جواهر الكلام - ج ٣٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ضرورة عدم خصوصية للمقام.

وله أن يرجع في تدبيره إن لم يكن واجبا عليه ثم يبيعه إن شاء وإن شاء فداه.

بل على ما قلناه سابقا لو باع رقبته صح وكان ذلك نقضا لتدبيره وإن لم يقصده ، لاقتضاء البيع انتقال الرقبة ، وقد عرفت منافاته للتدبير ، بناء على أنه لا عتق إلا في ملك ، مضافا إلى ظهور النصوص (١) السابقة في ذلك.

ولكن قال المصنف هنا وعلى رواية إذا لم يقصد نقض التدبير كان التدبير باقيا وينعتق بموت المولى ، ولا سبيل عليه ولم نعثر عليها بالخصوص ، إذ ليس إلا ما سمعته مما هو ظاهر في جواز بيع الخدمة (٢) لا أنه مع إطلاق البيع يبقى تدبيره ، ولعله لذا قال الكركي في فوائده « هذا بخصوصه غير موجود في شي‌ء من الروايات ، ولكن المصنف حيث جمع بينها بالحمل على ذلك حكاه بصيغة « على » ولم يقل في رواية ، فكأنه قال : على مقتضي رواية باعتبار الحمل الذي ساق إليه اختلاف الروايات » قلت : وقد عرفت عدم قبول النصوص المزبورة للجمع المذكور ، فلاحظ وتأمل.

ولو مات المولى قبل افتكاكه أو استرقاقه انعتق لإطلاق أدلة التدبير وسبق سبب الحرية على الجناية ، وبنائها على التغليب وحينئذ فالمتجه تعلق أرش جنايته بذمته ولا يثبت أي أرش الجناية في تركة المولى للأصل وغيره ، حتى لو قلنا بثبوته لو أعتق العبد الجاني باعتبار كونه بناء على نفوذ العتق التزاما بالفداء ، لتعذر تسليمه لاستيفاء حق الجاني ، ضرورة الفرق بينهما بالسبق واللحوق ، فما عن الشيخ من كون الأرش في تركة المولى ضعيف ، نعم لو فرض تدبيره بعد الجناية وقلنا بانعتاقه بالموت واتفق حصوله قبل الفك أمكن القول‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب التدبير.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التدبير الحديث ٣.

٢٤١

بذلك ، كما أن المتجه في الأول بناء على عدم انعتاقه بموت المولى ـ كما عن بعض أقوال العامة ـ تخير الوارث بين فدائه فيعتق حينئذ من الثلث وبين تسليمه للاسترقاق وبيعه في جنايته ، فيبطل التدبير حينئذ.

وفي المسالك عن ابن الجنيد والقاضي لا يبطل ، بل يستسعى في قيمته بعد موت المولى ، واختاره في الدروس لصحيحة أبي بصير (١) والأظهر البطلان ، قلت : لم أجد ذلك فيها ، وإنما الموجود هنا « ولو جنى فكالقن ولو عتق قبل الفك ففي رقبته أو ماله ، لا على الورثة ، وفي المبسوط يؤخذ الأرش من بركة المولى كأنه يجري مجري إعتاق العبد الجاني ، ولو كاتبه جزم الشيخ ببطلان التدبير وابن الجنيد وابن البراج ببقائه ، وهو الأصح لصحيح أبي بصير (٢) ولعل فيما حضره من النسخة سقط.

وفي كشف اللثام « عن أبي علي أن له أي المولى أن يدفعه إلى أولياء المقتول يخدمهم حتى يموت المولى ، ثم يستسعى في قيمته » قلت : لا بأس به مع التراضي.

ولكن في المقنعة « إذا قتل العبد والمدبر رجلا حرا خطأ فديته على سيديهما ، فان لم يؤدياه دفع العبد والمدبر إلى أولياء المقتول فاسترقوا العبد واستخدموا المدبر حتى يموت سيده الذي دبره ، فإذا مات سيده خرج عن الرق إلى الحرية ، ولم يكن لأحد عليه سبيل ».

وقال الشيخ في النهاية : « إذا قتل مدبر حرا كانت الدية على مولاه الذي دبره إن شاء أو يسلمه برمته إلى أولياء المقتول ، فان شاؤوا قتلوه إن كان قتل صاحبهم عمدا ، وإن شاؤوا استرقوه ، وإن كان قتله خطأ استرقوه وليس لهم قتله ، وإذا مات الذي دبره استسعى في دية المقتول وصار حرا » وفيه أنه مناف لما دل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التدبير الحديث ٢ ويذكره فيما يأتي في الفرع الثالث وجها لمختار الدروس.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التدبير الحديث ٢ ويذكره فيما يأتي في الفرع الثالث وجها لمختار الدروس.

٢٤٢

على استرقاقه (١) الظاهر في خروجه عن ملك مالكه وصيرورته رقا لولي المجني عليه ، من غير فرق بين القن والمدبر الذي هو كالقن أيضا خصوصا بعد‌ صحيح أبي بصير (٢) عن الباقر عليه‌السلام « سألته عن مدبر قتل رجلا عمدا فقال : يقتل به ، قلت : وإن قتله خطأ فقال : يدفع إلى أولياء المقتول ، فيكون لهم ، فان شاؤوا استرقوه ، وليس لهم قتله ، ثم قال : يا أبا محمد إن المدبر مملوك » الذي قد اعترف غير واحد بأنه نص في الباب.

