا يعبد حقّ عبادته ، وإيّاك والمزاح ؛ فإنّه يذهب بنور إيمانك ويستخفّ بمروءتك ، وإيّاك والكسل والضجر ؛ فإنّهما يمنعانك حظّك من الدنيا والآخرة » (٤).

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٨٩ / ٨٦٥.

(٢) الفقيه ٤ : ٢٨٩ / ٨٦٦.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٨٩ / ٨٦٧.

(٤) الفقيه ٤ : ٢٩٢ / ٨٨٢.

٢١٥

قلت : سمّي المزاح مزاحا ؛ لأنّه أزيح عن الحقّ ، قال الشاعر :

لا يمزحنّ الرجال إن مزحوا

لم أر قوما تمازحوا سلموا

واعلم أنّه قد وجدت أحاديث في استحبابه لقول ابن عبّاس : مزح النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصار المزح سنّة.

وقال عليه‌السلام : « مزاح المؤمن عبادة ، وضحكه تسبيح » والجمع بينهما بكراهة الإفراط ، واستحباب غيره.

قال الأحنف : من ترك ممازحة أخيه فقد فارقه وإنّما يكره الإكثار منه وفي غير موضعه ومع الأعداء ، أمّا القليل مع الأحباب فسنّة.

وقال العيني : الإفراط في المزاح مجون ، والتفريط ندامة ، والاقتصاد تطرّف.

وعن الصادق عليه‌السلام : « من لم يبال ما قال وما قيل فيه فهو شرك شيطان ، ومن لم يبال أن يراه الناس مسيئا فهو شرك شيطان ، ومن اغتاب أخاه المؤمن من غير ترة بينهما فهو شرك شيطان ، ومن شغف بمحبّة الحرام وشهوة الزنى فهو شرك شيطان » (١).

قلت : شرك شيطان ، مخالطته في الجماع ، فيتولّد منهما ، ومن ثمّ استحبّت التسمية عنده.

والترة : البغض وأصلها القطع ، ومنه الوتر المنقطع بانفراده.

والشغف : بلوغ الحبّ إلى القلب. قال السدي : شغاف القلب غلافه. وقال الحسن : هو باطن القلب. وقال الجبّائي : هو وسط القلب (٢). وقال الأصمعي : هو داء يسيل من الصدر ، فيقال : إذا التقى بالطحال مات صاحبه (٣).

وروي بالعين المهملة ومعناه ، ذهب به الحبّ كلّ مذهب ، من شعف الجبال ، وهي رءوسها.

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٩٩ / ٩٠٥.

(٢) التبيان ٦ : ١٢٩ ، ذيل الآية ٣٠ من يوسف (١٢).

(٣) لسان العرب ٩ : ١٧٩. « ش. غ. ف ».

٢١٦

وقال ابن زيد : وهو بالمعجمة الحبّ ، وبالمهملة البغض (١).

وإنّما كان بفعل هذه الأمور شرك شيطان لدلالتها على مهانته وخبث نفسه وسوء سريرته ، وذلك من خواصّ الشيطان.

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من تأمّل عورة أخيه لعنه سبعون ألف ملك ، ومن حلف بغير الله فليس من الله في شيء. ونهى أن يقول الرجل للرجل : لا وحياتك وحياة فلان » (٢).

قلت : تأمّلها أي نظرها عن قصد.

ومن حلف بغير الله ، فقد أنزل ذلك الغير منزلة الله سبحانه ، وذلك نوع شرك ، ومنه الحلف بحياة فلان.

وقال عليه‌السلام : « المؤمن لا يهجر أخاه أكثر من ثلاثة أيام ، فمن كان مهاجرا لأخيه أكثر من ذلك كانت النار أولى به » (٣).

قلت : حمل الأخ هنا على أخ الولادة ، فإنّ مهاجرته قطيعة رحم ، وعلى ما هو أعمّ ؛ ليدخل فيه أخو الدين. ويكون ذكر الأولويّة فيه شديد في النهي عن المهاجرة ، أو تحمل المهاجرة على عدم الصلة بالنفس في موضع الدفع عنه ، أو بالمال في موضع وجوب بذله في فدائه من عطب أو سغب ، حيث لا وجه له سوى مال أخيه.

