جواهر الكلام - ج ٣٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ذكره الأصحاب دليلا على الحكمين ، نعم في المسالك « ليس في الرواية أن الزوجين مستقبلان ، وكذلك أطلق المصنف وجماعة » قلت : ولكن نص عليه في الصحيح الآخر (١) والأمر سهل ، لأن الحكم استحبابي يتسامح فيه.

ومن الندب أيضا أن يحضر من يسمع اللعان جماعة غير الحاكم من الأعيان والصلحاء ، فان ذلك أعظم للأمر ، وليعرف الناس ما يجري عليهما من التفريق المؤبد أو حكم القذف أو ثبوت الزنا ، ولما روي من أنه حضره على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جماعة من أصحابه ، منهم ابن عباس وابن عمر وابن سهل بن سعيد (٢) بل قيل : هم من أحداث الصحابة ، والعادة جارية على عدم حضور الصغار وحدهم ، وقيل أيضا : أقل ما يتأدى به الوظيفة أربعة نفر ، فان الزنا يثبت بهذا العدد ، فيحضرون لإثباته وإن كان لم أقف له على دليل ، إلا أن الأمر سهل في المندوبات والآداب والوظائف.

ومنه أيضا أن يعظه الحاكم ويخوفه بعد الشهادات قبل ذكر اللعن ، وكذا في المرأة قبل ذكر الغضب بتخويفهما يذكر أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا ، ويقرأ عليهم ( الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً ) (٣) وفي‌ خبر عباد البصري (٤) عن الصادق عليه‌السلام « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال للرجل بعد الشهادات الأربع : اتق الله فإن لعنة الله شديدة ـ ثم قال ـ : اشهد الخامسة ـ إلى إن قال ـ : ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للامرأة بعد الشهادات الأربع : أمسكي ، فوعظها وقال : اتق الله فان غضب الله شديد ، ثم قال : اشهدي الخامسة » إلى آخره.

وقد يغلظ اللعان بالقول بذكر أسماء الله تعالى المؤذنة بالانتقام وبالعظمة والهيبة والمكان بأن يلاعن بينهما في البقاع المشرفة ، مثل ما بين الركن والمقام‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب اللعان الحديث ٤.

(٢) سنن البيهقي ج ٧ ص ٣٩٤ و ٣٩٩ وفيه سهل بن سعد.

(٣) سورة آل عمران : ٣ ـ الآية ٧٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب اللعان الحديث ١.

٦١

ـ أي الحطيم ـ إن كان في مكة ، وفي المسجد عند الصخرة إن كان في بيت المقدس ، وعند قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن كان في المدينة ، وعند المكان المعروف بالإصبعين في مشهد أمير المؤمنين عليه‌السلام قريبا من مكان رأسه المعظم ، وفي باقي المشاهدة المشرفة والمساجد المعظمة ، نحو مسجد الكوفة ومسجد سهيل ومسجد براثا وغيرها من المساجد المعلومة والزمان كيوم الجمعة بل بعد العصر منه المفسر به (١) قوله تعالى (٢) ( تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ ) ويوم القدر ونحوهما من الأزمنة المعظمة ما لم يستلزم التراخي في ذلك ، وستعرف في باب القضاء استحباب التغليظ للحاكم في اليمين الذي منه ذلك ، بل ستعرف رجحان التغليظ بين أهل الذمة في أماكنهم المعظمة عندهم من بيعهم وكنائسهم ، بل لا يبعد ذلك أيضا بين المجوس وغيرهم في بيوت النيران والأصنام ، لمكان تعظيمهما عندهم وإن توقف فيه بعض الشافعية ، لكنه في غير محله.

ولكن من المعلوم أنه إنما يجوز اللعان في المساجد والجوامع إذا لم يكن هناك مانع من الكون في المسجد كالجنابة والحيض فإذا اتفقت المرأة حائضا أنفذ إليها الحاكم من يستوفى الشهادات منها ولا يشترط فيه الاجتهاد وأولاه عند باب المسجد ، لأنه أنسب بالتغليظ.

وكذا لو كانت غير برزة ولا معتادة الحضور لجامع الرجال ولو لشرفها لم يكلفها الخروج من منزلها وجاز استيفاء الشهادات عليها فيه نحو غير يمين اللعان من الأيمان في الدعاوي ، إذ المقام فرد منها ، فلاحظ ما ذكرناه في كتاب القضاء من وجه ذلك وكيفيته ، لتكون على بصيرة من ذلك ومن غيره مما لا يخفى عليك جريانه في المقام الذي ذكرنا غير مرة أنه فرد من أفراده.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من كتاب الوصايا الحديث ٦ والمستدرك الباب ـ ٢٠ ـ منه الحديث ١ والفقيه ج ٤ ص ١٤٢.

(٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ١٠٦.

٦٢

وهل اللعان يمين أو شهادة؟ قال الشيخ وتبعه جماعة منهم الفاضل في القواعد اللعان أيمان وليس شهادات ، ولعله نظر إلى اللفظ ، فإنه بصورة اليمين فان قوله ( بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ ) وقولها ( بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ ) كالصريح في ذلك ، وإلى صحته من الفاسق والذكر والأنثى ، وإلى‌ قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهلال بن أمية (١) : « احلف بالله الذي لا إله إلا هو أنك لصادق » وإلى‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) بعد التلاعن : « لو لا الأيمان لكان لي ولها شأن » وإلى أن كلا منهما يلاعن نفسه ولم يعهد شهادة أحد لنفسه ، وإلى أنه لا معنى لكونه من المرأة شهادة فكذا منه ، وإلى استحباب التغليظ فيه المعلوم كونه من أحكام اليمين ، وإلى غير ذلك مما هو من خواصه دون الشهادة.

