جواهر الكلام - ج ٣٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

كما ترى ، بل قد يقال : إن المراد من‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « الولد للفراش وللعاهر الحجر » لذي الفراش بمعنى المفترش للزوجة فعلا ، لا أن المراد المعدة للفراشية وإن لم يتحقق الافتراش منه بإقراره أو بالبينة.

إنما الكلام في اختصاص ذلك بالزوجة الدائمة أو كل موطوءة بغير زنا سواء كان بملك يمين أو بتحليل أو عقد متعة ، بل أو شبهة كما أشار إليه المصنف في الأمة بقوله وهل تصير فراشا بالوطء فيه روايتان أظهرهما أنها ليست فراشا ، ولا يلحق ولدها إلا بإقراره ولو اعترف بوطئها وتبعه عليه الفاضل والشهيد وغيرهما ، بل لم يحك الخلاف في ذلك إلا عن ظاهر الاستبصار وصريح الجامع ، ومال إليه ثاني الشهيدين في المسالك.

والرواية التي أشار إليها المصنف الدالة على أنها ليست فراشا هي رواية محمد ابن عجلان (٢) وصحيحة عبد الله بن سنان (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال في الأول : « إن رجلا من الأنصار أتى أبا جعفر عليه‌السلام فقال : إني قد ابتليت بأمر عظيم ، إني وقعت على جاريتي ثم خرجت في بعض حوائجي فانصرفت من الطريق فأصبت غلامي بين رجلي الجارية فاعتزلتها فحبلت ، ثم وضعت جارية لعدة تسعة أشهر ، فقال له أبو جعفر عليه‌السلام : احبس الجارية لا تبعها ، وأنفق عليها حتى تموت أو يجعل الله لها مخرجا ، فان حدث بك حدث فأوص أن ينفق عليها من مالك » ونحوه في الثاني إلى قوله : « مخرجا » وأورد بدل « احبس الجارية » « لا ينبغي لك أن تقربها ».

ورواية حريز (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أيضا « في رجل كان يطأ جارية له وأنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من كتاب اللعان الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٣.

٤١

كان يبعثها في حوائجه وأنها حبلت ، وأنه بلغه عنها فساد ، فقال أبو عبد الله : إذا ولدت أمسك الولد ولا يبيعه ، ويجعل له نصيبا في داره ، قال : فقيل له : رجل يطأ جارية له وأنه لم يكن يبعثها في حوائجه وأنه اتهمها وحبلت ، فقال : إذا هي ولدت أمسك الولد ولا يبيعه ، ويجعل له نصيبا من داره وماله ، وليست هذه مثل تلك ».

والمرسل عن عبد الحميد بن إسماعيل (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل كانت له جارية يطئها وهي تخرج فحبلت ، فخشي أن لا يكون منه كيف يصنع؟ أيبيع الجارية والولد؟ قال : يبيع الجارية ولا يبيع الولد ، ولا يورث من ميراثه شيئا ».

وصحيح سعيد بن يسار (٢) سأل الكاظم عليه‌السلام « عن الجارية تكون للرجل يطيف بها وهي تخرج فتعلق ، قال : أيتهمها الرجل أو يتهمها أهله؟ قلت : أما ظاهرة فلا ، قال : إذا لزمه الولد ».

وسأل الصادق عليه‌السلام في حديث آخر (٣) « عن رجل وقع على جارية له تذهب وتجي‌ء وقد عزل عنها ، ولم يكن منه إليها ما تقول في الولد؟ قال : أرى أن لا يباع هذا يا سعيد ، قال : وسألت أبا الحسن عليه‌السلام ، قال : أيتهمها؟ قلت : أما تهمة ظاهرة فلا ، قال : يتهمها أهله؟ فقلت : أما شي‌ء ظاهر فلا ، فقال : كيف تستطيع أن لا يلزمك الولد؟ » المشعران بعدم لحوق الولد مع التهمة.

وخبر محمد بن إسماعيل الخطاب (٤) « كتب إليه يسأله عن ابن عم له كانت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٤ ـ عن جعفر ابن محمد بن إسماعيل بن الخطاب كما في الاستبصار ج ٣ ص ٣٦٧ والتهذيب ج ٨ ص ١٨٠ وفي الجميع « أو فيه مشابهة منك فلا تبعهما » كما ذكرها ( قده ) كذلك في ج ٣١ التعليقة الثانية من ص (٢٤٦).

٤٢

له جارية تخدم فاستراب بها ، فهدد الجارية ، فأقرت أن الرجل فجر بها ، ثم أنها حبلت بولد ، فكتب إن كان الولد لك أو كان فيه مشابهة منك فلا تبعه ، وبع امه ».

وخبر يعقوب بن يزيد (١) « كتب إلى أبى الحسن عليه‌السلام في هذا العصر رجل وقع على جارية ثم شك في ولده ، فكتب إن كان فيه مشابهة منه فهو ولده » إلى غير ذلك من النصوص المشتركة في الدلالة على عدم كونها فراشا ، وإلا لاقتضى لحوق الولد به على كل حال إلا مع العلم بتكونه من غيره.

بل قد عرفت في كتاب النكاح في بحث لحوق الأولاد أن المحكي عن الأكثر بل المشهور اشتراط لحوق ولد الأمة بالواطي بعدم أمارة يغلب الظن فيها بعدم كونه منه ، ولو كانت فراشا لم يلتفت إلى الأمارة المزبورة كما في الزوجة الدائمة ، بل اتفاقهم كنصوص (٢) المقام على عدم اللعان بينهما دليل على عدم الفراشية التي شرع اللعان لنفي مقتضاها ، وإنما لحوق الولد للإقرار الذي لم يشرع اللعان لنفيه ، بل اتفاقهم أيضا على انتفائه بالنفي دليل آخر ، ضرورة كون انتفائه بالنفي حينئذ منافيا لقاعدة الفراش وموافقا للحوقه بالإقرار المفروض انتفاؤه.

