البيان في تفسير القرآن

آية الله السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي

البيان في تفسير القرآن

المؤلف:

آية الله السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الزهراء
الطبعة: ٨
الصفحات: ٥٥٧

أقول : قد شاء التعصب والهوى أن يقول الشعبي : حدثني الحارث الاعور وكان كذابا وان يتابعه جماعة على رأيه.

قال أبو عبد الله القرطبي في الجزء الاول من تفسيره ص ٥ : الحارث رماه الشعبي بالكذب وليس بشئ ولم يبين من الحارث كذب ، وإنما نقم عليه إفراطه في حب علي عليه‌السلام وتفضيله له على غيره ، ومن ههنا ـ والله أعلم ـ كذبه الشعبي لان الشعبي يذهب إلى تفضيل أبي بكر وإلى أنه أول من أسلم.

قال ابن حجر في ترجمة الحارث : وقد فسر ابن عبد البر في كتاب العلم السر في طعن الشعبي على الحارث فقال : إنما نقم عليه لافراطه في حب علي عليه‌السلام ، وأظن أن الشعبي عوقب على تكذيبه الحارث لانه لم تبن منه كذبة أبدا.

وقال ابن شاهين في الثقات : قال أحمد بن صالح المصري : الحارث الاعور ثقة ما أحفظه وما أحسن ما روى عن علي وأثنى عليه ، قيل له فقد قال الشعبي : كان يكذب ، قال : لم يكن يكذب في الحديث إنما كان كذبه في رأيه.

بربك أخبرني أيها الناقد البصير هل يجوز في شريعة العلم؟ أو هل يسوغ الدين نسبة الفاحشة إلى المسلم ، وقذفه بالكذب بمجرد ولائه لامير المؤمنين عليه‌السلام وتفضيله إياه على غيره؟ أليس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي جاهر بتفضيل علي عليه‌السلام على غيره ، حتى جعله منه بمنزلة هارون من موسى وأثبت له خصالا لم يحظ بمثلها رجل من الصحابة ، وقد شهد بذلك ـ على ما رواه الحاكم في المستدرك ـ الجزء ٣ ص ١٠٨ ـ سعد بن أبي وقاص أمام معاوية حين حمله على سبه فقال : « كيف أسب رجلا كانت له خصال من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لو أن لي واحدة منها لكان أحب إلي من حمر النعم » ثم ذكر قصة الكساء ، وحديث المنزلة وإعطاء الراية له في يوم خيبر ، ولم يكتف نبي الاسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك حتى أعلم الامة بمنزلة الرفيعة ـ كما في نفس المصدر ص ١٠٨ ـ فقال لعلي : « من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاعك فقد أطاعني ، ومن عصاك فقد عصاني » ، وغير ذلك من فضائله التي لا تعد ولا تحصى.

٥٠١

نعم ليس من الغريب أن يفتري الشعبي على الحارث ، ويصفه بالكذب فقد كان من صنايع الامويين يرتع في دنياهم ، ويسير على رغباتهم ، فقد بعثه عبد الملك بن مروان ـ كما في كتاب النجوم الزاهرة الجزء ١ ص ٢٠٨ ـ إلى مصر بسبب البيعة للوليد بن عبد الملك ، ثم تولى المظالم بالكوفة ـ كما في كتاب الاغاني الجزء ٢ ص ١٢٠ ـ من قبل بشر بن مروان أيام ولايته عليها من قبل عبد الملك ، ثم تولى القضاء ـ كما في تاريخ الطبري الجزء ٥ ص ٣١٠ الطبعة الثانية ـ من قبل عمر بن عبد العزيز في الكوفة ، فهو مرواني النزعة ، يقول ويفعل بما يشاء له الهوى ، لا يتحرج من كذبه ، ولا يتبرم من خطل.

ذكر أبو الفرج في الاغاني الجزء ١ ص ١٢١ عن الحسن بن عمر الفقيمي قال : دخلت على الشعبي فبينا أنا عنده في غرفته إذ سمعت صوت غناء فقلت أهذا في جوارك؟ فأشرف بي على منزله فإذا بغلام كأنه قمر وهو يتغنى ... قال فقال لي الشعبي : أتعرف هذا؟ قلت : لا : فقال : هذا الذي أوتي الحكم صبيا ، هذا ابن سريج.

وذكر أيضا في الجزء ٢ ص ٧١ عن عمر بن أبي خليفة قال : كان الشعبي مع أبي في أعلى الدار فسمعنا تحتنا غناء حسنا فقال له أبي : هل ترى شيئا؟ قال : لا. فنظرنا فإذا غلام حسن الوجه حديث السن يتغنى .. فإذا هو ابن عائشة فجعل الشعبي يتعجب من غنائه ، ويقول : يؤتي الحكمة من يشاء.

وذكر أيضا في الجزء ٢ ص ١٣٣ أن مصعب بن الزبير أيام ولايته على الكوفة أخذ بيد الشعبي وأدخله في حجلة زوجته عائشة بنت طلحة ، وهي بارزة حاسرة ، فسأله عن حالها فأبدى رأيه فيها ، ووصفها له بما يريد ، ثم أمر مصعب له بعشرة آلاف درهم وثلاثين ثوبا.

