جواهر الكلام - ج ٣٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

أن البائع إنما أخذ ظلما ، وقد ظفر له بمال.

وفيه ( أولا ) أنه يجب عليه دسه في ماله لعلمه بكونه له و ( ثانيا ) أنه لا ظلم من البائع بعد أن بذل هو الثمن له وأباحه له ، فلا وجه لمقاصته فيه.

ولو أكذب نفسه في شهادته على شريكه بالعتق ليسترق ما اشترى منه لم يقبل ، لأنه إنكار بعد إقرار.

وأما الولاء لو أعتقه ففي القواعد احتمال أنه له باعتبار أن على العبد ولاء شريكه لا يدعيه سواه ، فيثبت له كما في كل مال يدعيه من لا منازع له وإن تضمنت شهادته أولا بإعتاق شريكه بطلان الولاء له في نصيب الشريك ، لكنه كما ترى ضرورة أنه ليس هو المعتق لهذا الجزء باعترافه أولا فهو لا يدعى ولاء إلا بعد أن أقر بانتفائه عنه ، فلا يسمع ، ولعله لذا استقرب بعد ذلك انتفاء الولاء عنه ، لكن قال : نعم يثبت له المال لاعتراف البائع له بالاستحقاق ، أي ومع ذلك هو يدعيه ، ولا يضر شهادته السابقة المتضمنة لانتفاء المال عنه ، فإنه لم يكن حين الشهادة مال نفسه ، وحين حصول المال لا ينفيه ولا منازع ، فهو حينئذ كمن أقر بما في يده لاخر فأنكره ثم رجع وادعاه ، وحينئذ لو مات المشتري قبل العبد ثم مات العبد ورث العبد وارث المال : من الزوجة وغيرها ، لا وارث الولاء ، إلا أنه لا يخلو من نظر وإن افترق المال والولاء بالإقرار وعدمه ، لكن هذا المال لا طريق إلى تملكه إلا الإرث بالولاء الذي قد فرض عدم ثبوته له فتأمل.

ولو أكذب البائع نفسه فأقر بعتق نصيبه بعد إكذاب المشتري نفسه قدم قول البائع وإن كان مدعيا لفساد العقد ، لتصادفهما حينئذ على الفساد بعد إلغاء إكذاب المشتري ، لكن لا ولاء له أخذا بإقراره الأول ، وهل له المال؟ يحتمل لأنه يدعيه من صدقه المشتري حيث ادعى عليه العتق ، ولا يسمع إكذابه نفسه ثانيا ، والعدم لأنه بالبيع الذي فعله إقرار بأن المال ليس له ، فلا يسمع إكذاب نفسه ثانيا ، ولعله الأقوى.

١٨١

ولو اشترى كل منهما نصيب صاحبه عتق أجمع باعترافهما ، ولا ولاء لأحدهما عليه لاقرارهما ، فإن أعتق كل منهما ما اشتراه ثم أكذب نفسه في شهادته ففي القواعد ثبت الولاء ، وفيه نظر ، وكذا في قوله : ولو أقر كل منهما بأنه كان قد أعتق وصدق الآخر في شهادته بطل البيعان ، ولكل منهما الولاء على نصيبه فتأمل.

ولو كان أحدهما معسرا والآخر موسرا عتق نصيب المعسر خاصة إن قلنا بتعجيل السراية ، لاتفاقهما عليه بالمباشرة أو بالسراية ، وإلا فنصيبه رق ، لعدم الأداء ، أما نصيب الموسر فلا يعتق مطلقا ، لإنكاره المباشرة وعدم السراية بدعوى المعسر ولا تقبل شهادته عليه ، لأنه يجر إلى نفسه نفعا وحينئذ فيحلف ويبرأ من القيمة والعتق ، ولا ولاء لأحدهما في نصيب المعسر ولو أقام العبد شاهدا حلف معه وعتق نصيب الموسر بناء على الاجتزاء بالشاهد واليمين فيه.

ولو أعتق المعسر من الثلاثة نصيبه تحرر واستقر رق الآخرين إن لم نقل بالسعي ، فإن أعتق الثاني نصيبه وكان موسرا سرى في حصة الثالث وكان ثلثا الولاء للثاني.

وكيف كان فقد ظهر لك من جميع ما قدمناه أنه يعتبر في السراية زيادة على كون المعتق بالغا جائز التصرف كون العتق باختياره ، كما أشار إليه المصنف في مسألة من ورث شقصا ولم يذكر المصنف غير ذلك لكن في القواعد اعتبر شروطا أربعة : « الأول أن يكون موسرا ، الثاني أن يعتق باختياره ، الثالث أن لا يتعلق بمحل السراية حق لازم كالوقف ـ قال ـ والأقرب السراية في الرهن والكتابة والاستيلاد والتدبير ، الرابع تمكن المعتق من نصيبه أولا ، فلو أعتق نصيب شريكه كان باطلا ، ولو أعتق نصف العبد انصرف إلى نصيبه ولزم التقويم ، ولو أعتق الجميع صح ولزمه القيمة ».