وما في المسالك من « أن السر بانتفائه عنه بنفيه من غير لعان أن الولد الذى يظهر للزوج كونه منتفيا عنه يليق بالحكمة أن يجعل الشارع له طريقا إلى نفيه عنه ، ليخرج عنه من ليس منه ، ولما نصب لولد الزوجة طريقا إلى النفي باللعان وخصه بالزوجين بقوله تعالى (٣) ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ ) فلا بد من طريق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللعان الحديث ١٢ و ١٣ والمستدرك الباب ـ ٥ ـ منه الحديث ٦.

(٣) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٦.

٤٣

آخر لنفي ولد الأمة حيث يقتضي الحال نفيه ، فإذا لم يمكن باللعان بقي على أصل الإلحاق كما لو تعذر اللعان حيث يشرع لزم أن يكون ولد الأمة أقوى اتصالا وأحسن حالا من ولد الزوجة الدائمة ، فشرع لذلك انتفاءه بمجرد النفي من غير لعان ، إذ ليس هناك طريق آخر » كما ترى لا يرجع إلى محصل ولا إلى دليل شرعي ، بل لا بد من القول بأن مبنى ذلك عدم كونها فراشا بل لا طريق إلى الحكم بإلحاق الولد به إلا إقراره المفروض انتفاؤه وأنه ينفي الولد عنه ، إذ لا دليل شرعي يقتضي إلحاقه به.

بل إن لم يكن إجماع أمكن القول بعدم انتفائه عنه لو نفاه في مقام يقر بوطئها على وجه حكم الشارع بإلحاقه به لإمكان تولده منه مع فرض عدم العلم بوطء غيره ، بل ولا تهمة منه لها ، فيخص حينئذ ما ادعوه من الإجماع على انتفائه بنفيه حيث يمكن أن يكون نفيه لعلمه بعدم تكونه منه ، لعلمه بعدم وطئه لها على وجه يمكن تكون الولد منه ، وقول الأصحاب أنه ينتفي بنفيه وإن أقر بوطئها يراد منه وإن أقر بكونها موطوءة له في الجملة ، لا أنه وإن أقر بأنها موطوءة له وطئا ألحقه الشارع به ، لإمكان تكون الولد منه وعدم العلم بوطء غيره وعدم تهمتها بذلك.

وعلى كل حال فمما ذكرنا يظهر لك الفرق بين الزوجة المدخول بها وبين الأمة ، ويظهر أيضا معنى كونها ليست فراشا ، كما تسمع ما يؤيده إنشاء الله.

هذا ولكن في مقابل ذلك كله نصوص وفتاوى ( منها ) إطلاق‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) « الولد للفراش وللعاهر الحجر » بناء على أن المراد من الفراش المقابل بالعهر مطلق الافتراش بحل ولو بشبهة.

و ( منها ) صحيح سعيد الأعرج (٢) سأل الصادق عليه‌السلام « عن رجلين واقعا على جارية في طهر واحد لمن يكون الولد؟ قال : للذي عنده الجارية ، لقول رسول‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

٤٤

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر » وخبر الحسن الصيقل (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سمعته يقول وسئل عن رجل اشترى جارية ثم وقع عليها قبل أن يستبرئ رحمها ، قال : ما صنع!! يستغفر الله ولا يعود ، قلت : فإنه باعها من رجل آخر ولم يستبرئ رحمها ثم باعها الثاني من رجل آخر ولم يستبرئ رحمها فاستبان حملها عند الثالث ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : الولد للفراش وللعاهر الحجر » ونحوه‌ خبره الآخر (٢) إلا أنه قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : الولد للذي عنده الجارية وليصبر ، لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الولد للفراش وللعاهر الحجر ».

و ( منها ) خبر علي بن جعفر (٣) عن أخيه موسى عليه‌السلام « سألته عن رجل وطأ جارية فباعها قبل أن تحيض فوطأها الذي اشتراها في ذلك الطهر فولدت له لمن الولد؟ قال : الولد للذي عنده وليصبر ، لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الولد للفراش وللعاهر الحجر » إلى غير ذلك من النصوص الموافقة لفتواهم في بحث لحوق الأولاد أنه متى وطأ الأمة مولاها ألحق به الولد ، ولزمه الإقرار به إلا مع العلم بانتفائه منه.

ولكن قد يقال إن النصوص المزبورة موافقة لما رواه‌ العامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) « أنه تنازع إليه سعد وعبد بن زمعة عام الفتح في ولد ولده زمعة ، وكان زمعة قد مات ، فقال سعد ، : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن أخي كان قد عهد إلى فيه ، وذكر أنه ألم بها في الجاهلية ، وقال عبد هو أخي وابن وليدة أبي ، ولد على فراشه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عبد بن زمعة هو لك ، الولد للفراش وللعاهر الحجر » فيمكن أن يكون النصوص المزبورة للتقية ، خصوصا بعد أن لم يكن في مفروض بعضها عاهر ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٧.

(٤) سنن البيهقي ج ٧ ص ٤١٢.

٤٥

نحو‌ خبر محمد بن قيس (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في وليدة جامعها ربها ثم باعها من آخر قبل أن تحيض فجامعها الآخر ولم تحض فجامعها الرجلان في طهر واحد فولدت غلاما فاختلفا فيه ، فسألت أم الغلام فزعمت أنهما أتياها في طهر واحد ، فلا تدري أيهما أبوه ، فقضى في الغلام أنه يرثهما كلاهما ويرثانه سواء » الذي لا ريب في حمله على التقية.

