البيان في تفسير القرآن

آية الله السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي

البيان في تفسير القرآن

المؤلف:

آية الله السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الزهراء
الطبعة: ٨
الصفحات: ٥٥٧

٢ ـ وروى ابن شهاب أن أنس بن مالك حدثه :

« ان حذيفة بن اليمان قدم على عثمان ، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق. فافزع حذيفة اختلافهم في القراءة. فقال حذيفة لعثمان : يا أمير المؤمنين أدرك هذه لامة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى ، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي الينا بالصحف ننسخها في المصاحف ، ثم نردها اليك ، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمرزيد بن ثابت ، وعبد الله بن الزبير ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام ، فنسخوها في المصاحف ، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش ، فإنما نزل بلسانهم ، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة ، فأرسل إلى كل افق بمصحف مما نسخوا ، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق ».

قال ابن شهاب : وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت سمع زيد بن ثابت قال : فقدت آية من الاحزاب حين نسخنا المصحف ، قد كنت أسمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرأ بها ، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الانصاري :

« مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ٣٣ : ٢٣ ».

« فألحقناها في سورتها في المصحف » (١).

____________

١ ـ صحيح البخاري ج ٦ ص ٩٩ ، وهاتان الروايتان وما بعدهما إلى الرواية الحادية والعشرين ، مذكورة في منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٢ ص ٤٣ ـ ٥٢.

( البيان ـ ١٦ )

٢٤١

٣ ـ وروى ابن أبي شيبة باسناده عن علي. قال :

« أعظم الناس في المصاحف أجرا أبو بكر ، إن أبا بكر أول من جمع ما بين اللوحين ».

٤ ـ وروى ابن شهاب. عن سالم بن عبد الله وخارجة :

« أن أبا بكر الصديق كان جمع القرآن في قراطيس ، وكان قد سأل زيد بن ثابت النظر في ذلك فأبى حتى استعان عليه بعمر ففعل ، فكانت الكتب عند أبي بكر حتى توفي ، ثم عند عمر حتى توفي ، ثم كانت عند حفصة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأرسل إليها عثمان فأبت أن تدفعها ، حتى عاهدها ليردنها إليها فبعثت بها إليه ، فنسخ عثمان هذه المصاحف ثم ردها إليها فلم تزل عندها ... ».

٥ ـ وروى هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال :

« لما قتل أهل اليمامة أمر أبو بكر عمر بن الخطاب ، وزيد بن ثابت. فقال : اجلسا على باب المسجد. فلا يأتينكما أحد بشئ من القرآن تنكرانه يشهد عليه رجلان إلا اثبتماه ، وذلك لانه قتل باليمامة ناس من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد جمعوا القرآن ».

٦ ـ وروى محمد بن سيرين. قال : قتل عمر ولم يجمع القرآن.

٧ ـ وروى الحسن :

« أن عمر بن الخطاب سأل عن آية من كتاب الله ، فقيل : كانت مع فلان فقتل يوم اليمامة. فقال : إنا لله ، وأمر بالقرآن فجمع فكان أول من جمعه في المصحف ».

٨ ـ وروى يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب. قال :

« أراد عمر بن الخطاب أن يجمع القرآن فقام في الناس ، فقال : من كان تلقى من رسول الله (ص) شيئا من القرآن فليأتنا به ، وكانوا كتبوا ذلك في الصحف

٢٤٢

والالواح ، والعسب ، وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شهيدان ، فقتل وهو يجمع ذلك إليه ، فقام عثمان ، فقال : من كان عنده من كتاب الله شيء فليأتنا به ، وكان لا يقبل من ذلك شيئا حتى يشهد عليه شهيدان ، فجاءه خزيمة ابن ثابت ، فقال : إني قد رأيتكم تركتم آيتين لم تكتبوهما. قالوا : ما هما؟ قال : تلقيت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ .. »

إلى آخر السورة ، فقال عثمان : وأنا أشهد أنهما من عند الله ، فأين ترى أن نجعلهما؟ قال : اختم بهما آخر ما نزل من القرآن ، فختمت بهما براءة ».

