البيان في تفسير القرآن

آية الله السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي

البيان في تفسير القرآن

المؤلف:

آية الله السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الزهراء
الطبعة: ٨
الصفحات: ٥٥٧

الكسائي. وقد توهم بعض الناس أن القراءات السبعة هي الاحرف السبعة ، وليس الامر كذلك ... وقد لام كثير من العلماء ابن مجاهد على اختياره عدد السبعة ، لما فيه من الايهام ... قال أحمد ابن عمار المهدوي : لقد فعل مسبع هذه السبعة ما لا ينبغي له ، وأشكل الامر على العامة بايهامه كل من قل نظره أن هذه القراءات هي المذكورة في الخبر ، وليته إذ اقتصر نقص عن السبعة أو زاد ليزيل الشبهة ... ».

وقال الاستاذ اسماعيل بن إبراهيم بن محم د القراب في الشافي :

« التمسك بقراءة سبعة من القراء دون غيرهم ليس فيه أثر ولا سنة ، وإنما هو من جمع بعض المتأخرين ، لم يكن قرأ بأكثر من السبع ، فصنف كتابا ، وسماه كتاب السبعة ، فانتشر ذلك في العامة ... ».

وقال الامام أبو محمد مكي :

« قد ذكر الناس من الائمة في كتبهم أكثر من سبعين ممن هو أعلى رتبة ، وأجل قدرا من هؤلاء السبعة ... فكيف يجوز أن يظن ظان أن هؤلاء السبعة المتأخرين ، قراءة كل واحد منهم أحد الحروف السبعة المنصوص عليها ـ هذا تخلف عظيم ـ أكان ذلك بنص من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم كيف ذلك!!! وكيف يكون ذلك؟ والكسائي إنما ألحق بالسبعة بالامس في أيام المأمون وغيره ـ وكان السابع يعقوب الحضرمي ـ فأثبت ابن مجاهد في سنة ثلاثمائة ونحوها الكسائي موضع يعقوب » (١).

وقال الشرف المرسي :

____________

١ ـ التبيان ص ٨٢.

( البيان ـ ١١ )

١٦١

وقد ظن كثير من العوام أن المراد بها ـ الاحرف السبعة ـ القراءات السبع ، وهو جهل قبيح (١).

وقال القرطبي :

« قال كثير من علمائنا كالداودي ، وابن أبي سفرة وغيرهما : هذه القراءات السبع ، التي تنسب لهؤلاء القراء السبعة ليست هي الاحرف السبعة التي اتسعت الصحابة في القراءة بها ، وإنما هي راجعة إلى حرف واحد من تلك السبعة ، وهو الذي جمع عليه عثمان المصحف. ذكره ابن النحاس وغيره وهذه القراءات المشهورة هي اختيارات أولئك الائمة القراء » (٢).

وتعرض ابن الجزري لابطال توهم من زعم أن الاحرف السبعة ، التي نزل بها القرآن مستمرة إلى اليوم. فقال :

« وأنت ترى ما في هذا القول ، فإن القراءات المشهورة اليوم عن السبعة والعشرة ، والثلاثة عشر بالنسبة إلى ما كان مشهورا في الاعصار الاول ، قل من كثر ، ونزر من بحر ، فإن من له اطلاع على ذلك يعرف علمه العلم اليقين ، وذلك أن القراء الذين أخذوا عن أولئك الائمة المتقدمين من السبعة ، وغيرهم كانوا أمما لا تحصى ، وطوائف لا تستقصى ، والذين أخذوا عنهم أيضا أكثر وهلم جرا. فلما كانت المائة الثالثة ، واتسع الخرق وقل الضبط ، وكان علم الكتاب والسنة أوفر ما كان في ذلك العصر ، تصدى بعض الائمة لضبط ما رواه من القراءات ، فكان أول إمام معتبر جمع القراءات في كتاب أبو عبيد القاسم بن سلام ، وجعلهم ـ فيما أحسب ـ خمسة وعشرين قارئا مع هؤلاء السبعة وتوفي سنة ٢٢٤ وكان بعده أحمد بن جبير بن محمد الكوفي نزيل أنطاكية ، جمع كتابا في قراءات الخمسة ، من كل مصر واحد. وتوفي سنة ٢٥٨ وكان بعده القاضي اسماعيل بن

__________________

١ ـ نفس المصدر ص ٦١.

