جواهر الكلام - ج ٣٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وكيف كان فلا خلاف بيننا نصا وفتوى في أنه يجوز الرجوع فيه بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منهما مستفيض إن لم يكن متواترا ، ولا فرق فيه عندنا بين أن يكون قولا كقوله : رجعت في هذا التدبير أو نقضته أو فسخته أو نحو ذلك وفعلا يدل على قصده الرجوع كأن يهب وإن لم يقبض أو يعتق أو يقف وإن لم يقبض أو يوصي به خلافا للشافعي في أحد قوليه سواء كان التدبير مطلقا بأن علقة على مطلق الموت أو مقيدا بالموت في سفره أو مرضه ، خلافا للمحكي عن أبي حنيفة ، فخص الجواز بالثاني.

وكذا لو باعه بطل تدبيره وإن لم يقصد به الرجوع ، لاقتضاء البيع خروجه عن ملكه المنافي لبقاء تدبيره.

وقيل : إن رجع في تدبيره ثم باع صح بيع رقبته ، وكذا إن قصد ببيعه الرجوع وإن لم يقصد مضى البيع في خدمته دون رقبته وتحرر بموت مولاه ، وظاهره اختصاص الخلاف في البيع إذا لم يقع رجوع قبله ولم يقصد به الرجوع.

ونحوه الفاضل في القواعد وإن لم يذكر القيد الثاني ، قال فيها : « ويجوز الرجوع في التدبير قولا أو فعلا ، فلو وهب وإن لم يقبض أو أعتق أو وقف أو أوصى به أو باعه على رأي أو رهنه بطل التدبير ، مطلقا كان أو مقيدا ، ويصح العقد وإن لم يرجع في التدبير ، وسواء قصد ببيعه الرجوع أولا ، وهل يبطل التدبير بالعقود الفاسدة؟ الأقرب ذلك إن لم يعلم فسادها أو قصد الرجوع ، وقيل : لا يبطل التدبير بالبيع إذا لم يرجع فيه ، بل يمضي البيع في خدمته دون رقبته ».

وفي التنقيح « لا خلاف أنه مع تقدم الرجوع القولي أو التصريح بقصد الرجوع ببيعه أنه يبطل التدبير ، ومع عدم الأمرين إن صرح ببيع رقبته أو هبتها كذلك وإن صرح ببيع منافعه أو هبتها لم يكن رجوعا ، وتحرر بموت سيده أما مع الإطلاق فأكثر الأصحاب قالوا بانصراف البيع والهبة إلى منافعه ، وأنه لا يبطل‌

٢٢١

بذلك وقال الحليون ببطلان التدبير وصحة البيع ».

وقال في الدروس : « صريح الرجوع رجعت في تدبيره أو نقضت أو أبطلت أو شبهه دون إنكار التدبير ، أما لو باعه أو وهبه ولما ينقض تدبيره فأكثر القدماء على أنه لا ينقض التدبير ، فقال الحسن يبيع خدمته أو يشترط عتقه على المشتري فيكون الولاء له ، وقال الصدوق : لا يصح بيعه إلا أن يشترط على المشتري إعتاقه عند موته ، وقال ابن الجنيد : تباع خدمته مدة حياة السيد ، وقال المفيد : إذا باعه ومات تحرر ولا سبيل للمشترى عليه ، وقال الشيخ في النهاية : لا يجوز بيعه قبل نقض تدبيره إلا أن يعلم المشتري بأن البيع للخدمة ، وتبعه جماعة والحليون إلا الشيخ يحيى على بطلان التدبير بمجرد البيع » إلى آخره إلى غير ذلك من كلماتهم المذكورة في تحرير محل النزاع ، لكن ما وصل إلينا من كلمات القدماء غير منطبق على ذلك ، وإنما هو في بيع خدمة المدبر إذا أراد بيعه مدبرا.

قال في النهاية : « التدبير بمنزلة الوصية يجوز للمدبر نقضه ما دام فيه الروح ، فان نقضه جاز له بعد ذلك بيعه وهبته والتصرف فيه بجميع أنواع التصرف ، ومتى لم ينقض التدبير وأمضاه على حاله ثم مات المدبر كان المدبر حرا من الثلث ، فان نقص عنه انعتق وإن زاد عليه استسعى في الباقي ، ومتى أراد المدبر بيعه من غير أن ينقض تدبيره لم يجز له إلا أن يعلم المبتاع أنه يبيعه خدمته ، وأنه متى مات هو كان حرا لا سبيل عليه » وهو كالصريح في جواز بيع خدمة المدبر لأنه إذا أطلق البيع انصرف إليها ، ونحوه ما في محكي المهذب والكامل.

قال في الأول : « يجوز لسيد المدبر أن يبيع خدمته إذا ثبت على تدبيره ، ولم يرجع عنه ، فيشتريه المشتري كذلك ، فيخدمه أيام حياة الذي دبره ، فإذا مات عتق من الثلث ».

وقال في الثاني : « من دبر مملوكا وأراد بيعه لم يجز له ذلك إلا أن ينقض تدبيره أو يعلم المشتري أنه يبيعه خدمته ، وأنه متى مات هو كان حرا لا‌

٢٢٢

سبيل له عليه ».

وكذا المحكي عن أبي الصلاح قال : « يجوز بيعه في حال تدبيره ، فإذا مات مدبره تحرر على مبتاعة ، فإن كان عالما بتدبيره حال ابتياعه وإلى أن مات مدبره فلا شي‌ء له ، وإن لم يعلم رجع إلى التركة بما نقد فيه ، وإن كان باعه بعد ما رجع في تدبيره لم يتحرر بموت مدبره ».