ويمكن أن يكون مستند المفيد ره‌ حسن جميل (٣) عن الصادق عليه‌السلام « قلت له : مدبر قتل خطأ من يضمن عنه ، قال : يصالح عنه مولاه ، فان أبي دفع إلى أولياء المقتول يخدمهم حتى يموت الذي دبره ، ثم يرجع حرا لا سبيل عليه ».

كما أنه يمكن أن يكون مستند الشيخ‌ خبر هشام بن أحمد (٤) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن مدبر قتل رجلا خطأ قال : أي شي‌ء رويتم في هذا الباب؟ قال : قلت : روينا عن أبي عبد الله أنه قال : يرميه إلى أولياء المقتول ، فإذا مات الذي دبره أعتق ، فقال : سبحان الله تعالى ، فيطل دم امرء مسلم؟! قلت : هكذا روينا ، قال : غلطتم ، بل يرميه إلى أولياء المقتول ، فإذا مات مدبره استسعى في قيمته » بل عن الشيخ في كتابي الأخبار تقييد الخبر الأول بالثاني ، وفي المختلف « هو مذهب الصدوق ره في المقنع ، وليس بعيدا عن الصواب ، لما فيه من الجمع بين الأخبار بما يناسب العتق ».

قلت : لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه ، بل هو صريح كلام الشيخ في المحكي عن مبسوطة وغيره ، نعم لا بأس بذلك إذا لم يرد ولي المقتول استرقاقه ، وقد دفعه مولاه إليه باقيا على تدبيره ورضي هو بذلك.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب القصاص في النفس الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب القصاص في النفس الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ١ من كتاب الديات.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٥ من كتاب الديات.

٢٤٣

ولعله لذا قال ابن إدريس فيما حكي عنه بعد أن ذكر كلام الشيخ في النهاية : « لا دليل على صحة هذه الرواية ، لأنها مناقضة للأصول ، وهو الخروج عن ملك من دبره وصار عبدا لأولياء المقتول ، فمن أخرجه عن ملكهم بعد دخوله فيه يحتاج إلى دليل ، ولا دليل على ذلك ، ويمكن أن نحمل الرواية على أنه كان التدبير عن نذر واجب لا يجوز الرجوع فيه ، فإذا كان ذلك وكان القتل خطأ فإنه بعد موت من دبره يصير حرا ويستسعى في الدية ـ ثم قال ـ : والأقوى عندي في الجميع أنه يسترق سواء كان عن نذر أولا ، لأن السيد ما رجع عن تدبيره ، وإنما صار عبدا لحق ».

قلت : بل من آخر كلامه يستفاد الحكم في مسألة أخرى ، وهو عدم الفرق في الاسترقاق حيث يكون له بين الندب والواجب وغيرهما ، ولعله الموافق لإطلاقهم هنا إذ وجوبه لا ينافي استرقاقه بدليل آخر لا مدخلية للمدبر فيه ، والأصل براءة الذمة من وجوب فكه.

ولو قتل المدبر مولاه ففي القواعد « احتمل بطلان تدبيره مقابلة له بنقيض مقصوده ، كالوارث الذي يمنع من الإرث بقتله ، ولأنه أبلغ من الإباق » ولكنه كما ترى لا ينطبق على أصولنا ، فالمتجه الانعتاق للأصل وتغليب الحرية بعد منع القياس ، والأولوية.

وكذا لا ينطبق عليها ما فيها أيضا من أنه « لو دبر عبدين وله دين بقدر ضعفهما عتق من تخرجه القرعة قدر ثلثهما ، وكان الباقي والآخر موقوفا ، فإذا استوفى من الدين شي‌ء أكمل من عتق من أخرجته القرعة قدر ثلثه ، فان فضل عتق من الآخر ، وهكذا حتى يعتقا معا أو مقدار الثلث منهما ، ولو تعذر استيفاؤه لم يزد العتق على قدر ثلثهما ، ولو خرج من وقعت القرعة له مستحقا بطل العتق فيه ، وعتق من الآخر ثلثه » إذ هو كما ترى أيضا غير منطبق على أصولنا التي مقتضاها انعتاق ثلثيهما ، ثم كل ما جاء من الذين يعتق منهما على السواء ، وهكذا.

٢٤٤

نعم لا بأس بما فيها من « لو دبر عبدا وكان له ابنان وله على أحدهما دين ضعف قيمته عتق من المدبر ثلثاه ، لأن حصة المديون من الدين كالمستوفي ، وسقط عنه من الدين نصفه ، لأنه قدر حصته من الميراث ، ويبقى منه للآخر النصف ، وكلما استوفى منها شيئا عتق قدر ثلثه ، ولو كان الضعف دينا عليهما بالسوية عتق الكل ، ولا شي‌ء لأحدهما على الآخر ، ولو تفاوتا فيه فبالنسبة إلى كل منهما » ضرورة انطباق ذلك كله على أصولنا ، والله العالم.