إنما الإشكال في الجمع بين كلمات الأصحاب في المقام وفي بحث لحوق الأولاد ، فإن ظاهرهم هنا عدم كونها فراشا ، وأنه لا يلحقه الولد حتى يقر به ، وفي ذلك المقام أنه يلحق به الولد علم إقراره به أو لا ، نعم لو نفاه انتفى ، وتظهر الثمرة بالموت مثلا.

وقد أطنب فيه في المسالك ، والذي استقر رأيه عليه بناء على كون الأمة ليست فراشا أنا لا نحكم بلحوق الولد به إلا بإقراره ، قال : « وأما ما ذكروه في باب إلحاق الأولاد فهو منزل على أن ذلك الحكم الذي يلزم المولى فيما بينه وبين الله تعالى ، بمعنى أنه إذا وطأ الأمة وطءا يمكن إلحاق الولد به يجب عليه الاعتراف به واستلحاقه ، ولا يجوز له نفيه عنه بتهمة أمة إلا على تلك الرواية الشاذة ، وأما بالنسبة إلينا فلا نحكم بإلحاقه به ما لم يعترف به حيث لا نجعلها فراشا ، وهكذا القول فيما لو وطأها المولى وغيره ، فإنه يحكم به للمولى دون الغير إذا كان وطؤ مجوزا ، ولكن بالنسبة إلينا لا نحكم به له إلا باعترافه به ـ هذا وقد حكى عن فخر المحققين أنه قال في شرحه ـ : إن معنى كونها ليست فراشا أنه لا يلحق ولدها به إلا بإقراره به أو بوطئها وإمكان لحوقه به ـ قال ـ : وكأنه حاول بذلك الجمع بين حكم الأصحاب بكونها ليست فراشا مطلقا وبين حكمهم في باب لحوق الأولاد بلحوق ولد الأمة بالمولى الواطئ ، وأنه يلزمه الإقرار به حيث يمكن كونه منه ، وأنه لو وطأها غيره ألحق به دون الغير من غير تقييد بإقراره به ، فجعل مستند ذلك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٦.

٤٦

الوطء الواقع من المولى ، وأقامه مقام الإقرار به من غير أن يعلم كونه واطئا ـ ثم ضعفه ـ بأن إلحاقه به مع وطئه لها من لوازم الفراش كما سبق ، فلو جعل مترتبا على عدمه لم يبق فرق بين الفراش وغيره ، اللهم إلا أن يجعل الوطء الموجب للفراش كافيا في إلحاق الولد بعد ذلك وإن لم يمكن استناده إلى ذلك الوطء الشخصي الثابت ، كما هو أحد الاحتمالين في المسألة ، ويجعل هذا الوطء القائم مقام الإقرار هو الوطء الذي يمكن استناد الولد إليه ، ومع ذلك ففيه مخالفة لما ذكره الجميع في معنى الفراش ، فإنهم أطبقوا على أن فائدته لحوق الولد به مع إمكانه وإن لم يعترف به ، وعدم لحوقه بمن ليست فراشا إلا بإقراره ، والوجه أن الاكتفاء بالوطء في هذا القسم ليس في محله ، وإنما محله على تقدير كونها فراشا ، لأن الوطء حينئذ لا بد من العلم به ليتحقق به كونها فراشا كما قد تحقق » إلى آخر ما ذكره.

وفي الروضة بعد أن حكى الإجماع على انتفائه بنفيه قال : « إنما الخلاف في أنه هل يلحق به بمجرد إمكان كونه منه وإن لم يقر به أم لا بد من العلم بوطئه وإمكان لحوقه به أو إقراره به ، فعلى ما اختاره المصنف والأكثر لا يلحق به إلا بالإقرار به أو وطئه وإمكان لحوقه به ، وعلى القول الآخر لا ينتفي إلا بنفيه أو العلم بانتفائه عنه ، ويظهر من العبارة وغيرها من عبارات المحقق والعلامة أنه لا يلحق به إلا بإقراره به ، فلو سكت ولم ينفه ولم يقر به لم يلحق به ، وجعلوا ذلك فائدة عدم كون الأمة فراشا بالوطء ، والذي حققه جماعة أنه يلحق به بإقراره أو العلم بوطئه وإمكان لحوقه به وإن لم يقر به ، وجعلوا الفرق بين الفراش وغيره أن الفراش يلحق به الولد وإن لم يعلم وطؤه مع إمكانه إلا مع النفي واللعان ، وغيره من الأمة والمتمتع بها يلحق به الولد إلا مع النفي ، وحملوا عدم لحوقه إلا بالإقرار على اللحوق اللازم ، لأنه بدون الإقرار ينتفي بنفيه من دون لعان ، ولو أقر به استقر ، ولم يكن له نفيه بعده ، وهذا هو الظاهر ، وقد سبق في أحكام الأولاد ما ينبه عليه ، ولولا هذا المعنى لتنافي ما ذكروه هنا مع ما حكموا به فيما سبق من‌

٤٧

لحوقه به بشرطه ».

قلت : وحاصله هنا اختيار ما أنكر عليه في المسالك ولكن الإنصاف أن التأمل التام يقتضي أن مرادهم بعدم فراشية الأمة هنا وإن اعترف بوطئها عدم كونها كالزوجة المدخول بها في الحكم بلحوق الولد بمجرد إمكان كونه منه ولا ينتفي عنه إلا باللعان ، بل لا بد من الإقرار فيها بالولد أو بالوطء الذي يمكن تكون الولد منه ، ولا يكفي كونها موطوءة له في الجملة ، كما كان يكفي في لحوق ولد الزوجة مجرد كونها مدخولا بها مع إمكان كونه منه ، لكونها فراشا بخلاف الأمة ، فإنها ليست فراشا بهذا المعنى وإن حكم بلحوق الولد به بإقراره أو بالعلم بوطئه لها على وجه يمكن تكون الولد منه مع عدم العلم بوطء محترم لغيره ، بل قد سمعت تقييد غير واحد له من الأصحاب بما إذا لم تكن هناك أمارة يغلب الظن فيها أنه ليس منه ، بل قد سمعت جملة من النصوص (١) الدالة على عدم لحوقه به ، وعدم نفيه مع اتهامه لها أو اتهام أهله أو خروجها في الحوائج وإن كان قد عرفت البحث فيها في كتاب النكاح وفي المقام ، فلاحظ وتأمل.

