جواهر الكلام - ج ٣٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وله أن يشتري بالدين وأن يستسلف » ومثله في ذلك كله المصنف فيما يأتي من اللواحق وغيرهم.

نعم قد يظهر من استثنائهم جواز الاذن جواز التصرف المنافي معها وإن كانت متأخرة فيستلزم جواز الفضولية في العتق حينئذ ، ولعله كذلك ، لما سمعته في بحث الفضولي وأنه على القواعد وإن احتمل في القواعد فيه الصحة والبطلان ، بل قال : « وفي الكتابة إشكال من حيث إنها معاوضة أو عتق » وقد عرفت أنها ليست عتقا قطعا فتصح حينئذ بالاذن سابقه أو لاحقة ، بل وبدونها إذا كانت من وجوه الاكتساب المأذون فيها المكاتب ، وحينئذ فإن عجزا معا استرقهما المولى وإن عجز الثاني استرقه الأول ، وإن عجز الأول واسترق عتق الثاني ، ولو استرق الأول قبل أداء الثاني كان الأداء إلى السيد ، وله النفقة على نفسه وما يملكه بالمعروف ، كما أن له البيع من مولاه وغيره ، وللمولى أخذه بالشفعة وبالعكس ، وفي ثبوت الربا بينه وبين المولى إذا كان مشروطا أو مطلقا لم يؤد إشكال ، هذا وستسمع إن شاء الله بعض الكلام في المسألة في اللواحق.

وكذا لا يجوز بلا خلاف ولا إشكال للمولى التصرف في مال المكاتب الذي قد تبين من النص (١) والفتوى أنه واسطة بين الرق والحر بالنسبة إلى الأحكام التي منها ذلك ، لقاعدة حرمة التصرف في مال الغير بعد أن كان مالكا إلا بما يتعلق بالاستيفاء بإذنه ، لأنه مخير في جهة الوفاء ، نعم في المسالك « قد يجوز تسلط المولى على الاستيفاء بغير إذنه فيما إذا كان مشروطا وحل النجم ولم يؤده وكان بيده مال بقدره ، ولو زاد فالتعيين موكول إليه ، فإن امتنع عين الحاكم كما في كل ممتنع » قلت : لا فرق بين المشروط والمطلق في ذلك ، كما أنه ينبغي إذن الحاكم مع الزيادة وعدمها.

ولما عرفته من كون المكاتب كالواسطة لا يجوز له أي المولى وطء المكاتبة وإن أذنت بالملك ولا بالعقد لعدم كونها مملوكة محضة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ و ٢٢ ـ من أبواب المكاتبة.

٣٠١

أو حرة كذلك ، بل لو شرط الوطء عليها في العقد لم يصح بل يبطل العقد على الأصح ، وعليه التعزير لا الحد ، لأنها ملكه ، ولذا جاز له عتقها ، وقد سمعت ما في خبر الحسين بن خالد (١) من درء الحد عنه بمقدار ما بقي له من مكاتبتها لو جامعها.

ولو طاوعته حدت أي عزرت إن لم تتبعض ، لعدم خروجها عن ملكه ، لكن في المسالك « حدت حد المملوك إن لم تتبعض وإلا فبالنسبة » وقد قال قبل ذلك : « إنه إن وطأها المولى عالما بالتحريم عزر إن لم يتحرر منها شي‌ء ، وحد بنسبة الحرية إن تبعضت » وكأنه أخذه من الفاضل في القواعد قال : « ولو طاوعت حدت على إشكال دونه ، ويعزر مع علمه بالتحريم » وفي الإيضاح « إذا وطأ المكاتب المكاتبة لم يجب عليه حد وإن كان عالما بالتحريم ، لأن ملكه ثابت عليها ، لنفوذ عتقه وإن كان ضعيفا ، فإنه أقوى من الشبهة ، قالوا فلا تعزير لسقوطه بالشبهة فيما هو أقوى وأولى ، قلنا : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) « ادرؤوا الحدود بالشبهات » ولم يدرأ التعزير ، وكل مقدم على محرم يعزر ».

قلت : لا يخفى عليك ما في ثبوت الحد عليها ودرئه عنه مع اشتراكهما في صفة الملك ، ولذا قال في القواعد وكشف اللثام : « ولو وطأ إحداهن ـ أي ال ٩ مكاتبة أو ابنتها أو أمتها ـ مع علمهما بالتحريم عزرا ولم يحدا للملك ، ويدل عليه ما تقدم من‌ خبر الحسين بن خالد (٣) الناطق بدرء الحد عمن جامع مكاتبته ، وعن بعض العامة أنهما يحدان » ولعل العبارة المزبورة التي حكيناها عن القواعد غير موجودة في بعض نسخها ، لأني لم أعثر عليها مشروحة في كشف اللثام ولا في الإيضاح ، ولم يتعرض لمضمونها في الدروس.

وفي التحرير « فان طاوعته عزرت ويعزر للشبهة مع الشرط وعدمه ـ ثم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب مقدمات الحدود الحديث ٤ من كتاب الحدود.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ١.

٣٠٢

قال في آخر المبحث ـ : والتعزير الذي أوجبناه إنما هو للعالم منهما ، فلو جهلا فلا تعزير ، ولو جهل أحدهما عزر الآخر ».

ومما ذكرنا يظهر أن لها المهر عليه ، لأنه من كسبها وإن طاوعته ، كما جزم به في الدروس ، لأنها ليست بزانية ، ولذا لم تحد وتكون أم ولد ، ولإطلاق‌ خبر علي بن جعفر (١) عن أخيه عليه‌السلام « في رجل وقع على مكاتبته ، قال : عليه مهر مثلها ، فان ولدت منه فهي على مكاتبتها ، وإن عجزت فردت في الرق فهي من أمهات الأولاد » وخبر السكوني (٢) عن الصادق عليه‌السلام « إن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال في مكاتبة يطأها مولاها فتحمل ، قال : يرد عليها مهر مثلها ، وتسعى في قيمتها ، فان عجزت فهي من أمهات الأولاد ».