نعم ليس غريبا من الشعبي أن يصف الحارث بهذه الصفة ، وقد افترى على أمير المؤمنين عليه‌السلام كما في القرطبي الجزء ١ ص ١٥٨ حيث كان يحلف بالله : « لقد دخل علي حفرته وما حفظ القرآن ».

٥٠٢

قال الصاحبي في فقه اللغة ص ١٧٠ : « وهذا كلام شنيع جدا فيمن يقول : سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوني فما من آية إلا أعلم بليل نزلت أم بنهار ، أم في سهل أم في جبل ».

وروى السدي عن عبد خير عن علي : « أنه رأى من الناس طيرة عند وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأقسم أن لا يضع على ظهره رداء حتى يجمع القرآن ، قال : فجلس في بيته حتى جمع القرآن فهو أول مصحف جمع فيه القرآن جمعه من قلبه وكان عند آل جعفر ».

ألا تنظر أيها المسلم الغيور إلى هذا الرجل كيف تجرأ على الله وعلى رسوله ، وتكلم بهذا الكلام الشنيع؟ أفيقال مثل هذا الكلام فيمن هو باب مدينة علم الرسول والمبين لامته لا أرسله الله به؟ وفي ذلك روايات كثيرة كما في كنز العمال الجزء ٦ ص ١٥٦ ـ وفيمن هو باب مدينة الحكمة كما في صحيح الترمذي الجزء ١٣ ص ١٧١ ـ وفيمن هو مع القرآن والقرآن معه لن يفترقا حتى يردا على الحوض كما في مستدرك الحاكم الجزء ٣ ص ١٢٤ والجامع الصغير للسيوطي الجزء ٤ ص ٣٥٦ إن الذين يكسبون الاثم سيجزون ما كانوا يقترفون.

التعليقة (٣)

ــــــــــ

ص ٢٠

مصادر :

حديث لتركبن سنن من قبلكم ..

.. ورد هذا الحديث في مسند أحمد الجزء ٥ ص ٢١٨ من حديث أبي واقد الليثي. وعند البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب قول النبي : لتتبعن سنن من قبلكم الجزء ٨ ص ١٥١ وعند مسلم في كتاب العلم باب اتباع سنن اليهود والنصارى الجزء ٨ ص ٥٧. وفي مسند أحمد الجزء ٣ ص ٧٤ عن أبي سعيد الخدري. وفي مجمع الزوائد للهيثمي الجزء ٧ ص ٢٦١ عن ابن عباس.

٥٠٣

التعليقة (٤)

ــــــــــ

ص ٤٣

محادثة :

بين المؤلف وحبر يهودي

وقد جرت محادثة بيني وبين حبر من أحبار اليهود تتصل بموضوع انتهاء شريعتهم بانتهاء أمد حجتها وبرهانها. قلت له : هل التدين بشريعة موسى عليه‌السلام يختص باليهود أو يعم من سواهم من الامم؟ فإن اختصت شريعته باليهود لزم أن نثبت لسائر الامم نبيا آخر ، فمن هو ذلك النبي؟ وإن كانت شريعة موسى عامة لجميع البشر ، فمن الواجب أن تقيموا شاهدا على صدق نبوته وعمومها ، وليس لكم سبيل إلى ذلك فإن معجزاته ليست مشاهدة للاجيال الآخرين ليحصل لهم العلم بها ، وتواتر الخبر بهذه المعجزات يتوقف على أن يصل عدد المخبرين في كل جيل إلى حد يمنع العقل من تواطئهم على الكذب ، وهذا شيء لا يسعكم إثباته ، وأي فرق بين إخباركم أنتم عن معاجز موسى عليه‌السلام وإخبار النصارى عن معاجز عيسى عليه‌السلام وإخبار كل امة اخرى بمعاجز أنبيائها الآخرين فإذا لزم على الناس تصديقكم بما تخبرون به ، فلم لا يجب على الناس تصديق المخبرين الآخرين في نقلهم عن أنبيائهم؟!.

وإذا كان الامر على هذه الصورة فلم لا تصدقون الانبياء الآخرين ، فقال : إن معاجز موسى ثابتة عند كل من اليهود ، والنصارى والمسلمين ، وكلهم يعترفون بصدقها. وأما معاجز غيره فلم يعترف بها الجميع ، فهي لذلك تحتاج إلى الاثبات فقلت له : إن معجزات موسى عليه‌السلام لم تثبت عند المسلمين ولا عند النصارى إلا باخبار نبيهم بذلك لا بالتواتر فإذا لزم تصديق المخبر عن تلك المعاجز وهو يدعي النبوة لزم الايمان به والاعتقاد بنبوته ، وإلا لم تثبت تلك المعاجز أيضا ، هذا شأن الشرائع السابقة.

٥٠٤

أما شريعة الاسلام فإن حجتها باقية تتحدى الامم إلى يوم القيامة ، وإذا ثبتت هذه الشريعة المقدسة وجب علينا تصديق جميع الانبياء السابقين لشهادة القرآن الكريم ونبي الاسلام العظيم.

وإذن فالقرآن هو المعجزة الخالدة الوحيدة الباقية التي تشهد لجميع الكتب المنزلة بالصدق ، ولجميع الانبياء بالتنزيه.