خلافا للمحكي عن أبي علي بل ربما استظهر من المصنف أيضا لكثرة إطلاقه عليه الشهادة ، ونسبته القول بكونه يمينا إلى الشيخ ، بل عن الفاضل في المختلف التصريح باختياره ، لظاهر قوله تعالى (٣) ( فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ ) إلى آخر الآية التي أطلق عليه فيها لفظ الشهادة في خمسة مواضع ، وكني عنها في موضعين ، ول‌ قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) للرجل : « اشهد أربع شهادات ـ وللمرأة ـ اشهدي » ولقول الصادق عليه‌السلام (٥) : « إن عليا عليه‌السلام قال : ليس بين خمس نساء وبين أزواجهن ملاعنة ـ إلى أن قال ـ : والمجلود في الفرية ، لأن الله تعالى يقول (٦) ( وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً ) » ولأنه يعتبر فيه التصريح بلفظ الشهادة ، ولأنه به يدرأ عنه ويثبت به عليها كالبينة ، بخلاف اليمين فإنها لا تدخل في الحدود ، ولأنه إذا امتنع من اللعان ثم رغب فيه يمكن منه كمن امتنع من إقامة البينة ثم أراد إقامتها ، والناكل عن‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٧ ص ٣٩٥.

(٢) سنن البيهقي ج ٧ ص ٣٩٥.

(٣) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب اللعان الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللعان الحديث ١٢.

(٦) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٤.

٦٣

اليمين لا يعود إليها.

ولأن‌ محمد بن سليمان (١) سأل الجواد عليه‌السلام « كيف صار الزوج إذا قذف امرأته كانت شهادته أربع شهادات بالله؟ وكيف لا يجوز ذلك لغيره؟ وصار إذا قذفها جلد الحد ، ولو كان ولدا أو أخا فقال عليه‌السلام : قد سئل جعفر عليه‌السلام عن هذا فقال : ألا ترى أنه إذا قذف الزوج امرأته قيل له : وكيف علمت أنها فاعلة؟ قال : رأيت منها ذلك بعيني كانت شهادته أربعا ، وذلك أنه قد يجوز الرجل أن يدخل المدخل في الخلوة التي لا يصلح لغيره أن يدخلها ولا يشهدها ولد ولا والد في الليل والنهار ، فلذلك صارت شهادته أربعا إذا قال رأيت ذلك بعيني وإذا قال : لم اعاينه صار قذفا وضرب الحد ، إلا أن يقيم عليها البينة ، وإن زعم غير الزوج إذا قذف وادعى أنه رآه بعينه قيل له : وكيف رأيت ذلك؟ وما أدخلك ذلك المدخل الذي رأيت فيه هذا وحدك؟ أنت متهم في دعواك ، فان كنت صادقا فأنت في حد التهمة ، فلا بد من أدبك بالحد الذي أوجبه الله عليك ، قال : وإنما صارت شهادة الزوج أربعا لمكان الأربعة شهداء مكان كل شاهد يمين ».

إلا أن الجميع كما ترى ، بل ذيل الخبر المزبور صريح في كونه يمينا ، ومن الجائز أن لفظ الشهادة في هذه الجمل حقيقة عرفية أو مجاز مشهور في اليمين ولا بعد ، لمخالفته لسائر الأيمان في بعض الأحكام ، بل قيل : إن خبر النفي عن الخمس مع الضعف ليس نصا في كون اللعان شهادة ، بل الذي ينص عليه أنه لا يقبل منه الشهادة عليها بالزنا وإن أكده باللعان على أنه غير معمول عليه في ذلك ، وكأن التأمل الجيد يقتضي عدم ثمرة لهذا الاختلاف بعد فرض عدم جريان جميع أحكام اليمين وأحكام الشهادة عليه ، فلا بأس بالقول بأنه شهادة من جهة ويمين من أخرى ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من كتاب اللعان الحديث ٥ مع الاختلاف في اللفظ وذكره بعينه في الكافي ج ٧ ص ٤٠٣.

٦٤

بل لعل الغالب عليه جهة اليمينية ، والأمر سهل.

وأما الكلام في أحكامه فتشتمل على مسائل

الاولى :

لا خلاف بيننا ولا إشكال في أنه يتعلق بالقذف من الرجل وجوب الحد عليه في حق ه‍ أي الرجل ، لإطلاق الأدلة كتابا (١) وسنة (٢) ولا يتعين عليه اللعان عينا نعم بلعانه يثبت سقوط الحد في حقه ووجوب الحد في حق الامرأة ، لأنه بمنزلة إقامة البينة ، ولكن يسقطه عنها لعانها ، كما هو مقتضى قوله تعالى (٣) ( وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ ) الظاهر في إرادة الحد من العذاب لا الحبس ، كما عن أبي حنيفة ، فقال : « إن قذف الزوج لا يوجب الحد عليه ولكن يوجب اللعان ، ومع امتناعه يحبس حتى يلاعن وحينئذ فاللعان عقوبة قذفه دون الحد ، وكذلك المرأة لا تحد بلعانه ، بل تحبس حتى تلاعن » وهو مع منافاته لظاهر آية القذف (٤) وقوله تعالى (٥) ( يَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ ) في آية اللعان مناف أيضا‌ للنبوي المروي في طرقهم (٦) إنه قال لهلال لما قذف زوجته : « البينة أو حد في ظهرك فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق ، ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد ، فأرسل إليها » إلى آخره.

