البيان في تفسير القرآن

آية الله السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي

البيان في تفسير القرآن

المؤلف:

آية الله السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الزهراء
الطبعة: ٨
الصفحات: ٥٥٧

(٧)

الكسائي الكوفي

هو علي بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فيروز الاسدي ، مولاهم من أولاد الفرس. قال ابن الجزري : الامام الذي انتهت إليه رئاسة الاقراء بالكوفة بعد حمزة الزيات. أخذ القراءة عرضا عن حمزة أربع مرات وعليه اعتماده. وقال أبو عبيد في كتاب القراءات : كان الكسائي : يتخير القراءات فأخذ من قراءة حمزة ببعض وترك بعضا واختلف في تاريخ موته ، فالصحيح الذي أرخه غير واحد من العلماء والحفاظ سنة ١٨٩ (١). أخذ القراءة عن حمزة الزيات مذاكرة ، وعن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى ، وعيسى بن عمرو الاعمش ، وأبي بكر بن عياش ، وسمع منهم الحديث ، ومن سليمان بن أرقم ، وجعفر الصادق عليه‌السلام ، والعزرمي ، وابن عيينة ... وعلم الرشيد ، ثم علم ولده الامين (٢) وحدث المرزباني فيما رفعه إلى ابن الاعرابي ، قال : كان الكسائي أعلم الناس على رهق فيه ، كان يديم شرب النبيذ ، ويجاهر ب‍ ... إلا أنه كان

____________

١ ـ طبقات القراء ج ١ ص ٥٣٥.

٢ ـ تهذيب التهذيب ج ٧ ص ٣١٣.

١٤١

ضابطا قارئا علما بالعربية صدوقا (١).

وللكسائي راويان بغير واسطة. هما الليث بن خالد ، وحفص بن عمر. أما الليث : فهو أبو الحارث بن خالد البغدادي. قال ابن الجزري : ثقة معروف حاذق ضابط. عرض على الكسائي وهو من أجلة أصحابه مات سنة ٢٤٠ (٢).

أقول : الكلام في رواة قراءته كما تقدم.

وأما حفص بن عمر الدوري فقد تقدمت ترجمته عند ترجمة عاصم. هذا ما أردنا نقله من ترجمة القراء السبعة ، ورواة قراءاتهم ، وقد نظم أسماءهم ، وأسماء رواتهم القاسم بن فيره في قصيدته اللامية المعروفة بالشاطبية.

وأما الثلاثة المتممة للعشرة فهم : خلف ، ويعقوب ، ويزيد بن القعقاع.

__________________

١ ـ معجم الادباء ج ٥ ص ١٨٥.

٢ ـ طبقات القراء ج ٢ ص ٣٤.

١٤٢

(٨)

خلف بن هشام البزار

تقدمت ترجمته عند ترجمة حمزة ، ولقراءته راويان ، هما : إسحاق ، وإدريس.

أما إسحاق : فقال فيه ابن الجزري : إسحاق بن إبراهيم بن عثمان بن عبد الله أبو يعقوب المروزي ثم البغدادي ، وراق خلف ، وراوي اختياره عنه ، ثقة. توفي سنة ٢٨٦ (١).

أقول : الكلام فيمن قرأ عليه كما تقدم.

وأما إدريس : فقال فيه ابن الجزري : إدريس بن عبد الكريم الحداد أبو الحسن البغدادي ، إمام ضابط ، متقن ثقة. قرأ على خلف بن هشام. سئل عنه الدارقطني فقال : ثقة وفوق الثقة بدرجة. توفي سنة ٢٩٢ (٢).

أقول : الكلام فيمن روى القراءة عنه كما تقدم.

__________________

١ ـ طبقات القراء ج ١ ص ١٥٥.

٢ ـ نفس المصدر ص ١٥٤.

