جواهر الكلام - ج ٣٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

عليها ، لأنه أعم ، ولا يلزم من انتفاء السبب الخاص المحلل انتفاء غيره من الأسباب وإن لم تدعه لا أقل من أن يكون دعواها ذلك يوجب شبهة يسقط بمثلها الحد ، وعدم ثبوت دعواها شرعا لا يحقق وصف الزنا قطعا ، إلا أن ذلك لا يقتضي سقوط الخبر المزبور الدال بمنطوقه ومفهومه على الأحكام المزبورة التي يدل على بعضها الأصل ، نعم هو من جملة نصوص الخلوة (١) المقتضية للحكم بالدخول بالنسبة إلى تمام المهر والملاعنة ، وقد عرفت البحث في ذلك مفصلا في كتاب النكاح وأنه لا يقتضي الحكم بالدخول بالنسبة إلى تمام المهر ، فضلا عن غيره من الأحكام المترتبة على الدخول.

ومن هنا قيل والقائل ابن إدريس ، لا يثبت اللعان ما لم يثبت الدخول بالبينة أو الإقرار وهو الوطء ، ولا يكفي في إثباته إرخاء الستر حينئذ ولا يتوجه عليه الحد لأنه لم يقذف فإن إنكار الولد أعم من ذلك ولا أنكر ولدا يلزمه الإقرار به حتى يصح اللعان منه ، ووجهه في المسالك بعدم ثبوت الوطء الذي به يتحقق الفراش المقتضي للحوق الولد به.

ولعل هذا أشبه بأصول المذهب وقواعده التي منها أصالة عدم الدخول بناء على كونه شرطا في اللعان التي لا يعارضها نصوص الخلوة (٢) كما سمعت الكلام فيه مفصلا في كتابه.

نعم قد يقال ـ إن لم يكن إجماع على خلافه ـ : بلحوق الولد به لاحتمال الوطء بناء على أنه يكفي في الفراش في الزوجة تحقق الزوجية واحتمال الوطء ولكن لا يشرع اللعان في نفيه بناء على اعتبار تحقيق الدخول فيه ، ولا تنافي بين الحكمين بعد اقتضاء دليلهما ذلك ، ودعوى أن لحوق الولد به يتوقف أيضا على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب المهور الحديث ٣ و ٤ من كتاب النكاح.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب المهور من كتاب النكاح.

٢١

تحقق الدخول كاللعان يمكن منعها ، وقد تقدم بعض الكلام في ذلك. بل أطنب في المسالك عند البحث على تحقق فراش الأمة بالأمة في بيان تحقق فراش الزوجة الدائمة بالعقد وإمكان وصوله إليها وأنه يلحق به الولد بذلك ، فلاحظ وتأمل ، فإنه لا يخلو من منافاة لما هنا ، والله العالم.

ولو جمع بين سببي اللعان بأن قذف امرأته ونفى الولد وأقام بينة على ما قذفها به سقط الحد عنه بلا خلاف ولا إشكال ولكن لم ينتف الولد عنه إلا باللعان الذي شرعه الشارع لنفي الولد الذي لولاه لا لتحقق بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « الولد للفراش ».

وكذا لو طلقها بائنا فأتت بولد يلحق به في الظاهر كما لو وضعته تاما بعد ستة أشهر فصاعدا من حين وطئه لم ينتف عنه إلا باللعان.

بل وكذا لو تزوجت فأتت بولد لدون ستة أشهر من دخول الثاني ليعلم نفيه عنه ولتسعة أشهر فما دون من فراق الأول لم ينتف عنه إلا باللعان لقاعدة « الولد للفراش » التي لا يعارضها هنا فراش الثاني بعد العلم بانتفائه عنه ، كما هو واضح.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من كتاب اللعان الحديث ٣.

٢٢

الركن الثاني

في الملاعن :

ولا خلاف في أنه يعتبر فيه أن يكون بالغا عاقلا بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى معلومية سلب عبارة غيرهما فيما يشمل المقام الذي هو إما شهادة أو يمين ، وكل منهما ليسا من أهله ، بل لا يترتب على قذفهما حد كي يراد إسقاطه باللعان وإن عزر المميز على قذفه تأديبا له ، بل لعل المنساق من آية اللعان (١) ـ التي هي الأصل في إثبات شرعيته ـ غيرهما ، وهو واضح. وفي لعان جنس الكافر روايتان أشهرهما أنه يصح وإن كنا لم نعثر فيما وصل إلينا من النصوص على شي‌ء من ذلك إلا في الملاعنة (٢) التي ستسمع الحال فيها ، ولعله المراد للمصنف بناء على اتحاد الحكم فيهما ، فإنه لا قائل بالفصل بينهما ، على أن مبنى المنع في الكافر هو كون اللعان شهادة بقرينة قوله تعالى (٣) ( فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ ) خصوصا بعد قوله تعالى ( وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ ) المعلوم إرادة الشهادة منه ، وهي لا تقبل من الكافر ، وهذا أمر شامل للملاعن والملاعنة وإن كان هو واضح الفساد ، ضرورة صحته من الفاسق وإن لم تقبل شهادته إجماعا على أن قوله تعالى (٤) ( شَهاداتٍ بِاللهِ ) كالصريح في إرادة اليمين منه ، بل‌ في الخبر (٥) « مكان كل شاهد يمين » وقوله تعالى (٦) ( وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ )

__________________

(١) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٦ الى ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللعان.

(٣) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٦.

(٤) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من كتاب اللعان الحديث ٦.

(٦) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٦.

٢٣

وإن كان المراد منه الشهادة قطعا ، إلا أنه لا يقتضي كون المراد منها ذلك في قوله تعالى (١) ( فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ ) بل معناه أنه إذا لم يكن بينة فيمين ، كما هو واضح.