وكيف كان مع لعانهما يتعلق ثبوت أحكام أربعة سقوط الحدين وانتفاء الولد عن الرجل دون المرأة إن تلاعنا لنفيه وزوال الفراش‌

__________________

(١) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب حد القذف من كتاب الحدود.

(٣) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٨.

(٤) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٤.

(٥) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٨.

(٦) سنن البيهقي ج ٧ ص ٣٩٥ و ٣٩٤.

٦٥

والتحريم المؤبد بلا خلاف ولا إشكال في شي‌ء منها عندنا نصا (١) وفتوى ، خلافا لبعض العامة ، فنفى تأبد التحريم ، وقال : لو أكذب نفسه كان له أن يجدد نكاحها ، بل عن بعض العامة قول ببقائهما على الزوجية ، والنص (٢) من طرقنا وطرقهم حجة عليهما ، نعم قيل : يمكن إرجاع الأحكام الأربعة إلى ثلاثة ، لأن زوال الفراش يدخل في التحريم المؤبد ، وفيه أن التحريم المؤبد قد يجامع الفراش كالمفضاة ، والأمر سهل.

ولا خلاف عندنا أيضا كما لا إشكال في أن هذه الفرقة تحصل ظاهرا وباطنا ، سواء كان الزوج صادقا أو هي صادقة ، خلافا لأبي حنيفة ، فحكم بعدم حصولها باطنا مع صدقها ، وهو واضح الضعف.

ومن المعلوم أيضا أن الولد بعد اللعان لا يدعى لأبيه ، ولكن لا يرمى بأنه ابن زنا ، وفي‌ حديث ابن عباس (٣) « أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما لاعن بين هلال وامرأته فرق بينهما ، وقضى لا يدعى ولدها لأب ولا يرمى ولدها ، ومتى رماها أو رمى ولدها فعليه الحد ـ قيل ـ : وكان بعد ذلك أميرا على مصر وما يدعى لأب » وسأل الصادق عليه‌السلام أبو بصير (٤) « عن المرأة يلاعنها زوجها ويفرق بينهما إلى من ينسب ولدها؟ فقال : إلى امه » إلى غير ذلك من النصوص (٥).

ولو كان الزوج عبدا وشرط مولاه رقية الولد من زوجته الحرة وقلنا بصحة الشرط ففي حريته لو لاعن الأب لنفيه إشكال ، من انتفائه عنه شرعا من أنه حق لغير المتلاعنين ، فلا يؤثر فيه اللعان مع ثبوت حكم الفراش ظاهرا ، وكذا الإشكال في العكس ، أي فيما إذا كانت الزوجة أمة والزوج حرا بغير شرط الرقية ، من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ وغيره ـ من كتاب اللعان.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب اللعان وسنن البيهقي ج ٧ ص ٤٠٩ و ٤١٠.

(٣) سنن البيهقي ج ٧ ص ٣٩٤ و ٣٩٥ و ٤٠٢ و ٤١٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من كتاب اللعان الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من كتاب اللعان.

٦٦

انتفائه عنه شرعا مع كونه نماء مملوكته ، فيكون رقا لمالكها ، ومن أن اللعان إنما أثر في انتفاء نسبه من الملاعن ، وأما تأثيره في الحرية التي هي حق الله تعالى وحق الولد فغير معلوم مع تغليب الحرية ، ولعل الأقوى الأول فيهما.

وعلى كل حال فقد ظهر لك مما ذكرنا أنه لو أكذب نفسه في أثناء اللعان أو نكل ولو بكلمة واحدة ثبت عليه الحد ولم يثبت عليه الأحكام الباقية التي علم أنها مترتبة على اللعان الذي لا يتحقق إلا بإكماله ، فبدونه لا يثبت شي‌ء منها ، للأصل.

وكذا لو نكلت هي أو أقرت رجمت لأنها محصنة إذا كان قد قذفها بالزنا ، أما إذا لاعنها لنفي الولد بلا قذف لم يثبت الحد عليها إلا أن تقر بموجبه.

وفي الأول سقط الحد عنه بلعانه ولم يزل الفراش ولا يثبت التحريم مع فرض إقرارها أو نكولها ولو بكلمة واحدة بلا خلاف ولا إشكال في شي‌ء من ذلك نصا وفتوى ، ف‌ في حسن الحلبي (١) عن الصادق عليه‌السلام « إن أقر على نفسه قبل الملاعنة جلد حدا وهي امرأته » وفي خبر علي بن جعفر (٢) عن أخيه موسى عليه‌السلام « سألته عن رجل لاعن امرأته فحلف أربع شهادات ثم نكل في الخامسة ، قال : إن نكل عن الخامسة فهي امرأته ويجلد ، وإن نكلت المرأة عن ذلك إذا كان اليمين عليها فعليها مثل ذلك » إلى غير ذلك من النصوص (٣) ولا يحتاج في رجمها إلى إقرارها أربعا بعد لعانه الذي هو كإقامة البينة عليها ، فمع فرض نكولها عن اللعان لم يسقط الحد عنها الثابت بلعانه ، نعم لو أقرت قبل لعانه اعتبر كونه أربعا كغيره من الإقرار بالزنا ، كما هو واضح.