١٤٣

(٩)

يعقوب بن إسحاق

هو يعقوب بن إسحاق بن زيد بن عبد الله أبو محمد الحضرمي ، مولاهم البصري. قال ابن الجزري : أحد القراء العشرة. قال يعقوب : قرأت على سلام في سنة ونصف ، وقرأت على شهاب بن شرنفة المجاشعي في خمسة أيام ، وقرأ شهاب على مسلمة بن محارب المحاربي في تسعة أيام ، وقرأ مسلمة على أبي الاسود الدؤلي على علي عليه‌السلام. مات في ذي الحجة سنة ٢٠٥ ، وله ثمان وثمانون سنة (١). قال أحمد وأبو حاتم : صدوق. وذكره ابن حيان في الثقات. وقال ابن سعد : ليس هو عندهم بذاك الثبت (٢).

وليعقوب راويان ، هما : رويس ، وروح.

أما رويس : فهو محمد بن المتوكل أبو عبد الله اللؤلؤي البصري. قال ابن الجزري : مقرئ حاذق ضابط مشهور أخذ القراءة عرضا عن يعقوب الحضرمي. قال الداني : وهو من أحذق أصحابه. روى القراءة عنه

__________________

١ ـ طبقات القراء ج ٢ ص ٣٨.

٢ ـ تهذيب التهذيب ج ١١ ص ٣٨٢.

١٤٤

عرضا محمد بن هارون التمار ، والامام أبو عبد الله الزبير بن أحمد الزبيري الشافعي. توفي سنة ٣٣٨ (١).

وأما روح : فهو أبو الحسن بن عبد المؤمن الهذلي ، مولاهم البصري النحوي. قال ابن الجزري : مقرئ جليل ثقة ضابط مشهور. عرض على يعقوب الحضرمي ، وهو من أجلة أصحابه ، توفي سنة ٢٣٥ أو ٢٣٤ (٢).

أقول : الكلام فيمن عرض القراءة عليه كما تقدم.

__________________

١ ـ طبقات القراء ج ٢ ص ٢٣٤.

٢ ـ نفس المصدر ج ١ ص ٢٨٥.

( البيان ـ ١٠ )

١٤٥

(١٠)

يزيد بن القعقاع

١٠

قال ابن الجزري : يزيد بن القعقاع الامام أبو جعفر المخزومي المدني القارئ. أحد القراء العشرة تابعي مشهور كبير القدر. عرض القرآن على مولاه عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة ، وعبد الله بن عباس ، وأبي هريرة. قال يحيى بن معين : كان إمام أهل المدينة في القراءة فسمي القارئ بذلك ، وكان ثقة قليل الحديث. وقال ابن أبي حاتم : سألت أبي عنه فقال : صالح الحديث. مات بالمدينة سنة ١٣٠ (١).

ولابي جعفر راويان ، هما : عيسى ، وابن جماز.

أما عيسى : فهو أبو الحارث عيسى بن وردان المدني الحذاء. قال ابن الجزري : إمام مقرئ حاذق ، وراو محقق ضابط. عرض على أبي جعفر وشيبة ثم عرض على نافع. قال الداني : هو من أجلة أصحاب نافع وقد مائهم ، وقد شاركه في الاسناد. مات ـ فيما أحسبب ـ في حدود سنة ١٦٠ (٢).

__________________

١ ـ طبقات القراء ج ٢ ص ٣٨٢.

٢ ـ نفس المصدر ج ١ ص ٦١٦.

١٤٦

أقول : الكلام فيمن عرض عليه كما تقدم.

وأما ابن جماز : فهو سليمان بن مسلم بن جماز أبو الربيع الزهري مولاهم المدني. قال ابن الجزري : مقرئ جليل ضابط. عرض على أبي جعفر ، وشيبة على ما في كتابي الكامل والمستنير ، ثم عرض على نافع على ما في الكامل. مات بعد سنة ١٧٠ فيما أحسب (١).

إن من ذكرناهم من رواة القراء العشرة هم المعروفون بين أهل التراجم. وأما القراءة المروية بغير ما ذكرناه من الطرق فغير مضبوطة. وقد وقع الخلاف بين المترجمين في رواة اخرى لهم. وقد أشرنا إلى هذا ـ فيما تقدم ـ ولذلك لم نتعرض ـ هنا ـ لذكرهم.