٢ ـ تفسير القرطبي ج ١ ص ٤٦.

١٦٢

اسحاق المالكي صاحب قالون ، ألف كتابا في القراءات جمع فيه قراءة عشرين إماما ، منهم هؤلاء السبعة. توفي سنة ٢٨٢ وكان بعده الامام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، جمع كتابا سماه الجامع فيه نيف وعشرون قراءة. توفي سنة ٣١٠ وكان بعيده أبو بكر محمد بن أحمد بن عمر الداجوني ، جمع كتابا في القراءات ، وأدخل معهم أبا جعفر أحد العشرة. وتوفي سنة ٣٢٤ ، وكان في أثره أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد ، أول من اقتصر على قراءات هؤلاء السبعة فقط ، وروى فيه عن هذا الداجوني ، وعن ابن جرير أيضا. وتوفي سنة ٣٢٤.

ثم ذكر ابن الجزري جماعة ممن كتب في القراءة. فقال :

« وإنما أطلنا هذا الفصل ، لما بلغنا عن بعض من لا علم له أن القراءات الصحيحة هي التي عن هؤلاء السبعة ، أو أن الاحرف السبعة التي أشار إليها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي قراءة هؤلاء السبعة ، بل غلب على كثير من الجهال أن القراءات الصحيحة هي التي في الشاطبية والتيسير ، وأنها هي المشار إليها بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنزل القرآن على سبعة أحرف ، حتى أن بعضهم يطلق على ما لم يكن في هذين الكتابين أنه شاذ ، وكثير منهم يطلق على ما لم يكن عن هؤلاء السبعة شاذا ، وربما كان كثير مما لم يكن في الشاطبية والتيسير ، وعن غير هؤلاء السبعة أصح من كثير مما فيهما ، وإنما أوقع هؤلاء في الشبهة كونهم سمعوا أنزل القرآن على سبعة أحرف وسمعوا قراءات السبعة فظنوا أن هذه السبعة هي تلك المشار إليها ، ولذلك كره كثير من الائمة المتقدمين اقتصار ابن مجاهد على سبعة من القراء ، وخطأوه في ذلك ، وقالوا : ألا اقتصر على دون هذا العدد أو زاده ، أو بين مراده ليخلص من لا يعلم من هذه الشبهة. ثم نقل ابن الجزري ـ بعد ذلك ـ عن ابن عمار المهدوي ، وأبي محمد مكي ما تقدم نقله عنهما آنفا » (١).

__________________

١ ـ النشر في القراءات العشر ج ١ ص ٣٣ ـ ٣٧.

١٦٣

قال أبو شامة :

« ظن قوم أن القراءات السبع الموجودة الآن هي التي أريدت في الحديث ، وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة ، وإنما يظن ذلك بعض أهل الجهل » (١).

وبهذا الاستعراض قد استبان للقارئ ، وظهر له ظهورا تاما أن القراءات ليست متواترة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا عن القراء أنفسهم ، من غير فرق بين السبع وغيرها ، ولو سلمنا تواترها عن القراء فهي ليست متواترة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قطعا. فالقراءات إما أن تكون منقولة بالآحاد ، وإما أن تكون اجتهادات من القراء أنفسهم ، فلا بد لنامن البحث في موردين :

١ ـ حجية القراءات :

ذهب جماعة إلى حجية هذه القراءات ، فجوزوا أن يستدل بها على الحكم الشرعي ، كما استدل على حرمة وطئ الحائض بعد نقائها من الحيض وقبل أن تغتسل ، بقراءة الكوفيين ـ غير حفص ـ قوله تعالى : ولا تقربوهن حتى يطهرن بالتشديد.

