جواهر الكلام - ج ٣٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

المسألة التاسعة :

لو شهد أربعة والزوج أحدهم فيه روايتان : إحداهما ترجم المرأة وهي‌ رواية إبراهيم بن نعيم (١) عن الصادق عليه‌السلام سأله « عن أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها ، قال : تجوز شهادتهم » مؤيدة بعدم الفرق بين الزوج وغيره في قبول شهادته للمرأة وعليها ، بل لعل الزوج أولى بالقبول ، لهتك عرضه ، فيندرج فيما دل (٢) على ثبوت الزنا بشهادة الأربع ، بل وبقوله تعالى (٣) : ( وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاّ أَنْفُسُهُمْ ) فإنه مشعر بأنه نفسه شاهد أيضا لو حصل معه تمام العدد وصدق الشهداء على الثلاثة ، على أن المقام من الحسب التي لا يدعى فيها خاص ، كما حرر في محله ، وبغير ذلك من قوله تعالى (٤) ( وَاللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ ) الشامل للزوج وغيره ، بناء على أن الخطاب للحكام ونحوه.

والأخرى تحد الشهود الثلاثة ويلاعن الزوج وهي‌ رواية زرارة (٥) عن أحدهما عليهما‌السلام « في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها ، قال : يلاعن ويجلد الآخرون » مؤيدة بظاهر قوله تعالى (٦) ( لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ ) بناء على رجوع الضمير فيها إلى القاذفين ومنهم الزوج ، فإنه لا يقال :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من كتاب اللعان الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب حد الزنا من كتاب الحدود.

(٣) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٦.

(٤) سورة النساء : ٤ ـ الآية ١٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من كتاب اللعان الحديث ٢.

(٦) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ١٣.

٨١

جاء الإنسان بنفسه ، ومن ذلك نشأ الخلاف ، فعن الأكثر كما في المسالك الأول ، وعن جماعة الثاني ، والأقوى الأول ، وعن الشيخ حمل الرواية الثانية على اختلال بعض الشرائط ، ولا بأس به جمعا ، وليس هو قولا آخر كما حكاه عنه في القواعد ، بل هو عين القول الأول ، ضرورة عدم الخلاف في عدم السماع مع اختلال الشرائط ، نعم عن السرائر والوسيلة والجامع الجمع بينهما بسبق الزوج بالقذف وعدمه ، فيعتبر الأربعة غيره في الأول دون الثاني ، لأن قوله تعالى ( لَوْ لا جاؤُ ) فيمن ابتدأ بالقذف ، بل عن السرائر ولقوله تعالى (١) ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ ) إلى آخرها ، فإنه قد رمى زوجته ولم يكن له شهداء إلا نفسه ، لأن شهادة الثلاثة غير معتد بها إلا بانضمام شهادة الرابع ، فكأنها لم تكن في الحكم ، وإن كان هو كما ترى كالمصادرة ، بل آية ( لَوْ لا جاؤُ ) إلى آخرها لا تمنع صدق معية الزوج بعد أن كان أحد الشهداء ، بقرينة ( وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاّ أَنْفُسُهُمْ ).

وعلى كل حال فهو قول آخر ، إذ دعوى أن السبق من اختلال الشرائط ممنوعة ، كدعوى الفرق بين سبق الزوج وسبق غيره ، وأوضح منهما فسادا التزام الأربع غير القاذف لو كان السابق بالقذف غير الزوج.

وإلى هذا أشار المصنف بقوله ومن فقهائنا من نزل رد الشهادة على اختلال بعض الشرائط أو سبق الزوج بالقذف ثم قال وهو حسن وفي المسالك « وهو ـ أى سبق الزوج ـ من جملة اختلال الشرائط ، ولا بأس بالحمل ، لأنه طريق الجمع حيث لا تطرح الرواية لضعفها » وفيه أنه كذلك بناء على أن السبق من اختلال الشرائط ، وفيه بحث أو منع ، بل ظاهر المتن عدم كونه منها ، وتمام الكلام فيه في محله.

ومنه يظهر ما في تحسين المصنف للقول المزبور المنافي لإطلاق الأدلة في قبول بينة الحسب ولو مع السبق.

__________________

(١) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٦.

٨٢

وأضعف من ذلك ما عن ابن الجنيد من التفصيل بأن الزوجة إن كانت مدخولا بها ردت الشهادة وحدوا ، ولا عن الزوج ، وإلا حدت هي ، وكأنه قصد الجمع بذلك أيضا ، وخص الرد بحالة الدخول لاشتمال روايته على لعان الزوج ، وهو مشروط بالدخول ، فتعين حمل الأخرى على غيره.

ونحوه ما عن الصدوق من الجمع بين الخبرين بناء على ما اختاره من أنه لا لعان إلا إذا نفى الولد بأنه إذا لم ينف الولد كان أحد الأربعة ، وإلا حد الثلاثة ولاعنها ، إذ الجميع كما ترى لا شاهد له وفرع المكافئة ، وقد عرفت أن رواية القبول أقوى ولو للشهرة.

المسألة العاشرة :

إذا أخل أحدهما بشي‌ء من ألفاظ اللعان الواجبة لم يصح ، لعدم حصول عنوان الحكم ، وحينئذ لو حكم به حاكم لم ينفذ ، لأنه خطأ ، خلافا للمحكي عن أبي حنيفة من أن الحاكم إذا حكم بأكثر كلمات اللعان نفذ وقام الأكثر مقام الجميع وإن كان الحاكم مخطئا في الحكم ، وهو واضح الضعف ، لأن الحكم حينئذ خطأ بالإجماع ، فلا ينفذ كسائر الأحكام الباطلة باختلال بعض شرائطها أو أركانها.

