جواهر الكلام - ج ٣٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

بظاهر الآية ، فقد قيل : إن المراد به مال الكتابة » ضرورة عدم اقتضاء الأمر بالإيتاء وجوب القبول ، وعليه لا وجه للتفصيل بين الجنس وغيره كما جزم به في الإيضاح.

ولا يخفى عليك ما في تعليل دعوى ظهور الآية بأنه قد قيل إلى آخره ، وكأنه تبع في ذلك ما في الدروس « ويجب على العبد القبول إن أتاه من عين مال الكتابة أو من جنسه لا من غير جنسه ».

لكن في القواعد وشرحها « قيل في المبسوط ويجب على المكاتب قبول الإيتاء إن دفع المالك من غير مال الكتابة أو من جنسه ، لأنه من المال المأمور بايتائه ولا يجب الإيتاء إذا لم يجب القبول » وفي التحرير « ثم السيد مخير بين أن يحط عنه بعض مال الكتابة وبين أن يؤتيه من جنس مال الكتابة أو من عين مال الكتابة الذي نقص منه ، وفي هذين يلزم العبد القبول ، وإن أتاه من غير جنسه قال الشيخ : لا يجب على العبد القبول ».

ولا يخفى عليك أن بناء ذلك على التلازم الذي أشار إليه في كشف اللثام ، وفيه منع واضح ، نعم لا حاجة إلى القبول في صورة الحط التي هي بمعنى الإبراء الذي قد عرفت في محله عدم حاجته إلى القبول على الأصح وإلا احتيج إليه.

ولو عتق قبل الإيتاء سقط الوجوب ، لفوات محله الذي هو المكاتب ، وما عن بعض العامة من أن وقت الإيتاء بعد العتق كالمتعة في الطلاق كما ترى مناف لما سمعته من النصوص (١) ولكون العلة فيه الإعانة على الفك ، بل ظاهر الأمر في الآية (٢) إيتاء المكاتب ، وإذا أعتق لم يكن مكاتبا ، ودعوى أنه كالدين ـ فيجب وإن أعتق ، بل عن الدروس اختياره ، بل عن المبسوط ذلك أيضا ، لأنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب المكاتبة.

(٢) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٣٣.

٣٢١

قضية كل حق مالي يثبت في الذمة ـ واضحة المنع ، إذ الإيتاء أعم من ذلك.

ومنه يعلم أنه لا وجه لمقاصة المكاتب السيد بذلك ، لعدم ثبوت شي‌ء له في ذمته ، نعم للسيد مقاصته بمعنى احتساب ماله في ذمة المكاتب من الزكاة التي عليه.

ولو دفع إليه من الزكاة وكان مشروطا فعجز ورد إلى الرق لم يجب عليه إخراجها لغيره إن كانت منه ، ولا ردها لدافعها ليخرجها إن كانت من غيره ، لطريان الرقية على الدفع الموجب للملك حال كونه قابلا له ، والأصل براءة ذمة الدافع وبقاء الملك بعد أن كان العود إلى المولى إحداث ملك لا إبطالا لما سلف ، ومن ثم بقيت المعاملة السابقة بحالها.

لكن ضعفه في المسالك بمنع كونه إحداثا بل إعادته في الرق تقتضي نقض جميع ما سبق ، ومن ثم عاد كسبه وأولاده ملكا له ، وبقاء المعاملة بسبب الإذن الضمنية بها في عقد المكاتبة ، فإنها تستلزم الاذن في التصرف بالمعاملة ونحوها ، ثم قال : « والوجه وجوب صرفه على المستحقين إن كانت منه ، وإلا أعادها على دافعها ليصرفها بنفسه ، نعم لو كان من المندوبة لم تجب الإعادة ».

وفيه ما لا يخفى ، ضرورة أن ذلك فسخ من حينه ، وعود كسبه وأولاده للسيد للأدلة لا يقتضي تبين انتقاض جميع ما تقدم وإلا لم يكن فرق بين الواجبة والمندوبة ، كما هو واضح. والله العالم.

٣٢٢

المسألة التاسعة :

لو كان له مكاتبان فأدى أحدهما واشتبه فعن المبسوط صبر عليه لرجاء التذكر حتى يموت فان مات أي المولى استخرج بالقرعة وفي الدروس ارجى‌ء ليتذكر ، فان زال الرجاء أقرع ، وعن الخلاف إطلاق القرعة ، لأنها لكل أمر مشكل ، ويمكن إرادته زوال الرجاء واستقرار الاشتباه والاشكال في مقابل الصبر إلى الموت المستلزم للضرر على المؤدى منهما.

ولو اعترف أحدهما بعدم الأداء واختصت دعواه بالاخر ففي إلزام المولى بذلك إشكال ، أقواه العدم.

ولو ادعيا على المولى العلم كان القول قوله مع يمينه لأنه شي‌ء لا يعلم إلا من قبله ، وإن بين أحدهما وادعى التذكر قبل قوله بغير يمين إن صدقه الآخر أو سكت ، وإن كذبه وقال : استوفيت مني فله تحليفه أيضا ، ويحلف هنا على البت ، لدعواه التذكر ، فان حلف بقيت كتابته إلى أن يؤدى ، وإن نكل المولى حلف المكذب ، وعتق أيضا مع الأول أحدهما بإقراره والآخر بيمينه ، كما أنهما يعتقان باليمين من كل منهما لو نكل عن يمين نفي العلم قبل دعوى التذكر ، والعلم بكذب أحدهما في نفس الأمر لا ينافي الحكم في الظاهر ، ولو مات المولى قبل التذكر تعينت القرعة لليأس منه.

