جواهر الكلام - ج ٣٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

أو من باب تسمية السبب باسم المسبب ، لكنه كما ترى.

وعن ابن إدريس بطلان الشرط لما عرفت دون العتق ، وتبعه فخر المحققين لبناء العتق على التغليب ، وفيه أنه يقتضي الصحة بدون مقتضيها ، نعم هو منه مبني على مذهبه في العقود وغيرها ، وهو عدم اقتضاء بطلان الشرط فيها بطلانها ، لأنه التزام مستقل فيها لا مدخلية له فيها ، ضرورة عدم كونه شرطا بالمعنى اللغوي ، بل المراد أنه التزام ، وقد قدمنا في البيع فساده ، وأوضحناه. وقلنا : إنه وإن كان بمعنى الالتزام إلا أنه لا ريب بارتباطه بقصد العقد على وجه حصول القصد للعقد المشتمل على الشرط المزبور ، ومن هنا قلنا بثبوت الخيار له مع فرض عدم الوفاء به ، بل يمكن التزام مثله هنا بناء على مشروعية عود الحر رقا بالوجه المزبور ، إلا أن التحقيق خلافه ، وشذوذ الموثق (١) المزبور يمنع من العمل به ، بل اتفاقهم على عدم الخيار بعدم الوفاء بالشرط بالعتق كاشف عن عدم مشروعية ذلك ، ومضعف أيضا للعمل بالموثق المزبور ، ضرورة اقتضاء الشرط ذلك مع فرض إمكانه ، وإلا لم يكن لشرطيته ولو بمعنى الالتزام الراجع إلى القصد في العقد معنى ، كما هو واضح.

ومن هنا مضافا إلى ما عرفت كان الأقوى البطلان ، كما عن المصنف في النكت والفاضل في جملة من كتبه والشهيد وغيرهم ، بل لعله من العتق المعلق ، إذ لا فرق بين تعليقه مطلقا وتعليقه مشروطا ولو بتعليق شرطه ، وإن كان قد يمنع ذلك أولا ، ويلتزم بصحة نحوه للخبر (٢) المزبور ، ضرورة كونه حينئذ كاشتراط المأة دينار إن تزوج أو تسرى الذي تضمنته الصحاح (٣) التي لا يعرف لها رادا بالنسبة إلى ذلك ، فالعمدة حينئذ ما ذكرناه من بطلان الشرط نفسه ، لما عرفت.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من كتاب العتق الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من كتاب العتق الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من كتاب العتق الحديث ١ و ٣ والباب ـ ٣٧ ـ من أبواب المهور من كتاب النكاح.

١٢١

ومما ذكرنا بان أنه لا إشكال في أنه لو شرط خدمة زمان معين على المعتق صح بلا خلاف فيه نصا (١) وفتوى على حسب ما سمعته ، نعم في نهاية المرام « لو كان الشرط خدمة المولى أو غيره مدة حياته فظاهر الأصحاب عدم صحته للجهالة ، ولو قيل بالصحة لم يكن بعيدا ، لأنه معين في نفسه ، فيتناوله عموم‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) « المؤمنون عند شروطهم ».

قلت : بل لم نتحقق ما حكاه عن ظاهرهم ، بل لعل ظاهر إطلاقهم صحة الشرط خلافه ، مضافا إلى ما سمعته سابقا مما يقتضي الجواز ، وهل تجب نفقته مدة الخدمة على المعتق؟ كما عن ابن الجنيد ، لقطعه عن التكسب ، أو لا كما هو الظاهر ، لأنها تابعة للملك ، والفرض زواله ، وحينئذ ينفق عليه من بيت المال ، أو يستثنى له تكسب مقدار قوته.

وكيف كان ف لو قضى المدة آبقا لم يعد في الرق بلا خلاف أجده فيه بينهم ، بل ولا إشكال حتى لو أراد المولى إعادته لاستصحاب حريته ولقاعدة عدم عود الحر رقا وغير ذلك.

ولكن هل للمولى أو لورثته مطالبته بأجرة مثل الخدمة في تلك المدة؟ قيل والقائل الشيخ في محكي النهاية والإسكافي ومن تبعهما على ما قيل لا مطالبة له ولا لهم بالأجرة ، بل ليس للورثة المطالبة بالخدمة لو فرض بقاء بعض المدة ، لصحيح يعقوب بن شعيب (٣) المتقدمة سابقا والوجه اللزوم وفاقا لكافة المتأخرين كما قيل ، لأنها حق متقوم بالمال ، فيثبت على من فوته قيمته ، وهي أجرة المثل ، وأما مطالبة الوارث بالخدمة مع فرض بقاء المدة فلا ينبغي التوقف فيها ، ضرورة كونه حقا يورث ، والصحيح (٤) المزبور منزل على وجدانها بعد انقضاء المدة الذي من المعلوم فيه عدم جواز مطالبة المولى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من كتاب العتق الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ٤ من كتاب النكاح.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من كتاب العتق الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من كتاب العتق الحديث ١.

١٢٢

فضلا عن وارثه بالاستخدام مثلها ، إذ هي ليست من المثليات التي تضمن بمثلها ، بل هي بحكم القيمي ، أو على أن الشرط قد كان خدمة المولى وقد فاتت بموته ، فلا يجب عليه خدمة غيره ، وعلى كل حال لا ينبغي الخروج به عما يقتضيه القواعد ، والله العالم.