٩ ـ وروى عبيد بن عمير ، قال :

كان عمر لا يثبت آية في المصحف حتى يشهد رجلان ، فجاءه رجل من الانصار بهاتين الآيتين : لقد جاءكم رسول من أنفسكم ... إلى آخرها. فقال عمر : لا أسألك عليها بينة أبدا ، كذلك كان رسول الله (١)

١٠ ـ وروى سليمان بن أرقم ، عن الحسن وابن سيرين ، وابن شهاب الزهري. قالوا :

« لما أسرع القتل في قراء القرآن يوم اليمامة قتل منهم يومئذ أربعمائة رجل ، لقي زيد بن ثابت عمر بن الخطاب ، فقال له : إن هذا القرآن هو الجامع لديننا فإن ذهب القرآن ذهب ديننا ، وقد عزمت على أن أجمع القرآن في كتاب ، فقال له : انتظر حتى أسأل أبا بكر ، فمضيا إلى أبي بكر فأخبراه بذلك ، فقال : لا تعجل حتى اشاور المسلمين ، ثم قام خطيبا في الناس فأخبرهم بذلك ، فقالوا :

__________________

١ ـ الروايات التي نقلناها عن المنتخب مذكورة في كنز العمال جمع القرآن الطبعة الثانية ج ٢ ص ٣٦١ عداهذه الرواية ، ولكن بمضمونها رواية عن يحيى بن جعدة.

٢٤٣

أصبت ، فجمعوا القرآن ، فأمر أبو بكر مناديا فنادى في الناس : من كان عنده شيء من القرآن فليجئ به .. ».

١١ ـ وروى خزيمة بن ثابت. قال :

« جئت بهذه الآية : لقد جاءكم رسول من أنفسكم ... إلى عمر بن الخطاب وإلى زيد بن ثابت. فقال زيد : من يشهد معك؟ قلت : لا والله ما أدري. فقال عمر : أنا أشهد معه على ذلك ».

١٢ ـ وروى أبو إسحق ، عن بعض أصحابه. قال :

« لما جمع عمر بن الخطاب المصحف سأل : من أعرب الناس؟ قيل : سعيد ابن العاص. فقال : من أكتب الناس؟ فقيل : زيد بن ثابت. قال : فليمل سعيد وليكتب زيد ، فكتبوا مصاحف أربعة ، فأنفذ مصحفا منها إلى الكوفة ، ومصحفا إلى البصرة ، ومصحفا إلى الشام ، ومصحفا إلى الحجاز ».

١٣ ـ وروى عبد الله بن فضالة. قال :

« لما أراد عمر أن يكتب الامام أقعد له نفرا من أصحابه ، وقال : إذا اختلفتم في اللغة فاكتبوها بلغة مضر ، فإن القرآن نزل على رجل من مضر ».

١٤ ـ وروى أبو قلابة. قال :

« لما كان في خلافة عثمان جعل المعلم يعلم قراءة الرجل ، والمعلم يعلم قراءة الرجل ، فجعل الغلمان يلتقون ويختلفون ، حتى ارتفع ذلك الى المعلمين ، حتى كفر بعضهم بقراءة بعض ، فبلغ ذلك عثمان فقام خطيبا. فقال : أنتم عندي تختلفون وتلحنون ، فمن نأي عني من الامصار أشد اختلافا ، وأشد لحنا ، فاجتمعوا يا أصحاب محمد فاكتبوا للناس إماما ، قال أبو قلابة : فحدثني مالك ابن أنس ، قال أبو بكر بن أبي داود : هذا مالك بن انس جد مالك بن أنس. قال : كنت فيمن أملي عليهم فربما اختلفوا في الآية فيذكرون الرجل قد تلقاها

٢٤٤

من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولعله أن يكون غائبا أو في بعض البوادي ، فيكتبون ما قبلها وما بعدها ، ويدعون موضعها حتى يجئ أو يرسل إليه ، فلما فرغ من المصحف كتب إلى أهل الامصار أني قد صنعت كذا وصنعت كذا ، ومحوت ما عندي ، فامحوا ما عندكم ».

١٥ ـ وروى مصعب بن سعد. قال :

« قام عثمان يخطب الناس. فقال : أيها الناس عهدكم بنبيكم منذ ثلاث عشرة وأنتم تمترون في القرآن ، تقولون قراءة أبي ، وقراءة عبد الله ، يقول الرجل والله ما تقيم قراءتك ، فاعزم على كل رجل منكم كان معه من كتاب الله شيء لما جاء به ، فكان الرجل يجئ بالورقة والاديم فيه القرآن ، حتى جمع من ذلك كثرة ، ثم دخل عثمان ودعاهم رجلا رجلا ، فناشدهم لسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو أمله عليك فيقول : نعم ، فلما فرغ من ذلك عثمان. قال : من أكتب الناس؟ قالوا : كاتب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زيد بن ثابت. قال : فأي الناس أعرب؟ قالوا سعيد بن العاص. قال عثمان : فليمل سعيد ، وليكتب زيد ، فكتب زيد ، وكتب مصاحف ففرقها في الناس ، فسمعت بعض أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : قد أحسن ».

