جواهر الكلام - ج ٣٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

السائغ فعبدي حر ، ووجب عتقه إن قال : لله علي أن أعتقه ، والمطابق للعبارة الأول ، لأنه العتق المعلق لا الثاني ، فإنه الإعتاق ، ومثله القول فيما إذا نذر أن يكون ماله صدقة أو لزيد أو أن يتصدق به أو يعطيه لزيد ، فإنه ينتقل عن ملكه بحصول الشرط في الأول ، ويصير ملكا لزيد قهريا ، بخلاف الأخير ، فإنه لا يزول ملكه به ، وإنما يجب أن يتصدق به أو يعطى زيدا ، فان لم يفعل بقي على ملكه وإن حنث ، ويتفرع على ذلك إبراؤه منه قبل القبض ، فيصح في الأول دون الثاني ».

وفيه ( أولا ) أن ذلك ليس من العتق بالصيغة معلقا ، بل هو بالنذر الذي ثبت فيه مشروعية التعليق ، والبحث إنما هو في إنشاء العتق بصيغته معلقا ، و ( ثانيا ) إمكان منع صحة ذلك ، لعدم اقتضاء أدلة النذر مشروعية نذر الآثار التي أوقفها الشارع على صيغ خاصة كالنكاح والطلاق والوقف ونحوها ، بل وكذا الكلام في نذر كون المال لزيد ، نعم لو نذر كونه لله خرج عن ملكه ووجبت الصدقة به ، وقد تقدم منا البحث في وقوع هذه الآثار لو كانت بالشرط الذي يقتضي أدلته كونه أوسع دائرة من النذر ، فلاحظ وتأمل. والله العالم.

وكذا لا يصح لو قال يدك حرة أو رجلك أو رأسك أو وجهك بلا خلاف أجده بين من تعرض له ، بل عن الانتصار الإجماع عليه ، بل ولا إشكال إذا كان المراد تحرير الأجزاء المزبورة ، ضرورة عدم ثبوت مشروعيته ، بل الثابت عدمه ، أما مع إرادة الكناية بذلك عن الشخص نفسه ـ ولو مجازا لعلاقة الجزء والكل وإن كان على الوجه الفاسد ـ فيشكل عدم صحته بتحقق صيغة العتق التي لم يثبت اعتبار ذكر المعتق فيها باسمه أو بما يدل عليه حقيقة ، وكون العتق لا يقع بالكناية إنما يراد به ما يدل على التحرير لا المحرر ، وفي كشف اللثام إن أراد بالوجه الذات وقع ، لكونها من معانيه ، وللعامة قول بالوقوع إذا علق على ما يطلق على الجملة كالرأس ، وآخر به مطلقا.

وفي المسالك بعد أن ذكر عدم وقوع العتق بالأجزاء المزبورة قال : « وإن كان‌

١٠١

الوجه والرأس قد يطلق على الذات عرفا ، لأنه خلاف المتبادر ، ولعدم نقل مثل ذلك شرعا » وفيه أن التبادر وعدمه لا مدخلية له في المقام ، إذ الفرض معلومية كون ذلك مراد اللافظ ، وعدم النقل شرعا لمعلومية عدم التعبد فيما يدل على المعتق.

ثم قال : « واعلم أنه قد تقدم وقوع الكفالة المتعلقة بالوجه والرأس معللا بأنه قد يعبر بهما عن الجملة عرفا ، والفرق بين الكفالة والعتق أن القصد الذاتي منها إحضار البدن ، والذات تابعة عرفا ، وهنا بالعكس ، فإن الحرية المقصودة من العتق متعلقها الذات ، والبدن تابع إذا جعلناه غيره ، وأما الفرق بينهما بأن المعتبر في الكفالة العرف وفي العتق الشرع فلا يخلو من تحكم وإن كان العرف منصرفا في الفرق الأول » وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه.

بل منه يعلم ما في قول المصنف وغيره أما لو قال : بدنك أو جسدك فالأشبه وقوع العتق لأنه هو المعنى بقوله أنت حر أي أنهما في العرف بمعنى واحد ، ولا إشكال في وقوع العتق بالأخير ، سواء قلنا بكون الإنسان جسما أو جسمانيا ، فكذا ما كان بمعناه عرفا عاما ، ولأن المالكية والمملوكية يتواردان على الموضوع الواحد ، والمملوكية تتعلق بالهيكل المحسوس قطعا فكذا المالكية المترتبة عليها الحرية ، ومن هنا قال في المسالك : « والأقوى الوقوع بذلك إلا أن يكون القائل معتقدا أن الإنسان خلاف ذلك ، وادعى قصد شي‌ء غيره ، فيرجع إليه فيه ».