الجواب :

ولكن الحق عدم حجية هذه القراءات ، فلا يستدل بها على الحكم الشرعي. والدليل على ذلك أن كل واحد من هؤلاء القراء يحتمل فيه الغلط والاشتباه ، ولم يرد دليل من العقل ، ولا من الشرع على وجوب اتباع قارئ منهم بالخصوص ، وقد استقل العقل ، وحكم الشرع بالمنع عن اتباع غير العلم. وسيأتي توضيح ذلك إن شاء الله تعالى.

__________________

١ ـ الاتقان النوع ٢٢ ـ ٢٧ ج ١ ص ١٣٨.

١٦٤

ولعل أحدا يحاول أن يقول : إن القراءات ـ وإن لم تكن متواترة ـ إلا أنها منقولة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتشملها الادلة القطعية التي أثبتت حجية الخبر الواحد ، وإذا شملتها هذه الادلة القطعية خرج الاستناد إليها عن العمل بالظن بالورود ، أوالحكومة ، أو التخصيص(١).

الجواب :

أولا : ان القراءات لم يتضح كونها رواية ، لتشملها هذه الادلة ، فلعلها اجتهادات من القراء ، ويؤيد هذا الاحتمال ما تقدم من تصريح بعض الاعلام بذلك ، بل إذا لاحظنا السبب الذي من أجله اختلف القراء في قراءاتهم ـ وهو خلو المصاحف المرسلة إلى الجهات من النقط والشكل ـ يقوى هذا الاحتمال جدا.

قال ابن أبي هاشم :

« إن السبب في اختلاف القراءات السبع وغيرها. ان الجهات التي وجهت إليها المصاحف كان بها من الصحابة من حمل عنه أهل تلك الجهة وكانت المصاحف خالية من النقط والشكل. قال : فثبت أهل كل ناحية على ما كانوا تلقوه سماعا عن الصحابة ، بشرط موافقة الخط ، وتركوا ما يخالف الخط ... فمن ثم نشأ الاختلاف بين قراء الامصار (٢).

وقال الزرقاني :

« كان العلماء في الصدر الاول يرون كراهة نقط المصحف وشكله ، مبالغة منهم في المحافظة على أداء القرآن كما رسمه المصحف ، وخوفا من أن يؤدي ذلك

__________________

١ ـ وقد أوضحنا الفرق بين هذه المعاني في مبحث التعادل والترجيح في محاضراتنا الاصولية المنتشرة.

٢ ـ التبيان ص ٨٦.

١٦٥

إلى التغيير فيه ... ولكن الزمان تغير ـ كما علمت ـ فاضطر المسلمون إلى إعجام المصحف وشكله لنفس ذلك السبب ، أي للمحافظة على أداء القرآن كما رسمه المصحف ، وخوفا من أن يؤدي تجرده من النقط والشكل إلى التغيير فيه (١).

ثانيا : ان رواة كل قراءة من هذه القراءات ، لم تثبت وثاقتهم أجمع ، فلا تشمل أدلة حجية خبر الثقة روايتهم. ويظهر ذلك مما قدمناه في ترجمة أحوال القراء ورواتهم.

ثالثا : إنا لو سلمنا أن القراءات كلها تستند إلى الرواية ، وأن جميع رواتها ثقات ، إلا أنا نعلم علما إجماليا أن بعض هذه القراءات لم تصدر عن النبي قطعا ، ومن الواضح أن مثل هذا العلم يوجب التعارض بين تلك الروايات وتكون كل واحدة منها مكذبة للاخرى ، فتسقط جميعها عن الحجية ، فإن تخصيص بعضها بالاعتبار ترجيح بلا مرجح ، فلا بد من الرجوع إلى مرجحات باب المعارضة ، وبدونه لا يجوز الاحتجاج على الحكم الشرعي بواحدة من تلك القراءات.

وهذه النتيجة حاصلة أيضا إذا قلنا بتواتر القراءات. فإن تواتر القراءتين المختلفتين عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يورث القطع بأن كلا من القراءتين قرآن منزل من الله ، فلا يكون بينهما تعارض بحسب السند ، بل يكون التعارض بينهما بحسب الدلالة. فإذا علمنا إجمالا أن أحد الظاهرين غير مراد في الواقع فلا بد من القول بتساقطهما ، والرجوع إلى الاصل اللفظي أو العملي ، لان أدلة الترجيح ، أو التخيير تختص بالادلة التي يكون سندها ظنيا ، فلا تعم ما يكون صدوره قطعيا. وتفصيل ذلك كله في بحث التعادل والترجيح من علم الاصول.