١٦ ـ وروى أبو المليح. قال :

« قال عثمان بن عفان حين أراد أن يكتب المصحف ، تملي هذيل وتكتب ثقيف ».

١٧ ـ وروى عبد الاعلى بن عبد الله بن عبد الله بن عامر القرشي. قال :

« لما فرغ من المصحف أتى به عثمان فنظر فيه. فقال : قد أحسنتم وأجملتم ، أرى شيئا من لحن ستقيمه العرب بألسنتها ».

١٨ ـ وروى عكرمة. قال :

٢٤٥

لما أتى عثمان بالمصحف رأى فيه شيئا من لحن. فقال : لو كان المملي من هذيل والكاتب من ثقيف لم يوجد فيه هذا.

١٩ ـ وروى عطاء :

« أن عثمان بن عفان لما نسخ القرآن في المصاحف ، أرسل إلى أبي بن كعب فكان يملي على زيد بن ثابت ، وزيد يكتب ، ومعه سعيد بن العاص يعربه ، فهذا المصحف على قراءة أبي وزيد ».

٢٠ ـ وروى مجاهد :

« ان عثمان أمر أبي بن كعب يملي ، ويكتب زيد بن ثابت ، ويعربه سعيد ابن العاص ، وعبد الرحمن بن الحرث ».

٢١ ـ وروى زيد بن ثابت :

« لما كتبنا المصاحف فقدت آية كنت أسمعها من رسول الله (ص) فوجدتها عند خزيمة بن ثابت : من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه .. إلى تبديلا. وكان خزيمة يدعى ذا الشهادتين أجاز رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شهادته بشهادة رجلين ».

٢٢ ـ وقد أخرج ابن اشته ، عن الليث بن سعد. قال :

« أول من جمع القرآن أبو بكر ، وكتبه زيد ، وكان الناس يأتون زيد بن ثابت ، فكان لا يكتب آية إلا بشهادة عدلين ، وإن آخر سورة براءة لم توجد إلا مع أبي خزيمة بن ثابت. فقال : اكتبوها فإن رسول الله (ص) جعل شهادته بشهادة رجلين ، فكتب ، وإن عمر أتى بآية الرجم فلم نكتبها لانه كان وحده » (١).

__________________

١ ـ الاتقان النوع ١٨ ج ١ ص ١٠١.

٢٤٦

هذه أهم الروايات التي وردت في كيفية جمع القرآن ، وهي ـ مع انها أخبار آحاد لا تفيدنا علما ـ مخدوشة من جهات شتى :

١ ـ تناقض أحاديث جمع القرآن!

إنها متناقضة في أنفسها فلا يمكن الاعتماد على شيء منها ، ومن الجدير بنا أن نشير إلى جملة من مناقضاتها ، في ضمن أسئلة وأجوبة :

ـ متى جمع القرآن في المصحف؟

ظاهر الرواية الثانية أن الجمع كان في زمن عثمان ، وصريح الروايات الاولى ، والثالثة ، والرابعة ، وظاهر البعض الآخر أنه كان في زمان أبي بكر ، وصريح الروايتين السابعة ، والثانية عشرة أنه كان في زمان عمر.

ـ من تصدى لجمع القرآن زمن أبي بكر؟

تقول الروايتان الاولى ، والثانية والعشرون أن المتصدي لذلك هو زيد بن ثابت ، وتقول الرواية الرابعة أنه أبو بكر نفسه ، وإنما طلب من زيد أن ينظر فيما جمعه من الكتب ، وتقول الرواية الخامسة ـ ويظهر من غيرها أيضا ـ أن المتصدي هو زيد وعمر.

ـ هل فوض لزيد جمع القرآن؟

يظهر من الرواية الاولى أن أبا بكر قد فوض إليه ذلك ، بل هو صريحها ، فإن قوله لزيد : إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله (ص) فتتبع القرآن واجمعه صريح في ذلك ، وتقول الرواية الخامسة وغيرها : إن الكتابة إنما كانت بشهادة شاهدين ، حتى ان عمر جاء بآية الرجم فلم تقبل منه.

ـ هل بقي من الآيات ما لم يدون إلى زمان عثمان؟

٢٤٧

ظاهر كثير من الروايات ، بل صريحها أنه لم يبق شيء من ذلك ، وصريح الرواية الثانية ، بقاء شيء من الآيات لم يدون إلى زمان عثمان.