ولكن لو ادعى أحدهما أو هما على الوارث العلم حلف على نفيه كالمورث ، وليس له أن يستوفى منهما ، لأن أحدهما بري‌ء ، فأخذ المالين ظلم ، ولا من أحدهما قبل القرعة ، لعدم تعينه شرعا وكذا القول في المورث بناء على شرعية القرعة في حياته.

ولو بذلا مالا بقدر المتخلف أو الأكثر على تقدير الاختلاف فالوجه انعتاقهما بذلك ، كما لو دفع المتبرع.

٣٢٣

ولو أقام أحدهما بينة بالأداء قبلت ، سواء كان في حياة المولى أو بعد موته ، وسواء كان قبل القرعة أو بعدها ، بل الظاهر فساد القرعة ، لأن البينة أقوى ، وربما احتمل عتقهما معا لكونهما حجتين شرعيتين ، وفي كشف اللثام أنه من الضعف بمكانة ، للقطع بأن المؤدي منهما واحد ، والقرعة لا تستقل بالإعتاق ، هذا ، وظاهر قول المصنف ثم يقرع بينهما لاستخراج المكاتب بقرينة ما سبق كون ذلك إذا مات المولى بعد أن حلف على نفي العلم لكل منهما ، فلا منافاة كما ظنه في المسالك ، والأمر سهل ، والله العالم.

المسألة العاشرة

المشهور نقلا وتحصيلا أنه يجوز بيع مال الكتابة المطلقة والمشروطة بعد الحلول وقبله وغيره من سائر وجوه النقل ، كغيره من الديون التي قد عرفت الحال في نقلها بالبيع وغيره ، وأن النهي (١) عن بيع ما لم يقبض محمول على ضرب من الكراهة.

فما عن مبسوط الشيخ وابن البراج ـ من عدم جواز بيع المال الذي في ذمة المكاتب للنهي المزبور ـ واضح الضعف ، وكذا ما عن ابن الجنيد : من التصريح بعدم جواز بيعه في المطلقة والمشروطة ، لأنه نظير بيع حبل الحبلى ولقاح الفحل ، إذ فيه منع واضح ، ضرورة كون ما في ذمة العبد مالا معلوما مملوكا للسيد كغيره من الديون ، وكأنه لحظ عدم استقراره لاحتمال العجز المسلط للمولى على رده رقا مطلقا أو في المشروطة.

ولعله الذي لاحظ الشيخ في المحكي من خلافه الجواب عنه ، قال : « يجوز بيع المال الذي على المكاتب ، فإن أدى المكاتب مال الكتابة انعتق على سيده ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب أحكام العقود من كتاب التجارة.

٣٢٤

وإن عجز رجع بها على سيده ، وكان للمشتري الدرك بما اشتراه ، وقال أبو حنيفة : لا يجوز بيع ذلك ـ واستدل بأصالة الجواز ، والمنع يحتاج إلى دليل ، وقوله تعالى (١) ( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) يدل على ذلك ـ فان قيل : نهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع ما لم يقبض (٢) قلنا : نحمله على ما إذا لم يكن مضمونا ، وأما إذا ضمنه فلا بأس » وهو محتمل لبطلان البيع كقول المصنف فإن أدى المكاتب مال الكتابة انعتق ، وإن كان مشروطا فعجز وفسخ المولى رجع رقا لمولاه.

وفي المسالك « فإذا صح البيع لزم المكاتب دفع المال إلى المشتري ، فإذا أداه إليه عتق ، كما لو أداه إلى المولى ، ولو لم يدفعه أجمع وكان مشروطا فعجز وفسخ المولى رجع رقا لمولاه وهل يبطل البيع؟ يحتمله ، لأن الفسخ يوجب رفع أثر الكتابة ، ومن ثم رجع ولده رقا وتبعه كسبه ، والعدم لمصادقة الملك حال البيع ، فلا يضره الفسخ الطاري » قلت : فيكون العبد حينئذ رقا للسيد ولكنه مديون للمشتري.

وفيه أن مقتضى الفسخ رد العوضين على حالهما السابق ، وحينئذ لم يبق في ذمة العبد شي‌ء بعد أن دعا إلى الرقية.

نعم قد يقال : بانعتاق المكاتب ببيع ما عليه ، لوصول مال الكتابة للسيد أو كوصوله ، بل هو أقوى من ضمانه له ، فيبقى حرا مشغول الذمة بمال الكتابة للمشتري ، فلا فسخ حينئذ للسيد بالعجز عن المال الذي انتقل عنه للمشتري وإن كان له الفسخ حيث كان المال له ويعجز عنه المكاتب ، ولا للمشتري الذي لم يقع معه عقد الكتابة ، وحينئذ فلا يطالب المشتري البائع بدرك مال الكتابة كما سمعته من الشيخ ، ولا يبقى المكاتب مشغول الذمة وإن رجع عبدا لسيده ، كما هو أحد احتمالي المسالك ، فتأمل جيدا فاني لم أجد ذلك محررا في كلامهم.

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٧٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب أحكام العقود الحديث ٢١.