بل قد يقوى تكرر المهر بتكرر الوطء وإن لم يتخلل الأداء ، لتعدد السبب ، اللهم إلا أن يدعى انسياق الاتحاد من الخبرين ، مضافا إلى أصل البراءة ، لكن دعوى الانسياق حتى مع التخلل كما ترى ، ومن هنا استوجه غير واحد التفصيل بذلك ، وقد يحتمل التعدد بالعلم بالحكم ، وإلا فمع الشبهة المستمرة مهر واحد.

وكذا لا يجوز له وطء أمة المكاتبة ولا أمة المكاتب ولو وطأ لشبهة أو غير شبهة كان عليه المهر لما عرفت ، نعم لو وطأ بنت المكاتبة المملوكة له لم يكن عليه مهر ، لأنها أمته ، وإنما وجب المهر لنفسها ولأمتها لأنه من كسبها بخلاف مهر البنت ، كما هو واضح.

وكلما يكتسبه المكاتب قبل الأداء وبعده فهو له ، لأن تسلط المولى زال عنه بالكتابة نعم لو عجز ففسخ المولى ملكه معه كما تقدم.

ولا تتزوج المكاتبة إلا بإذنه لأنها مملوكته ، ولما في تزويجها من التغرير بها ، ولفحوى ما سمعته من النهي للمكاتب عن ذلك في النصوص (٣) السابقة ، بل يمكن إرادة الجنس الشامل للذكر والأنثى منه ، وخصوص‌ خبر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب المكاتبة.

٣٠٣

أبي بصير (١) سأل الباقر عليه‌السلام « عن رجل أعتق نصف جاريته ثم إنه كاتبها على النصف الآخر بعد ذلك ، قال : فليشترط عليها أنها إن عجزت عن نجومها فإنها ترد في الرق في نصف رقبتها ، فان شاء كان له في الخدمة يوم ولها يوم إن لم يكاتبها ، قال : قلت : فلها أن تتزوج في تلك الحال؟ قال : لا حتى تؤدي جميع ما عليها في نصف رقبتها ».

وحينئذ ف لو بادرت كان عقدها موقوفا على الاذن أو على الأداء مشروطة كانت أو مطلقة ولم يقع باطلا ، لما سمعته من صحيح ابن وهب (٢) السابق وغيره ، وكذا ليس للمكاتب أن يزوج عبيده من إمائه بغير إذن مولاه ، لأنه خطر ولا اكتساب فيه.

وكذا ليس له وطء أمة يبتاعها إلا بإذن مولاه ولو كانت كتابة مطلقة لأنه تصرف بغير الاكتساب أيضا ، وفيه خطر ، بل عن بعض العامة عدم الجواز حتى مع الاذن ، لكنه كما ترى. نعم لا مهر لها ، لأنه لو ثبت لكان له ، ولا حد لو فعل ، لأنها مملوكة ، فان حملت منه فالولد له ، لأنه نماء ملكه الذي هو الجارية المملوكة له ، فحملها منه حينئذ كحملها من غيره ، ولكن لا يعتق عليه الان كما في القواعد وشرحها والتحرير والمسالك ، لنقصان ملكه ، نعم إن أدى عتق وعتق الولد وإن عجز استرقا معا.

وهل تكون أم ولد بعد العتق؟ وجهان وفي التحرير الأقرب ذلك ، وتبعه في المسالك ، ولعله لصدق أم الولد عليها ، لكن قد يناقش بلحوق حريته بالأداء لا بنفس الاستيلاد الذي هو المنساق من نصوص أم الولد (٣) بل المنساق منها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الاستيلاد من كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد.

٣٠٤

الموطوءة للسيد الحر لا المملوك ، والأصل عدم لحوق أحكامها حتى لو أتت به بعد العتق إذا كان لدون الستة أشهر من وقت العتق ، لتبين كون العلوق به في الرق.

نعم إن كان لما زاد عن ستة أشهر إلى أقصى الحمل احتمل أن تصير مستولدة له عملا بالأصل ، مع أنه قد يناقش فيه أيضا ( أولا ) بمخالفته للغالب ، و ( ثانيا ) بعدم كفاية مثله في تحقق عنوان أم الولد على وجه تلحقها الأحكام ، خصوصا إذا لم يكن قد وطأها بعد الحرية بحيث يمكن استناده إليه ، وإن وجهه في المسالك بكونها فراشا يلحق به الولد في الجملة قبل الحرية ، وهو مستدام بعدها ، وإمكان العلوق به بعد الحرية قائم ، فيكتفي به لثبوت الاستيلاد ظاهرا وإن افترق فيما بينه وبين الله سبحانه ، إلا أنه كما ترى ، والله العالم.

المسألة الثالثة :

كل ما يشترط المولى على المكاتب من عمل مخصوص زمن الكتابة أو بعد العتق بالأداء أو الاكتساب على وجه معين أو نحو ذلك وبالعكس في عقد الكتابة يكون لازما‌ لعموم « المؤمنون » (١) و ( أَوْفُوا ) (٢) وغيرهما ما لم يكن منافيا لمقتضى العقد أو مخالفا للكتاب والسنة على نحو غيره من الشرائط في العقود ، فلو شرط عدم الحرية بعد الأداء أو الوطء بطل الشرط ، بل الأقوى بطلان العقد كما تقدم محررا في كتاب البيع (٣) الذي مر فيه تسلط من له الشرط على الخيار مع عدم الوفاء مطلقا أو إذا تعذر جبره على الوفاء ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ٤ من كتاب النكاح.

(٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ١.

