جواهر الكلام - ج ٣٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

تلك الأدلة في عدم صحتها منه ، بل لعله ظاهر المصنف وغيره ممن صرح بعدم اشتراط الإسلام في المولى وفرع عليه مكاتبة الذمي لمثله بخمر أو خنزير ، فإنه إن لم ينزل كلامه هنا على الاشتراط بالنسبة للمسلم لم يكن للحكم الأول حينئذ مورد ، كما هو واضح.

نعم لا يصح كتابة المرتد عن فطرة منه لعدم قابليته للملك ، بل في الدروس وإن كان عن ملة جوزه الشيخ ، لأن له أهلية المعاوضة ، وهو مطالب بالفرق ، بل البطلان هنا أولى ، لعدم إقراره على ردته وإن كان قد يناقش بأن ذلك لا ينافي قابليته للمعاوضة الثابتة بالأصل وغيره ، وكفى بذلك فارقا بينه وبين الفطر الذي انقطعت استدامة تملكه فضلا عن ابتدائه ، والله العالم.

وأما الأجل ففي اشتراطه خلاف ، فمن الأصحاب من أجاز الكتابة حالة ومؤجلة ، لإطلاق الأدلة وكونها كالبيع على المعسر ومنهم من اشترط الأجل ، وهو أشبه بأصول المذهب وقواعده ، لما سمعته من الأدلة السابقة لا لأن ما في يد المملوك لسيده ، فلا تصح المعاملة عليه ، وما ليس في ملكه يتوقع حصوله فيتعين ضرب الأجل إذ يمكن دفعه بفرض مال مقارن ، ومعارضته بالبيع على المعسر الذي لا يملك شيئا ، اللهم إلا أن يرجع إلى ما ذكرناه كما تقدم الكلام في ذلك كله مفصلا.

وإنما أعاده ليفرع عليه ما تسمعه من أنه يكفي فيه بناء على اعتباره أجل واحد عندنا وعند أكثر العامة ، لإطلاق الأدلة ، خلافا لبعضهم فاشترط كونه نجمين فصاعدا ، لأنه المعهود من عمل الصحابة والتابعين ، ولأن الكتابة مأخوذة من الكتب بمعنى الضم باعتبار ضم النجوم فيها بعضها إلى بعض ، وأقل ما يحصل به ذلك نجمان فصاعدا ، ولأن الكتابة عقد إرفاق ومن تتمته التنجيم ، والجميع كما ترى لا يصلح قاطعا لإطلاق الأدلة ، ضرورة أعمية عمل الصحابة بعد تسليمه من الاشتراط ، كما أن أخذ الكتابة من الكتب بمعنى الضم كذلك إذ بعد تسليم انحصار وجه المناسبة فيه يمكن أن يكون بناؤه على الغالب ، والإرفاق مع أنه‌

٢٨١

حكمة يمكن حصوله بابعاد الأجل ، كما هو واضح.

ولا حد في الكثرة إذا كانت معلومة بلا خلاف ولا إشكال ، نعم في المسالك يدخل في ذلك ما إذا جعلاه إلى مدة لا يعيشان إليها غالبا ، ولا بأس به بالنسبة إلى المولى الذي قد عرفت أنه لا تبطل الكتابة بموته ، فتكون حينئذ كالبيع كذلك ، للأصل ، فينتقل الحكم إلى الوارث حينئذ ، أما بالنسبة إلى المكاتب فقد يشكل ببطلانها بموته مطلقا إذا كان مشروطا ، وفي الباقي في المطلق ، فيكون اشتراط الزائد منافيا لمقتضى العقد ، وقد أطلق الشهيد في بعض تحقيقاته جواز التأجيل كذلك مطلقا وحكم بانتقال الحكم إلى الوارث بعد الموت ، ولا يخلو في جانب المكاتب من إشكال ، قلت : المراد من نفي الحد في الكثرة عدم المانع من حيث كونها كذلك في مقابلة القول بعدم جواز الأجل الواحد ، لا أنها جائزة وإن حصل المانع من جهة أخرى ، فلا إشكال حينئذ ، والله العالم.

ولا بد أن يكون وقت استحقاق الأداء معلوما على وجه يكون مشخصا فلو قال : كاتبتك على أن تؤدي إلى كذا في سنة بمعنى أنها ظرف الأداء لم يصح للجهالة كما في النسيئة ، خلافا للمحكي عن أبي علي والخلاف فأجازه ، وخيره في الدفع في مجموع ذلك الوقت ، ولا ريب في ضعفه وإن توقف فيه الفاضل في القواعد.

ويجوز أن تتساوى النجوم وأن تختلف بلا خلاف ولا إشكال لإطلاق الأدلة وعمومها ، كما يجوز تساوي المقادير فيها واختلافها. نعم في اعتبار اتصال الأجل بالعقد تردد وخلاف من إطلاق الأدلة ومن كونه خلاف المعهود ، كما تقدم الكلام في نظائره منه في المتعة وغيرها.

ولو جمع في العوض بين المال والخدمة مثلا كما إذا قال : كاتبتك على خدمة شهر ودينار بعد الشهر صح. إذا كان الدينار معلوم الجنس ، ولا يلزم تأخير الدينار إلى أجل آخر لصدق حصول الأجل له ، نعم هو نجم واحد ، وقد‌

٢٨٢

عرفت صحته عندنا ، وإنما يتوجه عليه المنع عند من يشترط تعدد النجوم ، ثم إطلاق خدمة شهر محمول على المتصل بالعقد كنظائره.

ولو مرض العبد شهر الخدمة بطلت الكتابة إذا كانت مشروطة أو كان هو مجموع العوض لتعذر ه‍ أي العوض حينئذ ، أما لو كان بعده الدينار وكانت مطلقة لم تبطل ، وروعي أداء المال وعتق منه بنسبته.

ولو قال : كاتبتك على خدمة شهر بعد هذا الشهر قيل والقائل الشيخ : تبطل بناء على القول باشتراط اتصال المدة بالعقد ، وفيه تردد بل منع كما عرفته سابقا وإنما ذكر ذلك بخصوصه لبيان أنه لا فرق بين المال والخدمة ، والله العالم.