المسألة الحادية عشرة :

فرقة اللعان فسخ كالرضاع والردة وليس طلاقا لغة ولا شرعا ولا عرفا ، خلافا لأبي حنيفة فجعلها فرقة طلاق ، وضعفه واضح. وحينئذ فلا يشترط فيها اجتماع شرائط الطلاق ولا يلحقها أحكامه.

٨٣

المسألة الثانية عشرة :

لو ولدت توأمين بينهما أقل من ستة أشهر فاستلحق أحدهما لحقه الآخر ، ولا يقبل نفيه ، كما في القواعد وشرحها ، قال في الأخير : « لأنهما من حمل واحد ، حتى أنه إن كان نفي الأول ثم استلحق الثاني لحقه الأول أيضا ـ قال ـ : وكذا لو نفى أحدهما وسكت عن الآخر لحقاه ، لأنه لما سكت عن الآخر لحقه واستلزم لحوق الآخر ».

وفيه أنه ليس بأولى من اقتضاء نفي الأول نفي الآخر ، خصوصا مع قوله في القواعد متصلا بذلك : « ولو ولدت الأول فنفاه باللعان ثم ولدت الآخر لأقل من ستة أشهر افتقر انتفاؤه إلى لعان آخر على إشكال » ولعله من الحكم بانتفاء الأول باللعان ، وهو يستلزم انتفاء الثاني مع أصل البراءة من اللعان ثانيا ، ومن أصل اللحوق إلا مع التصريح بالنفي واللعان وعدم الاكتفاء بالالتزام كما عن المبسوط ، إذ لا يخفى عليك أن الأول من وجهي الإشكال يجري في السابق إذا كان الولد مما ينفي بالانتفاء من دون لعان كما في الأمة والمتمتع بها ، ضرورة كون النفي حينئذ كاللعان ، فلا وجه للجزم بالأول والاشكال في الثاني.

وعلى كل حال فإن أقر بالثاني لحقه وورثه وورثه الأول أيضا ، لاستلزام لحوقه لحوقه كما عرفت ، وهو لا يرث الأول ، لإنكاره أولا ، وهل يرث الثاني؟ ففي القواعد إشكال ، ولعله من استلزام انتفائه من الأول انتفاءه من الثاني فكأنه أقر بأنه لا يرث منه ، كما أقر به من الأول ، ومن أنه لا عبرة في نفي السبب بالالتزام ، والأصل اللحوق والتوارث ، وهو مناف أيضا للجزم السابق.

ولو كان بينهما ستة أشهر فصاعدا فلكل حكم نفسه ، لإمكان تجدد الحمل بهما ، ولا يستلزم لحوق أحدهما لحوق الآخر ولا نفيه نفيه ، فان لاعن عن الأول‌

٨٤

بعد وضعه واستلحق الثاني أو ترك نفيه لحق به وإن كانت قد بانت منه باللعان ، لإمكان وطئه بعد وضع الأول قبل اللعان ، ولو لاعنها قبل وضع الأول فأتت بآخر بعد ستة أشهر ففي القواعد لم يلحقه الثاني ، لأنها بانت باللعان وانقضت عدتها بوضع الأول ، أي فلا يمكنه وطؤها بالنكاح بعده ، وفي كشف اللثام « وذكر انقضاء العدة لتأكيد الحجة ، وإلا فليست هذه العدة إلا كعدة الطلاق البائن.

ولو مات أحد التوأمين قبل اللعان لنفيهما فله أن يلاعن لنفيهما ، لإطلاق أدلته ، وللعامة قول بأنه لا لعان لنفي نسب الميت ، وأنه إذا لم يصح نفيه لم يصح نفي الحي إذا كانا من حمل واحد.

هذا وقد تقدم بعض الكلام في كتاب الطلاق في التوأمين وكيفية تولدهما بالنسبة إلى الحكم بكونهما حملا واحدا أو حملا متعددا بالتولد لدون الستة أشهر والأزيد ، فلاحظ وتأمل ، والله العالم بحقيقة الحال.

٨٥

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

كتاب العتق

قيل : هو بالكسر : الحرية ، وبالفتح المصدر كالاعتاق ، ويقال : عتق العبد خرج عن الرق ، فهو عتيق ، وفي المسالك تبعا للفاضل في التحرير « هو لغة الخلوص ، ومنه سمى البيت الشريف عتيقا ، لخلوصه من أيدي الجبابرة ، والخيل الجياد عتاقا ، وشرعا خلوص المملوك الآدمي أو بعضه من الرق بالنسبة إلى مطلق العتق ، وبالنسبة إلى المباشرة ـ الذي هو مقصود الكتاب ـ تخليص الآدمي أو بعضه من الرق منجزا بصيغة مخصوصة ».

قلت : لم أجد المعنى المزبور فيما حضرني من كتب اللغة المتقدمة عليهما من الصحاح وغيره ، مع أطنابه في الأول بذكر المعاني له التي منها الكرم والجمال والحرية والرقة بعد الجفاء والغلظة وصلاح المال والسبق مع النجاة والقدم والعتيق الكريم من كل شي‌ء إلى غير ذلك مما لا ينطبق شي‌ء منها على ما ذكر ، بل فيه وفي غيره ما هو كالصريح في أن وصف البيت بالعتيق لقدمه ، والخيل بالعتاق لجودتها ، كما أن فيه التصريح بأن الحرية من معانيه اللغوية ، ولعله لذا فسره بها لغة في التنقيح ، وفي كشف اللثام جعله لغة الكرم ، هذا كله بالنسبة إلى معناه لغة.