المسألة الثامنة

قد عرفت أنه إذا أبق المدبر بطل التدبير نصا (١) وفتوى وإن صح تدبير الآبق ، لإطلاق الأدلة ، بل قد عرفت أيضا أنه لو جعل خدمته لغيره مدة حياة المخدوم ثم هو حر بعد موت ذلك الغير لم يبطل تدبيره بإباقه لصحيح يعقوب بن شعيب (٢) السابق إلا أنك قد عرفت فيما مضى كون التحقيق عدم كون ذلك من التدبير ، لا أنه تدبير مستثنى من إطلاق ما دل (٣) على بطلانه بالإباق لو قلنا بشموله ، إنما الكلام باقتضاء إباق المعلق عتقه على وفاة الزوج ـ أو مطلق الغير وقلنا إنه تدبير ـ البطلان أما على القول بعدم كونه تدبيرا كما سمعت تحقيق الحال فيه فلا إشكال في عدم البطلان ، بل قد يقوى ذلك على القول بأنه تدبير اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن الذي هو المعلق على وفاة المولى ، خصوصا بعد التصريح بعدم البطلان في المخدوم.

فما في المسالك بعد الاشكال منه ـ « ولو قيل بقصر عدم البطلان على إباق من جعلت خدمته لغيره وعلق تدبيره على وفاة المخدوم كان حسنا ، لأن هذا الحكم قد صار على خلاف الأصل ، فالنظر إلى قاعدة الأصحاب في المسألة وظهور اتفاقهم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب التدبير.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التدبير الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب التدبير.

٢٤٥

على أن إباق المدبر مبطل له إلا ما أخرجه الدليل » ـ لا يخلو من نظر ، خصوصا بعد أن لم نتحقق ما ذكره من قاعدة الأصحاب وظهور اتفاقهم عليه ، وإنما لهم كلام سابق قبل الخوض في مسألة الإباق دفعا للاستدلال على عدم كونه تدبيرا بما تضمنه الصحيح المزبور من عدم البطلان بإباق المعلق على وفاة المخدوم على وجه لا يكون إجماعا بحيث يعتمد عليه في إثبات حكم مخالف للأصل بعد فرض خلو النصوص عما يقتضي الشمول لمثل ذلك ، فلاحظ وتأمل ، والله العالم.

فروع أربعة :

الأول :

إذا استفاد المدبر مالا بعد موت مولاه فان خرج المدبر من الثلث فالكل له لكونه حينئذ حرا فكسبه له وإلا كان له من الكسب بقدر ما تحرر منه والباقي للورثة بلا خلاف ولا إشكال في شي‌ء من ذلك ، هذا إذا كان عتقه معلقا على وفاة المولى ، أما لو كان معلقا على وفاة غيره كالمخدوم وتأخر موته عن موت المولى فإنه باق على الرقية إلى أن يموت المخدوم ، فكسبه لهم مطلقا إلى حصول المعلق عليه.

وهل يجوز للوارث الرجوع في تدبيره كما كان ذلك جائزا للمولى؟ توقف فيه في المسالك أولا من إطلاق جواز الرجوع في التدبير ، ومن اختصاص ذلك بمن باشر التدبير ، ولذا لم يجز للمدبر أن يرجع بالأولاد ، لعدم مباشرته لتدبيرهم ، ثم مال إلى الجواز لقيام الوارث مقام الموروث ، ولأنه يرث الحقوق التي له كحق الشفعة والخيار وغيرهما من الحقوق المالية ، ولأن الناس مسلطون على أموالهم.

٢٤٦

لكن قد يقوى خلافه ، للأصل الذي خرجنا عنه في المدبر للنصوص (١) الدالة عليه الظاهرة في كونه موصيا أو بمنزلة الموصى في ذلك المقتضية لعدم جواز تبديل وصيته ووجوب إبقائها ، إذ هو حينئذ كمن أوصى بشي‌ء تأخر وقته مثلا ، والله العالم.

الثاني :

إذا كان له مال غائب بقدر قيمته مرتين وكان قد دبر عبدا ثم مات تحرر ثلثه معجلا وفاقا للأكثر ، لوجود للمقتضي فيه بلا مانع ، ووقف الثلثان ، ثم كل ما حصل من المال شي‌ء تحرر من باقي المدبر بنسبته ، فلو فرض أن قيمته مأة مثلا والمال الغائب مأتان وقد حصل منه مأة تحرر منه ثلثاه وإن تلف المائتان مثلا استقر العتق في ثلثه خاصة ، وعلى هذا فثلث اكتسابه بعد موت السيد له ، ويوقف الباقي ، فإن وصل المال إلى الوارث تبين عتقه أجمع وتبعه كسبه.

وفي غاية المراد والمسالك ذكر ذلك أحد الوجهين ، والثاني أنه لا ينعتق حتى يصل المال إلى الورثة ، لأن في تنجيز العتق تنفيذ التبرع في الثلث قبل تسلط الورثة على الثلثين ، إذ لا بد من التوقف في الثلثين إلى أن يتبين حال الغائب ، وحينئذ فينعتق منه في المثال المزبور إذا حصلت مأة نصفه لا ثلثاه ، لحصول مثليه حينئذ للوارث ، وفي غاية المراد « ربما أمكن احتمال المراعاة » وفي المسالك « ربما يخرج على الوجه الثاني أن للوارث التصرف في الثلثين ، كما يحكم بعتق الثلث مراعاة للحقين المتلازمين ، فان حضر الغائب نقض تصرفه ، وإلا صح خلاف ذلك كله ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التدبير.