وكيف كان فالمراد أن اتفاق الأصحاب على الانتفاء بالنفي لا ينطبق إلا على عدم كون الأمة فراشا ، ومن هنا أشكل على العامة الحال ، فإنهم بعد أن وافقوا على أن ولد ملك اليمين لا ينتفي باللعان اختلفوا في طريق نفيه لمن علم انتفاءه ، فمنهم من سد الطريق عن نفيه نظرا إلى الولد للفراش ، وليس هناك طريق إلى النفي ، ومنهم من جوز نفيه باللعان للضرورة حذرا من أن يكون أقوى من ولد الزوجة ، ومنهم من نفاه بيمينه.

والسبب الذي ألجأهم إلى ذلك تخيلهم كون الأمة فراشا ، ولم يعلموا أنها ليست فراشا يقتضي لحوق الولد به كما يقتضي لحوق ولد الزوجة المحتاج نفيه إلى اللعان ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٥ و ٥٦ و ٥٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء من كتاب النكاح.

٤٨

وإنما لحوقه به بالإقرار المفروض انتفاؤه ، لأنه ناف له ، ولا ينافي ذلك إلحاق الشارع الولد به مع العلم بوطئه على وجه يمكن تكون الولد منه ، ولم يعلم وطء لغيره ولا تهمة ، بل إن لم يكن إجماع أمكن القول بعدم انتفائه عنه لو نفاه في هذا الحال ، وإنما ينتفي عنه لو لم يعلم الحال ، ويمكن أن يعلم بعدم تكونه منه لسبق وطئه له على وجه لا يمكن تكونه منه ، وحينئذ لا يلحق الولد به إلا بإقراره ، فإن نفاه انتفى عنه ، بل لا يحكم بلحوقه به إذا لم نعلم وطءه لها على وجه يمكن تكون الولد منه وإن علمنا كونها موطوءة له سابقا على وجه لا يمكن تكون هذا الولد منه ، بخلاف الزوجة ، فان احتمال وطئه لها كاف في لحوق الولد بعد أن كانت مدخولا بها.

ولعله إلى ما ذكرنا يرجع ما سمعت من كلام الفخر من أن معنى كونها ليست فراشا أنه لا يلحق ولدها به إلا بإقراره أو بوطئها وإمكان لحوقه به وإن اعترض عليه في المسالك بما سمعت ، بل لا يخفى عليك دفعه بعد الإحاطة بما ذكرنا ، بل لعل التأمل الجيد في كلامه يقتضي ما ذكرناه من أنه لا ينتفي حينئذ بنفيه في الحالين المزبورين.

ومن الغريب أنه في المسالك قد اختار ما ذكرنا على تقدير كون الأمة فراشا ولم يتنبه لدفع أصل الإشكال فيه ، قال : « وعلى تقدير صيرورتها فراشا بالوطء هل يستمر لذلك ما دامت على ملكه أم يختص الحكم بالولد الذي يمكن تولده من ذلك الوطء خاصة ، حتى لو أتت بولد بعد أقصى الحمل من الوطء الذي يثبت بإقراره أو البينة لا يلحق به بدون الإقرار به؟ وجهان من حصول شرط الفراش وهو الوطء ، فنزل منزلة العقد الدائم على الحرة ، لأن وطء الأمة إما تمام السبب للفراشية أو شرط فيها ، وعلى التقديرين حصل الفراش به كالعقد ، فيستمر الحكم حينئذ كما استمر حكم الفراش بالعقد ، ولم يشترط بعد ذلك ظهور وطء يلحق به الولد ، ومن ضعف فراشية الأمة ودلالة تلك النصوص (١) الموجبة لإلحاق الولد به على كونه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء من كتاب النكاح.

٤٩

مولودا في وقت يمكن تخلقه من ذلك الوطء ، فيبقى غيره على الأصل ، ولا إشكال في انتفائه عنه بنفيه ، وإنما تظهر الفائدة لو لم ينفه ، فهل يلحق به ظاهرا بمجرد الوطء السابق أم يتوقف على الإقرار به؟ بني على الوجهين ، والأظهر الثاني ».

قلت : ينبغي القطع به ، إذ لا دليل على فراشيتها بالوجه الأول ، وبه يفرق بينها وبين الزوجة ، بل به يرتفع الإشكال بين كلمات الأصحاب في المقام وفي بحث لحوق الأولاد ، بل بالتأمل يرتفع الإشكال في النصوص (١) المزبورة ، وحاصله أن المحتاج في الإلحاق إلى إقرار هو الذي ينتفي بنفيه لو نفاه ، وأما الذي يحلق به شرعا ولو لاعترافه بالوطء الذي يمكن تكونه منه مع عدم العلم بوطء غيره ولا تهمة فلا ينتفي بنفيه بل يلحق به للنصوص (٢) المزبورة الظاهرة أو الصريحة في عدم ترتب الانتفاء على نفيه لعدم استطاعته نفيه في الحال المزبور فهو ملحق به لذلك شرعا ، لا لأنها فراش ، إذ لا طريق إلى علمه بعدم تكونه منه ليصح له نفيه عنه فتأمل جيدا.