على أن المحكي عنه اعتبار الإسلام هنا الإسكافي مطلقا والحلي إذا كان اللعان للقذف ، ولا ريب في عدم تمامية الدليل المزبور في الثاني منهما ، بل لعله مناف له في الجملة ، كل ذلك مضافا إلى قاعدة اتحاده مع المسلم في الفروع وإلى ما سمعته من النصوص (٢) الدالة على ملاعنة اليهودية والنصرانية المتممة بعدم القول بالفصل ، وهي وإن كان في مقابلها نصوص (٣) دالة على عدم الجواز فيها لكنها قاصرة من وجوه كما ستسمع ذلك إنشاء الله.

وعلى كل حال يتصور لعان الكافر فيما إذا كان الزوجان ذميين وترافعا إلينا ، بل يمكن فرض الزوجة مسلمة والزوج كافرا فيما إذا أسلمت وأتت بولد يلحقه شرعا فأنكره ، والله العالم.

وكذا الكلام ( القول خ ل ) في لعان المملوك فان المشهور جوازه ، بل نفي الخلاف عنه في المسالك ، لإطلاق الأدلة وخصوص الصحاح‌ في أحدها (٤) « عن عبد قذف امرأته قال : يتلاعنان كما يتلاعن الأحرار » وفي حسن جميل بن دراج (٥) سأل الصادق عليه‌السلام « عن الحر بينه وبين المملوكة لعان؟ فقال : نعم وبين المملوك والحرة ، وبين العبد والأمة ، وبين المسلم واليهودية والنصرانية » ونحوهما الثالث (٦).

__________________

(١) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللعان الحديث ٢ و ٦ والمستدرك الباب ـ ٥ ـ منه الحديث ١ و ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللعان الحديث ٤ و ١١ و ١٢ و ١٣ و ١٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللعان الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللعان الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللعان الحديث ١.

٢٤

خلافا للمحكي عن المفيد والديلمي فاشترطا الحرية مطلقا والحلي فاشترطها في اللعان للقذف ، ولم نجد لهم دليلا هنا سوى ما تقدم ، وقد عرفت الحال فيه ، مضافا إلى صريح المعتبرة التي لا معارض لها سوى‌ خبر السكوني (١) عن جعفر عن أبيه عليه‌السلام « أن عليا عليه‌السلام قال : ليس بين خمس من النساء وبين أزواجهن ملاعنة : اليهودية تكون تحت المسلم فيقذفها ، والنصرانية والأمة تكون تحت الحر فيقذفها ، والحرة تكون تحت العبد فيقذفها ، والمجلود في الفرية ، لأن الله تعالى يقول (٢) ( وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً ) ، والخرساء ليس بينها وبين زوجها لعان ، إنما اللعان في اللسان » ونحوه في الخصال عن سليمان بن جعفر البصري (٣) عن جعفر عن أبيه عن جده عن علي عليهم‌السلام.

ولكنهما ضعيفان موافقان للعامة ،كالمرسل عن بعض الكتب (٤) عن علي عليه‌السلام أيضا « الخرساء والأخرس ، ليس بينهما لعان ، لأن اللعان لا يكون إلا باللسان » فلا ريب في عدم الاشتراط ، والله العالم.

ويصح لعان الأخرس إذا كان له إشارة معقولة يفهم منها القذف ومعاني الشهادات الخمس بلا خلاف أجده فيه ، بل عن الشيخ إجماع الفرقة وأخبارهم ، لعموم ما دل (٥) على قيام إشارته مقام اللفظ في جميع ما اعتبر فيه ذلك من عبادة كتكبيرة الإحرام وغيرها وعقد وإيقاع ، فيصح الفرض فيه حينئذ كما يصح‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللعان الحديث ١٢.

(٢) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٤.

(٣) أشار إليه في الوسائل الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللعان الحديث ١٢ وذكره في البحار ج ١٠٤ ص ١٧٦.

(٤) المستدرك الباب ـ ٨ ـ من كتاب اللعان الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب القراءة في الصلاة الحديث ١ من كتاب الصلاة.

٢٥

طلاقه وإقراره على أن الأقوال الخمس هنا إما شهادة أو يمين ، وكل منهما صحيح عندنا من الأخرس بالإشارة ، مؤيدا ذلك كله بقضاء الضرورة به إذا كان مما يجب عليه نفي الولد للعلم بكونه من غيره ، واحتمال انتفائه بنفيه هنا من دون لعان مناف لأصالة اللحوق وغيرها ، فليس حينئذ إلا قيام إشارته مقام نطق غيره.

ولكن مع ذلك كله وغيره ربما توقف شاذ منا في قذفه ولعانه نظرا إلى تعذر العلم بالإشارة وهو ابن إدريس ، قال فيما حكى عنه « لا أقدم على أن الأخرس المذكور يصح لعانه ، لأن أحدا من أصحابنا غير الشيخ في خلافه ومبسوطة لم يورده في كتابه ، ولا وقفت على خبر في ذلك ، ولا إجماع عليه ، والقائل بهذا غير معلوم ، والتمسك بالاية (١) بعيد لأنه لا خلاف أنه غير قاذف ولا رام على الحقيقة ، والنطق منه حال اللعان متعذر ، والأصل براءة الذمة ، واللعان حكم شرعي يحتاج إثباته إلى دليل شرعي وأيضا لو رجع بالشهادات عن اللعان عند من جوزه له وجب عليه الحد ، والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « ادرؤوا الحدود بالشبهات » (٢) ومن المعلوم أن في إيمائه وإشارته بالقذف شبهة هل المراد به القذف أو غيره؟ وهو غير معلوم يقينا بلا خلاف ـ ثم قال ـ : فان قلنا : يصح منه اللعان كان قويا معتمدا ، لأنه يصح منه الإقرار والايمان وأداء الشهادات وغير ذلك من الأحكام ».