قلت : لا ينبغي التأمل في الصحة إذا كان المراد من ذلك معنى « أنت » أو « زيد » أو نحوهما مما يدل على الجملة ، لما عرفت ، كما أنه لا ينبغي التأمل في البطلان إذا كان المراد خلاف ذلك ، خصوصا مع عدم تناول اسم الجسد والبدن لجميع أجزاء الشخص ، كما هو واضح ، والله العالم.

وكيف كان ف هل يشترط تعيين المعتق؟ الظاهر عند المصنف‌

١٠٢

أنه لا يشترط ، بل هو المشهور على ما قيل ، بل عن الكنز أنه لم يظهر فيه خلاف ، لإطلاق الأدلة وتغليب الحرية السالمين عن معارضة عدم صلاحية تعلق الحكم بالمبهم بعد فرض تحققه في الشرع فيما إذا أعتق مماليكه كلهم في مرضه ولم يخرجوا من الثلث ولم يجز الورثة ، فإنه يخرج قدر الثلث بالقرعة إلا أنه إن لم يكن إجماعا أمكن المناقشة بأنه الثابت من النصوص (١) المتضمنة للصيغة المعينة ، وقد عرفت أن الإطلاقات غير مساقة لبيان ذلك ، والإبهام الثابت في الفرض المزبور لا يستفاد منه جواز الإبهام في متعلق الصيغة أولا ، وإنما كان المتجه فيه العتق بالثلث المشاع في العبيد إلا أنه لمكان النص (٢) صحت القرعة فيه على الثلث المعين ، ومن هنا يقوى احتمال الاشتراط ، بل قد تقدم في الطلاق ما يستفاد منه قوته زيادة على ذلك ، ولعله لذا كان ظاهر الشهيد في الدروس التوقف ، بل هو صريح الفخر في الشرح ، بل صريح نهاية المرام عدم الجواز بعد أن حكاه قولا ، نعم لا محيص عن القول به هنا مع فرض الإجماع المزبور.

وحينئذ فلو قال : أحد عبيدي حر صح ورجع إلى تعيينه عند المشهور أيضا لنحو ما سمعته في الطلاق (٣) ولكن قد ذكرنا هناك قوة القول بالرجوع إلى القرعة التي هي لكل أمر مشكل لا المشتبه خاصة ، كما يقتضي به أصل مشروعيتها ، وهو مساهمة يونس عليه‌السلام (٤) ولا ريب في تحقق الاشكال مع فرض عدم الطريق وفرض وقوع العتق بالصيغة لا بها مع التعيين إذ لم يثبت كون التعيين تشهيا منه حينئذ طريقا شرعا إلى ذلك كما أوضحناه هناك ف لاحظ وتأمل.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من كتاب العتق والباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١ والمستدرك الباب ـ ٢٤ ـ من كتاب العتق.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٥ ـ من كتاب العتق.

(٣) راجع ج ٣٢ ص ٥٢.

(٤) سورة الصافات : ٣٧ ـ الآية ١٤١.

١٠٣

نعم بناء عليه لو عين ثم عدل لم يقبل لعدم بقاء موضوع العتق بعد تعيينه ، فيبقى حينئذ من عدل إليه على أصل الرقية بعد فرض لغوية تعيينه الثاني ، وقد تقدم في الطلاق (١) تحقيق الحال في أن التعيين المزبور كاشف عن العتق بالصيغة ، وعليه مبنى قوة القول بالقرعة أو أنه متمم لها ، فيحصل حينئذ من حينه مع سائر الفروع المتعلقة بذلك وبغيره التي لا يخفى عليك جريانها في المقام ، فلاحظ وتدبر.