(٣) راجع ج ٢٣ ص ٢١٠ ـ ٢١٦.

٣٠٥

المسألة الرابعة :

لا يدخل الحمل المعلوم وجوده حال الكتابة ولو بانفصاله لدون ستة أشهر من حين الكتابة في كتابة امه فضلا عن أبيه وإن قصده ، لعدم قابليته للمعاملة ، وعدم دليل على التبعية ، بخلاف التدبير الذي هو عتق يقع على الصغير والكبير ، فهو حينئذ كالولد المنفصل ، خلافا لبعض العامة فأدخله تبعا لا على جهة السراية كما يتبع الحامل في البيع ، وهو واضح الضعف في المقيس والمقيس عليه.

لكن لو حملت بمملوك بعد الكتابة لكونه من عبد السيد بإذنه أو زنا وهي جاهلة بل أو عالمة ، كما أطلقه جماعة وإن أشكله في الدروس ، لعدم إلحاقه بها شرعا كان حكم أولادها كحكمها بمعنى أنه ينعتق منهم بحساب ما ينعتق من ها كلا أو بعضا بالعتق أو بالأداء أو بالإبراء ، لما سمعته في صحيحي ابن قيس (١) وبريد العجلي (٢) المتقدمين سابقا ، ولما قيل من أن الولد من كسبها فيتوقف أمره على رقها وحريتها كسائر كسبها ، وهذا ونحوه هو المراد بكونهم بحكمها لا أنهم يصيرون مكاتبين ، إذ لم يجر معهم عقد المكاتبة ، بل المراد انعتاقهم بانعتاقها من جهة الكتابة ، حتى لو فسخت الكتابة ثم عتقت الأم لم ينعتق الولد ، ولا ينافي ذلك ما سمعته من أداء الأولاد ما بقي من مال الكتابة المطلقة التي قد أدى بعضها للأدلة الخاصة.

هذا وفي المسالك « وهل يثبت حق ملكهم قبل الانعتاق للأم أم للمولى؟ وجهان ، من أنه تابع للأم وحق له ، ومن أنه من جملة كسبها ، فيكون لها ، وتظهر الفائدة فيما لو قتله قاتل ، فعلى الأول تكون القيمة للمولى كما لو قتلت الأم ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ١.

٣٠٦

وعلى الثاني يكون للمكاتبة تستعين به في أداء النجوم ، أما كسب الولد وأرش الجناية عليه فيما دون النفس وأرش الوطء بالشبهة لو كانت جارية فموقوف على عتقها فتكون له ، وإلا فللمولى ككسب الام ، فلو عجزت الام وأرادت الاستعانة بكسب ولدها الموقوف ففي إجابتها وجهان مبنيان على أن الحق هل هو للمولى أولها؟ فعلى الثاني لا إشكال في جواز استعانتها به ، وعلى الأول يحتمله أيضا ، لأنها إذا رقت رق الولد وأخذ المولى كسبه ، وإذا أعتقت عتق ، وقد يفضل شي‌ء من الكسب ففي إجابتها حظ للولد وعدمه ، لأنه لا حق لها في كسبه ، لأن الكلام على تقديره ، وتظهر الفائدة أيضا في نفقة الولد ، والوجه أنها في كسبه ، وما فضل فهو الذي يوقف ، فان لم يكن له كسب أو لم يف بالنفقة ففيه وجهان ، أظهرهما أنها على المولى بناء على أن حق الملك له وإن كان مراعي ، والثاني أن ينفق عليه من بيت المال ، لأن تكليفه النفقة من غير أن يصرف إليه الكسب في الحال إجحاف به ، وفيه وجه ثالث أنه على الأم ، لأن كسبه قد تنتفع به فتكون نفقته عليها ، لتبعية النفقة للكسب ».

وقد تبع ببعض ذلك الدروس قال : « ولو جني على ولدها في طرف فهو موقوف ، فان عتق ملكه وإلا فللسيد ، فلو أشرفت الأم على العجز فلها الاستعانة به ، وكذا كسبه ، ولو قتل فالقيمة للام ، لعدم تمكن السيد من التصرف فيه ، ويحتمل للسيد كما لو قتلت الام ونفقته من كسبه فان قصر أتمه السيد ، لأنه ملكه وإن كان موقوفا ، وفي جواز إعتاق المولى إياه وجهان ، من تحقق الملك ، ومن تعلق حق الام بكسبه في الاستعانة ، وحكم ولد الولد من أمته حكم الولد ».

وقد تبع هو ما في التحرير قال : « لو قتل الولد احتمل صيرورة القيمة للسيد كالأم وعدمه ، لأنه لا يملك التصرف فيه مع كونه قنا ، فلا يستحق قيمته ، وقواه الشيخ ، ولو جنى عليه أو كسب فالأقوى أنه موقوف يملكه إن عتق وإلا فلسيده ، فإن أشرفت امه على العجز كان لها الاستعانة ، ولو مات الولد قبل عتق الام فكسبه كقيمته لو قتل ، ونفقته من كسبه ، فان قصرت فالأقوى على السيد‌

٣٠٧

لأنه يسترقه مع العجز ، ويحتمل أخذ الناقص من بيت المال ، ولو أعتقه مولاه فان قلنا كسبه للسيد أو أنه موقوف وليس للأم الاستعانة به عند العجز ، صح وإن قلنا للأم أو بالوقف مع جواز الاستعانة لم ينفذ ، والأقوى عندي نفوذه على التقديرين » ونحو ذلك في القواعد وشرحها.