وهو كما ترى متوقف مضطرب ، لكن دعواه عدم دلالة إشارته على القذف وعدم إمكان أداء معاني ألفاظ اللعان فيها خلاف الفرض ، كما أن دعوى عدم تحقق إشارة للأخرس كذلك منافية للوجدان خصوصا إذا كان منها الكتابة التي يمكن فرض أنه يحسنها ، ومن الغريب دعوى عدم الخلاف في عدم كون إشارته قذفا ، إذ هو مناف للعرف بل واللغة ، على أنه يمكن عروض الخرس له بعد القذف.

__________________

(١) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب مقدمات الحدود الحديث ٤ من كتاب الحدود.

٢٦

ومن ذلك وغيره قال المصنف هو ضعيف إذ ليس حال اللعان بزائد عن حال الإقرار بالقتل وغيره.

نعم لا يصح اللعان منه مع عدم النطق وعدم الإشارة المعقولة بلا خلاف ولا إشكال ، بل لا يتصور فيها الموضوع فضلا عن الصحة ، ودعوى الفرق بين الإقرار والعقود والإيقاعات وبين المقام ـ من حيث إنه يتعين فيه تأديته بلفظ الشهادة واللعن والغضب ، والإشارة لا ترشد إلى ذلك وإن أدت معناها ، بخلاف غيره من الإقرار والعقد وغيره مما لا يعتبر فيه ذلك وإن اعتبر فيها الصيغ الخاصة إلا أن المراد معناها ، فتقوم الإشارة حينئذ في التأدية مقام اللفظ ـ يدفعها بعد الإغضاء عما فيها ما أشرنا إليه سابقا من التصريح في الأدلة بقيام إشارته مقام التكبير والتلبية ونحوهما مما يراد منها اللفظ لكن من القادر عليه ، ولو لإطلاق ما دل (١) على قيام إشارته مقام اللفظ من غيره في سائر المقامات ، ومن فحوى ذلك يستفاد صحته بغير العربية ممن لا يقدر عليها كالفارسي والتركي وغيرهما ، نعم ما تقدم في النصوص (٢) السابقة من التعليل وغيره يقتضي عدم صحته من الأخرس كالخرساء ، إلا أنها نصوص ضعيفة لا جابر لها ، بل الإعراض عنها متحقق ، فلا تصلح معارضة لإطلاق أدلة قيام إشارته مقام اللفظ من غيره ، كما أوضحنا ذلك في كتب العبادات والمعاملات ، فلاحظ وتأمل.

ولو كان يحسن الكتابة وقلنا إنها من جملة إشارته فليكتب حينئذ كلمة الشهادة وكلمة اللعن والغضب ويشير إليها أربع مرات ، ولا يكلف أن يكتب أربع مرات.

ولو قذف ولاعن بالإشارة ثم عاد نطقه وقال : لم أرد اللعان بإشارتي قبل قوله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب القراءة في الصلاة الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللعان الحديث ١٢ والمستدرك الباب ـ ٨ ـ منه الحديث ١ و ٢.

٢٧

فيما عليه من لحوق النسب به وثبوت الحد دون ماله من الحرمة المؤيدة ، ولكن له أن يلاعن في الحال لإسقاط الحد ولنفى النسب إذا لم يمض من الزمان ما يسقط فيه حكم النفي ، ولو قال لم أرد القذف أصلا لم يقبل قوله ، لأن إشارته أثبت حقا لغيره ، ولأن المفروض دلالتها عليه على وجه يحصل العلم منه ، فلا يقبل إنكاره حينئذ ، والله العالم.

ولو نفى ولد المجنونة لم ينتف إلا باللعان منهما لأن الأصل اللحوق ، ولا يخرج عنه إلا بما ثبت شرعا ، وهو الانتفاء باللعان منهما ولا دليل على قيام الولي مقامها هنا ، بل ظاهر الأدلة خلافه ، نعم لو أفاقت فلاعنت صح بلا خلاف ولا إشكال وإلا كان النسب ثابتا والزوجية بلا خلاف ولا إشكال كذلك أيضا للأصل وغيره.

ولو نفى ولد الشبهة انتفى عنه من غير لعان إذا لم يعترف بوطئها بحيث يلحق به الولد ولم يعلم منه ذلك ، كما ستعرف تحقيق ذلك في الأمة والمتمتع بها عند تعرض المصنف لهما.

ومنه يعلم النظر فيما في المسالك هنا حيث قال : « الموطوءة بالشبهة لا تصير فراشا بحيث يلحق به الولد بمجرده ، بل يتوقف لحوقه على اعترافه به أو بأنه لم يطأها في ذلك الوقت الذي يمكن إلحاق الولد به فيه غيره ، لأن ذلك يستلزم كونه منه أيضا ، وهو في قوة الاعتراف به ، فيلحق به وإلا فلا ».

وفيه أنه يكفي في لحوق الولد به بعد وطئه لها على وجه يصلح لتكون الولد منه عدم العلم بوطء غيره لها إذا لم تكن ذات زوج حاضر معها ، لا العلم بالعدم ، كما ستعرف الوجه في ذلك ، بل ولا ينتفي بانتفائه حينئذ.