وأما ابن حمزة فلم يتعرض لهذه المسألة ، وإنما اقتصر على بيان عدم جواز رجوعه بنفس التصرف ، قال : « وليس له التصرف فيه بالبيع والشراء والهبة وغير ذلك رجوعا وإذا أراد ذلك رجع ثم باع أو فعل ما شاء ».

وأما ابن أبي عقيل فظاهره عدم جواز بيع المدبر إلا مع اشتراط عتقه على المشتري ، وأنه يجوز بيع خدمته قال : « ليس للمدبر أن يبيع المدبر إلا أن يشترط على المشتري عتقه ، وإذا أعتقه المشتري فالولاء لمن أعتق ، وله أن يبيع خدمته ، فإذا مات المدبر فالمدبر حر ».

وكذلك الصدوق لكن لم يتعرض لبيع خدمته قال : « وإذا أعتق الرجل غلامه أو جاريته على دبر منه ثم يحتاج إلى ثمنه فليس له أن يبيعه إلا أن يشترط على الذي يبيعه إياه أن يعتقه عند موته » وهو كما ترى لا تعرض في كلامهما لانصراف البيع عند الإطلاق إلى الخدمة كما سمعته في تحرير محل النزاع.

وكذلك ابن الجنيد على ما حكي من عبارته في المختلف قال : « عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باع خدمة المدبر ، ولم يبع رقبته ، » ولا بأس عندنا ببيع رقبة المتطوع بتدبيره إذا احتاج السيد إلى ثمنه ، لحديث جابر (٢) فأما المدبر عن نذر قد كان ما نذر فيه ووجب على السيد تدبيره فلا يجوز‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التدبير الحديث ٤.

(٢) المستدرك الباب ـ ١ ـ من أبواب التدبير الحديث ٧ وسنن البيهقي ج ١٠ ص ٣٠٨.

٢٢٣

بيع رقبته ، وإنما يباع من هذا خدمته مدة حياة سيده ، والأحوط أن يباع ذلك منه بمكاتبة أو غيرها ، ولا اختار بيع المتطوع بتدبيره وخدمته الواجب تدبيره في دين أو غيره إلا إذا لم يف ملك السيد بدينه ، ولم يكن به غني عن بيعه ولو باع خدمة مدبرة من نفسه لم يسقط ما وافقه عليه بموت السيد ، فان كان مال حال وجب عند موته وإن كان منجما كان للورثة على نجومه ، كالكتابة ، إذ هو كما ترى صريح في خلاف ما سمعته من تحرير النزاع.

نعم ظاهر عبارة المقنعة جواز بيع المدبر على وجه يكون ملكا للمشتري ، إلا أن يموت المدبر ، قال : « ولمالك العبد أن يبيعه بعد التدبير له ، غير أنه متى مات البائع صار حرا لا سبيل للذي ابتاعه عليه » ويمكن أن يريد بيع الخدمة ويكون كلام الشيخ ره كالتفسير له ، لاستبعاد إرادة بيع الرقبة على الوجه المزبور وإن ذكر الفاضل نحوه في تأويل كلام القائلين ببيع الخدمة ، وقال : « إنه كبيع العبد المشترط حريته » إلا أنه كما ترى.

وكأنه أخذه مما في محكي المبسوط من أنه‌ « روى أصحابنا (١) أن التدبير باق ، إذا مات السيد يعتق في ملك المشتري ، وينبغي أن يبيعه بهذا الشرط ، ومتى عاد إليه ملكه بغير ذلك فهل يعود حكم التدبير؟ قال قوم : يعود تدبيره ، وإن كان لم ينقض تدبيره فالتدبير باق ، لأن عندنا يصح بيع خدمته دون رقبته مدة حياته » وهو صريح في انتقاضه بالبيع ، خصوصا بعد قوله قبل ذلك : « لو جنى المدبر فان اختار سيده تسليمه للبيع فان استغرق الأرش قيمته بيع فيها وبطل التدبير ، وإن كان الأرش لا يستغرق قيمته ولم يمكن بيع بعضه بيع كله ، والفضل لسيده ، وإن بيع بعضه كان الباقي مدبرا ، وكل موضع زال ملكه عنه زال التدبير ».

__________________

(١) المبسوط ج ٦ ص ١٧٢ ولفظه هكذا « روى أصحابنا أن التدبير باق وإذا مات السيد ... ».

٢٢٤

ونحوه ما عن الخلاف « أن بيع المدبر وهبته ووقفه ناقض للتدبير ، ولو وهبه كانت الهبة رجوعا في التدبير سواء أقبضه أو لا ، وكذا لو أوصى به » ثم قال في الخلاف أيضا : « إذا دبر عبدا ثم أراد بيعه والتصرف فيه كان له ذلك إذا نقض ، فان لم ينقض تدبيره لم يجز بيع رقبته ، وإنما يجوز له بيع خدمته مدة حياته » وبالجملة إنما كلامهم أو أكثرهم في مشروعية بيع خدمة المدبر إذا لم يرد نقض تدبيره ، لا في انصراف البيع إليها.

والسبب في ذلك بعض النصوص الدالة على ذلك ، كخبر السكوني (١) عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي عليهم‌السلام « باع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خدمة المدبر ولم يبع رقبته » وخبر علي (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أعتق جارية له عن دبر في حال حياته ، قال : إن أراد بيعها باع خدمتها في حياته ، فإذا مات انعتقت الجارية » وهما مع ضعفهما وموافقتهما للمحكي عن بعض العامة محتملان لإرادة مطلق النقل من البيع كالصلح أو الإجارة مدة معينة فمدة وهكذا وغيرهما لا البيع حقيقة ، ضرورة معلومية كون مورده الأعيان لا المنافع ، خصوصا مع جهالتها ، ودعوى اختصاص الموضع المزبور بذلك كما سمعته من الدروس بعيدة ، لقصور الخبرين المزبورين عن إثبات ذلك.