ولو كاتبه ثم حبسه مدة قيل والقائل الشيخ في المحكي عن المبسوط : يجب أن يؤجله مثل تلك المدة لأن القدر الواجب من التأجيل الإمهال في تلك المدة ولا قيمة له فيضمنه بمثله.

وقيل والقائل الشيخ أيضا في موضع آخر من المبسوط لا يجب بل يلزمه أجرته مدة احتباسه ، وهو أشبه بأصول المذهب وقواعده ، لأن المكاتب مضمون بالغصب كالقن ، فيضمن منافعه مدة الحبس ، وهو أقوى ، فان لم يكن ذا صنعة وجب أجرته لعمل مطلقا ، وإن كان له صنعة وجب أجرته لتلك الصنعة ، وإن تعددت قيل : يلزمه أجرة الأعلى منها ، وقيل يجب أجرة الأغلب وقوعا بالنسبة إليه ، ويأتي تحقيقه إنشاء الله في كتاب الغصب.

وأما العوض فيعتبر فيه أن يكون دينا منجما على الأصح معلوم الوصف والقدر مما يصح تملكه للمولى ، فلا تصح الكتابة على عين مشخصة لا لما قيل من أنها إن كانت بيد المملوك فهي للمولى ، فلا يتحقق المعاوضة بها ، لأنها معاوضة على ماله حينئذ بماله ، وإن كانت لغيره لم يصح وإن أذن لاشتراط الملك في العوض حتى يملك المعوض ، ولذا لا يصح البيع بعين لغير المشتري على أن يكون‌

٢٨٣

المبيع ملكا له والثمن من غيره ، إلا أن يكون المراد في الفرض بيع العبد بالعين لصاحبها لأنه لا يتم على القول بأن العبد يملك ولو في الجملة ، ضرورة تصور مالكية العين ، ويكفي في الاذن من سيده في التصرف بها مكاتبته عليها ، بل ولا في المبعض إذا أريد المكاتبة معه على جزئه الرق ، إذ يمكن كونه مالك العين بجزئه الحر ، بل قد يقال بكفاية الاذن من الغير بالمكاتبة على عينه على أن تكون قرضا عليه ، ويحصل ذلك بعقد المكاتبة المخرج له عن محض الرقية بحيث يكون صالحا لأن يملك المولى عليه ما أثبته في ذمته من المال الحاصل بالسعي الذي هو مملوك للسيد ، وصالحا لأن يملك عليه الخدمة المملوكة له فعلا.

بل لعدم ثبوت مشروعية ذلك والأصل الفساد بعد الشك في تناول إطلاق الأدلة لمثله خصوصا بعد الاتفاق ظاهرا عليه ، كما اعترف به غير واحد ، وخصوصا بعد ما عرفت من اعتبار الأجل فيها الذي محله الدين لا العين.

نعم قد يقال : إن ذلك مناف لصحة جعل الخدمة المتصلة بالعقد عوضا ، لعدم صدق الدين عليها ، ولا أجل فيها والتقييد بشهر ونحوه إنما هو لتقدير المنفعة لا أجل مكاتبة ، وحينئذ فلا بد من الجمع بإرادة اعتبار الدين فيه في مقابل العين ، كما يشعر به التفريع ، والله العالم.

وكذا لا تصح مع جهالة العوض لأنها كالبيع بالنسبة إلى ذلك بلا خلاف أجده فيه ، بل ظاهر بعضهم أنه كذلك في سائر عقود المعاوضة للنهي عن الغرر وإن كان فيه ما فيه ، كما أوضحناه في الصلح وغيره ، وعلى كل حال فلا يكفي العوض المجهول بل لا بد أن يذكر في وصفه كلما يتفاوت الثمن لأجله بحيث ترتفع معه الجهالة على نحو ما سمعته في البيع الذي إن لم يكن المقام منه ، فهو شبيه به ومنزل منزلته بالنسبة إلى ذلك.

وحينئذ فإن كان من الأثمان وصفه كما يصفه في النسيئة وإن كان عرضا وصفه كصفته في السلم ، ضرورة كون المدار على ارتفاع الجهالة في الجميع ، كما هو‌

٢٨٤

واضح ، وكذا لا تصح بعوض لا يملكه كالخمر والخنزير في المولى المسلم ، نعم يجوز ذلك في الذميين كما عرفته سابقا.

ويجوز أن يكاتبه بأي ثمن شاء لإطلاق الأدلة وخصوص‌ المرسل (١) « رجل ملك مملوكا فسأل صاحبه المكاتبة أله إلا يكاتبه إلا على الأعلى؟ قال : نعم ».

ولكن يكره أن يتجاوز قيمته يوم المكاتبة بلا خلاف أجده فيه ، بل في الرياض ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه ، قلت : لعله لمنافاته للإرفاق وللإحسان الذي بني عليه مشروعية الكتابة ، مضافا إلى قاعدة التسامح.

وكذا تجوز المكاتبة على منفعة كالخدمة والخياطة والبناء ونحوها إذ هي كالعين في الذمة ، لإطلاق الأدلة ، نعم يصح ذلك بعد وصفه بما يرفع الجهالة من التقدير بالعمل كالخياطة لهذا الثوب المشخص ، والبناء للجدار المعين مثلا ، أو المدة كخدمة شهر أو سنة.

والمناقشة ـ بأن المنفعة ملك فعلا للمولى ، فلا يعاوض على ماله بماله ، بخلاف المال المتجدد الذي هو ليس بموجود ولا داخل تحت قدرته ، إما الخدمة فكالعين الحاضرة ، ومن ثم جاز عتقه منجزا بشرط خدمة معينة بغير رضاه دون اشتراط مال بغير رضاه ـ يدفعها ما في المسالك من أن « عقد الكتابة يخرج المملوك عن ملك المولى محضا وإن كان انتقالا متزلزلا ، ومن ثم سقطت عنه نفقته وفطرته ، ولم يكن له استخدامه وغير ذلك من توابع الملك ، فكانت منفعته وما يتجدد من كسبه تابعة له في الانتقال عن ملكه ، ويجوز جعله عوضا عن فك رقبته ، ولما كان العتق المنجز يقتضي ملك المعتق منافعه نفسه أيضا وكسبه اعتبر رضاه في اشتراط المال دون الخدمة ، لأنها تصير كالمستثناة مما يخرج عن ملكه بالتحرير المتبرع به ، وهذا لا يلزم منه بطلان جعل الخدمة عوضا في الكتابة الواقعة برضا المكاتب ، مضافا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ١.