ولو أكذب نفسه بعد اللعان لحق به الولد بلا خلاف فيه نصا (٤)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب اللعان الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب اللعان الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب اللعان.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من كتاب اللعان.

٦٧

وفتوى ، لكن فيما عليه لا فيما له ، لإقراره أولا بالانتفاء منه ، ولذا يرثه الولد ولا يرثه الأب ولا من يتقرب به ، وترثه الأم ومن يتقرب بها كما بينا ذلك كله مفصلا في كتاب الميراث الذي وفق الله لإتمامه قبل المقام ، فلاحظ وتأمل.

وعلى كل حال لم يعد الفراش بالإكذاب المزبور ولم يزل التحريم بلا خلاف نصا (١) وفتوى بل ولا إشكال استصحابا لحكم اللعان. ولكن هل عليه الحد؟ فيه روايتان :

ففي‌ صحيح الحلبي (٢) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل لاعن امرأته وهي حبلى قد استبان حملها وأنكر ما في بطنها فلما وضعت ادعاه وأقر به وزعم أنه منه فقال : يرد عليه ابنه ويرثه ولا يجلد ، لأن اللعان قد مضي ».

وفي صحيحه الآخر (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن رجل لاعن امرأته وهي حبلى قد استبان حملها فأنكر ما في بطنها فلما وضعت ادعاه وأقر به وزعم أنه منه فقال : يرد إليه ولده ويرثه ، ولا يجلد ، لأن اللعان قد مضى بينهما ».

وفي خبره الآخر (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « في رجل لاعن امرأته وهي حبلى ثم ادعى ولدها بعد ما ولدت وزعم أنه منه ، قال : يرد عليه الولد ، ولا يجلد ، لأنه قد مضى التلاعن ».

وفي خبر محمد بن فضيل (٥) سأل الكاظم عليه‌السلام « عن رجل لاعن امرأته وانتفى من ولدها ثم أكذب نفسه هل يرد عليه ولده؟ قال : إذا أكذب نفسه جلد الحد ورد عليه ابنه ، ولا ترجع إليه امرأته ».

أظهرهما أنه لا حد وفاقا للمحكي عن الشيخ في النهاية والتهذيب ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من كتاب اللعان.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من كتاب اللعان الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللعان الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من كتاب اللعان الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من كتاب اللعان الحديث ٦.

٦٨

وخلافا له في محكي المبسوط والمفيد في محكي المقنعة وللفاضل في القواعد وشارحة الأصبهاني وثاني الشهيدين في المسالك ، قالوا : لما فيه من زيادة هتكها وتكرار قذفها وظهور كذب لعانه ، مع أنه يثبت عليه الحد بالقذف ، فيستصحب إلى أن يعلم المزيل ، ولا يعلم زواله بلعان ظهر كذبه ، والأخبار الأولة إنما نفت الحد إذا أكذب نفسه في نفي الولد دون القذف ، والحد إنما يجب إذا أكذب نفسه فيما رماها به من الزنا ، كما عن صريح المبسوط.

إلا أن الجميع كما ترى ، ضرورة أن إكذاب نفسه تنزيه لها لا زيادة هتك وتكرار قذف ، وإطلاق أدلة اللعان فضلا عن الأولة مقتض لسقوط الحد ، فلا معنى لاستصحابه ، بل المتجه استصحاب العكس ، وتعليل عدم الجلد في الصحيح المزبور كالصريح في أن لعانه كان بالقذف ، ونفى الولد وإن كان من المذكور فيه الأخير كالخبر المعارض المعلوم قصوره عن المعارضة سندا وعددا ، خصوصا مع ملاحظة قاعدة درء الحد والاستصحاب وعدم تجدد قذف منه بالإكذاب ، والأول قد سقط باللعان.

ومن الغريب ما في المسالك ، حيث اقتصر على ذكر الخبر الثالث دليلا للقول بالسقوط راويا لمتنه بدل « ولا يجلد » « ولا تحل له أبدا ، لأنه قد مضى التلاعن » ثم رجح خبر ابن الفضيل عليه بأنه ناص على الحد ، بخلاف خبر الحلبي الذي لم يتعرض فيه لذلك ، ثم قال : « مع أن في طريق الروايتين من هو مشترك بين الثقة والضعيف ، وإنما نجعلها شاهدا على ما اخترناه بالوجه العام » أي الذي ذكرناه أولا ، وقد عرفت ما فيه ، مع أن في روايات الحلبي الصحيح الصريح في نفي الحد المؤيد بالاستصحاب والتعليل وقاعدة درء الحد وإطلاق أدلة اللعان وغير ذلك مما لا يصلح الخبر المزبور الضعيف معارضا له ، فلا بد من طرحه أو تأويله بما لا ينافي ذلك من الإكذاب قبل إكمال اللعان كما عن الشيخ ، وإن كان هو مناف لما فيه من عدم رجوع الامرأة أو غير ذلك ، والله العالم.