٣٢٥

وقاعدة « تلف كل مبيع قبل قبضه من مال بائعه » ـ لو سلم جريانها في المقام باعتبار تنزيل إعسار العبد بما عليه بمنزلة تلف المبيع مع عدم جريانها في غير البيع من النواقل ـ إنما تقتضي الانفساخ من حينه لا من الأصل ، والفرض صيرورة العبد حرا يدفع عوض ما عليه للسيد ، فإذا فرض الانفساخ عاد عوض المشتري إليه ، وعاد ما في ذمة المكاتب للسيد ، إلا أن المفروض تحرره ، فيكون نحو ما سمعته في ( من خ ل ) الإقالة في الضمان لا أنه يعود رقا للسيد.

اللهم إلا أن يقال : فرق واضح بينه وبين الضمان الذي هو انتقال ما في ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن وإن ثبت مثله في ذمة المضمون عنه للضامن إذا كان باذنه بخلاف البيع ، فإنه لم يخرج به المال عن كونه مال الكتابة وإن باعه السيد ، فيصدق مع فرض إعسار العبد عجزه عنه ، فيتحقق عنوان الخيار للسيد وإن لم يكن المال له ، فإذا اختار الفسخ ورجع العبد رقا ذهب مال المشتري ، فيطالب السيد به أو لم يذهب بل يبقى العبد مشغول الذمة به كما سمعته من الوجهين.

لكنه كما ترى لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه من أن الأصل اللزوم في العقد ، والثابت من الخيار في المشروطة مع العجز عن أداء مال الكتابة للسيد لا مطلقا وإن ملكه غيره ، فالمتجه حينئذ عدم الفسخ ، نعم في انعتاق العبد كما ذكرناه أو يبقى إلى أن يؤدي وجهان ، فتأمل.

وكيف كان فعلى القول ببطلان بيع مال الكتابة أو فرض فساد البيع من وجه آخر لا يجوز للمكاتب تسليم النجوم للمشتري ، وليس له مطالبته بها ، لعدم استحقاقه لها ، بل هي باقية على ملك السيد ، بل لا يحصل عتقه إلا بدفعها إليه كما عن الشيخ والأكثر.

وقيل : يحصل أيضا بتسليمها إلى المشتري وإن لم يكن مستحقا لها ، لأن السيد سلطه على القبض ، فهو كما لو وكل وكيلا في القبض.

وفيه ما عرفته غير مرة من عدم اقتضاء البيع الفاسد ذلك ، ولذا يكون مضمونا عليه لو تلف في يده ، بل لعل الأقوى ذلك ، حتى لو قال للمشتري بعد البيع :

٣٢٦

خذها من المكاتب ، أو قال للمكاتب : ادفعها إليه بعنوان المعاوضة المفروض فسادها ، فإنه ليس استنابة مستقلة عن إذن المعاوضة ، وحينئذ فللسيد أن يطالب المكاتب بماله في ذمته ، والمكاتب يسترد ما دفع إلى المشتري ، فإن سلمه المشتري إلى البائع كان للعبد الاحتساب به جديدا من مال الكتابة ، بل ربما احتمل تعينه لها نظرا إلى تعيين المكاتب بالدفع إلى المشتري ، وفيه أن تعيينه مبني على المعاوضة المفروض فسادها ، فالتحقيق بقاؤه على حكم مال العبد الذي لم يدفعه لها ، والله العالم.

ولا خلاف كما لا إشكال في أنه يجوز بيع المكاتب المشروط بعد عجزه مع الفسخ لصيرورته رقا حينئذ فتوى ونصا (١) بل بيعه بعد تحقق عجزه فسخ كما في نظائره.

نعم قد أطلق المصنف وغيره أنه لا يجوز بيع المطلق أي بعد عجزه ، ولعله لعدم جواز الفسخ من المولى معه ، لأصالة اللزوم وغيرها ، وهو مؤيد لما ذكرناه سابقا ، لكن قيده الكركي بما إذا لم يتحقق العجز ويستقر الرق في الكل أو البعض ، وفي المسالك « يجب تقييده بما إذا لم يبلغ حدا يجوز للمولى فسخ كتابته ، فلو عجز عن الأداء بعد حلول المال ولم يمكن الوفاء عنه من سهم الرقاب جاز بيعه ، كما يجوز فسخها حينئذ ، وقد تقدم » ونحوهما في ذلك الشهيد في الدروس ، لكن لا يخفى عليك ما في الجميع بعد الإحاطة بما قدمناه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب المكاتبة.

٣٢٧

المسألة الحادية عشرة :

إذا زوج السيد ابنته من مكاتبه المشروط أو المطلق المؤدى بعض ما عليه أو غير المؤدى ثم مات السيد فملكته كلا أو بعضا بالإرث منه لعدم خروجه بالكتابة مطلقا عن أصل الرقية انفسخ النكاح بينهما كما عن الشيخ والأكثر ، لما عرفته في محله من عدم اجتماع النكاح والملك

خلافا للمحكي عن ابن الجنيد ، فقال : « لو مات السيد وابنته تحت المكاتب الذي شرط عليه الرقية عند عجزه منع من الوطء ، وإن أدى كانا على النكاح ، لأنها لم ترث من رقبته شيئا ، وإن عجز بطل النكاح ، فان كان ممن يعتق بما أدى بطل النكاح إذا حصل له أداء بعض الكتابة » وهو واضح الضعف. نعم لو لم تكن البنت وارثة بأن تكون قاتلة مثلا فالنكاح بحاله ، والله العالم.

