جواهر الكلام - ج ٣٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

بالحكم بالنسبة إلى الحكم بعتقه أجمع على تقدير وفاتهما ، وحينئذ فالمتجه بناء صحته وبطلانه على جواز تعليقه على وفاة الغير تدبيرا أو غيره وعدمه ، وقد عرفت أن التحقيق عدم جوازه مطلقا إلا في خصوص مضمون الخبرين (١) المزبورين ، ومنه يعلم الحال في صورة العلم بكون قصدهما ذلك.

أما مع قصد تدبير كل منهما نصيبه خاصة فلا إشكال ولا خلاف في الصحة إذ لم يكن حينئذ معلقا على شرط ولا على دبر حياة غير المولى ، بل هو بمنزلة التدبير ، كل منهما نصيبه بصيغة تخصه وحينئذ ف ينعتق بموتهما دفعة إن خرج نصيب كل واحد منهما من ثلثه لما تسمعه من أن ذلك حكم التدبير أو أجاز الوارث ولو خرج نصيب أحدهما خاصة من ثلثه تحرر وبقي نصيب الآخر كله أو بعضه رقا على حسب ما يخرج من ثلثه إن لم يجز الوارث.

ولو مات أحدهما تحرر نصيبه من ثلثه وبقي نصيب الآخر رقا حتى يموت والكسب المتخلل بين الموتين مشترك بين المدبر والمالك الحي بنسبة الملك ، كما أنه بين الورثة والمالك الحي لو أجزناه تدبيرا معلقا على وفاته ووفاة شريكه لو فرض موت أحدهما قبل الآخر ، وكذا لو أجزناه عتقا معلقا على ذلك لا تدبيرا ، ضرورة عدم حصول الحرية قبل موتهما معا ، فيبقى على الرقية وكسبه للوارث.

نعم في المسالك ليس له التصرف فيه بما يزيل الملك لا غيره كالاستخدام والإجارة ، لأنه صار مستحق العتق بموت الشريك ، وفيه نظر ، نعم في جواز نقله عن الملك لو جعلناه تدبيرا نظرهما عرفت ، ومن جواز الرجوع في التدبير ، وهذا من أفراده ، بل عن الإرشاد الجزم بعدم جوازه على هذا التقدير ، ولعله لعدم ثبوت جواز الرجوع للوارث الذي هو غير المدبر ، ودعوى كونه من الحقوق التي تنتقل إلى الوارث‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التدبير الحديث ١ و ٢.

٢٠١

يمكن منعها ، إذ لعله نحو جواز الرجوع بالهبة للواهب ونحوه من الأحكام التي لا تنتقل إلى الوارث.

وكيف كان ف يشترط في الصيغة المذكورة شرطان :

الأول :

النية التي هي شرط في غيرها أيضا من صيغ العقود والإيقاعات من غير خلاف فيه ولا إشكال نصا وفتوى ، بل الإجماع بقسميه عليه. فلا حكم حينئذ لعبارة الساهي ولا الغالط ولا السكران ولا المحرج الذي لا قصد له بسبب إكراهه وإلجائه إلى التدبير على وجه يرتفع قصده لفظا ومعنى أو معنى لا لفظا على حسب ما عرفته من المكره في كتاب الطلاق.

وفي اشتراط نية القربة تردد وخلاف ينشأ من كون التدبير وصية أو عتقا أو من التردد في اعتبارها في العتق والوجه عند الشيخ والمصنف وجماعة ممن تبعهما أنه غير مشترط لإطلاق الأدلة ، ولما ستعرف من كونه وصية لا عتقا ، ولا خلاف في عدم اعتبارها فيها.

لكن قد يناقش بما ستعرف من كون المراد بكونه وصية أنها بمنزلتها في جواز الرجوع والإخراج من الثلث وغير ذلك ، وإلا فلا ريب في أنه عتق لكنه غير منجز ثبتت مشروعيته ، فيشمله حينئذ‌ ما دل (١) على أنه « لا عتق إلا ما أريد به وجه الله تعالى » وغيره من الأدلة التي سمعتها على اعتبار القربة في العتق ، مضافا إلى الإجماع المحكي عن المرتضى على ذلك وعلى عدم جواز تدبير الكافر ، بل وإلى‌ الصحيح (٢) « إن كان على مولى العبد دين فدبره فرارا من الدين فلا تدبير له ، وإن كان في صحة وسلامة منه ـ أي الدين كما عن جماعة ـ فلا سبيل للديان » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من كتاب العتق الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب التدبير الحديث ١.

٢٠٢

أي الدين الذي حصل بعد التدبير ، بناء على أن الوجه في فساد التدبير في الأول فقد شرط نية القربة ، وإن كان فيه ما فيه ، لكن الأول كاف في الدلالة على الاشتراط ، ولا يعارضه الإطلاق المقيد بما سمعت ، بل قد عرفت أنه ليس إلا إطلاق العتق الذي قد سمعت اعتبار نية القربة فيه ، بل قيل : إنه لا إطلاق هنا سوى أخبار واردة (١) في غير حكم المسألة ، ولعله لذا كان خيرة المرتضى والحلي والفاضل في ظاهر المختلف اشتراطها ، وهو الأقوى والله العالم.

الشرط الثاني :

تجريدها عن الشرط والصفة في قول مشهور للأصحاب بل عن ظاهر الخلاف والمبسوط والسرائر الإجماع عليه ، مضافا إلى ما سمعته مكررا مما يدل على اعتبار التنجيز في كل عقد وإيقاع ، ومنه الإجماع المحكي على ذلك إلا ما خرج ، بل قد عرفت أن التدبير قسم من العتق الذي قد عرفت اعتبار التنجيز فيه ، نعم ثبتت مشروعية التعليق فيه على وجه خاص لا يتعدى منه إلى غيره بعد حرمة القياس عندنا.