وكيف كان فقد عرفت فيما تقدم من غير خلاف فيه بينهم ولا إشكال أنه إذا عرف الزوج خاصة انتفاء الحمل لاختلال شروط الالتحاق أو بعضها كما لو ولدته لستة أشهر فصاعدا من حين التزويج وخلوته بها ولكن لم‌

٢٨

يدخل بها فيما بينه وبين الله تعالى شأنه في وقت يمكن فيه إلحاقه به وجب عليه إنكار الولد واللعان ، لئلا يلحق بنسبه من ليس منه ويترتب عليه حكم الولد في الميراث والنكاح ونظر محارمه وغير ذلك من الأمور التي لا ترتفع إلا بنفيه ، لاقتضاء قاعدة الفراش الالتحاق به ظاهرا ، من غير فرق في ذلك بين علمه بزناها وعدمه ، وإن حرم عليه قذفها في الثاني ، لاحتمال كون الولد من شبهة ، وإنما الواجب عليه نفي الولد عنه واللعان.

لكن في المسالك هنا « ربما قيل بعدم وجوب نفيه ، وإنما يحرم التصريح باستلحاقه كذبا دون السكوت عن النفي ، وذلك لأن في اقتحام اللعان شهرة عظيمة وفضيحة يصعب احتمالها على ذوي المروات فيبعد إيجابه » ولا يخفى عليك ضعفه ، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه ، مضافا إلى ظاهر بعض النصوص (١).

نعم لو اجتمعت شروط الإلحاق بأن ولدته في المدة التي بين أقل الحمل وأكثره من حين وطئه لا يجوز له إنكار الولد والحق به ظاهرا ، بل ستعرف التحقيق في عدم مشروعية اللعان لنفيه مع اعترافه باجتماع شرائط الإلحاق أو العلم بها ، وحينئذ فلا يجوز له نفيه فضلا عن اللعان للشبهة ولا للظن ولا لمخالفة الولد صفات الواطئ وموافقتها لصفات المتهم ، بل ولو حقق زناها وجاء الولد مخالفا له في الخلق والخلق بل مشابها للزاني ، لتظافر الأدلة (٢) بلحوق الولد للوطء المحترم الصالح للتكون منه ، واللعان إنما يرفع اللحوق الناشئ من قاعدة الفراش الظاهرية ، كما ستعرف تحقيق ذلك كله في الأمة والمتمتع بها على وجه لم نسبق إليه ، والله العالم بحقيقة الحال والموفق للصواب.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١٠ من كتاب النكاح.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من كتاب اللعان الحديث ٣ والباب ـ ١٠٥ ـ من أبواب أحكام الأود من كتاب النكاح والباب ـ ٥٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

٢٩

الركن الثالث

في الملاعنة

ولا خلاف كما لا إشكال في أنه يعتبر فيها حال الملاعنة البلوغ وكمال العقل لسلب عبارة غير البالغ والمجنونة وغيره مما عرفته مكررا.

وكذا لا خلاف ولا إشكال في أنه يعتبر فيها السلامة من الصمم والخرس لكن على الوجه الذي ذكرناه في كتاب النكاح مفصلا عند ذكر المصنف له في السبب الخامس من أسباب التحريم ، ومنه يعلم الحال في وجه ذكر المصنف للأمرين شرطا المقتضي بظاهره لصحة اللعان مع انتفاء أحدهما ، مع اكتفائه وغيره في التحريم في كتاب النكاح بقذف أحدهما ، فلاحظ وتأمل ، فإن منه يعلم أيضا قوة القول بكون ذلك شرطا في اللعان بالسبب الآخر ، وهو نفي الولد ، كما هو مقتضى إطلاق الأصحاب هنا ، مضافا إلى ظهور خبر السكوني (١) والمرسل (٢) عن علي عليه‌السلام المتقدمين سابقا في ذلك أيضا وضعفهما منجبر هنا بما يظهر من الأكثر من كون ذلك شرطا في سببي اللعان حينئذ.

ولا يشكل ذلك باقتضائه الانتفاء بمجرد نفيه من دون لعان مع اقتضاء قاعدة الفراش إلحاقه إن كان المراد من الاشتراط المزبور حصول فائدة اللعان من دون اللعان ، كما لو قذفها ، فإنها تحرم عليه من دون ملاعنة ، أو وجوب نفيه عليه ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللعان الحديث ١٢.

(٢) المستدرك الباب ـ ٨ ـ من كتاب اللعان الحديث ٢.

٣٠

لعلمه بأنه ليس منه مع عدم طريق إلى انتفائه عنه ، إذ الفرض عدم مشروعية اللعان معها ولو بالإشارة ، إذ لا مانع من التزام الأول ، ويكون لعانه معها مجرد ذكره سبب اللعان ، فيحصل ثمرته بينهما وإن لم يحصل اللعان كما في القذف.

لكن الانصاف عدم خلو المسألة بعد عن الإشكال فإن ظاهر اقتصار المصنف في سبب التحريم على القذف في كتاب النكاح يقتضي عدمه في نفي الولد ، بل في‌ صحيح أبي بصير أو موثقه (١) القذف خاصة ، قال : « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل قذف امرأته بالزنا وهي خرساء صماء لا تسمع ما قال ، فقال : إن كان لها بينة تشهد لها عند الإمام جلده الحد ، وفرق بينهما ، ثم لا تحل له أبدا ، وإن لم يكن لها بينة فهي حرام عليه ما أقام معها ، ولا إثم عليها » وكذا‌ حسن الحلبي ومحمد بن مسلم (٢) عنه عليه‌السلام « في رجل قذف امرأته وهي خرساء ، قال : يفرق بينهما » نعم في‌ خبر محمد بن مروان (٣) عنه عليه‌السلام « في المرأة الخرساء كيف يلاعنها زوجها؟ قال : يفرق بينهما ولا تحل له أبدا ».