٢٨٥

إلى عموم الأدلة » وإن كان لا يخلو من مناقشة ، بل هو عند التأمل خصوصا الأخير منه مؤكد للسؤال لا دافع له.

فالأقعد في الجواب الاستناد إلى إطلاق الأدلة وعمومها ، وخصوص‌ الخبر (١) « عن رجل قال : غلامي حر وعليه عمالة كذا وكذا سنة ، فقال : هو حر وعليه العمالة » بناء على أنه من الكتابة ، كما عساه يظهر من غير واحد لا من العتق الذي اشترط فيه شرط وإن كان هو الظاهر ، وإلى كون المجعول عوضا أن يخدمه لا استعداده لها التي هي ملك له ، بل هو نحو أن يكتسب مالا ويسعى في تحصيله ، فتأمل جيدا ، والله العالم.

وإذا جمع بين كتابة وبيع وإجارة أو غير ذلك من عقود المعاوضات في عقد واحد صح كل منها عندنا وإن اتحد العوض ، وقسط عليها أجمع ، ويكفي معلوميته وإن جهل تقسيطه للأصل وغيره مما مر في كتاب البيع وغيره ، خلافا لبعض العامة فأبطلها أجمع ، لأنها بمنزلة عقود متعددة ، فيعتبر العلم بعوض كل واحد منها منفردا خصوصا مع اختلاف أحكامها ، وفيه منع واضح ، ومنهم من صحح المكاتبة خاصة بكل العوض ، وهو كما ترى. ويقابله احتمال بطلانها خاصة باعتبار أن المكاتب لا يستقل بالتصرف إلى أن يتم عقد المكاتبة ، وقد وقع البيع والإجارة قبل ملكه للتصرف فوقعا باطلين.

وأجاب عنه في المسالك بأن الاستقلال مندفع برضا المولى بذلك ، فان الحجر إنما كان لحقه ، والأولى الجواب بحصول أثر الجميع دفعة بتمام القبول ، ولا بأس بذلك ، لإطلاق الأدلة وعمومها المقتصر في الخارج عنها على سبق البيع والإجارة على الكتابة.

هذا بناء على ما فهم فيها من فرض مسألة جمع العقود في المكاتب بمعنى أن البيع والإجارة والكتابة للعبد بعقد واحد ، لكن في حاشية الكركي تفسير الجمع بأن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من كتاب العتق الحديث ٢.

٢٨٦

تكون الكتابة للعبد والمعاوضة الأخرى لغيره ، وحينئذ فلا إشكال ، وكأنه أولى ، لعدم قابلية العبد وقت الإيجاب لحصول أثره ، ولا ينافي ذلك وقوع إيجاب الكتابة التي مبني شرعيتها على ذلك ، على أن مقتضى وقوع الثلاثة للعبد أن تبقى الإجارة والبيع مراعيين بحصول الحرية وعدمها ، وأنه لا يستقر ملكه لذلك حتى تحصل الحرية ، كما صرح به في المسالك ، وهو كما ترى ، والله العالم.

وعلى كل حال تكون مكاتبته بنسبة حصة ثمنه من البذل بعد ملاحظة قيمة المبيع واجرة المثل بالنسبة إليه أيضا ، وبأدائها يكون حرا ، وكذا إذا احتيج إلى معرفة ما يخصه من مال الكتابة ، بأن ظهر المبيع مستحقا للغير ولم يجز المالك ، فإنه حينئذ يوزع العوض على قيمة المملوك حين المكاتبة ، وعلى قيمة المبيع واجرة مثل الدار تلك المدة ، ويسقط من العوض ما يقابل الفاسد ، كما هو واضح ، والله العالم.

وكذا يجوز أن يكاتب الاثنان عبدا واحدا صفقة سواء اتفقت حصصهما أو اختلفت تساوى العوضان أو اختلفا لإطلاق الأدلة وعمومها وقاعدة تسلط كل من الشركاء على مكاتبة حصته بما شاء منفردا فكذا مع الاجتماع ، خلافا للمحكي عن بعض ، فمنع من اختلافهما في القدر مع تساويهما في الملك حذرا من أن ينتفع أحدهما بمال الآخر فيما إذا دفع إلى أحدهما مأة مثلا وإلى الأخر مأتين ثم ارتفعت الكتابة بالعجز فيحتاج الأول إلى أن يرجع على الثاني بخمسين ، ويكون الثاني قد انتفع بها مدة بقائها في يده من غير استحقاق.

وفيه أن الاستحقاق طار من حين الانفساخ ، وقبله كان ملكا للقابض متزلزلا ، فلا يلزم انتفاع أحدهما بمال الآخر حين التصرف فيه ، على أن مقتضى ذلك المنع حتى مع الاختلاف في قدر الملك إذا فرض كون العوض الزائد للأقل ملكا ، والمحكي عنه اعتبار التساوي في القدر.