بل من التأمل فيما ذكرنا يعلم أن موضوع اللعان في الزوجة مع عدم العلم بالحال ، وإلا فمع العلم بالحال وأنه قد وطأها وطأ يصلح لتكون الولد منه لا يشرع له اللعان لنفيه ، للحكم بلحوقه شرعا ، وللنهي (٣) عن نفيه ، نعم لو لم يعلم الحال وكان إلحاقه به لقاعدة الفراش التي يمكن علم الزوج بفسادها ولو للعلم بزمان وطيه الذي لا يصلح لتكون الولد منه يصح له حينئذ نفيه ، ويشرع له اللعان ، فتأمل جيدا ، فان ذلك من أسرار الفقه.

هذا ولا يخفى عليك جريان ما ذكرناه في الأمة في المتمتع بها التي قد سمعت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٥ و ٥٦ و ٥٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء من كتاب النكاح.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء من كتاب النكاح.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب المتعة من كتاب النكاح.

٥٠

النص (١) والفتوى على نفي اللعان فيها ، وأنها بمنزلة الإماء ، بل الظاهر اتفاق الأصحاب على عدم كونها فراشا ، لكن ينبغي أن يكون على نحو ما سمعته في الأمة ، ولا ينافي ذلك لحوق الولد به ، للنصوص (٢) التي هي أصرح من نصوص الأمة ، بل في‌ صحيح ابن بزيع (٣) منها « سأل رجل الرضا عليه‌السلام وأنا أسمع عن الرجل يتزوج المرأة متعة ويشترط عليها أن لا يطلب ولدها ، فتأتي بعد ذلك بولد ، فينكر الولد ، فشدد في ذلك ، وقال : يجحد وكيف يجحد؟ إعظاما لذلك الجحد » وفي حسن ابن أبي عمير وغيره (٤) « إن الماء ماء الرجل يضعه حيث يشاء ، إلا أنه إن جاء بولد لم ينكر ، وشدد في إنكار الولد » إلى غير ذلك من النصوص التي ذكرناها في محلها التي هي صريحة في لحوق الولد به مع وطئه لها وطءا يمكن تكون الولد منه ، بل لعلها ظاهرة فيما قلناه سابقا من عدم نفيه عنه لو نفاه عنه في هذا الحال ، نعم ينتفي عنه لو نفاه مع عدم العلم بالحال على الوجه الذي ذكرناه في الأمة وكذا الكلام في وطء الشبهة والأمة المحللة ولكن الجميع على الوجه الذي قلناه في الأمة ، وقد تقدم منا في بحث لحوق الأولاد ما يؤكد ذلك ، فلاحظ وتأمل ، فإنه دقيق جدا نافع للجمع بين النصوص والفتاوى.

وكأنه تنبه له في الجملة في كشف اللثام في بحث لحوق الأولاد ، فإنه قيد عبارة الفاضل في القواعد التي هي : « وأما النكاح المؤجل فإذا اجتمعت الشروط الثلاثة لم يحل له نفيه ، لكن لو نفاه » فقال : « من غير اعتراف بالشروط ولا علم انتفى من غير لعان » وهو كالصريح في عدم الانتفاء مع الاعتراف بالشروط الثلاثة التي هي الوطء وتولده لستة أشهر فصاعدا وأن لا يتجاوز أقصى الحمل ، وهذا بعينه الذي قلناه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من كتاب اللعان والباب ـ ٤ ـ من أبواب المتعة الحديث ٦ من كتاب النكاح.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب المتعة من كتاب النكاح.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب المتعة الحديث ٢ من كتاب النكاح.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب المتعة الحديث ٥ من كتاب النكاح.

٥١

في الأمة التي من المعلوم عدم الفرق بينها وبين المتعة بالنسبة إلى ذلك نصا وفتوى.

بل من ذلك يعلم الوجه في جملة من الكلمات حتى عبارة اللمعة في بحث لحوق الأولاد التي هي كالصريحة في الانتفاء بنفيه وإن فعل حراما في نفيه ، لكن المراد منها وما يشابهها أنه يفعل حراما فيما بينه وبين الله تعالى لو نفاه مع علمه باجتماع الشروط الثلاثة ، وإن كنا نحن نحكم بظاهر نفيه ، إذ لم يعترف هو بها ولا علم لنا بها.

كما أن منه يعلم الوجه في قولهم ينتفي بالانتفاء الذي لم نقف على خبر يدل عليه حتى من طرق العامة ، مع أنه قد استفاض نقل الإجماع عليه ، ولا وجه له إلا ما ذكرناه من أن المراد الانتفاء بنفيه حيث يحتاج اللحوق إلى إقرار ولم تكن هناك قاعدة شرعية تقتضيه ، كما ذكرناه في الصورة السابقة ، فإنه ينتفي بالانتفاء حينئذ لعدم الإقرار ، وفائدة النفي حينئذ الحكم بانتفائه عنه وإن كان هو غير لاحق له مع السكوت ، والله العالم.

٥٢

الركن الرابع

في كيفية اللعان

ولا يصح إلا عند الحاكم أو منصوبه لذلك كما صرح به جماعة ، بل عن موضع من المبسوط « لا يصح إلا عند الحاكم أو خليفته إجماعا » وعن موضع آخر « اللعان لا يصح إلا عند الحاكم أو من يقوم مقامه من خلفائه » ولعله لأنه شهادة أو يمين لا يسجل بهما إلا الحاكم ، وإليه يرجع ما قيل من أنه حكم شرعي يتعلق به كيفيات وأحكام وهيئات ، فيناط بالإمام وخليفته ، لأنه المنصوب لذلك ، ومن أن الحد يقيمه الحاكم فكذا ما يدرؤه.

وفي‌ صحيح ابن مسلم (١) سأل الباقر عليه‌السلام « عن الملاعن والملاعنة كيف يصنعان؟ قال : يجلس الامام مستدبر القبلة ».