فما عساه يظهر منه أن ذلك كيفية لعانها في مطلق سببه ، لكن بمجرد ذلك لا يجسر على الحرمة أبدا كما لا يجسر على انتفاء الولد الثابت لحوقه بقاعدة الفراش بمجرد نفيه ، على أن ذكرهم ذلك شرطا في اللعان أعم من انتفائه بمجرد نفيه ، بل أقصاه سقوط اللعان بينهما ، وهو أعم من انتفائه ، بل ومن الحرمة الأبدية ، ومن هنا كان خيرة ثاني الشهيدين هنا مشروعية اللعان بينهما في نفي الولد بالإشارة.

لكن يبعده ـ مضافا إلى إطلاق الأصحاب الاشتراط على وجه يشمل السببين ـ خفاء الفرق بين سقوطه بينهما للقذف وعدمه لنفي الولد ، خصوصا مع ظهور كون العلة في الأول الخرس ، كما أومئ إليه في النصوص (٤) السابقة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من كتاب اللعان الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من كتاب اللعان الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من كتاب اللعان الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللعان الحديث ١٢ والمستدرك الباب ـ ٨ ـ منه.

٣١

وإن لم يتعدى منها إلى الخرس في الرجل للإجماع وغيره ، ولذا كان ظاهر بعض الأفاضل سقوط اللعان بينهما في ذلك ، لظاهر الاشتراط المزبور في الفتاوى المعتضدة بما سمعته من خبر السكوني (١) وغيره مع عدم حرمة الأبد وعدم انتفاء الولد ، للأصل وقاعدة الفراش ، وهو جيد إن لم يكن ظاهر خبر محمد بن مروان (٢) المتقدم أن كيفية اللعان بينهما في سببية التفرقة بينهما أبدا ، بمعنى إجراء حكم اللعان على ذكر سببه وإن لم يحصل ، بل قد يدعى ظهور اشتراطهم له ذلك مع عدم ذكرهم الفرق بين القذف ونفي الولد مع أنه لا ريب في كون حكمه كذلك في الأول ، فالاحتياط لا ينبغي تركه ، خصوصا مع عدم تحرير المسألة في كلامهم ، بل في قواعد الفاضل « وفي اللعان لنفي النسب ـ أي في الخرساء والصماء ـ إشكال » ولعله مما عرفت من أنه لا طريق إلى انتفائه سواه ، ومن إطلاق النص (٣) والفتوى نفي لعانهما ، وفي كشف اللثام « والأول أقوى ».

نعم لا إشكال في ظهور كلمات الأصحاب بسقوط الحد عنه لو أقام بينة على ما قذفها به وعدم جريان حكم اللعان حينئذ ، فلا تحرم عليه أبدا ، لكن في المسالك « حرمت أيضا عليه كما دلت عليه الرواية السابقة ـ أي خبر أبي بصير (٤) ثم قال ـ : وربما قيل بأنها تحرم حينئذ ، لعدم قذفها بما يوجب اللعان ، ويثبت عليها الحد بالبينة ، ولا ينتفى عنها بلعانها ، والرواية تنافي ذلك ، وهي معتبرة الإسناد ، لكن في الاكتفاء بها في إثبات هذا الحكم نظر ، وعبارة الأصحاب في باب التحريم مصرحة باشتراط قذفها بما يوجب اللعان لولا الآفة المذكورة ، فيخرج منها ما لو أقام البينة وما لو لم يدع المشاهدة ، وإطلاق هذه الرواية وغيرها يتناول الجميع ، والأولى الرجوع في كل موضع يحصل فيه الاشتباه إلى الحكم العام ».

قلت : وهو هنا ما ذكره الأصحاب من عدم الحرمة أبدا عليه بذلك ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللعان الحديث ١٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من كتاب اللعان الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللعان الحديث ١٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من كتاب اللعان الحديث ٢.

٣٢

لأنها منافية للأصل وغيره ، على أن إطلاق النصوص بملاحظة فتوى الأصحاب وخبر محمد بن مروان (١) يمكن دعوى كون المراد منه أن التحريم المزبور في مقام اللعان الذي ليس المفروض منه ، واشتمال الخبر المزبور على البينة إنما هو بالنسبة إلى دعوى القذف عليه لا ما قذفها به ، كما هو واضح.

هذا وقد يستفاد من الخبر المزبور عدم الإثم عليها في الاجتماع معه مع عدم البينة لها على قذفه لها وإن حرم هو عليه ، ولعله كذلك في كل مقام يعجز عن إثبات الحكم في الظاهر وإن اختص الإثم بالاخر.

وكذا يعتبر في الملاعنة لنفي الولد أن تكون منكوحة بالعقد الدائم بلا خلاف معتد به ، بل في المسالك هو موضع وفاق ، لأن ولد المتمتع بها ينتفى بغير لعان اتفاقا ، لكن في كشف اللثام عن الجامع التصريح بوقوعه للنفي ، وفيه ـ مع أنه مناف للاتفاق المزبور وللأصل ـ أنه مناف لإطلاق‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن سنان (٢) : « لا يلاعن الحر الأمة ولا الذمية ولا التي يتمتع بها » وفي‌ صحيح ابن أبي يعفور (٣) : « لا يلاعن الرجل المرأة التي يتمتع بها » ونحوه خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (٤).

بل منها يستفاد أيضا عدم وقوعه أيضا للقذف كما هو المشهور شهرة عظيمة ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من كتاب اللعان الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللعان الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من كتاب اللعان الحديث ١.

(٤) لم أقف على خبر لعلى بن جعفر بهذا المضمون بعد التتبع التام في مظانه من الوسائل والمستدرك والوافي والكتب الأربعة والبحار في باب اللعان وج ١٠ منها ص ٢٤٩ ـ الطبع الحديث ـ باب « ما وصل إلينا من أخبار على بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام ... » والظاهر أنه طاب ثراه أخذه من المسالك حيث ان الشهيد ( قده ) بعد ذكر صحيحة ابن سنان قال : « ومثله رواية على بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام ».