٢٤٧

وفيه أنه وجه لتخريج ذلك على الوجه الثاني الذي هو عدم الحكم بتعجيل عتق ثلثيه ، نعم هو احتمال على الوجه الأول ، بل لا يخلو من قوة ، ضرورة كونه مقتضى أصالة عدم وصول المال المقتضي لحرية الثلثين ، وكون الحكم شرعا بانعتاقه من الثلث واقعا والفرض عدم العلم لا ينافي العمل بما تقتضيه الأصول ، لأنه وإن لم (١) يتشخص بها كون الثلث الموجود خصوصا مع ملاحظة الضرر على الوارث بالتعطيل فتأمل جيدا.

ومنه يعلم ما في قوله : « وكما يوقف كسبه في الثلثين قبل وصول المال يوقف نفقته ، بمعنى أنه ينفق عليه منه ، فإن وفى وإلا أكمل الوارث ، فان حضر المال وأعتق أجمع رجع الوارث بما غرم منها » مضافا إلى ما فيه أيضا من منع إلزام الوارث بالإكمال بناء على الإيقاف ، نعم يتجه ذلك بناء على العمل بالأصول إلى أن يتبين الحال ، والله العالم.

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية : المسودة والمبيضة ، والظاهر زيادة كلمة « وان ».

٢٤٨

الفرع الثالث :

إذا كوتب ثم دبر صح لإطلاق الأدلة مع عدم منافاتها له ، ضرورة عدم خروجه بها عن ملك السيد ، فيشمله حينئذ إطلاق أدلة التدبير كما لو أعتقه حالها ، وحينئذ فيجتمع عليه الأمران : التدبير والكتابة فإن أدى مال الكتابة قبل موت المولى عتق بها أي بالكتابة وإن تأخر حتى مات المولى عتق بالتدبير إن خرج من الثلث لعموم أدلته وكسبه له حال حياة المولى على الأقوى ، لأنه مكاتب ، بل في المسالك « في بطلان الكتابة حينئذ وجهان ، مثلهما ما لو أعتق السيد مكاتبة قبل الأداء ، والوجه أنها لا تبطل للأصل ، فان بقي من الأحكام شي‌ء يتوقف عليها تأدى بها » قلت : ستعرف تحقيق ذلك في الكتابة إنشاء الله.

وعلى كل حال ف الا يخرج من الثلث عتق منه الثلث وسقط من مال الكتابة بنسبته أي ثلثهما في الفرض ، لحصول تحريره بالتدبير لا بها وكان الباقي مكاتبا يؤدي للورثة ما عليه ، هذا كله في التدبير بعد الكتابة.

أما لو دبره ثم كاتبه كان نقضا للتدبير عند الشيخ والأكثر ، لأن التدبير وصية ، وهي تبطل فيما لو فرض وصيته بعبد لإنسان ثم يكاتبه ، ولأن العبد بالكتابة يكون مالكا لنفسه ، فكان السيد زال ملكه عنه ، فيكون الحكم كما لو باعه.

ولكن فيه إشكال لإمكان منع كونه بحكم الوصية في الحكم المزبور ، بل هو عتق معلق لا منافاة بينه وبين الكتابة كما في الصورة الأولى ، وليست الكتابة مخرجة للعبد عن ملك السيد وإلا لم يجز تدبيره في الصورة الأولى.

ومنه يعلم ما في التعليل الثاني ، فيكون حينئذ مدبرا ومكاتبا يجري عليه‌

٢٤٩

ما سمعته من الحكم في الصورة الأولى ، حتى مع الإطلاق واشتباه الحال فضلا عما لو صرح بعدم إرادة الرجوع بالكتابة.

ولعله لذا كان المحكي عن ابني الجنيد والبراج ذلك ، بل سمعت اختياره في الدروس لصحيح أبي بصير (١) الذي هو « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن العبد والأمة يعتقان عن دبر فقال : لمولاه أن يكاتبه إن شاء » بل لعله المراد من قول علي عليه‌السلام في‌ خبر وهب (٢) السابق : « لا يباع المدبر إلا من نفسه » بل قد سمعت احتمال كونه المراد من النصوص (٣) المجوزة لبيعه بشرط رضاه ، وحينئذ فالأقوى الجواز ، والله العالم.

ثم لا يخفى عليك أن ذلك كله في عقد الكتابة بعد التدبير ، أما لو دبره ثم قاطعه على مال ليعجل له العتق لم يكن إبطالا للتدبير قطعا لأن غايته الوعد بتعجيل العتق على تقدير فعل إذ المقاطعة غير لازمة لأحدهما ، فلا تكون منافية ، وحينئذ فالمال الذي يكتسبه العبد للمقاطعة ملك للمولى ، كما هو واضح والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التدبير الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب التدبير الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب التدبير الحديث ٤ و ٥ والباب ـ ٧ ـ منها الحديث ١.

٢٥٠

الرابع :

إذا دبر حملا صح منضما أو منفردا كما يصح عتقه ، لإطلاق الأدلة ، إذ هو آدمي مملوك ولكن لا يسري تدبيره إلى امه للأصل وغيره ، ويجري عليه نفسه حكم التدبير وحينئذ ف لو رجع في تدبيره بالقول أو بالفعل كما لو صالح عنه صح بلا خلاف فيه عندنا ، نعم لا بد من معرفة صلاحيته للتدبير حينه فإن أتت به لأقل من ستة أشهر من حين التدبير صح التدبير فيه لتحققه حينئذ وقت التدبير وإن كان لأزيد من أكثر الحمل لم يصح ، لتبين عدم وجوده حينئذ وإن كان لأكثر من الستة ولم يتجاوز أقصى الحمل لم يحكم بتدبيره لاحتمال تجدده وتوهم الحمل بل الأصل تأخره كما ذكرنا ذلك غير مرة.