٨٦

وأما شرعا فهو كباقي أسماء أفراد الإيقاع من الطلاق ونحوه التي فيها البحث ـ الذي تقدم في البيع ونحوه من العقود ـ أنها أسماء لنفس الصيغ أو للأثر الحاصل منها أو للفعل ، وقد تقدم التحقيق في ذلك وأنها اسم للآثار ، لكن ظاهر التعريف المزبور أنه اسم هنا للفعل ، وفيه ما تقدم في محله.

وكيف كان ف فضله متفق عليه بين المسلمين ، وخصوصا في يوم عرفة وعشيتها ، بل والنصوص (١) فيه من الطرفين متواترة ، بل قوله تعالى (٢) : ( فَكُّ رَقَبَةٍ ) و ( أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ) (٣) وغيرهما دال عليه ، مضافا إلى النصوص حتى روى إبراهيم بن أبي البلاد عن أبيه رفعه (٤) قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن من أعتق مؤمنا أعتق الله العزيز الجبار بكل عضو منه عضوا له من النار‌ فان كانت أنثى أعتق الله العزيز الجبار بكل عضوين منها عضوا من النار ، لأن المرأة نصف الرجل » لكن في‌ صحيح زرارة (٥) عن الباقر عليه‌السلام « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أعتق مسلما أعتق الله العزيز الجبار بكل عضو منه عضوا من النار » ويمكن اتحاد المراد من المسلم والمؤمن في كلامه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، نعم في‌ صحيح ابن عمار وحفص (٦) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « في الرجل يعتق المملوك ، قال : إن الله يعتق بكل عضو منه عضوا من النار ».

وفي المسالك بعد أن ذكر الروايات الثلاثة قال : « وخص المؤمن إما لأن المراد به المسلم كما في الرواية الصحيحة ، أو حمل المطلق على المقيد كما يحمل لفظ « المملوك » في الرواية الأخرى على المسلم أو المؤمن ، ويجوز إبقاء كل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب العتق وسنن البيهقي ج ١٠ ص ٢٧١ و ٢٧٢.

(٢) سورة البلد : ٩٠ ـ الآية ١٣.

(٣) سورة الأحزاب : ٣٣ ـ ٣٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب العتق الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب العتق الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب العتق الحديث ١.

٨٧

واحد من الثلاثة على أصله ، وحصول الثواب المذكور على عتق كل مملوك مؤمن أو مسلم أو مطلقا ذكرا أو أنثى ، وأن يخص ذلك بالذكر بقرينة تذكير لفظه وتقييده بما في الرواية الأخرى إلا أن تقييد الصحيح بالمرسل لا يخلو من نظر ، وروى العامة (١) في الصحيحين أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « أيما رجل أعتق امرءا مسلما استنقذ الله بكل عضو منه عضوا من النار ، حتى الفرج بالفرج » وفي هذه الرواية التقييد بالإسلام وكون المعتق رجلا لأن الامرأ مذكر الامرأة ، فلا يتناول الأنثى ، وفي بعض ألفاظ رواياتهم‌ عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) « من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا من النار ، حتى فرجها بفرجه » وهذه شاملة للذكر والأنثى المسلم وغيره ».

قلت : وفي نصوصنا في‌ خبر بشير النبال (٣) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول من أعتق نسمة صالحة لوجه الله جل وعز كفر الله عنه بها مكان كل عضو منه عضوا من النار » والخبر الذي ذكره أخيرا عنهم مساو لصحيح ابن عمار بناء على إرادة الجنس من المملوك فيه ، كما أن المروي في الصحيحين مساو لصحيح زرارة ، ومع فرض تقيد صحيح المملوك بالمرسل بالنسبة إلى ذلك يتقيد الجميع به أيضا ، ولعله كذلك لما حكاه الفخر في شرح القواعد من الاتفاق على المرسل المزبور.

كما أنه يقوى الجمع هنا بحمل المطلق على المقيد بالنسبة إلى خصوص المذكور من الجزاء وإن لم نقل به في غير المقام للتنافي فيه دون غيره ، ولا ينافي ذلك استحباب العتق المستفاد من قوله تعالى (٤) ( فَكُّ رَقَبَةٍ ) وغيره. إنما الكلام في ترتب الجزاء المزبور ، وهو العتق من النار.

__________________

(١) سنن البيهقي ج ١٠ ص ٢٧١.

(٢) سنن البيهقي ج ١٠ ص ٢٧٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب العتق الحديث ٢.

(٤) سورة البلد : ٩٠ ـ الآية ١٣.

٨٨

ثم إن الظاهر إرادة الكناية باللفظ المزبور عن عتق المعتق من النار بعتقه والترغيب فيه ، لا المقابلة حقيقة حتى يأتي الكلام في فقد الأعضاء في المعتق والمعتق وزيادتها ، نعم ينبغي ملاحظة الذكورة والأنوثة وإن كان الرجاء بالله والظن به السراية فيما يعتق بعتقها من العضوين بالعضو ، والله العالم.