٣٣

بل لم يحك الخلاف في ذلك إلا عن السيد والمفيد ، لعموم الآية (١) الذي يجب تخصيصه بالنصوص المزبورة وإن كانت آحادا لما تحرر في الأصول من جواز تخصيصه بخبر الواحد فحينئذ لا ريب في اشتراط الدوام في اللعان بالسببين.

نعم ينبغي أن يعلم أن ولد المتعة وإن انتفى بمجرد النفي من دون لعان لكن في كشف اللثام لا يجوز له النفي إلا مع العلم بالانتفاء وإن عزل أو اتهمها أو ظن الانتفاء بالقرائن الخارجية ، بل قال في شرح قول الفاضل قبل ذلك : « ويلحق به الولد وإن عزل وكذا في كل وطء صحيح أو شبهة ، فان‌ المني سباق‌ والولد للفراش ، وللأخبار (٢) » ولا يخفى عليك ظهور كلامه في أنه يجب إلحاقه به وإن حصل له الظن بعدمه بالأمارات في كل وطء صحيح ولو شبهة ، بل لا يتوقف إلحاقه به على اعترافه بعدم وطء غيره ، فيكفي الأصل له ولغيره في إلحاقه به ، كما أومأنا إلى ذلك سابقا ، ويأتي إنشاء الله.

إلا أنه قد يشكل ذلك بأن ذلك إن كان للفراشية لم يتجه نفيه بالانتفاء وإن لم يشرع اللعان ، بل أقصى نفيه لحوق أحكامه بالنسبة إليه من حيث إقراره ، وأما حقوق الولد فلا تنتفي لقاعدة الفراش الذي لم يشرع اللعان هنا لنفيه ، وإن كان لا للفراشية لم يتجه وجوب إلحاقه به بمجرد احتمال كونه من وطئه وإن لم يعلم وطء غيره ، فتأمل جيدا ، فإنه ربما يأتي لذلك مزيد تحقيق ، والله العالم.

وفي اعتبار الدخول بها في مشروعية اللعان خلاف والمروي في المعتبرة المستفيضة أنه لا لعان ففي‌ خبر أبي بصير (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لا يقع اللعان حتى يدخل الرجل بأهله ». وفي مرسل ابن أبي عمير عن بعض‌

__________________

(١) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب المتعة والباب ـ ١٥ ـ من أبواب أحكام الأولاد من كتاب النكاح.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللعان الحديث ٢.

٣٤

أصحابه (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يقذف امرأته قبل أن يدخل بها ، قال : يضرب الحد ويخلى بينه وبينها » وفي‌ خبر محمد بن مضارب (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « من قذف امرأته قبل أن يدخل بها جلد الحد وهي امرأته » وفي خبر محمد بن مسلم (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « لا تكون الملاعنة ولا الإيلاء إلا بعد الدخول » وفي خبر أبي بصير (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لا يقع اللعان حتى يدخل الرجل بامرأته » وفي خبره الآخر (٥) عنه عليه‌السلام أيضا قال : « سألته عن رجل تزوج امرأة غائبة لم يرها فقذفها ، قال : « يجلد » ٢٨٩١٨ وفي خبر محمد بن مضارب (٦) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما تقول في رجل لاعن امرأته قبل أن يدخل بها؟ قال : لا يكون ملاعنا إلا بعد أن يدخل بها ، يضرب حدا وهي امرأته ، ويكون قاذفا » وهي مع تعاضدها واعتبار سند بعضها قد حكى الإجماع على مضمونها في محكي الخلاف وظاهر التبيان وأحكام القرآن للراوندي.

ولكن مع ذلك كله فيه قول بالجواز كما عن بعضهم ، بل في قواعد الفاضل أنه الأقرب ، ولعله لعموم الآية (٧) الذي يجب تخصيصه بما سمعت من النصوص وغيرها ، ودعوى تنزيلها على اعتباره بالنسبة إلى نفي الولد ـ الذي لا يتوقف نفيه قبل الدخول على اللعان إجماعا كما في المسالك ، لعدم وجود شرائط الإلحاق ، فلا إشكال في انتفائه بهذا السبب ـ يدفعها التصريح في جملة منها بنفي اللعان بينهما بالقذف دون نفي الولد.

وحينئذ فما أشار إليه المصنف وغيره بعد حكاية القولين المزبورين بقوله وقال ثالث كما عن السرائر بثبوته أي اللعان بالقذف بلا دخول دون نفي الولد حاملا عليه كلام الأصحاب قال : « لأن قبل الدخول القول قول الزوج مع يمينه ، ولا يلحق به الولد بلا خلاف بين أصحابنا ، ولا يحتاج في نفيه إلى لعان » واستحسنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللعان الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللعان الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللعان الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللعان الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللعان الحديث ٧.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللعان الحديث ٨.

(٧) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٦.

٣٥

في محكي المختلف في غير محله ، لما عرفت من تصريح جملة من النصوص بنفيه في القذف أيضا.

لكن لا ريب في أن كلام المصنف وغيره ممن عبر كتعبيره ظاهر في أن من الأصحاب من قال بعدم اشتراط الدخول في اللعان بسببين ، لأنه جعل التفصيل قولا ثالثا ، وفي المسالك « أن قائله غير معلوم ، وهو غير موجه لما عرفت من أن الدخول شرط لحوق الولد ، فلا يتوقف انتفاؤه على اللعان على تقدير عدمه ، والحق رجوع الخلاف إلى قولين بالاشتراط فيهما والتفصيل فيهما ( بينهما خ ل ) كما مر ».