قلت : لكن قد يناقش في ذلك كله بأن مقتضي القواعد بعد أن لم يكن مكاتبا بكتابة امه ملكية السيد للولد بقاعدة النماء ، وليس هو من كسبها وإلا لملكته ووفت به ، ومن المعلوم عدمه ، ضرورة كونه من نمائها الذي هو مملوك للسيد ، وثبوت تبعيته لها في التحرير وعدمه مع فرض بقائه لا ينافي كونه ملكا له الان على وجه يجري عليه حكم الملك من المعتق ونحوه ، وحينئذ يتجه كون كسبه وقيمته لو قتل وقيمة أطرافه له أيضا ، وليس لها الاستعانة بشي‌ء من ذلك في وفاء نجومها ، ونفقته على السيد ، ومئونة تجهيزه كذلك ، بل إن لم يكن إجماع جاز له التصرف فيه ببيع ونحوه ، خصوصا بعد عدم الدليل على كثير مما ذكروه هنا من وقف الكسب ومن استعانة الام عند العجز وغيرهما ، فتأمل جيدا ، فان التحقيق ما ذكرناه إن لم يكن إجماع على خلافه ، والله العالم.

ولو تزوجت بحر باذن السيد كان أولادها أحرارا مع عدم شرط الرقية عليه بناء على صحته ولو حملت من مولاها لم تبطل الكتابة للأصل وغيره وكان الولد حرا ، لأنها علقت به في ملكه ، وتصير أم ولد له بلا خلاف أجده فيه ، مضافا إلى ما سمعته من خبر علي بن جعفر (١) ولولاه لأمكن المناقشة بنقصان ملكه ، فلا يقتضي انعتاقه عليه ، نحو ما سمعته في ولد المكاتب من جاريته ، لكن على الأول مع كونها مكاتبة تصير أم ولد له. فان مات وعليها شي‌ء من مال الكتابة تحررت من نصيب ولدها ، وهل يتبعها حرية ولدها من غير مولاها لو كان إشكال ، لكن جزم في التحرير بانعتاقه تبعا للام.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ١.

٣٠٨

فان لم يكن لها ولد من المولى حين موته أو لم يف نصيبه بما عليها سعت في مال الكتابة أو ما بقي منه للوارث قال موسى بن جعفر عليهما‌السلام في‌ خبر أخيه علي عنه عليه‌السلام « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في رجل وقع على مكاتبته فوطأها أن عليه مهر مثلها ، فان ولدت منه فهي على مكاتبتها ، وإن عجزت فردت في الرق فهي من أمهات الأولاد » وظاهره أن عليه المهر خاصة دون قيمة الولد ، كما جزم به في التحرير في نظير المسألة.

لكن في المسالك « وهل عليه قيمة الولد؟ يبنى على ما تقدم من الوجهين ، فان قلنا حق الملك فيه للسيد فلا شي‌ء عليه ، كما لو قتل ولد المكاتبة ، وإن قلنا الحق لها فعليه القيمة ، وتستعين المكاتبة بها ، فان عجزت قبل الأخذ سقطت ، وإن عتقت أخذتها ، وإن ولدت بعد ما عجزت ورقت فلا شي‌ء لها ، وكذا لو ولدت بعد ما عتقت ، لأنه حين تعذر تقويمه ليس بكسب مكاتبة » ولا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه ، فلاحظ وتأمل.

ولو تنازع المولى والمكاتبة في تقدم الولد على الكتابة وتأخره ففي التحرير والقواعد والدروس حلف المولى ، ولو تنازع المكاتب والسيد حلف المكاتب قالا : « والفرق أن يده ثابتة عليه ، وهو يدعي ملكه فيترجح باليد ، والمكاتبة لا تدعي الملك ، انما تدعي الوقف ، ولم يثبت كون اليد مرجحة للوقف ».

قلت : بناء على ملاحظة قاعدة تأخر مجهول التاريخ عن معلومه ينبغي مراعاته ، واليد لا تصلح للترجيح ما لم يسندها صاحبها إلى سبب خاص يكون به مدعيا ، وبالجملة كلامهم هنا محتاج إلى التأمل فتأمل. ويتصور النزاع في المكاتب بأن يزوجه أمته ثم يشتريها المكاتب فالولد قبل الشراء للسيد وبعده للمكاتب.

٣٠٩

المسألة الخامسة

قد عرفت فيما تقدم أن المشروط رق وإن أدى أكثر ما عليه وحينئذ ف فطرته على مولاه كما أطلقه جماعة تبعا لإطلاق النصوص (١) المتقدمة في زكاة الفطرة فطرة العبد على مولاه ، وأنه أحد العيال ، بل في‌ مرفوع محمد ابن (٢) أحمد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « يؤدي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه ورقيق امرأته وعبده النصراني والمجوسي ومن أغلق عليه بابه » ومنه ومن غيره تعرف قوة احتمال كون فطرته عليه وإن لم يعمل به ما لم يعمل به غيره ، لأنه عياله شرعا ، كما سمعته في زكاة الفطرة (٣).

مضافا إلى ما سمعته في خبر أبي بصير (٤) السابق عنه عليه‌السلام أيضا في خصوص المشروط « وإن وقع عليه دين في تجارة كان على مولاه أن يقضي عنه ، لأنه عبده » وغير ذلك مما دل على عدم جواز تصرفه بماله في غير الاكتساب ونحوه الذي يكفي في سقوطها عنه ، لعدم تمكنه.

لكن مع ذلك كله وسوس في المسالك في ذلك ، بل مال إلى عدمه ، قال : « المكاتب مطلقا قد خرج عن محض الرقية ، ولم يصر إلى حالة الحرية وهو مرتبة بينهما كما علم مرارا ، ومن سقوط أحكام الرقية عنه سقوط نفقته عن مولاه وتعلقها بكسبه ، وقد كان اللازم من ذلك ثبوت فطرته على نفسه أيضا ، لأنها تابعة للنفقة ، لكن قد أطلق جماعة من الأصحاب وجوب فطرة المشروط على مولاه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب زكاة الفطرة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ٩.

(٣) راجع ج ١٥ ص ٤٨٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ٣.