ومن وجب عليه عتق في كفارة أو غيرها لم يجزه التدبير وإن نوى به بلا خلاف ولا إشكال ، لأن الواجب العتق المنجز ، والتدبير وصية بالعتق أو عتق معلق كما تقدم ذلك في الكفارات ، وقال إبراهيم الكرخي (١) : للصادق عليه‌السلام « إن هشاما سألني أن أسألك عن رجل جعل لعبده العتق إن حدث بسيده حدث ، فمات السيد وعليه تحرير رقبة واجبة في كفارة ، أيجزئ عن الميت العبد الذي كان السيد جعل له العتق بعد موته في تحرير رقبته التي كانت على الميت؟ قال : لا ».

وإذا أتى على العبد المؤمن سبع سنين استحب عتقه‌ للمرسل (٢) عن الصادق عليه‌السلام « من كان مؤمنا فقد عتق بعد سبع سنين ، أعتقه صاحبه أم لم يعتقه » المحمول على ذلك ، للإجماع بقسميه على عدم انعتاقه بعد ذلك ، ولكن لا بأس بحملها على الندب وإن كانت مرسلة للتسامح.

بل يستحب عتق المؤمن مطلقا وإن تأكد في الأول لما فيه من الإحسان إليه بتخليصه من الرق. وقد سمعت ما ورد (٣) في عتق الرقبة المؤمنة.

نعم يكره عتق المسلم المخالف كراهة عبادة ، لقول الصادق عليه‌السلام (٤) :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١ من كتاب الإيلاء والكفارات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من كتاب العتق الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب العتق الحديث ٨ والباب ـ ٣ ـ منه.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من كتاب العتق الحديث ٣.

١٢٣

« ما أغنى الله عن عتق أحدكم ، تعتقون اليوم فيكون علينا غدا ، لا يجوز لكم أن تعتقوا إلا عارفا » المحمول على الكراهة ، لإطلاق أدلة العتق ، وخصوص‌ خبر أبي راشد (١) سأل الجواد عليه‌السلام « أن امرأة من أهلنا اعتل صبي لها ، فقالت : اللهم إن كشفت عنه ففلانة جاريتي حرة ، والجارية ليست بعارفة ، فأيما أفضل؟ تعتقها أو تصرف ثمنها في وجوه البر ، فقال : لا يجوز إلا عتقها » وغير ذلك وإن كان قد يجرى فيه بعض ما سمعته في منع عتق الكافر ، والله العالم.

وكذا يكره عتق من لا يقدر على الاكتساب قيل : لصحيح هشام بن سالم (٢) « سألته عن النسمة فقال : عتق من أغنى نفسه » وفيه أنه لا دلالة فيه على الكراهة ، بل أقصاه تأكد الندب في خصوص من أغنى نفسه ، وكذا‌ قول الرضا عليه‌السلام (٣) : « من أعتق مملوكا لا حيلة له فان عليه أن يعوله حتى يستغني عنه ، وكذلك كان علي عليه‌السلام يفعل إذا أعتق الصغار ومن لا حيلة له » إنما يدل على استحباب العيلولة به ، لا على كراهة عتقه.

وكيف كان ف لا بأس بعتق المستضعف لأن‌ الحلبي في الصحيح (٤) « قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرقبة تعتق من المستضعفين ، قال : نعم » لكن قد سمعت‌ قول الصادق عليه‌السلام (٥) : « لا يجوز لكم أن تعتقوا إلا عارفا » المحمول على الكراهة التي هي أسهل من كراهة عتق المخالف.

ومن أعتق من يعجز عن الاكتساب استحب إعانته لما سمعت ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٣ ـ من كتاب العتق الحديث ١ عن أبي على بن راشد.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من كتاب العتق الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من كتاب العتق الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من كتاب العتق الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من كتاب العتق الحديث ٣.

١٢٤

ويلحق بهذا الفصل مسائل‌

الاولى :

لو نذر عتق أول مملوك يملكه مثلا صح النذر وإن كان المنذور مجهولا ، لعموم أدلة النذر (١) وخصوص ما تسمعه من النصوص (٢) في المقام ثم إن اتفق ملك واحد بشراء أو إرث أو نحوهما أعتق من غير انتظار لملك آخر بعده على الأظهر للصدق عرفا.

ف أما لو ملك جماعة دفعة ف قيل والقائل الشيخ في النهاية والصدوق وجماعة كما في المسالك بل في الرياض نسبته إلى الأكثر يعتق أحدهم بالقرعة لانتفاء الأولوية عن كل منهم ، ول‌ صحيح الحلبي (٣) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل قال : أول مملوك أملكه فهو حر ، فورث سبعة جميعا ، قال : يقرع بينهم ، ويعتق الذي يخرج اسمه » ونحوه آخر (٤).

وقيل والقائل : الإسكافي والشيخ أيضا في التهذيب والمصنف في النكت والشهيد في الشرح على ما حكي يتخير ويعتق إلا أن يموت فالقرعة ، لخبر الصيقل (٥) « سألت الصادق عليه‌السلام عن رجل قال : أول مملوك أملكه فهو حر فأصاب ستة ، قال : إنما كان نيته على واحد ، فليتخير أيهم شاء فليعتقه » ولأنه‌

__________________

(١) سورة الحج : ٢٢ ـ الآية ٢٩ والوسائل الباب ـ ٣ وغيره ـ من كتاب النذر والعهد.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من كتاب العتق.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١٥ من كتاب القضاء.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من كتاب العتق الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من كتاب العتق الحديث ٣.

