البيان في تفسير القرآن

آية الله السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي

البيان في تفسير القرآن

المؤلف:

آية الله السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الزهراء
الطبعة: ٨
الصفحات: ٥٥٧

« لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ١٩ : ٨٧. يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ ٢٠ : ١٠٩. وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ٣٤ : ٢٣. وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ٤ : ٦٤ ».

والروايات الواردة عن النبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن أوصيائه الكرام (ع) في هذا الموضوع متواترة.

أحاديث الشفاعة عند الامامية :

أما الروايات من طريق الشيعة الامامية فهي أكثر من أن تحصى ، وأمر الشفاعة عندهم أوضح من أن يخفى ، ونكتفي بذكر رواية واحدة منها :

روى البرقي في المحاسن بإسناده عن معاوية بن وهب ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله تبارك وتعالى :

« لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا ٧٨ : ٣٨ ».

قال : نحن والله المأذون لهم في ذلك ، والقائلون صوابا ، قلت : جعلت فداك وما تقولون إذا كلمتم؟ قال نمجد ربنا ، ونصلي على نبينا ، ونشفع لشيعتنا فلا يردنا ربنا. وروى محمد بن يعقوب في الكافي بإسناده عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام مثله (١).

____________

١ ـ البحار باب الشفاعة ] ٣ ص ٣٠١.

( البيان ـ ٣١ )

٤٨١

أحاديث الشفاعة عند العامة :

وأما الروايات من طرق أهل السنة فهي أيضا كثيرة متواترة (١) نتعرض لذكر بعضها :

١ ـ روى يزيد الفقير ، قال : أخبرنا جابر بن عبد الله أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي ، نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الارض مسجدا وطهورا .. وأحلت لي الغنائم ولم تحل لاحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة .. (٢).

٢ ـ روى أنس بن مالك ، قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنا أول شفيع في الجنة (٣).

٣ ـ روى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكل نبي دعوة وأردت إن شاء الله أن أختبئ دعوتي شفاعة لامتي يوم القيامة (٤).

٤ ـ وروى أيضا قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنا سيد ولد آدم عليه‌السلام يوم القيامة ، وأول من ينشق عنه القبر ، وأول شافع ، وأول مشفع (٥).

٥ ـ وروى أيضا ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشفعاء خمسة : القرآن ، والرحم ، والامانة ، ونبيكم ، وأهل بيته (٦).

__________________

١ ـ في المجلد السابع من كنز العمال ص ٢١٥ ، ٢٧٠ من هذه الروايات ما يزيد على ثمانين رواية.

٢ ـ صحيح البخاري كتاب التيمم باب ١ ج ١ ص ٨٦.

٣ ـ صحيح مسلم باب أن النبي أول من يشفع في الجنة ج ١ ص ١٣٠.

٤ ـ انظر التعليقة رقم (٢٦) لاستقصاء مصادر هذه الرواية ـ في قسم التعليقات.

٥ ـ صحيح مسلم باب تفضيل نبينا على جميع الخلائق ج ٧ ص ٥٩.

٦ ـ كنز العمال : الشفاعة ج ٧ ص ٢١٤.

٤٨٢

٦ ـ روى عبد الله بن أبي الجدعاء قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم ورواه الترمذي والحاكم (١).

ومن هذه الروايات يستكشف أن الاستشفاع بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبأهل بيته الكرام (ع) أمر ندب إليه الشرع ، فكيف يعد ذلك من الشرك؟ عصمنا الله من متابعة الهوى وزلل الاقدام والاقلام.

__________________

١ ـ نفس المصدر السابق ص ٢١٥.

٤٨٣

(٤)

تحليل آية

اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (٦). صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ

غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (٧).

القراءة

المعروف قراءة غير بالجر ، ونقل الزمخشري أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعمر قرءا بالنصب ، والصحيح هو الاول ، فإن قراءة النصب عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم تثبت وكذلك لم تثبت عن عمر ، على أنها لو ثبتت عنه فهي ليست بحجة ، فقد أوضحنا أن قراءة غير المعصوم إنما يعبأ بها إذا كانت من القراءات المشهورة ، وإلا فهي شاذة لا تجزي للامتثال.