٣١٠

والحكم عليه بإطلاق الرقية ، مع أن‌ علي بن جعفر (١) روى عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : « سألته عن المكاتب هل عليه فطرة رمضان أو على من كاتبه؟ فقال : الفطرة عليه » ولم يفرق بين القسمين ، وفي الدروس اقتصر على نقل وجوب فطرة المشروط على مولاه عن بعض الأصحاب ثم احتمل عدمه محتجا بأنها تابعة للنفقة ، وابن البراج صرح بعدم وجوبها على المولى ، ولا بأس بهذا القول وإن كان الأشهر خلافه ، وأما المطلق فلا تجب فطرته على مولاه اتفاقا ولا على نفسه إلا أن يتحرر منه شي‌ء فتجب بنسبة الحرية ».

وفيه ـ مع مخالفته ما عرفت ـ أن كون نفقته من كسبه ـ الذي هو للمولى مع العجز أوله مع عدمه ولكن ليس له التصرف فيه بنحو ذلك قبل الأداء ـ لا ينافي وجوب فطرته على مولاه ، بل هو كالاجتهاد في مقابلة النص ، وخبر علي بن جعفر (٢) يمكن حمله على المطلق الذي قد أدى بعض مكاتبته ، فان فطرته عليه بمقدار ما فيه من الحرية بخلاف من لم يؤد شيئا ، فإنه كالمشروط في جميع ما سمعته.

ولعل المراد من قول المصنف ولو كان مطلقا لم يكن عليه فطرته أنه ليس كالمشروط في وجوبها عليه مطلقا ، بل هو إن لم يؤد ففطرته على مولاه وإن أدى بعضا ففطرته بالنسبة ، بل في حاشية الكركي هنا بعد أن نسب عدم الفطرة على مولى المطلق إلى المشهور قال : « إلا أنه يشكل بأن المكاتب المطلق إذا لم يؤد شيئا رق أيضا ، فتجب فطرته لأنها تابعة للملك ، وقد صرح بذلك في التحرير في باب زكاة الفطرة ، ولو تحرر بعضه فالفطرة عليه وعلى مولاه بالتقسيط وهو جيد » ومن الغريب دعوى الاتفاق على سقوطها عنه وعن مولاه مع عدم تحرير شي‌ء منه مع أني لم أعرفه قولا لأحد إذ لا أقل من أن يكون كالمشروط الذي حكم بوجوب فطرته عليه ، لأنها تابعة للنفقة ، هذا وقد تقدم بعض الكلام في ذلك في زكاة الفطرة ، فلاحظ وتأمل حتى تعرف أنه لا قائل معلوم بما ذكره ، وإنما ذكرناه هناك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ٢.

٣١١

احتمالا في كلمات بعض القدماء ، والله العالم.

وإذا وجب عليه أي المكاتب مشروطا كان أو مطلقا لم يؤد كفارة مترتبة أو مخيرة كفر بالصوم للحجر عليه بالتصرف في المال بغير الاكتساب ، كما سمعته فيما تقدم نصا (١) وفتوى وحينئذ ف لو كفر بالعتق لم يجزه ، وكذا لو كفر بالإطعام لأن كلا منهما تصرف في المال بغير اكتساب ، وقد عرفت منعه منه ، بل لو كان المولى أذن له قيل والقائل الشيخ في محكي مبسوطة لم يجزه أيضا ، لأنه كفر بما لم يجب عليه كالمعسر الذي تكلف التكفير بما لم يجب عليه أو تبرع عنه ، المحكي عن الشيخ فيه نفي الخلاف عن عدم إجزاء الكفارة عنه بما أعسر عنه ، وحينئذ لم يوافق أحد منهما الأمر المقتضي للاجزاء ، وإذن المولى إنما اقتضت رفع الحجر عنه لا توجه الخطاب إليه.

وفيه أن إطلاق الأدلة يقتضي خطابه بذلك سواء كان على التخيير أو الترتيب بعد ارتفاع المانع ، ومن هنا نسبه المصنف إلى القيل مشعرا بتمريضه ، بل ظاهر الكركي الاجزاء تبعا لصريح الفاضل في القواعد ، بل هو خيرة المصنف في كتاب الأيمان ، وحينئذ فلا يحتاج إلى ما في المسالك من بناء المسألة على أن التبرع عن المعسر بالكفارة التي ليست فرضه هل يجزئ عنه أم لا؟ فان قلنا بإجزائها أجزأ هنا بطريق أولى وإلا فلا ، وفي المختلف ادعى الإجماع على أن التبرع عن المعسر باذنه مجز فيجزئ هنا ، وهو الوجه وفي المبسوط ادعى الإجماع على عدم الاجزاء مع أنه في باب الكفارة اختار الاجزاء وجعله الأظهر في روايات أصحابنا ، ووافقه ابن إدريس على عدم الإجزاء ، وإليه أشار المصنف بقوله : « وقيل لم يجزه » وإن أومأ إلى بعض ذلك في غاية المراد ، ضرورة عدم مدخلية تلك المسألة لكون المكاتب موسرا إذا فرض كونه مكتسبا لما يحصل به ذلك ، إلا أنه محجور عليه في التصرف فيه بمثل ذلك ، فمع فرض ارتفاع الحجر عنه بالاذن حصل الوصف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب المكاتبة.

٣١٢

وتوجه التخييري والترتيبي بخلاف المعسر ، فان التبرع عنه لا يجعله موسرا ، كما هو واضح.