وحينئذ فلو قال : إن قدم المسافر فأنت حر بعد وفاتي أو إذا أهل شهر رمضان مثلا لم ينعقد ، وكذا لو قال : بعد وفاتي بسنة أو أشهر أو يوم. وكذا لو قال : إن أديت إلى أو إلى ولدي كذا فأنت حر بعد وفاتي لم يكن تدبيرا ولا كتابة فما عن أبي علي من جواز تعليقه على شرط أو صفة مبني على مذهبه في القياس ، قال : « ولو جعل له العتق بعد وقت من موت سيده كان ذلك وصية بعتقه في معنى التدبير » وهو كما ترى أيضا ، نعم لو قال : « أعتقه بعد كذا من موتي » صح إذ ليس حينئذ عتقا ولا تدبيرا معلقا ، والمسألة بحمد الله من الواضحات وإن وسوس‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ وغيره ـ من أبواب التدبير.

٢٠٣

فيها صاحب المسالك لوسوسته في أصل اعتبار التنجيز في العقد والإيقاع ، بل جعل قول المصنف هنا على قول مشهور مشعرا بذلك ، وليس كذلك ، فان المصنف لا إشكال عنده في اعتبار التنجيز في سائر العقود والإيقاعات ، والله العالم.

وعلى كل حال فلا خلاف ولا إشكال نصا (١) وفتوى في أن المدبرة مثلا رق بل الإجماع بقسميه عليه ، وحينئذ ف له وطؤها والتصرف فيها بوطء واستخدام وغيرهما وإن حملت منه لم يبطل التدبير خلافا للشافعي فأبطله بالاستيلاد ، لكونه أقوى ، نعم تكون مستحقة للعتق بسببين مع فرض بقاء ولدها بعد موت سيدها.

وحينئذ ف لو مات مولاها عتقت بوفاته من الثلث قيل : لأنه السبب السابق وإن عجز الثلث عن بعضها عتق ما بقي منها من نصيب الولد ولو فرض عجزه عتق منها نصيبه واستسعت في الباقي كما ستعرفه في حكم أم الولد ، ففي‌ صحيح أبي مريم (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سئل عن رجل يعتق جاريته عن دبر أيطأها إن شاء أو ينكحها أو يبيع خدمتها فقال : أي ذلك شاء فعل » وفي خبر إسماعيل بن مرار عن يونس (٣) « في المدبر والمدبرة يباعان يبيعهما صاحبهما في حياته فإذا مات فقد عتقا ، لأن التدبير عدة وليس بشي‌ء واجب ، فإذا مات كان المدبر من ثلثه الذي يتركه وفرجها حلال لمولاها الذي دبرها وللمشتري الذي اشتراها منه قبل موته » وهو إن كان من كلام يونس كما هو الظاهر دال على معلومية الحكم في ذلك الزمان ، وإلا كان خبرا مؤكدا لما سمعته من خبر أبي مريم ، إلا أن مقتضى ما سمعته سابقا ـ من تعليل إجراء حكم المدبرة أولا بالسبق ـ أنه لو انعكس الأمر جرى عليها حكم أم الولد أولا ، فتعتق من نصيب ولدها ، فان عجز فمن ثلثه ، لكن لا يخفى عليك ما فيه من الاشكال ، وربما تسمع تحقيقه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ و ٣ ـ من أبواب التدبير.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التدبير الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب التدبير الحديث ٢.

٢٠٤

فيما يأتي إنشاء الله.

وكيف كان ف لو حملت المدبرة بمملوك لمولاها سواء كان من عقد أو زنا أو شبهة كان مدبرا كأمه بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، نعم ربما توهم الإشكال في الزنا مع علمها بالتحريم ، لانتفائه عنها شرعا ، وفيه ـ مع أن جانب المالية والحيوانية غالب في الأمة ولذا كان ولدها من الزنا لمولاها دون مولى الزنا ـ أن الموجود في النصوص « فما ولدت فهو بمنزلتها » ولا ريب في صدق أنها ولدته وإن كان من زنا.

ففي‌ صحيح (١) يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن جارية أعتقت عن دبر من سيدها ، قال : فما ولدت فهم بمنزلتها ، وهم من ثلثه ، وإن كانوا أفضل من الثلث استسعوا في النقصان » إلى آخره ورواه‌ الصدوق مرسلا (٢) وزاد « لأن الحمل حدث بعد التدبير ».

وفي‌ خبر أبي البختري المروي عن قرب الاسناد (٣) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم‌السلام قال : « ما ولدت الضعيفة المعتقة عن دبر بعد التدبير فهو بمنزلتها يرقون برقها ويعتقون بعتقها ، وما ولد قبل ذلك فهو مماليك ، لا يرقون برقها ولا يعتقون بعتقها » إلى غير ذلك من النصوص (٤) الشاملة لولد الزنا وغيره التي لا يعارضها‌ خبر علي بن جعفر (٥) المروي عن قرب الاسناد وكتاب المسائل له قال : « سألته عن رجل قال إذا مت فجاريتي فلانة حرة ، فعاش حتى ولدت الجارية أولادا ثم مات ما حالها؟ قال : عتقت الجارية ، وأولادها مماليك » بعد شذوذه والاعراض عنه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التدبير الحديث ٤.