وكذا الكلام في‌ خبر أبي مريم (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سئل عن رجل يعتق جاريته عن دبر أيطأها إن شاء أو ينكحها أو يبيع خدمتها حياته؟ فقال : نعم أي ذلك شاء فعل » وأبعد منه حملهما على إرادة بيع الرقبة إلى أن يموت البائع ، فينعتق عليه بمعنى ملكية متزلزلة إلى الموت ، كما سمعته من الفاضل وفرع عليها فروعا.

وأما ما سمعته من الصدوق وابن أبي عقيل فيدل عليه‌ صحيح ابن مسلم (٤) عن أحدهما عليهما‌السلام « في رجل يعتق غلامه أو جاريته في دبر منه ثم يحتاج إلى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التدبير الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التدبير الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التدبير الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب التدبير الحديث ٦.

٢٢٥

ثمنه أيبيعه؟ فقال : لا ، إلا أن يشترط على الذي يبيعه إياه أن يعتقه عند موته » ونحوه صحيح الحلبي (١) عن الصادق عليه‌السلام الذي ينبغي حملهما على ضرب من الكراهة ، كخبر وهب (٢) عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام « إن عليا عليه‌السلام قال : لا يباع المدبر إلا من نفسه » الموافق للمحكي عن بعض العامة.

وكذا ما دل على تقييد البيع بالاحتياج أو رضا المملوك كصحيح ابن مسلم (٣) « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : رجل دبر مملوكه ثم يحتاج إلى الثمن قال : إذا احتاج إلى الثمن فهو له ، يبيع إن شاء وإن شاء أعتق ، فذلك من الثلث » وموثق إسحاق بن عمار (٤) « قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام : الرجل يعتق مملوكه عن دبر ثم يحتاج إلى ثمنه ، قال : يبيعه ، قلت : فان كان عن ثمنه غنيا قال : إن رضي المملوك فلا بأس » وصحيح جميل (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المدبر أيباع قال : إن احتاج صاحبه إلى ثمنه ، وقال : إذا رضي المملوك فلا بأس » وخبر أبي بصير (٦) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن العبد والأمة يعتقان عن دبر ، قال : لمولاه أن يكاتبه إن شاء وليس له أن يبيعه إلا أن يشاء العبد أن يبيعه قدر حياته ، وله أن يأخذ ماله إن كان له مال » لعدم قائل بمضمونها حتى من القائلين ببيع الخدمة.

وعلى كل حال فلا ينكر دلالة هذه النصوص أجمع على ناقضية بيع المدبر لتدبيره.

مضافا إلى‌ صحيح ابن مسلم (٧) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل دبر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب التدبير الحديث ٦ والتهذيب ج ٨ ص ٢٦٣ الرقم ٩٦٠ والاستبصار ج ٤ ص ٢٨ الرقم ٩٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب التدبير الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب التدبير الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب التدبير الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب التدبير الحديث ٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التدبير الحديث ٢.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب التدبير الحديث ١.

٢٢٦

مملوكا ثم احتاج إلى ثمنه ، فقال : هو مملوكه إن شاء باعه وإن شاء أعتقه وإن شاء أمسكه حتى يموت ، فإذا مات السيد فهو حر من ثلثه » وخبر أبي بصير (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « المدبر مملوك ، ولمولاه أن يرجع في تدبيره إن شاء باعه وإن شاء وهبه وإن شاء أمهره » مضافا إلى غيرهما من النصوص بل لا ينكر ظهورهما خصوصا الأخير منهما في حصول الرجوع بالبيع إذا قصده ، خلافا لما سمعته من ابن حمزة.

فتحصل من جميع ما ذكرناه أنه لا إشكال في بطلان تدبيره برجوعه عنه ، فله بيعه وغيره ، وكذا لو قصد ببيعه الرجوع به ، بل وكذا لو أطلق بيعه غير مستحضر لذلك أو لتدبيره ، لاقتضاء البيع نقل رقبته ، وهو مقتض لإبطال تدبيره.

نعم لو صرح ببيع خدمته مع إرادة بقاء تدبيره أو ببيع رقبته كذلك ففيه البحث السابق الذي قد عرفت فيه أن الأصح عدم جوازه ، وكذا لو أطلق البيع مريدا ذلك من غير إعلام المشتري ، والكلام مع القدماء في مشروعية ذلك ، ولو حمل كلامهم على نحو ما سمعته منا في حمل النصوص ارتفع النزاع من البين ، وخلت المسألة عن الأشكال. ومما ذكرنا يظهر لك النظر في جملة من الكلمات ، والله العالم بحقيقة الحال.

ولو أنكر المولى تدبيره على وجه لم يقصد الرجوع به لم يكن رجوعا لغة ولا شرعا ولا عرفا ، ضرورة تمايز إنشاء الرجوع بالشي‌ء وإنكار أصل إيقاعه ، خصوصا إذا كان مع النسيان مثلا ، فما عن بعضهم ـ من أنه يكون رجوعا لاستلزامه رفعه في سائر الأزمان ، فكان أبلغ من الرجوع المقتضي لرفعه في الزمن المستقبل خاصة ـ واضح الفساد وكذا الكلام في سائر ما كان عنوان إبطاله الرجوع ونحوه من وكالة أو وصية ونحوهما ، عدا الطلاق الذي قد ورد النص (٢)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التدبير الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب أقسام الطلاق من كتاب الطلاق.