المسألة الثانية عشرة :

إذا اختلف السيد والمكاتب في قدر مال الكتابة فقال السيد : ألفان مثلا ، وقال المكاتب : ألف أو في قدر المدة فقال السيد : سنة ، وقال المكاتب : سنتان أو في النجوم بأن قال السيد مثلا : جعلنا السنة التي هي الأجل المتفق عليه ثلاثة نجوم كل نجم أربعة أشهر ، بحيث يحل في كل نجم ثلث المال ، فقال المكاتب : بل جعلناها نجمين بحيث يحل في كل نصف سنة نصف المال ( ف ) في محكي الخلاف القول قول السيد مع يمينه أما في المدة فلأن الأصل عدم الزائد عما يعترف به ، كما في غيرها من سائر المعاوضات ، وأما في قدر المال فلأن الأصل في المكاتب وكسبه لسيده ، ولأن المكاتب يدعي العتق‌

٣٢٨

بما يدعيه من المقدار والمولى ينكره ، والأصل بقاء الرق.

وفي الإيضاح والمسالك « وبهذا يحصل الفرق بين الكتابة والبيع في الاختلاف في مقدار الثمن ، فإن الكتابة ليست معاوضة حقيقية ، لأنها معاملة على مال المولى بماله ، والأصل أن لا يخرج ذلك عن ملكه إلا برضاه ، لأنها أشبه بالتبرع من شبهها بعقود المعاوضات ، بل زاد في الأول إنما قدمنا قول المنكر في سائر المواضع لأن الأصل معه ، وهاهنا مع السيد ، ولأن العبد هو المدعى للعتق والمولى ينكره ، والأصل بقاء الرق ».

قلت : بل لو قلنا بأن الكتابة بيع أو كالبيع فالقول قول السيد أيضا ، لما عرفته في محله من أن القول قول البائع في المقدار إذا كانت العين قائمة ، والفرض قيامها في المقام.

ولكن مع ذلك كله قال المصنف ولو قيل : القول قول منكر زيادة المال والمدة كان حسنا بل في المسالك بعد أن جعله الأقوى نسبه إلى الأكثر ، وفي حاشية الكركي « نعم ، فيكون القول قول العبد في المال ، والسيد في المدة والنجوم ، وكان الوجه فيما استحسنه المصنف أصالة عدم الزيادة ، ولأن المولى باعترافه بأصل الكتابة واستحقاقه العتق خرج عن أصالة بقاء ملكه على المكاتب وعلى ماله ، ثم هو يدعي زيادة في ذمة المكاتب وهو منكرها فيكون قوله مقدما في ذلك ».

لكن لا يخفى عليك عدم جريان الأصل المزبور في الاختلاف في قدر النجوم على الوجه الذي ذكرناه ، ويمكن أن لا يريده المصنف اللهم إلا أن يكون قد فرضه الكركي فيما إذا كان الاختلاف في النجوم موجبا للاختلاف في أصل المدة ، كما لو اتفقا على أن الأجل نجمان ولكن ادعى المولى أن كل نجم شهر ، وادعى المكاتب أن كل نجم شهران ، أو اتفقا على أن النجم شهر ، ولكن اختلفا في قدر النجوم ، فقال المولى : إنهما نجمان وادعى المكاتب أنها ثلاثة ، ولا ريب في أن‌

٣٢٩

القول قول المولى في ذلك كله ، لرجوعه للاختلاف في المدة.

بل قد يدعى أن القول قوله أيضا في التقسيط على الوجه الذي ذكرناه أولا ، ولكن مع دعوى المكاتب الأربعة في السنة والسيد الاثنين فيها ، لأصالة عدم الزيادة في التقسيط وإن كان لا يخلو من نظر أيضا إلا أن منه ينقدح تقديم قول المكاتب لو اختلفا في المدة وكان هو يدعي الأقل والسيد يدعى الأكثر ، لغرض الامتناع عن القبض والتعرض لعجز المكاتب أو موته أو غير ذلك من الأغراض ، هذا وقد تقدم في كتاب البيع وغيره ما له مدخلية في المقام.

بل منه يعلم الوجه في المحكي عن الجامع هنا من أنهما يتحالفان إذا اختلفا في المال أو المدة كما عن الشافعي ، بل ويعلم قوة القول بأن القول قول منكر الزيادة مع فرض كون الدعوى فيها وعدمه ، والبيع إنما خرج بدليله إذا كانت العين قائمة ، ولا دليل على إلحاق الكتابة به في ذلك.

بل ويعلم منه أيضا أنه إذا كان الاختلاف بينهما في الجنس فالتحالف ، أما إذا كان في الأداء وعدمه فالقول قول السيد بلا إشكال ، والله العالم.

٣٣٠

المسألة الثالثة عشرة :

إذا دفع مال الكتابة وحكم بحريته فبان العوض مستحقا للغير أو معيبا بغير الجنس بقي على حكم من لم يؤد ، وتبين فساد الحكم الأول.

وإن كان العيب جنسيا فإن رضي المولى فلا كلام لكون المدفوع أحد أفراد الكلي وإن كان للسيد حق الرد والجبر بالأرش ، فمع فرض إسقاطه بالرضا لم يكن بحث.

وما في المسالك ـ من أنه يجعل رضاه بالمعيب كالإبراء عن بعض الحق ثم قال : « وهل يحصل العتق عند الرضا أو حصل من وقت القبض فيه وجهان ، أجودهما الثاني ـ لا يخلو من نظر ، خصوصا بعد أن توقف فيها في أن الرد نقض لتبين عدم الملك في أول الأمر أو فسخ من حينه من غير ترجيح ، ولا ريب في أن التحقيق تحقق الملك بالقبض وأنه ليس للسيد إلا حق الخيار في الرد والجبر بالأرش كما مر تحقيق ذلك ، وحينئذ فإذا رضي بالمعيب وأسقط حقه من الخيار المزبور فلا إشكال ، وكان حرا من أول القبض لا حين الرضا وإن توقف فيه الفاضل في القواعد من دون ترجيح. هذا كله إذا رضي به.