وفيه أن الأول ليس شرطا للسراية ، لما سمعت من حصولها مع الإعسار واستسعاء العبد ، ومرجع الرابع إلى عتق الشقص المملوك له ولو بعتق العبد أجمع‌

١٨٢

وأما الثالث فقد قيل في وجهه أنه ملك لله ، فيمنع من البيع فلا يصح التقويم والشراء ، وفيه أنه لا يتم على القول بانتقال الوقف إلى الموقوف عليه ، وحينئذ يتجه السراية لعموم الأخبار (١) خصوصا بعد ثبوت بيع الوقف في موارد ، فلعله منها ، ولأنه انعتاق قهري فيكون كما لو عمي أو جذم ، وخصوصا أيضا بعد ما قيل في وجه الأقرب من أنه لا يمنع شي‌ء منها ، ولأن الملك أقوى منها ، فإذا لم يمنع من السراية فهي أولى ، ولتغليب الحرية ، اللهم إلا أن يناقش في الأخير بأنها على خلاف الأصل ، وبأنها حقوق لازمة مانعة من البيع ، فتمنع من التقويم ولا أقل من الشك ، والأصل عدم السراية ، ومنه ينقدح الشك فيها في الأول حتى على القول بالانتقال ، ولكن الأول لا يخلو من قوة.

وفي الدروس يشترط في السراية أن لا يتعلق بالشقص حق لازم كالوقف والكتابة والاستيلاد ترجيحا لأسبق الحقين ، وقيل بالسراية للعموم ، والسراية إلى الرهن أقوى ، وأقوى منه التدبير ، وأقوى منهما الوصية بعتق الشقص ، والله العالم.

وإذا دفع المعتق قيمة نصيب شريكه وقلنا بتوقف العتق على الأداء وإلا فعلي التعجيل أو الكشف يحصل العتق بالصيغة هل ينعتق عند الدفع أو بعده؟ فيه تردد ، والأشبه عند الشيخ أنه بعد الدفع ليقع العتق عن ملك ولكن لو قيل بالاقتران كان حسنا كما سمعته في عتق المأمور ، لظهور الأدلة في انعتاقه بمجرد الأداء ، فجمع بينه وبين ما دل (٢) على أنه‌ « لا عتق إلا في ملك » بذلك ، ويكون الترتيب بينهما حينئذ ذاتيا لا زمانيا ، نحو ما سمعته في شراء القريب وانعتاقه عليه ، بل قد يقال : لا داعي هنا إلى ذلك بعد ظهور‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من كتاب العتق.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب العتق الحديث ٢ وفيه‌ « لا عتق الا بعد ملك ».

١٨٣

الأدلة بالانعتاق بالأداء الذي هو من المولى كالكسب من العبد ، ولا دليل على اعتبار الدخول في الملك في ثبوت الولاء له ، إذ يمكن القول بالاكتفاء بذلك في ثبوته له.

وعلى كل حال فلا إشكال في عدم احتياج العتق هنا إلى صيغة وإن أوهمه بعض النصوص (١) السابقة التي عبر بمضمونها بعض القدماء. ومن ذلك أشكل الحال على بعض الأفاضل ، لكنه في غير محله ، ضرورة معلومية الحكم المقتضية لتنزيل ما في النصوص المزبورة على إرادة العتق بالأداء ، كما أشرنا إليه سابقا.

ثم إن الظاهر تبعض الحرية بتبعض القيمة كما في السعي ، لكن هل للمولى الامتناع من قبض البعض؟ يحتمل ذلك ، بل قد يحتمل عدم انعتاق البعض لو فرض إعساره عن الجميع وإن كان الأقوى خلافه ، والله العالم.

وإن شهد بعض الورثة على مورثهم بعتق مملوك لهم مضى العتق في نصيبه بلا إشكال ولا خلاف ، فإن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز أو كونه بصورة الشهادة (٢) لا ينافي كونه إقرارا أيضا.

كما أنه لا إشكال ولا خلاف في أنه إن شهد آخر معه وكانا مرضيين للشهادة نفذ العتق فيه كله لعموم حجية البينة وإلا يكونا مرضيين مضى العتق في نصيبهما للإقرار ولا يكلف أحدهما شراء الباقي لعدم كونه معتقا ، لكن يستسعى المملوك ، لصحيح محمد بن مسلم (٣) عن أحدهما عليهما‌السلام « سألته عن رجل ترك مملوكا بين نفر فشهد أحدهم أن الميت أعتقه ، قال : إن كان الشاهد مرضيا لم يضمن ، وجازت شهادته ، واستسعى العبد فيما كان للورثة » ونحوه‌ خبر منصور (٤) عن الصادق عليه‌السلام قال « سألته عن رجل هلك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من كتاب العتق الحديث ٢ و ٣.

(٢) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة. وفي المسودة « وكونه بصورة الشهادة ... » وهو الصحيح.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من كتاب العتق الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من كتاب العتق الحديث ٢.

١٨٤

وترك غلاما فشهد بعض ورثته أنه حر ، قال : إن كان الشاهد مرضيا جازت شهادته ، ويستسعى فيما كان لغيره من الورثة ».

وعن الصدوق وابن الجنيد العمل بهما ، بل عن الشيخ في النهاية استسعاء العبد في الباقي وإن لم يكن مرضيا ، وفي المختلف الوجه مضى الإقرار في حق المقر سواء كان مرضيا أو لا ، ولا يجب السعاية ، ثم احتمل كون وجه التفصيل بين المرضي وغيره بالنسبة إلى السعي أن عدالته تنفي التهمة في تطرق الكذب عليه ، فيمضي الإقرار في حقه خاصة ، وأما في حق الشركاء فيستسعى العبد ، كمن أعتق حصته من عبد ولم يقصد الإضرار مع إعساره ، وأما إذا لم يكن الشاهد مرضيا فإنه لا يلتفت إلى قوله إلا في حقه خاصة ، ولا يستسعى العبد ، بل يبقى حصص الشركاء فيه على العبودية ، ويحكم في حصته بالحرية ، ولكن قال بعد ذلك : « وهذا عندي محمول على الاستحباب عملا بالرواية ».

