جواهر الكلام - ج ٣٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

مثلا أو اختلفت القيمة مع إمكان التعديل أثلاثا كالستة إذا كانت قيمة ثلاثة منهم ستمائة كل واحد مأتان ، وثلاثة ثلاث مائة فلا بحث. أما في الأول فظاهر ، وكذا الثاني الذي يضم فيه كل خسيس إلى نفيس ، ويجعلان ثلثا.

ولو اختلفت القيمة ولم يمكن التعديل عددا على حسب اختلافها كما لو كان قيمة واحد من الستة مأتين وقيمة اثنين مأتين وقيمة ثلاثة مأتين عدل بها وأخرج ثلثهم قيمة ولو الواحد وطرح اعتبار العدد وفاقا للأكثر كما في الرياض ، بل عن ظاهر المبسوط الإجماع عليه.

ولكن مع ذلك فيه تردد من كون القسمة في غير المقام كذلك ، ومن خبر الأنصاري (١) المستبعد فيه تساوي القيمة ، بل عن بعض العامة الجزم باعتبار العدد في التعديل وإن وافقنا على أنه لا يعتق إلا الثلث قيمة ، ولا ريب في أن الأقوى الأول ، ضرورة كون المقام كغيره ، وخبر الأنصاري على ضعفه محمول على إمكان التعديل فيه عددا وإن اختلفت القيمة ، وكذا نصوص الستين (٢).

ولو أمكن التعديل عددا خاصة ، كستة قيمة اثنين منها مأة ، واثنين مأة وخمسون ، واثنين ثلاث مأة قسموا ثلاثة بالعدد ، فإن اخرج على الحرية فخرج اثنان يساويان الثلث قيمة فلا كلام ، وإن خرجا ناقصين عتقا وأكمل الثلث من الباقين بالقرعة ، وإن خرجا زائدين أعيدت القرعة بينهما ، وعتق من يخرج على الحرية ، ومن الآخر تتمة الثلث ، وقيل : الأولى استعمال القرعة وإخراج واحد واحد حتى يستوفى الثلث.

__________________

(١) سنن البيهقي ج ١٠ ص ٢٨٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٥ ـ من كتاب العتق الحديث ٢ والباب ـ ١٣ ـ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١٠ من أبواب القضاء والباب ـ ٧٥ ـ من كتاب الوصايا الحديث ٢.

١٤١

وكذا إن تعذر التعديل عددا وقيمة كخمسة قيمة واحد مأة واثنين مائة واثنين ثلاث مائة أخرجنا على الحرية حتى يستوفى الثلث قيمة. ولو قصرت قيمة المخرج أكملنا الثلث ولو بجزء من آخر مراعاة للقواعد فيه بعد خروجه من مفروض النصوص ، ويستسعى حينئذ ناقص الحرية فيما بقي منها ، كما صرح به غير واحد ، وإن كان قد يشكل بخروج المسألة عن دليل السراية والاستسعاء ، وإلا لم يكن للقرعة وجه ، اللهم إلا أن يقال بالاقتصار في ذلك على خصوص الموصى به كالثلث مثلا لا الجزء منه ، فتأمل جيدا.

وربما احتمل تجزئهم أثلاثا أيضا ، فيجعل واحد ثلثا والأربعة الباقية كل اثنين ثلث ، ثم يقرع ويتحرر بها ما قابل الثلث ولو جزء من واحد ، ليكون قريبا إلى المروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قضية الأنصاري (١) التي موضوعها غير المفروض. ومن هنا كان الأصح الأول حتى لو كانت قيمة الخمسة متساوية ، فيكتب خمس رقاع بأسمائهم ويخرج على الحرية أو الرقية إلى أن يستوفى الثلث.

هذا وقد أطنب الكركي في حاشية الكتاب في ذكر الصور الممكنة ، وأنهاها إلى ستة وكيفية استخراجها أجمع من عبارة المصنف ، ولكن لا طائل تحته بعد الإحاطة بحكم الجميع مما ذكرناه.

ثم إن ظاهر النص والفتوى لزوم استخراج الحر من العبيد في مفروض المسألة ، ولا يجوز البقاء على الإشاعة ، بل صرح به في الدروس ، بل قال فيها : « لو نص عليه أي الشيوع فوجهان : من بناء العتق على السراية ، ووجوب العمل بقصده » قلت : لعل الأقوى عدم لزوم اعتبار قصده في المقام مع فرض تضرر الوارث بذلك ، فتأمل جيدا.

ثم إن الظاهر عدم اختصاص الستة في التجزئة المذكورة ، بل لو كانت العبيد‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ١٠ ص ٢٨٥.

١٤٢

تسعة مثلا جزئت ثلاثا أيضا على أن يكون كل ثلاثة منهم ثلثا ، بل لا يبعد التعدية إلى أربعة أجزاء في الثمانية لو أوصى بربعها مثلا ، وخمسة أجزاء في العشرة لو أوصى بخمسها ، لكن في الدروس « وفي تعدي التجزئة إلى أربعة أجزاء في الثمانية أو خمسة أجزاء في العشرة وهكذا وعدمها فيقرع على الأفراد نظر ، من قربه إلى ما فعله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) ومن عدم الاكتفاء به ، إذ لا بد من إعادة القرعة ، وكان مراده الوصية بعتق ثلثهم مثلا وكانوا ثمانية ، فيجزؤون أولا أربعة أجزاء ، ويستخرج منها جزء حر ثم يقرع جديدا لإكمال الثلث من باقي الأجزاء » إلا أنه كما ترى بعيد.