ـ هل نقص عثمان شيئا مما كان مدونا قبله؟

ظاهر كثير من الروايات بل صريحها أيضا أن عثمان لم ينقص مما كان مدونا قبله ، وصريح الرواية الرابعة عشرة أنه محا شيئا مما دون قبله ، وأمر المسلمين بمحو ما محاه.

ـ من أي مصدر جمع عثمان المصحف؟

صريح الروايتين الثانية والرابعة : أن الذي اعتمد عليه في جمعه هي الصحف التي جمعها أبو بكر ، وصريح الروايات الثامنة ، والرابعة عشرة ، والخامسة عشرة ، أن عثمان جمعه بشهادة شاهدين ، وبأخبار من سمع الآية من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ـ من الذي طلب من أبي بكر جمع القرآن؟

تقول الرواية الاولى أن الذي طلب ذلك منه هو عمر ، وأن أبا بكر إنما أجابه بعد الامتناع ، فأرسل إلى زيد وطلب منه ذلك ، فأجابه بعد الامتناع ، وتقول الرواية العاشرة أن زيدا وعمر طلبا ذلك من أبي بكر ، فأجابهما بعد مشاورة المسلمين.

ـ من جمع المصحف الامام وأرسل منه نسخا إلى البلاد؟

صريح الرواية الثانية أنه كان عثمان ، وصريح الرواية الثانية عشرة أنه كان عمر.

ـ متى ألحقت الآيتان بآخر سورة براءة؟

صريح الروايات الاولى ، والحادية عشرة ، والثانية والعشرين أن إلحاقهما كان

٢٤٨

في زمان أبي بكر ، وصريح الرواية الثامنة ، وظاهر غيرها أنه كان في عهد عمر.

ـ من اتى بهاتين الآيتين؟

صريح الروايتين الاولى ، والثانية والعشرين أنه كان أبا خزيمة ، وصريح الروايتين الثامنة ، والحادية عشرة أنه كان خزيمة بن ثابت ، وهما رجلان ليس بينهما نسبة أصلا ، على ما ذكره ابن عبد البر (١).

ـ بماذا ثبت أنهما من القرآن؟

بشهادة الواحد ، على ما هو ظاهر الرواية الاولى ، وصريح الروايتين التاسعة ، والثانية والعشرين ، وبشهادة عثمان معه ، على ما هو صريح الرواية الثامنة ، وبشهادة عمر معه ، على ما هو صريح الرواية الحادية عشر.

ـ من عينه عثمان لكتابة القرآن وإملائه؟

صريح الرواية الثانية أن عثمان عين للكتابة زيدا ، وابن الزبير ، وسعيد ، وعبد الرحمن ، وصريح الرواية الخامسة عشرة أنه عين زيدا للكتابة وسعيدا للاملاء ، وصريح الرواية السادسة عشرة أنه عين

ثقيفا للكتابة ، وهذيلا للاملاء وصريح الرواية الثامنة عشرة أن الكاتب لم يكن من ثقيف وأن المملي لم يكن من هذيل ، وصريح الرواية التاسعة عشرة أن المملي كان أبي بن كعب ، وأن سعيدا كان يعرب ما كتبه زيد ، وهذا أيضا صريح الرواية العشرين بزيادة عبد الرحمن بن الحرث للاعراب.

٢ ـ تعارض روايات الجمع :

إن هذه الروايات معارضة بما دل على أن القرآن كان قد جمع ، وكتب على

__________________

١ ـ تفسير القرطبي ج ١ ص ٥٦.

٢٤٩

عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد روى جماعة ، منهم ابن أبي شيبة وأحمد بن حنبل ، والترمذي ، والنسائي ، وابن حبان ، والحاكم ، والبيهقي ، والضياء المقدسي عن ابن عباس. قال : قلت لعثمان بن عفان : ما حملكم على أن عمدتم إلى الانفال وهي من المثاني ، وإلى براءة ، وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر : بسم الله الرحمن الرحيم؟ ووضعتموهما في السبع الطوال ، ما حملكم على ذلك؟ فقال عثمان : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان مما يأتي عليه الزمان ينزل عليه السورة ذات العدد ، وكان إذا نزل عليه الشئ يدعو بعض من يكتب عنده فيقول : ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، وتنزل عليه الآيات فيقول : ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، وكانت الانفال من أول ما أنزل بالمدينة ، وكانت براءة من آخر القرآن نزولا ، وكانت قصتها شبيهة بقصتها ، فظننت أنها منها ، وقبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يبين لنا أنها منها ، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ، ولم أكتب بينهما سطر : بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتهما في السبع الطوال (١).