ولو اعترفت هي بعد اللعان بأن أكذبت نفسها لم يعد شيئا من‌

٦٩

أحكام اللعان التي ثبتت به ، ولم يجب عليها الحد بذلك إجماعا كما في المسالك ، لما قيل من أن حد الزنا لا يثبت على المقر إلا أن يقر به أربع مرات.

ومن هنا قال المصنف وغيره لم يجب عليها الحد بذلك إلا أن تقر به أربع مرات بل وفي وجوبه معها تردد من اندفاعه باللعان ، ومن فحوى ما سمعته في إكذاب نفسه ، والتعليل في النصوص (١) السابقة بأن اللعان قد مضى ولذلك كان خيرة النهاية والسرائر والجامع وغيرها ، ومن عموم إيجاب الإقرار أربعا له ، وظهور كذبها في اللعان ، ولذلك كان خيرة ثاني الشهيدين والفاضل الأصبهاني ، بل حكاه الأول عن الشيخ في النهاية وأتباعه وابن إدريس والعلامة ، بل نسبه إلى الأشهر وإن كنا لم نتحقق شيئا من ذلك ، وكان الذي دعاهما إلى اختياره اختيارهما وجوب الحد على الرجل إذا أكذب نفسه ، وقد عرفت ضعفه.

ومنه يعلم أن الأقوى سقوطه هنا وإن أقرت به أربعا ، لما عرفته هناك ، بل كان المتجه على قولهم ثبوت الحد عليها باعترافها الأول ، لأنه مقتض لفساد لعانها باعترافها بكذبه ، فبقي ما اقتضاه لعان الزوج من وجوب الحد عليها بلا معارض ، بل تكون حينئذ كما لو نكلت ، وقد عرفت أنه خلاف الإجماع ، وهو مؤيد آخر للحكمين.

ولو عاد الرجل بعد أن أكذب نفسه وقال : لي بينة أقيمها أو ألاعن ثانيا لم يسمع منه في سقوط الحد عنه بناء على ثبوته عليه ، لأن البينة واللعان لتحقيق ما قاله ، وقد أقر بكذب نفسه ، والعقلاء مؤاخذون بإقرارهم ، والبينة إنما تسمع إذا لم يكذبها قولا أو فعلا.

ولو اعترف بالولد بعد موته لم يرث منه ، كما لو اعترف به في حياته ثم مات ، لما عرفت من عدم إفادة هذا الاعتراف في حق الولد شيئا ، لكن لو كان للولد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من كتاب اللعان.

٧٠

ولد ورث الجد الملاعن إذا لم يكن أقرب منه ، ولا يرث هو ابن الابن ، كما لا يرث الابن ، خلافا لأبي حنيفة.

ولو أقام بينة ثم أكذبها ففي توجه الحد عليه نظر ، من إقراره بكذبه الموجب للحد ، ومن ثبوت صدقه عند الحاكم بالبينة ، ولعل الأول أقوى.

ولو لم يكذب نفسه ولا لاعن ثبت عليه الحد ، فإن أقيم بعضه فبذل اللعان أجيب إليه ، فإن الحد يدرأ بالشبهة ، وكما أن اللعان يدرأ التمام فالبعض اولى ، مضافا إلى إطلاق أدلته.

المسألة الثانية :

إذا انقطع كلامه بعد القذف وقبل اللعان بأن اعتقل لسانه وعجز عن الكلام لمرض وغيره فان كان لا يرجى زواله فلا ريب في أنه حينئذ صار كالأخرس لعانه بالإشارة بل في المتن هو كذلك وإن لم يحصل اليأس منه ، لحصول العجز في الحال ، وحد القذف مضيق وربما يموت ، ويلحق به نسب ليس منه ، وذلك ضرر ، ويحتمل انتظار زواله ، للشك في الاكتفاء بالإشارة عن التصريح بالكلمات ، والأصل عدم ترتب حكم اللعان عليها.

٧١

المسألة الثالثة :

إذا ادعت أنه قذفها بما يوجب اللعان فسكت فأقامت عليه البينة ففي المسالك « له أن يلاعن ، ولم يكن السكوت إنكارا للقذف ولا تكذيبا للبينة في الحقيقة ، ولكنه جعل كالإنكار في قبول البينة ، وإذا لاعن قال : أشهد بالله إنى لمن الصادقين فيما أثبت علي من رميي إياها بالزنا » وفيه أن المذكور في كتاب القضاء إلزامه بالجواب ، فان امتنع حبس حتى يجيب ، وظاهرهم هناك عدم قيام البينة قبل حصول الجواب منه ، فدعوى أن السكوت مطلقا كالإنكار في قبول البينة ممنوعة ، ومع التسليم فالصدق مطابقة خبره للواقع لا ما قامت عليه البينة ، وإلا لصح ذلك منه حتى مع الإنكار ، بأن يقول : إني لمن الصادقين فيما قامت به البينة علي ، لا أقل من الشك في حصول شهادة اللعان الذي هو خلاف الأصل في الفرض فتأمل جيدا.

وكيف كان ف إن أنكر فأقامت عليه البينة ففي المتن لم يثبت اللعان وتعين الحد ، لأنه يكذب نفسه لكن في القواعد وشرحها والمسالك له اللعان إن أظهر لإنكاره تأويلا ، كأن يقول : « إني كنت قلت لها زنيت وبذلك شهد الشاهدان ولكنه ليس بقذف ، لأني صدقت في ذلك وإنما أنكرت أنى قذفتها ـ أي القول المزبور ـ كاذبا ».