ولعل المتجه أيضا تجزئتهم أثلاثا إذا أمكن التعديل بالقيمة ، وإلا أقرع على واحد واحد ، نحو ما سمعته في الخمسة ، ومجرد قابلية التجزي لا يقتضي ما ذكره كما هو واضح ، ويأتي الاحتمال السابق في تجزئتهم أثلاثا في العدد للقرب مما فعله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن لاحظ الثلث أيضا زيادة ونقصا على حسب ما عرفته.

ثم إن الظاهر عدم اعتبار كون القرعة بالرقاع على الوجه المذكور في كلامهم وإن كان هو أولى ، إلا أن المحكي من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه أقرع تارة بالبعر واخرى بالنوى يومئ إلى التوسع في أمرها ، خصوصا بعد ملاحظة السيرة بين المتشرعة المظنون أن ما في أيديهم مأخوذ يدا بيد إلى أهل الوحي ، مؤيدا ذلك بأنه لا فرق بعد التفويض إلى الله تعالى شأنه بين الكيفيات ، والله العالم.

__________________

(١) سنن البيهقي ج ١٠ ص ٢٨٥.

١٤٣

المسألة الثامنة

من اشترى أمة نسيئة ولم ينقد ثمنها فأعتقها وتزوجها وجعل عتقها مهرها ف مات ولم يخلف سواها بطل عتقه ونكاحه ، وردت على البائع رقا ، ولو حملت كان ولدها رقا ، وهي رواية هشام بن سالم (١) بل وأبي بصير (٢) في الصحيح ، وفي الدروس عمل بها كثير.

وقيل والقائل ابن إدريس وغيره من المتأخرين لا يبطل العتق ولا يرق الولد ولا ريب في أنه هو أشبه بأصول المذهب وقواعده ، فهو أرجح ، ولذا حمل الصحيح المزبور على وجوه لا بأس بها وإن بعدت ، وقد تقدم تفصيل الكلام في كتاب النكاح وعلى تقدير العمل بالخبر المزبور ينبغي الجمود على ما أفاده ، لكن في الدروس تعدى وفرع عليه فروعا متعددة ، ولعله لما فيه من التعليل الذي لم يظهر وجهه لنا ، فلاحظ وتأمل. والله العالم.

المسألة التاسعة

إذا أوصى بعتق عبد فخرج من الثلث لزم الوارث إعتاقه لأنه القائم مقام الميت مع عدم الوصي فإن امتنع أعتقه الحاكم الذي هو ولي كل ممتنع ، بل قد يقال : إن له ولاية العتق من أول الأمر دون الوارث ، كما في غيره من الوصايا التي لم ينص الموصى على وصي خاص في تنفيذها ، وليس حال الوارث إلا كحال‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من كتاب العتق الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧١ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١ من كتاب النكاح.

١٤٤

غيره من الأجانب ، بل لعله الأقوى.

وعلى كل حال ف يحكم بحريته حين الإعتاق الذي هو سبب الحرية وإن طالت مدة ما بينه وبين الموت لا حين الوفاة الذي به استقرت الوصية لا الحرية.

وأما ما اكتسبه قبل الإعتاق وبعد الوفاة فعن الشيخ في المبسوط والنهاية يكون له ، لاستقرار سبب العتق الذي هو الوصية به بالوفاة لأن السبب المقتضي لانتقال مال الموصى عن ملك الوارث مستند إلى الوصية والموت ، فكل منهما جزء سبب ، وبالموت يتم السبب ، فيكون العبد الموصى بعتقه بعد الموت بمنزلة الحر وإن توقفت حريته على الإعتاق. فيتبعه الكسب ، لكن لا يملكه إلا بعد العتق ، لأنه قبله رقيق لا يملك وإن كان هو الأحق به.

وقد يشكل بمنع استقرار السبب بالموت ، بل هو مركب من ثلاثة أشياء : الوصية والموت وإيقاع صيغة العتق ، كما يتوقف ملك الوصية ـ لو كانت بمعنى التمليك ـ على قبوله مضافا إلى الوصية ، وموت الموصى قبل القبول لا يملك وإن حصل الأمران الآخران ، ولو كان سبب العتق قد تم واستقر لزم أن يثبت معلوله وهو العتق ولم يقل به ، بل قال بتوقفه على الإعتاق ، ومتى لم يكن تاما لم يثبت معلوله ، والملك متوقف عليه ، ولما امتنع خلو الملك من مالك ولم يكن العبد مالكا لنفسه قبل العتق فهو للوارث.

ومن هنا قال المصنف وتبعه بعض من تأخر عنه لو قيل يكون للوارث لتحقق الرق عند الاكتساب كان حسنا لكن أشكله في المسالك تبعا للدروس زيادة على ما فيه ـ من أن المراد بالسبب في كلام المستدل غير ما ذكره ـ بأن الله تعالى جعل الإرث بعد الوصية النافذة ، والفرض هنا كذلك ، وذلك يمنع من ملك الوارث ، غايته أن يكون الملك مراعى بالإعتاق ، فكيف لا يتبعه الكسب ، ويكشف عن سبق ملكه كما يكشف قبول الموصى له عن ملك الوصية من حين الموت ،

١٤٥

وفي حكمه ما لو أوصى بعين توقف في بعض الجهات ، أما الموصى به على وجه لا يتوقف على صيغة كقوله : « أخرجوا عني العين الفلانية في حجة » ونحوها فنماؤها بعد الموت وقبل الإخراج في الجهة تابع لها قطعا ، لتعينها لتلك الجهة وخروجها عن ملك الوارث بالموت.