٢٢٧

الصحيح فيه بكونه رجوعا ، وقد عرفت تحقيقه فيما تقدم.

وكذا الكلام فيما لو ادعى المملوك التدبير وأنكر المولى فحلف إذ الحلف لم يفد الرجوع ، وإنما يؤكد الإنكار ، ويقتضي ارتفاعه ظاهرا وحينئذ لم يبطل التدبير في نفس الأمر فلو مات السيد على الحال المزبور بحيث لم يحصل منه ما يدل على الرجوع انعتق المملوك فيما بينه وبين الله تعالى شأنه.

وقد تظهر الفائدة ظاهرا لو اعترف المولى بعد الحلف بكذبه فيه ، فان جعلنا الإنكار رجوعا لم يعد باعترافه وإلا بقي بحاله ، فيثبت ظاهرا أيضا حيث يعترف به ، بل في المسالك وقد تظهر فائدته أيضا لو كان الحلف لعدم البينة ثم وجدت بعد ذلك ، وهو مبني على سماع البينة بعد اليمين ، وقد حققنا ذلك في كتاب القضاء ، والله العالم.

٢٢٨

المسألة الثانية

لا خلاف نصا (١) وفتوى في أن المدبر عن حياة سيده ينعتق بموت مولاه من ثلث مال المولى ، فان خرج منه وإلا تحرر من المدبر بقدر الثلث وحينئذ ف لو لم يكن سواه عتق ثلثه نعم لو علقه بموت المخدوم مثلا ومات في حياة المولى وصحته لم يعتبر من الثلث وإن قلنا إنه تدبير بلا خلاف ولا إشكال ، لأنه كتعجيل العتق في حال الصحة ، وإطلاق النص (٢) والفتوى خروج المدبر من الثلث منزل على الغالب من كونه معلقا بموت المولى.

نعم في المسالك « لو مات المخدوم في مرض موت المولى أو بعده فهو من الثلث ، كالمعلق على وفاة المولى ، ولو كان واجبا بنذر وشبهه فان كان في مرض الموت لم يتغير الحكم ، وإن كان في حال الصحة فإن كان المنذور هو التدبير فالأظهر أنه من الثلث أيضا ، لأنه لا يصير واجب العتق بذلك ، بل إنما يجب تدبيره ، فإذا دبره بري‌ء من النذر ، ولحقه حكم التدبير ، وإن كان قد نظر عتقه بعد الوفاة فهو من الأصل كغيره من الواجبات المالية ، ومثله نذر الصدقة ونحوها بمال بعد الوفاة ، وفي التحرير ساوي بين الأمرين في خروجه من الأصل ، ونقله في الدروس عن ظاهر الأصحاب ، والأظهر الأول وحينئذ لو جوزنا تعليق العتق على الشرط فقال : هو حر قبل مرض موتي بيوم مثلا خرج من الأصل ، وكذا لو جعلنا المنجزات من الأصل فعلقه على آخر جزء من حياته ، ولو نذر عتقه أو الصدقة بالمال أو صرفه في بعض الوجوه السابقة في آخر يوم من أيام صحته فكذلك أو في آخر يوم من أيام حياته على القول الآخر ».

قلت : قال في الدروس : « التدبير ثلاثة أقسام : واجب ، ولا يصح الرجوع فيه إن قال : لله علي عتق عبدي بعد وفاتي ، ولو قال : لله علي أن أدبر عبدي فكذلك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب التدبير.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب التدبير.

٢٢٩

في ظاهر كلام الأصحاب ، لأن الغرض التزام الحرية بعد الوفاة لا مجرد الصيغة ، وعن ابن نما جواز الرجوع لوفائه بنذره بإيقاع الصيغة ، فيدخل في مطلق التدبير ـ ثم قال فيها في آخر كتاب التدبير ـ : ولو كان التدبير واجبا أو معلقا بموت الغير فمات في حياة المولى فهو من الأصل » وفي التحرير « أما التدبير الواجب بالنذر وشبهه فلا يجوز فيه الرجوع ، ويخرج من أصل المال » وفي الرياض عن الانتصار الإجماع على ما نسبه في الدروس إلى الأصحاب.

قلت : قد يناقش فيما ذكره في المسالك أولا بعدم صدق التبرع به في مرض ، وإن حصل تنجيزه به ولكنه بسبب حال الصحة ، ولا أقل من الشك ، والأصل الخروج من الأصل ، ولعله لذا أطلق في الدروس الخروج من الأصل مع حياة المولى.

بل قد يناقش في الخروج من الثلث فيما بعد الوفاة أيضا ، للأصل السالم عن معارضة إطلاق الأدلة الظاهرة في وفاة المولى المدبر له ، لا فيما يشمل الفرض الذي مقتضي الأصل فيه الخروج من الأصل بعد أن لم يصدق عليه أنه وصية ولا يندرج في إطلاق أدلة التدبير. ومما ذكرنا يعلم الحال فيما ذكره من الأمثلة للعتق المعلق على فرض جوازه.

