جواهر الكلام - ج ٣٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

لكنه كما ترى مناف لإطلاق الإذن بالبيع والشراء الذي هو كناية عن الاكتساب ، ولما هو المعلوم من أن مقتضى عقد الكتابة استقلال العبد بالتصرف في ماله بغير التبرع المؤدي إلى تلف المال بلا عوض.

ولو تصرف تبرعا ولم يرده السيد ولو لعدم علم به فتحرر بالأداء صح تصرفه في قول قوي ، لما ذكرناه في نظيره من بيع المالك المال المرهون ثم فكه ، ولما سمعته في صحيح معاوية بن وهب (١) المتقدم من صحة نكاحه ، وقيل بالعدم ، لاستلزامه تعليق البيع أو نفوذه مع تعلق حق الغير به من دون إذن منه ، والله العالم.

المسألة الثانية :

إذا كان للمكاتب مشروطا أو مطلقا على مولاه مال وحل نجم من نجومه كان حكمه كالأجنبي مع الأجنبي بالنسبة إلى التقاص فان كان المالان متساويين جنسا ووصفا تهاترا قهرا سواء كانا نقدين أو عرضين مثليين ، كما في الدروس والمسالك ، لما بيناه في محله من عدم ملك شخص على آخر ما يملكه عليه. ولو فضل لأحدهما رجع صاحب الفضل.

وإن كانا مختلفين جنسا أو وصفا ولو بالحلول والتأجيل أو اختلاف الأجل وفي الدروس والمسالك أو كانا قيميين لم يحصل التقاص إلا برضاهما للأصل وقاعدة التخيير للمديون في جهات القضاء وغير ذلك ، لكن قد يناقش في خصوص ما سمعته من الدروس والمسالك بأن ما أشرنا إليه من دليل التهاتر شامل للمثلي والقيمي ، اللهم إلا أن يقال : إن دليل التهاتر القهري الإجماع ، والمسلم منه المثلان دون القيميين ، فلو فرض أن لكل واحد على الآخر عبدا مثلا موصوفا بصفات متحدة لم يتقاصا إلا بالتراضي.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٢.

٣٤١

هذا وقد عرفت أنه هكذا حكم كل غريمين في جميع ما سمعت ولكن إذا تراضيا كفى ذلك في براءة ذمة كل منهما عما للآخر عليه في المشهور ولو لم يقبض الذي له ثم يعيده عوضا سواء كان المال أثمانا أو إعراضا لما تقدم في محله من أن الوفاء معاوضة مستقلة برأسها ، ومن أن ما في الذمة مقبوض لمن هو عليه ، فلاحظ وتدبر.

وفيه قول آخر للشيخ في المحكي عن مبسوطة بالتفصيل وهو إن كانا نقدين قبض أحدهما ودفعه عن الآخر ، وإن كانا عرضيين فلا بد من قبضهما ، وإن كان أحدهما نقدا فقبض العرض ثم دفعه عن النقد جاز دون العكس ، وفي الدروس والمسالك وكان الشيخ يجعل المقاصة بيعا فيلحقها أحكامه من بيع الدين بالدين وشبهه ، والله العالم.

المسألة الثالثة :

إذا اشترى أباه مثلا بغير إذن مولاه سابقا أو لاحقا لم يصح إذا لم يكن له مدخلية في التكسب ، لعدم ثبوت الاذن له شرعا بمثل هذا التصرف ، فيبقى على أصل الحجر عليه وإن لم ينعتق عليه فما عن بعض ـ من الجواز لأنه اشترى مملوكا لا ضرر على المولى في شرائه ، ولهذا كان كسبه له ، وإن عاد المكاتب في الرق عاد هو معه كالأجنبي ـ ضعيف لا لما في المسالك من أن صرف المال في ثمنه مع عدم جواز بيعه والتكسب به غير سائغ له وإن لم يعتق في الحال ، إذ يمكن منع عدم جوازه له إذا فرض قلة ثمنه مع كونه كسوبا بحيث يستعين به على أداء مال الكتابة بل لأن المفروض شراؤه على وجه لا مدخلية له في التكسب ، ويكفي في ضرر المولى دفع المال في مقابلة من لا يجوز له التكسب فيه ببيع ونحوه ، ولا كسب له يستعين به على أداء مال الكتابة.

نعم لو قلنا يجوز له التصرف فيه ببيع ونحوه لم يكن إشكال في جواز شرائه ، ضرورة كونه حينئذ كالأجنبي إلا أني لم أجد من صرح بجوازه ، بل ظاهر بعض من تعرض لذلك وصريح آخر كالفاضل في القواعد والأصبهاني في شرحها وغيرهما‌

٣٤٢

العدم ، بل أرسلوه إرسال المسلمات ، وإن كان دليله إن لم يكن إجماعا لا يخلو من إشكال للأصل وغيره ، وكونه يتحرر تبعا لتحرر الولد الذي لم يعلم حصوله لا يقتضي عدم جواز بيعه ، ولعله لذا تردد فيه الكركي في حاشية الكتاب إلا أني لم أجده لغيره.

نعم في الإيضاح في تقرير دليل القول بجواز الشراء من دون إذن ما يقتضي جواز بيعه عند معاينة العجز ، نحو ما سمعته عن بعضهم في ولد المكاتبة ، لكن صريحه في تقرير القول بعدم جواز شرائه عدم جواز التصرف فيه بنحو ذلك.