وفيه ( أولا ) أن الآية (١) لا تنافي ملكية الوارث كما في المقابل من التركة للدين ، كما أوضحنا ذلك في محله ، و ( ثانيا ) أن الشيخ ره قد اعترف بأنه لا يملك إلا بعد عتقه ، ولكن يكون قبله أحق به ، والكشف هنا لا وجه له بعد أن لم يكن العتق كاشفا عن حريته حين الموت ، ضرورة اقتضائه تملك العبد المفروض عدمه ، بل لعل المتجه كون الكسب للوارث وإن قلنا ببقاء عين العبد قبل العتق على حكم مال الميت ، لأن مقتضاه كون الكسب على حكم ماله ، والفرض عدم وصيته به ، فيكون للوارث كما قيل نحو ذلك في نماء المال بعد الوفاة بالنسبة إلى الدين ، فيحكم بكونه للوارث وإن قلنا ببقاء ما قابل الدين من التركة على حكم مال الميت ، لأنه إنما يتعلق بما كان تركة للميت لا ما يتجدد وإن كان لا يخلو من بحث.

لكن على كل حال ما نحن فيه للوارث سواء قلنا بخروج العين الموصى بها عن ملك الوارث أو ببقائها على ملكه حتى تنفذ الوصية ، أما على الثاني فظاهر ، وأما على الأول الذي مقتضاه بقائها على حكم مال الميت فكذلك ، ضرورة كون الباقي على حكمه نفس العين من حين العتق دون منافعه ، كما هو واضح بلا تأمل ، فلا وجه حينئذ لبناء المسألة على الخروج عن ملك الوارث وعدمه ، فتأمل جيدا.

هذا وينبغي أن يعلم أنه فرق بين نماء العين كالشجرة ونحوها مما يتبع أصله وبين تكسب العبد المحتاج إلى صيغ ونحوها مما يتوقف على إذن من المالك ، ومع عدمها يكون للمالك قيمة المنفعة المستوفاة من العبد ، ويمكن أن يراد بالكسب‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ١٢.

١٤٦

ما يشمل ذلك ، وأما حيازة المباحات والتقاط ما يحصل الملك بالتقاطه فيشكل تملك السيد له بدون إذنه له ، وقد تقدم بعض الكلام في ذلك سابقا في بحث ملك العبد ، والله العالم.

المسألة العاشرة :

إذا أعتق مملوكه عن غيره بإذنه وقع العتق عن الأمر عند المشهور خلافا لابن إدريس. وإنما الكلام في أنه ينتقل إلى الأمر عند الأمر بالعتق أو بأول جزء من الصيغة ولو على جهة الكشف ليتحقق العتق بالملك الذي قد عرفت أنه شرط الصحة ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « لا عتق إلا في ملك » أو بتمامها يحصل الأمران وإن اختلفت كيفية تسبيبها لهما ، وجوه بل أقوال قد تقدم الكلام فيها مفصلا في الكفارات.

ومنه يعلم أن المراد من قول المصنف وفي الانتقال تردد في وقته لا أصله لما قيل من أنه لا خلاف فيه ، مضافا إلى دعوى دلالة صحيح عمر بن يزيد (٢) المتقدم عليه أيضا وإن كان فيه ما فيه ، بل قد يمنع أصل القطع بالانتقال ، ويقتصر على وقوع العتق عن الأمر دون انتقاله إليه ، على أن يكون المراد من‌ « لا عتق إلا في ملك » أنه لا يعتق غير المملوك كما سمعته عن بعض العامة ، لا أن المملوك لا يصح عتق مالكه عن غيره إلا بعد انتقاله إلى الغير ، بل قد يدعى أن الصحيح‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب العتق الحديث ٢ وفيه‌ « لا عتق الا بعد ملك ».

(٢) لم يتقدم لعمر بن يزيد رواية تدل على ذلك ، والذي يمكن الاستدلال به هو صحيح بريد العجلي المروي في الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من كتاب العتق الحديث ٢ المتقدم في كتاب الكفارات ج ٣٣ ص ٢٢٢.

١٤٧

المزبور على خلاف ذلك أدل ، وحينئذ يكون التردد في أصل الانتقال في عبارة المتن في محله ، وقد تقدم تمام الكلام في الكفارات (١) فلاحظ وتأمل ، والله العالم.

المسألة الحادية عشرة :

العتق في مرض الموت يمضي من الثلث كغيره من المنجزات. وقيل : من الأصل ، والأول مروي عنهم عليهم‌السلام (٢) بعدة طرق فيها الصحيح وغيره ، كما أوضحنا ذلك مفصلا فيما تقدم ، فلاحظ وتأمل ، والله العالم.

__________________

(١) راجع ج ٣٣ ص ٢٢٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من كتاب الوصايا الحديث ٣ و ٤ و ٦ والباب ـ ٣٩ ـ والباب ـ ٦٧ ـ منه.

١٤٨

تفريعان :

الأول :

إذا أعتق ثلاث إماء في مرض الموت ولا مال له سواهن أخرجت واحدة بالقرعة إن كانت هي مقدار الثلث ، وإلا فما قابله زاد أو نقص ولو جزء منها ، كما سمعته في المسألة السابقة التي هي عين هذه المسألة.