__________________

١ ـ طبقات القراء ج ١ ص ٣١٥.

١٤٧
١٤٨

نظرة في القراءات

١٤٩

تواتر القران من الضروريات. ليست القراءات متواترة. تصريحات أرباب الفن بعدم تواتر القراءات. نقد ما استدل به على تواتر القراءات. ليست الاحرف السبع هي القراءات السبع. حجية القراءات. جواز القراءة بها في الصلاة.

١٥٠

قد أسلفنا في التمهيد من بحث أضواء على القراء بعض الآراء حول تواتر القراءات وعدمه وأشرنا إلى ما ذهب إليه المحققون من نفي تواتر القراءات ، مع أن المسلمين قد أطبقوا على تواتر القرآن نفسه. والآن نبدأ بالاستدلال على ما اخترناه من عدم تواترها بأمور :

الاول : إن استقراء حال الرواة يورث القطع بأن القراءات نقلت الينا بأخبار الآحاد. وقد اتضح ذلك فيما أسلفناه في تراجمهم فكيف تصح دعوى القطع بتواترها عن القراء. على أن بعض هؤلاء الرواة لم تثبت وثاقته.

الثاني : إن التأمل في الطرق التي أخذ عنها القراء ، يدلنا دلالة قطعية على أن هذه القراءات إنما نقلت إليهم بطريق الآحاد.

الثالث : اتصال أسانيد القراءات بالقراء أنفسهم يقطع تواتر الاسانيد حتى لو كانت رواتها في جميع الطبقات ممن يمتنع تواطؤهم على الكذب ، فإن كل قارئ إنما ينقل قراءته بنفسه.

الرابع : احتجاج كل قارئ من هؤلاء على صحة قراءته ، واحتجاج تابعيه على ذلك أيضا ، وإعراضه عن قراة غيره دليل قطعي على أن القراءات تستند إلى اجتهاد القراء وآرائهم ، لانها لو كانت متواترة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يحتج في إثبات صحتها إلى الاستدلال والاحتجاج.

الخامس : ان في إنكار جملة من أعلام المحققين على جملة من القراءات دلالة

١٥١

واضحة على عدم تواترها ، إذلو كانت متواترة لما صح هذا الانكار فهذا ابن جرير الطبري أنكرقراءة ابن عامر ، وطعن في كثير من المواضع في بعض القراءات المذكورة في السبع ، وطعن بعضهم على قراءة حمزة ، وبعضهم على قراءة أبي عمرو ، وبعضهم على قراءة ابن كثير. وأن كثيرا من العلماء أنكروا تواتر ما لا يظهر وجهه في اللغة العربية ، وحكموا بوقوع الخطأ فيه من بعض القراء (١) وقد تقدم في ترجمة حمزة إنكار قراءته من إمام الحنابلة أحمد ، ومن يزيد بن هارون ، ومن ابن مهدى (٢) ومن أبي بكر بن عياش ، ومن ابن دريد.

قال الزركشي : ـ بعدما اختار أن القراءات توقيفية ـ خلافا لجماعة منهم الزمخشري ، حيث ظنوا أنها اختيارية ، تدور مع اختيار الفصحاء ، واجتهاد البلغاء ، ورد على حمزة قراءة والارحام بالخفض ، ومثل ما حكي عن أبي زيد ، والاصمعي ، ويعقوب الحضرمي أنهم خطأوا حمزة في قراءته وما أنتم بمصر خي بكسر الياء المشددة ، وكذلك أنكروا على أبي عمرو إدغامه الراء في اللام في يغفر لكم. وقال الزجاج : إنه غلط فاحش (٣).

تصريحات نفاة تواتر القراءات :

وقد رأينا من المناسب أن نذكر من كلمات خبراء الفن ممن صرح بعدم تواتر القراءات ليظهر الحق في السمألة بأجلى صوره :

__________________

١ ـ التبيان ص ١٠٦ للمعتصم بالله طاهر بن صالح بن أحمد الجزائري. طبع في مطبعة النار سنة ١٣٣٤.