(٢) أشار إليه في الوسائل في الباب ـ ٥ ـ من أبواب التدبير الحديث ٢ وذكره في الفقيه ج ٣ ص ٧١ الرقم ٢٤٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التدبير الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التدبير.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التدبير الحديث ٦.

٢٠٥

وعلى كل حال ففي التعليل المزبور في خبر يزيد إشعار بأن سراية التدبير للحمل من حيث كونه نماء المدبرة الذي لا فرق فيه بين كونه من الزنا وغيره كالملك ، لا من حيث كونه ولدا لها حتى يتبع الولد الشرعي ، كما هو واضح.

ومن هنا لو رجع المولى في تدبيرها لم يكن له الرجوع في تدبير ولدها كما عن النهاية والخلاف والمبسوط والقاضي وابن حمزة والجامع والنافع ، بل في الكفاية نسبته إلى الأكثر ، بل عن الخلاف وكنز العرفان عليه إجماع الفرقة ، وذلك لأن الرجوع فسخ لما حصل بصيغة التدبير لا لما كان تدبره بالنماء الذي لا يقبل الفسخ ، ولذا كان الفسخ بالخيار لا يقتضي الفسخ في النماء المتخلل ، بل يبقى للمشتري وإن ردت العين للبائع ، وإلى ذلك يرجع ما في الدروس والتنقيح وغيرهما من الفرق بين تدبير الأم الذي هو بفعل المالك فجاز له الرجوع وبين تدبير الولد الذي هو بالسراية فلا اختيار له فيه ، قال في الدروس : « ولو حملت بعد التدبير بمملوك فهو مدبر قسرا ، فلا يصح الرجوع في تدبيره وإن رجع في تدبيرها ، ونقل الشيخ فيه الإجماع ، وجوزه الحليون ، لأن الفرع لا يزيد على أصله » والله العالم.

ولكن مع ذلك قيل والقائل ابن إدريس وجماعة بل نسب إلى أكثر المتأخرين له الرجوع فيه أيضا ، لإطلاق ما دل (١) على جواز الرجوع في التدبير ، ولأنه فرع تدبرها ، فلا يزيد على أصله ، ولا طلاق التشبيه بتدبرها ، بل قد سمعت ما في خبر أبي البختري (٢) من التصريح بأنهم يرقون برقها ويعتقون بعتقها.

وفيه ـ بعد تسليم شمول الإطلاق حتى إطلاق المنزلة وحتى خبر أبي البختري ـ أنه يجب الخروج عنه بما عرفت ، كقاعدة عدم زيادة الفرع عن الأصل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التدبير.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التدبير الحديث ٥.

٢٠٦

لو سلم كونها قاعدة شرعية.

على أن الأول مروي في‌ صحيح أبان بن تغلب (١) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل دبر مملوكته ثم زوجها من رجل آخر فولدت منه أولادا ثم مات زوجها وترك أولاده منها ، فقال : أولاده منها كهيئتها ، إذا مات الذي دبر أمهم فهم أحرار ، قلت له : يجوز للذي دبر أمهم أن يرد في تدبيره إذا احتاج ، قال : نعم ، قلت : أرأيت إن ماتت أمهم بعد ما مات الزوج وبقي أولادها من الزوج الحر أيجوز لسيدها أن يبيع أولادها ويرجع عليهم في التدبير؟ قال : إنما كان له أن يرجع في تدبير أمهم إذا احتاج ، ورضيت هي بذلك ».

والمناقشة فيه ـ بتضمنه ما لا يقول به المشهور من رقية ولد الحر ، وتوقف الرجوع في تدبير الام على رضاها والاحتياج ، فلا مكافئة له للعمومات حتى يخصصها ، والذب عنه بالتقييد بصورة اشتراط رقية الولد ، وبالحمل على الاستحباب لا يدفع هذا الوهن الموجب لعدم التكافؤ ، مع عدم تمامية الذب عن الأول بما مر في كتاب النكاح من عدم إفادة الاشتراط الرقية ، ولا يجبر هذا الوهن الشهرة المحكية ، لكونها بالشهرة المتأخرة معارضة ، ولا حكاية الإجماع المتقدمة ، لأنها بشهرة الخلاف المتأخرين موهونة ، مضافا إلى نسبة الحلي جواز الرجوع إلى مقتضى مذهب الإمامية ، وفي دعوى (٢) الفرق بين تدبير الام وتدبير الولد المذكورة بأن غايته على تقدير تسلمه نفي الأولوية ، وهو لا يستلزم نفى الحجية على جواز الرجعة بالكلية ، فإن العمومات لما عرفت بعد بحالها باقية ـ مدفوعة بأن الصحيح قد تعرض لحكم المدبرة وولدها ، وصرح فيه باختصاص جواز الرجوع في تدبير الام دون الولد ، فلا مدخلية لمفروض السؤال ، على أنك قد عرفت في كتاب النكاح صحة القول بحصول الرقية بالشرط بما لا مزيد عليه ، بل يمكن الاستدلال عليه بهذا الصحيح‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب التدبير الحديث ١.

(٢) عطف على الضمير في قوله : « والمناقشة فيه ».

٢٠٧

أيضا ، وتضمنه للاحتياج والرضا كما في كثير من النصوص (١) غير قادح بعد حمله على الندب ، والشهرة المتأخرة غير محققة ، لأن المصنف والشهيد في الدروس وغيرهما ممن تأخر عنهما قالوا بعدم جواز الرجوع ، فلا توهن الشهرة المتقدمة ، فصلا عن الإجماعين المزبورين ، وابن إدريس تخيل انحصار الدليل في الصحيح الذي لا يعمل به على أصله ، وأن العمومات شاملة للمقام ، فقال : « إن مقتضى مذهب الإمامية جواز الرجوع » وقد عرفت عدم شمولها ، وعلى تقديره فهي مخصصة بما عرفت على أصولنا.