قلت : يمكن القول بعدم اشتراط الدخول في مشروعية اللعان ، بل يكفي احتماله ، فحينئذ إذا نفاه مع إمكانه منه وادعته المرأة لم ينتف عنه إلا باللعان ، نعم ما سمعته من النصوص صريح في اشتراط الدخول في مشروعية اللعان ، اللهم إلا أن يحمل على إرادة إخراج حال العلم بعدم الدخول بالنسبة إلى نفي الولد ، فإنه لا حاجة حينئذ إلى اللعان قطعا في الانتفاء عنه وإن كان هو خلاف ظاهر إطلاق اعتبار الدخول ، وحينئذ يتجه اشتراطه في اللعان مطلقا وإن قلنا بلحوق الولد به بمجرد احتمال الدخول. بل وإن قلنا لا طريق إلى نفيه عنه بعد‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « الولد للفراش » كما تسمع ذلك في نظائره ، أو يكتفي في انتفائه بمجرد نفيه عنه ، لأنه لا طريق إلى ما أوجب الشارع عليه من نفيه عنه مع علمه بعدم كونه منه إلا انتفاؤه عنه بمجرد نفيه بعد فرض عدم مشروعية اللعان ، كما تسمع تحقيق ذلك في نظائره إن شاء الله فتأمل جيدا ، والله العالم.

ويثبت اللعان بين الزوج الحر والزوجة المملوكة على المشهور بين الأصحاب ، كما يثبت من دون خلاف بين الحرين والمملوكين والزوج المملوك والزوجة الحرة ، لعموم الآية (٢) وخصوص‌ حسن جميل (٣) عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من كتاب اللعان الحديث ٣.

(٢) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللعان الحديث ٢.

٣٦

الصادق عليه‌السلام « سأل هل يكون بين الحر والمملوك لعان؟ فقال : نعم ، وبين المملوك والحرة ، وبين العبد والأمة ، وبين المسلم واليهودية والنصرانية » وصحيح ابن مسلم (١) سأل الباقر عليه‌السلام « عن الحر يلاعن المملوكة ، قال : نعم إذا كان مولاها الذي زوجها إياه » وحسن الحلبي أو صحيحه (٢) عن الصادق عليه‌السلام في حديث « سألته عن الحر تحته أمة فيقذفها ، قال : يلاعنها » وخبر حريز (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « بين الحر والأمة والمسلم والذمية لعان » وخبر محمد (٤) عن أحدهما عليهما‌السلام « سألته عن الحر يلاعن المملوكة ، قال : نعم » وخبر هشام بن سالم (٥) « سألته عن المرأة الحرة يقذفها زوجها وهو مملوك والحر تكون تحته المملوكة فيقذفها ، قال : يلاعنها » إلى غير ذلك من النصوص المتعاضدة المعتبرة ولو بالانجبار.

ولكن مع ذلك فيه رواية بالمنع هي‌ صحيحة ابن سنان (٦) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لا يلاعن الحر الأمة ولا الذمية ولا التي يتمتع بها » ورواية علي بن جعفر (٧) عن أخيه موسى « سألته عن رجل مسلم تحته يهودية أو نصرانية أو أمة ينفي ولدها وقذفها هل عليه لعان؟ قال : لا » ورواية السكوني (٨) المتقدمة سابقا عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي « ليس بين خمس من النساء وأزواجهن لعان ـ وعد منهن ـ الأمة تحت الحر فيقذفها » ورواية الحسين ابن علوان (٩) المروية عن قرب الاسناد ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليهم‌السلام « أربعة ليس بينهم لعان ، ليس بين الحر والمملوكة » الحديث.

لكنها قاصرة عن المعارضة سندا وعددا واعتضادا فلا بأس بحملها على الموطوءة بملك اليمين ، أو على التقية ، أو على ما إذا تزوجها بغير إذن مولاها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللعان الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللعان الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللعان الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللعان الحديث ٨.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللعان الحديث ١٠.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللعان الحديث ٤.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللعان الحديث ١١.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللعان الحديث ١٢.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللعان الحديث ١٣.

٣٧

أو غير ذلك ، خصوصا بعد اشتمال جملة من النصوص (١) المزبورة على نفي اللعان أيضا في صورة العكس التي قد نفي الخلاف في المسالك عن ثبوت اللعان فيها ، فما عن المفيد حينئذ من عدم اللعان في الفرض واضح الضعف ، كالاستدلال له بأن اللعان شهادة والمملوكة ليست من أهل الشهادة الذي قد عرفت ما فيه سابقا من أنه يمين لا شهادة حقيقة ، وإلا لاتجه المنع أيضا في صورة العكس التي لا خلاف في ثبوت اللعان فيها.

وأضعف من ذلك ما قال ه‍ ثالث وهو ابن إدريس ، بل حكى عن الاستبصار والمراسم من التفصيل بثبوته بنفي الولد دون القذف محتجا بأن قذف المملوكة لا يوجب الحد ، فلا يتوقف نفيه على اللعان ، بخلاف نفي الولد إذا كانت زوجة ، وبأن اللعان حكم شرعي يقتصر فيه على المتيقن ، إذ هو كالاجتهاد في مقابل النص ، والإطلاق كتابا (٢) وسنة (٣) وعدم الحد على قذفها لا ينافي مشروعية اللعان بإطلاق الأدلة وخصوصا لنفى التعزير الثابت بقذف الأمة.

ومن ذلك يعلم أيضا عدم اشتراط إسلامها ، لإطلاق الأدلة وخصوص ما سمعته من النصوص التي لا يكافؤها غيرها ، خلافا للمحكي عن جماعة منهم ابن الجنيد من عدم ملاعنة الكافرة للمسلم ، لنحو ما سمعته في اشتراط الحرية من بعض النصوص والاعتبار التي قد عرفت الحال فيها ، ولعله لوضوح ضعفه أهمل المصنف ذكر الخلاف هنا ، وإن ذكره في الملاعن ، أو أنه اتكل على ذكره هناك.