١٢٥

بعد أن كان المقصود واحدا وعدم اختصاص أحدهم بوصف الأولية ـ بل هي لاحقة لكل منهم ، إذ الأول إما بمعنى غير المسبوق ، أو بمعنى السابق غير المسبوق ، وكل منهما صادق على كل منهم ـ يتجه التخيير ، كما في كل عنوان للأمر ، فلا إشكال ولا اشتباه كي يلزم بالقرعة ، لكن لا بأس باختياره ما يخرج بها ، بل لعل ذلك أولى ، وعليه يحمل خبر القرعة.

وقيل كما عن السرائر لا يعتق شيئا ، لأنه لم يتحقق شرط النذر الذي هو وحدة المملوك ، ولا أول للمملوكية دفعة إلا الجملة وعتقها غير مقصود ، والأصل البراءة. ولكنه كالاجتهاد في مقابلة النص ، كما عرفت من أن الأول بل والثاني مروي وإن اختلفت في الصحة وعدمها ، على أنه إنما يتم لو اعتبر في الأولية السبق على جميع المماليك ، وهو ممنوع ، ولعل الأقوى منهما الأخير ، وفي القواعد « يحتمل حرية الجميع لأن الأولية وجدت في الجميع ، كما لو قال : من سبق فله عشرة فسبق جماعة ، فان لكل منهم عشرة » ويؤيده‌ خبر عبد الله بن الهاشمي رفعه (١) قال : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل نكح وليدة رجل أعتق ربها أول ولد تلده ، فولدت توأما فقال : أعتق كلاهما » وعن بعض الكتب (٢) إرسال نحو ذلك عن علي عليه‌السلام والصادقين عليهما‌السلام ، وفيه ضعف ، لعدم العموم هناك للتنكير ، بخلاف لفظة « من » فإنها تعم الواحد والكثير ، والمرسل لا حجة فيه فضلا عن أن يعارض ما عرفت ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من كتاب العتق الحديث ١ عن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن أبيه رفعه.

(٢) المستدرك الباب ـ ٢٧ ـ من كتاب العتق الحديث ١ نقلا عن دعائم الإسلام عنهم عليهم‌السلام الا أن فيها ج ٢ ص ٣٠٥ ذكر رواية عن علي وأبي جعفر وأبي عبد الله عليهم‌السلام انهم قالوا. ثم ذكر عقيب ذلك في ص ٣٠٦ « وعنهم عليهم‌السلام » فالضمير يرجع الى على والصادقين عليهم‌السلام.

١٢٦

المسألة الثانية :

لو نذر عتق أول ما تلده فولدت توأمين دفعة كانا معا معتقين بلا خلاف أجده لعموم لفظة « ما » وما‌ روي عن بعض الكتب (١) عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : « من أعتق حملا لمملوكة له أو قال لها : ما ولدت أو أول ما تلدينه فهو حر فذلك جائز وإن ولدت توأمين عتقا جميعا » نعم لو ترتبا في الولادة عتق الأول خاصة ، لأنه الأول حينئذ قطعا.

لكن في الرياض بعد الاستدلال بمرفوع الهاشمي المتقدم قال : « وإطلاقه بل عمومه الناشئ من ترك الاستفصال يشمل صورتي ولادتهما معا ومتعاقبا ، بل لعله بمقتضى الغلبة ظاهر في الأخير جدا ، ولذا أطلق الحكم في العبارة تبعا للنهاية والقاضي وجماعة ـ إلى أن قال ـ : وذكر جماعة أنه مذهب الأكثر ، وبه يمكن جبر الخبر ، مضافا إلى إمكان توفيقهما مع الأصل على تقدير ترجيح العرف على اللغة ، إذ يصدق على مجموع التوأمين أنهما أول ما ولدته ولو ولدتهما على التعاقب عرفا وإن لم يصدق ذلك لغة ».

وفيه منع صدق العرف مع ملاحظتهما أنفسهما ، ومع ملاحظة النسبة إلى غيرهما يصدق على كل متعاقبين ، وهو معلوم العدم ، والخبر المزبور المعلوم بناء ما فيه على العرف يجب تنزيله على الدفعة ، كما أنه يجب حمله على إرادة التعدد من النكرة المذكورة فيه ، وإلا كان الواجب عتق واحد منهما فيما لو ولدتهما دفعة ، كالمسألة الأولى فضلا عن التعاقب ، كما هو واضح.

وبذلك فرقوا بين المسألتين فإن متعلق الاولى مملوك ، وهو نكرة في سياق الإثبات ، والثانية لفظ « ما » وهي للعموم ، لكن في الرياض « فيه نظر للحوق الحكم بالمضاف دون المضاف إليه ، وهو نكرة على الإطلاق ، مع أن النص في المسألة متضمن‌

__________________

(١) المستدرك الباب ـ ٢٧ ـ من كتاب العتق الحديث ٢.

١٢٧

للسؤال عن عتق أول ولد تلده ، وهو بعينه كالمسألة الأولى ».

قلت : لا يخفى عليك ما فيه ، نعم يجب إرادة الموصولة من لفظ « ما » لا الموصوفة التي هي بمعنى أول مولود تلده وإلا كانت كالمسألة الاولى ، ولعل الإطلاق يحمل على الأول ، كما هو مقتضى النص والفتوى أو على معلومية كون المراد من الأول ما يشمل التعاقب المزبور.

ولو ولدت الأول ميتا احتمل بطلان العتق وانحلال النذر ، لأن شرط النذر وجد في الميت الذي هو ليس محلا للعتق ، واحتمل الصحة في الحي الذي تلده بعد ذلك ، لأن الظاهر تعلق النذر بأول حي تلده ، ولعل الأول أقوى.