نعم في المسالك « ينبغي الفرق بين ما إذا كانت خالية من فراش وعدمه ، كما سبق في نظائره ، لأن الأصل المزبور وإن كان واقعا في الحالين إلا أن الظاهر يعارضه ، وأصالة عدم وطء متجدد وصيانة حال المسلمة على تقديره من الحمل على الزنا » وفيه ما عرفته غير مرة من أن ذلك لا يشخص وجوده حال الإيقاع والله العالم.

٢٥١

وأما المكاتبة :

التي هي في الأصل مصدر ـ كالكتابة من الكتب ـ بمعنى الضم والجمع ، يقال : كتبت القربة إذا وكئت رأسها ، ومنه الكتابة ، لما فيها من ضم الحروف بعضها إلى بعض ، والكتبة لانضمام بعضهم إلى بعض ، وعرفا اسم للعقد الخاص أو للأثر الحاصل منه أو لغير ذلك مما سمعته مكررا في نظائرها ، وكان وجه المناسبة ما فيها من انضمام النجم إلى النجم ، أو لكتب كتاب بينهما بالعتق إذا أدى ، أو لا يجاب المولى على نفسه ذلك من « كتب » أي « أوجب » أو لأنها توثق بالكتابة باعتبار كون عوضها مؤجلا من شأنه الاستيثاق بالكتابة موافقا لقوله تعالى (١) ( إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ) والأصل في مشروعيتها قوله تعالى (٢) ( وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ ) مضافا إلى إجماع المسلمين والسنة المتواترة (٣).

وعلى كل حال ف تمام الكلام فيها يستدعي بيان أركانها وأحكامها ولواحقها.

أما الأركان فالصيغة والموجب والمملوك والعوض إلا أنه ينبغي أن يعلم أولا‌ أن الكتابة مستحبة عندنا ابتداء مع الأمانة أي الديانة والاكتساب أي المال المفسر بهما الخير في الآية في‌ صحيح الحلبي (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ( إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً ) إن علمتم لهم دينا ومالا » وفي‌ صحيح‌

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٨٢.

(٢) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٣٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب المكاتبة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ـ ١.

٢٥٢

ابن مسلم (١) عنه عليه‌السلام أيضا « الخير أن يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ويكون له بيده عمل يكتسب به ، أو يكون له حرفة » وفي‌ خبر العلاء (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « ( إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً ) : إن علمتم لهم مالا » وفي‌ صحيح ابن مسلم (٣) عن أحدهما عليهما‌السلام « الخير : إن علمت أن عنده مالا » وفي‌ صحيح الحلبي (٤) عن الصادق عليه‌السلام أيضا « إن علمتم لهم مالا » وعن المقنع أنه روي (٥) في تفسيرها « إذا رأيتموهم يحبون آل محمد صلوات الله عليهم فارفعوهم درجة » بل في‌ موثق سماعة (٦) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن العبد يكاتبه مولاه وهو يعلم أن ليس عنده قليل ولا كثير ، قال : يكاتبه وإن كان يسأل الناس ، ولا يمنعه المكاتبة من أجل أنه ليس له مال ، فان الله يرزق العباد بعضهم من بعض ، والمؤمن معان ، ويقال المحسن معان » وعن الشيخ روايته « والمحسن معان ».

ومنه يعلم استحباب أصل الكتابة وإن لم يسألها العبد مع عدم الكسب فضلا عن الكسوب ، نعم‌ قوله : « والمؤمن معان » مشعر بكونه مؤمنا مؤيدا بما سمعته من مرسل الصدوق ره ، كما أنه يؤيد أصل ندبها كونها إحسانا وضربا من ضروب العتق الذي قد سمعت شدة الحث عليه ، خصوصا بالنسبة إلى المؤمن ، وخصوصا إذا كان قابلا للقيام بنفسه ، ولولا ذلك لأشكل إثبات الاستحباب ابتداء وإن نفى عنه الخلاف في الرياض ، ضرورة اختصاص النصوص المفسرة للخير فيها بالذين يبتغون الكتاب من المماليك ، وإن كان قد يشعر ذكرهم الأمرين وتعرضهم للنصوص المفسرة للخير بهما بأن نظرهم إليها ، إلا أنه كما ترى لا دلالة في الجميع على الاستحباب ابتداء ، نعم بناء على استفادة ندبها من غيرها يحمل ما فيها حينئذ على تأكد الاستحباب بالالتماس بعد الإجماع منا على عدم وجوبها ، خلافا لبعض العامة ، مضافا إلى ما ورد من أن الأمر فيها أحد الأوامر الأربعة المراد بها الندب في الكتاب.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ٧.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ١.