وإن رده بطل العتق المحكوم به عند الشيخ والمصنف وجماعة إما لأنه مشروط بالعوض فيتبعه في الاستقرار والتزلزل كما هو حكم المعاوضة ، وإما لتبين أنه لم يملكه بالقبض ، كما هو أحد الوجهين في المسالك في كل جزئي دفع عن كلي في صرف أو سلم أو غيرهما وإن كان لا يخفى عليك ما فيه كما تقدم الكلام فيه مفصلا في الصرف والسلم ، ولذا اقتصر المصنف على تعليله الأول.

وأشكله الكركي في حاشيته بأن العتق إتلاف واستهلاك ، فإذا حكم بوقوعه‌

٣٣١

لم يبطل ، مع أنه مبني على التغليب قال وقول المصنف : « لأنه مشروط بالعوض » يقتضي عدم حصوله ، وليس كذلك ، ومن ثمة لو رضي بهذه استمر العتق بحاله وإن مضى على ذلك مدة طويلة قبل العلم والرضا ولم يكن محجورا عليه في شي‌ء من تصرفاته السابقة ، إلا أن يدعى عدم زوال الحجر عن المكاتب بمجرد الدفع إلى أن يتحقق سلامة العوض ، وهو خلاف ما يظهر من كلامهم ، والمسألة محل نظر ، وبطلان العتق لا يخلو من شي‌ء. وقد تبع في ذلك الفاضل في القواعد حيث حكم في موضع منها ببطلان العتق على إشكال.

وفي الإيضاح « منشأ الاشكال أن يقال : العتق إتلاف واستهلاك فإذا حكم بوقوعه لم يبطل كالخلع ، وأن يقال : العتق إنما يستقر باستقرار الأداء ، وقد ارتفع الأداء ، فيرتفع العتق ، ـ قال ـ : وهذان الوجهان كتبهما المصنف حاشية بخطه على الأصل ».

قلت : لا يخفى عليك ما في الأول ، فإن العتق إتلاف واستهلاك إذا وقع مستقلا ، كما لو أعتق العبد الذي فيه الخيار للبائع على ما حررناه في محله لا ما إذا كان العتق من أصل وقوعه قد وقع متزلزلا وليس هو تصرفا مستقلا ، وقاعدة أن الحر لا يعود رقا إنما هي في الأول ، وكذا دعوى بنائه على التغليب ، فالتحقيق حينئذ ما ذكره المصنف ، اللهم إلا أن يدعى أن هذه المعاوضة ليست معاوضة حقيقية كي يجري عليها حكم المعاوضة ، لكنه كما ترى.

ومما ذكرنا يظهر لك النظر فيما أطنب فيه في المسالك من بناء المسألة تبعا للفخر في إيضاحه على أن الرد بالعيب فسخ متجدد للقبض أو دفع للقبض من أصله ، فعلي الأول لا يبطل العتق وعلى الثاني يبطل ، لأن الرد يكون كاشفا عن بطلان الأداء ، إذ لا يخفى عليك ما فيه ، فان التحقيق كونه فسخا من حينه ومقتضيا لبطلان العتق ، ودعوى الإجماع على عدم وقوع العتق متزلزلا ممنوعة على مدعيها كما عرفته في كتاب العتق.

٣٣٢

وأغرب من ذلك ما في المسالك أيضا من أنه « لو طلب الأرش مع الرضا بالعيب فله ذلك ، وتبين حينئذ أنه لم يقبض كمال النجوم ، فإذا أداه حصل كمال العتق حينئذ ، وإن عجز عنه وكانت مشروطة فللسيد استرقاقه كما لو عجز عن بعض النجوم » إذ هو كما ترى ، فان التحقيق كون الأرش جبرا لتفاوت النقض بالعيب ، لا أن بعض العوض باق ، وإلا لم يحصل الحرية بالرضا بالمعيب من حين القبض كما اختاره هو ، إذ لو كان ذلك إبراء لحصل بحصوله لا قبله ، كما هو واضح.

ولو تجدد في العوض عيب لم يمنع من الرد بالعيب الأول مع أرش الحادث لاستصحاب الرد ، ولأنها ليست معاوضة حقيقة ، فليس لها حكم المعاوضات اللازمة. ولكن مع ذلك قال الشيخ : يمنع ، وهو بعيد عند المصنف لما عرفت ، إلا أن الانصاف قربه ، بل عن الفاضل في التحرير اختياره ، وفي حاشية الكركي هو قوي ، وذلك لأن أصل إثبات الرد فيها للإلحاق بالمعاوضات ، وإلا فلا دليل بالخصوص ، والضرر يرتفع بالأرش ، وحينئذ فمقتضاه ثبوته فيها على حسبها. بل قد يقال إن الرد لا يتحقق مع العيب ، ضرورة كون المراد رده بحاله الذي قد وصل إليه ، والفرض أعيبه ، ولعل هذا هو الأصل في منع العيب الرد ، مؤيدا بقاعدة « لا ضرر ولا ضرار » وهو مشترك بين الجميع.