٢ ـ هو عبد الرحمن بن مهدي قال في تهذيب التهذيب ج ٦ ص ٢٨٠ : قال أحمد بن سنان : سمعت علي بن المديني يقول : كان عبد الرحمن بن مهدي أعلم الناس ، قالها مرارا. وقال الخليلي : هو إمام بلا مدافعة. وقال الشافعي : لاأعرف له نظيرا في الدنيا.

٣ ـ التبيان ص ٨٧.

١٥٢

(١)

قال ابن الجزري : كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه ، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمال ، وصح سندها فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها ، ولا يحل إنكارها ، بل هي من الاحرف السبعة التي نزل بها القرآن ، ووجب على الناس قبولها سواء كانت عن الائمة السبعة أم عن العشرة ، أم عن غيرهم من الائمة المقبولين ، ومتى اختل ركن من هذه الاركان الثلاثة أطلق عليها ضعيفة ، أو شاذة ، أو باطلة سواء كانت من السبعة أم عمن هو أكبر منهم.

هذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف والخلف. صرح بذلك الامام الحافظ أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني ، ونص عليه في غير موضع الامام أبو محمد مكي بن أبي طالب ، وكذلك الامام أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي ، وحققه الامام الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن بن اسماعيل المعروف بأبي شامة وهو مذهب السلف الذي لا يعرف عن أحد منهم خلافه.

(٢)

وقال أبو شامة في كتابه المرشد الوجيز : فلا ينبغي أن يغتر بكل قراءة تعزى إلى واحد من هؤلاء الائمة السبعة ويطلق عليها لفظ الصحة ، وانها هكذا أنزلت ، إلا إذا دخلت في ذلك الضابط ، وحينئذ لا يتفرد بنقلها مصنف عن غيره ، ولا يختص ذلك بنقلها عن غيرهم من القراء فذلك لا يخرجها عن الصحة ، فإن الاعتماد على استجماع تلك الاوصاف لا على من تنسب إليه ، فإن القراءات المنسوبة إلى كل قارئ من السبعة وغيرهم منقسمة إلى المجمع عليه والشاذ ، غير أن هؤلاء السبعة لشهرتهم ، وكثرة الصحيح المجمع عليه في قراءتهم : تركن النفس إلى ما نقل عنهم فوق ما ينقل عن غيرهم (١).

__________________

١ ـ النشر في القراءات العشر ج ١ ص ٩.

١٥٣

(٣)

وقال ابن الجزري أيضا : وقد شرط بعض المتأخرين التواتر في هذا الركن ولم يكتف فيه بصحة السند ، وزعم أن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر ، وان ما جاء مجئ الآحاد لا يثبت به قرآن. هذا مما لا يخفى ما فيه ، فإن التواتر إذا ثبت لا يحتاج فيه إلى الركنين الاخيرين من الرسم وغيره ، إذ ما ثبت من أحرف الخلاف متواترا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجب قبوله ، وقطع بكونه قرآنا سواء وافق الرسم أم خالفه ، وإذا اشترطنا التواتر في كل حرف من حروف الخلاف انتفى كثير من أحرف الخلاف ، الثابت عن هؤلاء الائمة السبعة وغيرهم. ولقد كنت ـ قبل ـ اجنح إلى هذا القول ، ثم ظهر فساده وموافقة أئمة السلف والخلف.

(٤)

وقال الامام الكبير أبو شامة في مرشده : وقد شاع على ألسنة جماعة من المقرئين المتأخرين ، وغيرهم من المقلدين أن القراءات السبع كلها متواترة أي كل فردفرد ما روي عن هؤلاء السبعة. قالوا : والقطع بأنها منزلة من عند الله واجب. ونحن بهذا نقول ، ولكن فيما اجتمعت على نقله عنهم الطرق ، واتفقت عليه الفرق ، من غير نكير له مع أنه شاع واشتهر واستفاض ، فلا أقل من اشتراط ذلك إذا لم يتفق التواتر في بعضها (١).