وعلى كل حال فان كان بها حمل تجدد بعد الإعتاق فهو حر إجماعا ضرورة تكونه من حرة ، فيتبعها إلا أن يكون أبوه عبدا واشترط عليه الرقية وقلنا بجوازه وإن كان سابقا على الإعتاق قيل والقائل الشيخ وأبو علي : هو حر أيضا لكونه تابعا لامه وفيه تردد بل منع لعدم المقتضي لها شرعا ولا عرفا ، فيبقى على أصل الرقية ، بل هو أولى من البيع في ذلك ، كما هو واضح ، والله العالم.

الثاني :

إذا أعتق ثلاثة عبيد مثلا في مرض الموت ولم يملك غيرهم ثم مات أحدهم قبل موت السيد أو بعده قبل قبض الوارث أقرع بين الميت والحيين ولا ينزل الميت منزلة العدم وإن أبقينا للوارث مثل ما فات ، لأن الميت إنما مات بعد العتق فهو صالح للحرية والرقية.

وحينئذ ف لو خرج الحرية لمن مات حكم له بالحرية وكانت‌

١٤٩

مئونة تجهيزه على وارثه أو في بيت المال وإن خرجت على أحد الحيين حكم على الميت بكونه مات رقا ومئونة تجهيزه على سيده. لكن لا يحتسب على الوارث من التركة بحيث يكون من ثلثيه ، لعدم قبضه لها والمراد له المالية ، بخلاف الميت الذي احتسبناه عليه من ثلثه لو خرجت القرعة بحريته ، لأن مراده الثواب وقد حصل له.

وحينئذ ف يقرع بين الحيين ويحرر منهما ما يحتمله الثلث من التركة الباقية كما لو لم يكن له إلا العبدان وأعتقهما ، فمع فرض تساويهما في القيمة يعتق ثلثا من خرجت القرعة بحريته.

ومع اختلافها ف لو عجز أحدهما عن الثلث لخسته وفرض خروج القرعة بحريته أكمل الثلث من الآخر ولو فضل منه لنفاسته كان فاضله رقا بلا خلاف أجده بين من تعرض لذلك من الفاضل في قواعده وتحريره والشهيد في دروسه وثاني الشهيدين في مسالكه وغيرهم ، بل لعل إطلاق المصنف وغيره عدم الاحتساب يقتضي ذلك حتى مع قبض الوارث ، لعدم تسلطه على التصرف وإن ثبتت يده الحسية ، فيكون كما لو مات قبل قبضه ، لكن في المسالك ومحكي المبسوط الأصح احتسابه ، لدخوله في أيديهم وفي ضمانهم وحينئذ فإذا خرجت القرعة لأحد الحيين عتق كله.

قلت : قد يقال بعدم احتسابه مطلقا على أحد منهم ، ضرورة اقتضاء عتقهم أجمع عتق الثلث من كل واحد ، فمع فرض موته يموت من الجميع ، كما هو مقتضى قاعدة الإشاعة ، وليس الحر واحدا منهم غير معين وإنما هو ثلثه المشاع في الثلاثة ، وإن كان بالقرعة يتعين في واحد كما يتعين غيره من المشاع بها ، وكون مقصود الميت الثواب لا يقتضي الخروج عن قاعدة الإشاعة ، خصوصا لو مات أحدهم قبل موت السيد ، فإنه بذلك يخرج عن كونه تركة يلحظ ثلثه فيها ويتعين الثلث في الباقيين منه.

ومن الغريب اتفاقهم هنا على القرعة بين الميت والحيين مع ذكرهم وجوها‌

١٥٠

ثلاثة فيمن أعتق عبده منجزا ومات قبل موت السيد ولا مال له غيره : أحدها حريته أجمع ، لأنه لا فائدة للوارث في رقيته ، وثانيها رقيته أجمع ، لعدم مقابله للوارث لو حكمنا بحريته ، وثالثها حرية ثلثه خاصة ، مع أن الأول والأخير جاريان في المقام.

اللهم إلا أن يقال إن مبنى المسألة على أن المعتق أحد الثلاثة إذا فرض أنه الثلث ، لخبر الأنصاري (١) المشتمل على التجزءة أثلاثا ، لا أن المعتق الثلث من كل عبد وأن الموت قبل السيد لا يبطل حكم تنجيزه بالنسبة إلى الميت دون الوارث ، فلا بد حينئذ من القرعة ، إذ لعله يكون هو الحر ، فيحتسب على الميت الذي نجزه ، ويحسب تنجيزه عليه من ثلثه ، بل إذا انكشف بالقرعة حريته تبين أنه قد عين الميت الثلث به ، فإذا مات احتسب عليه ، كما لو عين ثلثه في عين فتلفت بآفة سماوية قبل الموت ، فإنه لا يكون له ثلث غيرها فكذا هنا ، فان تنجيزه له بمنزلة تعيينه ثلثا ، فتأمل جيدا فان المقام محتاج إلى تأمل تام.

ولو كانت الصورة بحالها ومات اثنان فان المتجه بناء على ما عرفت أنه يقرع بينهم أيضا ، فإن خرج سهم العتق على أحد الميتين عتق نصفه خاصة وحصل للورثة مثلاه وهو العبد الحي ، لعدم احتساب العبد الميت الآخر عنهم وإن خرج سهم الرق عليه أقرع بين الميت الآخر وبين الحي ، فإن خرج سهم الحرية على الميت الآخر أعتقنا نصفه أيضا ، وإن خرج سهم الرق عليه لم يحتسب على الورثة وأعتقنا ثلث العبد الحي.