__________________

١ ـ مناهل العرفان ص ٤٠٢ الطبعة الثانية.

١٦٦

٢ ـ جواز القراءة بها في الصلاة :

ذهب الجمهور من علماء الفريقين إلى جواز القراءة بكل واحدة من القراءات السبع في الصلاة ، بل ادعي على ذلك الاجماع في كلمات غير واحد منهم وجوز بعضهم القراءة بكل واحدة من العشر ، وقال بعضهم بجواز القراءة بكل قراءة وافقت العربية ولو بوجه ، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا ، وصح سندها ، ولم يحصرها في عدد معين.

والحق : ان الذي تقتضيه القاعدة الاولية ، هو عدم جواز القراءة في الصلاة بكل قراءة لم تثبت القراءة بها من النبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو من أحد أوصيائه المعصومين عليهم‌السلام ، لان الواجب في الصلاة هو قراءة القرآن فلا يكفي قراءة شيء لم يحرز كونه قرآنا ، وقد استقل العقل بوجوب إحراز الفراغ اليقيني بعد العلم باشتغال الذمة ، وعلى ذلك فلا بد من تكرار الصلاة بعد القراءات المختلفة أو تكرار مورد الاختلاف في الصلاة الواحدة ، لاحراز الامتثال القطعي ، ففي سورة الفاتحة يجب الجمع بين قراءة مالك ، وقراءة ملك. أما السورة التامة التي تجب قراءتها بعد الحمد ـ بناء على الاظهر ـ فيجب لها إما اختيار سورة ليس فيها اختلاف في القراءة ، وإما التكرار على النحو المتقدم.

وأما بالنظر إلى ما ثبت قطعيا من تقرير المعصومين عليهم‌السلام شيعتهم على القراءة ، بأية واحدة من القراءات المعروفة في زمانهم ، فلا شك في كفاية كل واحدة منها. فقد كانت هذه القراءات معروفة في زمانهم ، ولم يرد عنهم أنهم ردعوا عن بعضها ، ولو ثبت الردع لوصل الينا بالتواتر ، ولا أقل من نقله بالآحاد ، بل ورد عنهم عليهم‌السلام إمضاء هذه القراءات بقولهم : إقرأ كما يقرأ الناس. إقرؤا كما علمتم (١). وعلى ذلك فلا معنى لتخصيص

__________________

١ ـ الكافي : باب النوادر كتاب فضل القرآن.

١٦٧

الجواز بالقراءات السبع أو العشر ، نعم يعتبر في الجواز أن لا تكون القراءة شاذة ، غير ثابتة بنقل الثقات عند علماء أهل السنة ، ولا موضوعة ، أما الشاذة فمثالها قراءة ملك يوم الدين بصيغة الماضي ونصب يوم ، وأما الموضوعة فمثالها قراءة إنما يخشى الله من عباده العلماء برفع كلمة الله ونصب كلمة العلماء على قراءة الخزاعي عن أبي حنيفة.

وصفوة القول : أنه تجوز القراءة في الصلاة بكل قراءة كانت متعارفة في زمان أهل البيت عليهم‌السلام.

١٦٨

هل نزل القرآن على سبعة أحرف؟!!

١٦٩

عرض الروايات حول نزول القرآن على سبعة أحرف. تفنيد تلك الروايات. عدم رجوع نزول القرآن على سبعة أحرف إلى معنى معقول. الوجوه العشرة التي ذكروها تفسيرا للاحرف السبعة. بيان فساد تلك الوجوه.

١٧٠

لقد ورد في روايات أهل السنة : أن القرآن انزل على سبعة أحرف ، فيحسن بناأن نتعرض إلى التحقيق في ذلك بعد ذكر هذه الروايات :

١ ـ أخرج الطبري عن يونس وأبي كريب ، بإسنادهما عن ابن شهاب ، بإسناده عن ابن عباس ، حدثه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

« أقر أني جبرئيل على حرف فراجعته ، فلم أزل استزيده فيزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف ».