ومن ذلك ينقدح النظر فيما في الإيضاح من أنه بأمر السيد لا يلزمه التكفير بالمال ، لأن عليه ضررا فيه ، لأنه يفضي إلى تفويت حريته لعجزه بسببه ، ولأن التبرع لا يلزم باذن السيد ، فحينئذ إذا أذن السيد فيه صارت الكفارة المرتبة مخيرة بالنسبة إليه ، وهذا هو الصحيح عندي ، وسبب الاشتباه على المانع الاشتراك اللفظي ، فإن قوله : « كفر بما لم يجب عليه » إن أراد الوجوب العيني سلمناه ، وإن أراد الوجوب المخير منعناه ، ولما لم يميز بين الوجوبين منع » إذ هو كما ترى ، ضرورة أنه بعد فرض تناول إطلاق أدلة الكفارة للمكاتب المأذون وغيره يتجه الترتيب عليه ، وضرره مرتفع بفرض اليسار الذي مقتضاه وجود مقابل الكتابة عنده وزيادة ، فتأمل جيدا ، والله العالم.

المسألة السادسة :

إذا ملك المملوك نصف نفسه مثلا كان كسبه بينه وبين مولاه بلا خلاف ولا إشكال ، إذ هو كنماء المشترك بين شريكين ولو طلب أحدهما المهاياة أجبر الممتنع كما عن بعضهم ، لأن لكل منهما الانتفاع بنصيبه ، ولا يمكن الجمع بين الحقين في وقت واحد ، فكانت المهاياة طريق الجمع بين الحقين ووسيلة إلى قطع التنازع ، ولا ضرر فيها ، بل هي موافقة لقاعدة لا ضرر ولا ضرار ، مضافا إلى ظاهر‌ خبر عمار بن موسى (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في مكاتب بين شريكين فيعتق أحدهما نصيبه كيف يصنع الخادم؟ قال : يخدم الثاني يوما ويخدم نفسه يوما » وغيره من النصوص (٢) التي تقدمت سابقا في استسعاء المبعض ، نعم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من كتاب العتق الحديث ٤ و ٥ و ٨.

٣١٣

يكفي فيها الإجابة إلى المهاياة اليومية ، ولا يجب الأزيد.

وقيل : لا يجبر للأصل بعد أن كانت غير لازمة إلا أن تكون بصلح ونحوه وقسمة لغير معلوم التساوي في جملته لا أفراده ، فيتوقف على التراضي ، بل لا يظهر كونها قسمة لكون المنافع معدومة ، والخبر المزبور مع قطع النظر عن سنده لا يدل على تعيين ذلك كما في المسالك ، خصوصا بعد أن كان المفروض فيه الخدمة ومعلوم عدم تساويها.

ومن هنا قال المصنف وهو أشبه بأصول المذهب وقواعده التي تقدمت الإشارة إلى جملة منها في كتاب القسمة ، بل وفي كتاب الشركة التي من عيوبها ذلك ونحوه ، واستحسنه الكركي واختاره في الإيضاح ، والله العالم.

المسألة السابعة :

لو كاتب عبده ومات صح وخلف ورثة قاموا مقامه في أنهم إذا أعتقوه أو أبرؤوه من النجوم أو استوفوا المال عتق ولو أبرأه أحد الوراث من نصيبه من مال الكتابة أو استوفاه باذن شركائه أو أعتق نصيبه صح وانعتق من المكاتب المطلق مقدار ذلك ولا يقوم عليه الباقي في صورتي الأداء والإبراء ، للأصل بعد فرض عدم تناول دليل التقويم لمثله ، خصوصا والمكاتب في المقام هو المورث ، وإنما الإبراء تنفيذ المكاتبة.

على أن التحقيق عدم السراية في المطلق إذا أدى شيئا للمورث وانعتق منه جزء فصلا عن الوارث ، لعدم صدق العتق بالتحرير بأداء مال الكتابة التي قد عرفت أنها معاملة مستقلة لا بيع العبد من نفسه ولا عتق بعوض.

وأما لو أعتق فإن قلنا بعدم السراية لو أعتق المورث بعض مكاتبه أو حصته من المكاتب المشترك لخروجه بالمكاتبة عن محض الرقية فلا تشمله أدلة التقويم المخالف للأصل ، خصوصا مع إمكان تضرر المكاتب بالسراية حيث إنه ينقطع عنه‌

٣١٤

بها الولد والكسب اللذان يحصلان له بتحريره بأداء الكتابة ، فعدمها هنا أولى ، لتنزيل عتق الوارث منزلة إبرائه الذي هو تنفيذ لفعل المورث ، وإن قلنا بها في المورث ففي القول بها هنا وجهان ، من ذلك ومن صدق مباشرته للعتق ابتداء ، فيشمله دليل السراية ، ولعله لا يخلو من قوة ، بل هو خيرة الكركي في حاشيته.

ومن التأمل فيما ذكرنا يظهر ما في المسالك وغيرها من التشويش بعدم ذكر الفرق بين الإبراء والعتق وبتكثير الاحتمالات التي منها الفرق بين الإبراء من مال الكتابة وبين قبضه باعتبار كونه مختارا في الأول فيكون مختارا في سببه الذي هو العتق ، فيسري بخلاف القبض ، فإنه غير مختار فيه ، ومنها بناء المسألة على أن الكتابة بيع للعبد من نفسه أو عتق بعوض ، فعلى الأول لا سراية ، وعلى الثاني وجهان ، إلى غير ذلك مما لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا في المقام وفي المباحث السابقة.