(٥)

وقال السيوطي : وأحسن من تكلم في هذا النوع إمام القراء في زمانه شيخ شيوخنا أبو الخير ابن الجزري. قال في أول كتابه ـ النشر ـ كل قراءة

__________________

١ ـ النشر في القراءات العشر ج ١ ص ١٣.

١٥٤

وافقت العربية ... فنقل كلام ابن الجزري بطوله الذي نقلنا جملة منه آنفا. ثم قال : قلت : أتقن الامام ابن الجزري هذا الفصل جدا (١).

(٦)

وقال أبو شامة في كتاب البسملة : إنا لسنا ممن يلتزم بالتواتر في الكلمات المختلف فيها بين القراء ، بل القراءات كلها منقسمة إلى متواتر وغير متواتر ، وذلك بين لمن أنصف وعرف ، وتصفح القراءات وطرقها (٢).

(٧)

وذكر بعضهم : إنه لم يقع لاحد من الائمة الاصوليين تصريح بتواتر القراءات ، وقد صرح بعضهم بأن التحقيق ان القراءات السبع متواترة عن الائمة السبعة بهذه القراءات السبع موجود في كتب القراءات ، وهي نقل الواحد عن الواحد (٣)

(٨)

وقال بعض المتأخرين من علماء الاثر : ادعى بعض أهل الاصول تواتر كل واحد من القراءات السبع ، وادعى بعضهم تواتر القراءات العشر وليس على ذلك إثارة من علم ... وقد نقل جماعة من القراء الاجماع على أن في هذه القراءات ما هو متواتر ، وفيها ما هو آحاد ، ولم يقل أحد منهم بتواتر كل واحد من السبع

__________________

١ ـ الاتقان النوع ٢٢ ـ ٢٧ ج ١ ص ١٢٩.

٢ ـ التبيان ص ١٠٢.

٣ ـ نفس المصدر ص ١٠٥.

١٥٥

فضلا عن العشر ، وإنما هو قول قاله بعض أهل الاصول. وأهل الفن أخبر بفنهم (١).

(٩)

وقال مكي في جملة ما قال : وربما جعلوا الاعتبار بما اتفق عليه عاصم ونافع فإن قراءة هذين الامامين أولى القراءات ، وأصحها سندا ، وأفصحها في العربية (٢).

(١٠)

وممن اعترف بعدم التواتر حتى في القراءات السبع : الشيخ محمد سعيد العريان في تعليقاته ، حيث قال : لا تخلوا إحدى القراءات من شواذ فيها حتى السبع المشهورة فإن فيها من ذلك أشياء. وقال أيضا : وعندهم أن أصح القراءات من جهة توثيق سندها نافع وعاصم ، وأكثرها توخيا للوجوه التي هي أفصح أبو عمرو ، والكسائي (٣).

ولقد اقتصرنا في نقل الكلمات على المقدار اللازم ، وستقف على بعضها الآخر أيضا بعيد ذلك.

تأمل بربك. هل تبقى قيمة لدعوى التواتر في القراءات بعد شهادة هؤلاء الاعلام كلهم بعدمه؟ وهل يمكن إثبات التواتر بالتقليد ، وباتباع بعض من ذهب إلى تحققه من غير أن يطالب بدليل ، ولا سيما إذا كانت دعوى التواتر مما

__________________

١ ـ التبيان ص ١٠٦.

٢ ـ نفس المصدر ص ٩٠.

٣ ـ اعجاز القرآن للرافعي ، الطبعة الرابعة ص ٥٢ ، ٥٣.

١٥٦

يكذبها الوجدان؟ وأعجب من جميع ذلك أن يحكم مفتي الديار الاندلسية أبو سعيد بكفر من أنكر تواترها!!!

لنفرض أن القراءات متواترة ، عند الجميع ، فهل يكفر من أنكر تواترها إذا لم تكن من ضروريات الدين ، ثم لنفرض أنها بهذا التواتر الموهوم أصبحت من ضروريات الدين ، فهل يكفر كل أحد بإنكارها حتى من لم يثبت عنده ذلك؟! أللهم إن هذه الدعوى جرأة عليك ، وتعد لحدودك ، وتفريق لكلمة أهل دينك!!!