ولو ولدته مستحقا للعتق كالمقعد لم يعتق الثاني أيضا في أقوى الوجهين ، بل في المسالك هو أولى من الأول بذلك ، لصلاحيته للعتق هنا ، غايته اجتماع سببين ، والله العالم.

المسألة الثالثة :

لو كان له مماليك فأعتق بعضهم ثم قيل له : هل أعتقت مماليكك؟ فقال : نعم انصرف الجواب إلى من باشر عتقهم خاصة في نفس الأمر ، فإن العتق لا يتحقق إلا بصيغته وفي الظاهر لأنه إنما أقر بعتق عبيده ، ويصدق على البعض أنهم عبيده ، فلا يؤخذ بعتق الكل ، وإن ظهر السؤال فيه ، إذ يسمع من المفسر التأويل فضلا عن مثله ، ول‌ خبر زرعة (١) سألته « عن رجل قال لثلاثة من مماليك له : أنتم أحرار وكان له أربعة ، فقال رجل من الناس : أعتقت مماليكك؟ قال : نعم ، يجب العتق للأربعة حين أجملهم أو هو للثلاثة الذين أعتقوا؟ فقال : إنما يجب العتق لمن أعتق ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من كتاب العتق الحديث ١ عن زرعة عن سماعة قال : « سألته ... ».

١٢٨

نعم هل يشترط في عدم الأخذ بعتق الجميع الكثرة فيمن أعتقه؟ في القواعد « الأقرب ذلك » ولعله لصدق « عبيدك » وإلا لم يكن له أن يقول إنما أقررت بعتق الواحد أو الاثنين ، فإنه تأويل لا يطابقه اللفظ ، فلا يسمع ، ولكن ظاهر المصنف وغيره العدم ، ولعله لجواز أن يقول : « إنما أردت إيقاع العتق في جملتهم » وهو يصدق على واحد منهم.

قلت : قد يناقش في ذلك ، أولا بأن البحث فيما يحمل لفظه عليه لا في خصوص التداعي وادعاء التأويل ، ولا ينبغي التأمل في حمله في الأخير على الجميع ظاهرا أخذا بظاهر اللفظ ، بل وفي الأول أيضا ، لأن الجمع المضاف مفيد له ، وخبر زرعة (١) إنما يراد منه في نفس الأمر أو أنه لا يحصل العتق بقول : « نعم » المقتضي لإعادة السؤال على الجميع وإن قصد ذلك ، بل هو حاصل لمن أعتقهم بصيغة العتق لا أن المراد منه ـ مع عدم العلم بالحال ـ الحكم بعتق الثلاثة خاصة المعلوم أنه أعتقهم دون الرابع الذي هو محل شك صرفا لجوابه في خصوص المعلوم ، إذ هو كما ترى لا يوافق إرادة ما في نفس الأمر ولا ظاهر الإقرار ، إذ الأول لا فرق فيه بين المتحد والمتعدد ، والثاني لا بد من حمله على الجميع ، ومن هنا أنكر على العلامة الشرط المزبور بعض من تأخر عنه.

لكن في شرح الفخر « أن الجمع المضاف وإن كان الحق أنه للعموم لكن لا يحمل عليه هنا ، لأنه إذا أعتق ثلاثة من مماليكه يصدق قوله : هؤلاء مماليكي حقيقة ، فإذا قيل له : أعتقت مماليك فقال : نعم وهي تقتضي إعادة السؤال وتقريره ، فيكون إقرارا بعتق المماليك الذين انعتقوا ، ولا يلزم بغيرهم ، لأصالة البراءة ، ولأن الإقرار إنما يحمل على المحقق المتيقن ، لا على ما فيه احتمال ، وهل يشترط في الاقتصار عليه كثرة بحيث يصدق عليه الجمع حقيقة أم لا؟ قولان ، ومنشأ القولين أن اللفظ إنما يحمل على الإقرار على أصل الحقيقة ، ومن حيث أصل البراءة ، ومن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من كتاب العتق الحديث ١ عن زرعة عن سماعة قال : « سألته ... ».

١٢٩

جواز التجوز به أو يتفرع على ذلك الاكتفاء بالواحد وعدمه ، فعلى عدم الاشتراط يكتفي بالواحد ، وعلى عدمه لا يكتفي بالواحد ، ويلزم بعتق ما يصدق عليه الجمع حقيقة ، ويكون في الباقي كالمشتبه » وقد حكاه عنه على طوله في المسالك وأطنب في رده حتى ذكر خمسة أوجه في مناقشته.

ولكن الحق عدم ورودها جميعها أو جملة منها ، ضرورة كون مراده بل ومراد الأصحاب بل وما في الرواية أنه لا يحكم عليه بالإقرار بعتق الجميع مع الظن أو الشك بإرادة الإقرار بمن وقع عتقه منهم ، ولأنه بمنزلة العهد الذي يحمل اللفظ فيه على المعهود ، ولا ينافي ذلك كون الجمع المضاف للعموم المعلوم إرادة كون عمومه على حسبه في نحو « هؤلاء مماليكي ».