وفيه أنه لا داعي إلى حملها على ذلك مع عدم المعارض وجامعيتها لشرائط العمل ، نعم لا وجه للتعدية عنها إلى وجوب السعي وإن لم يكن مرضيا بلا دليل ، ويمكن أن يريد الفاضل عدم وجوب السعي على العبد ، لما عرفت من أن ذلك راجع إلى اختياره ، فلا يكون مخالفا ، كما أنه يمكن دعوى أنه يستفاد من النص (١) والفتوى تسلط العبد على الفك ولو بالسعي متى ثبت عتق شقصه ولو قهرا أو بإقرار بنفي الشريك فيه ، فلاحظ وتأمل ، فإنه لا يخلو من نظر أو منع ، خصوصا بالنسبة إلى الأخير ، بل وسابقيه بناء على اختصاص أم الولد بالدليل ، وربما يأتي مزيد تحقيق لذلك ، والله العالم. هذا كله في إزالة الرق بالسراية.

وأما إزالته بالملك فإذا ملك الرجل أو المرأة اختيارا أو اضطرارا أحد الأبوين وإن علوا أو أحد الأولاد ذكرانا وإناثا أو خناثا وإن نزلوا انعتق في الحال بلا خلاف أجده فيه نصا (٢) وفتوى ، بل الإجماع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من كتاب العتق.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ و ٩ ـ من كتاب العتق.

١٨٥

بقسميه عليه.

وكذا لو ملك الرجل إحدى المحرمات عليه نسبا كالعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت. نعم لا ينعتق على المرأة سوى العمودين أي الإباء وإن علوا والأولاد وإن نزلوا بالاتفاق كما في كشف اللثام ، إلا في الزوج ففيه خلاف ، قلت : في المقنعة إلحاق الأخ والعم والخال بالعمودين ، لكنه شاذ ، بل النص والفتوى على خلافه.

ولو ملك الرجل أو المرأة من جهة الرضاع من ينعتق عليه أو عليها بالنسب هل ينعتق عليه وعليها؟ فيه روايتان (١) وقولان أشهرهما رواية وفتوى العتق كما تقدم ذلك كله وغيره مفصلا في بيع الحيوان (٢) ، فلاحظ وتدبر.

وكذا تقدم فيه (٣) وفي كتاب الكفارات (٤) وفي هذا الكتاب أنه يثبت العتق حين يتحقق الملك لا بعده آنا ، كما عن المبسوط ، ولا أنه لا ملك ، كما عن بعض وإن أوهمه بعض النصوص (٥) النافية له المحمول على إرادة المستقر.

بل وتقدم أيضا أن من ينعتق كله بالملك ينعتق بعضه بملك ذلك البعض لإطلاق الأدلة وأنه إذا ملك اختيارا شقصا ممن ينعتق عليه لم يقوم عليه إن كان معسرا ضرورة عدم زيادته على عتق ذلك مباشرة وكذا لو ملكه بغير اختياره وإن كان موسرا ، خلافا لما سمعته من الشيخ في الخلاف. وقد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من كتاب العتق.

(٢) راجع ج ٢٤ ص ١٤١ ـ ١٤٦.

(٣) راجع ج ٢٤ ص ١٤١.

(٤) راجع ج ٣٣ ص ٢٤٣ ـ ٢٤٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب العتق الحديث ٢ و ٣ و ٥.

١٨٦

عرفت ضعفه ، نعم لو ملكه اختيارا وكان موسرا قال الشيخ : يقوم عليه ، وفيه تردد قد عرفت منشأه ، وتحقيق الحال فيه وفي غيره في كتاب الكفارات (١) فلاحظ ، والله العالم.

فرعان :

بل فروع‌

الأول :

لو أوصى له ببعض ولده فمات بعد موت الموصى قبل القبول فقبله أخوه له ملكه على الأصح ، لكن في القواعد وشرحها للاصبهاني « سرى في باقيه على الميت إن خرج قيمة الباقي من الثلث ، لإعساره فيما زاد عليه ، وذلك لتنزل قبوله منزلة قبول الموصى له ، فكأنه قبل في الحياة ، وقبوله كاشف عن ملكه حين مات الموصى » وفيه أن قبول الأخ يملكه لا الميت ، كما تقدم تحقيقه في كتاب الوصايا.

ومنه يعلم ما في قوله أيضا « ولو أوصى له ببعض ابن أخيه فمات وأخوه وارثه فقبله أخوه له لم يقوم الباقي على الأخ ، لأن الملك يحصل للميت أولا ، لقبول الوارث له ثم له بالإرث ، فكأنه حصل له الملك بغير اختياره » إذ قد عرفت أن الذي يملك بالقبول الوارث لا الميت الذي خرج عن قابلية الملك ، والوارث إنما قام مقامه في استحقاق تملك الموصى به بالقبول للأدلة الدالة عليه ، ولذا لا تتعلق به ديون الميت ولا وصاياه ، بل لو قصد القبول للميت بطل ، لعدم ما يدل على مشروعيته على وجه يترتب عليه الحكم المزبور ، وعلى هذا فالمتجه في الفرض التقويم على الوارث.