ومنها ما لو مات قبل التعيين فإنه قيل : يعين الوارث الذي هو خليفة الموروث وقائم مقامه حتى في مثل التعيين الراجع إلى التشهي ، بل قد يدعى انتقاله إليه بالإرث كحق الخيار ونحوه وقيل : يقرع لعدم موردية نحو التعيين المزبور ، ولا دليل على قيام الوارث مقامه في تعيين المبهمات ، فليس حينئذ إلا القرعة وهو أشبه لعدم اطلاع الوارث على قصده الناشئ تشهيا ، وعدم ثبوت إرثه لذلك ، بل قد عرفت قوة القول بالرجوع إليها قبل الموت ، بل يظهر من ترجيح المصنف وغيره الرجوع إليها هنا عدم اختصاصها بالمشتبه ، وإنما يؤتى بها للترجيح كما قدمنا الكلام فيه في كتاب الطلاق (٢) هذا كله في المبهم في نفس الصيغة ويراد إنشاء تعيينه.

أما لو أعتق معينا ثم اشتبه عليه ارجى‌ء حتى يذكر وعمل على مقتضى المقدمة حال عدم الذكر فان ذكر عمل بقوله مع عدم المعارض لأنه المرجع في نحو ذلك ، وتعين من عينه للعتق ولو عدل بعد ذلك لم يقبل لأنه إنكار بعد إقرار للغير بحق الحرية ، بل قيل : إنه يحكم بحرية المعدول إليه أيضا عملا بإقراره المتأخر وإن كان لنا فيه بحث قد تقدم في الطلاق (٣) أيضا فإن‌

__________________

(١) راجع ج ٣٢ ص ٤٦ ـ ٤٨.

(٢) راجع ج ٣٢ ص ٤٦ ـ ٤٨.

(٣) راجع ج ٣٢ ص ٥٤.

١٠٤

لم يذكر لم يقرع ما دام حيا لاحتمال التذكر فلم يتحقق الإشكال الذي هو موضوع القرعة ، اللهم إلا أن يستلزم ذلك الضرر والتعطيل ، فقد يقال حينئذ بها ، ويأتي الكلام حينئذ فيما لو تذكر بعدها بما ينافيها كما تقدم الكلام فيه في كتاب الطلاق (١) فلاحظ.

ولو مات وادعى الوارث العلم ولو لدعوى اطلاعه عليه منه رجع إليه ولكن فيه بحث قدمناه أيضا في كتاب الطلاق (٢) وإن جهل أقرع بين عبيده بلا خلاف لتحقق الاشكال واليأس من زواله واحتمال الرجوع إلى الوارث هنا واضح الفساد.

ولو ادعى أحد مماليكه أنه هو المراد بالعتق ولو للاطلاع عليه من قبله فأنكر المولى فالقول قوله أي المولى مع يمينه لأنه منكر ، وكذا حكم الوارث لعموم‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) « البينة على المدعى‌ واليمين على من أنكر » نعم لو نكل عن اليمين قضى عليه بالنكول إن قلنا به ، وإلا احلف المملوك وأعتق كما في غير ذلك من الدعاوي ، وهو واضح.

وكيف كان ف يعتبر في المعتق البلوغ وكمال العقل والاختيار والقصد إلى العتق والتقرب إلى الله تعالى وكونه غير محجور عليه لسفه أو فلس بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك عدا من بلغ عشرا من الأول الذي ستعرف الكلام فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى عموم الأدلة ، وخصوص‌ صحيح زرارة (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عن عتق المكره فقال ليس عتقه بعتق » وصحيحه الآخر خاصة أو مع محمد بن مسلم وبريد بن معاوية وفضيل وإسماعيل‌

__________________

(١) راجع ج ٣٢ ص ٤٦.

(٢) راجع ج ٣٢ ص ٥٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب كيفية الحكم الحديث ٥ وفيه « البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه ».

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من كتاب العتق الحديث ١.

١٠٥

الأزرق ومعمر بن يحيى (١) عنه عليه‌السلام أيضا وعن أبي عبد الله عليه‌السلام « إن المدله ليس عتقه بعتق » وصحيح الحلبي (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن طلاق السكران قال : لا يجوز ولا عتقه » ونحوه صحيحه الآخر (٣) عنه عليه‌السلام أيضا ، وصحيح حماد وابن أذينة وابن بكير وغير واحد (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « لا عتق إلا ما أريد به وجه الله تعالى » ونحوه خبر أبي بصير (٥) عنه عليه‌السلام أيضا ، وخبر علي بن أبي حمزة (٦) عنه عليه‌السلام أيضا « لا عتق إلا ما طلب به وجه الله عز وجل » وخبر عبد الأعلى مولى آل سام (٧) عنه عليه‌السلام أيضا « لا طلاق إلا على كتاب الله ، ولا عتق إلا لوجه الله » إلى غير ذلك.