وأما المناقشة في الفرق المزبور بما سمعت فهي واضحة الضعف بعد الإحاطة بما ذكرناه.

وأما خبر أبي البختري (٢) فهو ـ مع ضعفه وعدم روايته في الكتب الأربعة وكونه مطلقا أيضا لاحتمال إرادة رقهم برقها إلى آخره من حيث سعة الثلث وعدمها ، فيقيد حينئذ بما عرفت ـ ظاهر في التلازم بين الرجوع بالأم والرجوع بالأولاد مع أن الخصم لا يقول به ، بل لا تقتضيه القواعد أيضا ، ضرورة ، حصول وصف التدبير فيهم بتدبير الام فلا يزول بزواله فيها من حينه وإن صرح ابن الجنيد باقتضاء الرجوع بها الرجوع بهم ، واستجوده في المختلف ، ومن ذلك يعلم الحال في التشبيه الذي يمكن دعوى ظهوره في إرادة حصول وصف التدبير ، وحينئذ فلا محيص عن كون الأقوى عدم جواز الرجوع.

وكذا الكلام في المدبر إذا أنى بولد مملوك لمولاه لكونه من أمته مدبرة أو لا أو من غيرها مع اشتراط الرقية ، فهو مدبر كأبيه ضرورة عدم الفرق بين المدبر والمدبرة في جميع ما ذكرناه ، وفي‌ صحيح يزيد بن معاوية (٣)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب التدبير.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التدبير الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب التدبير الحديث ١.

٢٠٨

عن أبي جعفر عليه‌السلام « في رجل دبر مملوكا له تاجرا موسرا فاشترى المدبر جارية فمات قبل سيده ، فقال : أرى أن جميع ما ترك المدبر من مال أو متاع فهو للذي دبره ، وأرى أن أم ولده للذي دبره ، وأرى أن ولده مدبرون كهيئة أبيهم ، فإذا مات الذي دبر أباهم فهم أحرار » بل ربما كان فيه تأييد للمختار في الجملة باعتبار عدم بطلان تدبيرهم ببطلان تدبيره بالموت.

بقي الكلام في شي‌ء ، وهو أنه لا كلام في أن الأولاد يخرجون من الثلث أيضا لكن مقتضى ما تسمعه فيما يأتي أن التدبير كالوصية في الخروج من الثلث ، وأن الخارج الأول فالأول ، وحينئذ يخرج الأم أولا ثم الأولاد مترتبين ، ومن لم يسعه الثلث ولا بعضه يبقى رقا ولا استسعاء ، إلا أنه قد سمعت إطلاق استسعائهم في النقصان في خبر يزيد (١) بل لعله ظاهر في توزيع الثلث بينهم ، فيتحرر منهم شي‌ء ويستسعون في الباقي ، وهو مخالف لما سمعت ، وقد تعرض لذلك المصنف في النافع ، فأفتى بمضمون الخبر المزبور.

وفي الرياض في شرح ذلك « لأنه من لوازم التدبير كما سيأتي » وهو كما ترى ، اللهم إلا أن يفرق بين التدبير القهري والاختياري.

وكذا الفاضل في القواعد ، قال : « ولو حملت بعد التدبير فان خرجت هي والأولاد من الثلث عتقوا ، وإلا قسط عليهما ، فيعتق من كل واحد قدر ما يحتمله الثلث من جميعهم ، وسعى في قسطه من الزيادة ، لأنهم جميعا بمنزلة عبد واحد لم يحتمله الثلث » وهو صريح في أنه لا يقدم عتق الام فضلا عن غيرها من الأولاد وحينئذ فان لم يفضل من الثلث شي‌ء لم يعتق منها ولا من الأولاد شي‌ء ، وإن فضل عتق منهم بالنسبة ، ولعله لأن النص (٢) والفتوى إنما دلا على مساواة الأولاد لها في التدبير ، لكن في كشف اللثام « ربما يوهم خبر يزيد وعبارة النهاية والسرائر تقديم الأم أولا فتأمل جيدا ».

ولو دبرها ثم رجع في تدبيرها فأتت بولد لستة أشهر فصاعدا من حين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التدبير الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التدبير.

٢٠٩

رجوعه ولم يتجاوز أقصى مدة الحمل لم يكن مدبرا لاحتمال تجدده كما هو مقتضى أصل عدم تقدمه ، من غير فرق بين كونها فراشا وعدمه ، لقيام احتمال الشبهة الذي لا ينافي حال المسلم ، على أن الحكم بتدبره مشروط بعلوقها به مدبرة ولم يتحقق ، والأصل بقاؤه على الملك والحكم شرعا بلحوقه به أولا من حيث النسب لا يقتضي تحقق شرط التدبير.

نعم لو كان قد أتت به تاما لدون الستة أشهر من حين الرجوع كان مدبرا بلا إشكال لتحقق الحمل بعد التدبير حينئذ كما لا إشكال في انتفاء تدبيره لو ولدته بعد تجاوز أقصى الحمل من حين التدبير ، كما هو واضح.