وروى الطبراني ، وابن عساكر عن الشعبي ، قال :

« جمع القرآن على عهد رسول الله (ص) ستة من الانصار : أبي بن كعب ، وزيد بن ثابت ، ومعاذ بن جبل ، وأبو الدرداء ، وسعد بن عبيد ، وأبو زيد وكان مجمع بن جارية قد أخذه إلا سورتين أو ثلاث » (٢).

وروى قتادة ، قال :

«سألت أنس بن مالك : من جمع القرآن على عهد النبي؟ قال : أربعة كلهم من الانصار : أبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد » (٣).

__________________

١ ـ منتخب كنز العمال ج ٢ ص ٤٨.

٢ ـ نفس المصدر ج ٢ ص ٥٢.

٣ ـ صحيح البخاري باب القراء من أصحاب النبي (ص) ج ٦ ص ٢٠٢.

٢٥٠

وروى مسروق : ذكر عبد الله بن عمرو عبد الله بن مسعود ، فقال :

« لا أزال أحبه ، سمعت النبي (ص) يقول : خذوا القرآن من أربعة : من عبد الله بن مسعود ، وسالم ، ومعاذ ، وأبي بن كعب » (١).

وأخرج النسائي بسند صحيح عن عبد الله بن عمر ، قال :

« جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة ، فبلغ النبي (ص) فقال : اقرأة في شهر ... » (٢). وستجئ رواية ابن سعد في جمع أم ورقة القرآن.

ولعل قائلا يقول وإن المراد من الجمع في هذه الروايات هو الجمع في الصدور لا التدوين ، وهذا القول دعوى لا شاهد عليها ، أضف إلى ذلك أنك ستعرف أن حفاظ القرآن على عهد رسول الله (ص) كانوا أكثر من أن تحصى أسماؤهم ، فكيف يمكن حصرهم في أربعة أو ستة؟!! وإن المتصفح لاحوال الصحابة ، وأحوال النبي (ص) يحصل له العلم اليقين بأن القرآن كان مجموعا على عهد رسول الله (ص) وأن عدد الجامعين له لا يستهان به. وأما ما رواه البخاري بإسناده عن أنس ، قال : مات النبي (ص) ولم يجمع القرآن غير أربعة : أبو الدرداء ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد ، فهو مردود مطروح ، لانه معارض للروايات المتقدمة ، حتى لما رواه البخاري بنفسه. ويضاف إلى ذلك أنه غير قابل للتصديق به. وكيف يمكن أن يحيط الراوي بجميع أفراد المسلمين حين وفاة النبي (ص) على كثرتهم ، وتفرقهم في البلاد ، ويستعلم أحوالهم ليمكنه أن يحصر الجامعين للقرآن في أربعة ، وهذه الدعوى تخرص بالغيب ، وقول بغير علم.

وصفوة القول : أنه مع هذه الروايات كيف يمكن أن يصدق أن أبا بكر

____________

١ ـ المصدر السابق.

٢ ـ الاتقان النوع ٢٠ ج ١ ص ١٢٤.

٢٥١

كان أول من جمع القرآن بعد خلافته؟ وإذا سلمنا ذلك فلماذا أمر زيدا وعمر بجمعه من اللخاف ، والعسب ، وصدور الرجال ، ولم يأخذه من عبد الله ومعاذ وأبي ، وقد كانوا عند الجمع أحياء ، وقد أمروا بأخذ القرآن منهم ، ومن سالم؟ نعم إن سالما قد قتل في حرب اليمامة ، فلم يمكن الاخذ منه. على أن زيدا نفسه كان أحد الجامعين للقرآن على ما يظهر من هذه الرواية ، فلا حاجة إلى التفحص والسؤال من غيره ، بعد أن كان شابا عاقلا غير متهم كما يقول أبو بكر ، أضف إلى جميع ذلك أن أخبار الثقلين المتظافرة تدلنا على أن القرآن كان مجموعا على عهد رسول الله (ص) على ما سنشير إليه.

٣ ـ تعارض أحايث الجمع مع الكتاب :

إن هذه الروايات معارضة بالكتاب ، فإن كثيرا من آيات الكتاب الكريمة دالة على أن سور القرآن كانت متميزة في الخارج بعضها عن بعض ، وان السور كانت منتشرة بين الناس ، حتى المشركين وأهل الكتاب ، فإن النبي (ص) قد تحدى الكفار والمشركين على الاتيان بمثل القرآن ، وبعشر سور مثله مفتريات ، وبسورة من مثله ، ومعنى هذا : أن سور القرآن كانت في متناول أيديهم.