التعليقة (٥)

ــــــــــ

ص ٤٤

ترجمة :

القرآن وشروطها

لقد بعث الله نبيه لهداية الناس فعززه بالقرآن ، وفيه كل ما يسعدهم ويرقى بهم إلى مراتب الكمال ، وهذا لطف من الله لا يختص بقوم دون آخر بل يعم البشر عامة ، وقد شاءت حكمته البالغة أن ينزل قرآنه العظيم على نبيه بلسان قومه ، مع أن تعاليمه عامة ، وهدايته شاملة ، ولذلك فمن الواجب أن يفهم القرآن كل أحد ليهتدي به.

ولا شك أن ترجمته مما يعين على ذلك ، ولكنه لا بد وأن تتوفر في الترجمة براعة وإحاطة كاملة باللغة التي ينقل منها القرآن إلى غيرها ، لان الترجمة مهما كانت متقنة لا تفي بمزايا البلاغة التي امتاز بها القرآن ، بل ويجري ذلك في كل كلام إذ لا يؤمن أن تنتهي الترجمة إلى عكس ما يريد الاصل.

ولا بد ـ إذن ـ في ترجمة القرآن من فهمه ، وينحصر فهمه في أمور ثلاثة :

١ ـ الظهور اللفظي الذي تفهمه العرب الفصحى.

٢ ـ حكم العقل الفطري السليم.

٣ ـ ما جاء من المعصوم في تفسيره.

٥٠٥

وعلى هذا تتطلب إحاطة المترجم بكل ذلك لينقل منها معنى القرآن إلى لغة اخرى.

وأما الآراء الشخصية التي يطلقها بعض المفسرين في تفاسيرهم ، لم تكن على ضوء تلك الموازين فهي من التفسير بالرأي ، وساقطة عن الاعتبار ، وليس للمترجم أن يتكل عليها في ترجمته.

وإذا روعي في الترجمة كل ذلك فمن الراجح أن تنقل حقائق القرآن ومفاهيمه إلى كل قوم بلغتهم ، لانها نزلت للناس كافة ، ولا ينبغي أن تحجب ذلك عنهم لغة القرآن ما دامت تعاليمه وحقائقه لهم جميعا

التعليقة (٦)

ــــــــــ

ص ١١٢

قصة :

قريش في محاولتهم لتعجيز النبي

ويرشد إلى ما أوضحناه في معنى الآيات الكريمة المتقدمة : الروايات التي وردت في شأن نزولها. ففي تفسير البرهان عند تفسيره هذه الآيات :

« أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قاعدا ذات يوم بمكة بفناء الكعبة ، إذاجتمع جماعة عن رؤساء قريش ، منهم الوليد بن المغيرة المخزومي ، وأبو البختري بن هشام ، وأبو جهل بن هشام ، والعاص بن وائل السهمي ، وعبد الله بن أبي أمية المخزومي ، وجمع ممن يليهم كثير ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نفر من أصحابه يقرأ عليهم كتاب الله ، يذكرهم عن الله أمره ونهيه. فقال المشركون بعض لبعض : قد استفحل أمر محمد وأعظم خطبه. تعالوا نبدأ بتقريعه وتبكيته وتوبيخه ، والاحتجاج عليه ، وإبطال ما جاء به ليهون خطبه على أصحابه ، ويصغر قدره عندهم ، فلعله أن ينزع عما هو فيه ، ومن غيه وباطله ، وتمرده وطغيانه ، فإن

٥٠٦

انتهى وإلا عاملناه بالسيف الباتر. فقال أبو جهل : فمن ذا الذي يلي كلامه ومحاورته؟ قال عبد الله بن أبي أمية المخزومي : أنا إلى ذلك ، أما ترضاني له قرنا حسيبا ومحاورا كفيا؟ قال أبو جهل : بلى. فأتوه جميعا فابتدأ عبد الله بن أبي أمية المخزومي فقال :

يا محمد لقد ادعيت دعوى عظيمة ، وقلت مقالا هائلا. زعمت أنك رسول الله رب العالمين ، وما ينبغي لرب العالمين ، وخالق الخلق أن يكون مثلك رسولا له بشرا مثلنا ، تأكل كما نأكل ، وتشرب كما نشرب ، وتمشي في الاسواق كما نمشي. فهذا ملك الروم وملك الفرس لا يبعثان رسولا إلا كثير مال ، عظيم حال له قصور ودور وفساطيط وخيام ، وعبيد وخدم. ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم وهو عبيده .. لو أراد الله أن يبعث الينا رسولا لبعث أجل من فيما بيننا مالا ، وأحسن حالا. فهلا انزل هذا القرآن ـ الذي تزعم أن الله أنزله اليك وبعثك رسولا ـ على رجل من القريتين عظيم ، إما الوليد بن مغيرة بمكة ، وإما عروة بن مسعود الثقفي بالطائف.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فهل بقي من كلامك شيء يا عبد الله؟ قال : بلى لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا بمكة هذه ، فإنها ذات أحجار وعرة وجبال ، تكسح أرضها وتحفرها ، وتجري فيها العيون فإنا إلى ذلك محتاجون ، أو يكون لك جنة من نخيل وعنب فتأكل منها وتطعمها ، وتفجر الانهار خلالها تفجيرا ، أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا ، فإنك قلت لنا : وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم ، فلعلنا نقول ذلك.