ولو كان موت الميت منهم بالقتل الموجب للقيمة دخل القتيل في القرعة مطلقا ، لأن قيمته تقوم مقامه على تقدير رقيته ، فلا يفوت الوارث المال. ثم إن خرج سهم العتق لأحد الحيين عتق كله وللورثة الآخر وقيمة القتيل ، وإن خرج القتيل بان أنه قتل حرا ، وعلى قاتله الدية لورثته.

ولا يخفى عليك أن ذلك وغيره مبني على أن القرعة هنا بحكم القرعة التي‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ١٠ ص ٢٨٥.

١٥١

هي لتعيين المشتبه ، لا قرعة تمييز المشاع التي تقتضي التعيين حالها دون كشف للسابق ، بل قد يتوقف في اقتضاء الأولى الكشف أيضا فضلا عن الثانية ، خصوصا بالنسبة إلى التزام الغير بالدية أو القصاص.

ولعل هذه أو بعض ما سمعته سابقا الدقيقة التي أشار إليها في الدروس ، فإنه بعد أن ذكر الإقراع بين الميت والحي وذكر أن مئونة تجهيزه على ورثة العبد أو بيت المال لو خرجت القرعة بحريته قال : « وفيه دقيقة » فتأمل جيدا ، هذا كله في العتق بالمباشرة.

وأما العتق بالسراية فالمشهور أن من أعتق شقصا أي جزءا ولو يسيرا من عبده المملوك بأجمعه أو أمته سرى العتق فيه كله وإن لم يملك سواه إذا كان المعتق صحيحا جائز التصرف والمعتق بالفتح لا مانع من نفوذ العتق فيه ، بل لعل ظاهر المتن وغيره عدم الخلاف فيه ، بل في الروضة ربما كان إجماعا ، لخبر غياث بن إبراهيم (١) المنجبر بما سمعت عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام « إن رجلا أعتق بعض غلامه فقال علي عليه‌السلام : هو حر ليس لله شريك » وخبر طلحة بن زيد (٢) عن جعفر عن أبيه عليه‌السلام « أن رجلا أعتق بعض غلامه فقال : هو حر كله ليس لله شريك » مضافا إلى أولويتها من السراية في ملك الغير التي ستسمع اتفاق النصوص (٣) والفتاوى عليها في الجملة.

فما عن ابن طاوس ـ من الميل إلى عدم السراية للأصل المقطوع بما سمعت وظاهر جملة من النصوص (٤) المطرحة أو المؤولة وإن صح سند بعضها ـ في غاية الضعف ، وربما مال إليه بعض من تأخر عنه ممن لم يكن على الطريقة المستقيمة في استنباط الأحكام ، وفي وافي الكاشاني حمل الخبرين المزبورين على صيرورة العبد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من كتاب العتق الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من كتاب العتق الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من كتاب العتق.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من كتاب العتق الحديث ٣ و ٤ و ٨.

١٥٢

بجميعه حرا إذا سعى في البقية ، قال : « ولعل له على مولاه ذلك شاء مولاه أو أبى ، ولذلك أطلق الحكم بالحرية » وهو غير المحكي عن ابن طاوس وإن كان مثله في الشذوذ.

ولعل الذي ألجأهم إلى ذلك النصوص التي منها‌ خبر حمزة بن حمران (١) عن أحدهما عليهما‌السلام « سألته عن رجل أعتق نصف جاريته ثم قذفها بالزنا فقال : أرى أن عليه خمسين جلدة ، ويستغفر الله تعالى ـ إلى أن قال ـ : قلت : فتغطي رأسها منه حين أعتق نصفها ، قال : نعم ، وتصلى وهي مخمرة الرأس ، ولا تتزوج حتى تؤدي ما عليها أو يعتق النصف الآخر » الذي حمله الشيخ على ما إذا لم يملك إلا نصفها ، لخبر الحارثي (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل توفي وترك جارية له أعتق ثلثها فتزوجها الوصي قبل أن يقسم شي‌ء من الميراث أنها تقوم وتستسعي هي وزوجها في بقية ثمنها بعد ما تقوم ، فما أصاب المرأة من عتق أو رق جرى على ولدها » الذي حمله الشيخ أيضا على ما إذا لم يملك غيرها ، وخبر أبي بصير (٣) سأل الباقر عليه‌السلام « عن رجل أعتق نصف جاريته ثم إنه كاتبها على النصف الآخر بعد ذلك ، قال : يشترط عليها أنها إن عجزت عن نجومها ترد في الرق في نصف رقبتها » وصحيح الحلبي (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة أعتقت عند الموت ثلث خادمها هل على أهلها أن يكاتبوها؟ قال : ليس ذلك لها ، ولكن لها ثلثها ، فلتخدم بحساب ما أعتق منها » وصحيح ابن سنان (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة أعتقت ثلث خادمها بعد موتها ، أعلى أهلها أن يكاتبوها شاؤوا أو أبوا؟ قال : لا ، ولكن لها من نفسها ثلثها ، وللوارث ثلثاها يستخدمونها بحساب الذي لهم فيها ، ويكون لها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من كتاب العتق الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من كتاب العتق الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ١ من كتاب التدبير والمكاتبة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من كتاب العتق الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من كتاب العتق الحديث ٧.

١٥٣

من نفسها بحساب ما أعتق منها » ونحوه صحيح ابن مسكان (١) التي هي من غير الفرض خصوصا بعد إمكان حملها على عدم ملك غيرها وإن كان فيها ترك الاستفصال.