وصحيح البزنطي وحسنه (٢) سأل الرضا عليه‌السلام « كيف الملاعنة؟ فقال : يقعد الامام ويجعل ظهره إلى القبلة ، ويجعل الرجل عن يمينه والمرأة عن يساره » الحديث.

وفي المرسل (٣) عن الصادق عليه‌السلام « واللعان أن يقول الرجل لامرأته عند الوالي : إني رأيت رجلا مكان مجلسي منها ، أو ينتفي من ولدها ، فيقول : ليس مني ، فإذا فعل ذلك تلاعنا عند الوالي ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب اللعان الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب اللعان الحديث ٥.

(٣) المستدرك الباب ـ ٤ ـ من كتاب اللعان الحديث ٣.

٥٣

وفي آخر (١) « والملاعنة أن يشهد بين يدي الإمام أربع شهادات » الخبر.

وفي المرسل (٢) عنه عليه‌السلام أيضا وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام « إذا تلاعن المتلاعنان عند الامام فرق بينهما » إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة في أنه من مناصب الامام وأنه من الحكومة التي هي له ، كما أوضحنا ذلك كله في كتاب القضاء.

ولكن مع ذلك قال المصنف والفاضل في القواعد ولو تراضيا برجل من العامة فلاعن بينهما جاز ونحوه عن المبسوط والوسيلة إلا أنهما لم يصرحا بكونه من العامة ، بل زاد في المبسوط « أنه يجوز عندنا وعند جماعة ، وقال بعضهم لا يجوز » وهو مشعر بالاتفاق على جوازه ، وكأن ذلك مناف لما سمعته.

ومن هنا قال في كشف اللثام : « لعل الأول إذا لم يحصل التراضي بغيره ، أو المراد بالحاكم الامام ، وبخلفائه ما يعم الفقهاء في الغيبة ، وبمن تراضيا عليه الفقيه في الغيبة ، ولا يجوز عند كل من تراضيا عنده إلا إذا لم يكن حاكم أو منصوبه ـ قال ـ : وجعلهما في المختلف قولين ، واختار عدم الجواز إلا عند الحاكم أو من ينصبه ، وتردد في التحرير ».

وفي المسالك « والمراد بالرجل العامي الذي يتراضى به الزوجان الفقيه المجتهد حال حضور الامام لكنه غير منصوب من قبله ، وسماه عاميا بالإضافة إلى المنصوب ، فإنه خاص بالنسبة إليه ـ ثم قال ـ : وقد اختلف في جواز اللعان به نظرا إلى أن حكمه يتوقف على التراضي ، والحكم هنا لا يخص بالزوجين المتراضيين ، بل يتعلق بالولد أيضا. فلا يؤثر رضاهما في حقه إلا أن يكون بالغا ويرضى بحكمه ، خصوصا لو اعتبرنا تراضيهما بعد الحكم ، لأن اللعان لا يقع موقوفا على التراضي ، لأنه لازم بتمامه لزوما شرعيا ، والأظهر الصحة ولزوم حكمه من غير أن يعتبر‌

__________________

(١) المستدرك الباب ـ ١ ـ من كتاب اللعان الحديث ١.

(٢) المستدرك الباب ـ ١٢ ـ من كتاب اللعان الحديث ١.

٥٤

رضاهما بعده ».

قلت : وإلى ذلك أشار المصنف بقوله ويثبت حكم اللعان أي عند من تراضيا به بنفس الحكم منه مثل الامام ، كما عن الخلاف ولعان المبسوط وقيل كما عن قضاء المبسوط يعتبر رضاهما بعد الحكم وهو واضح الضعف ، وأضعف منه القول بنفوذ حكمه ، مع أنك ستعرف في كتاب القضاء تطابق النص (١) والفتوى على أن الحكومة منصب لهم عليهم‌السلام ، ولا تكون إلا لهم أو لمن أذنوا له بها ، وحكم المتراضيين به إنما هو من مسألة قاضي التحكيم التي أفرغنا الكلام فيها في كتاب القضاء وإن كان لا يحسن التعبير عنه برجل من العامة ، لما سمعته في كتاب القضاء من أنه القاضي الجامع لشرائط الحكومة عدا الاذن منهم. وعلى كل حال فلا إشكال في صحته في زمن الغيبة عند الفقيه الجامع ، لأنه منصوب منهم على ما يشمل ذلك كما هو مفروغ منه ، بل هو كذلك من حين صدور عبارة النصب التي هي‌ قول الصادق عليه‌السلام (٢) : « فاني قد جعلته حاكما » فيندرج فيه ذلك الزمان الملحق بزمان الغيبة باعتبار قصور اليد ، وتفصيل هذه المباحث قد ذكرناه في كتاب القضاء ، فلاحظ وتأمل.

وصورة اللعان التي نطق بها الكتاب العزيز (٣) والسنة الكريمة (٤) والفتاوى أن يشهد الرجل أولا بالله أربع مرات أنه لمن الصادقين فيما رماها به من الزنا أو في أن الولد ليس من مائه ، فيقول : « أشهد بالله أني لمن الصادقين في ذلك » لكن ذكر غير واحد أنه إذا أراد نفي الولد قال : « إن هذا الولد من زنا وليس مني » بل عن التحرير زيادة « أنه لو اقتصر على أحدهما لم يجز » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب صفات القاضي من كتاب القضاء.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب صفات القاضي الحديث ١ من كتاب القضاء.

(٣) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٦ الى ٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب اللعان.

٥٥

وفيه أنه لا يتم إذا كان اللعان لنفي الولد خاصة من غير قذف بالزنا ، إذ لا يختص اللعان في دعوى الزوج كون الولد من زنا ، لإطلاق أدلته وإن اختص ظاهر الآية (١) في القذف إلا أن السنة (٢) مطلقة في ثبوته في الأعم من ذلك ولا تنافي بينهما ، ولذا عد الأصحاب نفي الولد سببا مستقلا عن القذف ، كما هو واضح.