ثم قال : ولن نؤمن لك أو تأتي بالله والملائكة قبيلا تأتي بهم وهم لنا مقابلون أو يكون لك بيت من زخرف تعطينا منه وتغنينا فلعلنا نطغى فإنك قلت لنا : كلا إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى.

ثم قال : أوترقى في السماء ولن نؤمن لصعودك حتى تنزل علينا كتابا من الله العزيز الحكيم ، إلى عبد الله بن أبي أمية المخزومي ومن معه بأن آمنوا بمحمد ابن عبد الله بن عبد المطلب ، فإنه رسولي ، وصدقوه في مقاله فإنه من عندي.

٥٠٧

ثم لا ادري يا محمد إذا فعلت هذا كله اؤمن بك أو لا اؤمن بك ، لو رفعتنا إلى السماء ، وفتحت أبوابها ، ودخلناها لقلنا إنما سكرت أبصارنا وسحرتنا ..

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اللهم أنت السامع لكل صوت ، والعالم بكل شيء ، تعلم ما قاله عبادك ..

وأما قولك : إن هذا ملك الروم ، وملك الفرس لا يبعثان رسولا إلا كثير المال .. فإن الله له التدبير والحكم ، لا يفعل على ظنك وحسابك واقتراحك ، بل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد .. فلو كان النبي صاحب قصور يحتجب فيها ، أو عبيد وخدام يسترونه عن الناس أليس كانت الرسالة تضيع والامور تتباطأ؟

وأما قولك لي : ولو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك ونشاهده فالملك لا تشاهده حواسكم ، لانه من جنس هذا الهواء لاعيان منه ، ولو شاهدتموه بأن يزاد في قوى أبصاركم لقلتم : ليس هذا ملك بل هذا بشر لانه إنما كان يظهر لكم بصورة البشر الذي ألفتموه لتفهموا عنه مقاله ..

وأما قولك : ما أنت إلا رجلا مسحورا فكيف أكون كذلك وأنتم تعلمون أني في التمييز والعقل فوقكم ، فهل جربتم علي مذ نشأت إلى أن استكملت أربعين سنة جريرة أو كذبة أوخنى ، أو خطأ من القول أو سفها من الرأي؟ أتظنون أن رجلا يعتصم طول هذه بحول نفسه وقوتها أو بحول الله وقوته ..؟.

وأما قولك : لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم .. فإن الله ليس يستعظم مال الدنيا كما تستعظمه أنت ، ولا خطر له عنده كماله عندك .. وليس هو عز وجل مما يخاف أحدا كما تخافه لما له وحاله.

وأما قولك : لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا ، إلى آخر ما قلته ، فإنك اقترحت على محمد رسول الله أشياء : منها ما لو جاءك به لم يكن برهانا لنبوته ، ورسول الله يرتفع أن يغتنم جهل الجاهلين ويحتج عليهم بما لا حجة فيه. ومنها ما لو جاءك به كان معه هلاكك ، وإنما يؤتى بالحجج والبراهين ليلزم عباد الله الايمان ، لئلا يهلكوابها ، فإنما اقترحت هلاكك ، ورب العالمين أرحم بعباده ، وأعلم بمصالحهم من أن يهلكهم كما يقترحون ، ومنها المحال الذي لا يصح ولا

٥٠٨

يجوز كونه .. ومنها ما قد اعترفت على نفسك أنك فيه معاند متمرد لا تقبل حجة ، ولا تصغي لبرهان ..!

فأما قولك : يا عبد الله لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا فإنك سألت هذا وأنت جاهل بدلائل الله ، أرأيت لو فعلت هذا كنت من أجل هذا نبيا؟ .. فما هو إلا كقولك لن نؤمن لك حتى تقوم وتمشي على الارض .. أو ليس لك ولاصحابك جنان من نخيل وعنب بالطائف تأكلون وتطعمون منها ، وتفجرون خلالها تفجيرا ، أفصرتم أنبياء بهذا؟ ..

وأما قولك : أو تسقط السماء كما زعمت كسفا .. فإن في سقوط السماء عليكم موتكم وهلاككم ، فإنما تريد بهذا من رسول الله أن يهلكك ورسول رب العالمين أرحم بك من ذلك ولا يهلكك ، لكنه يقيم عليك حجج الله ، وليس حجج الله لنبيه وحده على حسب الاقتراح من عباده ، لان العباد جهال بما يجوز من الصلاح وما لا يجوز من الفساد .. وهل رأيت يا عبد الله طبيبا كان دواؤه للمرضى على حسب اقتراحهم؟ .. فمتى رأيت يا عبد الله مدعي حق من قبل رجل أوجب عليه حاكم من حكامهم فيما مضى بينة على دعواه على حسب اقتراح المدعى عليه ..!

وأما قولك : أو تأتي بالله والملائكة قبيلا يقابلوننا ونعاينهم ، فإن هذا من المحال الذي لا خفاء به إن ربنا عز وجل ليس كالمخلوقين يجئ ويذهب ويقابل ويتحرك ، ويقابل شيئا حتى يؤتى به ، فقد سألتم بهذا المحال ..