ويختص الرق أي الاسترقاق بأهل الحرب دون اليهود والنصارى والمجوس القائمين بشرائط الذمة بلا خلاف في شي‌ء من ذلك ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى أصالة عدم ملك أحد لأحد وغيرها عدا ما خرج بالدليل من استرقاق الكفار أهل الحرب الذين يجوز قتالهم إلى أن يسلموا أو يقيموا بشرائط الذمة إن كانوا من الفرق الثلاثة.

ومن هنا لو أخلوا بذلك دخلوا في أهل الحرب بالنسبة إلى جواز استرقاقهم اتفاقا محكيا في المسالك ، بل ومحصلا.

ولا فرق في أهل الحرب بين أن ينصبوا الحرب للمسلمين ويستقلوا بأمرهم أو يكونوا تحت حكم الإسلام وقهره ، كمن بين المسلمين من عبدة الأوثان والنيران وغيرهم ، إلا أن يكونوا مهادنين للمسلمين بالشرائط المقررة في كتاب الجهاد (١) المذكور فيه كيفية استرقاق الحربي وشرائطه ، إذ المراد هنا بيان أصل اختصاص ذلك بالحربي ، لا بيان جواز الاسترقاق لكل حربي ، كما هو واضح لكل من أحاط خبرا بما في الكتاب المزبور.

ثم إذا استرقوا يسرى الرق إلى أعقابهم المتجددين بعد الاسترقاق الذين هم نماء الملك وإن أسلموا ما لم يتحرروا ، فتسري الحرية في الأعقاب المتأخرة وإلا إذا كان أحد الأبوين حرا فتغلب الحرية إلا مع شرط الرق ، كما تقدم في كتاب النكاح.

ولا فرق في الاسترقاق لمن عرفت بين المؤمن والمخالف والكافر ، كما في‌

__________________

(١) راجع ج ٢١ ص ٢٦٥ الى ٢٧٧.

٨٩

التحرير والقواعد والدروس وغيرها ، ولعله لأنهم حينئذ كالمباحات التي يملكها من تملكها ، نعم لا بأس بتملك من في يد الكفار منهم إذا كانوا حربيين كباقي أموالهم.

هذا وفي كشف اللثام في شرح قوله في القواعد : « ولا فرق بين سبي المؤمنين والكفار » قال : « لا فرق في جواز الاسترقاق بين سبي المؤمنين وغيرهم من فرق الإسلام والكفار ، وإن اختص الرقيق بالإمام عليه‌السلام أو كانت فيه حصته فقد رخصوا في ذلك للشيعة في زمن الغيبة ، وغير المؤمن يملك بالسبي في الظاهر ، فيصح الشراء منه ، ويقوى التملك بالاستيلاء على مسبية بغير عوض » وفيه أن ذلك خروج عما نحن فيه من حصول الاسترقاق للحربيين في الجملة للمؤمن وغيره ولو بسرقة واغتيال ونحوهما ، لا في خصوص الغنيمة بغير إذن الامام عليه‌السلام التي هي من الأنفال المختصة بالإمام عليه‌السلام المرخص فيها للشيعة زمن الغيبة لتطيب مواليدهم كما تقدم البحث في ذلك في محله (١) ومنه يعلم ما في قوله : « ويقوى التملك » إلى آخره ، وتمام التفصيل في ذلك كله في غير المقام ، والله العالم.

وكل من أقر على نفسه بالرق مع جهالة حريته ولو لعدم ادعائها سابقا على الإقرار وكان بالغا رشيدا حكم برقه بلا خلاف ولا إشكال ، لعموم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » ولقول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن سنان (٣) : « كان علي عليه‌السلام يقول : الناس كلهم أحرار إلا من أقر على نفسه بالعبودية وهو مدرك » بل إطلاقهما يقتضي عدم اعتبار الرشد كما هو المحكي عن الأكثر ، ولا ينافيه ما دل (٤) على منع السفيه من التصرف المالي‌

__________________

(١) راجع ج ١٦ ص ١٣٤ الى ١٤٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب الإقرار الحديث ٢ والمستدرك الباب ـ ٢ ـ منه الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من كتاب العتق الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب الحجر الحديث ١.

٩٠

ولو إقرارا الظاهر في غير الفرض ، بل في المسالك وغيرها « أن الإقرار بالرقية ليس إقرارا بمال ، لأنه قبل الإقرار محكوم بحريته ظاهرا » وإن كان لا يخلو من نظر.

وعلى كل حال فما قيل ـ من اعتباره لأن إقراره وإن لم يتعلق بمال ابتداء ولكنه كشف عن كونه مالا قبل الإقرار ، فإنه إخبار عن حق سابق عليه لا إنشاء من حينه ، ولإمكان أن يكون بيده مال ، فإن إقراره على نفسه يستتبع ماله ، فيكون إقرارا بمال محض ولو بالتبعية ـ واضح الضعف ، لما عرفت من عدم ظهور أدلة منع السفيه فيما يشمل الفرض ، فيبقى على مقتضى العموم السابق الذي يلزمه معه تبعية ما في يده.

هذا وفي المسالك « ويضعف الأول بأن ذلك لو منع قبول الإقرار لأدى إلى قبوله ، لأنه إذا لم يقبل بقي على أصل الحرية ، فينفذ إقراره ، فيصير مالا ، فيرد فيصير حرا ، وذلك دور ، والمال جاز دخوله تبعا وإن لم يقبل الإقرار به مستقلا ، كما لو استلحق واجب النفقة ، فقد قيل : إنه ينفق عليه من ماله باعتبار كونه تابعا لا أصلا ، أو يقال : يصح في الرقية دون المال لوجود المانع فيه دونها كما سمع في الإقرار بالزوجية دون المهر ».