ورواها مسلم عن حرملة عن ابن وهب عن يونس (١) ورواها البخاري بسند آخر (٢) وروى مضمونها عن ابن البرقي ، بإسناده عن ابن عباس.

٢ ـ وأخرج عن أبي كريب ، بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن جده عن أبي بن كعب قال :

« كنت في المسجد فدخل رجل يصلي فقرأ قراءة أنكرتها عليه ، ثم دخل رجل آخر فقرأ قراءة

__________________

١ ـ صحيح مسلم باب ان القرآن انزل على سبعة أحرف ج ٢ ص ٢٠٢ طبعة محمد علي صبيح بمصر.

٢ ـ صحيح البخاري باب انزل القرآن على سبعة أحرف ج ٦ ص ١٠٠ طبعة دار الخلافة. المطبعة العامرة.

١٧١

غير قراءة صاحبه ، فدخلنا جميعا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : فقلت يا رسول الله إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه ، ثم دخل هذا فقرأ قراءة غير قراءة صاحبه ، فأمرهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقرءا ، فحسن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شأنهما ، فوقع في نفسي من التكذيب ، ولا إذ كنت في الجاهلية فلما رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما غشيني ضرب في صدري ، ففضت عرقا كأنما أنظر إلى الله فرقا. فقال لي : يا أبي أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف ، فرددت عليه أن هون على امتي ، فرد علي في الثانية أن اقرأ القرآن على حرف (١) فرددت عليه أن هون على امتي ، فرد علي في الثالثة ان اقرأه على سبعة أحرف ، ولك بكل ردة رددتها مسألة تسألنيها. فقلت : اللهم اغفر لامتي. اللهم اغفر لامتي ، وأخرت الثالثة ليوم يرغب فيه إلى الخلق كلهم حتى إبراهيم عليه‌السلام ».

وهذه الرواية رواها مسلم أيضا بأدنى اختلاف (٢). وأخرجها الطبري عن أبي كريب بطرق أخرق باختلاف يسير أيضا. وروى ما يقرب من مضمونها عن طريق يونس بن عبد الاعلى وعن طريق محمد بن عبد الاعلى الصنعاني عن أبي.

٣ ـ وأخرج عن أبي كريب ، بإسناده عن سليمان بن صرد عن أبي ابن كعب قال :

__________________

١ ـ هكذا في النسخة ، وفي صحيح مسلم : على حرفين.

٢ ـ صحيح مسلم ج ٢ ص ٢٠٣.

١٧٢

« رحت إلى المسجد فسمعت رجلا يقرأ. فقلت : من أقرأك؟ فقال : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فانطلقت به إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت : استقرئ هذا ، فقرأ. فقال : أحسنت. قال : فقلت إنك أقرأتني كذا وكذا فقال : وأنت قد أحسنت. قال : فقلت قد أحسنت قد أحسنت. قال : فضرت بيده على صدري ، ثم قال : اللهم أذهب عن ابي الشك. قال : ففضت عرقا وامتلا جوفي فرقا ، ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الملكين أتياني. فقال أحدهما : اقرأ القرآن على حرف ، وقال الآخر : زده قال : فقلت زدني. قال : اقرأه على حرفين حتى بلغ سبعة أحرف. فقال : اقرأ على سبعة أحرف ».

٤ ـ وأخرج عن أبي كريب ، بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال :

« قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قال جبرئيل : اقرأ القرآن على حرف. فقال ميكائيل : استزده. فقال : على حرفين ، حتى بلغ ستة أو سبعة أحرف ـ والشك من أبي كريب ـ فقال : كلها شاف كاف. ما لم تختم آية عذاب برحمة ، أو آية رحمة بعذاب كقولك : هلم وتعال ».