وعلى كل حال فلا ريب في أن الأصح ما عليه المشهور ، لشذوذ النصوص المزبورة التي ينبغي طرحها إن لم تقبل التأويل ، لرجحان الأدلة عليها بما عرفت ، والله العالم.

ف ان كان له فيه شريك مسلم أو كافر ، إذ لا فرق في السراية بين أن يكون الشريكان مسلمين أو كافرين ، أو كان المعتق كافرا إن سوغنا عتق الكافر ، أو بالتفريق ، لعموم الأدلة ، وحينئذ فمتى أعتق قوم عليه إن كان موسرا بلا خلاف أجده فيه مع قصده الإضرار ، إلا ما حكاه في المختلف عن الحلبي من إطلاق وجوب السعي على العبد في الفك ، بل ومع عدم قصده عند الأكثر ، خلافا للشيخ والقاضي فأوجبا على العبد السعي وللإسكافي فخير الشريك بينه وبين إلزام المعتق قيمة نصيبه ، ولا شاهد له.

وسعى العبد في فك ما بقي منه إن كان المعتق معسرا ولم يقصد المضارة بلا خلاف ، بل ومع قصدها وفاقا للأكثر ، بل المشهور ، بل في الانتصار الإجماع عليه ، وعلى الأول أيضا ، وبذلك يجتمع أكثر نصوص المقام التي هي‌ الصحيحان (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن المملوك بين شركاء فيعتق أحدهم نصيبه ، قال : إن ذلك فساد على أصحابه لا يقدرون على بيعه ولا مؤاجرته ، قال : يقوم قيمة فيجعل على الذي أعتقه عقوبة ، وإنما جعل ذلك عليه عقوبة لما أفسده » وموثق سماعة (٣) « سألته عن المملوك بين شركاء فيعتق أحدهم نصيبه ، فقال هذا فساد على أصحابه‌

__________________

(١) أشار إليه في الوسائل في الباب ـ ٧٤ من كتاب الوصايا الحديث ٣ وذكره في التهذيب ج ٩ ص ٢٤٣ ـ الرقم ٩٤٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من كتاب العتق الحديث ١ و ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من كتاب العتق الحديث ٥.

١٥٤

يقوم قيمة ويضمن الثمن الذي أعتقه ، لأنه أفسده على أصحابه » وخبر البصري (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوم ورثوا عبدا جميعا ، فأعتق بعضهم نصيبه منه كيف يصنع بالذي أعتق نصيبه منه؟ هل يؤخذ بما بقي؟ قال : نعم يؤخذ بما بقي منه بقيمته يوم أعتق » المقيدة بخبر محمد بن قيس (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام المنجبر بما سمعت « من كان شريكا في عبد أو أمة قليل أو كثير فأعتق حصته وله سعة فليشتره من صاحبه فيعتقه كله ، وإن لم يكن له سعة من مال نظر قيمته يوم أعتق منه ما أعتق ثم يسعى العبد بحساب ما بقي حتى يعتق » وصحيح الحلبي (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في جارية كانت بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه ، قال : إن كان موسرا كلف أن يضمن ، وإن كان معسرا خدمت بالحصص » محتسبة بذلك من السعي ، أو نقيد ذلك بما إذا عجزت عن السعي.

وعلى كل حال بهما يقيد إطلاق‌ خبري الحسن بن زياد ويعقوب بن شعيب (٤) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل أعتق شركا له في غلام مملوك عليه شي‌ء ، قال : لا » وإطلاق‌ خبر علي (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مملوك بين أناس فأعتق بعضهم نصيبه ، قال : يقوم قيمة ثم يستسعى فيما بقي ، ليس للباقي أن يستخدمه ولا يأخذ منه الضريبة ».

ونحوه في إطلاق الأمر بالسعي حسن محمد بن قيس (٦) عن أبي جعفر عليه‌السلام بل وإطلاق‌ مرسل حريز (٧) عن أبي عبد الله عليه‌السلام سأل « عن رجل أعتق غلاما بينه وبين صاحبه ، قال : قد أفسد على صاحبه ، فان كان له مال أعطى نصف المال ، وإن لم يكن له مال عومل الغلام يوم للغلام ويوم للمولى ، ويستخدمه ، وكذلك إن كانوا شركاء » إلى غير ذلك من النصوص التي هي بعد حمل مطلقها على مقيدها دالة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من كتاب العتق الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من كتاب العتق الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من كتاب العتق الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من كتاب العتق الحديث ٨.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من كتاب العتق الحديث ١٠.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من كتاب العتق الحديث ٣.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من كتاب العتق الحديث ١١.

١٥٥

على المشهور مؤيدة في الجملة بقاعدة الإتلاف ، ولا ضرر ولا ضرار ، المشار إليها في النصوص المزبورة بالإفساد.