وقد أطلق لفظ الكتاب على القرآن في كثير من آياته الكريمة ، وفي قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي وفي هذا دلالة على أنه كان مكتوبا مجموعا ، لانه لا يصح إطلاق الكتاب عليه وهو في الصدور ، بل ولا على ما كتب في اللخاف ، والعسب ، والاكتاف ، إلا على نحو المجاز والعناية ، والمجاز لا يحمل اللفظ عليه من غير قرينة ، فإن لفظ الكتاب ظاهر فيما كان له وجود واحد جمعي ، ولا يطلق على المكتوب إذا كان مجزء غير مجتمع ، فضلا عما إذا لم يكتب ، وكان محفوظا في الصدور فقط.

٢٥٢

٤ ـ مخالفة أحاديث الجمع من حكم العقل!

إن هذه الروايات مخالفة لحكم العقل ، فإن عظمة القرآن في نفسه ، واهتمام النبي (ص) بحفظه وقراءته ، واهتمام المسلمين بما يهتم به النبي (ص) وما يستوجبه ذلك من الثواب ، كل ذلك ينافي جمع القرآن على النحو المذكور في تلك الروايات ، فإن في القرآن جهات عديدة كل واحدة منها تكفي لان يكون القرآن موضعا لعناية المسلمين ، وسببا لاشتهاره حتى بين الاطفال والنساء منهم ، فضلا عن الرجال. وهذه الجهات هي :

١ ـ بلاغة القرآن : فقد كانت العرب تهتم بحفظ الكلام البليغ ، ولذلك فهم يحفظون أشعار الجاهلية وخطبها ، فكيف بالقرآن الذي تحدى ببلاغته كل بليغ ، وأخرس بفصاحته كل خطيب لسن ، وقد كانت العرب بأجمعهم متوجهين إليه ، سواء في ذلك مؤمنهم وكافرهم ، فالمؤمن يحفظه لايمانه ، والكافر يتحفظ به لانه يتمنى معارضته ، وإبطال حجته.

٢ ـ إظهار النبي (ص) رغبته بحفظ القرآن ، والاحتفاظ به : وكانت السيطرة والسلطة له خاصة ، والعادة تقضي بأن الزعيم إذا أظهر رغبته بحفظ كتاب أو بقراءته فإن ذلك الكتاب يكون رائجا بين جميع الرعية ، الذين يطلبون رضاه لدين أو دنيا

٣ ـ إن حفظ القرآن سبب لارتفاع شأن الحافظ بين الناس ، وتعظيمه عندهم : فقد علم كل مطلع على التاريخ ما للقراء والحفاظ من المنزلة الكبيرة ، والمقام الرفيع بين الناس ، وهذا أقوى سبب لاهتمام الناس بحفظ القرآن جملة ، أو بحفظ القدر الميسور منه.

٤ ـ الاجر والثواب الذي يستحقه القارئ والحافظ بقراءة القرآن وحفظه : هذه أهم العوامل التي تبعث على حفظ القرآن والاحتفاظ به ، وقد كان المسلمون

٢٥٣

يهتمون بشأن القرآن ، ويحتفظون به أكثر من اهتمامهم بأنفسهم ، وبما يهمهم من مال وأولاد. وقد ورد أن بعض النساء جمعت جميع القرآن. أخرج ابن سعد في الطبقات : أنبأنا الفضل بن دكين ، حدثنا الوليد بن عبد الله بن جميع ، قال : حدثتني جدتي عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث ، وكان رسول الله (ص) يزورها ، ويسميها الشهيدة وكانت قد جمعت القرآن ، ان رسول الله ـ ص ـ حين غزا بدار ، قالت له : أتأذن لي فأخرج معك أداوي جرحاكم وامرض مرضاكم لعل الله يهدي لي شهادة؟ قال : إن الله مهد لك شهادة ... (١) وإذا كان هذا حال النساء في جمع القران فكيف يكون حال الرجال؟ وقد عد من حفاظ القرآن على عهد رسول الله (ص) جم غفير. قال القرطبي : قد قتل يوم اليمامة سبعون من القراء ، وقتل في عهد النبي (ص) ببئر معونة مثل هذا العدد (٢).