أدلة تواتر القراءات :

وأما القائلون بتواتر القراءات السبع فقد استدلوا على رأيهم بوجوه :

الاول : دعوى قيام الاجماع عليه من السلف إلى الخلف. وقد وضح للقارئ فساد هذه الدعوى ، على أن الاجماع لا يتحقق باتفاق أهل مذهب واحد عند مخالفة الآخرين. وسنوضح ذلك في الموضع المناسب إن شاء الله تعالى.

الثاني : ان اهتمام الصحابة والتابعين بالقرآن يقضي بتواتر قراءته ، وإن ذلك واضح لمن أنصف نفسه وعدل.

الجواب :

إن هذا الدليل إنما يثبت تواتر نفس القرآن ، لا تواتر كيفية قراءته ، وخصوصا مع كون القراءة عند جمع منهم مبتنية على الاجتهاد ، أو على السماع ولو من الواحد. وقد عرفت ذلك مما تقدم ، ولولا ذلك لكان مقتضى هذا الدليل أن تكون جميع القراءات متواترة ، ولا وجه لتخصيص الحكم بالسبع أو العشر. وسنوضح للقارئ أن حصر القراءات في السبع إنما حدث في القرن الثالث الهجري ، ولم يكن له قبل هذا الزمان عين ولا أثر ، ولازم ذلك أن

١٥٧

نلتزم إما بتواتر الجميع من غير تفرقة بين القراءات ، وإما بعدم تواتر شيء منها في مورد الاختلاف ، والاول باطل قطعا فيكون الثاني هو المتعين.

الثالث : ان القراءات السبع لو لم تكن متواترة لم يكن القرآن متواترا والتالي باطل بالضرورة فالمقدم مثله : ووجه التلازم أن القرآن إنما وصل الينا بتوسط حفاظه ، والقراء المعروفين ، فإن كانت قراءاتهم متواترة فالقرآن متواتر ، وإلا فلا. وإذن فلا محيص من القول بتواتر القراءات.

الجواب :

١ ـ ان تواتر القرآن لا يستلزم تواتر القراءات ، لان الاختلاف في كيفية الكلمة لا ينافي الاتفاق على أصلها ، ولهذا نجد أن اختلاف الرواة في بعض ألفاظ قصائد المتنبي ـ مثلا ـ لا يصادم تواتر القصيدة عنه وثبوتها له ، وان اختلاف الرواة في خصوصيات هجرة النبي لا ينافي تواتر الهجرة نفسها.

٢ ـ ان الواصل الينا بتوسط القراء إنما هو خصوصيات قراءاتهم. وأما أصل القرآن فهو واصل الينا بالتواتر بين المسلمين ، وبنقل الخلف عن السلف. وتحفظهم على ذلك في صدورهم وفي كتاباتهم ، ولا دخل للقراء في ذلك أصلا ، ولذلك فإن القرآن ثابت التواتر حتى لو فرضنا أن هؤلاء القراء السبعة أو العشرة لم يكونوا موجودين أصلا. وعظمة القرآن أرقي من أن تتوقف على نقل اولئك النفر المحصورين.

الرابع : ان القراءات لو لم تكن متواترة لكان بعض القرآن غير متواتر مثل ملك ومالك ونحوهما ، فإن تخصيص أحدهما تحكم باطل. وهذا الدليل ذكره ابن الحاجب وتبعه جماعة من بعده.

الجواب :

١ ـ ان مقتضى هذا الدليل الحكم بتواتر جميع القراءات ، وتخصيصه بالسبع

١٥٨

أيضا تحكم باطل. ولا سيما أن في غير القراء السبعة من هو أعظم منهم وأوثق ، كما اعترف به بعضهم ، وستعرف ذلك. ولو سلمنا أن القراء السبعة أو ثق من غيرهم ، وأعرف بوجوه القراءات ، فلا يكون هذا سببا لتخصيص التواتر بقراءاتهم دون غيرهم. نعم ذلك يوجب ترجيح قراءاتهم على غيرها في مقام العمل ، وبين الامرين بعد المشرقين ، والحكم بتواتر جميع القراءات باطل بالضرورة.