وأما قولك : يا عبد الله أو يكون لك بيت من زخرف ـ وهو الذهب ـ أما بلغك أن لعظيم مصر بيوتا من زخرف؟ قال : بلى. قال : أفصار بذلك نبيا؟ قال : لا. قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكذلك لا يوجب ذلك لمحمد لو كان له نبوة ، ومحمد لا يغتنم جهلك لحجج الله ..!

وأما قولك : يا عبد الله : أو ترقى في السماء ، ثم قلت : ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه ، يا عبد الله الصعود إلى السماء أصعب من النزول عنها ، فإذا اعترفت على نفسك أنك لا تؤمن إذا صعدت فكذلك حكم نزولي ، ثم قلت :

٥٠٩

حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه ، من بعد ذلك لا أدري اؤمن بك؟. فأنت يا عبد الله مقر بأنك تعاند حجة الله عليك .. وقد أنزل الله تعالى علي كلمة جامعة لبطلان ما اقترحته فقال : قل يا محمد سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا .. وليس لي أن آمر ربي ولا أنهى ولا أشير .. ».

والحديث يشتمل على فوائد كثيرة فليراجعه المتتبع ، وفي شأن نزول هذه الآيات روايات عديدة ذكرها الطبري عند تفسير الآيات المباركة.

التعليقة (٧)

ــــــــــ

ص ٣٢٠

تحريف :

حديث المتعة في صحيح البخاري

روى هذا الحديث :

« كنا نغزو مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس معنا نساء ، فقلنا : ألا نستخصي فنهانا عن ذلك ، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ، ثم قرأ عبد الله يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ».

رواها عن البخاري جماعة من المحدثين ، والمفسرين ، والفقهاء بهذا النص ، ولكن الموجود في صحيح البخاري المتداول : الجزء ٦ ص ٥٣ يخالف ما ذكره هؤلاء من وجهين :

١ ـ حذف كلمة : ابن مسعود من سند الحديث ـ وقد ذكره معظمهم ـ لانه كان يقول بجواز المتعة ، حتى لا تكون قرينة على أن المراد بهذه الرواية هو جواز نكاح المتعة وترخيصه.

٢ ـ حذف كلمة إلى أجل من آخر الرواية ، لانها صريحة في ترخيص

٥١٠

نكاح المتعة ، كما فهمها الشراح وفسروها ، لان الترخيص في النكاح ـ في هذا المورد ـ لا بد وأن يكون ترخيصا لنكاح المتعة ، دون النكاح الدائم ، خاصة وإن كان المقصود من : ليس معنا نساء أي نساؤنا وزوجاتنا ، لا مطلق النساء ، وإلا لم يكن معنى للترخيص في النكاح في تلك الحالة ، ويؤيد ذلك ما ورد في بعض المصادر : ليس لنا نساء.

ولدلالة هذه الرواية على نكاح المتعة ادعى غير واحد من الفقهاء نسخ هذا الحكم الثابت في هذه الرواية بتحريم نكاح المتعة بعد ذلك بروايات اخرى تفيد تحريمها.

ومع أن ذلك لا يتم لهم لاسباب مرت عليك ـ عند مناقشة تلك الروايات في آية المتعة ـ فإن يد التحريف تناولت هذه الرواية فغيرتها عما كانت عليه من الصحة. ألا قاتل الله التحريف ، وأهواء المحرفين!.

ومن المحدثين ، والمفسرين ، والفقهاء الذين رووا الحديث المذكور عن البخاري على وجه الصحة ، هم :

(أ) البيهقي : في سننه

الجزء ٧

الصفحة ٢٠٠

طبعة حيدر آباد

(ب) السيوطي : في تفسيره

الجزء ٢

الصفحة ٢٠٧

طبعة الميمنية بمصر

(ج) الزيلعي : في نصب الراية

الجزء ٣

الصفحة ١٨٠

طبعة دار التأليف بمصر

(د) ابن تيمية : في المنتقى

الجزء ٢

الصفحة ٥١٧

طبعة الحجازي بمصر

(ه‍( ابن القيم: في زاد المعاد

الجزء ٤

الصفحة ٨

طبعة محمد علي صبيح بمصر

(و) القنوجي: في الروضة الندية

الجزء ٢

الصفحة ١٦

طبعة المنيرية بمصر

(ز) محمد بن سليمان: في جمع الفوائد

الجزء ١

الصفحة ٥٨٩

طبعة دار التأليف بمصر

ولهذه الرواية مصادر اخرى وهي :

(ح) مسند أحمد

: الجزء ١

الصفحة ٤٢٠

طبعة مصر ١٣١٣

(ط) تفسير القرطبي

: الجزء ٥

الصفحة ١٣٠

طبعة مصر ١٣٥٦

(ي) تفسير ابن كثير

: الجزء ٢

الصفحة ٨٧

طبعة مصر علي البابي

٥١١

(ك) أحكام القرآن

: الجزء ٢

الصفحة ١٨٤

طبعة مصر ١٣٤٧

(ل) الاعتبار للحازمي

: الجزء

الصفحة ١٧٦

طبعة حيدر آباد

وهناك مصادر اخرى كصحيح أبي حاتم البستي وغير ذلك من امهات المصادر.