ومن الغريب قوله في الحاشية المزبورة : « إني لم أظفر للأصحاب بتصريح بجواز البيع وعدمه » مع تصريح الفاضل في القواعد التي هي بين يديه بذلك ، وقد حكي هو عن الإيضاح شرحها ما نقلناه عنه قال فيها : « وإذا اشتراه أو قبله في الوصية ملكه وليس له بيعه ولا هبته ولا إخراجه عن ملكه ، ولا ينعتق عليه » وقد صرح أيضا في التحرير والدروس بعدم جواز التصرف فيه ، بل المصنف في المسألة الثانية قد صرح بعدم جواز التصرف ، ويمكن أن يكون دليلهم على ذلك مضافا إلى الإجماع فحوى ما دل على الانعتاق عليه بالملك (١) القاضي بعدم جواز التصرف فيه بنحو ذلك وإن منع من الانعتاق مانع من جهة ضعف الملك أو غير ذلك ، بل وفحوى نصوص (٢) أولاد المكاتب والمكاتبة الظاهرة في عدم دفع الأولاد عن مال المكاتبة ، وغير ذلك ، والله العالم. هذا كله إذا لم يأذن له المولى.

وإن أذن له صح ولو لم يكن له مدخلية فيه ، لأن الحق لهما وكذا يصح من دون إذن لو أوصى له به ولم يكن في قبوله ضرر من حيث الإنفاق عليه بأن يكون مكتسبا يستغني بكسبه وإن كان لو مرض أو عجز أنفق عليه كما في المسالك ، لأنه من صلاح ماله لا للمواساة الممنوع منها كما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب العتق.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب المكاتبة.

٣٤٣

في أقاربه الأحرار وإن كان قد يناقش بأن ذلك كاف في عدم جواز قبوله المعتبر في صحة الغبطة عنده ، فلا بد من فرض كونه كسوبا يستعين به على مال الكتابة ، ولا يكفي عدم الضرر ، بل قد عرفت في كتاب الوصايا جزم المصنف وغيره بعدم صحة الوصية من غير السيد للمكاتب ، بل ادعى بعضهم الإجماع عليه مضافا إلى بعض النصوص (١) فلاحظ وتأمل.

وكيف كان ف إذا قبله فان أدى مال الكتابة عتق المكاتب وعتق الأخر مع عتقه ، وإن عجز ففسخ المولى استرقهما معا مثل غيره من عبيد المكاتب ، وفي كشف اللثام « لانكشاف أنه الذي ملكه لا المكاتب » وهو كما ترى.

نعم في المتن وفي استرقاق الأب تردد قيل مما ذكرناه ، ومن تشبثه بالحرية بجريانه في ملك ولده ، وهو كما ترى. ضرورة أنه لا سبيل إلى إبطال القبول بعد صحته ، ولا إلى عتق الأب مع استرقاق الولد ، ولعله لذا لم يحك عن غير المصنف احتمال ذلك ، والله العالم.

المسألة الرابعة :

إذا جنى عبد المكاتب غير أبيه بما يوجب الأرش لم يكن له أن يفكه بالأرش إلا أن يكون فيه الغبطة له ولو لقصور الأرش عن قيمته ، فيفضل له ما ينتفع به ، أو لأن عينه تشتمل على منفعة تعود على المكاتب في ماليته بكسب وغيره.

ولو كان المملوك الجاني أب المكاتب الذي دخل في ملكه بوجه من الوجوه السالفة قيل لم يكن له افتكاكه بالأرش ولو قصر عن قيمته أي الأب لأنه يتعجل بإتلاف مال له التصرف فيه ، ويستبقي ما لا ينتفع به ، لأنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٩ و ٨٠ ـ من كتاب الوصايا.

٣٤٤

لا يتصرف في أبيه ، ولكن في هذا تردد مما سمعت ومن إمكان فرض الغبطة له بزيادة كسبه.

ولعل هذا أولى مما في حاشية الكركي والمسالك من أن مرجع التردد فيه إلى الإشكال في جواز شرائه وعدمه ، فإن أجزناه فذاك وإلا فلا ، إذ فيه أن المصنف قد جزم بعدم الجواز سابقا اللهم إلا أن يكون هذا التردد بعده ، والأمر سهل.

وفي الإيضاح جعل أحد وجهي التردد فيه إمكان الاستعانة بثمنه عند معاينة العجز ، وفيه ما ذكرناه سابقا في ولد المكاتبة من أنه لا دليل على خصوص ذلك إلا بعض الوجوه الاعتبارية ، والله العالم.

المقصد الثاني

في جناية المكاتب والجناية عليه ، وفيه قسمان :

الأول :

في مسائل المشروط وهي سبع :

الأولى :

إذا جنى المكاتب على مولاه عمدا فان كانت نفسا فالقصاص للوارث ، فان اقتص كان كما لو مات في بطلان الكتابة وانتقال ما في يده وأولاده للوارث وإن كانت طرفا فالقصاص للمولى ، فان اقتص فالكتابة بحالها للأصل وغيره ، وإن عفى هو أو الوارث على مال صح ، وبقيت كتابته كما لو كانت الجناية توجب مالا ، لأن المولى مع المكاتب كالأجنبي بالنسبة إلى ذلك وإن كان ملكا له ، وإنما لا يثبت له على ملكه مال في غير المكاتب الذي هو كالحر في‌

٣٤٥

قابلية الملك والملك عليه.