٥ ـ وأخرج عن أحمد بن منصور ، بإسناده عن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن جده قال :

« قرأ رجل عند عمر بن الخطاب فغير عليه فقال : لقد قرأت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يغير

١٧٣

علي قال : فاختصما عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله ألم تقرئني آية كذا وكذا؟ قال : بلى. فوقع في صدر عمر شئ فعرف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك في وجهه. قال : فضرب صدره. وقال : أبعد شيطانا ، قالها ثلاثا ثم قال : يا عمر إن القرآن كله سواء ، ما لم تجعل رحمة عذابا وعذابا رحمة ».

وأخرج عن يونس بن عبد الاعلى ، بإسناده عن عمر بن الخطاب قضية مع هشام بن حكيم تشبه هذه القصة. وروى البخاري ومسلم والترمذي قصة عمر مع هشام بإسناد غير ذلك ، واختلاف في ألفاظ الحديث (١).

٦ ـ وأخرج عن محمد بن المثنى ، بإسناده عن ابن أبي ليلى عن أبي بن كعب أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان عند أضاءة بني غفار قال :

« فأتاه جبرئيل. فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف. فقال : اسأل الله معافاته ومغفرته ، وإن أمتي لا تطيق ذلك. قال : ثم أتاه الثانية. فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرفين. فقال : أسأل الله معافاته ومغفرته ، وإن امتي لا تطيق ذلك ، ثم جاء الثالثة. فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف. فقال : أسأل الله معافاته ومغفرته ، وإن امتي لا تطيق ذلك ، ثم جاء الرابعة. فقال : إن الله يأمرك أن

__________________

١ ـ صحيح مسلم ج ٢ ص ٢٠٢ ، وصحيح البخاري ج ٣ ص ٩٠ ، وج ٦ ص ١٠٠ ، ١١١ ، وج ٨ ص ٥٣ ، ٢١٥ ، وصحيح الترمذي بشرح ابن العربي باب ما جاء انزل القرآن على سبعة أحرف ج ١١ ص ٦٠.

١٧٤

تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف ، فأيما حرف قرأوا عليه فقد أصابوا ».

ورواها مسلم أيضا في صحيحه (١). وأخرج الطبري أيضا نحوها عن أبي كريب ، بإسناده عن ابن أبي ليلى عن أبي بن كعب. وأخرج أيضا بعضها عن أحمد بن محمد الطوسي ، بإسناده عن ابن أبي ليلى عن أبي بن كعب باختلاف يسير. وأخرجها أيضا عن محمد بن المثنى ، بإسناده عن أبي بن كعب.

٧ ـ وأخرج عن أبي كريب باسناده عن زر عن أبي قال :

« لقي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جبرئيل عند أحجار المراء. فقال : إني بعثت إلى أمة أميين منهم الغلام والخادم ، وفيهم الشيخ الفاني والعجوز. فقال جبرئيل : فليقرأوا القرآن على سبعة أحرف » (٢).

٨ ـ وأخرج عن عمرو بن عثمان العثماني ، بإسناده عن المقبري عن أبي هريرة أنه قال :

« قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن هذا القرآن انزل على سبعة أحرف ، فاقرأوا ولا حرج ، ولكن لا تختموا ذكر رحمة بعذاب ، ولا ذكر عذاب برحمة ».

٩ ـ وأخرج عن عبيد بن اسباط ، باسناده عن أبي سلمة عن أبي هريرة. قال :

__________________

١ ـ صحيح مسلم ج ٢ ص ٢٠٣.

٢ ـ ورواها الترمذي أيضا بأدنى اختلاف ج ١١ ص ٦٢.

١٧٥

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « انزل القرآن على سبعة أحرف. عليم. حكيم. غفور. رحيم ».

وأخرج عن أبي كريب ، باسناده عن أبي سلمة عن أبي هريرة مثله.

١٠ ـ وأخرج عن سعيد بن يحيى ، باسناده عن عاصم عن زرعن عبد الله ابن مسعود قال :

« تمارينا في سورة من القرآن ، فقلنا : خمس وثلاثون ، أو ست وثلاثون آية. قال : فانطلقنا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوجدنا عليا يناجيه. قال : فقلناإنما اختلفنا في القراءة. قال : فاحمر وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم بينهم. قال : ثم أسر إلى علي شيئا. فقال لنا علي : إن رسول الله يأمركم أن تقرأوا كما علمتم » (١).