ولو دبرها حاملا قيل والقائل الإسكافي والشيخ في النهاية وابنا البراج وحمزة إن علم بالحمل فهو مدبر ، وإلا فهو رق ، وهي رواية الوشاء (١) عن الرضا عليه‌السلام في الحسن أو الصحيح « سألته عن رجل دبر جارية وهي حبلى فقال : إن كان علم بحبل الجارية فما في بطنها بمنزلتها ، وإن كان لم يعلم فما في بطنها رق » بل في المسالك عمل بمضمونها كثير من المتقدمين والمتأخرين ونسبوها إلى الصحة ، والحق أنها من الحسن ، وأن صحتها إضافية ، بل في الدروس نسبته إلى المشهور ، ولعله لذا نسب القول المزبور في المفاتيح إلى الأكثر وإلا فلم نتحققه ، بل لم نتحقق ما في المسالك فضلا عنه وعما في الدروس.

وقيل والقائل الشيخ في المحكي عن مبسوطة وابن إدريس وغيرهما بل المشهور لا يكون مدبرا ، لأنه لم يقصد التدبير ، وهو أشبه بأصول المذهب وقواعده المؤيدة بموثقة عثمان بن عيسى (٢) الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه عن الكاظم عليه‌السلام « سألته عن امرأة دبرت جارية لها فولدت الجارية جارية نفيسة فلم تدر المرأة المولودة مدبرة أو غير مدبرة؟ فقال لي : متى كان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التدبير الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التدبير الحديث ٢.

٢١٠

الحمل للمدبرة؟ أقبل أن دبرت أو بعد ما دبرت؟ فقلت : لست أدري ، ولكن أجبني فيهما جميعا ، فقال إن كانت المرأة دبرت وبها حبل ولم تذكر ما في بطنها فالجارية مدبرة والولد رق ، وإن كان إنما حدث الحمل بعد التدبير فالولد مدبر في تدبير امه » وما عن المبسوط من نسبته في موضع إلى رواية أصحابنا وفي آخر منه إلينا ، وما عن السرائر من نسبته إلى مقتضى مذهبنا وبما سمعته غير مرة من أن التصرف في الأم الحاصل ببيع أو غيره لا يقتضي ترتب أثر ذلك التصرف على الحمل الذي هو موضوع آخر ، ويصح تدبير كل منهما بدون الآخر.

ودعوى كونه جزء منها واضحة المنع ، بعد الإجماع هنا على عدم لحوق حكم الجزئية في صورة عدم العلم بالحمل ، خلافا للعامة ، فحكموا بالدخول مطلقا ، وما في المسالك وغيرها من حكاية قول بالسراية مطلقا مع عدم نسبته إلى القائل منا معلوم يمكن إرادة ما عند العامة به ، وأما القاضي منا فقد حكي عنه في المختلف أولا موافقة النهاية وإن كانت عبارته المحكية فيه تقتضي الإطلاق ، لكن على كل حال خلافه لا يقدح بالإجماع.

وبذلك وغيره يظهر لك عدم مكافئة الحسنة المزبورة للموثق من وجوه ، فلا وجه لتقييده بها ، خصوصا بعد إمكان الجمع بينهما بما عساه ينساق إلى الذهن من التفصيل بين حالي العلم وعدمه من إرادة تدبير الحمل مع امه في صورة العلم به وعدم استثنائه بخلاف حال عدمه ، بل لو لا ذلك لخلا الحكم المزبور عن السبب والحكمة ، وكونه تعبدا محضا بعيد جدا.

٢١١

المقصد الثاني

في المباشر ولا يصح التدبير إلا من بالغ عاقل قاصد مختار جائز التصرف بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك إلا في خصوص البالغ عشر سنين من الأول الذي تسمع الكلام فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى الأدلة الخاصة والعامة ، خصوصا بعد ما عرفت من كونه عتقا فيعتبر فيه ما اعتبر فيه.

وحينئذ فلو دبر الصبي لم يقع تدبيره لسلب عبارته كما في غيره من أفراد العقد والإيقاع نعم روى (١) إن كان مميزا له عشر سنين صح وصيته وعتقه ، وتدبيره لا يخلو من أحدهما ، بل عن الشيخ في الخلاف الإجماع عليه ، لكن قد عرفت الحال فيها بالنسبة إلى العتق ، مضافا إلى عدم انسياق ما يشمل التدبير من العتق فيها ، أما الوصية فقد تقدم في كتاب الوصية جوازها منه بالمعروف ، لكن التدبير ليس وصية قطعا ، وإنما هو بمنزلتها في الخروج من الثلث ونحوه ، لا في الاندراج في مفهومها بحيث يشمله لفظ « من أوصى » ولا عموم منزلة يوثق به على وجه يتناول ذلك. ومن هنا جزم المصنف بصحة وصيته وتردد في عتقه للرواية (٢) وجزم بعدم صحة التدبير.

فما في المسالك ـ « من إشكاله بأنه لا وجه للجزم بالعدم هنا مع أن التدبير راجع إليهما قال : « وكذلك صنع العلامة في الإرشاد في الوصية والتدبير ، ورجوعه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من كتاب الوصايا الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من كتاب الوصايا الحديث ٤.

٢١٢

إلى الرجوع أولى من تكلف الفرق بما لا يجدى » ـ لا يخلو من نظر ، ضرورة كون الوجه ما عرفت. ولذا ستسمع قول المصنف : « إنه بصفة الوصية يجوز فيه الرجوع » وهو كالصريح في عدم اندراجه في مفهومها ، بل وعدم عموم تنزيله منزلتها ، نعم هو من أفراد العتق الذي تردد فيه ، ولعل قوله : « وروى » مشعر بتردد فيه في الجملة أيضا إلا أنه لما كان سلب عبارته معلوما اقتصر في الخروج فيها على المتيقن المنساق ، وهو العتق المنجز.