٢٥٣

وحينئذ يتجه قول المصنف وغيره : إنه يتأكد استحبابها بسؤال المملوك لكن قوله ولو عدم الأمران كانت مباحة وكذا لو عدم أحدهما لا يخلو من نظر ، ضرورة التصريح بالأمر بها في الموثق (١) بل والنهي عن منعه إياها مع عدم المال (٢) ولذا قال في النافع : « الكتابة مستحبة مع الديانة وإمكان التكسب ، وتتأكد بسؤال المملوك ، وتستحب مع التماسه ولو كان عاجزا ».

وما في الرياض ـ من المناقشة فيه « باحتمال ورود الأمر فيه مورد توهم الحظر فلا يفيد سوى الإباحة على الأصح كما قرر في محله ـ إلى أن قال ـ : وكيف كان فيستفاد منه الإباحة في هذه الصورة وعليها أكثر الطائفة ، وعن المبسوط القول بالكراهة ، ولا وجه له » ـ واضح الفساد ، خصوصا مع معروفية رجحان فك المؤمن من الرقية ، وقد سمعت ما في المرسل (٣) بل ظاهر المرتضى في الانتصار أن الخير في الآية (٤) الدين ، ولعله الموافق لقولهم في الدعاء للمؤمن : « اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا » أو للعرف ، فإنه يقال للمؤمن : إنه علم منه خير ، بل لا يقال لغيره : إنه علم منه خير وإن كان كثير المال ، كما اعترف به المرتضى.

ومن ذلك يعلم ما في المسالك حيث إنه بعد أن ذكر الخبر (٥) المختصر في تفسير الخير على المال قال : « ورجحه بعضهم بأن فيه استعمال المشترك في أحد معنييه ، وفي الأول استعماله فيهما ، وهو مجاز على أشهر القولين لا يصار إليه بدون القرينة ، ويضعف بأن القرينة موجودة ، وهي الرواية الصحيحة ، ولا تعارضها الأخرى ، لأن اشتمالها (٦) على إثبات شرط آخر ، والمثبت مقدم ، نعم يمكن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ٧.

(٤) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٣٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ٢.

(٦) هكذا في النسخة الأصلية. وفي المسالك « ولا تعارضها الآخر ، لاشتمالها ... ».

٢٥٤

إثبات أصل الاستحباب بوجود المال أعني القدرة على كسبه عملا بالرواية الصحيحة ، ويتأكد الاستحباب مع وجود الوصفين نظرا إلى الخبر الآخر (١) إلا أن قول المصنف : « ولو عدم الأمران كانت مباحة ، وكذا لو عدم أحدهما » ينافي ذلك ، ولو فقد الشرطان معا لم يستحب لعدم المقتضي له ، حيث إن الأمر مخصوص بالخبر المفسر بهما أو بالثاني ، ولو اتصف بالأول خاصة وهو الأمانة لم يستحب ، لعدم المقتضي له ، وربما قيل بالاستحباب أيضا ، لاستعمال الخير فيه وحده في قوله تعالى (٢) ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ) » يعنى عملا صالحا وهو الدين ، وقوله تعالى (٣) ( وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ ) أي ثواب ، كما أريد بالخير المال وحده في قوله تعالى (٤) ( وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ) وقوله تعالى (٥) ( إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ ) ويضعف بأن استعمال المشترك في أحد معنييه لا يجوز بدون قرينة كاستعماله في المعنيين ، وهي منتفية في جانب الدين وحده بخلاف المال ، فقد يرجح جانبه بالرواية الصحيحة ، والتحقيق أن إطلاق اسم الخير على المعنيين المرادين هنا مجاز ، لأنه في الشواهد إنما استعمل في العمل الصالح والثواب ونفس المال ، والمراد هنا الأمانة والقدرة على التكسب ، وهما ليستا عملا صالحا ولا ثوابا ولا مالا حقيقة ، وإنما يكون التكسب سببا في المال ، وإطلاق اسم السبب على المسبب مجاز ، كما أن إطلاق الأمانة القلبية على الأعمال الصالحة المتبادر منها إرادة اعمال الجوارح أو الثواب عليه ولا يعرفه إلا الله تعالى مجاز أيضا ، وحينئذ فإطلاقه عليهما أو على أحدهما موقوف على النقل ، وهو موجود في إرادتهما وإرادة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ١.

(٢) سورة الزلزلة : ٩٩ ـ الآية ٧.

(٣) سورة الحج : ٢٢ ـ الآية ٣٦.

(٤) سورة العاديات : ١٠٠ ـ الآية ٨.

(٥) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٨٠.

٢٥٥

الثاني منهما دون الأول ، فكان العمل به متعينا ، وحيث يفقد الشرطان أو الأول منهما تكون مباحة ، ولا تكره للأصل ، وقيل تكره حينئذ ، وقواه في المبسوط ».

وفيه ـ بعد الإغضاء عن منافاة ما ذكره أولا لقوله أخيرا « أو الأول منهما » ـ أن الموثق (١) المؤيد بما عرفت كاف في إرادة المؤمن ولو غير ذي المال الذي هو أولى قطعا من إرادة ذي المال خاصة ، بل ظاهر انتصار المرتضى أنه المراد بالخير في الآية (٢) لا ذو المال خاصة كما توهمه بعض العامة ، فإنه يصدق عليه أن فيه خير بخلاف الكسوب غير المؤمن ، فلا ريب في أولوية ذلك خصوصا بعد معلومية مرجوحية فك رق غير المؤمن أو حرمته.