ثم يقول الخامسة عليه لعنة الله إن كان من الكاذبين ، ثم تشهد المرأة ثانيا بالله تعالى أربعا أنه لمن الكاذبين فيما رماها به فتقول : « أشهد بالله أنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا » ثم تقول الخامسة : إن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماها به من الزنا ، ولا تحتاج هي إلى ذكر الولد ، لأن لعانها لا يؤثر فيه ، ولكن لو تعرضت له لم يضر لتتساوى اللعنات وتتقابل.

نعم يشتمل اللعان على واجب ومندوب ، فالواجب التلفظ بالشهادة على الوجه المذكور بلا خلاف أجده بيننا ، فلو أبدل صيغة الشهادة بغيرها كقوله : « شهدت بالله » أو « أنا شاهد » أو « أحلف بالله » أو « أقسم » أو « أولى » أو أبدل لفظ الجلالة بالرحمن أو بالخالق ونحوه أو أبدل كلمة الصدق أو الكذب بغيرهما وإن كان بمعناها أو قال : « إني لصادق » أو « من الصادقين » بدون لام التأكيد أو قال : « إنها زنت » أو قالت المرأة : « إنه كاذب » أو « لكاذب » أو أبدل اللعن بغيره ولو بلفظ الإبعاد والطرد أو لفظ الغضب ولو بالسخط أو أحدهما بالاخر لم يقع ، لأنه خلاف المنقول شرعا ، والأصل عدم ترتب أثر اللعان على غير موضع النص والإجماع ، بل لم أعثر على خلاف عندنا في شي‌ء من ذلك ، نعم عن بعض العامة جواز تغيير لفظ « أشهد » بما يفيدها ، وجواز إبدال اللعن بالغضب وبالعكس.

__________________

(١) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ و ٩ ـ من كتاب اللعان.

٥٦

وفي كشف اللثام « لعل تخصيص الألفاظ المعهودة على النهج المذكور للتغليظ والتأكيد ، فإن الشهادة تتضمن مع القسم الاخبار عن الشهود والحضور ، والتعبير بالمضارع يقربه إلى الإنشاء ، لدلالته على زمان الحال ، ولفظ اسم الذات المخصوص بها بلا شائبة اشتراك بوجه ، ومن الصادقين بمعنى أنه من المعروفين بالصدق ، وهو أبلغ من نحو صادق ، وكذا من الكاذبين ، ولكن اختيار هذا التركيب في الخامسة لعله للمشاكلة ، لأن المناسب للتأكيد خلافه ، وتخصيص اللعنة به والغضب بها ، لأن جريمة الزنا أعظم من جريمة القذف ».

قلت : لا يخفى عليك عدم اقتضاء ذلك الجمود المزبور ، بل لا صراحة في الكتاب والسنة بذلك ، بل ولا ظهور ، فان المنساق خصوصا من السنة إرادة إبراز المعنى المزبور ، وأن الكيفية المخصوصة إحدى العبارات الدالة عليه ، بل لولا ظهور اتفاق الأصحاب لأمكن المناقشة في بعض ما سمعته من الجمود المزبور وإن كان هو الموافق لأصالة عدم ترتب حكم اللعان ، إلا أنه يمكن دعوى ظهور النصوص (١) في خلاف الجمود المزبور ، منها‌ الخبر المروي (٢) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ملاعنة هلال بن أمية ، فإنه قال : « احلف بالله الذي لا إله إلا هو أنك لصادق ».

ويجب أيضا أن يكون الرجل قائما عند التلفظ بألفاظه الخمس ، وكذا المرأة وفاقا للمحكي عن المقنع والمبسوط والسرائر ، لما عن الفقيه من أنه في‌ خبر (٣) « يقوم الرجل فيحلف ـ إلى أن قال ـ : ثم تقف المرأة فتحلف » وللمحكي من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) « من أنه أمر عويمرا بالقيام ، فلما تمت شهادته أمر امرأته بالقيام ».

وقيل والقائل الأكثر كما في المسالك قال : « ومنهم الشيخ في النهاية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب اللعان الحديث ـ ٣.

(٢) سنن البيهقي ج ٧ ص ٣٩٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب اللعان الحديث ـ ٣.

(٤) الدر المنثور ج ٥ ص ٢٣.

٥٧

والمفيد وأتباعهما وأكثر المتأخرين » يكونان جميعا قائمين بين يدي الحاكم‌ لحسن ابن مسلم (١) سأل الباقر عليه‌السلام « عن الملاعن والملاعنة كيف يصنعان؟ قال : يجلس الامام مستدبر القبلة فيقيمهما بين يديه مستقبلا بحذائه ويبدأ بالرجل ثم بالمرأة » وصحيح ابن الحجاج (٢) « إن عباد البصري سأل أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا حاضر كيف يلاعن الرجل المرأة؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام ـ وحكى قصة الرجل الذي جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخبره عن أهله ، إلى أن قال ـ : فأوقفهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم قال للزوج : اشهد » إلى آخره.

ولعل اختلاف النصوص في الكيفية المزبورة مشعر بالندب ، كما عن ابن سعيد التصريح باستحبابه ، بل عن الصدوق في الهداية عدم التعرض له كالمصنف في النافع ، وفي المرسل (٣) عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : « والسنة أن يجلس الامام للمتلاعنين ويقيمهما بين يديه كل واحد منهما مستقبل القبلة » ولا ينافي ذلك‌ صحيح علي بن جعفر (٤) عن أخيه عليه‌السلام سأله « عن الملاعنة قائما يلاعن أو قاعدا؟ فقال : الملاعنة وشبهها من قيام » مع إرادة أن ذلك من السنة بمعنى الندب ، لإطلاق الكتاب (٥) كيفية الملاعنة من دون ذكر القيام ، ولكن الاحتياط بناء على عدم اعتبار الاقتصار في قيام أحدهما في الكيفية الأولى لا ينبغي تركه.