نعم الأقوى وفاقا للفاضل وولده والكركي والشهيدين والأصبهاني وغيرهم ثبوت الأرش له ما لم يزد عن قيمته ، وإلا كان له مقدار القيمة ، لقوله عليه‌السلام (١) : « لا يجني الجاني على أكثر من نفسه » ومساواته للحر إنما هو في ثبوت مال في ذمته لا في مقدار الأرش ، فما عن بعض ـ من ثبوته في ذمته ولو أضعاف قيمته بل قيل إنه مقتضى إطلاق المصنف الأرش بل قد يؤيده كلامه في المسألة الثانية ـ واضح الضعف.

وعلى كل حال فإن وفى ما في يده بالأرش ومال الكتابة وفي الحقين وعتق ، وكذا إن قصر عنهما معا ، ولكن يفي بمال الكتابة ورضي السيد بالأداء عنه وبقاء الأرش ، وإلا فقد سمعت سابقا ما ذكروه من تسلط المولى على أخذ ما في يده وتعجيزه عن مال الكتابة ، فيرجع حينئذ رقا ، وعرفت البحث فيه إن لم يكن إجماعا.

ولو لم يكن في يده مال أصلا عجزه المولى إن شاء وسقط أرشه حينئذ ، لعدم ثبوت مال له في ذمة عبده ، مع احتماله ويتبع به بعد العتق إن حصل ، لثبوته في ذمته ، وهو قابل لذلك ، والأصل بقاؤه ، والمسلم من عدم ثبوت المال له في ذمة عبده إنما هو في الابتداء لا الاستدامة ، اللهم إلا أن يكون إجماعا وأولى من ذلك في الثبوت ما لو أعتقه بعد جنايته أو أبرأه من مال الكتابة ولم يكن في يده شي‌ء ، لأصالة بقائه حال الحرية التي هي أولى بالثبوت من حاله الأول.

فما عساه يقال : بل ربما كان ظاهر بعض اختياره ـ من سقوط الأرش حينئذ بل صريح الدروس ذلك لأنه أزال الملك عن الرقبة التي كانت متعلق الأرش باختياره ولا مال غيرها ـ واضح الفساد ، ضرورة اقتضائه السقوط أيضا لو أدى مال الكتابة سابقا على دفع الأرش إذا كان ما في يده يفي بهما ، واحتمال الفرق ـ بأن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب القصاص في النفس الحديث ١٠ من كتاب القصاص.

٣٤٦

العتق هنا بسبب من جهته بخلاف ما لو أعتقه مجانا ، مع أنه لا يتم في الإبراء الذي هو بمنزلة الأداء ـ لا حاصل له.

وأضعف من ذلك ما احتمله في الدروس وغيرها من سقوط الأرش لو أعتقه وإن كان عنده مال ، لتعلق الأرش بالرقبة أصالة والمال يثبت تبعا والفرض فواتها ، إذ لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه ، على أن دعوى تعلق الأرش بالرقبة في الجناية على المولى يمكن منعها لكونها ملكا له قبل الجناية ، فلا وجه لتعلق حقه بملكه ، وإنما يثبت له في ذمته إلا على احتمال ستعرفه إنشاء الله فتأمل جيدا ، والله العالم.

وعلى كل حال فمما ذكرنا يظهر لك ما في قول المصنف وغيره وإن كانت الجناية خطأ فهي تتعلق برقبته ، وله أن يفدي نفسه بالأرش لأن ذلك يتعلق بمصلحته التي هي كنفقته وعلاج مرضه ، إذ قد عرفت أن رقبته ملك للسيد ، فلا وجه لتعلق حقه بها ، نعم لما صار له بالكتابة ذمة قابلة لأن يملك عليه بها من غير فرق بين المولى وغيره تعلق أرش جنايته على المولى بها ، كما هو مقتضى إطلاق ما دل على ديتها الظاهر في أن موردها الذمم كقيم المتلفات ، وإنما تعلقت برقبة العبد في بعض المواضع لعدم ذمة له فعلا يتمكن من الأداء بها مع قوة أمر الجناية وأنه‌ لا يطل دم امرئ مسلم (١) فشرع الاستيفاء منها عوض الذمة ، فتأمل جيدا ، والله العالم.

وكيف كان ف حكم الخطأ حكم العمد الموجب مالا ، وهو ما سمعته من أنه إن كان ما بيده من المال بقدر الحقين فمع الأداء ينعتق ، وإن قصر دفع أرش الجناية وفيه البحث السابق. فان ظهر عجزه كان لمولاه فسخ الكتابة ، وإن لم يكن له مال أصلا وعجز فان فسخ المولى سقط الأرش لأنه لا يثبت للمولى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب القصاص في النفس الحديث ٢ والباب ـ ٢ ـ من أبواب دعوى القتل الحديث ١ من كتاب القصاص وفيهما « لا يبطل دم امرئ مسلم ».

٣٤٧

في ذمة المملوك مال وفيه البحث السابق. وسقط مال الكتابة بالفسخ. والله العالم.

المسألة الثانية :

إذا جنى على أجنبي عمدا فان كانت طرفا واقتص منه أو عفى على مال أولا عليه فالكتابة بحالها وإن كانت الجناية نفسا واقتص الوارث كان كما لو مات في بطلان الكتابة على نحو ما سبق ، وإن عفى على مال أو كانت الجناية موجبة له جاز له دفع الأرش الذي هو أقل الأمرين منه ومن قيمته أو المقدر له بالغا ما بلغ على البحث السابق.

وفي المسالك « أولى بالاكتفاء بالأقل هنا ، لأن الأرش يتعلق برقبته وإن استرقه المولى ، بخلاف ما لو كانت على المولى ، فمراعاة جانب الحرية ثم أقوى ، ومراعاة جانب القن هنا أقوى ».