وعلى كل حال ف لا يجوز أن يدفع إلى أحد الشريكين دون‌

٢٨٧

صاحبه بلا خلاف كما عن المبسوط والخلاف ، لأن الدين حينئذ مع فرض الاتحاد في الجنس ، والأجل مشترك بينهما ، ضرورة كون الفرض وقوع المكاتبة منهما بعقد واحد ، وقد تحقق في محله أنه لا يجوز الدفع إلى أحد منهما خاصة ، وحينئذ ف لو دفع شيئا كان لهما مع إجازة الآخر القبض ولكن لو أذن أحدهما لصاحبه جاز خلافا للمحكي عن ابني الجنيد والبراج ، فجوزا أن يدفع إلى أحدهما دون الآخر ما لم يشترطا عليه أن يكون أداء الكتابة لهما جميعا ، نحو ما سمعته عن ابن إدريس في الدين المشترك ، لأنه لمن عليه التخيير في جهة القضاء ، ويعين ما شاء فيه من أمواله ، فإذا دفع إلى أحدهما حقه فقد اختار دفع ما يستحقه المدفوع إليه في المدفوع ، واختار منع الآخر منه ، فلا شركة فيه ، كما لو منعه من الاستيفاء من بعض أمواله ، وقد تقدم في كتاب الدين ما يعلم منه بطلان ذلك وأن الدين الكلي كالاشاعة في العين المشخصة المشتركة.

نعم هو كذلك مع اختلاف العوضين في الجنس والأجل ، بل ومع تعيين عوض كل واحد بخصوصه وإن اتحد الجنس والقدر والأجل وإن كان ظاهر المتن والقواعد اتحاد الجميع في الحكم المزبور ، بل كاد يكون صريح المسالك إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه ، ضرورة عدم اشتراك الدين بينهما ، لأن الفرض امتياز عوض كل منهما عن الآخر بالجنس أو الأجل أو بالتعيين.

ولعل إطلاق المصنف وغيره مبني على أن ذلك من الاذن كما في كشف اللثام وإن كان هو كما ترى ، بل مبناه امتياز الدينين وتسلط المكاتب على عمله وسعيه وتخييره في تعيين ما يبذله لدينه ، فالفرض حينئذ بمنزلة تعدد في العقد لا مع اتحاده المقتضي لاشتراك الدين وإن كان هو بالنسبة إلى الموليين بحكم المتعدد فيما إذا أدى نصيب أحدهما بإذن الآخر ، فإنه ينعتق بخلاف ما إذا لم يكن بإذنه فإنه لا يتحقق العتق في أحد النصيبين ، وفيما لو عجز فعجز أحدهما وصبر الآخر ،

٢٨٨

إذ هو حينئذ كما لو تعدد ، والله العالم.

ولو كانت ثلاثة في عقد واحد صح عندنا لإطلاق الأدلة وعمومها وكان كل واحد منهم مكاتبا بنسبة حصة ثمنه أي قيمته من المسمى بعد تقويم الجميع ، كما لو بيعوا وكانوا المتعددين ، لأن القيمة هنا ملحوظة ، لكون الكتابة بيعا أو شبيهة به ، بل هي أولى من البضع الذي قد عرفت في الصداق والخلع ملاحظة قيمته التي هي مهر المثل ، فلو كانت قيمة أحدهم مأة والثاني مأتين والثالث ثلاثمائة فعلى الأول سدس المسمى وعلى الثاني ثلثه ، وعلى الثالث نصفه. وحينئذ ف تعتبر القيمة وقت العقد لأن سلطنة السيد تزول يومئذ ، وعن بعض العامة التوزيع على عدد الرؤوس ، ولا ريب في ضعفه.

وعلى كل حال ف أيهم أدى حصته عتق ولا يتوقف على أداء حصة غيره ، وأيهم عجز استرق دون غيره ، وكذا لو مات أحدهم ، لصدق المكاتبة على كل واحد منهم ، فيجري عليه حكمها ، بل في المسالك « ولا ينظر إلى أن السيد علق عتقهم بأداء جميعهم حيث قال : فإذا أديتم فأنتم أحرار ، لأن الكتابة الصحيحة يغلب فيها حكم المعاوضة ، ولذلك إذا أبرأ السيد المكاتب عتق ، وإذا مات لم تبطل الكتابة ، بخلاف العتق المعلق ».

وفيه أن مفروض المسألة مع الإطلاق أو التصريح بعدم تعليق عتق أحد منهم على آخر ، وإلا فمع تصريح السيد بذلك يبنى على صحة هذا الشرط وعدمه ، وعلى فرض صحته فلا ريب في توقف حرية كل واحد منهم على الآخر ، بل ربما قيل : لا يعتق بعضهم بأداء ما عليه ، وإنما يعتقون معا إذا أدوا جميع المال في صورة الإطلاق ، لظهور اللفظ كما في العتق المعلق.

وعن ابن البراج إذا كاتب انسان عبدين كتابة واحدة فمات أحدهما قيل للثاني إما أن تختار أن تؤدى باقي الكتابة عنك وعن صاحبك وإما أن تكاتب عن نفسك كتابة جديدة ، فأيهما اختار كان له ذلك ، وإن كان المتروك مالا فيه وفاء بقسطه من الكتابة أخذ السيد مال الكتابة ، وكان على الثاني ما بقي من قسطه منها‌

٢٨٩

وكذلك إذا ارتد أحدهما ولحق بدار الحرب ، وإن كان ما ترك فيه وفاء بجميع الكتابة فإن السيد يأخذ من ذلك جميع الكتابة ويعتقان معا ، ويرجع ورثته على الحي بحصته ، وبقية ذلك ميراث لهم.

وهو كما ترى لا ينطبق على شي‌ء من الأصول خصوصا بعد ما تسمع من بطلان الكتابة بموت المكاتب الذي مقتضاه سقوط قدر نصيبه من مال الكتابة ، لأنه عوض فيهما فيقسط عليهما كالبيع لا أنه ينحصر في أحدهما.

نعم لو شرط كفالة كل واحد منهما صاحبه أو ضمان ما عليه كان الشرط والمكاتبة صحيحين‌ لعموم « المؤمنون عند شروطهم » (١) فيلزمه حينئذ حكم الكفالة ، وما عن بعضهم ـ من عدم صحة الكفالة لعدم لزوم مال الكتابة من جهة المكاتب والمشروط كجزء من العوض فيتبعه في الجواز ـ واضح الضعف بعد ما عرفت من لزومها عندنا ، وكذا الكلام في صحة اشتراط الضمان لكن يعتقون حينئذ لصدق الأداء من كل منهم وإن بقي مديونا بغير مال الكتابة الذي كان عليه ، نعم لو تقايل الضامن والمضمون له عاد المال إلى ذمة المكاتب ولكن لا يعود رقا ، بل يكون حرا مشغول الذمة كما صرح به الكركي هنا في حاشيته على الكتاب.