وفيه أنه خلاف ظاهر اللفظ الذي يجب الأخذ به في ترتب الحكم الشرعي ، ومجرد كونه محتملا لا ينافي الظهور المعتبر ، وقد اعترف بذلك في المسالك ، حيث قال : « والوجه أنه إن ظهر لإنكاره هذا التأويل ونحوه من التأويلات المحتملة قبل ،

٧٢

وإلا فلا ، لأنه خلاف مدلول اللفظ ، فلا يكفي في نفيه مجرد الاحتمال ». ولا يخفى عليك ما فيه ضرورة أن المفروض مما نفاه ، إذ دعوى أنه غير مناف للظاهر كما ترى.

نعم قد يقال : إن هذا بمنزلة إنشاء القذف الجديد الذي صرح في القواعد وغيرها أن له اللعان به ، ويسقط الحد عنه وإن كانت صادقة في دعواها ، لأن من كرر قذف امرأته كفاه لعان واحد.

ولعل إطلاق المصنف منزل على الإنكار المقتضي لبراءتها ، فإنه حينئذ لا يصح له اللعان المنافي لما اعترف به من عفتها ، بل ليس له أن يقيم البينة والحال هذه ، لأنه كذب الشهود باعترافه ببراءتها ، بل ليس له إنشاء قذف جديد لذلك أيضا ، نعم لو مضت مدة يمكن زناها فيها صح منه اللعان حينئذ به ، لكن في سقوط حد القذف الذي قامت به البينة وجهان ، من أن قوله : « ما زنيت » يمنع من صرفه إلى الأول ، ومن إطلاق سقوط الحد باللعان الواحد القذف المتعدد وإن كان الأقوى الأول.

٧٣

المسألة الرابعة :

إذا قذف امرأته برجل على وجه نسبهما إلى الزنا بأن قال : « زنيت بفلان » كان عليه حدان ، لأنه قذف لهما ، نعم بناء على ما سيأتي إنشاء الله في الحدود من أنه إن كان القذف متعددا بلفظ واحد يتداخل الحدان ، ويكتفي بحد واحد لهما مع الاجتماع في طلبه ، وأما مع التفرق فلكل حد ، وما نحن فيه من أفراد تلك المسألة فحينئذ إن جاءا به مفترقين فلا إشكال في تعدد الحد.

ولكن له إسقاط حد الزوجة باللعان دون حده وإن جاءا به مجتمعين ، فان لاعن الزوجة سقط حدها وبقي حد الرجل أيضا ، لأن التداخل إنما هو إذا حصل حد ولم يحصل ، فكان كما لو لم يطلبه ، نعم إن لم يلاعن وحد لها تداخل الحدان بناء على القاعدة المزبورة ، وإن أطلق المصنف هنا ، إلا أنه لا يأبى تنزيله عليها ، ولا فرق عندنا في عدم سقوط حد الرجل بين ذكره في شهادات اللعان وعدمه ، لأن اللعان بالنسبة إلى إسقاط حد القذف مختص بالزوجة.

خلافا لبعض العامة ، فأسقط حده مع ذكره في لعانها ، لأن اللعان حجة في ذلك الزنا في طرف المرأة ، فكذا في طرف الرجل ، لأن الواقعة واحدة ، وقد قامت فيها حجة مصدقة ، وفيه أن اللعان إنما هو حجة على قذف الزوجة كما تضمنته الآية (١) لا على قذف غيرها ، فيبقى حكم قذفه على الأصل. نعم لو كان له بينة سقط الحدان لأنها حجة مطلقا.

__________________

(١) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٦ إلى ٩.

٧٤

المسألة الخامسة :

إذا قذفها فأقرت قبل اللعان قال الشيخ : لزمها الحد إن أقرت أربعا لما تسمعه في الحدود إنشاء الله ولكن سقط الحد عن الزوج ولو أقرت مرة لاعترافها بعدم الإحصان. ولو كان هناك نسب لم ينتف إلا باللعان ، وكان للزوج أن يلاعن لنفيه ، لأن تصادق الزوجين على الزنا لا ينفي النسب ، إذ هو ثابت بالفراش وهو جيد مطابق للقواعد العامة.

ولكن في المتن وتبعه الفاضل في القواعد في اللعان تردد وجعله في المسالك مما سمعت ومن أن اللعان غير متصور ، لأن الزوجة لا يمكنها أن تقول أشهد بالله أنه لمن الكاذبين في نفي الولد عنه مع تصديقها إياه على الزنا وعلى تولد الولد من الزنا ، فان ذلك فرض المسألة ، وإنما يتجه اللعان مع تصديقها له على الزنا دون تولد الولد منه.

وفي كشف اللثام « وينشأ الإشكال من أن اللعان على خلاف الأصل ، ولم يظهر لنا ثبوته إلا إذا تكاذبا ، ولا تكاذب هنا ، ومن أنه إذا علم انتفاء الولد منه وجب عليه نفيه ، ولا طريق إلى انتفائه إلا اللعان ، والصبر إلى بلوغ الولد واللعان معه لا يجوز ، إذ ربما مات أو مات الولد قبله أو قبل التمكن من اللعان بعده ، وحينئذ إنما يلتعن الزوج لأنها لا يمكنها الالتعان » وقال قبل ذلك أيضا : « لا إشكال في ثبوت اللعان إذا ادعت النسب ، لأن الإقرار بالزنا لا ينافيه ، وإنما يشكل الأمر إذا صادقته على الانتفاء أو سكتت أو اعترفت بالجهل واحتمال الأمرين ».