وبالجملة الغرض حيث إنه لا يحصل ظن بالمراد من اللفظ وأن مراد لافظه التوصل إلى مقصوده بما يؤديه نفس اللفظ لا يحكم عليه بمعنى اللفظ ، ويرجع حينئذ إلى المتيقن ، لأن الأصل براءة الذمة ، وعلى ذلك مبنى هذه المسألة ، فلا وجه لاطناب ثاني الشهيدين فيها ، إذ لا كلام في حمل الجمع المضاف على العموم ، ومما يؤيد ما ذكرناه فرضهم المسألة فيمن وقع منه عتق بعض مماليكه وغير ذلك مما يصرف اللفظ عن إرادة الإقرار بما يؤديه نفس لفظه مع عدم القرينة.

وما أشبه ما نحن فيه بما رواه‌ الوليد بن هشام (١) قال : « قدمت من مصر ومعي رقيق. فمررت بالعاشر ، فسألني ، فقلت : هم أحرار كلهم ، فقدمت المدينة فدخلت على أبي الحسن عليه‌السلام فأخبرته بقولي للعاشر ، فقال : ليس عليك شي‌ء » سواء كان المراد عدم حصول التحرير بهذا اللفظ أو عدم الحكم عليه بظاهر إقراره ، وكان المسألة من الواضحات وإن كثر كلام ثاني الشهيدين فيها في المسالك ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من كتاب العتق الحديث ١.

١٣٠

المسألة الرابعة :

لو نذر عتق أمته إن وطأها صح لما عرفت من عموم أدلة النذر وقابليته للتعليق ، وأنه ليس من العتق المعلق وحينئذ ف تعتق أو تنعتق بتحقق مسمى الوطء نعم إن أخرجها عن ملكه انحلت اليمين فلو أعادها بملك مستأنف لم يعد اليمين الذي كان ظاهره التعليق على الوطء بالملك الأول ، نحو ما سمعته في الإيلاء ، نعم لو قصد الأعم من العائد والموجود فلا إشكال في عدم الانحلال ، كما لا إشكال فيه مع قصده الوطء بالملك الموجود.

إنما الكلام مع الإطلاق ، وقد عرفت أن الظاهر منه ما ذكرناه ، ويدل عليه مضافا إلى ذلك‌ صحيح محمد بن مسلم (١) عن أحدهما عليهما‌السلام « سألته عن الرجل تكون له الأمة فقال : يوم يأتيها فهي حرة ، ثم يبيعها من رجل ثم يشتريها بعد ذلك ، قال : لا بأس بأن يأتيها ، قد خرجت عن ملكه » المحمول على النذر وشبهه ، لما عرفت من عدم جواز التعليق في العتق ، وفي الروضة « ويشهد له تعليله بأنها قد خرجت عن ملكه ، ولو لم يكن منذورا لم يتوقف ذلك على الخروج ، كما لا يخفى » وإن كان فيه ما فيه. وعلى كل حال فقد فهم الأصحاب منها ذلك وعملوا به ، بل في المسالك ما وقف على راد لها إلا ما يظهر من ابن إدريس.

نعم في الروضة وكذا المسالك « في تعدية الحكم إلى غير الوطء من الأفعال وإلى غير الأمة وجهان : من كونه قياسا والفرض مخالفة الحكم للأصل من حيث إن خروجها عن ملكه لا مدخل له في انحلال النذر ، لأن غايته أن تصير أجنبية منه والنذر يصح تعليقه بالأجنبية كنذر عتقها إن ملكها ، وهي في ملك غيره ابتداء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من كتاب العتق الحديث ١.

١٣١

كما تقدم في نظائره ـ وفيه ما عرفت من ظهور النذر في الوطء بذلك الملك ـ ومن إيماء النص إلى العلة بقوله عليه‌السلام « قد خرجت عن ملكه » وذلك يوجب التعدي إلى ما توجد فيه العلة المنصوصة ». وفي الروضة « وهو المتجه ».

وفيه أن المبنى إذا كان ما ذكرنا من الظهور ينبغي أن يكون المدار عليه ، لا نفس الخروج عن الملك مطلقا ، ضرورة إمكان الفرق بين الوطء وغيره من الأفعال في الظهور المزبور ، بل ينبغي القطع بإيماء التعليل إلى ذلك ، لا أن الحكم تعبدي.

ثم قال فيهما أيضا : « إن ظاهر الصحيح المزبور جواز التصرف في المنذور المعلق على شرط لم يوجد ، وهي مسألة إشكالية » ثم حكى في الروضة عن الفاضل في التحرير « اختيار عتق العبد لو نذر إن فعل كذا فهو حر فباعه قبل الفعل ثم اشتراه ثم فعل ، وعن ولده أنه استقرب جواز التصرف في المنذور المعلق على شرط قبل حصوله ، وهذا الخبر حجة عليهما ».

قلت : قد عرفت ما يمكن الجواب به عن الأول منهما ، وأما مسألة التصرف في المنذور المعلق على شرط فقد يقال : إن محلها ما لو كان المعلق عليه متوقعا كمعافاة المريض ونحوه ، وأما مع فرض القطع بعدمه فلا إشكال في الجواز ، والفرض في المسألة أنه بالخروج عن الملك يمتنع المعلق عليه بناء على أن المراد الوطء بذلك الملك فتأمل جيدا ، والله العالم.

١٣٢

المسألة الخامسة :

لو نذر عتق كل عبد قديم انصرف إلى من مضى عليه في ملكه ستة أشهر فصاعدا إذا لم يكن هناك عرف يقتضي خلافه أو قصد كذلك ، بل نذر وقصد مصداق ذلك في نفس الأمر الذي لا يمكن معرفة أول مصاديقه لأحد إلا علام الغيوب أو من أودعه علم ذلك ، فإنه حينئذ أعرف أهل العرف ، ضرورة أن العرف العام إنما يعرف الأفراد المعلومة منه ، كما أنه يعرف الأفراد المعلوم أنها ليست منه ، أما أول المصاديق فلا طريق له إلى معرفته ، فيكون المقام حينئذ كبيانه عليه‌السلام تحديد الوجه على التحقيق والركوع والمسافة ونحو ذلك ، ومع فرض عدم تجدد عرف آخر يكون هو الميزان.