بل في القواعد احتمال ذلك على الأول أيضا ، لأنه في الحقيقة حصل باختياره وإن بعد بواسطة قال : « وكذا الاحتمال لو رجع إليه بعض قريبه الذي ينعتق عليه‌

__________________

(١) راجع ج ٣٣ خصال الكفارات : الوصف الثالث.

١٨٧

برد عوضه بالعيب » أي كما لو باع بعض أخيه بعين ثم مات البائع ، ولم يخلف إلا ابن أخيه ، ثم ظهر في العين عيب فرده ، فرجع إليه البعض من أبيه ، فيقوم عليه ، لحصول الملك له باختياره بواسطة ، ومقتضى ذكره ذلك احتمالا أن الأقوى شده خلافه ، ولعله لما قيل من أنه إنما اختار رد العوض والرجوع حصل بغير اختياره ، لكنه كما ترى ، ضرورة أن اختيار المسببات باختيار أسبابها.

الثاني :

لو اشترى هو وأجنبي صفقة قريبه الذي ينعتق عليه عتق كله مع يساره ، من قيمة حصة شريكه.

الثالث :

لو اشترى الزوج والولد أمه صفقة وهي حامل ببنت سرى على الولد في الأم ، قومت حصة الزوج منها على الابن ، لأنها تنعتق عليه دونه ، وعتقت البنت عليهما معا ، لأنها بنت الزوج وأخت الابن ، وليس لأحدهما على الآخر شي‌ء من قيمتها ، وكذا لو وهبت الأم لهما فقبلاها دفعة ، ولو قبلها الابن أولا عتقت عليه هي وحملها وغرم قيمة الأم حاملا للواهب دون الزوج الذي لم يحصل له ملك بسبب التلف قبل قبوله وإن احتمل ، لكنه واضح الضعف. ولو قبل الزوج أولا عتق عليه الولد كله وعليه قيمة نصفه للواهب ، ثم إذا قبل الابن عتقت عليه الأم كلها ويغرم نصف قيمتها للزوج ، والله العالم.

١٨٨

الرابع :

إذا أوصى مثلا لصبي أو مجنون بمن ينعتق عليه فللولي أن يقبل إن لم يتوجه به ضرر على المولى عليه بإنفاق ونحوه ، بل ربما احتمل الوجوب ، وهو أحوط ، فإن كان فيه ضرر لم يجز القبول ، لأنه لا غبطة للمولى عليه ، بل فيه فساد ، وذلك كالوصية بالمريض الفقير تفصيا من وجوب نفقته على المولى عليه ، وحينئذ فلو قبل على هذا الحال كان القبول باطلا ، نحو شراء الولي قريب الطفل الذي ينعتق عليه ، لأنه إتلاف محض.

الخامس : (١)

إذا أوصى له ببعض من ينعتق عليه وكان معسرا جاز القبول أو وجب. ولو كان المولى عليه موسرا قيل : لا يقبل ، لأنه يلزمه افتكاكه وإن لم تجب نفقته ، والوجه عند المصنف والأكثر على ما في المسالك القبول ، إذ الأشبه أنه لا يقوم عليه لدخوله في ملكه بغير اختياره ، والأصل البراءة ، وإن كان قد يناقش بأن اختيار المولى كاختياره ، ولكن الأقوى عدم التقويم ، والله العالم.

وأما زوال الرق بالعوارض فهي أمور : منها العمى والجذام والإقعاد بلا خلاف أجده في شي‌ء منها ، بل ظاهر غير واحد الإجماع عليه ، بل عن الشيخ في الخلاف الإجماع صريحا في الأخير والأول ، لقول الصادق عليه‌السلام في‌

__________________

(١) وهو ثاني الفرعين من الشرائع.

١٨٩

الصحيح (١) : « إذا عمى المملوك عتق » وفي‌ خبر السكوني (٢) : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا عمى المملوك فلا رق عليه ، والعبد إذا جذم فلا رق عليه » وفي‌ خبره الآخر (٣) عنه أيضا عن أبيه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : « العبد الأعمى والأجذم والمعتوه لا يجوز في الكفارات ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعتقهم » وفي خبر أبي البختري (٤) أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : « لا يجوز في العتاق الأعمى والمقعد » وعن ابن الجنيد‌ في حديث أهل البيت عليهم‌السلام (٥) « أن الرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إذا عمى المملوك أو جذم فلا رق عليه » وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام (٦) « من أصابته زمانة في جوارحه وبدنه ومن نكل به مولاه فهو حر لا سبيل عليه سائبة » وقال أبو جعفر عليه‌السلام في خبر الجعفي (٧) : « إذا عمى المملوك أعتقه صاحبه ، ولم يكن له أن يمسكه » بل عن ابن حمزة إلحاق البرص بالجذام ، ولم أقف له على دليل.

ومنها إسلام المملوك في دار الحرب سابقا على مولاه وخرج منها إلينا بلا خلاف أجده ، بل عن صريح المختلف وظاهر غيره الإجماع عليه ، مضافا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من كتاب العتق الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من كتاب العتق الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٣ من كتاب الإيلاء والكفارات.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من كتاب العتق الحديث ٤.