وفيه منع الملازمة المقتضية للدور ، ضرورة اقتضاء عدم قبوله البقاء على الحرية التي لا يقتضي قبول الإقرار مع فرض عدم الرشد ، وأما ما ذكره أخيرا من الاحتمال ففيه اقتضاء بقاء المال حينئذ بلا مالك ، وقياسه على المهر واضح الفساد.

وعلى كل حال فمع قبول إقراره لا يسمع إنكاره بعد ذلك ، بل لا تقبل بينته التي كذبها بإقراره ، نعم في المسالك وغيرها « إلا أن يظهر لإقراره تأويلا يدفع التناقض ، فيقوى القبول ، كما لو قال : لم أعلم بأني تولدت بعد إعتاق أحد الأبوين فأقررت بالرق ، ثم ظهر لي سبق العتق على الإقرار بالبينة أو الشياع المفيد لذلك ». قلت : لا يخلو ذلك من بحث ما لم يحصل العلم بفساد إقراره السابق.

٩١

ولو أنكر المقر له رقيته بقي على الرقية وإن كانت مجهولة عندنا ولا يقبل رجوعه أيضا ، لعموم أدلة جواز الإقرار عليه ، ويكلف حينئذ بالتوصل إلى مالكه ، كما لو أقر بمال شخص فأنكره ، ولكن في المسالك « يتجه حينئذ جواز رجوعه ، لأنه مال لا يدعيه أحد ، وإقراره السابق قد سقط اعتباره برد المقر له ، فإذا لم يصر حرا بذلك فلا أقل من سماع دعواه الحرية بعد ذلك » وفيه أن رد المقر له لا يقتضي عدم جواز الإقرار على المقر ، بل وكذا لو لم يعين المقر له ابتداء ثم رجع وإن قال في المسالك : « أولى بالقبول » لكنه لا يخلو من نظر ، خصوصا إذا لم يلتزم نحو ذلك في الإقرار بمال غير الرقية.

وإذا بيع العبد في الأسواق لم يقبل دعواه الحرية إلا ببينة عملا بالظاهر ، أما مجرد اليد عليه فغير كاف كما في الدروس ، فتقبل دعواه حرية الأصل لا عروض الحرية إلا ببينة ، قلت : لا يخلو عدم الاكتفاء باليد من بحث قد تقدم هو وكثير من مسائل إقرار العبد في كتاب البيع في باب الحيوان (١) فلاحظ وتأمل ، والله العالم.

وكذا الملتقط في دار الحرب يحكم برقيته للملتقط ، بناء على أن الالتقاط من الاستيلاء المملك وإن لم يقصد التملك ، وإلا فالمراد يجوز استرقاقه تبعا للدار في اللحوق بحكم أهل الحرب الذين قد عرفت جواز استرقاقهم ، نعم يشترط في ذلك أن يكون فيها مسلم يمكن تولده منه ولو أنثى ، وإلا حكم بحريته للأصل ، ولكن فيه بحث إن لم يكن إجماعا قد ذكرناه أيضا في كتاب البيع في باب بيع الحيوان (٢) فلاحظ وتأمل ، والله العالم.

وإذا اشترى إنسان من حربي ولده أو زوجته أو أحد ذوي أرحامه كان جائزا وملكه وإن كان ممن ينعتق عليه ، ولكن يكون عند جماعة استنقاذا‌

__________________

(١) راجع ج ٢٤ ص ١٤٩ الى ١٥٣.

(٢) راجع ج ٢٤ ص ١٣٨ و ١٣٩.

٩٢

لا شراء من جانب المشتري ، فيملكه حينئذ المشتري بالاستيلاء عليه لا بالشراء إذ هم في الحقيقة في‌ء للمسلمين فيجوز التوصل إلى ما يقتضي تملكه ، وقد تقدم في كتاب البيع في باب الحيوان (١) تحقيق الحال في ذلك ، وقد ذكرنا هناك خبر اللحام (٢) الدال على صحة الشراء حقيقة.

ومن الغريب أن الفاضل جزم بصرف الشراء في الفرض إلى الاستنقاذ ، وتوقف في لحوق أحكام البيع له من الخيار والأرش ، وفي الدروس هنا « ولو اشترى من الكافر قريبه جاز وإن كان ممن ينعتق عليه ، ويكون استنقاذا لا شراء من جانب المشتري ، فلا يثبت فيه خيار المجلس والحيوان ، والأقرب أن له رده بالعيب وأخذ الأرش وأشكل بأن الأرش عوض الجزء الفائت في المبيع ولا بيع هنا ، وبأنه قد ملكه بالاستيلاء فكيف يبطل ملكه بمجرد الرد ، وليس من الأسباب الناقلة للملك شرعا في غير البيع الحقيقي ، ودفع بأن قدوم الحربي على البيع التزام بأحكام البيع التي من جملتها الرد بالعيب أو أخذ أرشه ، فرده عليه ينزل منزلة الإعراض عن المال ، والثمن غايته أن يكون قد صار ملكا للحربي ، والتوصل إلى أخذه جائز بكل سبب ، وهذا منه بل أولى ، لأنه مقتضى حكم البيع ».