وقد تقدم في الرواية العاشرة أنه قتل من القراء يوم اليمامة أربعمائة رجل على أن شدة اهتمام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقرآن ، وقد كان له كتاب عديدون ، ولا سيما أن القرآن نزل نجوما في مدة ثلاث وعشرين سنة ، كل هذا يورث لنا القطع بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قد أمر بكتابة القرآن على عهده. روى زيد بن ثابت ، قال : كنا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نؤلف القرآن من الرقاع. قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وفيه الدليل الواضح : أن القرآن إنما جمع على عهد رسول الله (٣).

وأما حفظ بعض سور القرآن أو بعض السورة فقد كان منتشرا جدا ، وشذ

__________________

١ ـ الاتقان النوع ٢٠ ج ١ ص ١٢٥.

٢ ـ الاتقان النوع ٢٠ ص ١٢٢ ، وقال القرطبي في تفسيره ج ١ ص ٥٠ : وقتل منهم القراء في ذلك اليوم يوم اليمامة فيما قيل سبعمائة.

٣ ـ المستدرك ج ٢ ص ٦١١.

٢٥٤

أن يخلو من ذلك رجل أو امرأة من المسلمين. روى عبادة بن الصامت قال :

« كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشغل ، فإذا قدم رجل مهاجر على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دفعه إلى رجل منا يعلمه القرآن » (١).

وروى كليب ، قال :

« كنت مع علي عليه‌السلام فسمع ضجتهم في المسجد يقرأون القرآن ، فقال : طوبى لهؤلاء ... (٢)

وعن عبادة بن الصامت أيضا :

« كان الرجل إذاهاجر دفعه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى رجل منا يعلمه القرآن ، وكان يسمع لمسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضجة بتلاوة القرآن ، حتى أمرهم رسول الله أن يخفضوا أصواتهم لئلا يتغالطوا »(٣).

نعم إن حفظ القرآن ولو ببعضه كان رائجا بين الرجال والنساء من المسلمين ، حتى أن المسلمة قد تجعل مهرها تعليم سورة من القرآن أو أكثر (٤) ومع هذا الاهتمام كله كيف يمكن أن يقال : إن جمع القرآن قد تأخر إلى زمان خلافة أبي بكر ، وإن أبا بكر احتاج في جمع القرآن إلى شاهدين يشهدان أنهما سمعا ذلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

١ ـ مسند أحمد ج ٥ ص ٣٢٤.

٢ ـ كنز العمال. فضائل القرآن الطبعة الثانية ج ٢ ص ١٨٥.

٣ ـ مناهل العرفان ص ٣٢٤.

٤ ـ رواه الشيخان ، وأبو داود والترمذي ، والنسائي. التاج : ج ٢ ص ٣٣٢.

٢٥٥

٥ ـ مخالفة أحاديث الجمع للاجماع :

إن هذه الروايات مخالفة لما أجمع عليه المسلمون قاطبة من أن القرآن لا طريق لاثباته إلا التواتر ، فإنها تقول : إن إثبات آيات القرآن حين الجمع كان منحصرا بشهادة شاهدين ، أو بشهادة رجل واحد إذا كانت تعدل شهادتين ، وعلى هذا فاللازم أن يثبت القرآن بالخبر الواحد أيضا ، وهل يمكن لمسلم أن يلتزم بذلك؟ ولست أدري كيف يجتمع القول بصحة هذه الروايات التي تدل على ثبوت القرآن بالبينة ، مع القول بأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر ، أفلا يكون القطع بلزوم كون القرآن متواترا سببا للقطع بكذب هذه الروايات أجمع؟ ومن الغريب أن بعضهم كابن حجر فسر الشاهدين في الروايات بالكتابة والحفظ (١).

وفي ظني أن الذي حمله على ارتكاب هذا التفسير هو ما ذكرناه من لزوم التواتر في القرآن. وعلى كل حال فهذا التفسير واضح الفساد من جهات :

أما ، أولا : فلمخالفته صريح تلك الروايات في جمع القرآن ، وقد سمعتها.

وأما ، ثانيا : فلان هذا التفسير يلزمه أنهم لم يكتبوا ما ثبت أنه من القرآن بالتواتر ، إذا لم يكن مكتوبا عند أحد ، ومعنى ذلك أنهم أسقطوا من القرآن ما ثبت بالتواتر أنه من القران.

وأما ، ثالثا : فلان الكتابة والحفظ لا يحتاج اليهما إذا كان ما تراد كتابته متواترا ، وهما لا يثبتان كونه من القرآن ، إذا لم يكن متواترا.

وعلى كل حال فلا فائدة في جعلهما شرطا في جمع القرآن. وعلى الجملة لا بد من طرح هذه الروايات ، لانها تدل على ثبوت القرآن بغير التواتر ، وقد ثبت بطلان ذلك بإجماع المسلمين.