قلت : الذي يظهر منهم في المقام وفيما تقدم أن أرش الجناية يحاص الديون ، ويوجب التحجير لو طلبه من الحاكم ، وغير ذلك مما هو مستلزم لكونه دينا متعلقا في الذمة ، لا أنه متعلق بالرقبة ، مؤيدا ذلك بأن ظاهر الأدلة اتحاد كيفية تعلق الأرش فيهما ، وحينئذ فيقوى تعلقه بذمته في المقامين ، لما عرفت من عدم تعلق حق المولى بملكه.

اللهم إلا أن يلتزم بكون فائدته التسلط على بيعه مثلا الذي لم يكن جائزا له بسبب الكتابة التي لا يجوز له فسخها قبل حصول سببه وإن كان هو كما ترى يمكن منعه ، خصوصا مع بذله الأرش ، فتأمل جيدا فإن المسألة غير محررة في كلامهم ، بل هو كالمتدافع بالنسبة إلى ذلك ، والمسألة لا تخص الفرض ، بل المراد أن أرش جناية المكاتب مطلقا في ذمته والرقبة كالمرهونة عليه ، أو في رقبته وإن كان له فكها بالأرش ، وقد عرفت أن الأقوى الأول.

٣٤٨

نعم قد يقال في الفرض الذي هو الجناية عمدا : إنه لما كان الخيار فيه للمجني عليه وطلب الأرش الذي هو أزيد من القيمة فهل للمكاتب دفعه بدون إذن المولى كالأقل والمساوي؟ المحكي عن الشيخ العدم ، لأنه ابتياع لنفسه ، بأكثر من ثمن المثل ، وهو لا يملك التبرع ، وفي التحرير الوجه عندي جواز دفع الأكثر ، ولعله لا يخلو من قوة ، والله العالم.

وإن كان قد جنى عليه خطأ كان له فك نفسه بأرش الجناية الذي هو ما عرفته وإن نافى ذلك الاكتساب لكنه لمصلحته التي هي أعظم من نفقته المأذون فيها وعلاج مرضه ، بل قد عرفت أن المنهي عنه التصرف التبرعي لا غيره ، نعم ظاهر قولهم : « له فك نفسه » تعلق الجناية أولا بالرقبة ، ويمكن منعه لما عرفت ، فيكون متعلقا بذمته وإن كانت العين كالرهن عليه ، بمعنى تسلط المجني عليه على الاستيفاء منها إن لم يدفع له ، لأهمية حق الجناية من غيره ، فيلاحظ فيه الأمران.

وحينئذ ف لو لم يكن له مال فلأجنبي بيعه أجمع في أرش الجناية مع الاستغراق وإلا بيع منه قدر الأرش وبقي الباقي مكاتبا ، فان عجز وفسخ المولى صار العبد مشتركا ، وإن أدى عتق الباقي ، وفي تقويم حصة الشريك على العبد مع يساره أو تمكنه من السعي البحث السابق وإن جزم به الفاضل هنا في القواعد ، بل في كشف اللثام « وهل يجبر عليه أو الشريك على القبول؟ وجهان » لكن لا يخفى عليك ما في الجميع بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا.

بقي الكلام في شي‌ء ، وهو أن ظاهر بعض وصريح آخر أن المجني عليه إذا أراد البيع لا بد له من فسخ الحاكم الكتابة ، لأن المكاتب لا يباع وليس له فسخها ، لأنه ليس بالعاقد لها ، بل ولا للسيد قبل حصول العجز المسلط له على الخيار ، فليس حينئذ إلا الحاكم وفيه أنه بعد أن دلت الأدلة على تقديم حق الجناية على غيره من كتابة أو رهن أو غيرهما لم يحتج إلى فسخ ، بل هو تسلط شرعي على‌

٣٤٩

ما يلزمه الفسخ من البيع ونحوه ، والله العالم.

وكيف كان فله بيعه إلا أن يفديه السيد بالأرش ، فإن فداه فالكتابة بحالها ، ويجب على المجني عليه قبول الفداء إن كانت الجناية خطأ ، وإن كانت عمدا ففي المسالك التخيير للمجني عليه كالقن ، وفيه أنه بناء على ما ذكرناه من تعلق الأرش بذمته لا رقبته يتجه عليه قبوله ، لأنه حينئذ كالتبرع بوفاء الدين وأولى بالقبول لو فرض بذل المكاتب الأرش في جناية العمد الموجبة مالا.

ولو اختار السيد الفداء لم يلزمه الاستمرار عليه ما لم يكن ضمانا ، بل له أن يرجع عن اختياره ويسلم العبد ، نعم إذا مات العبد بعد الاختيار أو باعه أو أعتقه ففي المسالك « التزم به ، لأنه فوت بالإعتاق والبيع والتأخير متعلق حق المجني عليه » وكأنه أخذه مما في القواعد من أنه « إن أعتقه السيد كان عليه فداؤه بذلك ، لأنه أتلف محل الاستحقاق كما لو قتله ، وإن عجز ففسخ السيد فداه بذلك أو دفعه » ونحوه في التحرير ، لكنه كما ترى خال عن ذكر الموت الذي يمكن المناقشة في التزامه بالفداء معه وإن اختاره ما لم يكن بالتزام شرعي.