قلت : ليس في الكلام المحكي عن الشيخ إشعار باللعان مع التصادق وعلى تقديره ينبغي الجزم بعدم اللعان منها ، لعدم تصور صحة وقوعه ، لا التردد ، وإنما غرض الشيخ أن اعترافها بالزنا يسقط اللعان منها بالنسبة للقذف ، أما نفي الولد فلا ،

٧٥

إذ الاعتراف بالزنا لا ينافي لحوق الولد ، لقاعدة الفراش التي شرع اللعان لها ، بل قد يقال بصحة اللعان منها أيضا في صورة اعترافها بالجهل واحتمال الأمرين ، لإمكان شهادتها بالله على كذبه في نفيه مع فرض الإلحاق به شرعا ، وأما لعانه فلعله لعلمه بعدم الوطء الموجب للإلحاق به.

وبالجملة فالتردد الواقع من المصنف فيما ذكره الشيخ وتبعه عليه الفاضل في القواعد في غير محله. ومما ذكرنا يعلم النظر فيما في المسالك ، بل وكشف اللثام.

ومن الغريب دعواه في المسالك أن مفروض المسألة اعترافها بكون الولد من الزنا مع أنه لا أثر لذلك في الكلام المحكي عن الشيخ ، والأمر سهل بعد وضوح الحال لديك في جميع الصور.

المسألة السادسة :

إذا قذفها ف ادعى أنها اعترفت بذلك فأنكرت فأقام شاهدين باعترافها قال الشيخ في محكي المبسوط وتبعه الفاضل في محكي المختلف بل في الأول أنه مذهبنا لا يقبل إلا أربعة لعموم قوله تعالى (١) ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ ) ولأن الغرض من ثبوت الإقرار به إثبات الزنا الذي لا يثبت إلا بالأربعة أو الإقرار أربعا ، فكان الإقرار به كنفس الزنا ، وحينئذ إن لم يقم الأربعة ولم يلاعن يجب عليه الحد للقذف.

ولكن فيه إشكال ينشأ من كون ذلك شهادة بالإقرار لا بالزنا الذي خرج بأدلته عن إطلاق الإثبات بالشاهدين ، ومن هنا كان ثبوته بهما خيرة‌

__________________

(١) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٤.

٧٦

محكي الخلاف والسرائر وموضع من المبسوط ، نعم إنما يقبل في سقوط الحد عنه الذي يكفي فيه إقرارها به ولو مرة لا ثبوت الحد عليها الذي لا يوجبه إلا الشهود الأربعة بزناها أو إقرارها به أربعا ، اللهم إلا أن يشهد الشاهدان بإقرارها كذلك ، فان المتجه حينئذ ثبوته عليها بناء على ما عرفت ، وقد يحتمل ، بل ربما كان ظاهر بعض هنا اعتبار الأربعة في الإقرار أربعا بالنسبة إلى ثبوت الحد عليها ، ويأتي تحقيق ذلك في محله إنشاء الله.

المسألة السابعة :

إذا قذفها فماتت قبل اللعان أو إكماله في كل منهما سقط اللعان وورثها الزوج لبقاء علقة النكاح بينهما وعليه الحد للوارث بناء على أن حد القذف يورث ، لعموم أدلة الإرث ولكن لو أراد دفع الحد عنه باللعان منه خاصة جاز لعموم أدلة اللعان فيترتب عليه ما يخصه من الحكم ، وهو سقوط الحد عنه ، نعم لا يترتب عليه الأحكام المترتبة على لعانهما من الحرمة المؤبدة ونفي النسب لو كان اللعان فيه ، وحينئذ فيرثها بعد لعانه الذي هو لإسقاط الحد عنه إلا أن في رواية أبي بصير (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام إن قام رجل من أهلها فلاعنه فلا ميراث له وإلا أخذ الميراث.

ولفظها على ما في التهذيب‌ أبو بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل قذف امرأته وهي في قرية من القرى ، فقال السلطان : ما لي بهذا علم ، عليكم بالكوفة ، فجاءت إلى القاضي ليلاعن فماتت قبل أن يتلاعنا ، فقالوا هؤلاء : لا ميراث لك ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : إن قام رجل من أهلها مقامها فلاعنه فلا ميراث له ، وإن أبى أحد من أوليائها أن يقوم مقامها أخذ الميراث زوجها ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من كتاب اللعان الحديث ١.

٧٧

وفي‌ خبر عمر بن خالد عن زيد بن علي (١) عن آبائه عن علي عليه‌السلام « في رجل قذف امرأته ثم خرج فجاء وقد توفيت ، فقال : تخير واحدة من ثنتين : يقال له : إن شئت ألزمت نفسك الذنب ، فيقام عليك الحد وتعطى الميراث ، وإن شئت أقررت فلاعنت أدنى قرابتها إليها ولا ميراث لك ».

ولكن إرسال الأولى وضعف الثانية مع عدم الجابر ـ وإن كان إليه ذهب الشيخ في الخلاف والنهاية والقاضي وابن حمزة بل عن الأول الإجماع عليه وإن كنا لم نتحققه ـ يمنع من العمل بهما ، وخصوصا مع مخالفتهما لأصالة عدم ترتب أحكام اللعان الثابت بين الزوجين بل وللأصل في أن الميراث يثبت بالموت ، فلا يسقط باللعان المتعقب.