(٥) الظاهر أن ابن الجنيد ( قده ) اقتبس ذلك من رواية السكوني المتقدمة والمروية في الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من كتاب العتق الحديث ٢.

(٦) الظاهر أن ابن الجنيد ( قده ) اقتبس ذلك من رواية السكوني المتقدمة والمروية في الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٣ ورواية أبي بصير الاتية والمروية في الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب العتق الحديث ٢.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من كتاب العتق الحديث ٦.

١٩٠

إلى‌ الخبر (١) « أيما عبد خرج إلينا قبل مولاه فهو حر وأي عبد خرج إلينا بعد مولاه فهو عبد » بل عن ظاهر المبسوط وصريح الحلي ـ وإن كنا لم نتحقق الأخير ـ ذلك وإن لم يخرج ، لآية نفي السبيل (٢) خلافا للمشهور للأصل وظاهر الخبر السابق (٣) ، وتمام الكلام فيه في كتاب الجهاد (٤).

ومنها دفع قيمة الوارث الذي لا وارث لقريبه غيره ، وقد أشبعنا الكلام فيه في كتاب الموارث ، فلاحظ وتأمل.

وفي عتق من مثل به مولاه تردد وخلاف ولكن المروي في مرسل جعفر بن محبوب (٥) عن الصادق عليه‌السلام أنه ينعتق‌ ـ قال : « كل عبد مثل به فهو حر » وقال أبو جعفر عليه‌السلام في صحيح أبي بصير (٦) : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام فيمن نكل بمملوكه أنه حر لا سبيل له عليه ، سائبة » إلى آخره ، وعن الصدوق « أنه روى في امرأة قطعت يدي وليدتها أنها حرة لا سبيل لمولاتها عليها » (٧) إلى غير ذلك من النصوص المنجبرة بالشهرة العظيمة التي لا مخالف لها إلا ابن إدريس لأصله الذي قد تحقق ضعفه في محله ، بل عن الشيخ في الخلاف الإجماع عليه ، فمن الغريب تردد المصنف في ذلك ، وأغرب منه الوسوسة من بعض الناس في الحكم في الأسباب الأولة التي لم يخالف فيها ابن إدريس أيضا ، والتحقيق ما عرفت.

والتنكيل : إذا جعله نكالا وعبرة لغيره ، كما في الصحاح ، كما أن فيه أيضا « مثل به يمثل مثلا : أي نكل ، والاسم المثلة بالضم ، ومثل بالقتيل جذعه ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب جهاد العدو الحديث ١ من كتاب الجهاد.

(٢) سورة النساء : ٤ ـ الآية ١٤١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب جهاد العدو الحديث ١ من كتاب الجهاد.

(٤) راجع ج ٢١ ص ١٤٥ و ١٤٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب العتق الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب العتق الحديث ٢.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب العتق الحديث ٣.

١٩١

والمثلة بفتح الميم وضم الثاء العقوبة ، والجمع المثلات وأمثلة ، جعله مثلة » إلى آخره.

وعلى كل حال فليس في كلام الأصحاب ما يدل على شي‌ء مخصوص ، بل اقتصروا على تعليق الحكم على مجرد الاسم تبعا لإطلاق النص ، وقد سمعت مرسل الصدوق ، ومن طرق العامة روى عمر بن شعيب عن أبيه عن جده زنباع أبى روح (١) « أنه وجد غلاما مع جارية له فجدع أنفه وجبه ، فأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : من فعل هذا بك؟ فقال : زنباع ، فدعاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال ما حملك على هذا؟ فقال : كان من أمره كذا وكذا ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اذهب فأنت حر » وظاهرها أن الجب تنكيل وتمثيل وليس ببعيد.

ويتفرع على ذلك انعتاق الخصيان على مواليهم الذين يفعلون بهم ذلك ، فلا يصح شراؤهم لمن يعلم بالحال ، نعم لا بأس به مع اشتباه الحال ، كما لا بأس بالشراء مع الشك في حصول التنكيل بقطع بعض الأذن الواحدة أو نحو ذلك للأصل وغيره.

ثم إن الظاهر عدم الفرق في اقتضاء الأسباب المذكورة الانعتاق بين كونها بفعل الله أو بفعل العبد ، لحصول مسماها الذي هو العنوان ، نعم يختص التنكيل فيها بالمولى.

ولو كان له بعض العبد فنكل به انعتق عليه وضمن قيمة الشقص لشريكه بناء على أن اختياره للسبب اختيار للمسبب ، فهو حينئذ كشراء من ينعتق عليه ، واستشكل فيه في الدروس من ذلك ومن تحريم السبب ، والله العالم.

وقد يكون التدبير والمكاتبة والاستيلاد سببا للعتق وذلك إذا جمع الشرائط الآتية التي منها موت المولى والولد حي وارث ، وكون موت المولى من‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٨ ص ٣٦ وفيه « عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو ابن العاص قال : كان لزنباع ... » مع اختلاف في لفظ الحديث أيضا.