والمعروف أيضا قراءة الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ونسب إلى علي عليه‌السلام وإلى عمر قراءة من أنعمت عليهم وغير الضالين أما قراءة علي عليه‌السلام بذلك فلم تثبت ، بل الثابت عدمها ، فلو كانت قراءته هي ذلك ، لشاع خبرها بين شيعته ، ولاقرها الائمة من بعده ، مع أنها

٤٨٤

لم تنقل حتى بخبر رجل واحد يعتمد عليه ، ومثل هذا يقال في نسبة قراءة غير بالنصب إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأما قراءة عمر فقد عرفت الحال فيها.

اللغة

الهداية :

الارشاد والدلالة ، والهدى ضد الضلال ، وستقف على بيان هداية الله الناس وإرشادهم.

الصراط :

الطريق وهو ما يتوصل بالسير فيه إلى المقصود ، وقد يكون غير حسي فيقال : الاحتياط طريق النجاة ، وإطاعة الله طريق الجنة ، وإطلاقه على الطريق غير الحسي إما لعموم المعنى اللغوي وإما من باب التشبيه والاستعارة.

الاستقامة :

الاعتدال ، وهو ضد الانحراف إلى اليمين أو الشمال ، والصراط المستقيم هو الصراط الذي يصل بسالكه إلى النعيم الابدي ، وإلى رضوان الله ، وهو أن يطبع المخلوق خالقه ، ولا يعصيه في شيء من أوامره ونواهيه ، وأن لا يعبد غيره ، وهو الصراط الذي لا عوج فيه ، قال الله تعالى :

« وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ٤٢ : ٥٢. صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ : ٥٣. وَهَـذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا ٦ : ١٢٦. إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ٣ : ٥١. وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ

٤٨٥

مُّسْتَقِيمٌ ٣٦ : ٦١. وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ٦ : ١٥٢. وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ، ١٥٣ ».

وبما أن عبادة الله لا تنحصر في نوع معين ، بل تعم أفعال الجانحة وأفعال الجارحة على كثرتها فقد يلاحظ المعنى العام الشامل لهذه الافعال كلها ، فيعبر عنه باللفظ المفرد كالصراط المستقيم ، والصراط السوي ، وقد تلاحظ الانواع على كثرتها من الايمان بالله وبرسوله وبالمعاد ، ومن الصلاة والصيام والحج وما سوى ذلك ، فيعبر عنها بالجمع.

« قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ ٥ : ١٥. يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ : ١٦. وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا ١٤ : ١٢. وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ٢٩ : ٦٩ ».

الانعام :

الافضال بالنعمة وزيادتها ، ومن أنعم الله عليهم هم الذين سلكوا الصراط المستقيم ولم يمل بهم الهوى إلى طاعة الشيطان ، ولذلك قد فازوا بالحياة الدائمة والسعادة الابدية ، وفوق ذلك كله فازوا برضوان من الله :

« وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ٩ : ٧٣ ».

٤٨٦

الغضب :

السخط ، وتقابله الرحمة ، والمغضوب عليهم هم الذين توغلوا في الكفر وعندوا عن الحق ، ونبذوا آيات الله وراء ظهورهم ، ولا يراد به مطلق الكافر :

« وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ١٦ : ١٠٦ ».

الضلال :

التيه ويقابله الهدى ، والضالون هم الذين سلكوا غير طريق الهدى فأفضى بهم إلى الهلاك الابدي والعذاب الدائم ، ولكنهم دون المغضوب عليهم في شدة الكفر ، لانهم وإن ضلوا الطريق المستقيم عن تقصير في البحث والفحص ، إلا أنهم لم يعاندوا الحق بعد وضوحه ، وقد ورد في المأثور أن المغضوب عليهم هم اليهود ، والضالين هم النصارى. وقد تقدم (١) أن الايات القرآنية لا تختص بمورد ، وأن كل ما يذكر لها من المعاني فهو من باب تطبيق الكبرى.

الاعراب

« غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ » : بدل من جملة الذين أنعمت عليهم أو صفة للذين وذلك : أن نعمة الله كرحمته قد وسعت جميع البشر ، فمنهم من شكر ، ومنهم من كفر:

« أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن

__________________

١ ـ الصفحة ٢٥ من هذا الكتاب.

٤٨٧

يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ ٣١ : ٣٠ ».