بل قد يناقش فيما ذكره في التدبير الواجب بنذر وشبهه من التفصيل بين كونه في المرض وبين كونه في الصحة بأنه مناف لما سمعته من إطلاق التحرير والدروس الذي يؤيده ما عرفت من كون الأصل الخروج من الأصل الذي ينبغي الاقتصار في خلافه على المتيقن الذي هو التبرع المحض على وجه لا يلحق باسم الدين أو ما في حكمه مما يخرج من الأصل ، ومنه النذر ولو في حال المرض ، إلا أن الانصاف عدم خلوه من الإشكال فتأمل.

وقد يناقش فيما ذكره أخيرا أيضا بأن مرجع النزاع إلى لفظ ، ضرورة تبعية النذر للقصد الذي لا ينبغي النزاع فيه بعد معلوميته ، ومع الإطلاق وعدم قرينة فلا ريب في أن التدبير اسم لنفس إنشاء التدبير بصيغته إلا أن تقوم قرينة على إرادة‌

٢٣٠

أثره لا نفس الصيغة ، فيكون كنذر حريته بعد الوفاة التي قد يمنع صدق اسم التدبير عليها بعد فرض عدم إنشائه بصيغته الخاصة به ، وموافقة النذر للتدبير في النتيجة لا يقتضي الاندراج في الاسم.

وعلى كل حال فلا يخرج عن ملكه بالنذر المزبور إجماعا بقسميه ، لاستلزامه الحنث في نذره ، فلو فعل ففي الرياض صح ، للعموم مع عدم المخرج عنه سوى النهي الغير المستلزم للفساد في المعاملات ، نعم يأثم وتلزمه الكفارة مع العلم لا مع النسيان على الظاهر لعدم الحنث ، وفي الجاهل وجهان ، وفيه أن انعقاد النذر يقتضي تشخيصه للنذر كتشخيصه للشرط مثلا كما تسمع تحقيقه إنشاء الله في كتاب النذور.

ولو دبر جماعة فان خرجوا من الثلث فذاك وإلا عتق من يحتمله الثلث وبدئ بالأول فالأول مع فرض ترتبهم ، بناء على أن التدبير من الوصية التي مر في بابها أن ذلك حكمها نصا (١) وفتوى أو منزل منزلتها على وجه يشمل الحكم المزبور أو على أن الحكم المزبور على وفق القواعد في الوصية وفي المقام باعتبار أولوية كل سابق على مسبوقة في التعليق بالحق وإن كان لا يخلو من نظر ، ضرورة اتحاد الجميع في كيفية التعلق ، ومجرد السبق في الوجود لا يقتضي التقدم بعد اشتراك الجميع في الوصية مثلا.

وعلى كل حال ف لو جهل الترتيب استخرجوا بالقرعة بلا خلاف ولا إشكال ، كما أنه لا خلاف ولا إشكال في توزيع الثلث بينهم ، فمع فرض إيقاع تدبيرهم بصيغة واحدة.

ولو كان على الميت دين يستوعب التركة بطل التدبير وبيع المدبرون فيه لأنه وصية أو بمنزلتها بالنسبة إلى ذلك ، وكذا ما في معناه من التنجيز والإيصاء المتقدم عليه لفظا ، فيخرج أولا ثم يعتق المدبر من الثلث الباقي ، وفي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٦ ـ من كتاب الوصايا الحديث ١.

٢٣١

خبر الحسن بن علي بن أبي حمزة (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام « قلت له : أبي هلك وترك جاريتين قد دبرهما ، وأنا ممن أشهد لهما ، وعليه دين ، فقال : رحم الله أباك قضاء دينه خير له إنشاء الله ».

وإلا يكن الدين مستوعبا بيع منهم بقدر الدين بالقرعة ، كما صرح به الصيمري ، قال : « فان كان الدين بقدرهم مثلا ولا تركه سواهم كتب رقعة للدين واخرى للتركة بعد أن يقسم العبيد قسمين ، وإن كان بقدر ثلث العبيد كتب ثلاث رقاع : واحدة للدين واثنتين للتركة ، وكذلك الحكم لو أعتق المريض في مرض الموت ومات وعليه دين واحتجنا إلى بيع بعض المعتقين ».

وعلى كل حال فإذا أخرج بها كل من اخرج للدين تحرر ثلث من بقي سواء كان الدين سابقا على التدبير أو لاحقا على الأصح الموافق للمشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا إذ لم نعرف مخالفا إلا الشيخ في النهاية التي هي متون أخبار وليست كتاب فتوى ، وتبعه القاضي ، ففرق بينهما ، فقدم التدبير على الدين إذا كان لاحقا وبالعكس إذا كان سابقا لصحيح أبي بصير (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل دبر غلامه وعليه دين فرارا من الدين ، قال : لا تدبير له ، وإن كان دبره في صحة منه وسلامة فلا سبيل للديان عليه » والحسين بن علي بن يقطين (٣) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن بيع المدبر ، قال : إذا أذن في ذلك فلا بأس به ، وإن كان على مولى العبد دين فدبره فرارا من الدين فلا تدبير له ، وإن كان دبره في صحة وسلامة فلا سبيل للديان عليه ، ويمضي تدبيره » القاصرين عن معارضة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب التدبير الحديث ٣ مع الاختلاف في اللفظ.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب التدبير الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب التدبير الحديث ١ عن الحسين عن على ابن يقطين كما في التهذيب ج ٨ ص ٢٦١ الرقم ٩٥٠ والاستبصار ج ٤ ص ٢٨ الرقم ٩١.