ويصح لعان الحامل وفاقا للمشهور ، بل عن الخلاف الإجماع ، للعموم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللعان الحديث ١٢ و ١٣ والمستدرك الباب ـ ٥ ـ منه الحديث ٦.

(٢) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللعان.

٣٨

كتابا (١) وسنة (٢) وخصوص ما عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) من أنه لاعن بين هلال ابن أمية وزوجته الحامل ، وصحيح الحلبي (٤) سأل الصادق عليه‌السلام « عن رجل لاعن امرأته وهي حبلى قد استبان حملها وأنكر ما في بطنها ، فلما ولدت ادعاه وأقر به وزعم أنه منه ، قال : يرد عليه ولده ويرثه ، ولا يجلد الحد لأن اللعان قد مضى » والمرسل (٥) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام إنه قال : « إن تلاعنا وكان قد نفى الولد والحمل إن كانت حاملا أن يكون منه ثم ادعى بعد اللعان الولد ، فان الولد يرثه ، ولا يرث هو الولد بدعواه بعد أن لاعن عليه ونفاه ».

خلافا للمحكي عن المفيد وسلار والتقي ، لخبر أبي بصير (٦) عن الصادق عليه‌السلام « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يلاعن في كل حال إلا أن تكون حاملا » وهو ـ مع عدم مكافئته لما تقدم من وجوه ـ محتمل لإرادة بيان جواز تأخير اللعان لا نفي صحته ، ولعله لأنه وإن جاز لعانها حاملا لكن إن أقرت أو نكلت لا يقام عليها الحد إلا بعد الوضع كغيرها مما يثبت عليها الحد ، بل ربما حمل الخبر المزبور على نفي ما يجب باللعان من الحد على تقدير نكولها وإن بعد ، أو على غير ذلك مما لا بأس به بعد قصوره عن المقاومة.

ولا تصير الأمة فراشا بالملك بلا خلاف أجده فيه وإن خلت به وخلى بها وأمكن تكونه منه ، بل في المسالك الإجماع عليه ، قال : « بخلاف النكاح الذي يلحق به الولد بمجرد الإمكان ، لأن المقصود منه الاستمتاع والولد ، وملك اليمين قد يقصد به ذلك وقد يقصد به التجارة والاستخدام ، ولذا لا يتزوج من لا تحل له ، ويملك بملك اليمين من لا تحل له ـ ثم قال بعد ذلك ـ إذا كان الفراش زوجة دائمة‌

__________________

(١) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللعان.

(٣) سنن البيهقي ج ٧ ص ٣٩٤ و ٣٩٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللعان الحديث ـ ١.

(٥) المستدرك الباب ـ ٦ ـ من كتاب اللعان الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من كتاب اللعان الحديث ٣.

٣٩

تحقق فراشها من حين العقد وإمكان وصوله إليها ، ثم لها بالنسبة إلى الولد حكمان : أحدهما في ظاهر الأمر ، وهو أنه يحكم بإلحاق الولد الذي تلده بعد العقد وإمكان الوصول إليها فيما بين أقل الحمل وأكثره بالزوج وإن لم يعترف به ولم يعلم وطؤه لها ، سواء كان من أهل الاعتراف كالبالغ العاقل أو لا كالمجنون والصبي الذي يمكن تولده منه ، كابن العشر قبل أن يحكم ببلوغه على ما سبق ـ ثم إنه بعد ذكر أن الأمة بعد الوطء تكون كالحرة في لحوق الولد قال ـ : يفارق ولد الزوجة في أمرين : أحدهما أنه لا يحكم بلحوقه به إلا مع ثبوت وطئه لها ، إما بإقراره أو بالبينة بخلاف ولد الزوجة ، فإنه يكفي إمكان الوطء ، والوجه فيه أن المعتبر فيهما ثبوت الفراش ، ولما كان في الزوجة متحققا بالعقد وإمكان وصوله إليها كان المعتبر ثبوت ذلك ، ولما كان فراشية الأمة لا يتحقق إلا بالوطء اعتبر ثبوته ، فمرجع الأمر فيهما إلى شي‌ء واحد ، وهو ثبوت الفراش ، إلا أنه في الزوجة يظهر غالبا بغير الزوج بحضور العقد والعلم بإمكان وصوله إليها ، وفي الأمة لا يظهر غالبا إلا منه ، لأن الوطء من الأمور الخفية ، فاعتبر إقراره به إن لم يتفق الاطلاع عليه بالبينة نادرا » إلى غير ذلك من كلماته في هذا الشرح الذي أطنب فيه ، وتبعه عليه في كشف اللثام.

لكن قد يناقش بأنه مناف لما ذكروه في حكم إلحاق الأولاد من اعتبار تحقق الدخول بالزوجة في لحوق الولد بالزوج ، بل ولما ذكره هو وغيره سابقا في هذا الكتاب ـ فيما لو طلق وأنكر الدخول فادعته وادعت أنها حامل ـ من عدم ثبوت اللعان بينهما ، لعدم ثبوت الدخول ، وهو الوطء ، بل قالوا : لا يكفي إرخاء الستر خلافا للشيخ ، بل صرح هو في وجه ذلك بأن فائدة اللعان من الزوج إما نفي ولد يحكم بلحوقه شرعا ، وهو موقوف على ثبوت الوطء ليصير فراشا لم يحصل ، وهو صريح في توقف صدق الفراش في الزوجة على ثبوت الوطء كالأمة.

اللهم إلا أن يقال : إن ذلك كذلك مع إنكار الزوج الدخول لا مطلقا ، لكنه‌

٤٠