وإذا ففي توصيف من أنعم الله عليهم بأنهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين تقييد لا طلاقه ، وتضييق لسعته ، فلا يشمل هؤلاء الذين لم يؤدوا شكر النعمة ، ويكون مدلول الآية أن العبد يطلب من الله الهداية إلى طريق سلكه فريق خاص من الذين أنعم الله عليهم وهم الذين لم يبدلوا نعمة الله كفرا ، فحازوا بإطاعتهم واستقامتهم نعمة الآخرة كما كانوا حائزين نعمة الدنيا ، فاتصلت لهم السعادة في الدنيا والعقبى ، ونظير الآية المباركة أن يقال : يجوز اقتناء كل كتاب غير كتب الضلال ، وعلى ذلك فلا موقع لقول بعضهم : إن كلمة غير متوغلة في الابهام ولا تعرف بهما تضاف إليه فلا يصح جعلها صفة للمعرفة ولا لما ذكروه جوابا عن ذلك.

وخلاصة القول : أن الحكم المذكور في القضية ـ خبرية كانت أو إنشائية ـ إذا كان عاما لجميع الافراد ، فإنه يصح تخصيصه متى أريد ذلك ـ بكلمة غير ، كما يصح تخصيصه بغيرها ، فتقول : جاءني جميع أهل البلد ، أو أكرم جميعهم غير الفاسقين.

« الضَّالِّينَ » : عطف على المغضوب عليهم : وأتي بكلمة لا تأكيدا للنفي لئلا يتوهم السامع أن المنفي هو المجموع ، وكلمة غير تدل على النفي التزاما فاجري عليها حكم غيرها من دوال النفي. تقول : جالس رجلا غير فاسق ولا سئ الخلق ، أعبد الله بغير كسل ولا ملل ، وتوهم بعض مقاربي عصرنا عدم جواز ذلك فأتعب نفسه في توجيه الآية المباركة ولم يأت بشئ ، واعترف بعجزه عن الجواب.

التفسير

وبعد أن لقن الله عبيده أن يعترفوا بين يديه بالتوحيد في العبادة والاستعانة

٤٨٨

لقنهم أن يطلبوا منه الهداية إلى الصراط المستقيم. وقد اشتملت هذه السورة الكريمة في بداءتها على تمجيد الله سبحانه ، والثناء عليه بما هو أهله واشتملت في نهايتها على سؤال الهداية منه. وبين تلك البداءة وهذه الخاتمة أنزل الله تعالى قوله : إياك نعبد وإياك نستعين فهو نتيجة للتمجيد السابق وتوطئة للسؤال اللاحق ، فإن في التمجيد السابق ملاك حصر العبادة والاستعانة به تعالى فالمستحق للعبادة إنما هو الله بذاته وبرحمته وسلطانه ، وغيره لا يستحق أن يعبد أو يستعان به.

وإذا كانت العبادة والاستعانة منحصرتين بالله سبحانه فلا مناص للعبد من أن يدعو ربه الذي حصر عبادته واستعانته به. ومن هنا ورد عن الطريقين أن الله تبارك وتعالى قد جعل هذه السورة نصفين : نصف له ونصف لعبده ، فإذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين ، يقول الله تعالى : مجدني عبدي ، وإذا قال : إهدنا الصراط المستقيم ، قال الله تعالى : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل (١).

ثم إنك عرفت أن الطرق التي يسلكها البشر في أعمالهم وإيمانهم ثلاثة :

أحدها : الطريق الذي مهده الله لعباده ، يسلكه من هداه الله إليه بفضله وإحسانه.

ثانيها : الطريق الذي يسلكه الضالون.

ثالثها : الطريق الذي بسلكه المغضوب عليهم. وقد بين الله سبحانه مغايرة الطريق المستقيم للطريقين الآخرين ببيان أن سالكي هذا الطريق غير سالكي ذينك الطريقين. وبذلك بين أن من اجتنب الطريق المستقيم فلا مناص له من الخذلان ، إما بضلاله فحسب وإما بضلاله مع استحقاقه الغضب الالهي. أعاذنا الله من الخذلان وهدانا إلى صراط المستقيم.

__________________

١ ـ عيون أخبار الرضا ـ باب ما جاء عن الرضا من الاخبار المتفرقة ص ١٦٦ ، طبعة إيران سنة ١٣١٧ ه‍. وتقدم نظير هذا عن أبي هريرة في الصفحة ٤٤٦ من هذا الكتاب.

٤٨٩
٤٩٠

البحث الثالث

حول آية اهدنا

٤٩١

الهداية بمعنى الاستمرار. الهداية بمعنى الثواب. الهداية بمعنى الاستزادة منها

٤٩٢

ذكر المفسرون : أن من يطلب الهداية من الله لا بد وأن يكون فاقدا لها ، فكيف يطلبها المسلم الواحد في صلاته ، وأجابوا عنه بوجوه :

١ ـ أن يراد بالهداية : الاستمرار عليها ، فبعد ما من الله تعالى على المصلي بهدايته إلى الايمان يطلب منه الاستمرار والثبات على هذه النعمة لئلا تزل له قدم بعد ثبوتها.