وكذا يجب أن يبدأ الرجل أولا بالتلفظ على الترتيب المذكور وبعده المرأة فلو بدأت المرأة باللعان لغا ، لأنه خلاف الثابت من النص (٦) والفتوى ، ولأن لعانها لإسقاط الحد عنها ، كما هو مقتضى قوله تعالى (٧)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب اللعان الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب اللعان الحديث ١.

(٣) المستدرك الباب ـ ١ ـ من كتاب اللعان الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب اللعان الحديث ٦.

(٥) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٦ إلى ٩.

(٦) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٦ الى ٩ والوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب اللعان.

(٧) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٨.

٥٨

( وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ ) وهو إنما يجب بلعان الزوج ، فما عن بعض العامة من جواز التقديم واضح الفساد كما عن بعض آخر منهم جواز تقديم اللعن أو الغضب على الشهادة ، إذ هو مع أنه خلاف المعهود كتابا وسنة مناف للمعنى ، ضرورة أن المراد إن كان من الكاذبين في الشهادات الأربع فلا بد حينئذ من تقديمها.

وكذا يجب أن يعينها بما يزيل الاحتمال ، كذكر اسمها أو اسم أبيها أو صفاتها المميزة لها عن غيرها لأنه الثابت ، نعم في المسالك إن كان له زوجتان فصاعدا وإلا اكتفى بقوله : « زوجتي » لكن في كشف اللثام « لعله لا يكفي التعبير عنها بزوجتي وإن لم يكن له في الظاهر زوجة غيرها ، لاحتمال التعدد ، ولا ريب في أنه أحوط إن لم يكن أظهر باعتبار كون الواقع في الأدلة المعينة ، ولو كانت حاضرة يتخير بين ذلك وبين الإشارة إليها » وفي المسالك « لو جمع بين الإشارة والتسمية كان أولى ، لأن اللعان مبنى على التغليظ والاحتياط ، فيؤكد الإشارة بالتسمية » قلت : لكنه غير واجب قطعا.

وكذا يجب عليها تعيين الرجل وإن كان يكفي فيه « زوجي » لعدم احتمال التعدد.

وكذا يجب أن يكون النطق بالعربية غير الملحونة مع القدرة لأنه الثابت ، بل قد عرفت اعتبار ذلك في نحو المقام من العقود والإيقاعات نعم يجوز بغيرها مع التعذر كما جاز في غيرها للضرورة وحصول الغرض من الأيمان ، كما ذكرناه في محله مفصلا.

وإذا كان الحاكم غير عارف بتلك اللغة افتقر إلى حضور مترجمين ولا يكفي الواحد ولا غير العدل كما في سائر الشهادات ، ولا يشترط الزائد فإن الشهاد هنا إنما هي على قولهما لا على الزنا ، خصوصا في حقها ، فإنها تدفعه عن نفسها ، خلافا لما عن بعض العامة فاشترط أربع شهود.

هذا وقد عرفت أنه تجب البدأة بالشهادات ثم باللعن ، وفي المرأة يبدأ بالشهادات ثم بقولها إن غضب الله عليها.

٥٩

وكذا قد عرفت أنه لو قال أحدهما عوض أشهد بالله : أحلف أو أقسم أو ما شاكله لم يجز فلا حاجة إلى إعادته ، كما وقع من المصنف بعد أن ذكر ما يستفاد منه ذلك ، والأمر سهل.

لكن في القواعد زيادة « الموالاة بين الكلمات ـ أي الشهادات في الواجب وكذا ـ إتيان كل واحد منهما باللعان بعد إلقائه ـ أي الحاكم ـ عليه ، فلو بادر به قبل أن يلقيه عليه الامام لم يصح ».

وكان الوجه في الأول الاقتصار أيضا فيما خالف الأصل على الواقع بحضرته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) مما لم يتخلل بينها فصل طويل ، وفي كشف اللثام « ولأنها من الزوج بمنزلة الشهادات ، ويجب اجتماع الشهود على الزنا ، ولوجوب مبادرة كل منهما إلى دفع الحد عن نفسه ، ونفي الولد إن كان منتفيا ـ لكن قال ـ : لم أر غيره من الأصحاب ذكره ، وللشافعية في وجوبها وجهان ».

وأما الوجه في الثاني فالأخبار المبينة لكيفية اللعان (٢) فإنها تضمنت ذلك ، ولأن الحد لا يقيمه إلا الحاكم فكذا ما يدرؤه ، مضافا إلى أنه كاليمين في الدعاوي التي لو حلف قبل الإحلاف لم يصح ، كما بيناه في محله.

والندب أن يجلس الحاكم مستدبر القبلة وأن يقف الرجل عن يمينه والمرأة والصبي عن يمين الرجل لما رواه‌ البزنطي (٣) عن الرضا عليه‌السلام قال : « أصلحك الله تعالى كيف الملاعنة؟ قال يقعد الامام عليه‌السلام ، ويجعل ظهره إلى القبلة ، ويجعل الرجل عن يمينه والمرأة والصبي عن يساره » ومحمد بن مسلم (٤) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الملاعن والملاعنة كيف يصنعان؟ قال : يجلس الامام مستدبر القبلة ، فيقيمهما بين يديه مستقبل القبلة بحذاه ، ويبدأ بالرجل ثم بالمرأة » ولعل المراد بيسار الإمام في الأول جهة يساره التي هي جهة يمين الرجل ، ولذا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب اللعان الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب اللعان.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب اللعان الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب اللعان الحديث ٤.

٦٠