وعلى كل حال فما في المختلف ـ من أنه إذا رضي المولى بضمانهم كلهم فهو كما لو لم يقع ضمان ـ واضح الفساد إلا أن يريد كعدم الضمان في كون كل منهما مشغول الذمة بالمال ، لكن في الدروس لو شرط السيد بقاء الرق مع هذا الضمان حتى يؤديا أو تخيره في الرجوع على من شاء منهما ففي كلام الشيخ إشعار بجوازه وذكر في الحائريات جواز ضمان اثنين مالا واشتراط رجوعه على من شاء منهما ، وهو إن لم يحمل على استحقاق ذلك بالشرط كان على وفق مذهب العامة الذي قد عرفت أن الأصحاب على خلافه ، والله العالم.

ولو دفع المكاتب ما عليه قبل الأجل كان الخيار لمولاه في القبض والتأخير عندنا لاشتراك مصلحة الأجل بينهما ، ولقاعدة المؤمنون عند شروطهم ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ٤ من كتاب النكاح.

٢٩٠

ولخبر إسحاق بن عمار (١) عن الصادق عليه‌السلام عن أبيه عليهما‌السلام « إن مكاتبا أتى عليا عليه‌السلام وقال : إن سيدي كاتبني وشرط علي نجوما في كل سنة ، فجئته بالمال كله ضربة فسألته أن يأخذ كله ضربة ويجيز عتقي فأبى علي ، فدعاه علي عليه‌السلام فقال له : صدق فقال له : مالك لا تأخذ المال وتمضي عتقه؟ فقال : ما آخذ إلا النجوم التي شرطت وأتعرض بذلك إلى ميراثه ، فقال علي عليه‌السلام : أنت أحق بشرطك ».

ولا ينافيه‌ صحيح الحلبي (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أيضا « في مكاتب ينفذ نصف مكاتبته ويبقى عليه النصف فيدعو مواليه ويقول : خذوا ما بقي ضربة واحدة ، قال : يأخذون ما بقي ويعتق » بعد حمله على بيان الجواز لا اللزوم ولو لرجحان الأول عليه من وجوه ، خصوصا بعد أن لم نعرف قائلا به منا ، نعم عن ابن الجنيد وجوب القبول في خصوص ما إذا كان المكاتب مريضا وأوصى بوصايا وأقر بديون ، لأن في امتناعه حينئذ إبطالا لإقراره ووصيته ، وهو كما ترى ، وعن بعض العامة قول بإجبار المولى حيث لا ضرر عليه ، لأن الأجل حق من عليه الدين ، وقد تقدم في كتاب البيع بعض الكلام في المسألة ، والله العالم.

ولو عجز المكاتب المطلق كان على الامام أن يفكه من سهم الرقاب بلا خلاف أجده ، بل ظاهرهم الاتفاق عليه ، ولعله‌ للخبر المرسل (٣) عن مكاتب عجز عن مكاتبته وقد أدى بعضها ، قال ، يؤدى عنه من مال الصدقة ، فإن الله يقول في كتابه ( وَفِي الرِّقابِ ) (٤) ».

لكن في الرياض « هو بعد الإغماض عن سنده غير واضح الدلالة على ما ذكروه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ١ راجع التهذيب ج ٨ ص ٢٧١ الرقم ٩٩٠ والاستبصار ج ٤ ص ٣٩ الرقم ١٣٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ١.

(٤) سورة التوبة : ٩ ـ الآية ٦٠.

٢٩١

من الوجوب من وجوه ، ولذا يظهر من الكفاية التردد فيه تبعا للسيد في شرح الكتاب ولعله في محله إن لم ينعقد الإجماع على خلافه » وكان هذا منه من الغرائب ، لمعلومية شدة اعتماده على الشهرة في جبرها للسند والدلالة ، بل المحكي عنه أنه يرى حجيتها فضلا عن جبرها.

إنما الكلام فيما في المسالك تبعا للدروس من أن للمولى رده في الرق إن تعذر ذلك ، وحكاه الكركي في حاشية الكتاب على الدروس واستحسنه ، ضرورة عدم دليل يدل على خيار المولى في المكاتبة المطلقة مع العجز ، بل مقتضى الأصل وغيره خلافه ، بل‌ خبر القاسم بن سليمان (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إن عليا عليه‌السلام كان يستسعى المكاتب ، إنهم لم يكونوا يشترطون إن عجز فهو رق » كالصريح في عدم الخيار في المكاتب المطلق ، وإطلاق بعض النصوص (٢) الخيار مع العجز لو كان منزل على المشروط ، خصوصا بعد‌ قوله عليه‌السلام « رد رقا » الظاهر في استرقاقه أجمع ، وهو إنما يسلم في المشروط بخلاف المطلق إذا أدى بعض مكاتبته ، فإنه لا يرد جميعه رقا وإن عجز إجماعا أو ضرورة ( وبالجملة ) المسألة في غاية الإشكال كما أشرنا إليها سابقا ، ولم أعثر على من تعرض لتنقيحها ، والله العالم.

وكيف كان ف المكاتبة الفاسدة لا يتعلق بها حكم بل تقع لاغية عندنا كغيرها من العقود ، والفساد والبطلان عندنا بمعنى ، سواء كان الاختلال بالأركان أو بغيرها ، خلافا لبعض العامة ، ففرق هنا بين الباطلة والفاسدة ، وجعل الفاسدة تساوي الصحيحة في أمور ثلاثة ، وهو كما ترى من خرافاتهم الباردة التي لا تستأهل نقلا ، والله العالم. هذا كله في بيان أركان المكاتبة.

وأما الأحكام فتشتمل على مسائل :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ٣ و ٤.