٢ ـ أن يراد بالهداية : الثواب فمعناه إهدنا طريق الجنة ثوابا لنا.

٣ ـ أن يراد بالهداية : زيادتها فإن الهداية قابلة للزيادة والنقصان ، فمن كان واجدا لمرتبة منها جاز أن يطلب مرتبة أكمل منها.

وكل هذه الوجوه استحسانية تخالف ما يقتضيه ظاهر الآية المباركة والصحيح أن يقال : إن الهداية التي يطلبها المسلم في صلاته هي هداية غير حاصلة له ، وإنما يطلب حصولها من ربه فضلا منه ورحمة.

وتوضيح ذلك : أن الهداية من الله تعالى على قسمين : هداية عامة وهداية خاصة ، والهداية العامة قد تكون تكوينية ، وقد تكون تشريعية ، أما الهداية العامة التكوينية فهي التي أعدها الله تعالى في طبيعة كل موجود سواء أكان جمادا أم كان نباتا أو حيوانا ، فهي تسري بطبعها أو باختيارها نحو كمالها ، والله هو الذي أودع فيها قوة الاستكمال ، ألا ترى كيف يهتدي النبات إلى نموه ، فيسير إلى جهة لا صاد له عن سيره فيها ، وكيف يهتدي الحيوان فيميز بين من يؤذيه

٤٩٣

ومن لا يؤذيه؟ فالفأرة تفر من الهرة ، ولا تفر من الشاة ، وكيف يهتدي النمل والنحل إلى تشكيل جمعية وحكومة وبناء مساكن! وكيف يهتدي الطفل إلى ثدي أمه ، ويرتضع منه في بدء ولادته :

« قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ٢٠ : ٥٠ ».

وأما الهداية العامة التشريعية فهي الهداية التي بها هدى الله جميع البشر بإرسال الرسل إليهم وإنزال الكتب عليهم ، فقد أتم الحجة على الانسان بافاضته عليه العقل وتمييز الحق من الباطل ، ثم بإرساله رسلا يتلون عليهم آياته ، ويبينون لهم شرائع أحكامه ، وقرن رسالتهم بما يدل على صدقها من معجز باهر ، وبرهان قاهر ، فمن الناس من اهتدى ، ومنهم من حق عليه الضلالة :

« إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ٧٦ : ٣ ».

وأما الهداية الخاصة ، فهي هداية تكوينية ، وعناية ربانية خص الله بها بعض عباده حسب ما تقتضيه حكمته ، فيهيئ له ما به يهتدي إلى كماله ويصل إلى مقصوده ، ولو لا تسديده لوقع في الغي والضلالة ، هذا وقد أشير إلى هذا القسم من الهداية في غير واحد من الآيات المباركة ، قال عز من قائل :

« فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ ٧ : ٣٠. قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ٦ : ١٤٩. لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء ٢ : ٢٧٢. إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ٦ : ١٤٤. وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ٢ : ٢١٣. إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء ٢٨ : ٥٦. وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ

٤٩٤

سُبُلَنَا ٢٩ : ٦٩. فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ١٤ : ٤ ».

إلى غير ذلك من الآيات التي يستفاد منها اختصاص هداية الله تعالى وعنايته الخاصة بطائفة خاصة دون بقية الناس ، فالمسلم بعد ما اعترف بأن الله قد من عليه بهدايته هداية عامة تكوينية وتشريعية طلب من الله تعالى أن يهديه بهدايته الخاصة التكوينية التي يختص الله بها من يشاء من عباده.

وصفوة القول : أن البشر بطبعه في معرض الهلاك والطغيان فلا بد للمسلم الموحد أن لا يتكل على نفسه بل يستعين بربه ، ويدعوه لهدايته ، ليسلك به الجادة الوسطى فلا يكون من المغضوب عليهم ، ولا من الضالين.