وفيه ـ مع أنه لا يتم في مال الحربي المعتصم بدخول دار الإسلام بأمان ـ أنه يقتضي جريان غير ذلك من أحكام البيع التي منها الخيار الذي قد صرح بعدم جريانه عليه ، فلا محيص حينئذ بعد القول بالتزام أحكام البيع عن القول بصحته حقيقة ، لعدم الانعتاق عليه كما التزم به هنا في المسالك ، أو بإجراء حكم الصحة عليه في‌

__________________

(١) راجع ج ٢٤ ص ١٣٧ و ١٣٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ٢ و ٣ من كتاب التجارة.

٩٣

جانب البيع ولو لنصوص (١) الإلزام ، وقد تقدم الكلام في ذلك في كتاب البيع (٢) فلاحظ وتأمل.

ويمكن أن يقال : إن ما في الدروس مبني على تعدية حكم الرد والأرش لما يؤخذ استنقاذا أيضا كالبيع ، فان معناه على ما صرح به الفخر في الشرح عوض عن يد شرعية في نفس الأمر كهذه أو ظاهرا أو غير شرعية ، بل صرح الكركي أيضا بنحو ذلك ، وقال : « إن ما يبذله المشتري في الفرض عوض عن يد شرعية » والله العالم.

وكيف كان فلا خلاف أجده في أنه يستوي سبي المؤمن والضلال ولو الكافرين في استباحة الرق بل ادعى بعض مشايخنا الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى إطلاق الأدلة ، وإلى خصوص‌ الصحيح (٣) عن أبي الحسن عليه‌السلام قال رفاعة له : « إن الروم يغيرون على الصقالبة والروم فيسترقون أولادهم من الجواري والغلمان ، فيعمدون إلى الغلمان فيخصونهم ، ثم يبعثون بهم إلى بغداد إلى التجار ، فما ترى في شرائهم ونحن نعلم أنهم قد سرقوا وإنما أغاروا عليهم من غير حرب كانت بينهم؟ فقال : لا بأس بشرائهم ، إنما اخرجوا من الشرك إلى دار الإسلام » وإطلاق‌ خبر إبراهيم بن عبد الحميد (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « في شراء الروميات فقال : اشترهن وبعهن » وخبر عبد الله اللحام (٥) سأل الصادق عليه‌السلام « عن رجل اشترى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٥ و ٦ و ١٠ و ١١ والباب ـ ٤ ـ من أبواب ميراث الاخوة والباب ـ ٣ ـ من أبواب ميراث المجوس من كتاب المواريث.

(٢) راجع ج ٢٤ ص ١٣٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ١ وفيه « الصقالبة » كما في الكافي ج ٥ ص ٢١٠ والتهذيب ج ٦ ص ١٦٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ٢ من كتاب التجارة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ٣ من كتاب التجارة.

٩٤

امرأة رجل من أهل الشرك يتفخذها ، قال : فقال : لا بأس ».

فمن الغريب ما في المسالك هنا من « أن المراد بالضلال ما يشمل المسلمين منهم والكافرين ، فلو سبي كافر مثله ملكه ، وجاز شراؤه منه ، وكان الكلام في شرائه منه كالكلام في شراء ولده وزوجته منه ، ولو كان الكافر ذميا أو مسلما مبدعا فلا إشكال في تملكه ، وقد أباح الأئمة عليهم‌السلام شراء ذلك منهم وغيره من ضروب التملكات وإن كان للإمام أو بعضه من غير اشتراط إخراج الحصة المذكورة » والله العالم.

وكيف كان ف ازالة الرق تكون بأسباب أربعة : المباشرة والسراية والملك والعوارض.

أما المباشرة فالعتق والتدبير والكتابة وإن اختلفت في كيفية التسبيب بالنسبة إلى احتياج حصول الحرية منها إلى أمر آخر غير الصيغة ـ كالتدبير والكتابة المفتقرين إلى الموت والتأدية ـ وعدم ذلك ، كالعتق ، وستعرف ذلك مفصلا.

أما العتق فعبارته الصريحة التحرير بأن يقول : « أنت ـ أو هو أو فلان أو نحو ذلك ـ حر » فإنه لا خلاف نصا (١) وفتوى في حصول التحرير به حينئذ ، بل الإجماع بقسميه عليه ، وهو الحجة بعد النص المتضمن لإنشاء العتق به من سيد الساجدين عليه‌السلام (٢) وإلا فقوله تعالى (٣) ( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ) لا يقتضي كون الصيغة التي يحصل بها الإنشاء ذلك ، وإلا لاقتضى قوله تعالى (٤) ( فَكُّ رَقَبَةٍ )

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من كتاب العتق الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١ من كتاب الإيلاء والكفارات.

(٣) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٩٢.

(٤) سورة البلد : ٩٠ ـ الآية ١٣.

٩٥

نحوه ، وليس كذلك اتفاقا محكيا إن لم يكن محصلا كما ستعرف.

نعم في اشتقاقها من الإعتاق بأن يقول : « أعتقتك » تردد وخلاف ينشأ من التردد في المراد من النصوص (١) الواردة في ذلك المتقدمة في كتاب النكاح فيمن قال لأمته : « أعتقتك وجعلت عتقك صداقك » أنه إنشاء العتق بذلك أو هو إخبار لها بالحال ، وإن كان العتق قد حصل قبل ذلك بقول : « هي حرة وجعلت عتقها صداقها » وإن كان الظاهر منها الأول.