٢٣٢

ما تقدم من النصوص (١) الدالة على أنه بمنزلة الوصية وأنه من الثلث وأن قضاء الدين خير له من وجوه ، فيطرحان أو يحملان على التدبير الواجب بنذر وشبهه ، فإذا وقع كذلك مع سلامة من الدين فلا سبيل للديان عليه ، ولو نذره فرارا من الدين لم ينعقد نذره ، لأنه لم يقصد به الطاعة ، بل ظاهرهما اعتبار قصد الفرار في الشق الأول ، ولم يقل به أحد ، بل هما ظاهران بالنظر إلى سياقهما في التفصيل بين قصد الفرار وعدمه المعبر عنه بالصحة والسلامة ، لا تقدم الدين وتأخره ، وحينئذ يكونان أعم من المدعى ، ويخرجان عن الدلالة على التفصيل المزبور ، بل ربما احتمل أن المراد منهما التفصيل بين حالتي الصحة والمرض ، بل قيل : إنه المتبادر من اللفظتين عند الإطلاق وإن كان هو كما ترى ، إلا أن المراد بيان إجمال الروايتين على وجه لا وثوق بالمراد منهما بحيث يصلح لمعارضة ما عرفت.

هذا ولكن في‌ صحيح الحلبي (٢) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل قال : إن مت فعبدي حر وعلى الرجل دين ، فقال : إن توفي وعليه دين قد أحاط بثمن الغلام بيع العبد ، وإن لم يكن أحاط بثمن العبد استسعى العبد في قضاء دين مولاه ، وهو حر إذا أوفى » ولعل وجهه انعتاق جزء منه مع فرض عدم الإحاطة ، فيستسعى حينئذ كما أن ترك ذكر الوارث فيه مع أن له حقا أيضا في زيادة قيمته لا يقدح بعد استفادته من خارج.

ومنه ينقدح الاشكال فيما ذكره المصنف وغيره من البيع بقدر الدين خصوصا مع تأيد الصحيح المزبور بإطلاق أدلة البيع على وجه يمكن جعله قاعدة في كل من أعتق بعضه ، فتأمل جيدا ، والله العالم.

وكما يصح الرجوع في المدبر أجمع يصح الرجوع في بعضه ، لأنه بحكم الوصية التي يجوز فيها ذلك ، كما عرفته في كتابها.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ و ٨ ـ من أبواب التدبير.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من كتاب الوصايا الحديث ٣.

٢٣٣

المسألة الثالثة :

إذا دبر بعض عبده لم ينعتق عليه الباقي معجلا للأصل السالم عن معارضة ما دل (١) على ذلك بعد ظهوره في العتق المنجز ، خلافا للمحكي عن المرتضى وبعض العامة من القول بالسراية كالعتق المنجز ، لأنه يوجب استحقاق العتق بالموت ، فصار كالاستيلاد الموجب لتقويم حصص الشركاء عليه ، وفيه منع الاستحقاق أولا لجواز الرجوع ، ومنع الملازمة على تقدير الاستحقاق ثانيا ، لعدم تحقق العتق بالفعل ، لعدم المقتضى ، والفرق بين الاستيلاد والتدبير أن الاستيلاد كالإتلاف ، حيث إنه يمنع التصرف بالبيع ونحوه ، ولا سبيل إلى دفعه بخلاف التدبير ، كما هو واضح.

بل في المسالك « لا ينعتق عليه أيضا بعد انعتاق المدبر ، لأنه حينئذ لا يبقى المعتق موسرا ، لانتقال ماله عنه بالموت ، بخلاف ما إذا علق عتق نصيبه بصفة فوجدت الصفة وهو موسر وجوزناه ، فإنه يعتق النصيب ويسرى » وفيه إمكان كونه موسرا بالخروج من الثلث ، فان لم يكن له ثلث غيره استسعى العبد ، فتأمل.

ولو كان له شريك لم يكلف شراء حصته على معنى ضمانها له ، لما عرفت من عدم المقتضى لذلك ، فأصالة البقاء بحالها ، والمخالف هنا كالسابق ، وجوابه جوابه ، بل هنا أولى بعدم السراية ، خلافا لبعض العامة ، فخير الشريك بين أن يضمنه القيمة وبين أن يستسعى العبد وبين أن يدبر نصيبه أو يعتقه ، وهو كما ترى.

وكذا لو دبره بأجمعه ورجع في بعضه والكلام الكلام.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من كتاب العتق.

٢٣٤

بل عن الشيخ ره أنه كذلك لو دبر الشريكان ثم أعتق أحدهما لم يقوم عليه حصة الآخر لأن له جهة يعتق لها وهو التدبير ، فلا يحتاج إلى جهة أخرى وإن كان هو كما ترى ، ضرورة تناول إطلاق أدلة السراية. ولذا قال المصنف لو قيل يقوم عليه كان وجها.

ولو دبر أحدهما خاصة ثم أعتق وجب عليه فك حصة الآخر مع الشرائط قطعا ، لعموم الأدلة السالم عن المعارض.

ولو أعتق صاحب الحصة القن لم يجب عليه فك الحصة المدبرة عند الشيخ ، بل في المتن على تردد وقد عرفت ضعفه ، والله العالم.

المسألة الرابعة :

إذا أبق المدبر بطل تدبيره بلا خلاف أجده ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى‌ خبر محمد بن مسلم (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عن جارية مدبرة أبقت من سيدها سنينا ثم جاءت بعد ما مات سيدها بأولاد ومتاع كثير ، وشهد لها شاهدان أن سيدها كان دبرها في حياته قبل أن تأبق ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : أرى أنها وجميع ما معها للورثة ، قلت : لا تعتق من ثلث سيدها ، فقال : لا ، إنها أبقت عاصية لله عز وجل ولسيدها ، وأبطل الإباق التدبير » وخبر رزين (٢) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل دبر غلاما له ، فأبق الغلام فمضى إلى قوم ، فتزوج منهم ، ولم يعلمهم أنه عبد ، فولد له واكتسب مالا ، فمات مولاه الذي دبره ، فجاء ورثة الميت الذي دبر العبد فطالبوا العبد ، فما ترى؟ فقال : العبد وولده رق لورثة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب التدبير الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب التدبير الحديث ٢ عن علاء بن رزين.