وبذلك اتضح الوجه في شهرة الأصحاب على جواز وصيته وعدم جواز تدبيره ، وعلى أن التدبير وصية أي كالوصية في بعض أحكامه ، وأنه ليس ذلك منهم رجوعا ، كما هو واضح.

وعلى كل حال ف لا يصح تدبير المجنون ولا المكره ولا السكران ولا الساهي ولا الغالط ولا غيرهم ممن قد عرفت سابقا عدم الصحة فيهم ، لاعتبار القصد المفروض عدمه فيهم ، بل كان الشرط المتقدم سابقا مغنيا عن ذلك.

ولا من المحجور عليه لسفه خلافا لما عن الشيخ من جوازه في الأخير ، لكونه تصرفا بعد الموت الذي يرتفع معه حكم السفه ، بل عن التحرير أنه استشكله ، لكنه كما ترى ، وإلا لصح وصية السفيه بثلثه ، وهو معلوم البطلان ، على أن التدبير عتق منه حال سفهه وإن تأخر أثره إلى ما بعد الوفاة ، كما هو واضح. وأما الفلس فستسمع الكلام فيه فيما يأتي إنشاء الله تعالى.

وهل يصح التدبير من الكافر؟ الأشبه عند المصنف ومن تبعه نعم حربيا كان أو ذميا لإطلاق الأدلة ، وكونه بمنزلة الوصية التي لا يعتبر فيها النية.

بل في المسالك « بنى الخلاف على أن التدبير وصية أو عتق ، فعلى الأول يصح من الكافر مطلقا ، لعدم اشتراط نية القربة ، وعلى الثاني يبنى على اشتراطها‌

٢١٣

في العتق وعدمه ، وعلى أن المراد بها قصد التقرب سواء حصل أم لا ، فعلى الأول لا يصح تدبير الكافر مطلقا ، وهو خيرة ابن إدريس مصرحا بأنه عتق ، وعلى الثاني يصح ، وعلى الثالث يصح ممن أقر بالله تعالى كالكتابي دون غيره ـ إلى أن قال ـ : والأصح صحة التدبير فيه مطلقا ».

ولا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما قدمناه هنا وفي الكفارة وفي العتق ، ومقتضاه عدم جوازه من الكافر مطلقا ، لأنه قسم من العتق الذي قد عرفت اشتراط القربة فيه الممتنع وقوعها من الكافر بل ومن المخالف ، فلا صحة لشي‌ء من عباداتهم قطعا ، كما حررناه غير مرة ، فلاحظ وتأمل. وعلى كل حال فلا مدخلية للحربي والذمي في الحكم المزبور ، خصوصا بعد شمول الحربي للكتابي الذي لا يلتزم أحكام الذمة ، والله العالم.

ولو دبر المسلم فارتد لم يبطل تدبيره بلا خلاف أجده فيه ، للأصل وعدم خروج ماله عن ملكه بارتداده. وحينئذ ف لو مات في حال ردته عتق المدبر من ثلثه ، لإطلاق الأدلة هذا إذا كان ارتداده لا عن فطرة.

ولو كان عن فطرة لم ينعتق المدبر بوفاة المولى لخروج ملكه عنه بالارتداد عنها ، فلم يحصل شرط الصحة الذي هو الاستمرار على الملك إلى الموت حتى يعتق عنه ، لأنه لا عتق إلا في ملك. ولكن فيه تردد من ذلك ومما في المسالك وغيرها من سبق حق المدبر على حق الوارث ، فلا ينتقل إليه خصوصا عند من منع من بيع المدبر ، فإذا مات السيد انعتق ثلثه لا غير ، إذ لا مال له سواه ، ثم قال : « وهل يعجل للوارث الثلثان؟ يحتمله ، لعدم فائدة في حبسه عنهم إن لم نقل بقبول توبته ، وإلا فالفائدة محتملة بتجدد مال آخر له على تقدير التوبة » وفي المبسوط أطلق القول ببقاء التدبير مع الارتداد ، والأشهر التفصيل وإن كان ما ذكره الشيخ متجها لأمر نذكره في أحكام المرتد إنشاء الله ،

٢١٤

وربما قيل بانعتاقه بالارتداد عن فطرة تنزيلا له منزلة الموت ، وهو بعيد.

قلت : لعل جعل ذلك وجها للتردد أولى من الأول المنافي للنص (١) والإجماع على زوال ملكه عنه بالارتداد وإن قلنا بقبول توبته ، والفرض أنه مال قابل للانتقال ، بل بقاؤه أو الثلث منه ملكا له مستلزم لملك الكسب الحاصل منه ، ولغير ذلك مما لا يلتزم ، وسبق حق التدبير بعد فرض انتفاء شرط الصحة قبل الموت غير مجد ، ودعوى منع الشرط المزبور ـ فينتقل إلى الوارث ، لعدم اشتراط العتق عنه بملكيته ، كما سمعته في « أعتق عبدي عنك » ـ منافية لما هو كالمسلم عندهم ، بل ظاهرهم المفروغية عنه وإن تقدم في كتاب البيع احتمال صحة بيعه مدبرا نحو بيعه جانيا ، إلا أن كلامهم صريح في خلافه ، كما هو واضح. ولم ندر الأمر الذي يذكره في حكم المرتد بحيث يقتضي بقاء صحة تدبيره ، والله العالم.