نعم في عتق الصبي إذا بلغ عشرا وصدقته تردد وخلاف ، فالأكثر كما في كشف اللثام على العدم ، لإطلاق الأدلة في سلب عبارته ، والشيخ على الصحة ومستند الجواز رواية الشيخ عن موسى بن بكر عن زرارة (٨) عن أبي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من كتاب العتق الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من كتاب العتق الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من كتاب العتق الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من كتاب العتق الحديث ١.

(٥) الكافي ج ٦ ص ١٧٨.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من كتاب العتق الحديث ٢ وهو خبر أبى بصير الذي أشار إليه ( قده ) فإنه وان رواه في الوسائل عن على بن أبي حمزة عن أبى عبد الله عليه‌السلام الا أن الموجود في الكافي ج ٦ ص ١٧٨ على بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام وهناك صحيحة أخرى يدل على المطلوب لم يتعرض لها في الجواهر ، وهي الصحيحة التي رواها في الوسائل في الباب ـ ١٣ ـ من كتاب الوقوف والصدقات الحديث ٢ عن‌ حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا صدقة ولا عتق الا ما أريد به وجه الله عز وجل ».

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من كتاب الايمان الحديث ٩.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من كتاب العتق الحديث ١.

١٠٦

جعفر عليه‌السلام‌ قال : « إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنه يجوز له من ماله ما أعتق وتصدق على وجه المعروف فهو جائز » وبإسناده عن صفوان بن يحيى عن موسى بن بكر (١) مثله ، إلا أنه قال : « على حد معروف وحق فهو جائز » بل رواه الكليني أيضا عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد وأحمد بن محمد بن عيسى جميعا عن صفوان بن يحيى (٢) إلى آخره ، وفي النافع أسنده إلى رواية حسنة ، وظاهره الميل إليه ، بل ربما يؤيده ما تقدم من جواز وصيته بالمعروف التي منها العتق ، بل منها التدبير بناء على أنه وصية به ، وذلك لاستبعاد صحته تدبيرا وعدمها تنجيزا.

ولكن مع ذلك كله أطنب في المسالك في بيان سقوط هذه الرواية ، وذلك لأن في سندها موسى بن بكر ، وهو واقفي غير ثقة. وابن فضال ، وهو فطحي وإن كان ثقة ، والشيخ تارة أوقفها على زرارة ، واخرى إلى الباقر عليه‌السلام ، كما أن المصنف أسندها إلى زرارة هنا ، وقال في نكت النهاية : « إنها موقوفة » وفي النافع وصفها بالحسن ، ولعله أراد غير الحسن المصطلح ، إلى أن قال : « فمع هذه القوادح كيف تصلح لإثبات هذا الحكم المخالف لأصول المذهب ، بل إجماع المسلمين ، فإطراحها متعين ، ويمكن حملها وحمل ما ورد (٣) في معناها في جواز وقفه وصدقته ووصيته‌

__________________

(١) أشار إليه في الوسائل الباب ـ ٥٦ ـ من كتاب العتق الحديث ١ وقد ذكره في التهذيب في موضعين : الأول في ج ٨ ص ٢٤٨ بإسناده عن موسى بن بكر عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام وفيه «. وتصدق على وجه المعروف فهو جائز ». والثاني في ج ٩ ص ١٨١ بإسناده عن علي بن الحسن عن علي بن الحكم عن موسى بن بكر عن زرارة مضمرا. وفيه «. على وجه معروف وحق فهو جائز » ولم نعثر على السند واللفظ اللذين ذكرا في الجواهر والوسائل.

(٢) أشار إليه في الوسائل الباب ـ ٥٦ ـ من كتاب العتق الحديث ١ وذكره في الكافي ج ٧ ص ٢٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من كتاب الوقوف والصدقات.