بل قد يقال بعدم صحة البيع ونحوه مع الجناية عمدا أو عدم لزومه ، بل يبقى مراعى بالفداء ، فان حصل ففدا وإلا كان له فسخه ، بل إن لم يكن إجماعا في العتق لبنائه على التغليب أمكن دعوى ذلك فيه ، بل في الدروس الجزم بعدم الصحة ، قال : « ولو أعتقه بعد جنايته على أجنبي عمدا لم يصح ، وإن كان خطأ فكعتق القن مراعى بضمان الجناية ، وعليه أقل الأمرين من قيمته والأرش ، سواء كان الأرش لواحد أو جماعة » إلى آخره.

بل من ذلك يعلم النظر فيما في المسالك وغيرها من أنه « يضمن المكاتب الأرش للمجنى عليه لو أدى ما عليه لسيده وانعتق بذلك » قال في الدروس : « ولو جنى ثم أدى مال الكتابة عتق ، وضمن أروش الجنايات أو الأقل على الخلاف ، لأنه أتلف الرقبة بفعله » وقال في المسالك : « ولو فرض عتق المكاتب بأداء النجوم فعليه ضمان الجناية ، ولا يلزم المولى فداؤه وإن كان هو القابض للنجوم ، لأنه‌

٣٥٠

يجبر على قبولها فالحوالة على المكاتب أولى » ونحوه في التحرير وغيره ، إذ يمكن منع ترتب العتق على الأداء بناء على ما عرفت ، خصوصا في الجناية عمدا ، وخصوصا إذا قلنا بكون المتعلق الرقبة لا الذمة ، فتأمل جيدا والله العالم.

المسألة الثالثة :

لو جني عبد المكاتب على أجنبي خطأ في النفس أو في الطرف فاقتص منه فلا بحث ، وإن عفي على مال أو كانت الجناية موجبة له أو كانت خطأ كان للمكاتب فكه بالأرش إن كان دون قيمة العبد أو مساويا ، لعدم التبرع منه وإن كان أكثر لم يكن له ذلك إلا بإذن المولى كما ليس له أن يبتاع بزيادة عن ثمن المثل إلا أن يفرض حظ له في ذلك بكون العبد كسوبا ونحوه.

هذا وفي المسالك « ثم الاعتبار بقيمة العبد يوم الجناية ، لأنه يوم تعلق الأرش بالرقبة ، وفيه وجه آخر أنه يعتبر قيمته يوم الاندمال بناء على أنه وقت المطالبة بالمال ، وثالث وهو اعتبارها يوم الفداء ، لأن المكاتب إنما يمنع من بيعه ، ويستديم الملك فيه يومئذ ، ورابع وهو اعتبار أقل القيمتين من يوم الجناية ويوم الفداء احتياطا للمكاتب وإبقاء للمالك عليه والأوجه آتية في قيمة المكاتب نفسه إذا اعتبرت قيمته » ونحوه في الإيضاح لكن اقتصر على الثلاثة.

قلت : لا ريب في كون المعتبر قيمته وقت الجناية بالنسبة إلى تعلقها برقبته المقتضي لملاحظة قيمته في ذلك الوقت ، كي يعرف مقدار ما تسبب بالجناية من استحقاقها ، بل لا وجه لاعتبار القيمة المتأخرة في مقدار سبب الجناية المتقدم الذي لا يتأخر أثره ، وليس المقام كقبض المغصوب ، بل هو كالإتلاف المسبب لضمانه ما أتلفه ولو على وجه يتعلق استحقاقه بالرقبة على الوجه المزبور وإن لم يملكها ، كما أنه لا ريب في اعتبار ملاحظة يوم الفداء بالنسبة إلى فك المكاتب له باعتبار‌

٣٥١

الغبطة له في فكه وعدمه.

ولو كان عبده أباه أو ولده ففي فكه بالأرش الكلام السابق في شرائه.

ولو كانت جناية العبد على سيده بما يوجب القصاص اقتص منه من غير حاجة إلى إذن السيد ، لإطلاق الأدلة المقتضي ثبوت هذا الحق له على وجه يقدم على ما دل على منع التصرف له في ماله ، وإن كانت بما يوجب المال لم يثبت له على ماله مال ، نعم لو جني على سيد سيده فهو كما لو جني على أجنبي.

هذا وقد يستفاد من عبارة المتن هنا اختيار كون الأرش المقدر وإن زاد على قيمة العبد وهو وإن كان أحد قولي الشيخ في المسألة لكنه في غاية الضعف ، بل عنه نفسه دعوى الإجماع على خلافه ، والله العالم.

المسألة الرابعة :

إذ جنى على جماعة فان كان عمدا وكانت الجناية عليهم دفعة بأن قتلهم بضربة واحدة أو ألقى عليهم جدارا دفعة كان لهم القصاص جميعا وإن كان خطأ أو عمدا توجب مالا كان لهم الأرش متعلقا برقبته أو في ذمته على كلام السابق ، سواء كانت الجناية متعاقبة أو دفعة فان كان ما في يده يقوم بالأرش فله افتكاك رقبته وإن لم يكن له مال تساووا في قيمته بالحصص هذا إن أوجبنا الأرش بالغا ما بلغ.

وإن أوجبنا الأقل من أرش الجنايات كلها ومن قيمته تحاصوا فيه بالنسبة ، لأن الجاني لا يجني على أزيد من نفسه ، اتحدت جنايته أو تعددت ، مترتبة أو دفعة ، وسبق تعلق الاستحقاق للأول لا ينافي شركة الآخر له بالجناية المتأخرة.