على أن لعان الوارث متعذر غالبا ، لتعذر القطع من الوارث على نفي فعل غيره ، وإيقاعه على نفي العلم تغيير للصورة المنقولة شرعا ، وفرض إمكان اطلاع الوارث وعلمه بانتفاء الفعل حيث يكون الفعل محصورا بأن يدعى عليها أنها زنت في ساعة كذا بفلان أو مطلقا وقد كان الوارث ملازما لها أو للمنسوب إليه في تلك الساعة على وجه يعلم انتفاء الفعل كما في نظائره من الشهادات على النفي المحصور نادر لا ينزل عليه الخبران المزبوران ، ولا كلام العامل بهما.

وأما إشكالهما بأن الاجتزاء بأي وارث كان مع التعدد ترجيح من غير مرجح فقد يدفع بظهور الخبر الأول في الاكتفاء به ولو مع التعدد وعدم بذلهم أجمع.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من كتاب اللعان الحديث ٢ عن عمرو بن خالد.

٧٨

المسألة الثامنة :

قد عرفت فيما تقدم أن تكرار القذف قبل اللعان من غير أن يتخلله الحد لا يوجب زيادته عن حد واحد ولا أزيد من لعان واحد إجماعا ، كما في المسالك ، لصدق الرمي على المتحد والمتعدد.

إنما الكلام فيما إذا قذفها فلم يلاعن فحد ثم قذفها به ف قيل والقائل الشيخ في محكي المبسوط لا يحد لا لما قيل من أن الحد في القذف إنما يثبت مع اشتباه صدق القاذف وكذبه ، لا مع الحكم بأحدهما ، وكذبه هنا معلوم بقوله تعالى (١) ( فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ ) إذ هو كما ترى ، بل للشك في وجوب الحد على القذف الذي حصل الحد عليه ، لأنه قذف واحد وإن تكرر لفظه تأكيدا ، والأصل البراءة ، خصوصا مع بناء الحدود على التخفيف ، ولذا تدرأ بالشبهات ، مضافا إلى ما عن الخلاف من الإجماع والأخبار.

وقيل والقائل هو أيضا في محكي الخلاف يحد تمسكا بحصول الموجب وهو صدق اسم القذف والرمي ، والأصل تعدد المسبب بتعدد السبب الذي لا وجه للشك فيه بعد اقتضاء ظاهر الدليل الذي هو مناط الأحكام الشرعية ، ومن هنا كان هو أشبه بأصول المذهب وقواعده ، وربما يؤيد بأنه لا إشكال في وجوب الحد عليه لو قذفها بغير القذف الذي حد عليه ، وليس هو إلا لصدق القذف المشترك بينه وبين رميها بالأول ، فتأمل.

وكذا الخلاف فيما لو تلاعنا ثم قذفها به وإن كان القول هنا بسقوط الحد أظهر بل المحكي عن الشيخ اتفاق قوليه على السقوط ، ولعله لأن اللعان مساو للبينة والإقرار من المرأة في سقوط الحد ثانيا ، ولكن الانصاف عدم خلو ذلك‌

__________________

(١) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ١٣.

٧٩

عن الإشكال ، لأن اللعان إنما أسقط الحد الذي وجب عليها بلعانه ، فهو بمنزلة البينة أو الإقرار بالنسبة إلى ذلك ، إذ لم يثبت زناها به ، ولا أقرت ولا نكلت ، فالقذف الثاني سبب موجب للحد ، لعموم الآية (١) واللعان المتقدم لا يصلح لإسقاطه ، لاستحالة تقدم المسبب على السبب ، وربما يؤيده إطلاق‌ قول الصادق عليه‌السلام في الصحيح (٢) : « وإن دعاه أحد ـ أي ولد الملاعنة ـ ابن الزانية جلد الحد ».

وحينئذ فهو في الحقيقة كالقذف المتعقب للحد. ومن هنا لو قذفها به الأجنبي حد بلا خلاف أجده وإن كان بعد التلاعن الذي لو كان بمنزلة البينة أو الإقرار لم يحد ، لارتفاع عفتها حينئذ المقتضي لسقوط الحد عن قاذفها ، ولذا لو قذفها فأقرت ثم قذفها الزوج أو الأجنبي فلا حد وإن كان أقرت مرة واحدة‌ لعموم « إقرار العقلاء » (٣) وإن لم يثبت عليها الحد إلا بالأربع ، إلا أن الإحصان غيره وهو واضح.

بل لعل المتجه ثبوت الحد أيضا لو قذفها الزوج ولاعن فنكلت ثم قذفها الأجنبي وإن قال الشيخ في المحكي عنه في كتابي الفروع لأحد تنزيلا للنكول منزلة البينة أو الإقرار المزيلين للإحصان.

ولكن الإنصاف أنه لو قيل يحد كان حسنا وفاقا للمحكي عن الأكثر لعموم الأدلة ، بعد منع زوال الإحصان بالنكول المحتمل كونه لقصد السلامة من محذور اليمين وإن ترتب عليها الحد من حيث عدم تخلصها عن الدعوى باليمين ، لكن ذلك لا يقتضي ارتفاع إحصانها بمعنى عفتها.

__________________

(١) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من كتاب اللعان الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب الإقرار الحديث ٢.

٨٠