٢٩٢

الأولى :

إذا مات المكاتب وكان مشروطا بطلت المكاتبة وإن بقي من العوض يسير ، وكان ما تركه لمولاه وإن كان أزيد من مال الكتابة. وكان أولاده رقا أيضا للمولى لا لما ذكر مما لا يقتضي انفساخ العقد اللازم ، بل للمعتبرة المستفيضة كصحيحة ابن سنان (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في مكاتب يموت وقد أدى بعض مكاتبته وله ابن من جاريته ، قال : إن اشترط عليه إن عجز فهو مملوك رجع ابنه مملوكا والجارية ، وإن لم يكن اشترط عليه أدى ابنه ما بقي من مكاتبته وورث ما بقي » وخبر مهزم (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المكاتب يموت وله ولد ، فقال : إن كان اشترط عليه فولده مماليك ، وإن لم يكن اشترط عليه سعى ولده في مكاتبة أبيهم ، وعتقوا إذا أدوا » وغيرهما من النصوص (٣) الدالة على ذلك منطوقا ومفهوما.

وحينئذ فمئونة تجهيزه على مولاه ، لأنه حينئذ بحكم القن ، خلافا للخلاف ، فحكم فيما لو خلف ما يفي بالمكاتبة بوجوب أداء ما عليه من مال الكتابة وكون الباقي إن كان للوارث ، وهو ـ مع مخالفته الأدلة المتقدمة ـ غير واضح الحجة ، بل لم يحك عن أحد موافقته على ذلك سوى الصدوق ، فإنه أطلق على ما حكي عنه الحكم بوجوب إيفاء ما بقي عليه من اكتسابه على ابنه من الجارية ، وأنه يرث ما بقي ، من غير تفصيل بين المطلق والمشروط ، لكن ربما أشعر سياق عبارته بإرادة التعبير بمضمون خبر ابن سنان المتقدم الذي هو في المطلق دون المشروط ، فلاحظ.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب موانع الإرث الحديث ٧ ـ من كتاب المواريث.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب موانع الإرث من كتاب المواريث.

٢٩٣

وكذا الكلام إذا كان مطلقا ولم يؤد شيئا على المشهور ، بل لم أجد فيه خلافا ، بل في الدروس نسبته إلى ظاهر الأصحاب ، ولعله لصحيح محمد بن قيس (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في مكاتب توفي وله مال قال : يقسم ماله على قدر ما أعتق منه لورثته وما لم يعتق يحتسب منه لأربابه الذين كاتبوه ، هو مالهم » وغيره من الصحاح (٢) التي تسمعها الدالة بمنطوقها على أن ما يتركه لسيده بقدر ما لم يعتق منه ، وبفحواها على عدم الفرق بين الكل والبعض ، وصحيح ابن سنان وإن كان سؤاله مطلقا إلا أن قوله عليه‌السلام في الجواب : « ما بقي » ظاهر فيمن أدى بعضا ، نعم خبر مهزم مطلق ، بل ظاهره سعي الولد في المكاتبة ، ويمكن حمله على سعيهم فيما بقي منها ، لكن مع ذلك احتمل في الدروس فيمن خلف مالا يفي بالكتابة ولم يكن قد أدى شيئا أنه يرث قريبه ما فضل من مال الكتابة ، لأنه كالدين ، وهو متجه إن لم يكن إجماعا ، استصحابا لبقاء حكم الكتابة التي هي كما عرفت من العقود اللازمة ، هذا كله فيمن لم يؤد.

وإن لم يكن مشروطا وقد أدى بعض مكاتبته تحرر منه بقدر ما أداه وكان الباقي رقا بلا خلاف ولا إشكال وحينئذ ف لمولاه من تركته بقدر ما فيه من رق ولورثته بقدر ما فيه من حرية ويؤدي الوارث التابع له في الحرية والرقية مما حصل له من نصيب الحرية ما بقي من مال الكتابة على المشهور شهرة عظيمة ، لصحيح محمد بن قيس (٣) السابق ، وصحيح يزيد العجلي (٤) « سألته عن رجل كاتب عبدا له على ألف درهم ولم يشترط عليه إن هو إن عجز عن مكاتبته فهو رد في الرق وأن المكاتب أدى إلى مولاه خمسمائة درهم ، ثم مات المكاتب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب موانع الإرث من كتاب المواريث.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب موانع الإرث الحديث ٥ من كتاب المواريث عن بريد العجلي.

٢٩٤

وترك مالا وترك ابنا له مدركا ، قال : نصف ما يدرك المكاتب من شي‌ء فإنه لمولاه الذي كاتبه ، والنصف الباقي لابن المكاتب ، لأن المكاتب مات نصفه حر ونصفه عبد للذي كاتبه ، وابن المكاتب كهيئة أبيه نصفه حر ونصفه عبد ، فإن أدى إلى الذي كاتب أباه ما بقي على أبيه فهو حر لا سبيل لأحد من الناس عليه » وغيرهما.

بل إن لم يكن له مال سعى الأولاد فيما بقي على أبيهم كما هي القاعدة في الذي تحرر بعضه ، ودل عليه هنا ما تقدم من خبر مهزم (١) وحينئذ ف مع الأداء ينعتق الأولاد ولكن أداؤهم وسعيهم بالسوية وإن اختلفوا في الاستحقاق للميراث لاختلافهم ذكورة وأنوثة ، أو القيمة فإنهم متساوون فيما عتق منهم وما بقي ، ولو تعذر الاستيفاء من بعضهم لغيبة وغيرها أخذ من نصيب الباقي جميع ما تخلف على الأب ، إذ ما لم يأخذ الجميع لم يصر الأب بمنزلة من أعتق جميعهم ، فلم يفد عتق جميع الباقي ، وإذا أخذ الجميع عتق الجميع أي الغائب والباقي ، بل لو لم يكن تركة وغاب البعض أو لم يسع سعى الباقي في الجميع ، وليس للمؤدي مطالبة الغائب بنصيبه ، لأن كل جزء مما يؤديه يدخل في عتق نفسه وإن لزمه انعتاق الجميع بالإتمام.