١٩٢

فعل الله تعالى دون الاستيلاد لا يقتضي رفع سببيته ، كما أن عمى العبد وإقعاده من أسباب العتق وإن كان من قبل الله تعالى ، واشتراط المباشرة في السبب تحكم ، وفي الحقيقة هذه الأسباب علامات لحكم الله تعالى بالعتق سواء كان بفعل الله تعالى أو بفعل المكلف ، نعم يمكن أن لا يجعل الاستيلاد سببا باعتبار أن موت المولى مع بقاء الولد يوجب انتقال أم الولد إلى ملكه أو بعضها ، فتنعتق عليه بالملك لا بالاستيلاد ، ولكن الأمر سهل إذ لا فائدة مهمة في ذلك.

وكيف كان فلما كان الاستيلاد سببا في زوال الرق كالتدبير والكتابة فلنذكر الفصول الثلاثة في كتاب واحد ، لأن ثمرتها إزالة الرق وهي مشتركة بينها.

١٩٣

كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد‌

(التدبير هو) تفعيل من الدبر ، والمراد به هنا تعليق الحكم بدبر الحياة ، وإليه يرجع ما قيل من أنه سمي تدبيرا ، لأنه دبر أمر دنياه باستخدامه واسترقاقه وأمر آخرته بإعتاقه ، لأن التدبير في الأمر مأخوذ من الدبر أيضا ، بمعنى النظر في عواقب الأمور وأدبارها.

وعلى كل حال فلا خلاف بين المسلمين في تحققه بإنشاء عتق العبد أي المملوك معلقا له على ما بعد وفاة المولى أي عندها على نحو غيره من التعليق.

وإنما الخلاف في صحة تدبيره بعد وفاة غيره كزوج المملوكة ووفاة من يجعل له خدمته ومن هنا قال المصنف : فيه تردد أظهره الجواز وفاقا للشيخ وأتباعه ، بل المشهور ومستنده النقل.

وهو‌ صحيح يعقوب بن شعيب (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام الرجل يكون له الخادم ويقول هي لفلان تخدمه ما عاش ، فإذا مات فهي حرة ، فتأبق الأمة قبل أن يموت الرجل بخمس سنين أو ست سنين ثم يجدها ورثته ، ألهم أن يستخدموها إذا بقت ، قال : إذا مات الرجل فقد عتقت ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التدبير الحديث ١.

١٩٤

و‌خبر محمد بن جهم (١) المنجبر بالشهرة وبرواية الحسن بن محبوب عنه الذي هو من أصحاب الإجماع قال : « سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام رجل زوج أمته من رجل آخر وقال لها : إذا مات الزوج فهي حرة فمات الزوج ، قال : إذا مات الزوج فهي حرة تعتد عدة المتوفى عنها زوجها ولا ميراث لها منه ، لأنها إنما صارت حرة بعد موت الزوج » وأسند الأول في الكفاية إلى صحيح محمد بن مسلم وإن كنا لم نتحققه.

ومن ذلك يظهر لك النظر فيما أنكره في المسالك وغيرها على المصنف وغيره ، حتى قال : « إنما الموجود من النقل صحيح يعقوب الذي هو مختص بوفاة المخدوم ، فتعدية إلى غيره غير مستند إلى النقل ، فان روعيت الملابسة وهي لا تخرج عن ربقة القياس فلا وجه ، لاختصاصه بهذين ، لأن وجوه الملابسة لا تنحصر ، ويجي‌ء على هذا جواز تعليقه بوفاة مطلق الملابس ، بل مطلق الناس ، لفقد ما يدل على غير المخدوم ، وهو قول في المسألة وربما قيل بجواز تعليقه بموت غير الآدمي لاشتراك الجميع في معنى التدبير لغة ، وهو تعليق العتق على الوفاة ، وأكثر الأصحاب لم يتعرضوا لغير المروي ، وهو الأنسب ، لكن يبقى فيه أن الصحيح وارد في الأمة فتعديته إلى العبد لا يخلو من نظر ، وما اشتهر من أن خصوصية الذكورية والأنوثية ملغاة وأن الطريق متحد لا يقطع الشبهة وإن كان متجها » إذ هو كما ترى وإن تبع في أكثره الشهيد.

ومن الغريب دعوى تحقق التدبير بالتعليق على وفاة غير الآدمي بل لا أعرف القائل به ، وما سمعته عن ابن الجنيد إنما هو في العتق المعلق ، بل يمكن دعوى حصول القطع من النص والفتوى بخلافه ، إذ نحن في عويل من تحققه بموت غير‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التدبير الحديث ٢ والباب ـ ٦٥ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١ من كتاب النكاح. وفي كلا الموضعين عن محمد ابن حكيم كما في التهذيب ج ٨ ص ٢١٣ ـ الرقم ٧٦٠ والفقيه ج ٣ ص ٣٠٢ ـ الرقم ١٤٤٥.

١٩٥

المولى ولو المخدوم والزوج ، حتى أن ابن إدريس أنكره فيهما ، وهو في محله ، فان المستفاد من نصوص الباب وفتاوى الأصحاب كون التدبير التعليق على وفاة المولى ، وليس في الخبرين المزبورين دلالة على صحته تدبيرا ، فيمكن جواز خصوص هذا الفرد من العتق معلقا للخبرين المزبورين بعد كونهما من حجة ولو من جهة الانجبار ، ولا يتعدى إلى غير مضمونهما ، أو تأويلهما بما يرجع إلى شرط الخدمة في العتق أو النذر وأخويه أو غير ذلك ، أو حملهما على التقية ، أو تأويل الصحيح بما يرجع إلى التدبير ، بدعوى إرجاع الضمير إلى المولى ، كما أطنب به المقداد في التنقيح ، وإن كان هو كما ترى.