٢ ـ ان الاختلاف في القراءة إنما يكون سببا لالتباس ما هو القرآن بغيره ، وعدم تميزه من حيث الهيئة أو من حيث الاعراب ، وهذا لا ينافي تواتر أصل القرآن ، فالمادة متواترة وإن اختلف في هيئتها أو في إعرابها ، وإحدى الكيفيتين أو الكيفيات من القرآن قطعا وإن لم تعلم بخصوصها.

تعقيب :

ومن الحق إن تواتر القرآن لا يستلزم تواتر القراءات. وقد اعترف بذلك الزرقاني حيث قال : يبالغ بعضهم في الاشادة بالقراءات السبع ، ويقول من زعم أن القراءات السبع لا يلزم فيها التواتر فقوله كفر ، لانه يؤدي إلى عدم تواتر القرآن جملة ، ويعزى هذا الرأي إلى مفتي البلاد الاندلسية الاستاذ أبي سعيد فرج ابن لب ، وقد تحيس لرأيه كثيرا وألف رسالة كبيرة في تأييد مذهبه. والرد على من رد عليه ، ولكن دليلة الذي استند إليه لا يسلم. فإن القول بعدم تواتر القراءات السبع لا يستلزم القول بعدم تواتر القرآن ، كيف وهناك فرق بين القرآن والقراءات السبع ، بحيث يصح أن يكون القرآن ، متواترا في غير القراءات السبع ، أو في القدر الذي اتفق عليه القراء جميعا. أو في القدر الذي اتفق عليه عدد يؤمن تواطؤهم على الكذب قراء كانوا أو غير قراء (١).

__________________

١ ـ مناهل العرفان ص ٢٤٨.

١٥٩

وذكر بعضهم : ان تواتر القرآن لا يستلزم تواتر القراءات ، وانه لم يقع لاحد من أئمة الاصوليين تصريح بتواتر القراءات وتوقف تواتر القرآن على تواترها ، كما وقع لابن الحاجب (١). قال الزركشي في البرهان : للقرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان ، فالقرآن هو الوحي المنزل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للبيان والاعجاز ، والقراءات اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في الحروف ، وكيفيتها من تخفيف وتشديد غيرهما ، والقراءات السبع متواترة عند الجمهور ، وقيل بل هي مشهورة. وقال أيضا : والتحقيق انها متواترة عن الائمة السبعة. أما تواترها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ففيه نظر ، فإن اسنادهم بهذه القراءات السبع موجود في كتب القراءات ، وهي نقل الواحد عن الواحد (٢).

القراءات والاحرف السبعة :

قد يتخيل أن الاحرف السبعة التي نزل بها القرآن هي القراءات السبع ، فيتمسك لاثبات كونها من القرآن بالروايات التي دلت على أن القرآن نزل على سبعة أحرف ، فلا بد لنا أن ننبه على هذا الغلط ، وان ذلك شيء لم يتوهمه أحد من العلماء المحققين. هذا إذا سلمنا ورود هذه الروايات ، ولم نتعرض لها بقليل ولا كثير. وسيأتي الكلام على هذه الناحية.

والاولى أن نذكر كلام الجزائري في هذا الموضع. قال :

« لم تكن القراءات السبع متميزة عن غيرها ، حتى قام الامام أبو بكر أحمد ابن موسى بن العباس بن مجاهد ـ وكان على رأس الثلاثمائة ببغداد ـ فجمع قراءات سبعة من مشهوري أئمة الحرمين والعراقين والشام ، وهم : نافع ، وعبد الله ابن كثير ، وأبو عمرو بن العلاء ، وعبد الله بن عامر ، وعاصم وحمزة ، وعلي

__________________

١ ـ التبيان ص ١٠٥.

٢ ـ الاتقان النوع ٢٢ ـ ٢٧ ج ١ ص ١٣٨.

١٦٠