ومما ذكرنا يعلم أولوية استقرار الأرش بالتلف من العيب ، وفي القواعد ولو اطلع على العيب بعد التلف كان له رد العتق إلا أن يسلم الأرش ، فإن عجز كان له الاسترقاق كالعجز عن بعض النجوم ، وهو نحو ما سمعته من المسالك الذي قد عرفت النظر فيه ، والله العالم.

٣٣٣

المسألة الرابعة عشرة :

إذا اجتمع على المكاتب ديون معاملة مثلا مع مال الكتابة لمولاه أو لغيره أو لهما فان كان ما في يده يقوم بالجميع فلا بحث سواء كان مشروطا أو مطلقا ، وإن عجز وكان الدين للمولى والمكاتب مشروط فان تراضيا على تقديم أحدهما فلا بحث أيضا وإلا ففي القواعد وشرحها والمسالك كان للسيد أخذ ما في يده عن دين المعاملة أو أرش الجناية ثم يعجزه ويرجعه رقا إن شاء ، وإن اختار المكاتب دفع مال الكتابة فللسيد منعه ، لاحتمال عدم تمكنه بعد من وفاء دينه ، ولا يجد مرجعا له بعد عتقه.

وهل له تعجيزه قبل أخذ ما في يده؟ وجهان : أحدهما لا ، لأنه قادر على أداء النجوم ما دام المال في يده ، وثانيهما له ، وفي الإيضاح والمسالك أوجههما نعم ، لأنه يتمكن من مطالبته بالدينين معا وأخذ ما في يده عنهما ، وحينئذ فيعجز عن قسط من النجوم.

وفيه أنه لا حاجة للمطالبة بهما ، لما عرفت أن الاختيار للسيد في أخذ أيهما شاء لا للمكاتب ، نعم قد يناقش فيه بأن ذلك كله لا يحقق العجز فعلا وإنما أقصاه القدرة ، بل وفي الأول إن لم يكن إجماعا بأن الاختيار في تعيين جهة الدين للمديون لا الديان ، ولذا لو دفع المكاتب ما في يده ولم يتعرضا لذكر الجهة ثم قال : قصدت النجوم وأنكر السيد كان القول قول المكاتب ، لأنه أعرف بقصده ، كالمديون بدينين وأحدهما عليه رهن.

ودعوى ترجيح دين المعاملة باستقراره بخلاف دين المكاتبة لا حاصل لها على وجه ترجع إلى دليل شرعي ، وتمكينه من مطالبته بهما لا يوجب على المديون دفعه إليهما معا كي يحصل العجز عن قسط من النجوم ، بل هو على اختياره ، لأنه المكلف بالأداء والمخاطب به ، فالنية نيته والامتثال امتثاله ، وحينئذ فالمشروط‌

٣٣٤

بالنسبة إلى التخيير المزبور كالمطلق الذي اعترف في القواعد بتخييره في الفرض ، بل ظاهره عدم الفرق بين المؤدى بعضا وغيره وإن قيده في كشف اللثام بالأول لكنه لا أثر له.

وربما يؤيد ما قلناه ما في الإيضاح والمسالك بل وغيرهما فيما لو كانت الديون عليه لغير المولى ، كما لو كان عليه دين معاملة لأجنبي وأرش جناية لاخر ومال الكتابة ، ولم يف ما في يده بها ، فان لم يحجر عليه فله تقديم من شاء منهم كالحر المعسر ، إذ ليس ذلك إلا لقاعدة التخيير للمديون المشتركة بين المقامين.

وإن حجر عليه وكان مطلقا تحاص فيه الديان والمولى على قدر ديونهم من دون تقديم أحدهما على الآخر ، لتساويهما أجمع حينئذ في التعلق بما في يده.

ويحتمل بل في المسالك هو الأجود أنه يقدم دين المعاملة ، لأنه يتعلق بما في يده خاصة ، بخلاف أرش الجناية الذي له متعلق آخر ، وهو الرقبة ، وحق السيد الذي بالعجز يعود فيه المكاتب إلى الرقية ، ثم يقدم أرش الجناية على مال الكتابة ، لأن الأرش مستقر بخلافه ، فإنه عرضة للسقوط بالعجز ، ولأن حق المجني عليه يقدم على حق المالك في القن ففي عوضه بطريق أولى.

لكن ـ هو مع ابتنائه على عود المطلق رقا بالعجز وقد عرفت ما فيه ـ يدفعه أنها مجرد اعتبارات لا ترجع إلى دليل شرعي بعد كون الجميع ديونا في ذمته ، فتندرج فيما دل على تعلقها بما في يد المحجر عليه ، كما هو واضح.

وإن كان المكاتب مشروطا ففي المتن وغيره قدم الدين على مال الكتابة لأن في تقديمه حفظا للحقين وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا ولاحقا ، وكذا ما قالوه من تقديم حق أرش الجناية عليه وأن في تقديم الدين عليه ومساواته له وجهين كما في الإيضاح ، إذ الجميع كما ترى مبنية على اعتبارات لا تصلح معارضة لإطلاق الأدلة.

٣٣٥

وأضعف من ذلك ما قيل من أنه لو كان للمولى معهم دين معاملة احتمل مساواته لمال الكتابة ، لأن ديون السيد ضعيفة باعتبار كونها عرضة للسقوط بالعجز ، إذ هو كما ترى لا حاصل له ، فان دين المولى لا بدل له كديون الغرماء مع عوده رقا ، إذ رقيته بدل مال الكتابة لا غيرها من الديون ، كما هو واضح.