١١ ـ وأخرج القرطبي عن أبي داود عن أبي قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« يا أبي إني قرأت القرآن. فقيل لي : على حرف أو حرفين. فقال الملك الذي معي : قل على حرفين. فقيل لي : على حرفين أو ثلاثة. فقال الملك الذي معي : قل على ثلاثة ، حتى بلغ سبعة أحرف ، ثم قال : ليس منها إلا شاف كاف ، إن قلت سميعا ، عليما ، عزيزا ، حكيما ، ما لم تخلط آية عذاب برحمة ، أو آية رحمة بعذاب » (٢).

__________________

١ ـ هذه الروايات كلها مذكورة في تفسير الطبري ج ١ ص ٩ ـ ١٥.

٢ ـ تفسير القرطبي ج ١ ص ٤٣.

١٧٦

هذه أهم الروايات التي رويت في هذا المعنى ، وكلها من طرق أهل السنة ، وهي مخالفة لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال :

« إن القرآن واحد نزل من عند واحد ، ولكن الاختلاف يجئ من قبل الرواة » (١).

وقد سأل الفضيل بن يسار أبا عبد الله عليه‌السلام فقال : إن الناس يقولون : إن القرآن نزل على سبعة أحرف. فقال أبو عبد الله عليه‌السلام :

« كذبوا ـ أعداء الله ـ ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد » (٢).

وقد تقدم إجمالا أن المراجع بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في امور الدين ، إنما هو كتاب الله وأهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وسيأتي توضيحه مفصلا بعد ذلك إن شاء الله تعالى ولا قيمة للروايات إذا كانت مخالفة لما يصح عنهم. ولذلك لا يهمنا أن نتكلم عن أسانيد هذه الروايات. وهذا أول شيء تسقط به الرواية عن الاعتبار والحجية. ويضاف إلى ذلك ما بين هذه الروايات من التخالف والتناقض ، وما في بعضها من عدم التناسب بين السؤال والجواب.

تهافت الروايات :

فمن التناقض أن بعض الروايات دل على أن جبرئيل أقرأ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حرف فاستزاده النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فزاده ، حتى انتهى إلى سبعة أحرف ، وهذا يدل

__________________

١ ـ اصول الكافي كتاب فضل القرآن ـ باب النوادر ، الرواية : ١٢.

٢ ـ اصول الكافي كتاب فضل القرآن ـ باب النوادر ، الرواية : ١٣.

( البيان ـ ١٢ )

١٧٧

على أن الزيادة كانت على التدريج ، وفي بعضها أن الزيادة كانت مرة واحدة في المرة الثالثة ، وفي بعضها أن الله أمره في المرة الثالثة أن يقرأ القرآن على ثلاثة أحرف ، وكان الامر بقراءة سبع في المرة الرابعة.

ومن التناقض أن بعض الروايات يدل على أن الزيادة كلها كانت في مجلس واحد ، وأن طلب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الزيادة كان بإرشاد ميكائيل ، فزاده جبرئيل حتى بلغ سبعا ، وبعضها يدل على أن جبرئيل كان ينطلق ويعود مرة بعد مرة.

ومن التناقض أن بعض الروايات يقول : إن أبي دخل المسجد ، فرأى رجلا يقرأ على خلاف قراءته. وفي بعضها أنه كان في المسجد ، فدخل رجلان وقرءا على خلاف قراءته. وقد وقع فيها الاختلاف أيضا فيما قاله النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ لابي .. إلى غير ذلك من الاختلاف.

ومن عدم التناسب بين السؤال والجواب ، ما في رواية ابن مسعود من قول علي عليه‌السلام إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأمركم أن تقرؤا كما علمتم. فإن هذا الجواب لا يرتبط بما وقع فيه النزاع من الاختلاف في عدد الآيات. أضف إلى جميع ذلك أنه لا يرجع نزول القرآن على سبعة أحرف إلى معنى معقول ، ولا يتحصل للناظر فيها معنى صحيح.