وهل للمولى إجبارهم على الأداء ولو بالسعي؟ فيه تردد من الأمر في ظاهر النصوص (٢) ومن كون الحق لهم ، وقد تقدم الكلام في ذلك في كتاب العتق هذا كله على المشهور بين الأصحاب ولكن فيه رواية أخرى تقتضي أداء ما تخلف من أصل التركة لأنه بحكم الدين وحينئذ ف يتحرر الأولاد ؛ وما بقي فلهم إرثا.

وهي‌ صحيحة جميل بن دراج (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في مكاتب يموت وقد أدى بعض مكاتبته وله ابن من جارية وترك مالا ، قال : يؤدي ابنه بقية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب موانع الإرث الحديث ٧ من كتاب المواريث.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب موانع الإرث من كتاب المواريث.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب موانع الإرث الحديث ٦ من كتاب المواريث.

٢٩٥

مكاتبته ، ويعتق ويرث ما بقي » ورواية أبي الصباح (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث إنه قال : « في المكاتب يؤدى بعض مكاتبته ثم يموت ويترك مالا أكثر مما عليه من مكاتبته ، قال : يوفى مواليه ما بقي من مكاتبته ، وما بقي فلولده » ونحوها صحيحة الحلبي (٢) وغيرها ، وقد سمعت صحيحة ابن سنان (٣) السابقة ولكن لم نعرف عاملا بها إلا ما يحكي عن الإسكافي ، وما سمعته من إطلاق عبارة الصدوق ره.

ومن هنا كان الأول مع أنه أشهر بل المشهور أظهر ترجيحا لنصوصه المعتضدة بالشهرة على هذه النصوص ، بل قيل : إنها معتضدة بالأصول الظاهرة التي لأجلها أفتى الحلبي بما عليه الأكثر ، فقال : « والذي ينبغي تحصيله في ذلك أن نقول يرث السيد بمقدار ما فيه من العبودية ، وابنه أو وارثه بقدر ما تحرر منه ، ويؤخذ بقية مال الكتابة من نصيب وارث المكاتب إذا صار إليه نصيبه ، لأن الدين الذي هو مال الكتابة يخرج من نصيب الوارث لأجزائه الحرية (٤) دون جميع ما خلفه وتركه الميت ، لأن الأجزاء الباقية على العبودية لا تملك شيئا ، لأنه مال سيده دونه » إلى آخره وإن كان دعوى كون ذلك هو مقتضى الأصول لا تخلو من مناقشة ، والعمدة النصوص المزبورة المرجحة بما سمعت ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ١. راجع التهذيب ج ٨ ص ٢٧١ الرقم ٩٩٠ والاستبصار ج ٤ ص ٣٩ الرقم ١٣٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ٣.

(٤) هكذا في النسخة الأصلية : المسودة والمبيضة ، الا أن الموجود في السرائر طبعة حجر « من نصيب المال الوارث الآخر من جهة الجزية دون جميع ما خلفه » وفي المخطوط منه عام ٦٠٣ المحتفظ به في مكتبة الروضة الرضوية ( على صاحبها آلاف التحية والثناء ) في « مشهد » خراسان الذي أوقفها الشيخ البهائي ( قده ) « من نصيب الوارث للاجزاء الحرية دون جميع ما خلفه ... ».

٢٩٦

فيجب حينئذ طرح ما قابلها أو حمله على أدائه ما بقي من نصيبه ـ لا من أصل المال ـ وإرثه لما بقي إن كان في النصيب بقية ، وإن كان ذلك بعيدا إلا أنه لا بأس به بعد رجحان المعارض ، والله العالم.

وكيف كان ف لو أوصى له أي المكاتب الذي تحرر بعضه بوصية صح له منها بقدر ما فيه من حرية وبطل ما زاد على المشهور بين الأصحاب ، لخبر محمد بن قيس (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في مكاتب تحته حرة فأوصت له عند موتها بوصية فقال أهل المرأة : لا تجوز وصيتها له ، لأنه مكاتب لم يعتق ولا يرث ، فقضى عليه‌السلام أنه يرث بحساب ما أعتق منه ، وقضى في مكاتب قضى ربع ما عليه فأعتق فأوصى له بوصية ، فأجاز له ربع الوصية ، وقضى في رجل حر أوصى لمكاتبته وقد قضت سدس ما كان عليها فأجاز بحساب ما أعتق منها ، وقضى في وصية مكاتب قد قضى بعض ما كوتب عليه أنه يجاز من وصيته بحساب ما أعتق منه ».

وقيل تصح له مطلقا ، لأنها نوع اكتساب وهو غير ممنوع ، ومال إليه في المسالك لضعف الخبر المزبور ، هذا إذا كان الموصى غير المولى أما هو فتصح وصيته له مطلقا ، فان كانت أزيد مما عليه عتق أجمع وكان الزائد له ، كما تقدم تحقيق ذلك كله في كتاب الوصايا ، فلاحظ.

ولو وجب عليه حد فان لم يتحرر منه شي‌ء حد حد العبيد لبناء الحدود على التخفيف ، فيرجع فيه جانب العبودية وإن لم يكن عبدا محضا بالكتابة وإن تحرر منه شي‌ء أقيم عليه من حد الأحرار بنسبة الحرية وبنسبة الرقية من حد العبيد فان انقسمت الأسواط على صحة وإلا قبض من السوط على النسبة ، وصحيح الحلبي (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في المكاتب يجلد الحد بقدر ما أعتق منه » أي ومن حد العبد بقدر ما لم يعتق ، وإنما لم يذكره لظهوره ، أو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ١.

٢٩٧

لأنه لا يقصر عن الأقل فبين الأكثر ، ولو كان الذنب موجبا للحد على تقدير الحرية دون الرقية كالرجم انتفى رأسا وجلد.

وكذا لو قذفه قاذف ، فإنه يجب عليه من حد الأحرار بنسبة الحرية ويسقط ما قابل الرقية إذ لا يجب الحد على قاذفه ، بل التعزير ، وهو لا ينتصف بل يناط بنظر الحاكم ، فيعزره عن جزء الرقية حينئذ بما يراه ، والله العالم.