وهذا هو المراد من‌ مرسل النهدي (١) قال : « دخل أبو سعيد المكاري على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، فقال له : أبلغ من قدرك أن تدعي ما ادعى أبوك؟ فقال له : مالك إطفاء الله نورك ، وأدخل الفقر بيتك ، أما علمت أن الله أوحى إلى عمران أني واهب لك ذكرا فوهب له مريم فوهب لمريم عيسى ، فعيسى من مريم ، ومريم من عيسى ، ومريم وعيسى شي‌ء واحد ، وأنا من أبي وأبي مني ، وأنا وأبي شي‌ء واحد ، فقال له أبو سعيد : فأسألك عن مسألة فقال : لا أخا لك ، بعيد أن تقبل مني ولست من غنمي ولكن هاتها ، فقال : رجل قال عند موته : كل مملوك لي قديم فهو حر لوجه الله ، قال : نعم إن الله عز ذكره قال ( حَتّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ) (٢) فما كان من مماليكه أتى عليه ستة أشهر فهو قديم ، فهو حر » وعن تفسير‌

__________________

(١) ذكر ذيله في الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من كتاب العتق الحديث ١ وتمامه في الكافي ج ٦ ص ١٩٥ وفيهما قال : « دخل ابن أبي سعيد المكاري ... ».

(٢) سورة يس : ٣٦ ـ الآية ٣٩.

١٣٣

علي بن إبراهيم أنه رواه عن أبيه عن داود بن سعيد (١) « سألته » وحينئذ يكون حسنا.

وعن إرشاد المفيد (٢) « قضى علي عليه‌السلام في رجل أوصى فقال : أعتقوا عني كل عبد قديم في ملكي ، فلما مات لم يعرف الوصي ما يصنع ، فسأله عن ذلك ، فقال : يعتق كل عبد له في ملكه ستة أشهر ، وتلا الآية » وكان الشيخ فهم من المملوك العبد فعبر به ، ولعله كذلك لا أن المراد منه تعبد محض ، وإلا لم يكن وجه للاستدلال بالاية على المكاري الذي هو ليس من غنمه ، ويريد البرهان منه على ما ادعاه ، وحينئذ يكون المسألة على الضوابط ، ويتعدى من المقام إلى غيره ، لكن على الوجه الذي ذكرناه ، ولعل قول المصنف وغيره : « انصرف » إلى آخره لا يخلو من إشعار.

لكن في المسالك « هو شامل للذكور والأنثى. ولكن الشيخ عبر بلفظ العبد ، وتبعه المصنف والجماعة ، وتمادي الأمر إلى أن توقف العلامة في تعدي الحكم إلى الأمة من حيث إن هذا الحكم على خلاف الأصل ، ولا دليل عليه من جهة العرف ولا اللغة ، وإنما مستنده الشرع ، مع أن الرواية ضعيفة السند مرسلة ، واعتذر فخر الدين عنه بأن المسألة إجماعية وأن الإجماع لم يقع إلا على العبد ، فلذلك استشكل والده في حكم الأمة ، والإجماع على وجه يكون حجة ممنوع ، بل كثير من العلماء ـ كابن الجنيد وسلار والصدوق ـ لم يتعرضوا لها ، وإن الأصل فيها الشيخ ، وطريقته في النهاية الاستناد إلى الروايات من غير مراعاة طريقها ، كما هو المعلوم من عادته ، ولكن اتباع ابن إدريس له حملهم على شبهة الإجماع ، حيث إنه لا يعتمد على أخبار الآحاد مطلقا ، فعمله بمضمونها يدل على فهمه أنه إجماع ».

وهو من غرائب الكلام ، بل لا يخلو من سوء ظن أو سوء أدب مع من عرفت ،

__________________

(١) أشار إليه في الوسائل في الباب ـ ٣٠ ـ من كتاب العتق الحديث ١ عن داود بن محمد النهدي قال : « دخل أبو سعيد ... ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من كتاب العتق الحديث ٢.

١٣٤

وكيف كان فقد عرفت الوجه في المسألة.

بل منه يعلم الوجه في التعدية إلى نذر الصدقة والإقرار ونحوهما مما يكون فيه الموضوع القديم ، لكن على الوجه الذي ذكرنا ، وليس مبناه دعوى الحقيقة الشرعية التي يمكن القطع بفسادها ، كما ظنه بعضهم وذكره وجها للتعدي.

وفي مقابله العدم ، لمعارضته اللغة والعرف ، ومنع الحقيقة الشرعية ، وضعف سند الخبر المزبور بالإرسال وغيره ، وقصر الإجماع المدعى على مورده ، وفيه أنه لا وجه للعمل به في مورده مع فرض كون المتكلم من أهل العرف المفروض أن القديم فيه خلاف ذلك ، وأنه أراد ما في عرفه ، بل يمكن القطع بعدم التعبد بذلك ، بل ظاهر استدلال الامام عليه‌السلام خلافه ، فتأمل جيدا.