التعليقة (٨)

ــــــــــ

ص ٣٣١

رأي :

محمد عبده في الطلاق الثلاث

فإنه بعدما اثبت أن الطلاق الثلاث لا يقع إلا واحدة ، قال :

« وليس المراد مجادلة المقلدين أو إرجاع القضاة والمفتين عن مذاهبهم فيها ، فإن أكثرهم يطلع على هذه النصوص في كتب الحديث وغيرها ، ولا يبالي بها ، لان العمل عندهم على أقوال كتبهم دون كتاب الله تعالى وسنة رسوله ». تفسير المنار. الجزء ١ ص ٣٨٦.

وليته ذكر مثل هذا الكلام في بحث المتعة ، وذلك لما عرفت أن نكاح المتعة قد ثبت في الشريعة الاسلامية دن أن يثبت له ناسخ ، فلم يبق للقائلين بتحريمه غير اتباع أقوال كتبهم دون كتاب الله وسنة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم!.

التعليقة (٩)

ــــــــــ

ص ٣٨٥

اختلاف :

الرازي نسبة الجهل إلى الله

ومن الذين لم يثبتوا ولم يتوقفوا الفخر الرازي عند تفسيره قوله تعالى :

٥١٢

« يمحو الله ما يشاء ويثبت .. قال : قالت الرافضة : البداء جائز على الله تعالى وهو أن يعتقد شيئا ، ثم يظهر له أن الامر بخلاف ما اعتقده. انتهى.

سبحانك اللهم إن هذا إلا اختلاق. وقد حكى الرازي في خاتمة كتاب المحصل عن سليمان بن جرير كلاما يقبح منه ذكره ولا يحسن مني سطره.

وإن هذه الكلمة قد صدرت على أثر كلمة اخرى تشابهها تفوه بها بعض النصارى في حق الرسول الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حينما جاء بأحكام ناسخة لما جاء به قبلها كبرت كلمة تخرج من أفواههم ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ».

التعليقة (١٠)

ــــــــــ

ص ٣٨٦

أحاديث :

مشيئة الله في خلقه

روى الصدوق في كتابي التوحيد ومعاني الاخبار بإسناده عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال في قول الله عز وجل : وقالت اليهود يد الله مغلولة : لم يعنوا أنه هكذا ، ولكنهم قالوا : قد فرغ من الامر ، فلا يزيد ولا ينقص ، فقال الله جل جلاله تكذيبا لقولهم : « غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء » ألم تسمع الله عز وجل يقول : « يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ».

وروى العياشي عن يعقوب بن شعيب ، وعن حماد عن أبي عبد الله عليه‌السلام نحو ذلك ، هذه الروايات وغيرها مما نذكره في هذا الفصل موجودة في كتاب البحار لشيخنا المجلسي الجزء ٢ ص ١٣١ ـ ١٤٢.

( البيان ـ ٣٣ )

٥١٣

التعليقة (١١)

ــــــــــ

ص ٣٩٣

أحاديث :

ان الدعاء يغير القضاء

روى سليمان ، قال : قال رسول الله لا يرد القضاء إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر ، رواه الترمذي ، باب ما جاء : لا يرد القدر إلا الدعاء الجزء ٨ ص ٣٥٠.

وروى ثوبان ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يزيد في العمر إلا البر ، ولا يرد القدر إلا الدعاء ، وان الرجل ليحرم الرزق بخطيئة يعملها.

رواه ابن ماجة : باب في القدر الجزء ١ ص ٢٤. ورواه الحاكم في المستدرك وصححه ولم يتعقبه الذهبي الجزء ١ ص ٤٩٣ ، ورواه أحمد في مسنده الجزء ٥ ص ٢٧٧ ، ٢٨٠ ، ٢٨٢. والروايات بهذا المعنى كثيرة تطلب من مظانها.

التعليقة (١٢)

ــــــــــ

ص ٤٣٤

أهمية :

آية البسملة

قد أوضحنا في بحث الاعراب ـ ص ٤٥٩ ـ ان إضافة اسم إلى الله إضافة معنوية ، وأن كلمة الله مستعملة في معناها ، وعليه فقد استعملت كلمة اسم في معناها الجامع القابل للصدق على جميع أسمائه تعالى ، فهو من باب ذكر المفهوم والاشارة به إلى المصداق. وبما أن الاسم الاعظم أشرف المصاديق فلا محالة أن يكون أولى وأحق بانطباق المفهوم عليه. وبهذا يتضح معنى كون بسم الله أقرب إلى الاسم الاعظم من سواد العين إلى بياضها : فإن القرب بينهما قرب ذاتي ، إذا المفهوم متحد مع مصداقه خارجا ، وقرب سواد العين إلى بياضها قرب مكانها ، والاتحاد بينهما وضعي.

٥١٤

التعليقة (١٣)

ــــــــــ

ص ٤٣٤

معرفة :

بدء الخليقة في الكتاب التكويني

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أول ما خلق الله نوري. البحار : باب حقيقة العقل وكيفيته وبدء خلقه الجزء ١ ص ٣٣.