ولو زنى المولى بمكاتبته التي قد تحرر منها بعض سقط عنه من الحد بقدر ماله فيها من الرق وحد بالباقي إذا كان مما يقبل التجزئة كالجلد ، ولو لم يقبلها كالرجم سقط أيضا ووجب الجلد ، بل لعل الرجم هنا منتف من أصله ، لأن شرطه الإحصان المشروط بزنا الحر بالحر مع باقي الشرائط ، فيجب الجلد حينئذ ابتداء لا لتعذر تبعيض الرجم.

وعن بعض العامة عدم الحد في وطء المولى المكاتبة لمكان ماله فيها من الملك وأوجب التعزير ، وفيه أنه وطء محرم بمن قد صارت أجنبية فيجب الحد ، نعم لا يجب كما له لما له فيها من الملك الموجب لانتفاء الحد وإن كان متزلزلا ، فيجب بالنسبة ، وفي‌ خبر الحسين بن خالد (١) عن الصادق عليه‌السلام قال : « سئل عن حل كاتب أمة له فقالت الأمة : ما أديت من مكاتبتي فأنا به حرة على حساب ذلك؟ فقال لها : نعم ، فأدت بعض مكاتبتها وجامعها مولاها بعد ذلك ، فقال : إن كان استكرها على ذلك ضرب من الحد بقدر ما أدت من مكاتبتها ودرئ عنه من الحد بقدر ما بقي له من مكاتبتها ، وإن كانت تابعته كانت شريكة في الحد ، ضربت مثل ما يضرب » ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ١.

٢٩٨

المسألة الثانية :

ليس للمكاتب بقسميه التصرف في ماله ببيع محاباة مثلا ولا هبة ولا عتق ولا إقراض ولا غيرها من التصرفات المنافية للاكتساب كالعارية والهدية ونحوها إلا بإذن مولاه ، لأنه لم يخرج بالمكاتبة عن العبودية وإنما اقتضت جواز التكسب له خاصة ، لصحيح معاوية بن وهب (١) عن الصادق عليه‌السلام « في مملوك كاتب على نفسه وماله وله أمة وقد شرط عليه أن لا يتزوج فأعتق الأمة وتزوجها ، قال : لا يصح له أن يحدث فيما له إلا الأكلة من الطعام ، ونكاحه فاسد مردود ، قيل : فان سيده علم بنكاحه ولم يقل شيئا ، قال : إذا صمت حين يعلم ذلك فقد أقر ، قيل : فان المكاتب عتق أفترى أن يجدد نكاحه أو يمضي على النكاح الأول؟ قال : يمضي على نكاحه الأول » وإطلاقه كالمتن ونحوه يقتضي عدم الفرق بين المطلق والمشروط في ذلك.

لكن في‌ خبر أبي بصير (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « المكاتب لا يجوز له عتق ولا هبة ولا نكاح ولا شهادة ولا حج حتى يؤدي جميع ما عليه إذا كان مولاه قد شرط عليه إن عجز فهو رد في الرق » ونحوه في‌ خبره الآخر (٣) عنه عليه‌السلام أيضا الذي ترك فيه النكاح والشهادة والحج وزاد « ولكن يبيع ويشترى ، وإن وقع عليه دين في تجارته كان على مولاه أن يقضي عنه ، لأنه عبده » وظاهرهما اختصاص الحكم بالمشروط إلا أنى لم أجد عاملا بهما ، كصحيح الحلبي (٤) عنه عليه‌السلام أيضا‌

__________________

(١) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ٦ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ١ والباب ـ ٢٣ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٣ وذيله في الباب ـ ٢٦ ـ منها الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ٥.

٢٩٩

إنه قال في حديث « في المكاتب يشترط عليه مولاه أن لا يتزوج إلا بإذن منه حتى يؤدى مكاتبته ، قال : ينبغي له أن لا يتزوج إلا بإذن منه إن له شرطه » الظاهر بسبب دلالة مفهوم تعليله على أنه لولا الشرط لجاز نكاحه ، ويمكن حمل الأولين على إرادة بيان عدم جواز التصرفات بالكلية إلى حين الأداء ، وليس إلا في المشروط ، فان المطلق قد يجوز له التصرف في الجملة قبل أداء الجميع ، وذلك كما إذا أدى البعض وتحرر قدر منه فإنه يصح تصرفه بنسبة الحرية.

ثم إن ظاهر اقتصار المصنف على الهبة والعتق والقرض يقتضي المنع من التصرفات المنافية للاكتساب لا مطلق التصرف ، خصوصا بعد ملاحظة كلامه الاتي في اللواحق الدال على إرادة المحاباة من البيع هنا لا مطلقا ، فمن الغريب ما في المسالك من نسبة إطلاق المنع إلى المصنف وغيره وأنه لا بد من تقييده.

وأغرب منه ما في الرياض حيث جعله مسألة خلافية ، واستشعر من النسبة المزبورة اتفاق المعظم لا الإجماع وإلا لما صح له مخالفته ، ثم أخذ في الاستدلال على القول بالتقييد بأنه مقتضى الجمع بين الصحيحين المتضمنين لعدم جواز التصرف بغير الأكل ولجواز البيع والشراء ، ثم تكلف وادعى اقتضاء عقد الكتابة الاذن بالتصرفات التي لم تناف الاكتساب ، فتدخل حينئذ في قولهم إلا مع الاذن ، إلى غير ذلك من الكلمات التي لا وجه لها بعد ملاحظة كلامهم وتصريحهم ـ حتى المصنف فيما يأتي ـ بعدم جواز الرهن والقرض باعتبار المخاطرة.

وفي القواعد « وأما العبد فليس له أن يتصرف فيما له بما ينافي الاكتساب كالمحاباة والهبة وما فيه خطر كالقرض والرهن والقراض ـ إلى أن قال ـ : وله التصرف في وجوه الاكتساب كالبيع من المولى وغيره ، وكذا الشراء ، ويبيع بالحال لا بالمؤجل ، فإن زاد الثمن عن ثمن المثل وقبض ثمن المثل وأخر الزيادة جاز ،

٣٠٠