ولو كانت الجناية موجبة للقصاص على التعاقب ففي مساواته للأرش في الاشتراك وعدمه ما لم يكن قد حكم به لأولياء الأول قولان يأتي تحقيقهما في‌

٣٥٢

محله إن شاء الله تعالى ، كما انه يأتي تحقيق المراد بالاشتراك في القصاص وما يترتب على العاصي لو فعل من دون إذن ، وغير ذلك من هذه المسائل.

ولو عفي بعضهم قسم على الباقين ، ولو كان بعضها يوجب القصاص استوفي وسقط حق الباقي ، وإن عفي على مال شارك ، ولو أعتقه أو أبرأه من النجوم ففيه البحث السابق ، وكذا لو أدى نجوم كتابته ، والله العالم.

المسألة الخامسة :

إذا كان للمكاتب أب وهو رق له في جملة عبيده فقتل عبدا له لم يكن له القصاص فيه كما لا يقتص منه في قتل الولد بل هذا أولى ، لأنه لا يثبت للولد على الوالد قصاص بلا خلاف ولا إشكال ، نعم لو كان ابنه رقا له وقتل عبيدا من عبيده اقتص منه ، لإطلاق أدلته.

ولذا لو كان للمكاتب عبيد فجني بعضهم على بعض بما يوجب القصاص جاز له الاقتصاص من دون إذن سيده وإن لم يكن تصرفا اكتسابيا وأدى إلى قتل عبده أجمع حسما لمادة التوثب الذي فيه حفظ للمال أيضا ، واهتماما بالدماء الذي هي أعظم من الأموال ، وربما احتمل العدم للحجر عليه في التصرف في ماله بغير الاكتساب ، وفيه منع واضح ، ضرورة كون المسلم الحجر عليه في التبرع بالمال ، وليس الفرض منه ، بل هو في الحقيقة من سياسة المال وحفظه.

ولو كانت الجناية توجب مالا لم يثبت له على ماله مال حتى في الأب والولد ، وإن احتمل جواز بيعهما له في جنايتهما الموجبة مالا تحصيلا للاستعانة بأرش جنايتهما بعد أن لم يكن له بيعهما قبل الجناية ، بخلاف غيرهما من العبيد الذين لم يثبت له عليهم مال بجنايتهم ، لأنه يملك بيعهم قبل الجناية ، إلا أنه‌

٣٥٣

كما ترى ، وثبوت المال للسيد على المكاتب لو جني عليه باعتبار خروجه عن محض الرقية ، وصيرورة ذمة له يملك بها ، فيندرج في أدلة الجناية ، بخلاف المملوك فإنه لا ذمة له بالنسبة إلى المولى ، وهو واضح ، والله العالم.

المسألة السادسة :

إذا قتل المكاتب المشروط فهو كما لو مات تبطل كتابته ويموت رقيقا ، وللسيد كسبه وأولاده ، فإن كان القاتل المولى فليس عليه إلا الكفارة ، وإن قتله أجنبي حر فلا قصاص أيضا ، ولكن عليه القيمة.

ولو كان القتل بسراية الجرح فان كان قبل أن يعتق وقد أدى أرش الجرح إلى المكاتب أكمل القيمة للمولى ، وإلا دفع إليه تمام القيمة ، وإن كان الجاني المولى سقط عنه الضمان ، وأخذ كسبه الذي منه أرش الجرح الذي دفعه إليه ، وإن كانت السراية بعد ما عتق بأداء نجومه فعلي الجاني الأجنبي تمام الدية ، لأن الاعتبار في الضمان بحالة الاستقرار وتكون لوارثه ، بل لو كان الجاني المولى كان عليه ذلك أيضا ، وإن كان لا ضمان عليه لو جرح عبده القن ثم أعتقه ومات قبل السراية ، للفرق بينهما بأن ابتداء الجناية هنا غير مضمون بخلاف المكاتب فإن ابتدائها مضمون.

ولو جني على طرفه أي المكاتب عمدا وكان الجاني هو المولى فلا قصاص قطعا ، لعدم المكافاة ، ولكن عليه الأرش الذي هو من كسبه وعوض عضوه الذي فاته الاكتساب به. وكذا إن كان الجاني أجنبيا حرا أو مبعضا وذلك لما عرفته من عدم المكافاة.

نعم إن كان الجاني مملوكا ثبت له القصاص وليس للسيد منعه ولا إجباره على العفو على مال كالمريض والمفلس ، لعدم كونه تصرفا في مال ، مع إطلاق أدلة القصاص ، وإن احتمل لأنه قد يعجز فيعود إلى المولى مقطوع اليد‌

٣٥٤

مثلا بلا جابر ، إلا أنه كما ترى لا يصلح لتقييد إطلاق الأدلة ، بل لو عفى عما له من القصاص مجانا صح ، لأن موجب الجناية القصاص لا المال ، وأولى منه لو عفى على أقل من أرش الجناية ، وربما احتمل العدم فيهما ، بل هو خيرة الكركي في حاشيته في الأول ، لأنه تصرف غير اكتسابي ، وفيه منع الحجر عليه في مثله وإن لم يكن اكتسابا ، لأنه ليس تبرعا بمال ، نعم لو كانت الجناية توجب مالا لم يكن له العفو من دون إذنه.

وكيف كان ف كل موضع يثبت فيه الأرش في العمد والخطأ على المولى أو على غيره فهو للمكاتب ، لأنه من كسبه وعوض ما فاته من الاكتساب بسبب الجناية ، والله العالم.