لكن في الروضة « أن ظاهرهم عدم العتق بها ، بل وبالصريح محضا ، كحررتك ، ولعله لبعد الماضي عن الإنشاء ، وقيامه مقامه في العقود على وجه النقل خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على محله » وهو غريب خصوصا بعد أن حكى هو قبل ذلك بيسير اتفاق الأصحاب على صحة العتق في قول السيد لأمته : « أعتقتك وتزوجتك » نعم كان المتجه الاقتصار عليها دون « حررتك » التي لم نعثر في شي‌ء من النصوص على إنشاء التحرير بها.

كما أن المتجه الاقتصار عليها من التحرير بأنت حر ، دون « أنت عتيق » أو معتق ، ضرورة كون المدار على ما ثبت من النصوص إنشاء التحرير به ، وليس هو إلا « أنت ـ مثلا ـ حر » و « أعتقتك » بناء على أحد الوجهين في النصوص المزبورة ، فلا وجه لإلحاق « حررتك » بأعتقتك ، كما لا وجه لإلحاق « أنت عتيق » بأنت حر ، لما عرفت من أن الثابت من النص (٢) ذلك ، وهو المراد من الصريح في كلامهم ، لأصالة عدم زوال الرق ، و ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٣) لا يشمل المقام على الأصح ، وإطلاقات العتق المساقة لغير ذلك لا يستفاد منها كيفية الصيغة ، خصوصا بعد وهنها أيضا بإعراض الأصحاب عن ذلك واقتصارهم على خصوص التحرير أو هو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من كتاب العتق.

(٣) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ١.

٩٦

مع الإعتاق ولذا قال المصنف وغيره ، بل في كشف اللثام الاتفاق عليه ، بل لعله ظاهر غيره أو صريحه ولا يصح إنشاء العتق بما عدا التحرير خاصة أو مع الإعتاق من أي لفظ صريحا كان أو كناية ولو قصد به العتق كقوله صريحا كما في القواعد فككت رقبتك أو أزلت قيد الملك ، أو كناية أنت سائبة أو « لا سبيل لي عليك » أو « لا سلطان » أو نحو ذلك ، خلافا للعامة ، فجوزوه في الكناية فضلا عن الصريح.

ومن ذلك يعلم أن المراد من الصريح أولا في كلامهم ما ذكرناه من أنه الذي ثبت شرعا إنشاء العتق به ، لا الدال على المقصود بلا واسطة.

بل ومنه يعلم أن وجه التردد في الإعتاق ما ذكرناه. لا كونه صريحا أو لا ، ضرورة أنه لا مجال لإنكار صراحته ، بل استعماله في ذلك أزيد من لفظ التحرير ، كما لا يخفى على من تصفح النصوص.

بل منه أيضا يعلم النظر فيما ذكره في المسالك وبعض من تأخر عنها من أن المدار على الصريح وعدمه ، حتى التزم صحة إنشاء العتق بكل لفظ صريح في ذلك ، وهو مناف لما عرفته من كلماتهم.

بل مما ذكرنا يعلم النظر في عبارة المتن وغيرها إن كان المراد من التحرير والإعتاق فيها جواز اشتقاق الصيغة منهما بأي هيئة كانت ، جملة اسمية أو فعلية ، ضرورة كونه منافيا لما سمعته من التوقيفية في العتق الذي هو من العبادة أو شبهها في ذلك ، فالمتجه حينئذ الاقتصار على الجملة الاسمية من التحرير والفعلية من الإعتاق ، بناء على أحد الوجهين في النصوص المزبورة ، ودعوى التعدية في كل منهما إلى الأخر لا دليل عليها ، بل ظاهرهم خلافها ، فتأمل جيدا ، فإنك لا تجد هذا المقام محررا في غير هذا الكتاب ، والحمد لله الموفق المسدد.

ولو قال لأمته : « يا حرة » وقصد العتق ففي تحريرها بذلك تردد ينشأ من أنها بغير هيئة الصيغة المعهودة ، ومن أنها مجاز بحرف النداء عن‌

٩٧

معنى « أنت » والأشبه عند المصنف وغيره عدم التحرير لبعده عن شبه الإنشاء بل في كشف اللثام « إنما هو إنشاء للنداء وإن جاز التجوز به عنه ، لكنه استعمال نادر يعد من الكنايات ».

قلت : لكنه قد يناقش بأن الفرض عدم إرادة معنى النداء منه ، بل المراد منه إنشاء العتق ، وليس فيه إلا التجوز بموضوع الصيغة ، وهو « أنت » من حرف النداء ، ومن المعلوم أن موضوع الصيغة لا يعتبر فيه إلا ما يميزه من لفظ « أنت » و « هو » و « هذا » و « فلان » وغيرها من الألفاظ الحقيقية أو المجازية المعينة له ، وإنما الممنوع الكناية والتجوز بمحمول الصيغة الذي هو « حر » ودعوى جزئية موضوع الصيغة منها على وجه لا يجوز تمييزه باللفظ المجازي لا شاهد لها ، بل يمكن القطع بعدمها ، نعم لو كان المراد من حرف النداء معناه ولكن مع إنشاء التحرير بقوله : « حرة » اعتمادا على تقدير « أنت » بمعونة حرف النداء أمكن الإشكال فيه بكونه خلاف الثابت من الصيغة ، ومثله إذا قال : « حر » من دون ذكر الموضوع وإن دل عليه الحال أو غيره ، والله العالم.