وروى محمد بن سنان قال : كنت عند أبي جعفر الثاني عليه‌السلام فقال يا محمد : إن الله تبارك وتعالى لم يزل متفردا بوحدانيته ، ثم خلق محمدا وعليا وفاطمة فمكثوا ألف دهر .. اصول الكافي باب تاريخ مولد النبي ص ٢٣٩ ، والوافي باب بدء خلق المعصومين الجزء ٢ ص ١٥٥.

التعليقة (١٤)

ــــــــــ

ص ٤٤٤

أحاديث :

ان البسملة جزء من القرآن

روى البيهقي بإسناده عن ام سلمة :

« أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرأ في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم فعدها آية .. » ورواه الحاكم في المستدرك الجزء ١ ص ٢٣٢ وقال : صحيح على شرط الشيخين.

وعن عبد خير ، قال : « سئل علي عن السبع المثاني ، فقال : الحمدلله ، فقيل له : إنما هي ست آيات ، فقال : بسم الله الرحمن الرحيم آية. ورواها عن أبي هريرة أيضا.

وعن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه كان يقول : الحمد لله رب العالمين سبع آيات ، إحداهن بسم الله الرحمن الرحيم ... »

وعن ابن عباس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يستفتح القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم ورواها الترمذي أيضا الجزء ٢ ص ٤٤.

٥١٥

وعن ابن عمر : أنه كان إذا افتتح الصلاة كبر ، ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ، فإذا فرغ قرأ بسم الله الرحمن الرحيم. قال : وكان يقول لم كتبت في المصحف إن لم تقرأ؟! إلى غير ذلك من الروايات. راجع الجزء الثاني من سنن البيهقي ص ٤٣ ـ ٤٧.

وفي كنز العمال في فضل فضائل السور والآيات الجزء ٢ ص ١٩٠ وفي باب : البسملة آية ص ٣٧٥ : روى الثعلبي عن علي عليه‌السلام أنه كان أذا افتتح السورة في الصلاة يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، وكان يقول : من ترك قراءتها فقد نقص وكان يقول : هي تمام السبع المثاني.

التعليقة (١٥)

ــــــــــ

ص ٤٤٤

قصة :

نسيان معاوية قراءة البسملة

روى البيهقي الجزء ٢ ص ٤٩ بإسناده عن أنس بن مالك أنه قال :

« صلى معاوية بالمدينة صلاة ، فجهر فيها بالقراءة ، فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم لان القرآن ولم يقرأ بها للسورة التي بعدها حتى قضى تلك القراءة ، ولم يكبر حين يهوي حتى قضى تلك الصلاة ، فلما سلم ، ناداه من شهد ذلك من المهاجرين من كل مكان يا معاوية أسرقت الصلاة أم نسيت؟ فلما صلى بعد ذلك قرأ بسم الله الرحمن الرحيم للسورة التي بعد أم القرآن ، وكبر حين يهوي ساجدا » ورواها بطريق آخر ، غير أنه قال : فلم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم لام القرآن ، ولم يقرأ بها للسورة التي بعدها ، وزاد « الانصار ».

ورواها الحاكم في المستدرك الجزء ١ ص ٢٣٣ وقال : حديث صحيح على شرط مسلم.

٥١٦

التعليقة (١٦)

ــــــــــ

ص ٤٤٤

قراءة

النبي البسملة وتوجيه رواية أنس

تقدمت إحدى هذه الروايات في ص ٤٤٤ ، وروى قتادة عن أنس : أن قراءة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت مدا ، ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، يمد بسم الله ، ويمد الرحمن ، ويمد الرحيم « سنن البيهقي ـ باب افتتاح القراءة في الصلاة ببسم الله ـ الجزء ٢ ص ٤٦ ، والمستدرك ، حديث الجهر ببسم الله الجزء ١ ص ٢٣٣ ».

وروى شريك عن أنس قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجهر بسم الله الرحمن الرحيم. قال الحاكم : رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات.

وروى العسقلاني قال : صليت خلف المعتمر بن سليمان ما لا أحصي صلاة الصبح والمغرب فكان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم قبل فاتحة الكتاب وبعدها وسمعت المعتمر يقول : ما آلو أن أقتدي بصلاة ابي وقال ابي : ما آلو أن أقتدي بصلاة أنس بن مالك ، وقال أنس بن مالك : ما آلو أن أقتدي بصلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قال الحاكم : رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات المستدرك الجزء ١ ص ٢٣٣ ـ ٢٣٤.

وروى أبو نعامة عن أنس ، قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبو بكر وعمر لا يقرأون يعني لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم سنن البيهقي ـ باب من قال لا يجهر بها ـ الجزء ٢ ص ٥٢.

أقول : يمكن أن يكون المراد من رواية أنس المتقدمة ـ التي استدلوا بها على أن البسملة ليست من القرآن ـ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن بعده لم يجهروا بالبسملة ، والقرينة على ذلك هذه الرواية الاخيرة ، ويؤيد هذا أن أنس قد عبر في الرواية المتقدمة بعدم سماعه القراءة ، بل وفي بعض روايات أنس قال : فلم

٥١٧

أسمع أحدا منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، وفي بعضها قال : صلى بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يسمعنا قراءة بسم الله الرحمن الرحيم .. سنن النسائي ـ باب ترك الجهر ببسم الله ـ الجزء ١ ص ١٤٤ وعليه فلا معارضة بين رواية أنس المتقدمة وما ذكرناه من الروايات الدالة على أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن بعده كانوا يقرأونها.