ولو مات قبل أن يقسم ما في يده وكان مشروطا بطلت الكتابة كما عرفته سابقا وسقطت النجوم ودفع ما في يده في الديون خاصة بل عن المبسوط واختاره في الإيضاح سقوط أرش الجناية ، لتعلقه بالرقبة وقد فاتت ، وتعلقه بما في يده بحكم الكتابة التي قد فرض بطلانها فيتبعها بطلان ذلك التعلق وإن كان هو لا يخلو من نظر ، لمنع تعلق أرش الجناية برقبته من أول الأمر كالقن ، لأن له ذمة قابلة لتعلق الدين بها بخلاف القن ، ومن هنا تحاص مع الديون.

فالتحقيق بناء المسألة على أن أرش جناية المكاتب الموجبة مالا تتعلق أولا برقبته ، وله فداؤها بالمال ، أو أنها تتعلق أولا بذمته ، فان لم يكن له مال كان للمجني عليه استيفاؤها من رقبته ، ظاهر كلامهم في المقام الأول ، ويأتي بعض الكلام فيه إن شاء الله تعالى ، وعليه فمع فرض المسألة في المحجور عليه ولكن مات قبل قسمة ماله يتجه حينئذ مساواة الأرش للدين ، لتعلقه بالتركة قبل الموت ، فيستصحب ، ولأنه أقوى من دين المعاملة ، ولذا تتعلق برقبة القن دونه ، وزوال الكتابة ينقله إلى الرقية مع الإمكان ، بل لا وجه لتقديم الدين عليه هنا وإن احتمل ذلك حال الحياة باعتبار كون الرقبة محلا آخر له ، إلا أن الفرض فواتها ، ومن ذلك يعلم أنه لا فرق في الحكم المزبور بين المحجور عليه وغيره.

وكيف كان ف لو قصر ما في يده عن الديون قسم بين الديان بالحصص على نحو غيره من قاصري التركة ولا يضمنه المولى بلا خلاف أجده ، للأصل ولأن الدين تعلق بذلك المال فقط وما في بعض النصوص‌

٣٣٦

السابقة من ضمان المولى عنه لأنه عبده مطرح أو محمول على ضرب من الندب أو على غير محل الفرض ، والله العالم.

المسألة الخامسة عشرة

لا خلاف ولا إشكال في أنه يجوز أن يكاتب بعض عبده إذا كان الباقي حرا بل في الإيضاح اتفاق الفرق عليه. لإطلاق الأدلة وعمومها وإفادتها العبد الاستقلال بل أو رقا له ، أيضا وإن منعه الشيخ في المحكي عن مبسوطة لتخلف رفع الحجر الذي هو من لوازم الكتابة معه بعدم استقلاله فيما يحتاج إليه من سفر ونحوه من أنواع السعي ، ولزوم مشاركته له فيما يدفع إليه من سهم الرقاب من الزكاة لأنه كسبه.

وأجيب باندفاع ذلك بالمهاياة ، وبالتزام عدم المشاركة في المدفوع من سهم المكاتبة ، لعدم قابلية جزء الرق للملك ، والأولى الجواب عن الأول باقتضاء كتابته إياه الاذن في ذلك ، وعلى كل حال فالمنع ضعيف.

ولو كان الباقي رقا لغيره فأذن صح لوجود المقتضي من إطلاق الأدلة وعمومها وارتفاع المانع الذي هو الحجر عليه المانع له من السعي.

وإن لم يأذن بطلت الكتابة لأنها تتضمن ضرر الشريك بتبعض العبد ، ولأن الكتابة ثمرتها الاكتساب ومع الشركة لا يتمكن من التصرف وأجيب عن الأول بمنع اقتضاء الضرر المزبور الناشي من التصرف بماله المسلط عليه عدم جوازها المستفاد من إطلاق الأدلة وعمومها ، وعن الثاني باندفاعه بالمهاياة.

وفيه أنه لا دليل على لزوم إجابته إليها كما لا دليل على لزومها بعد الإجابة إليها ، فلا يحرز التمكن من الاكتساب الذي يتوقف جواز الكتابة عليه ، بل منه ينقدح الإشكال في جوازها مع الاذن ، لعدم التزامه بالاستمرار عليها ، ولعله لذا قيل بعدم الجواز مطلقا.

٣٣٧

لكن يمكن منع اعتبار إحراز التمكن المزبور في صحة الكتابة ، لإطلاق الأدلة وعمومها ، وخصوص موثق سماعة (١) عن الصادق عليه‌السلام المتقدم سابقا المشتمل على النهي عن الامتناع عن مكاتبة من ليس له كثير مال ولا قليله ، وعلى التعليل بأن المؤمن معان ، ومن هنا جزم الفاضل وغيره بالصحة مطلقا وإن كره الشريك ، ولعله الأقوى ، والله العالم. هذا كله في أركان المكاتبة وأحكامها.

وأما الكلام في اللواحق فيشتمل على مقاصد.

الأول

في لواحق تصرفاته ، وقد بينا في المسألة الثانية من مسائل الأحكام تمام البحث في أنه لا يجوز للمكاتب أن يتصرف بما في يده من المال وإن كان مملوكا له بما ينافي الاكتساب من هبة أو محاباة أو إقراض أو إعتاق أو فيه خطر إلا بإذن مولاه فيجوز ، لأن الحق لهما وحينئذ ف ـ كما يصح أن يهب من الأجنبي مثلا باذن المولى فكذا هبته لمولاه بلا خلاف ولا إشكال ، ونريد أن نلحق‌ هنا مسائل :

الأولى :

لا إشكال في أن المراد من الكتابة تحصيل العتق بالعوض وإنما يتم بإطلاق التصرف في وجوه الاكتساب ، وحينئذ فإطلاقها يقتضي ذلك فيصح أن يبيع من مولاه ومن غيره وأن يشتري منه ومن غيره كما يصح له غيرهما من وجوه التكسب ، إذ المولى كالأجنبي في ذلك بلا خلاف أجده.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ١.