ولو ارتد لا عن فطرة ثم دبر صح بناء على عدم اعتبار القربة فيه ، لإطلاق الأدلة وعدم خروج ماله عن ملكه بالارتداد المزبور ، لكن مع ذلك قال المصنف على تردد ولا وجه له بعد الجزم بصحته من الكافر المبنى على عدم اشتراط القربة ، ومن هنا جزم بالصحة في القواعد على تقدير عدم الاشتراط ، إلا أنه قال : فان تاب نفذ وإلا فلا ، وظاهره أن الصحة مراعاة بذلك ، وفي كشف اللثام تبعا للدروس وللصيمري تعليل عدم النفوذ مع عدم التوبة بالحجر وإن كان لم يتضح لنا الان الوجه في شي‌ء من ذلك ، لكن سهل الخطب عندنا عدم صحته عندنا ، لما عرفت من اشتراط نية القربة فيه ، وهي متعذرة من الكافر من غير فرق بين المرتد وغيره ، ولعل وجه التردد حينئذ ذلك ، على معنى أنه يصح جزما لعدم ثبوت الحجر عليه ، ويحتمل الصحة مراعاة أو على معنى أنه يصح ، ولكن قد تردد فيها لكونه محجورا عليه كالسفيه على وجه لا يصح التصرف منه وإن لحقته التوبة التي تفك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب حد المرتد الحديث ٢ و ٣ و ٧ من أبواب الحدود.

٢١٥

الحجر عنه حين حصولها لا فيما تقدم ، بل حكى في شرح ترددات الكتاب عن المبسوط الحكم بالبطلان للحجر ، والله العالم.

ولو كان ارتداده عن فطرة ثم دبر لم يصح لخروج المال عن ملكه بارتداده ، ولاشتراط نية القربة فيه ولكن أطلق الشيخ في المحكي عن المبسوط الجواز ، وفيه إشكال ينشأ من زوال ملك المرتد عن فطرة نعم لو فرض تجدد ملك له بعد الردة وقلنا بأنه يملك معها وإن زال الأول صح إطلاقه حينئذ بناء على عدم اشتراط نية التقرب لكن ذلك كله شك في شك. والتحقيق عدم الصحة من المرتد مطلقا لما عرفت.

وفي المسالك « إطلاق الشيخ الجواز يدل على منع انتقال المال عنه ، وهو قول ابن الجنيد ، ولم يفرق بين الملي والفطري ، واستفادة الفرق بينهما وإثبات الأحكام المشهورة من النصوص مشكل ، وسيأتي البحث فيه » قلت : لا إشكال فيه كما حررناه في محله.

ولو ارتد المملوك لم يبطل تدبيره بلا خلاف كما عن الخلاف ، للأصل إلا أنه قيده بالارتداد الذي يستتاب فيه ، وتبعه القاضي ، ولعله لبطلان تدبير غيره كما أنه يبطل تدبير الأول لو التحق بدار الحرب عندنا كما عن المبسوط ، لأنه إباق وزيادة ، خلافا للشافعي. ولو مات قبل التحاقه عتق ، والله العالم.

ولو دبر الكافر كافرا فأسلم بيع عليه سواء رجع في تدبيره أو لم يرجع لأنه على كل حال باق على ملكه ، ومستحق لاستخدامه ، فهو سبيل له عليه ، وعلو منه عليه ، وقد تقدم في كتاب التجارة (١) أن مثله يباع على مالكه قهرا ، فما عن ابن البراج ـ من أنه يتخير بين الرجوع في التدبير ، فيباع عليه وبين الحيلولة بينه وبينه وكسبه للمولى ، وبين استسعائه ، وحينئذ فينفق عليه من كسبه فان فضل منه شي‌ء فهو للمولى ـ لم أقف له على دليل.

__________________

(١) راجع ج ٢٤ ص ١٤٩.

٢١٦

وعلى كل حال ف لو مات السيد قبل بيعه عليه وقبل الرجوع في التدبير تحرر من ثلثه للإطلاق ولو عجز الثلث تحرر ما يحتمله ، وكان الباقي للوارث ، فان كان مسلما استقر ملكه وإن كان كافرا بيع عليه بلا إشكال في شي‌ء من ذلك ويصح تدبير الأخرس عندنا بالإشارة المفهمة القائمة مقام اللفظ كباقي تصرفاته. وكذا رجوعه الذي هو منها من غير فرق بين الذاتي منه والعرضي.

ولو دبر صحيحا ثم خرس ورجع بالإشارة المعلومة صح لاتحاد المدرك في الجميع ، هذا وفي المسالك نبه بقوله : « وكذا رجوعه على خلاف بعض العامة ، حيث منع من رجوعه بالإشارة وإن جوز تدبيره بها بناء على أن الرجوع لا يصح عنده بالقول بل بالفعل ، وغاية إشارته أن تقوم مقام القول ، فلا يزيد الفرع على أصله » قلت : هو ليس حينئذ خلافا فيما نحن فيه ، والأمر سهل ، والله العالم.

٢١٧

المقصد الثالث

في الاحكام

وهي مسائل :

الأولى :

التدبير بصفة الوصية في الرجوع وفي الخروج من الثلث وغيرهما من الأحكام التي ستعرفها ، لا أنه وصية حقيقة وفاقا للمحكي عن المقنع والمقنعة والخلاف والنهاية والسرائر والغنية والوسيلة والجامع وغيرها ، لصحة السلب ، ولخروجه عن المعروف في تعريفها الذي مر في محله ، ولعدم الاحتياج في تحريره إلى صيغة أخرى ، إذ لم يثبت مشروعية إنشاء التحرير بها ، كما ثبت إنشاء التمليك بها ، ول‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح هشام (١) « هو مملوكه بمنزلة الوصية » وفي‌ صحيح معاوية بن عمار (٢) « هو بمنزلة الوصية يرجع فيما شاء منها » وفي خبر أبي بصير (٣) « المدبر مملوك ، ولمولاه أن يرجع في تدبيره ـ إلى أن قال ـ وهو من الثلث إنما هو بمنزلة رجل أوصى بوصية ثم بدا له بعد فغيرها من قبل موته ».