ولو قصر الجميع عن ستة أشهر ففي المسالك « في عتق أولهم تملكا اتحد أم تعدد أو بطلان النذر وجهان » وفيه أنه لا وجه في الصحة بعد فرض كون أقصى مصداق القديم الستة ، ثم قال : « وعلى الصحة لو اتفق ملك الجميع دفعة ففي انعتاق الجميع أو البطلان لعدم الوصف الوجهان » قلت : قد عرفت أن المدار على صدق الاتصاف بالقديم الذي هو من مضى له زمان من غير فرق بين المتحد والمتعدد ، إلا أن المرجع في أول مصداقه إلى من عرفت ، لا أن المراد منه المتقدم على غيره ، والله العالم.

١٣٥

المسألة السادسة :

من أعتق وله مال فماله لمولاه لما عرفته في كتاب البيع (١) أنه لا يملك شيئا ، والعتق إنما هو فك رقبته من دون تمليك شي‌ء له بعده ، وحينئذ فنسبة المالية له لأدنى ملابسة ، بمعنى أن ما في يده ومختص به ، كثيابه ونحوها مما كان قد أباح المالك له التصرف فيه تصرف المالك بملكه.

وقيل والقائل جماعة من القدماء ، بل في الدروس نسبته إلى كافتهم ، وفي نهاية المرام نسبته إلى الأكثر إن لم يعلم به المولى فهو له وإن علم به فهو للمعتق إلا أن يستثنيه المولى لصحيح زرارة (٢) عن الباقر عليه‌السلام في طريق ، وعنه وعن الصادق عليهما‌السلام في طريق آخر (٣) وعن أحدهما عليهما‌السلام في طريق ثالث (٤) « سألته عن رجل أعتق عبدا له وللعبد مال لمن المال؟ فقال : إن كان يعلم أن له مالا تبعه ماله ، وإلا فهو للمعتق » وموثقه الآخر (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا كاتب الرجل مملوكه أو أعتقه وهو يعلم أن له مالا ولم يكن السيد استثنى المال حين أعتقه فهو للعبد » ونحوه الموثق الآخر (٦) وفي خبر البصري (٧) « سألته عن رجل أعتق عبدا له وللعبد مال وهو يعلم أن له مالا فتوفي الذي أعتق العبد ،

__________________

(١) راجع ج ٢٤ ص ١٧١ ـ ١٨٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من كتاب العتق الحديث ٤.

(٣) الفقيه ج ٣ ص ٦٩ الرقم ٢٣٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من كتاب العتق الحديث ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من كتاب العتق الحديث ١ عن أبي جعفر عليه‌السلام الا أن الموجود في الكافي ج ٦ ص ١٩٠ عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٦) الاستبصار ج ٤ ص ١٠ الرقم ٣١ والفقيه ج ٣ ص ٦٩ الرقم ٢٣٧.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من كتاب العتق الحديث ٦.

١٣٦

لمن يكون المال؟ يكون للذي أعتق العبد أو للعبد؟ قال : إذ أعتقه وهو يعلم أن له مالا فماله له ، وإن لم يعلم فماله لولد سيده ».

وفي المسالك بناء هذه المسألة على مالكية العبد ، ثم حكى عن المختلف التوقف في الحكم هنا مع قوله بعدم ملكية العبد للنصوص (١) المزبورة وناقشه أولا ، ومال إلى القول به أخيرا.

قلت : وقد حكاه في كشف اللثام عن الصدوق والشيخ وجماعة ممن منع ملكية العبد ، بل عن المصنف أن المنع عن الملك مع بقاء الرقية لا يستلزم المنع في حال الحرية ، فإذا ملك التصرف فيه ثم أعتقه أمكن أن يملك في تلك الحال ، لأنه صار له أهلية الملك ، فاستقر له الملك بالتمليك الأول وإن كان هو كما ترى.

على أن التفصيل المزبور لا يوافق قواعد الملك ولا قواعد عدمه ، ضرورة أن مقتضى الأول كون المال للعبد على كل حال ، كما أن مقتضى الثاني كونه للسيد ، نعم قد يقال : إن عدم استثنائه مع العلم به قرينة على بقاء إباحته له ، فإذا نوى به التملك بعد الحرية أمكن القول بكونه ملكا له ، نحو تملك المال المعرض عنه أو المباح للتملك كنثار العرس ونحوه.

وعلى كل حال فلا وجه للاستدلال بهذه النصوص على الملكية بسبب الإضافة التي يكفي فيها أدنى ملابسة ، وما أشبه هذه النصوص بالنصوص (٢) الدالة على أن مال العبد إذا علم به السيد ولم يستثنه عند بيعه العبد للمشتري ، وإلا كان للبائع المحمولة على ما يقرب مما ذكرناه تنزيلا للنصوص المزبورة الذي مرجعه إلى حصول القرائن من السيد على الإعراض عن ماله أو إباحته له أو نحو ذلك ، ومع فرض عدمها ولو لعدم العلم بالمال يبقى على ملكية السيد ، للأصل وغيره ، كما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من كتاب العتق.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب بيع الحيوان من كتاب التجارة.

١٣٧

هو واضح. وأما احتمال التعبد بما في هذه النصوص المزبورة وإن لم يوافق القوانين الشرعية ففي غاية البعد ، والله العالم.

وبذلك بان لك أن الأول مع كونه أشهر أشبه بأصول المذهب وقواعده ، ولا يعتبر في تملك المال على تقدير استثنائه تقديمه على صيغة الحرية ، للأصل ولأنه على كل حال جزء من الصيغة أو بحكمه تقدم أو تأخر ، فإن العبرة بالقصد المفروض كونه مقيدا ، فلا تؤثر الصيغة لو فرض تقدمها في اللفظ عليه قبل ذكره.