نعم ذكر في رواية واحدة : أنهم لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها صحيح مسلم ـ باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة ـ الجزء ٢ ص ١٢ ، إلا أن في سند هذه الرواية الوليد بن مسلم القرشي ، وفي وثاقته كلام ، بل صرح غير واحد بكثرة خطئه ، أو تدليسه راجع تهذيب التهذيب. وأما رواية قتادة عن أنس : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبو بكر وعمرو عثمان يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين « الترمذي باب ما جاء في افتتاح القراءة بالحمد ـ الجزء ٢ ص ٤٥ ، وسنن أبي داود باب الجهر ببسم الله ـ الجزء ١ ص ١٢٥ وقريب منه ما رواه النسائي باب البداءة بفاتحة الكتاب الجزء ١ ص ١٤٣ ».

فهذه الرواية محمولة على أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن بعده كانوا يبدأون بقراءة فاتحة الكتاب ، وقد أطلق جملة : الحمد لله رب العالمين على سورة فاتحة الكتاب ووقع مثل ذلك في بعض الروايات المتقدمة ، وعلى ذلك حملها الشافعي أيضا.

التعليقة (١٧)

ــــــــــ

ص ٤٧٠

ابن تيمية

ونقله أحاديث جواز زيارة القبور

إن كثرة الروايات في المقام ، واستفاضتها أغنتنا عن ذكرها ، إلا أننا نذكر بعض ما رواه عبد السلام بن عبد الله بن تيمية جد أحمد بنفسه في كتابه المنتقى من أخبار المصطفى وبعض ما رواه غيره :

٥١٨

١ ـ روى عن بريدة ، قال :

« قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فقد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه ، فزوروها ، فإنها تذكرة الآخرة » قال : رواه الترمذي وصححه.

٢ ـ وعن أبي هريرة ، قال :

« زار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبر امه فبكى وأبكى من حوله فقال : استأذنت ربي أن أستغفر لها ، فلم يأذن لي ، واستأذنته في أن أزور قبرها ، فأذن لي ، فزوروا القبور ، فإنها تذكر الموت ». قال : رواه الجماعة.

٣ ـ وعن عبد الله بن أبي مليكة :

« إن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر ، فقلت لها : يا أم المؤمنين من أين أقبلت؟ قالت : من قبر أخي عبد الرحمن ، فقلت لها : أليس كان نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن زيارة القبور؟ قالت : نعم. كان نهى عن زيارة القبور ، ثم أمر بزيارتها » قال : رواه الاثرم في سننه.

أقول : قال الشيخ محمد حامد الفقي في تعليقه على الكتاب ، ورواه ابن ماجة ، والحاكم ، والبغوي في شرح السنة.

٤ ـ عن أبي هريرة :

« ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتى المقبرة ، فقال السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون » قال : رواه أحمد ، ومسلم ، والنسائي. ولاحمد من حديث عائشة مثله ، وزاد : اللهم لا تحرمنا أجرهم ، ولا تفتنا بعدهم.

٥ ـ وعن بريدة ، قال :

« كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم : السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون ، نسأل الله لنا ولكم العافية » قال : رواه أحمد ، ومسلم ، وابن ماجة ـ المنتقى ـ الجزء ٢ ص ١١٦.

٥١٩

٦ ـ روى ابن عمر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« من حج فزار قبري بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي ». رواه الطبري في الاوسط ، والبيهقي في السنن.

٧ ـ وروى أيضا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« من زار قبري وجبت له شفاعتي. رواه ابن عدي في الكامل ، والبيهقي في شعب الايمان.

٨ ـ روى أنس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« من زارني بالمدينة محتسبا كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة. رواه البيهقي في شعب الايمان ـ كنز العمال فضل زيارة القبور الجزء ٨ ص ٩٩ ».

٩ ـ روى أبو هريرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« ما من رجل يزور قبر حميمه فيسلم عليه ويقعد عنده إلا رد عليه‌السلام وأنس به ، حتى يقوم من عنده ». رواه أبو الشيخ ، والديلمي.

١٠ ـ وروى أيضا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« ما من رجل يمر بقبر كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه‌السلام ». رواه تمام ، وخطيب ، وابن عساكر ، وابن النجار. قال في كنز العمال : وسنده جيد. والروايات التي جمعها في كنز العمال الجزء ٨ ص ٩٩ وما بعدها وص ١٢٥ وما بعدها يقرب من ثمانين رواية ، من أراد الاطلاع عليها فليراجعها.

١١ ـ روى أبو هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

« ما من أحد يسلم علي إلا رد الله إلي روحي حتى أرد عليه‌السلام. سنن البيهقي باب زيارة قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الجزء ٥ ص ٢٤٥ ».

١٢ ـ روى ابن عمر في استلام الحجر ، قال :

« كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستلمه ويقبله ، فقال ـ السائل ـ : أرأيت إن زحمت؟ أرأيت إن غلبت؟ قال : اجعل أرأيت باليمن ، رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستلمه ويقبله ». رواه البخاري في الصحيح عن مسدد.

٥٢٠