بل لعل ترك ذكر الدين في خبري المال (٣) اتكالا على الظهور ، ولا أقل من حملهما على المقيد بذكره مع الدين وإن لم نقل بحمل المطلق على المقيد في المندوبات ، لكن في خصوص المقام باعتبار ما تقدم من النهي في النصوص عن عتق غير المؤمن (٤).

لا يقال لم يذكر كون المكاتب مؤمنا في الموثق لأن تعليله أخيرا بناء على إرادة العبد منه أو مع المولى ظاهر في ذلك ، نعم ليس فيه اعتبار سؤال العبد كما سمعته من النافع ، ومن هنا قلنا باستحباب الكتابة ابتداء مع الأمرين ويتأكد بالسؤال ، وإلا فقد عرفت أن الآية (٥) ونصوص تفسير الخير (٦) فيها في خصوص‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ١.

(٢) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٣٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ٢ و ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من كتاب العتق الحديث ٣.

(٥) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٣٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب المكاتبة.

٢٥٦

السائلين ، ولا ينافي ذلك عدم تعرض الموثق للمؤمن الكسوب ، لإمكان استفادته بالأولوية.

وبذلك كله يظهر لك النظر في جملة من الكلمات ، خصوصا ما في الرياض الذي جعل الأمر في الموثق المزبور للإباحة باعتبار توهم الحظر إذ بناء على ذلك لا دليل على استحباب الكتابة ابتداء من غير سؤال ، والله العالم.

وكيف كان فهي ليست عتقا بصفة كما عن بعض العامة ، لعدم صدقه عليها عرفا ، وعدم قصده في عقدها ، والاتحاد في الغاية أو في بعض الأحكام لا يقتضي الاندراج في الاسم ، وإلا لدخل كثير من المعاملات في آخر.

ولا بيعا للعبد من نفسه كما عن التقي وابني زهرة وإدريس وظاهر علي ابن إبراهيم في تفسيره بل هي معاملة مستقلة خارجة عن قياس المعاملات من جهة أنها دائرة بين السيد وعبده ، وأن العوضين للسيد ، وأن المكاتب على مرتبة متوسطة بين الرق والحرية ، وليس له استقلال الأحرار ولا عجز المماليك ، ولذا كانت تصرفاته مرددة بين الاستقلال ونقيضه كما ستعرف ، إلا أن الحاجة لما كانت داعية إليها ـ فإن السيد قد لا تسمح نفسه بالعتق مجانا والمملوك لا يشمر للكسب ما لم يكاتب تشميره إذا كوتب ـ شرعها الشارع ورتب عليها أحكاما ، ومن هنا اغتفر فيها ما لا يغتفره في غيرها ، نحو اغتفاره الجهالة في ربح القراض وعمل الجعالة.

وعلى كل حال فهي بعيدة عن شبه البيع الذي يقتضي المغايرة بين البائع والمشتري ، والمبيع هنا هو المشتري ، ويقتضي قبول المشتري للملك ، وهو منتف عن المملوك ، ويقتضي كون العوض ملكا للمشتري والمعوض ملكا للبائع ، وهنا الأمران للمولى ، على أن البيع انتقال عين مملوكة من شخص إلى آخر ، فلا بد من تحقق اضافة الملك بين المشتري والمبيع ، وهو منتف هنا لتوقف الإضافة على تغاير المضافين المفقود في المقام ، ولأن ملك العبد يتوقف على حريته ، وحريته موقوفة على تملكه فيدور ، ولأن السيد لا يباع عبده ، ومن ثم لا يصح بيعه مالا‌

٢٥٧

آخر قولا واحدا ، ولأنه لو كانت بيعا لثبت المال في ذمته وعتق في الحال ، كما لو أعتق على مال ، إلى غير ذلك مما لا يخفى من المنافيات لاندراجها في البيع حقيقة.

مضافا إلى صحة السلب وتغاير المفهوم عرفا وإطلاق الاسم عليها في بعض النصوص لضرب من المجاز لا يقتضي اندراجها فيه حقيقة وإلا لكان الصلح أولى بذلك ، ضرورة كثرة إطلاق البيع والشراء على موارده ، فليس حينئذ الإطلاق المزبور إلا على وجه التشبيه البليغ لا الحقيقة.

ومن هنا قال الشيخ : الكتابة تفارق البيع من وجوه : ( أحدها ) أن الكتابة لا بد فيها من أجل والبيع لا يفتقر إليه ، و ( منها ) أن الكتابة يمتد فيها خيار العبد والبيع لا يمتد فيه خيار الشرط ، و ( منها ) أن للبائع أن يشترط لنفسه الخيار ، وليس للسيد أن يشترط ، ويتفقان في أن الأجل فيهما لا بد أن يكون معلوما ، ولا يصح كل واحد منهما إلا بعوض معلوم ، وإن كان الاختلاف المزبور لا ينافي كونها من البيع حقيقة ، إذ الأجل على تقدير اعتباره يكون فيها كاعتباره في السلم من البيع الذي قيل فيه بعدم اعتباره فيه ، نحو ما تسمعه فيها أيضا ، وامتداد خيار العبد على القول به كامتداد خيار المجلس بامتداده ، وخيار الشرط باشتراطه مدة مديدة ، واشتراط الخيار لنفسه فيها ستعرف الكلام فيه إنشاء الله ، إنما العمدة ما ذكرناه من ثبوت تغاير مفهومها مع مفهومه عرفا.