٤٩٥
٤٩٦

قسم التعليقات

٤٩٧

مصادر : حديث الثقلين ، ترجمة : الحارث وافتراء الشعبي عليه. مصادر : حديث لتركبن سنن من قبلكم. محادثة : بين المؤلف وحبر يهودي. ترجمة : القرآن وشروطها. قصة : قريش في محاولتهم تعجيز النبي. تحريف : رواية في صحيح البخاري. رأي : محمد عبده في الطلاق الثلاث. اختلاق الرازي نسبة الجهل إلى الله على لسان الشيعة. أحاديث : مشيئة الله. أحاديث : إن الدعاء يغير القضاء. أهمية آية البسملة. معرفة : بدء الخليقة في كتاب التكوين. أحاديث : إن البسملة جزء من القرآن. قصة : نسيان معاوية لقراءة البسملة. قراءة : النبي البسملة وتوجيه رواية أنس. ابن تيمية : ونقله أحاديث جواز زيارة القبور. تهمة : الآلوسي للشيعة. حوار : بين المؤلف وعالم حجازي. فضيلة : تربة الحسين. تأويل : آية السجود بالكشف. حديث : إبليس مع الله. الاسلام : يدور مدار الشهادتين. العبادة وأقسام دوافعها. الامر بين الامرين : والحسنات والسيئات. مصادر : رواية الشفاعة.

٤٩٨

التعليقة (١)

ــــــــــ

ص ١٨

مصادر :

حديث الثقلين

روى ـ حديث الثقلين ـ أحمد في الجزء ٣ من مسنده ص ١٤ ، ١٧ ، ٢٦ ، ٥٩ عن أبي سعيد الخدري. ورواه الدارمي في كتاب فضائل القرآن الجزء ٢ ص ٤٣١ ، وأحمد في الجزء ٤ من مسنده : ص ٣٦٦ ، ٣٧١ عن زيد بن أرقم. ورواه أحمد في الجزء ص ١٨٢ ، ١٨٩ عن زيد بن ثابت.

ورواه جلال الدين السيوطي في « جامعه الصغير » عن الطبراني عن زيد بن ثابت وصححه. وقال العلامة المناوي في شرحه الجزء ٣ ص ١٥ : قال الهيثمي : « رجاله موثقون ».

ورواه أيضا أبو يعلى بسند لا بأس به ، والحافظ عبد العزيز بن الاخضر وزاد أنه قال في حجة الوداع ووهم من زعم وضعه كابن الجوزي قال السمهودي وفي الباب ما يزيد على عشرين من الصحابة.

ورواه الحاكم في « المستدرك الجزء ٣ ص ١٠٩ » عن زيد بن أرقم وصححه ولم يعقبه الذهبي. وفي ألفاظ الروايات اختلاف في التعبير لكنها متفقة في المقصود.

٤٩٩

التعليقة (٢)

ــــــــــ

ص ١٨

ترجمة :

الحارث وافتراء الشعبي عليه

هو الحارث بن عبد الله الاعور الهمداني ، وقد اتفقت كلمات علماء الامامية على أنه من أعاظم أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام وعلى نزاهته ومكانته السامية ، ووصفوه بالورع والتقوى ، والقيام بخدمة سيده أمير المؤمنين عليه‌السلام.

ونص على توثيقه الاعلام في كتبهم الرجالية وغيرها ، وذكر غير واحد من أكابر علماء السنة الحارث فأثنى عليه. قال ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب في ترجمة الحارث : قال الدوري عن ابن معين : الحارث قد سمع من ابن مسعود وليس به بأس. وقال عثمان الدارمي عن ابن معين : ثقة. وقال أشعث بن سوار عن ابن سيرين : أدركت الكوفة وهم يقدمون خمسة ، من بدأ بالحارث ينى بعبيدة ، ومن بدأ بعبيدة ثنى بالحارث. وقال ابن أبي داود : « كان الحارث أفقه الناس ، وأحسب الناس ، وأفرض الناس ، تعلم الفرائض من علي ».

وقال أبو جعفر الطبري في المنتخب من كتاب ذيل المذيل تحت عنوان من هلك سنة ١٦١ : « وكان الحارث من مقدمي أصاحب أمير المؤمنين عليه‌السلام وعبد الله في الفقه والعلم بالفرائض والحساب ».

قال الذهبي في ترجمة الحارث ، وحديث الحارث في السنن الاربعة ، والنسائي مع تعنته في الرجال فقد احتج به وقوى أمره وكان من أوعية العلم. قال مرة ابن خالد أنبأنا محمد بن سيرين قال : كان من أصحاب ابن مسعود خمسة يؤخذ عنهم ، أدركت منهم أربعة وفاتني الحارث فلم أره ، وكان يفضل عليهم وكان أحسنهم.

٥٠٠