المسألة السابعة :

إذا جنى عبد المولى على مكاتبه عمدا فأراد الاقتصاص منه ف عن المبسوط للمولى منعه لأنه تصرف غير اكتسابي ، فلا تنقطع عنه سلطنة المولى ، وفيه أن إطلاق الأدلة ينافيه ، خصوصا بعد ما سمعت من أن له الاقتصاص من غيره ومن عبيده لو جني بعضهم على بعض.

ومن الغريب جزم المصنف هنا بأن للمولى منعه المبني على بقاء سلطنة المولى له على ذلك مع جزمه السابق بأن له القصاص من عبيده وأنه إن جني عليه مملوك ثبت له القصاص الظاهر في أن ليس للسيد منعه عن ذلك ، ضرورة عدم الفرق في المملوك بين عبد السيد وبين غيره.

وتحقيق المسألة مبني على أن المكاتب محجور عليه في سائر تصرفاته المالية وغيرها إلا التصرف الاكتسابي ، وإلا ما يرجع إلى الإنفاق عليه وعلى غيره ممن نفقته عليه من عبد أو أمة ونحوهما ، أو أنه بالكتابة قد ارتفع الحجر عنه‌

٣٥٥

مطلقا إلا التصرف التبرعي في ماله ، فله استيفاء حقه من القصاص وغير ذلك من التصرفات التي ليست اكتسابية الظاهر الثاني.

وصحيح معاوية بن عمار (١) المتقدم سابقا المشتمل ـ على النهي عن أن يحدث في ماله إلا الأكلة من الطعام مع أنه في المكاتب على نفسه وماله الذي يمكن إرادة اشتراط ذلك عليه من الكتابة على ماله كما ذكرناه سابقا ـ إنما هو في التصرف في المال ، والنهي عن التزويج فيه وفي غيره لا يقتضي المنع عن سائر التصرفات التي يمكن القطع بخلاف ذلك فيها من إيداع ماله والتصرف فيه بركوب ولبس واستعمال ونحو ذلك ، كالقطع بثبوت الحق له بسبب الجناية أو غيرها ، ولو لأنه قد يرجع إلى مال ، فيكون سلطنة الاستيفاء له ، فتأمل جيدا فاني لم أجد المسألة محررة في كلامهم ، والله العالم.

وعلى كل حال ف ان كانت الجناية خطأ فأراد الأرش لم يملك منعه ، لأنه بمنزلة الاكتساب الذي ليس له منعه منه ولكن لو أراد الإبراء توقف على رضا السيد لأنه تصرف تبرعي ، وكذا في العمد لو عفي على مال ثم أراد الإبراء منه ، والله العالم. هذا كله في المشروط.

وأما المطلق ف ان لم يكن قد أدى شيئا فهو بحكمه وإذا أدى من مكاتبته شيئا تحرر منه بحسابه فان جني هذا المكاتب ، وقد تحرر منه شي‌ء وكانت جناية عمدا على حر اقتص منه إلا أن يعفي عنه على مال أولا عليه ولو جني على مملوك أو على من كان أقل حرية منه لم يقتص منه لما فيه من الحرية ، ولزمه من أرش الجناية بقدر ما فيه من الحرية وتعلق برقبته منها بقدر رقيته كما هو حكم المبعض في أكثر المقامات.

ولو جني على مكاتب مساو له في الحرية اقتص منه لحصول‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ١.

٣٥٦

المكافاة وإطلاق أدلة القصاص نعم لو كان حرية الجاني أزيد لم يقتص منه لعدم المكافاة وإن كانت أقل اقتص منه لحصولها وزيادة.

ولو كانت الجناية خطأ تعلق بالعاقلة بقدر الحرية ، وبرقبته بقدر الرقية للتبعيض وللمولى ولنفسه أن يفدي نصيب الرقية بنصيبها من أرش الجناية بالغا ما بلغ أو بأقل الأمرين على الأصح سواء كانت الجناية على عبد أو على حر خلافا لما عن بعض العامة ، فجعل دية الجناية على العبد في ذمة الجاني وإن كانت خطأ.

ولو جني عليه حر أو أزيد حرية منه فلا قصاص لعدم المكافاة ، وعليه الأرش الذي هو هنا مركب من بعض دية هذه الجناية على الحر وبعض أرشها على العبد ولو كان الجاني رقا أو أقل حرية أو مساويا اقتص منه في العمد بلا خلاف ولا إشكال ، والله العالم.

٣٥٧

المقصد الثالث

في أحكام المكاتب في الوصايا ، وفيه مسائل :

الاولى :

لا تصح الوصية التمليكية برقبة المكاتب وإن كان مشروطا وعجز ورد في الرق بعد الوصية التي قد عرفت فسادها كما لا يصح بيعه ولا نقله بسائر النواقل ولو ممن ينعتق عليه وإن استشكل فيه الفاضل في القواعد باعتبار كونه كتعجيل عتقه ، لكن فيه أنه موقوف على الانتقال المتوقف على جواز النقل بخلاف تعجيل العتق بالإعتاق. نعم لو أضاف الوصية به إلى عوده في الرق جاز ويكون من الوصية العهدية أو التمليكية بناء على مشروعية التعليق فيها بغير الموت كما لو قال : إن عجز وفسخت كتابته فقد أوصيت لك به.

وفي المسالك « ثم إن عجز فأراد الوارث انتظاره فللموصي له تعجيزه ليأخذه ، وإنما يعجزه بالرفع إلى الحاكم كما في المجني عليه ، ويحتمل تقديم الوارث ، لأن الوصية له مشروطة بفسخ كتابته ولم يحصل الشرط هذا إذا كانت الوصية معلقة على فسخ كتابته مطلقا ، أما لو قيدها بكونه هو الفاسخ اعتبر في صحتها عجزه في حياته ، وفي التحرير جعل الإطلاق محمولا على عجزه في حياته ، وإنما يكتفى بما بعد موته لو صرح به ، وهو غير واضح ».