ولكن مع ذلك كله قيل والقائل الشيخ في النهاية والقاضي ابن البراج إن قصد الإضرار فكه إن كان موسرا ، وبطل عتقه إن كان معسرا وإن قصد القربة عتقت حصته وسعى العبد في حصة الشريك ، ولم يجب على المعتق فكه بل يستحب له ، فان لم يفعل استسعى العبد في الباقي ولم يكن لصاحبه الذي يملك فيه ما بقي استخدامه ، ولا له عليه ضريبة ، بل له أن يستسعيه فيما بقي من ثمنه ، فان امتنع العبد من السعي في فك رقبته كان له من نفسه قدر ما أعتق ولمولاه الباقي ، لصحيح محمد بن مسلم (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل ورث غلاما وله فيه شركاء فأعتق أحدهم لوجه الله نصيبه ، فقال : إذا أعتق نصيبه مضارة وهو موسر ضمن للورثة ، وإذا أعتق لوجه الله كان الغلام قد أعتق من حصة من أعتق ، ويستعملونه على قدر مالهم منه ، فان كان نصفه عمل لهم يوما وله يوم ، وإن أعتق الشريك مضارا وهو معسر فلا عتق له ، لأنه أراد أن يفسد على القوم حصصهم » وصحيح الحلبي (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه سئل عن « رجلين كان بينهما عبد فأعتق أحدهما نصيبه ، فقال : إن كان مضارا كلف أن يعتقه كله ، وإلا استسعى العبد في النصف الآخر ».

إلا أن الأول قيل لا صراحة فيه في فساد العتق في حصته أيضا ، وفيه أنه لم يفرض فيه إلا عتقها ، كما أنه قيل أيضا لا صراحة فيه في سعي العبد في صورة عدم المضارة مع اليسار ، وفيه مع أنه يمكن حمل عمل اليوم على السعاية أنه يكفي فيه إطلاق الآخر وعدم الدلالة في الثاني منهما على اعتبار اليسار يمكن تقييده بما في الصحيح الأول ، وحينئذ يستفاد منهما معا حكم الصور الأربع ، وهو الموسر المضار والموسر غير المضار والمعسر غير المضار والمعسر المضار ، ففي الأولى يضمن ، وفي الأخيرة يبطل ، وفي الثانية والثالثة يستسعي.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من كتاب العتق الحديث ١٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من كتاب العتق الحديث ٢.

١٥٦

وظاهر المحكي عن خلافه قول آخر ، وهو ضمان الموسر مطلقا مضارا كان أولا ، وبطلان عتق المعسر المضار وسعي العبد مع عدم المضارة.

كما أن المحكي عن ابن الجنيد قول رابع ، وهو تخيير الشريك في صورة عدم المضارة واليسار بين إلزام المعتق القيمة وبين سعي العبد ، قال : ولو اختار الأول كان للمعتق أن يرجع على العبد يستسعيه فيما غرمه من حصة شريكه ، لأنه إنما غرم ذلك عن العبد وقام مقامه ، واستسعى العبد مع الإعسار وعدم المضارة ، ولم يتعرض لغير ذلك ، بل والمحكي عن أبي الصلاح من إطلاق السعي قول خامس.

لكن لا يخفى عليك أن الذي تجتمع عليه جميع النصوص (١) بعد حمل المطلق منها على المقيد ما سمعته من الشيخ والقاضي ، بل هو أبعد عن أقوال العامة المحكية في المسألة إلا أن الشهرة على خلافه ، بل الإجماع المحكي ، وبهما يرجح الجمع الأول عليه ، إلا أنه لا بد من طرح بعض النصوص حينئذ.

ومن الغريب دعوى الحلي تناقض كلام الشيخ في اعتبار قصد القربة مع المضارة ، وقد سمعت صراحة النصوص في ذلك على أن المضارة المزبورة ـ التي هي من لوازم العتق المزبور المشار إليها في النصوص بالإفساد الذي استحق به التقويم عليه إذا لوحظت تبعا على نحو ضم نية التبرد ـ لا تقدح في التقرب كما هو واضح.

وبذلك كله ظهر لك القوة في القولين المزبورين ، وأما باقي الأقوال فواضحة الضعف ، بل بعضها لا شاهد له.

وكيف كان فظاهر النصوص أن جميع كسبه من سعيه الذي يفك به رقبته لا خصوص جزئه الحر ، بل قد سمعت التصريح في‌ خبر علي بن أبي حمزة (٢) بأنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من كتاب العتق الحديث ـ ٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من كتاب العتق الحديث ١٠.

١٥٧

« ليس للآخر أن يستخدمه ولا يأخذ منه الضريبة » بل لعل‌ قوله عليه‌السلام : في الصحيحين (١) « أن ذلك فساد على أصحابه لا يستطيعون بيعه ولا مؤاجرته » ظاهر في انقطاع التصرف عنه ، كما صرح بذلك في المسالك ومحكي النهاية.

لكن في القواعد على إشكال ، ولعله من استصحاب الرق إلى الأداء ، وهو يستلزم تشريك المولى في الكسب وإن كان لا يخفى ما فيه بعد انقطاعه بظاهر النصوص الذي منه يعلم ضعف ما في الإيضاح من دعوى قوة الاحتمال المزبور ، لأنه المأمور بفك نفسه ، فيكون من كسبه ، ولأنه إذا أدى عن كسبه المملوك للسيد كان العتق حينئذ بلا عوض ، إذ هو كالاجتهاد في مقابلة النص.

وعلى كل حال فان عجز العبد أو امتنع من السعي ولم يكن بيت مال يفك منه من سهم الرقاب أو غيره كان له من نفسه ما أعتق وللشريك ما بقي ، وكان كسبه بينه وبين الشريك على النسبة وكذا نفقته ، وفطرته عليهما وغير ذلك من أحكام المبعض ، لكن ظاهر المحكي عن ابن إدريس وجوب فك سلطان الإسلام له من سهم الرقاب في صورة العجز ، ولم أجده لغيره ، بل إطلاق أدلة المقام على خلافه.