بقي شي‌ء وهو أن ظاهر المصنف والفاضل في القواعد والتحرير عدم الفرق في الحكم المذكور بين المطلق والمشروط ، بل في إيضاح الفخر « أن البحث في المشروط ، ولعله المناسب لاستدلال المخالف وتشبيهه بما إذا كان المورث حيا ، ضرورة عدم انعتاق البعض بأداء البعض فيه لو كان المورث حيا » وفي كشف اللثام جزم بالحكم في المطلق وجعله في المشروط احتمالا ، والذي حكاه في الإيضاح عن الشيخ التصريح بالمشروط ، قال : « لأنهما شريكان في العبد ، نصيب كل واحد مكاتب على قدر قسطه من مال الكتابة ، وكل منهما ينفرد بحقه لا يتعلق عتق نصيبه بأداء مال إلى غيره ـ إلى أن قال ـ : والحاصل أن الكتابة بموت السيد تتنزل منزلة كتابتين ـ ثم حكى عن الشيخ أنه نقل قولا بأنه لا ينعتق ـ لأنهما معا منزلان منزلة المورث ولو أبرأه المورث من البعض لم يعتق فكذا الوارث ، ولأن المكاتب المشروط إذا كاتبه واحد كان عتق كل واحد من أجزائه معلقا بأداء الكل‌

٣١٥

من حيث هو كذلك ، وبموته لم يتجدد عقد آخر فلا ينعتق بعض منه بأداء بعض مال الكتابة ».

قلت : لا يخفى عليك قوة القول بعدم الانعتاق بالأداء أو الإبراء في المشروط الذي انتقل إلى الوارث على الوجه المذكور في عقد الكتابة ، ودعوى انحلالها بالموت إلى كتابتين واضحة المنع ، اللهم إلا أن يقال إن المكاتب المشروط الذي انتقل إلى الوارث كالمال الذي يشتريه المورث مثلا ، وله فيه الخيار ، فإنه يتبع الحصص حينئذ ، فتأمل جيدا ، والله العالم.

المسألة الثامنة :

من كاتب عبده مطلقا أو مشروطا وجب عليه أن يعينه من زكاته إن وجب عليه ، ولا حد له قلة ولا كثرة بل المدار على صدق اسم إيتاء المال ، خلافا لبعض العامة ، فقدرة بالربع ، ولا شاهد له ، نعم ستسمع استحباب حط السدس من النجوم.

وعلى كل حال يستحب له التبرع بالعطية إذا لم تجب وفاقا في ذلك كله للمحكي عن الشيخ في خلافه وكثير من المتأخرين ، بل عن الأول دعوى إجماع الفرقة وأخبارهم (١) بل في الرياض هو الحجة في الوجوب والتخصيص بالمولى.

مضافا إلى ظاهر الآية (٢) فيهما الناشئ عن كون الأمر حقيقة في الوجوب ، ولا ينافيه استعمال الأمر بالكتابة قبله في الاستحباب ، وظهور السياق باختصاص الضمير المتعلق به الأمر بالمولى ، فلا يعم ما عداه ، وفي تخصيص المال بالزكاة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ـ ٠.

(٢) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٣٣.

٣١٦

وإن كانت الآية فيه مطلقه ، وتخصيص الآية بصورة وجوبها والاستحباب في غيرها تبرعا.

وفيه أولا عدم معلومية إرادة الشيخ الإجماع على ما ذكره من الحكم ، كما يقضي به التدبر في عبارته المحكية عنه في المختلف ، لاحتماله إرادة الإجماع على أصل الإيتاء في الجملة ، خصوصا بعد أن لم نقف على خبر أصلا فيما ذكره من الحكم المزبور.

نعم في‌ صحيح محمد بن مسلم (١) عن أحدهما عليهما‌السلام « سألته عن قول الله عز وجل ( وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ ) (٢) قال : الذي أضمرت أن تكاتبه عليه لا تقول أكاتبه بخمسة آلاف وأترك له ألفا ، ولكن انظر إلى الذي أضمرت عليه فأعطه » ونحوه المرسل (٣) عن الصدوق ره.

وفي‌ خبر العلاء بن الفضيل (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال في قول (٥) الله تعالى ( فَكاتِبُوهُمْ ) إلى آخرها : « تضع عنه من نجومه التي لم تكن تريد أن تنقصه منها ، ولا تزيد فوق ما في نفسك ، قلت : كم؟ قال : وضع أبو جعفر عليه‌السلام عن مملوك ألفا من ستة آلاف ».

وفي‌ خبر القاسم بن يزيد (٦) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أيضا « سألته عن قوله تعالى (٧) ( وَآتُوهُمْ ) ـ إلى آخرها ـ قال : سمعت أبي يقول : لا يكاتبه على الذي أراد أن يكاتبه ثم يزيد عليه ثم يضع عنه ، لكن يضع عنه مما نوى أن يكاتبه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ١.

(٢) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٣٣.

(٣) أشار إليه في الوسائل في الباب ـ ٩ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ١ وذكره الصدوق ( قده ) في المقنع ص ٣٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ٢.

(٥) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٣٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ٣ عن القاسم بن بريد.

(٧) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٣٣.

٣١٧

عليه » وهي صريحة في خلاف الحكم المزبور.

بل هو نفسه احتمل في الآية الوجوب من الزكاة والاستحباب ، والخطاب لغير السيد ممن تجب عليه الزكاة ، بل قال في المحكي عن مبسوطه : الإيتاء واجب عندنا ، وهو أن يحط السيد عن مكاتبه شيئا من مال الكتابة ويؤتيه شيئا يستعين به على الأداء ، لقوله تعالى (١) ( وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ ) وهذا أمر » وظاهره الإجماع على ما ذكره.

وقال في محكي التبيان : « قال قوم : المعنى آتوهم من سهمهم من الصدقة ذكره في قوله (٢) ( وَفِي الرِّقابِ ) ذكره ابن زيد عن أبيه ، وهو مذهبنا » وظاهره الإجماع أيضا على ذلك. ومن ذلك يضعف الظن بكون المراد أن الإجماع على الحكم المزبور.