ولو كان اسمها « حرة » فقال : أنت حرة فإن قصد الإخبار لم تنعتق قطعا وإن قصد الإنشاء صح كذلك وإن جهل منه الأمران رجع إلى قوله في نيته ، للاشتراك وعدم الوصلة إلى امتياز المراد منه إلا قوله ، ويقبل وإن خالف القانون وادعى قصد الإخبار أو عكس ، كما إذا لم يقف وجاء به منونا ، أو بلا تنوين ، فان الاسم غير منصرف بخلاف الصفة.

وإن لم يمكن الاستعلام بموت ونحوه لم يحكم بالحرية قطعا لعدم اليقين بالقصد أي قصد الإنشاء ، فيبقى على أصالة الرق ولكن في المتن فيه تردد منشأه التوقف بين العمل بحقيقة اللفظ والتمسك بالاحتمال وهو كما ترى ، ضرورة اشتراك الصيغة بين الإخبار والإنشاء ، فمع فرض عدم ما يقتضي أحدهما تبقى أصالة الرقية وغيرها بلا معارض ، كما هو واضح ،

٩٨

والله العالم.

ولا بد من التلفظ بالصريح أو ما يقوم مقامه على الأقوى ، كما عرفته فيما تقدم ، ولا تكفي الإشارة مع القدرة على النطق ولا الكتابة.

كما في غيره من العقد والإيقاع ، للأصل وحسن زرارة (١) قال الباقر عليه‌السلام : « رجل كتب بطلاق امرأته أو بعتق غلامه ثم بدا له فمحاه ، قال : ليس ذلك بطلاق ولا عتاق حتى يتكلم به » مؤيدا بقوله عليه‌السلام (٢) : « إنما يحلل الكلام ويحرم الكلام ».

بل لا بد من النطق بالعربية مع القدرة عليها أيضا للأصل أيضا بعد عدم تلقي غير العربي منه عليه‌السلام ، بل لعل المنساق العربي من كل ما كان موضوع الحكم فيه القول واللفظ والكلام ونحو ذلك.

نعم يكفي مع العجز الإشارة المفهمة الملحق بها أو أولى منها سائر اللغات ، لفحوى نصوص الأخرس (٣) وخصوص‌ صحيح الحلبي (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إن أباه حدثه أن أمامة بنت أبي العاص الربيع وأمها زينب بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تزوجها بعد علي عليه‌السلام المغيرة بن نوفل إنها وجعت وجعا شديدا حتى اعتقل لسانها ، فأتاها الحسن والحسين عليهما‌السلام وهي لا تستطيع الكلام فجعلا يقولان والمغيرة كاره لما يقولان : أعتقت فلانا وأهله ، فتشير برأسها أن نعم ، وكذا وكذا ، فتشير برأسها نعم أم لا ، قلت : فأجازا ذلك لها؟ قال : نعم » وغير ذلك مما مر في نظائر المسألة ، والله العالم.

ولا بد من تجريده عن الشرط ، فلو علقه على شرط مترقب كقدوم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٢ من كتاب الطلاق.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام العقود الحديث ٤ من كتاب التجارة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب القراءة في الصلاة الحديث ١ والباب ـ ١٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من كتاب العتق الحديث ١.

٩٩

زيد أو صفة معلومة الوقوع كطلوع الشمس أو غيره عدا التدبير لم يصح وإن وقع الشرط ، لأنه لا يقع إلا منجزا إجماعا في محكي الخلاف والسرائر والمختلف ، وهو الحجة ، مضافا إلى محكي الإجماع أيضا على اعتبار التنجيز في مطلق العقد والإيقاع إلا ما خرج ، وإلى ما ذكرناه مكررا من منافاة ذلك لظاهر الأدلة المقتضية لسببيته إذا كان التعليق مقتضيا لتأخر أثره ، وإلى أن الثابت سببيته من الأدلة الشرعية المنجز ، بل مقتضى الأول والأخير عدم صحته وإن كان المعلق عليه متحققا حال الصيغة ، لأن ذلك لا يخرجه عن كونه إنشاء معلقا.

نعم لو علقه بالنقيضين وقع مع اتحاد الكلام ، لظهور الجمع بينهما في إرادة التأكيد دون التعليق ، مع أنه احتمل العدم فيه للتعليق ، بل هو خيرة الفخر في الشرح وإن كان ضعيفا ، لكون المفروض إرادة التأكيد لا التعليق ، أما مع اختلاف الكلام فالمتجه العدم ، لما عرفت.

وكذا لا يصح لو قال : « أنت حر متى شئت » وإن بادر إلى المشيئة ، لأنه من التعليق أيضا حتى لو قال : « إني كنت شئت حين قلت ذلك » لما عرفت من تحقق التعليق وإن اتحد زمان الإنشاء والإيقاع ، ومنه يعلم فساد احتمال حصول التحرير بقوله : « أنت حر » وإلغاء قوله : « متى شئت » ضرورة كون القصد إنشاء معلقا ، فلا يترتب عليه الأثر ، كما هو واضح.

وعلى كل حال فما عن القاضي من الوقوع مع التعليق على الوقت وأبى علي على الشرط واضح الضعف ، وكذا ما عساه يظهر من محكي النهاية والاستبصار من أنه يقع مشروطا في النذور والقربات ، كقوله : « إن شفاني الله فعبدي حر » دون اليمين كقوله : « إن دخلت الدار فعبدي حر » ونحوه عن الغنية.

بل في اللمعة والروضة « لو نذر عتق عبده عند شرط سائغ على ما فصل انعقد النذر والعتق مع وجود الشرط » وفي الأخير « إن كانت الصيغة إن كان كذا من الشرط‌

١٠٠