ثم إن ظاهر المتن عدم جبر العبد على السعي ، وهو خلاف ظاهر ما سمعته من النصوص (٢) نعم في‌ خبر علي بن أبي حمزة (٣) على ما في كشف اللثام « ومتى لم يختر العبد أن يسعى فيما قد بقي من قيمته كان له من نفسه بمقدار ما أعتق ، ولمولاه الذي لم يعتق بحسب ماله » وربما يؤيده أن ذلك حق له‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من كتاب العتق الحديث ١ و ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من كتاب العتق الحديث ٢ و ٣ و ١٠.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ٢٢١ الرقم ٧٩٢ وهذه القطعة ذكرت بعد رواية علي بن أبي حمزة ، ولم يعلم أنها من تتمة الرواية أو من عبارة الشيخ ( قده ).

١٥٨

فلا يجبر عليه ، بل في الدروس والروضة ظاهر الأصحاب عدم وجوب السعي عليه.

قلت : لكن جزم الفخر في الشرح بكونه قهريا ، لأن نظر الشرع إلى تكميل الحرية ، ولذا عداه إلى ملك الغير قهرا ، وللاستسعاء في صحيح الحلبي (١) الدال على قهره ، مضافا إلى ظاهر الأمر به في النصوص (٢).

وفيه أن المتجه في الجمع بين هذه النصوص ونصوص المهاياة من الصحيح (٣) ومرسل حريز (٤) السابقين وخبر علي بن أبي حمزة (٥) الحكم بتخيير العبد بين السعي في فك نفسه وعدمه ، وهو الذي سمعت نسبته إلى ظاهر الأصحاب ، بل هو الموافق لقول المصنف وغيره « كان كسبه بينهما » ولما تسمعه من المهاياة ، وإلا كان منافيا لفرض عجزه عن الكسب ، بل ولصرف كسبه في فك رقبته ، خصوصا بعد ما في المسالك من أن السعي كالكتابة في كونه فكا للرقبة من الرقية بجملة الكسب ، واستقرار الملك بعجز المملوك ، وعتق ما قابل المدفوع منه كما في المطلقة ، قال : « ويفترقان في اشتراطه بسبق عتق شي‌ء منه دونها وعدم اشتراطه بعقد ، ولا تقدير للعوض ولا للأجل ، بل بقيمة المثل دونها » ضرورة اقتضاء ذلك احتساب كل ما يحصل من كسبه في فك رقبته لا أنه يكون مملوكا للمولى ، إذ ليس مرجع ذلك إلا إلى اختياره ، فان شاء السعي في فكاك رقبته فعل وإن شاء لم يفعل ، وحينئذ يكون كسبه بينه وبين المولى.

بل يتجه قول المصنف وغيره لو هاياه شريكه في نفسه صح بل لا أجد فيه خلافا ، بل هي ما سمعته في صحيح ابن مسلم (٦) ومرسل حريز (٧) السابقين وإن كان الذي يقوى أنها من الصلح لا أنها معاوضة برأسها مع احتماله ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من كتاب العتق الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من كتاب العتق الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من كتاب العتق الحديث ١٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من كتاب العتق الحديث ١١.

(٥) راجع التعليقة (٣) من ص ١٥٨.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من كتاب العتق الحديث ١٢.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من كتاب العتق الحديث ١١.

١٥٩

مؤيدا بعدم ضرب الأجل ونحوه فيها وعدم لزومها وغير ذلك مما لا يغتفر في الصلح.

وهل هي واجبة مع طلبها أو مطلقا هنا وإن كانت غير واجبة عندنا في المال المشترك الذي لا يمكن قسمته؟ وجهان ينشئان من توقف جواز التصرف فيه عليها ، بل لعل ذلك هو ظاهر الصحيح (١) والمرسل (٢) المزبورين ، ومن الأصل وإشعار الإفساد وعدم استطاعة التصرف فيه في النصوص المزبورة.

لكن في الروضة « لو امتنعا أو أحدهما من المهاياة لم يجبر الممتنع ، وكان على المولى نصف اجرة عمله الذي يأمره به ، وعلى المبعض نصف اجرة ما يغصبه من المدة ويفوته اختيارا » وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرنا خصوصا بعد قوله : « يغصبه » ولعله لذا اقتصر في الدروس في نفي الجبر على صورة امتناعهما.

وكيف كان فإذا وقعت تناولت أي المهاياة المزبورة مع الإطلاق فضلا عن التصريح الكسب المعتاد والنادر كالصيد والالتقاط ونحوهما بلا خلاف أجده فيه بيننا ، لا طلاق الأدلة التي منها خبر علي بن أبي حمزة (٣) السابق ، وحينئذ فكل ما اكتسبه في نوبته اختص به نادرا أو غيره ، وما اكتسبه في نوبة المولى اختص به كذلك ، خلافا لبعض العامة ، فجعل النادر مشتركا بينهما ، لأنه مجهول ، وفيه منع قدح مثل هذه الجهالة فيها بعد إطلاق أدلة مشروعيتها ، كما هو واضح.

ولو كان المملوك بين ثلاثة مثلا فأعتق اثنان نصيبهما دفعة قومت حصة الثالث عليهما بالسوية تساوت حصصهما فيه أو اختلفت بلا خلاف أجده فيه بيننا ، بل ولا إشكال ، ضرورة تساويهما في سبب الإتلاف المعبر عنه في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من كتاب العتق الحديث ١٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من كتاب العتق الحديث ١١.

(٣) راجع التعليقة (٣) من ص ١٥٨.

١٦٠