وبذلك يظهر لك النظر في كلمات كثير من الناس ، إذ المحصل منها تحقق التدبير بالتعليق على الوفاة ولو غير الآدمي أو خصوص المولى والمخدوم أو هما مع الزوج أو مطلق الملابس أو مطلق الآدمي ، وفي المسالك بناء الخلاف على كونه وصية أو عتقا ، فلا يصح تعليقه على غير المولى على الأول بخلاف الثاني ، مع أنه يمكن استثناء هذا الفرد من الوصية للخبرين ، مع فرض دلالتهما على صحته تدبيرا ، والتحقيق ما عرفت.

وربما يومئ إليه جعل المصنف مضمون الصحيح مسألة مستقلة في آخر كتاب التدبير فقال : « ولو جعل خدمة عبده لغيره ثم قال : هو حر بعد وفاة المخدوم صح على الأصح » ونحوه الشهيد في الدروس قال : « كتاب المدبر وهو المعلق عتقه بموت المولى ، لأن المولى دبر الحياة فالموصى بعتقه ليس مدبرا والتعليق بموت غير المولى إن جعل له الخدمة نافذ في صحيح يعقوب بن شعيب (١) عن الصادق عليه‌السلام وحمل عليه الزوج وطرد بعضهم في الموت مطلقا وقصره ابن إدريس على موت المولى ، ويظهر من ابن الجنيد جواز تعليقه على موت الغير مطلقا ، وسماه تدبيرا ، والقاضي لو علق العتق بوقت تحرر عنده ، وله الرجوع فيه ، وكذا لو علقه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التدبير الحديث ١.

١٩٦

بقدوم زيد أو برؤيته » وهو كالصريح في أن ذلك مسألة مستقلة لا أنها من التدبير على وجه يجري عليه أحكامه التي ستعرفها. وكذا الشيخ في النهاية ، بل والمفيد في المقنعة وغيره.

بل يومئ إليه تصريح الصحيح (١) بعدم بطلان تحريره بالإباق ولو كان تدبيرا لبطل ، ودعوى اختصاص الحكم المزبور في خصوص المعلق على وفاة المولى ليس بأولى من القول بأن ذلك لعدم كونه تدبيرا ، بل الثاني أولى ، لظهور أدلة بطلانه بالإباق في الأعم.

بل قد يدعى اتفاق أهل الشرع واللغة والعرف على ذلك ، ولذا حكي في التنقيح عن ابن إدريس دعوى إجماع المسلمين عليه مقرا على ذلك ، بل ظاهر الخصم ذلك ، ضرورة استناده في المعلق على وفاة المخدوم والزوج إلى النقل الذي قد يدعى أنه لا دلالة فيه ، لا إلى صدق التدبير ، بل التأمل في عبارة الفاضل في المختلف يقتضي الاعتراف بعدم كونه تدبيرا عرفا.

وأول من اشتبه عليه الأمر ـ فظن أن ذلك من التدبير على وجه تجري عليه أحكامه لذكرهم إياه في كتاب التدبير للشبه به ـ ابن حمزة في الوسيلة وتبعه المصنف في الكتاب واقتفاه تلميذه الفاضل في جملة من كتبه ، وتبعهما الشهيد في غاية المراد ، وجرى على منوالها ثاني الشهيدين ، وتبعه الصيمري والفاضل الأصبهاني في شرحه على القواعد ، والسيد في الرياض وغيرهم ، وأخذ بعضهم كلام بعض على وجه يظهر للمتأمل فيه أن كلا منهم قد استمد من الآخر ، ولكن التحقيق ما عرفت ، والله الموفق والهادي.

وحينئذ فيجري عليه حكم العتق المعلق لا التدبير ، فيحسب من تصرفات المالك في حال صحته لو فرض موت المعلق عليه في حياة المولى إذا فرض وقوع ذلك في حال صحته ولا يبطل بالإباق ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب التدبير الحديث ١.

١٩٧

وكيف كان فتمام العلم به أي التدبير يستدعي ثلاثة مقاصد :

الأول :

في العبارة وما يحصل به التدبير ولا خلاف ولا إشكال في أن اللفظ الصريح أنت حر بعد وفاتي من غير حاجة إلى قول : « أنت رق في حياتي » كما عساه يظهر من الشيخين أو يتوهم أو إذا مت فأنت حر أو عتيق أو معتق وإن تردد فيه المصنف في صيغة العتق ، إلا أنك قد عرفت هناك تحقيق الحال وأن لفظ العتق أكثر استعمالا من لفظ التحرير ، فالصيغة به من الصريح قطعا ، والتدبير أولى منه بذلك.

بل لا يبعد صحته بغير الجملة الاسمية مثل حررتك وأعتقتك بعد وفاتي وإن سمعت الخلاف فيه في العتق ، ولكن ظاهر المتن حصر اللفظ الصريح بما ذكره ، ومقتضاه عدم جواز غيره ، لأنه صريح ، بل ظاهر المسالك وكشف اللثام الإجماع على عدم وقوعه بالكناية ، إلا أنه لا يخفى عليك ما في دعوى عدم صراحة غير ما ذكر ، ضرورة عدم الإشكال في صراحة « حررتك » و « أعتقتك ».