٣٣٨

ولكن ذكر غير واحد أنه يتوخى ما فيه الغبطة في معاوضاته بل ظاهرهم المفروغية منه فيبيع بالحال لا بالمؤجل إلا أن يسمح المشتري بزيادة عن الثمن فيعجل مقدار الثمن ويؤخر الزيادة وأما هو فإذا ابتاع بالدين جاز ، وكذا إن استسلف ، وليس له أن يرهنه ، لأنه لاحظ له ، وربما تلف منه ، وكذا ليس له أن يدفع قراضا إلى غير ذلك مما ذكروه من الأمثلة التي لا طائل في التعرض لها ، ولكن جعلوا الضابط في الجائز له التصرف الاكتسابي المشتمل على المصلحة وأن لا يكون فيه خطر كما سمعته في المسألة الثالثة من فصل الأحكام.

بل في المسالك هنا « فرقوا بين المكاتب وبين الولي حيث يبيع مال الطفل نسيئة ويرتهنه للحاجة أو المصلحة الظاهرة ، فان المراعي هناك مصلحة الطفل ، والولي منصوب لينظر له ، وهاهنا المطلوب العتق ، والمراعي مصلحة السيد ، والمكاتب غير منصوب لينظر ».

بل فيها أيضا « أنه متى باع أو اشترى لم يسلم ما في يده حتى يتسلم العوض ، لأن رفع اليد عن المال بلا عوض لا يخلو عن غرر ، ولذلك ليس له السلم ، لأن مقتضاه تسليم رأس المال في المجلس وانتظار المسلم فيه ».

بل فيها أيضا « لما كان الواجب عليه تحري ما فيه الغبطة ومظنة الاكتساب فعليه أن يبيع بالحال لا بالمؤجل ، لأن إخراج المال عن اليد بلا عوض في الحال تبرع ومشتمل على خطر ، سواء باع بمثل قيمته أو أكثر ، وسواء استوثق بالرهن أو الكفيل أم لا ، لأن الكفيل قد يفلس والرهن قد يتلف ، نعم يجوز أن يبيع ما يساوي مأة بمأة نقدا وبمأة نسيئة ، ويجوز أن يشتري نسيئة بثمن النقد ، ولا يرهن به ، فإنه قد يتلف ، وإن اشتراه بثمن النسيئة ففي جوازه وجهان : من اشتماله على التبرع ، ومن عدم الغبن » إلى غير ذلك مما فيها وفي غيرها كالقواعد وشرحيها والتحرير ونحوها ، وليس فيها كثير اختلاف ، ومرجعها إلى كون المكاتب كعامل القراض بل أشد ، لكن إن لم يكن إجماعا أمكن المناقشة في ذلك بعدم‌

٣٣٩

الدليل على التعليل المزبور.

وصحيح معاوية (١) عن الصادق عليه‌السلام المتقدم ـ الذي فيه « لا يصلح له أن يحدث في ماله إلا الأكلة من الطعام » مع أن الموجود في سؤاله « المملوك الذي كاتب على نفسه وماله » المحتمل لكون المراد منه اشتراط عدم التصرف بماله ـ إنما يراد منه المنع من التصرفات التبرعية كالهبة والعتق ونحوهما ، لا مطلق التصرف حتى الاكتسابي منه الذي هو من لوازم عقد الكتابة ومقتضيات إطلاقها. ولذا‌ قال الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير (٢) السابق في المسألة المزبورة في المكاتب المشروط : « لا يجوز له عتق ولا هبة ، ولكن يبيع ويشتري ».

بل لعل المستفاد منه ومن غيره أن رفع الحجر عن المكاتب في تصرفاته الاكتسابية شرعي لا مالكي كي يلاحظ إذن السيد فيه وجودا وعدما ، كالعامل الذي هو وكيل عن المالك ، بل لا عبرة بنهي المالك للمكاتب عن تصرفه الاكتسابي فضلا عن اعتبار إذنه بخلاف العامل.

كما أن المستفاد من‌ قوله عليه‌السلام فيه : « يبيع ويشتري » الاذن له في التكسب الجاري مجري تكسب العقلاء في النقد والنسيئة والقراض والإجارة بالنقد وبغيره والسلم وغيرها ، من غير فرق بين ما كان فيه خطر أولا ، وبين أخذ الرهن والكفيل أولا ، إذ المدار على التكسب المزبور مكانا وزمانا وأحوالا ، بل الظاهر جواز التصرف له بماله بما لا مفسدة فيه للمال ولا حاجة إلى ملاحظة الغبطة ، فله بيع الشي‌ء بثمن مثله وغير ذلك.

وبالجملة ما ذكروه من التقييدات المزبورة التي هي أشد منها في ولي الطفل لا أعرف له دليلا سوى دعوى كون المكاتب لم يخرج بالكتابة عن الرقية التي مقتضاها الحجر عليه ، وأنه ( كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) ، وأقصى ما خرج عن ذلك بسبب الكتابة ما اشتمل على القيود المزبورة دون غيره الذي يكفي في مثله الشك فيه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ٣.

٣٤٠