ولا ينافي ذلك‌ الموثق (٤) عنه عليه‌السلام « سألته عن المدبر أهو من الثلث؟ قال : نعم ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من كتاب الوصايا الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من كتاب الوصايا الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب التدبير الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التدبير الحديث ٢.

٢١٨

وللموصي أن يرجع في وصيته في صحة أو مرض » ضرورة إمكان ترتب ذلك على كونه بمنزلتها ، كما هو واضح.

بل هو نحو‌ صحيح محمد بن مسلم (١) عن أحدهما عليهما‌السلام « المدبر من الثلث ، وللرجل أن يرجع في ثلثه إن كان أوصى في صحة أو مرض » بل يمكن إرجاع ما في النافع ومحكي المبسوط من أن التدبير وصية إلى إرادة ما عند المشهور من كونه كالوصية ، خصوصا بعد قوله في الأول متصلا : « يرجع فيه المولى إن شاء » المشعر بكونه كالوصية في ذلك ، وخصوصا بعد ما حكي من ظهور الإجماع في المبسوط على ذلك ، إذ قد عرفت أن الإجماع لظن كونه بصفتها لا أنه منها حقيقة ، إذ لم نعثر على من سبقه إلى ذلك ، وجواز الرجوع فيه وخروجه من الثلث لا يقتضي كونه منها حقيقة ، وإنما هما الوجه في تنزيله منزلتها وتشبيهه بها.

إنما الكلام في إطلاق تنزيله منزلتها على وجه يرجع إليه في غير ما نص عليه من أحكامها ، واختصاصه بما ورد منها دون غيره ، فيبقى على ما تقتضيه الأصول والقواعد في العتق المعلق ، وجهان أقواهما الثاني كما اعترف به في المسالك ، لعدم إطلاق يوثق بإرادة حكم الإطلاق منه في النصوص بل والفتاوى.

ومن ذلك يظهر لك النظر فيما في الرياض من أن « ثمرة الخلاف هينة ، لعدم ظهورها إلا في النذر وما شاكله ، فيتحقق الامتثال بالتدبير لو التزم وصية على ما في العبارة والموثقة (٢) وعلى المختار لا بد من وصية اخرى ».

بل هو من غرائب الكلام ، خصوصا بعد قوله في المسالك بعد ذكره القول بأنه عتق مشروط أو وصية « وهما أصل كثير في تفريع مسائل الباب » وخصوصا بعد ما سمعت من ابتناء جملة من الفروع عليه ، بل يكفي في الثمرة أنه يعتبر فيه ما يعتبر في العتق من القربة والصيغة الخاصة ونحوها ، بناء على أنه منه حقيقة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التدبير الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التدبير الحديث ٢.

٢١٩

وإن كان كالوصية في الرجوع والخروج من الثلث ونحوهما من الأحكام ، إذ لا يعتبر فيه شي‌ء من ذلك ، بناء على أنه من الوصية حقيقة ، ضرورة عدم تناول أدلة العتق له.

وأغرب من ذلك قوله فيه أيضا : « وبالجملة الأقوال في المسألة ثلاثة أحدها أنه وصية كما في العبارة ، وثانيها عتق معلق ، وثالثها إيقاع مستقل لكنه بمنزلة الوصية في الأحكام من نفوذه من الثلث وجواز الرجوع فيه ، وعليه كما عرفت أكثر الطائفة » إذ مقتضاه عدم جريان الأحكام المزبورة على القول الثاني ، مع أنه لم يعرف خلاف في جريانها عليه على كل حال ، كما اعترف به في كشف اللثام ، بل لم نعثر على قائل صريحا بما نسبه إلى أكثر الطائفة.

نعم في موضع من المسالك بعد أن ذكر القولين الأولين قال : « ولو قيل بأن التدبير إيقاع برأسه وإن شابه العتق المعلق بوجه والوصية بوجه كان حسنا وفيه جمع بين الأدلة وسلامة من تناقض الأحكام المترتبة عليه غالبا » وهو كالصريح في عدم قائل بذلك ، ولعله لصدق العتق المعلق عليه لغة وشرعا وعرفا.

لكن قال أيضا في موضع آخر منها : « والتحقيق أنه بمنزلة الوصية لا عينها كما ذكره هنا ، لأنه لو كان وصية محضة لافتقر في عتقه إلى صيغة بعد الموت ، ولا يلزم من كونه بمنزلتها مساواتها في جميع الأحكام ، بل المراد أنه بمنزلتها في الأحكام المسؤول عنها في الروايات ، وهو كونه من الثلث ويجوز الرجوع فيه ونحو ذلك ، وليس بعتق معلق أيضا ، كما قال ابن إدريس وغيره ، وإلا لما صح الرجوع فيه ، فكونه مترددا بينهما في بعض الأحكام ومستقلا بنفسه ـ ومن ثم وقع بصيغته الخاصة الخارجة عن الأمرين ـ أظهر ».

وفيه أن اختلاف الأحكام لا مدخلية له في مهية الشي‌ء وحقيقته ، وحينئذ فمراد القائل بكونه بصفة الوصية وليس منها حقيقة وهو الأكثر أنه عتق معلق بصفتها في جواز الرجوع والخروج من الثلث ونحوهما من الأحكام التي لا تقتضي كونه إيقاعا مستقلا كما هو واضح.

٢٢٠