خلافا للمحكي عن الشيخ وغيره ، لخبر أبي جرير (١) المتقدم الذي قد عرفت عدم القائل به ، بل معارض بإطلاق الأدلة وخصوصها ، كما تقدم الكلام فيه سابقا في اشتراط المال على العبد ، فما في الإيضاح ـ من أن الأقرب قول الشيخ ، لحصول التحرير بصيغته ، فيقع الزائد بعد السبب الموجب للتحرير ، ولهذه الدقيقة شرط المصنف في الشروط في العقود أن تكون بين الإيجاب والقبول ـ واضح الضعف خصوصا بعد الإحاطة بما ذكرنا سابقا ، فلاحظ وتأمل ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من كتاب العتق الحديث ٥ والذي تقدم ذكره كان بعنوان صحيح حريز ، راجع التعليقة (٦) من ص ١١٦.

١٣٨

المسألة السابعة :

إذا أعتق أو أوصى بعتق ثلث عبيده مثلا وهم ستة والقيمة متحدة استخرج الثلث بالقرعة بلا خلاف ، بل عن صريح بعض وظاهر آخر الإجماع عليه ، بل ولا إشكال ، قال الصادق عليه‌السلام في خبر محمد بن مروان (١) : « إن أبا جعفر عليه‌السلام مات وترك ستين غلاما وأعتق ثلثهم فأقرعت بينهم وأخرجت عشرين فأعتقتهم » ونحوه غيره (٢) وفي‌ صحيح ابن مسلم (٣) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يكون له المملوكون فيوصي بعتق ثلثهم ، قال : كان علي عليه‌السلام يسهم بينهم » إلى غير ذلك من النصوص ، مؤيدا ذلك بأن المقام من القسمة التي قد عرفت استعمال القرعة فيها ، وليس هو من قبيل الوصية بكلي يرجع في تعيينه إلى الوارث ، لكن في الدروس عن المصنف في الفرض « يعينه الوارث ، والقرعة على الندب والروايات حكاية حال » وهو كما ترى ، بل صحيح ابن مسلم ليس من حكاية الحال.

ثم إن ظاهر النص والفتوى في المقام وغيره عدم كون القرعة من خواص الامام عليه‌السلام لكن في‌ خبر يونس (٤) قال : « في رجل كان له عدة من مماليك فقال : أيكم علمني آية من كتاب الله فهو حر ، فعلمه واحد منهم ثم مات المولى ولم يدر أيهم علمه الآية هل يستخرج بالقرعة؟ قال : نعم ، ولا يجوز أن يستخرجه أحد إلا الإمام ، فإن له كلاما وقت القرعة يقوله ودعاء لا يعلمه سواه ولا يقتدر عليه غيره » وإن لم أر عاملا به ، ويمكن حمله على إرادة أن استخراج المشتبه بها على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٥ ـ من كتاب العتق الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٥ ـ من كتاب الوصايا الحديث ١ والباب ـ ١٣ ـ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١٠ من كتاب القضاء.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٥ ـ من كتاب العتق الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من كتاب العتق.

١٣٩

وجه يوافق الواقع مختص بالإمام أو على غير ذلك.

وكيف كان ف صورتها وكيفيتها يكون طرق ، ولكن المحكي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) ما ذكره المصنف وهو أن يكتب في ثلاث رقاع اسم اثنين في كل رقعة من غير تعرض فيها للحرية والرقية أو معه ، ثم يستر ويخرج على الحرية أو الرقية ، فإن خرج على الحرية كفت الواحدة وإن خرج على الرقية استرق ما فيها وافتقر إلى إخراج اثنين آخرين ، فان خرج على الرقية أيضا أعتق الباقي وإلا استرق.

وإن كتب في الرقاع الحرية والرقية من غير أن يكتب أسماء العبيد فليكتب في رقعة حرية وفي رقعتين رقية على نسبة المطلوب في القلة والكثرة ، ثم يخرج باسم أحد الأجزاء الثلاثة الذين رتبوا سابقا على الكيفية السابقة.

ويجوز أن يكتب في الفرض ستة رقاع إما بأسماء الستة ، كل واحد منهم في رقعة ثم يخرج على الحرية أو الرقية كما مر إلى أن يستوفى المطلوب ، أو يكتب في اثنين حرية وفي أربع رقية ثم يخرج على واحد واحد إلى أن يستوفيه ، وهذا الطريق وإن كان أعدل كما قيل ، لأن جمع اثنين على حكم واحد يمنع من افتراقهما في الرقية والحرية ، ومن الممكن خروج أحدهما حرا والآخر رقا ، بل في قواعد الفاضل الأقرب استعماله في جميع الفروض وإن كان هو كالاجتهاد في مقابلة النص المعمول به.

لكن المشهور بين الفقهاء هو الأول لما روى (٢) « من أن أنصاريا أعتق ستة لا مال له سواهم ، فجزأهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثة أجزاء فأعتق اثنين » نعم هو متجه في بعض الفروض الخارج عن مفروض النص مع عدم إمكان التعديل فيه ، أما غيره فالأقوى جواز الجميع فيه.

وكيف كان فإذا تساووا عددا وقيمة وأمكن تجزئتهم ثلاثا كما في الستة‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ١٠ ص ٢٨٥.

(٢) سنن البيهقي ج ١٠ ص ٢٨٥.

١٤٠