__________________

١ ـ الاتقان ـ النوع ١٨ ص ١٠٠.

٢٥٦

٦ ـ احاديث الجمع والتحريف بالزيادة!

إن هذه الروايات لو صحت ، وأمكن الاستدلال بها على التحريف من جهة النقص ، لكان اللازم على المستدل أن يقول بالتحريف من جهة الزيادة في القرآن أيضا ، لان كيفية الجمع المذكورة تستلزم ذلك ، ولا يمكن له أن يعتذر عن ذلك بأن حدالاعجاز في بلاغة القرآن يمنع من الزيادة عليه ، فلا تقاس الزيادة على النقيصة ، وذلك لان الاعجاز في بلاغة القرآن وإن كان يمنع عن الاتيان بمثل سورة من سوره ، ولكنه لا يمنع من الزيادة عليه بكلمة أو بكلمتين ، بل ولا بآية كاملة ، ولا سيما إذ اكانت قصيرة ، ولولا هذا الاحتمال لم تكن حاجة إلى شهادة شاهدين ، كما في روايا ت الجمع المتقدمة ، فإن الآية التي يأتي بها الرجل تثبت نفسها أنها من القرآن أو من غيره. وإذن فلا مناص للقائل بالتحريف من القول بالزيادة أيضا وهو خلاف إجماع المسلمين.

وخلاصة ما تقدم ، أن إسناد جمع القرآن إلى الخلفاء أمر موهوم ، مخالف للكتاب ، والسنة ، والاجماع ، والعقل ، فلا يمكن القائل بالتحريف أن يستدل به على دعواه ، ولو سلمنا أن جامع القرآن هو أبو بكر في أيام خلافته ، فلا ينبغي الشك في أن كيفية الجمع المذكورة في الروايات المتقدمة مكذوبة ، وأن جمع القرآن كان مستندا إلى التواتر بين المسلمين ، غاية الامر أن الجامع قد دون في المصحف ما كان محفوظا في الصدور على نحو التواتر.

نعم لا شك أن عثمان قد جمع القرآن في زمانه ، لا بمعنى أنه جمع الآيات والسور في مصحف ، بل بمعنى أنه جمع المسلمين على قراءة إمام واحد ، وأحرق

( البيان ـ ١٧ )

٢٥٧

المصاحف الاخرى التي تخالف ذلك المصحف ، وكتب إلى البلدان أن يحرقوا ما عندهم منها ، ونهى المسلمين عن الاختلاف في القراءة ، وقد صرح بهذا كثير من أعلام أهل السنة.

قال الحارث المحاسبي : المشهور عند الناس أن جامع القران عثمان ، وليس كذلك ، إنما حمل عثمان الناس على القراءة ، بوجه واحد ، على اختيار وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والانصار ، لما خشي الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات ، فأما قبل ذلك فقد كانت المصاحف بوجوه من القراءات المطلقات على الحروف السبعة التي أنزل بها القرآن ... (١).

أقول : أما أن عثمان جمع المسلمين على قراءة واحدة ، وهي القراءة التي كانت متعارفة بين المسلمين ، والتي تلقوها بالتواتر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنه منع عن القراءات الاخرى المبتنية على أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف ، التي تقدم توضيح بطلانها ، أما هذا العمل من عثمان فلم ينتقده عليه أحد من المسلمين ، وذلك لان الاختلاف في القراءة كان يؤدي إلى الاختلاف بين المسلمين ، وتمزيق صفوفهم ، وتفريق وحدتهم ، بل كان يؤدي إلى تكفير بعضهم بعضا. وقد مر ـ فيما تقدم ـ بعض الروايات الدالة على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله منع عن الاختلاف في القرآن ، ولكن الامر الذي انتقد عليه هو إحراقه لبقية المصاحف ، وأمره أهالي الامصار بإحراق ما عندهم من المصاحف ، وقد اعترض على عثمان في ذلك جماعة من المسلمين ، حتى سموه بحراق المصاحف.

__________________

١ ـ الاتقان ـ النوع ١٨ ج ١ ص ١٠٣.

٢٥٨

النتيجة :

ومما ذكرناه : قد تبين للقارئ أن حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال ، لا يقول به إلا من ضعف عقله ، أو من لم يتأمل في أطرافه حق التأمل ، أو من ألجأه إليه يجب القول به. والحب يعمي ويصم ، وأما العاقل المنصف المتدبر فلا يشك في بطلانه وخرافته.

٢٥٩
٢٦٠