وحينئذ فلو باعه نفسه بثمن مؤجل لم يصح كتابة ، لما عرفت من عدم كونها من أفراده وإلا لصح وإن لم يقصدها كما يصح البيع في مورد السلم سلما وإن لم يقصده سلما.

وما عن المبسوط ـ من جواز وقوعها بلفظ البيع لإفادة المراد وإن قلنا إنها ليست بيعا ـ مبني على جواز استعمال اللفظ مجازا في العقد كما ذكرنا قوته غير مرة ، ولا ينافي ذلك مناسبتها له في المفهوم أو مبني على جواز ذلك بيعا لا كتابة ،

٢٥٨

إذ لا تلازم بين عدم كون الكتابة بيعا وبين جواز بيع العبد من نفسه بثمن مؤجل ، فيثبت له حينئذ أحكام البيع لا الكتابة ، كما يومئ إليه ما في الدروس ، فإنه ذكر فروعا متصلة بالمسألة الأول منها ، قال : « إن جوزنا بيعه عليه فإذا قال : بعتك رقبتك أو نفسك بكذا فقبل عتق كشراء القريب ، ولا ولاء عليه إلا مع الشرط عند الشيخ كما مر ويشكل ببعد ملك الإنسان نفسه ، ولو صح فكيف يكون الولاء للبائع مع أنه لم يعتقه ، والاشتراط يخالف‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) الولاء لمن أعتق »

قلت : ولا يدفع الإشكال الأول كونه كبيع ما في الذمة على الإنسان نفسه ، لأن ذلك مرجعه إلى الإسقاط بعد قابلية المشتري لأصل قبول البيع بخلاف الفرض ، فإن قابلية شراء العبد نفسه مفقودة ، ودعوى صيرورته قابلا ذلك بعقد البيع معه ـ على معنى حصول القابلية والانعتاق دفعة بالقبول ـ كما ترى ، وإطلاق لفظ البيع لا يقتضي صحة ذلك.

فالتحقيق عدم صحة ذلك بيعا أيضا فضلا عن أن يكون من الكتابة التي لا يتصور كونها من البيع بالمعنى المزبور في كتاب البيع ، بل ظني أن القائل بأنها من البيع لم يرد أنها فرد حقيقة من البيع بالمعنى المعهود الذي لا يخفى مباينته لها ، ولا أن البيع مشترك لفظا بين مفهومها وبين غيرها ، ضرورة عدم اقتضاء ذلك ثبوت أحكام البيع من خيار المجلس ونحوه مما كان العنوان فيه البيع ، بل يريد أن البيع للأعم من ذلك وما يشملها ، نحو ما سمعته في بيع الخدمة ، بل وفي بيع العرية وحينئذ فلا يرد عليه كثير مما سمعته ، نعم يدفعه تحقق التباين عرفا بين المفهومين وعدم قدر مشترك بينهما على وجه يشتركان فيما يثبت من الأحكام التي عنوانها البيع ، كخيار المجلس ونحوه ، والاشتراك اللفظي لا يفيد ذلك ، بل لا ثمرة في النزاع فيه ، كما هو واضح.

وبذلك يظهر لك أنه لا يثبت مع الكتابة خيار المجلس‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من كتاب العتق الحديث ١ و ٢.

٢٥٩

الذي عنوانه البيعان بالخيار ما لم يفترقا ، وكذا الكلام في غيره من الأحكام.

هذا وفي الدروس قال : « الثاني ـ أي من الفروع المزبورة ـ لو قال له : أنت حر على ألف درهم أو إن أعطيتني ألفا فأنت حر قيل : يبطل ، لأن العبد لا يملك ، والثاني تعليق ، ويمكن إلحاقهما بالكتابة ».

قلت : لم أجد ذلك لأحد من الخاصة ، نعم هو في بعض كتب الشافعية ، ومرجعه إلى مشروعية هذين القسمين كمشروعية الكتابة ، وهو كما ترى لا يوافق أصولنا التي منها حرمة القياس ، نعم قد يقال بصحة الأول باعتبار كونه شرطا في العتق ، وقد عرفت صحته ، والثاني بناء على صحة التعليق ، وليس من الكتابة في شي‌ء قطعا ، ولا من ملحقاتها ، كما هو واضح ، والله العالم.

وكيف كان ف لا تصح من دون الأجل على الأشهر الأشبه بأصول المذهب وقواعده التي منها أصالة بقاء العبد على الرقية التي لا يعارضها إطلاق الكتابة في الكتاب (١) والسنة (٢) بعد دعوى دخول الأجل في مفهومها أو احتماله احتمالا مساويا لعدمه ، أو انسياق المؤجل منها ، خصوصا بعد ملاحظة النصوص (٣) التي تعرضت لأحكامها ، فإنه يظهر منها المفروغية من كونها مؤجلة ، حتى‌ ورد عن الصادق عليه‌السلام في خبر العلاء (٤) في تفسير قوله تعالى (٥) : ( وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ ) قال : تضع عنه من نجومه التي لم تكن تريد أن تنقصه منها » وورود عنه عليه‌السلام أيضا في صحيح معاوية بن وهب (٦) في حديث المكاتبة « قلت :

__________________

(١) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٣٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب المكاتبة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ و ٥ ـ من أبواب المكاتبة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ٢.

(٥) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٣٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ١.

٢٦٠