٢٣٥

الميت ، قلت : أليس قد دبر العبد ، فذكر أنه لما أبق هدم تدبيره ورجع رقا ».

ولا حاجة بعد ذلك إلى تكلف الفرق بينه وبين الارتداد الذي لا يبطل معه التدبير مع أنه معصية لله عز وجل بأن الأول مع ذلك هو معصية للسيد المحتاج إلى خدمته ، بخلاف الارتداد الذي هو معصية للسيد الغني عنه ، مع أنه منتقض بعدم بطلانه بالإباق مع التعليق على وفاة المخدوم الذي قد سمعت الكلام فيه ، وستسمع إنشاء الله تعالى فالعمدة حينئذ النص والإجماع وكفى بهما فارقا ، والله العالم.

وعلى كل حال فإذا بطل تدبيره كان هو ومن يولد له بعد الإباق رقا إن ولد له من أمة مولاه أو غيره ، بل أو حرة إذا كان بحيث يلحق به الولد بلا إشكال في شي‌ء من ذلك ولا خلاف.

وأما أولاده قبل الإباق فهم على التدبير ولا يبطل تدبيرهم بإباقه ، للأصل وغيره ، بل قد يمنع بطلانه باباقهم فضلا عن إباقه اقتصارا فيما خالف الأصل على مورد النص (١) على أن تدبيرهم قد جاء بالسراية كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في مسألة جواز الرجوع بهم ، فلاحظ وتأمل.

لكن قد يقال ظاهر الخبر الأول (٢) التعليل الشامل لذلك ، اللهم إلا أن يمنع كونه تعليلا لبطلانه بمقتضى إطلاق النص والفتوى به وإن لم يكن عصيانا لصغر ونحوه ، وقد يحتمل منع ذلك تنزيلا للإطلاق على المنساق والله العالم.

وكيف كان ف لا يبطل تدبير المملوك لو ارتد للأصل حتى لو كان عن فطرة فإن التحق بدار الحرب بطل لأنه إباق ، وحينئذ لو مات مولاه قبل فراره تحرر لحصول المقتضي ، فما عن ابن الجنيد ـ من بطلان التدبير‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب التدبير.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب التدبير الحديث ـ ١.

٢٣٦

بالارتداد أو الالتحاق بدار الحرب وأسر المسلمين له ـ واضح الضعف ، لعدم الدليل إلا القياس الذي هو هنا مع ثبوت الفارق محرم عندنا ، والالتحاق حيث يكون إباقا يكفي في تحقق البطلان وإن لم ينضم إليه الأسر ، كما هو واضح ، والله العالم.

المسألة الخامسة :

ما يكتسبه المدبر لمولاه لما عرفت من أنه رق نصا (١) وفتوى ، بل إجماعا بقسميه ولو اختلف المدبر والوارث فيما في يده بعد موت المولى فقال المدبر : اكتسبته بعد الوفاة وقال الوارث : قبلها فالقول قوله مع يمينه للأصل ، ولأنه صاحب يد ولو أقام كل منهما بينة فالبينة بينة الوارث لأنها بينة خارج بناء على تقديمها على بينة الداخل ، هذا كله إذا كان خارجا من الثلث.

أما إذا كان النزاع في صورة ما إذا لم يخلف سواه وكانت قيمته ثلاثين مثلا وقد اكتسب ستين مثلا فادعى الوارث السبق ويلزمه انعتاقه أجمع وكون الكسب له ، لأنه ضعف قيمته وادعى العبد التأخر ، ومقتضاه حرية ثلثه ويتبعه ثلث الكسب وهو عشرون ، فيبقى للوارث منه أربعون ، وإذا ضمت إلى قيمة العبد كانت سبعين ، والمجموع تركة باعتراف الوارث ، فينعتق منه ثلثها ، وهو ثلاثة وعشرون وثلث ، وذلك سبعة أتساع المدبر ، فالقول قوله أيضا بيمينه في استحقاق العشرين ، ولكن يفك العبد نفسه إن شاء بستة وثلثين من العشرين التي أخذها بجزئه الحر ، ولا تحتسب على الوارث ، لأنه انما يحسب عليه ما يصل إليه ، ويبقى له منها ثلاثة عشر وثلث.

لكن في المسالك « لا يقال يلزم على هذا أن يثبت له زيادة على ما يدعيه ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب التدبير.