وقال عليه‌السلام : « من مدح سلطانا جائرا ، أو تحفّف وتضعضع له طمعا فيه كان قرينه في النار » (٤).

قلت : مدحه على جوره ، وذلك لرضائه ، والرضى بالجور قبيح ، أو مدحه مدحا لا يستحقّه لعدم اتّصافه بموجبه.

وتحفّف ـ بالحاء المهملة ـ أي تلطّف ، يقال : حفا فلان بفلان إذا برّه وألطفه. ومنه

__________________

(١) التبيان ٦ : ١٢٩ ، ذيل الآية ٣٠ من يوسف (١٢).

(٢) الفقيه ٤ : ٥ / ١.

(٣) الفقيه ٤ : ٥ / ١ ، بتفاوت.

(٤) الفقيه ٤ : ٦ / ١.

٢١٧

( إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا ) (١). فقيل : لطيفا ، وقيل : عالما (٢). ويحتمل كون التحفيف هنا بمعنى الإحداق والإحاطة ، ومنه ( وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ ) (٣). فعن قتادة والسدي يطوفون حوله (٤).

وتضعضع : تذلّل وتساقط عن منزلته ، وفي ذلك كلّه ترك التكبّر الواجب عليه.

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « أدنى الإنكار أن تلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرّة » (٥) وترك التكبّر على أهل المعاصي من الذنوب الكبار ؛ فلهذا كان قرينه في النار.

وقال عليه‌السلام : « من بنى بنيانا رياء وسمعة حمله يوم القيامة من الأرض السابعة وهو نار تشعل ، ثمّ يطوّق في عنقه ويلقى في النار ، ولا يحبسه شيء دون قعرها إلاّ أن يتوب.

قيل يا رسول الله : كيف يبني رياء وسمعة؟ قال : يبني فضلا عمّا يكفيه استطالة منه على جيرانه ومباهاة لإخوانه » (٦).

وقال عليه‌السلام : « من تعلّم القرآن ثمّ نسيه لقى الله يوم القيامة مغلولا ، يسلّط الله عليه بكلّ آية منه حيّة تكون قرينه إلى النار إلاّ أنّ يغفر له » (٧).

قلت : حفظ القرآن واجب على الكفاية فالنسيان هنا محمول على وقوعه اختيارا من ظنّ عدم قيام غيره مقامه. فيذهب التوعّد من النبيّ عند عدم أحد القيدين.

والمراد بالنسيان فعل سببه ، وهو عدم التكرار الموجب للنسيان ، فهو لازم لفعل العبد لكونه ليس مقدورا على الأصحّ ، ولهذا يقع للعبد وإن كرهه ، وينتفي عنه وإن أراده.

ولمّا كان فعل العبد تبعا لداعيه ، وليس النسيان تبعا لداعيه ، كان فعل العبد ليس

__________________

(١) مريم (١٩) : ٤٧.

(٢) التبيان ٧ : ١١٦ ـ ١١٧ ، ذيل الآية ٤٧ من سورة مريم (١٩).

(٣) الزمر (٣٩) : ٧٥.

(٤) مجمع البيان ٨ : ٥١١ ، ذيل الآية ٧٥ من سورة الزمر (٣٩).

(٥) التهذيب ٦ : ١٧٦ ـ ١٧٧ / ٣٥٦.

(٦) الفقيه ٤ : ٦ / ١.

(٧) الفقيه ٤ : ٦ / ١.

٢١٨

نسيانا ، وينعكس إلى [ أنّ ] النسيان ليس فعلا للعبد ، ومع ذلك يجوز أن يراد بنسيانه ترك العمل به ، فقد ورد في الحديث : « إنّ الله أنزل القرآن لتعملوا به فاتّخذوه علما » (١).

وقال عليه‌السلام : « من قرأ القرآن ثمّ شرب عليه حراما ، وآثر عليه حبّ الدنيا وزينتها استوجب عليه سخط الله إلاّ أن يتوب » (٢).