وفيه أولا أن ما ذكره احتمالا هو الأصح لما ذكره من الوجه الأول وإن اختاره في التحرير أيضا ، بل ظاهر ما تسمعه منه فيما يأتي تقديمه على الوارث مع الاختلاف في الفسخ مع العجز ، إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه من أنه لا تسلط‌

٣٥٨

للموصى له على الفسخ ، لعدم دخول الرقبة في ملكه قبله ، كما هو واضح.

وأما ما حكاه عن التحرير فالذي فيه « أنه لو قال : إن عجز ورق فهو لك بعد موتى صحت الوصية إذا عجز في حياة المولى ، وإن عجز بعد موته لم يستحقه ، ولو قال : إن عجز بعد موتى فهو لك كان تعليقا للوصية على صفة توجد بعد الموت » وهو أجنبي عما ذكره ، لظهور مثاله في المفسوخة قبل الموت ، بل من المحتمل إرادته بطلان الوصية التمليكية المقتصر في مشروعيتها نصا وفتوى على التعليق بالموت على وجه يكون الاستحقاق به بخلاف المعلقة على صفة توجد بعد الموت.

بل قد يكون في عبارة المتن إشعار بذلك إذا قرئ قوله : « فسخت » بضمير المتكلم ، بل وعبارة الكركي في حاشيته ، لأنه اقتصر على تقييد الصحة بالفسخ حال الحياة وعلى نقل عبارة التحرير في الفسخ بعد الوفاة ، فلاحظ وتأمل.

وعلى كل حال فلا إشكال بل ولا خلاف في أنه يجوز الوصية بمال الكتابة لإطلاق أدلتها ، بل هي أولى من بيعه الذي قد عرفت جوازه ، كما أنك عرفت الكلام فيه لو عجز بعد ذلك.

وفي المسالك هنا « فإن أداها ـ أي النجوم ـ فهي للموصى له ، وإن عجز فللوارث تعجيزه وفسخ الكتابة وإن أنظره الموصى له ، وهل يملك الموصى له إبراءه من النجوم؟ وجهان ، أجودهما ذلك ، لأنه يملك الاستيفاء فيملك الإبراء ، ووجه العدم أنه ملكه استيفاء النجوم ولم يملكه تفويت الرقبة على الورثة ».

قلت : لا يخفى عليك ما في الوجه الأخير ، ضرورة اقتضاء الوصية ملكية المال الذي في ذمة العبد ، بل قد عرفت في مسألة بيع مال الكتابة احتمال الانعتاق بذلك ، واحتمال عدم التسلط على فسخ الكتابة لا ممن انتقل إليه المال ، لعدم كون العقد معه ، ولا من غيره ، لظهور الأدلة في ثبوت الخيار له إذا كان المال له ويؤخره عن أجله كما سمعته سابقا ، ولا يخلو من قوة.

واحتمل الفاضل في القواعد كون التعجيز إلى الموصى له ، قال : « والتعجيز إلى الورثة ، لأن الحق ثبت لهم بتعجيزهم ، ويصير عبدا لهم ، ويحتمل إلى الموصى‌

٣٥٩

له ، لتسلطه على العتق بالإبراء ، ولأنه حق له ، فله الصبر به » وهو غير ما ذكرناه من الاحتمالين.

ولو جمع بين الوصيتين لواحد أو لاثنين جاز بلا خلاف ولا إشكال بأن يقول : « مال الكتابة لزيد بعد موتى ، وإن عجز وفسخت فرقبته له بعد موتي أو لعمرو » لكن إن أدى المال بطلت الثانية ، وإن استرق بطلت الأولى ، لكن إن كان قد قبض منه شيئا فهو له ، وفي التحرير لو اختلف الموصى له بالرقبة والموصى له بالمال في فسخ الكتابة عند العجز قدم قول صاحب الرقبة ، وكذا إن اختلف صاحب الرقبة والوارث ، وفيه ما عرفته سابقا ، والله العالم.

المسألة الثانية :

لو كاتبه مكاتبة فاسدة ثم أوصى به جاز لما عرفته من عدم ترتب أثر على الفاسدة عندنا ، خلافا لبعض العامة. وحينئذ ف لو أوصى له بما في ذمته لم يصح لعدم شي‌ء له في ذمته بعد فرض فساد الكتابة ، ولا فرق في ذلك كله بين العلم بالفساد والجهل به ، كما سمعته في نظائره ، وتخيله عدم التأثير للوصية بالرقبة مع جهله بالفساد فتكون وصيته بالمحال كما عن بعض العامة لا ينافي الترتب الشرعي المنوط بسببه المفروض حصوله بإطلاق الأدلة ولذا نسبه في المسالك إلى ظاهر إطلاق المصنف والأصحاب بل صريح بعضهم كالشيخ في المبسوط.

نعم لو قال : فان قبضت منه شيئا فقد أوصيت لك به صح إذا كان المقبوض من كسب العبد الذي هو باق على ملك السيد الموصى بعد فرض فساد الكتابة ، فالوصية له حينئذ بما يقبضه منه وصية في الحقيقة بكسب العبد لا بمال الكتابة ، أما لو صرح بالوصية بما يقبضه من مال الكتابة ففي المسالك لم يصح ،

٣٦٠