٢٣٧

لأن دعواه التي حلف عليها وقدم قوله فيها أنه انعتق ثلثه واستحق ثلث الكسب ، وذلك ثلاثون تمام قيمته ، ولازم دعواه أيضا شرعا أن مجموع الكسب للورثة ، وليس له إلا رقبته ، لأن ما يحصل له من الكسب يجب عليه دفعه في فكاك باقيه ، وهو بتمامه تمام الباقي ، فكيف يستحق الزائد ، وهو ينفيه ، لأنا نقول : إن الزيادة حصلت له من قبل الجزء الحر ، وهو حق لله تعالى شأنه يثبت فيه ما يقتضيه الشرع ، ولا يلتفت فيه إلى إنكاره ، بخلاف المال ، وذلك لأن مقتضى دعواه في المال لما كانت استحقاق عشرين لم يزده عليها ، وأما العتق فان الشرع يحكم بعتق ثلث ما يتحصل بيد الوارث من التركة ، ولما اعترف له من الكسب بأربعين وقيمته تساوي ثلاثين فقد تحصل بأيديهم سبعون ، فيحكم بعتق مقدار ثلثها منه. سواء اعترف به أم أنكره ، لأن العتق حق لله تعالى شأنه ، فيحصل له منه مقدار ثلاثة وعشرين ، فإذا أضيفت إلى ما حكم له به من الكسب زاد عن القيمة ، فكان الزائد له لأجل ذلك ، وقس على هذا ما إذا قصر الكسب عن ضعفه أو خلف شيئا آخر معه لا يبلغ الضعف ، فلو كان كسبه مقدار قيمته كان له ثلثه بدعواه التي قدم فيها وضم ثلثاه ، وهو عشرون في المثال إلى مجموع المدبر ، وقيمته ثلاثون ، فيكون الحاصل بيد الوارث خمسين ، ويحكم عليه بعتق ثلثها ، وهو ستة عشر وثلثان ، وهي خمسة أتساعه ، وله ثلث كسبه عشرة ، ويجتمع للورثة عشرون من الكسب وثلاثة عشر وثلث من رقبته ، وذلك ضعف ما عتق منه » وقد أخذ ذلك كله من الفاضل في القواعد وولده في شرحها.

لكن فيه ـ بعد الإغضاء عما في دعوى وجوب دفع ما استحقه بيمينه في فك نفسه ـ أن دعوى الحرية التي يعلم العبد خلافها لا تكون سببا لملك الزيادة التي يجب عليه دفعها في فكاك نفسه على ما ذكروه فيما بينه وبين الله تعالى شأنه ، وكذا عدم سماع إنكاره لها في ظاهر الشرع لو سلم ، وإلا فقد يمنع ، لإطلاق‌ قوله عليه‌السلام (١) : « الناس كلهم أحرار إلا من أقر على نفسه بالعبودية » وحينئذ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من كتاب العتق الحديث ١.

٢٣٨

فالمتجه معاملة كل منهما بإقراره.

وزاد في القواعد احتمال كون المسألة دورية ، قال : « ولو ادعى الوارث سبق الكسب على الموت والعبد تأخره قدم قوله ، فإن أقاما بينة قدمت بينة الوارث هذا إن خرج من الثلث ، ولو لم يخلف سواه وكان الكسب ستين ضعف قيمته قدم قول العبد أيضا ، ويحتسب على الورثة ما يصل إليهم من الكسب بإقرارهم ، وهل للعبد بالجزء الذي انعتق بإقرارهم مقابله من كسبه إشكال ، ينشأ من إجراء إقرار الورثة مجرى الإجازة أولا ، فعلى الأول يدخلها الدور ، فنقول عتق منه شي‌ء ، وله من كسبه شيئان وللورثة شيئان من نفسه وكسبه ، فالعبد وكسبه في تقدير خمسة أشياء ، فالشي‌ء ثمانية عشر ، فله من نفسه ثمانية عشر ، ومن كسبه ضعف ذلك ، وللورثة من نفسه وكسبه ستة وثلاثون ، وعلى الثاني يعتق سبعة أتساعه ، وله من كسبه عشرون ، ومنه يستخرج حكم ما قصر الكسب فيه عن ضعفه أو خلف شيئا معه ».

قلت : لا أعرف وجها للاحتمال الأول الذي جعل المسألة دورية على تقديره ، وذلك لعدم إقرارهم بانعتاق جزء منه على وجه يستحق به من الكسب شي‌ء ، ضرورة كون دعواهم تقدم الكسب على وفاة السيد ، وهو زمان الرقية ، فلا يتصور استحقاق شي‌ء من الكسب بجزئه الحر على دعوى الوارث ، كما هو واضح ، والله العالم.

٢٣٩

المسألة السادسة :

إذ جني على المدبر بما دون النفس كان القصاص أو الأرش للمولى لأنه مملوك له فهو حينئذ كالقن ولا يبطل التدبير بذلك للأصل وغيره ، نعم إن قتل بطل التدبير لفوات محله وكانت قيمته للمولى أو القصاص ولكن يقوم مدبرا ، إذ قد يقتضي التدبير إذا كان واجبا أو قلنا بعدم جواز بيع رقبة المدبر نقصا بالنسبة إلى قيمته غير مدبر ، كما هو واضح ، والله العالم.

المسألة السابعة :

إذا جنى المدبر تعلق أرش الجناية برقبته كالقن ، لإطلاق الأدلة ، فإن كان موجبا للقصاص فاقتص منه فات محل التدبير ، وكذا إن استرق لخروجه حينئذ عن ملك سيده ، فيبطل تدبيره وإن عفى عنه أو رضي المولى بالمال أو كانت الجناية توجب مالا ف لسيده فكه بأرش الجناية أو بأقل الأمرين على الخلاف المقرر في جناية القن ، وله بيعه كلا أو بعضا فيها فان فكه فهو على تدبيره للأصل وإن باعه وكانت الجناية تستغرقه فالقيمة لمستحق الأرش ، فان لم تستغرقه بيع منه بقدر الجناية ، والباقي على التدبير بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ولا إشكال.

ولمولاه أن يبيع خدمته حقيقة منفردة أو مع رقبته إلى حين موته ، أو ينقلها بعقد صلح أو إجارة مدة فمدة على حسب ما سمعته من الخلاف السابق ،

٢٤٠