وقال عليه‌السلام : « من زنى بامرأة ثمّ لم يتب منه فتح الله له في قبره ثلاثمائة باب يخرج منها عقارب وحيّات وثعبان النار ، فهو يحرق إلى يوم القيامة ، فإذا بعث من قبره تأذّى الناس من نتن ريحه ، فيعرف بذلك » (٣).

باب :

وقال عليه‌السلام : « من ظلم امرأة مهرها فهو عند الله زان » (٤).

قلت : عليه بظلمها ذلك عقاب الزناة في الآخرة. هذا ـ والله أعلم ـ هو المراد هنا ، ولا يحدّ على ذلك في الدنيا حدّ الزناة ، بل يعزّر إذا علم الناس ظلمه.

وقال عليه‌السلام في الخمر : « من شربها لم تقبل له صلاة أربعين يوما ، فإن مات وفي بطنه شيء من ذلك كان حقّا على الله أن يسقيه من طينة خبال ، وهي صديد أهل النار ، وما يخرج من فروج الزناة » (٥).

قلت : قوله : حقّا على الله ، أي لله فإنّ « عليه » تأتي بمعنى « له » مثل : ( فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ) (٦) ؛ لأنّ العفو عندنا عن الفاسق جائز ، فلو كان عقابه حقّا على الله لامتنع العفو عنه ، وهو باطل ، كما قرّر في الأصول.

أو تقول : ذكر ذلك تشديدا وتفخيما لحال الخمر ، أو يحمل على المستحلّ ، إلاّ أنّ

__________________

(١) لم نعثر عليه.

(٢) الفقيه ٤ : ٦ / ١.

(٣) الفقيه ٤ : ٦ / ١.

(٤) الفقيه ٤ : ٧ / ١.

(٥) الفقيه ٤ : ٤ / ١.

(٦) المائدة (٥) : ٤.

٢١٩

قرينة عدم قبول صلاته أربعين يوما يضعّفه.

وقال عليه‌السلام : « ألا ومن استخفّ بفقير مسلم فقد استخفّ بحقّ الله ، والله يستخفّ به يوم القيامة إلاّ أن يتوب » (١).

وقال عليه‌السلام : « من ملأ عينه من حرام ملأ الله عينه يوم القيامة من النار إلاّ أن يتوب ويرجع » (٢).

وقال عليه‌السلام : « من منع الماعون جاره منعه الله خيره يوم القيامة ، ووكله الله إلى نفسه ، ومن وكله إلى نفسه فما أسوأ حاله! » (٣).

قلت : قال الله سبحانه في معرض الوعيد بالويل ( الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ ) (٤).

فعن عليّ عليه‌السلام وابن عمر وقتادة والضحّاك : هو الزكاة المفروضة (٥).

وعن ابن مسعود وابن عباس وابن جبير. هو ما يتعاور الناس بينهم من الدلو والفأس والقدر ، وما لا يمنع كالماء والملح (٦) ، وهذا أشدّ مطابقة لمعنى الحديث لقرينة الجار ، ويكون محمولا على المنع من وجوب الدفع كحال الضرورة.

وقال عليه‌السلام : « أيّما امرأة آذت زوجها بلسانها لم يقبل الله عزّ وجلّ منها صرفا ولا عدلا ولا حسنة من عملها حتى ترضيه وإن صامت نهارها وقامت ليلها ، وكانت أوّل من ترد النار. وكذلك الرجل إذا كان لها ظالما » (٧).

قلت : قال يونس : الصرف الحيلة ، والعدل ، الفداء (٨).

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٧ / ١.

(٢) الفقيه ٤ : ٨ / ١.

(٣) الفقيه ٤ : ٨ / ١.

(٤) الماعون (١٠٧) : ٦ و ٧.

(٥) مجمع البيان ١٠ : ٥٤٨ ذيل الآية ٧ من سورة الماعون (١٠٧).

(٦) مجمع البيان ١٠ : ٥٤٨ ذيل الآية ٧ من سورة الماعون (١٠٧).

(٧) الفقيه ٤ : ٨ / ١.

(٨) تاج العروس ٢٤ : ١٢ ، « ص. ر. ف ».

٢٢٠