وجوه الاحرف السبعة :

وقد ذكروا في توجيه نزول القرآن على سبعة أحرف وجوها كثيرة نتعرض للمهم منها مع مناقشتها وبيان فسادها :

١ ـ المعاني المتقاربة :

إن المراد سبعة أوجه من المعاني المتقاربة بألفاظ مختلفة نحو عجل ، وأسرع ، واسع وكانت هذه الاحرف باقية إلى زمان عثمان فحصرها عثمان

١٧٨

بحرف واحد ، وأمر بإحراق بقية المصاحف التي كانت على غيره من الحروف الستة. واختار هذا الوجه الطبري (١) وجماعة. وذكر القرطبي أنه مختار أكثر أهل العلم (٢). وكذلك قال أبو عمرو بن عبد البر (٣).

واستدلوا على ذلك برواية ابن أبي بكرة ، وأبي داود ، وغيرهما مما تقدم. وبرواية يونس بإسناده عن ابن شهاب. قال :

« أخبرني سعيد بن المسيب أن الذي ذكر الله تعالى ذكره :

( إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ١٦ : ١٠٣ ).

إنما افتتن أنه كان يكتب الوحي ، فكان يملي عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سميع عليم ، أو عزيز حكيم ، وغير ذلك من خواتم الآي ، ثم يشتغل عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو على الوحي ، فيستفهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيقول : أعزيز حكيم ، أو سميع عليم ، أو عزيز عليم؟ فيقول له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أي ذلك كتبت فهو كذلك ، ففتنه ذلك. فقال : إن محمدا أوكل ذلك إلي فاكتب ما شئت ».

واستدلوا أيضا بقراءة أنس إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأصوب قيلا فقال له بعض القوم : يا أبا حمزة إنما هي وأقوم فقال : أقوم ، وأصوب ، وأهدى واحد. وبقراءة ابن مسعود إن كانت إلا زقية واحدة (٤).

__________________

١ ـ تفسير الطبري ج ١ ص ١٥.

٢ ـ تفسير القرطبي ج ١ ص ٤٢.

٣ ـ التبيان ص ٣٩.

٤ ـ تفسير الطبري ج ١ ص ١٨.

١٧٩

وبما رواه الطبري عن محمد بن بشار ، وأبي السائب بإسنادهما عن همام : أن أبا الدرداء كان يقرئ رجلا :

( إن شجرة الزقوم. طعام الاثيم ٤٤ : ٤٤ ).

قال : فجعل الرجل يقول : إن شجرة الزقوم طعام اليتيم قال : فلما أكثر عليه أبو الدرداء فرآه لا يفهم. قال : إن شجرة الزقوم طعام الفاجر (١).

واستدلوا أيضا على ذلك بما تقدم من الروايات الدالة على التوسعة : ما لم تختم آية رحمة بعذاب ، أو آية عذاب برحمة.

فإن هذا التحديد لا معنى له إلا أن يراد بالسبعة أحرف جواز تبديل بعض الكلمات ببعض. فاستثنى من ذلك ختم آية عذاب برحمة ، أو آية رحمة بعذاب. وبمقتضى هذه الروايات لا بد من حمل روايات السبعة أحرف على ذلك بعدد بحملها إلى مبينها.

إن جميع ما ذكر لها من المعاني أجنبي عن مورد الروايات ـ وستعرف ذلك ـ وعلى هذا فلا بد من طرح الروايات ، لان الالتزام بمفادها غير ممكن.

والدليل على ذلك :

أولا : ان هذا إنما يتم في بعض معاني القرآن ، التي يمكن أن يعبر عنها بألفاظ سبعة متقاربة. ومن الضروري أن أكثر القرآن لا يتم فيه ذلك ، فكيف تتصور هذه الحروف السبعة التي نزل بها القرآن؟.

ثانيا : إن كان المراد من هذا الوجه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد جوز تبديل

__________________

١ ـ تفسير الطبري ج ٢٥ ص ٧٨ عند تفسير الآية المباركة.

١٨٠