كما أنه لا يخفى عليك ما في دعوى عدم الاجتزاء بها وإن كانت صريحة ، ضرورة اقتضاء إطلاق الأدلة خلافها ، بل لم نعرف أحدا صرح بعدم الاجتزاء بها وإن كانت صريحة ، نعم قد سمعت ذلك في العتق ، ودعوى اتحاده مع التدبير بالنسبة إلى ذلك ممنوعة وإن قلنا إنه قسم من العتق ، لكنه يمكن التوسعة فيه ، كما يومئ إليه‌

١٩٨

ما ستعرفه من صحته بأنت مدبر ( وبالجملة ) لا إجماع قطعا على عدم الاجتزاء بها وإن كانت صريحة ، فإطلاق الأدلة حينئذ بحالها ، نعم إن كان هناك إجماع فهو بالنسبة إلى الكناية لا إلى الصريح ، كما هو واضح.

وعلى كل حال فلا إشكال ولا خلاف في أنه لا عبرة باختلاف أدوات الشرط لإطلاق الأدلة ولحصول الاختلاف في المأثور منها وكذا لا عبرة باختلاف الألفاظ التي يعبر بها عن المدبر كقوله : هذا أو هذه أو أنت أو هو أو فلان بل وغير ذلك مما يدل عليه حقيقة أو مجازا كما سمعته في موضوع العتق. وكذا لو قال متى مات أو أي وقت أو أي حين أو غير ذلك.

وهو على المشهور ينقسم إلى مطلق كقوله : إذا مت ، وإلى مقيد بشرط أو شروط كقوله : إذا مت في سفري هذا أو في مرضي هذا ، أو في سنتي هذه أو في شهري أو في شهر كذا أو حتف أنفي أو قتلت أو في بلد كذا أو نحو ذلك ، لإطلاق الأدلة ، وخصوص‌ صحيح ابن حازم (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل قال : إن حدث بي حدث في مرضي هذا فغلامي فلان حر ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : يرد من وصيته ما شاء ويجيز ما شاء » وحينئذ فان مات على الصفة المزبورة عتق وإلا فلا ، خلافا لموضع من المبسوط ، فألحق التدبير المقيد بالمعلق على الشرط ، فحكم ببطلانهما ، نظرا إلى اشتراكهما في التعليق ، واقتصارا في مخالفة التنجيز على المتيقن من النصوص والفتاوى ، وفيه أن إطلاق أدلة التدبير كاف في الحكم بجوازه ، خصوصا بعد الشهرة العظيمة ، على أنه‌ في الخبر (٢) « رجل قال : إن حدث بي حدث في مرضي هذا فغلامي فلان حر ، قال : يرد من وصيته ما شاء ويجيز منها ما شاء ».

ولو قال : أنت مدبر واقتصر لم ينعقد كما عن الخلاف ، للأصل المقتصر في الخروج منه على المتيقن ، خصوصا بعد معلومية كون التدبير قسما من العتق الذي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من كتاب الوصايا الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من كتاب الوصايا الحديث ٨.

١٩٩

قد عرفت الإجماع على عدم وقوعه بالكناية التي منها ذلك ، بل ظاهر المسالك وكشف اللثام وغيرهما الإجماع هنا أيضا على عدم الوقوع بالكناية ، ولأنه إما عتق فلا بد فيه من صريح لفظه ، أو وصية به فلا بد من التصريح بالموصى به.

لكن قد يناقش بمنع كونه منها ، بل هو من الصريح لغة وعرفا فيه ، بل قيل : إنه كان معروفا في الجاهلية ، ولا ينافي كونه فردا من مطلق العتق اختصاصه بلفظ لا يصح في المطلق نحو ما سمعته في الخلع ، لصراحته فيه دونه ، ولعله لذا كان خيرة الفاضل الوقوع بها ، كما عن القاضي وأبي علي والمبسوط ، بل في الرياض نسبته إلى جمع كثير ، بل حكي عن الأولين تحقق التدبير به مع القصد وإن كان كناية ، لكنه كما ترى بناء على تحقق الإجماع على عدم جواز التدبير بها ، هذا كله إذا اقتصر.

أما لو قال : فإذا مت فأنت حر صح إجماعا بقسميه وكان الاعتبار بالصيغة لا بما تقدمها كما هو واضح.

ولو كان المملوك لشريكين مثلا بالسوية أو التفاوت فقالا دفعا أو ترتيبا إذا متنا فأنت حر وأطلقا لفظا ونية انصرف قول كل واحد منهما إلى نصيبه وصح التدبير كما عن المبسوط ، لأن اللفظ كما هو صالح لتعليق العتق على شرط فهو صالح أيضا لتعليق نصيب كل منهما على وفاة نفسه فيحمل على الصحيح صونا لكلامه عن الهذر وترجيحا لجانب الصحة الموافق لغرض الشارع مع إمكان حمله عليه.

وفيه ـ مع أنه مبنى على عدم جواز التعليق على وفاة الغير على جهة التدبير أو غيره ـ أن الأصل المزبور لا يغير ظاهر اللفظ الذي هو التعليق على وفاة الغير ، ضرورة كونه إنشاء لا يتحقق بالنسبة إلى موت الآخر إلا بتعليقه عليه ، بخلافه على ما ذكر ، فإنه يكون إنشاء بالنسبة إلى تعليق نصيبه على وفاة نفسه ، وإخبارا‌

٢٠٠