ومن الغريب اقتصاره في الرياض على خبر العلاء ثم قال : « لكنه ضعيف بابن سنان في المشهور ، ومع ذلك كاد أن يلحق بالشواذ ، لعدم مفت بمضمونه بالخصوص ، فإن الأصحاب ما بين مفت بما مر ، وحاكم بالوجوب على المولى جاعلا متعلق لوجوب هو الحط من مال الكتابة مع إيتائه شيئا يستعين به على الأداء ، وجبت على المولى الزكاة أم لا كما عن المبسوط وجماعة ، ومخصص للحكم بالمشروط العاجز عن توفية ثمنه ، ومفصل في المطلق بين وجوب الزكاة على المولى ، فتجب عليه الإعانة منها ، وعدمه فعلى الامام أن يفكه من سهم الرقاب ، كما عليه الحلي ، وناف للوجوب من أصله حاكم باستحباب الإعانة للسيد بدفعه إلى مكاتبه شيئا من ماله من سهم الرقاب ، كما عن ابن حمزة والقاضي ـ قال ـ : وهذه الأقوال كما ترى ليس فيها ما يوافق مضمون الرواية عدا ما في المبسوط من تفسيره الإيتاء بالحط عن بعض النجوم كما فيها ، لكن زاد ويؤتيه شيئا يستعين به على الأداء ، فتخالفا‌

__________________

(١) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٣٣.

(٢) سورة التوبة : ٩ ـ الآية ٦٠.

٣١٨

من هذه الجهة ، فلا يمكن المصير إليها بعد كونها بهذه المثابة ، ولم يعمل بمضمونها أصلا ، نعم عن الإسكافي أنه قال بعد ذكر الآية : يحتمل أن يكون ذلك أمرا بأن يدفع إلى المكاتبين من سهم الرقاب من الصدقات إن عجزوا ، ويحتمل أن يكون ندبا للسيد أن يضع عنه جزء من مكاتبته ، واحتماله الأخير موافق للرواية إن حملت على الاستحباب ».

وفيه ما عرفت من أن مضمون الخبر المزبور قد اشتمل عليه الصحيح وغير الصحيح ، وأما العمل به فكل من قال بالندب كالفاضل في المختلف والشيخ ويحيى بن سعيد في محكي التبيان والجامع عامل به ، بل قد سمعت تفسير المبسوط الإيتاء بذلك ، ولا ينافيه زيادة إيتاء شي‌ء له للاستعانة ، وبالجملة دعوى كونه من الشواذ كما ترى ، فالمتجة العمل بها على جهة الندب ، بل لعله المنساق من الآية ولو لعطفه على الأمر بالكتابة الذي هو للندب كما عرفت ، وإشعار‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) « من أعان مكاتبا على فك رقبته أظله الله في ظل عرشه » وقيل له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) : « علمني عملا يدخلني الجنة فقال : أعتق نسمة وفك رقبة ، فقيل : أليسا واحدا؟ قال : لا ، عتق النسمة أن ينفرد بعتقها ، وفك الرقبة أن يعين في عتقها » إذ لا يخفى على من رزقه الله معرفة اللسان أن ذلك ونحوه بل والنصوص السابقة بل والآية يراد به الندب.

ودعوى أن المنساق من مال الله في الآية الزكاة واضحة المنع بعد ما عرفت ، خصوصا بعد الوصف بقوله تعالى ( الَّذِي ) إلى آخرها وعلى تقديره فالمراد بالأمر بها الندب ، بل لعل ذلك خاص فيمن علم الخير منهم أي الايمان لا مطلقا.

__________________

(١) سنن البيهقي ج ١٠ ص ٣٢٠ وفيه‌ « من أعان مجاهدا .. أو مكاتبا في رقبة أظله الله في ظله يوم لا ظل الا ظله ».

(٢) المستدرك الباب ـ ١ ـ من كتاب العتق الحديث ١٦ وسنن البيهقي ج ١٠ ص ٢٧٣.

٣١٩

كما أن الظاهر عدم اختصاص الإيتاء بالحط ، وإنما ذكر في النصوص (١) لأنه أحد الأفراد المتيسرة للمكاتب دائما وإلا فالمراد إيتاؤه من الزكاة الواجبة أو غيرها بحط أو غيره ، بل هو المناسب لإطلاق الأمر بالإيتاء الظاهر في تناول الأفراد أجمع ، بخلاف الزكاة المختصة بمن تكون عنده ، ولعل هذا مرجح آخر لعدم إرادة خصوص الزكاة ، بل قد يرجحه أيضا أن ما ذكره المصنف مستلزم للتجوز في الأمر بناء على إرادة القدر المشترك منه بين الواجب لمن عنده زكاة والندب لمن لم تكن عنده والتخصيص وغير ذلك.

وبذلك كله وغيره بان لك أن الندب هو الأقوى بل يستحب أن يكون مقدار السدس ويكره له أن يزيد في مال الكتابة لإرادة الإيتاء منه ، كل ذلك لما سمعته من النصوص (٢).

وأما دعوى دلالة الآية (٣) على الوجوب على الوجه الذي ذكره المصنف فلا شاهد لها ، وكون الأمر له لا يقتضي اختصاصه بالزكاة التي عليه ، كما أن آية (٤) كون الرقاب مصرفا للزكاة كذلك أيضا ، بل دعوى دلالتها على الوجوب على المولى إذا كانت عليه زكاة وعلى الندب إذا لم تكن كادت تشبه العلم بالمغيبات.

ومن ذلك كله يظهر لك ضعف الأقوال المزبورة أجمع ، ومنها ما في المسالك من « أن الأقوى وجوب الإيتاء من الزكاة إن وجبت أو الحط عنه من مال الكتابة أو دفع شي‌ء إليه إن لم تجب » بل هو أضعفها ، وكذا ما فيها أيضا تبعا للدروس من أنه « يجب على المكاتب القبول إن أعطاه من جنس مال الكتابة لا من غيره ، عملا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب المكاتبة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب المكاتبة.

(٣) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٣٣.

(٤) سورة التوبة : ٩ ـ الآية ٦٠.

٣٢٠