١٠٧

على أن ابن العشر محل إمكان البلوغ ، كما تقدم في أن الولد يلحق به في هذا السن لإمكان بلوغه بالمني فبسبب أنه في وقت إمكان البلوغ وجواز التصرف أطلقوا جواز تصرفه ، والمراد به إذا انضم إليه ما يدل على البلوغ ، بمعنى أنه من حيث السن لا مانع من جهته وإن توقف على أمر آخر ، وهذا خير من اطراح الروايات الكثيرة » وتبعه على ذلك بعض من تأخر.

ولكن الانصاف عدم كونها بهذه المثابة بعد أن عرفت روايتها في التهذيب والكافي وفي سندها بعض أصحاب الإجماع ، كما أن القول بها ليس كذلك ، خصوصا بعد التأييد بما عرفت ، على أن ما ذكره أخيرا صالح للحكم بصحة العتق وإن لم ينضم إليه أمر آخر يقتضي البلوغ إذا فرض وقوع العتق منه على وجه يمكن معه نية القربة لغفلته عن الاشتراط أو جهل به أو غير ذلك ، لأصالة الصحة التي يكفي في الحكم بها احتمال وجود شرط الصحة ، مثل الحكم بلحوق الولد وإن لم يحكم ببلوغه ، ومثل الحكم بصحة صلاة من شك في الطهارة بعد الفراغ منها ، ونحو ذلك يجري في بيعه فضلا عن عتقه ، فتأمل جيدا.

ثم لا يخفى عليك أن نية القربة هنا مثلها في سائر ما تعتبر فيه ، فلا يشترط التلفظ بها وإن اعتبر ذلك في الصيغة وهو واضح.

كوضوح أنه لا يصح ال عتق من السكران وغيره ممن لا عقل له ولا قصد له ، لما عرفت والله العالم.

وكيف كان ف يبطل باشتراط نية القربة عتق الكافر لتعذرها في حقه باعتبار أن اشتراطها يقتضي كون العتق من العبادات ، ومن المعلوم اعتبار الإسلام بل الإيمان في صحتها ، حتى كاد يكون ضروري المذهب إن لم يكن الدين ، فلا يتصور حصول نية التقرب بالعبادة مع فقد شرطها ، نعم لو قلنا بعدم اشتراطها في صحته وأن النصوص المزبورة محمولة على نفي الكمال وعدم ترتب الثواب بدونها فلا إشكال في صحته حينئذ ، ضرورة كونه من المعاملة التي لا إشكال في‌

١٠٨

صحتها منه لا العبادة.

ولعله لذا قال الشيخ في الخلاف والمبسوط يصح مطلقا سواء كان الكفر بإنكار الصانع أو غيره ، بل بعض الاستدلال للقول المزبور في المسالك وغيره ظاهر أو صريح في ذلك وإن كان هو لا يخلو عن تشويش ، فإنه حكى الاحتجاج عنه بأن « العتق فك ملك وتصرف مالي ونفع للغير ، والكافر أهل لذلك ، بل ملكه أضعف من ملك المسلم ، ففكه أسهل ، ولبناء العتق على التغليب ، وجاز حمل الخبر (١) على نفي الكمال ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) : « لا صلاة لجار المسجد إلا فيه » ومن ثم وقع الاتفاق على بطلان عبادة الكافر المحضة دون عتقه ونحوه من تصرفاته المالية المشتملة على العبادة ـ كالوقف والصدقة ـ ترجيحا لجانب المالية على العبادة » وهو كما ترى ، إذ لا فرق في اعتبار الإسلام في صحة العبادة سواء كانت مالية أو غير مالية ، وعلى كل حال فلا ريب في ضعفه.

وأضعف منه القول بالتفصيل ـ وإن اشتهر بين المتأخرين ـ بين كون كفره بجحد الإلهية أصلا ، فلا يصح منه لتعذر قصد القربة ، وبين كونه بجحد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحوه فيصح ، لأن‌ قوله عليه‌السلام (٣) : « لا عتق » إلى آخره ـ الذي حمله على نفي الصحة أولى لأنها أقرب إلى نفي الحقيقة ـ لا يقتضي إلا اشتراط إرادة التقرب المتوقفة على الإقرار به ، ولا يلزم من ذلك حصول المراد الذي هو أمر آخر لا يدل عليه الخبر ، بل كونه عبادة مطلقا ممنوع ، بل من هذا الوجه ، وهو لا يمنع وقوعه من الكافر المقر ، إذ هو كما ترى كاد أن يكون من غرائب الكلام ، ضرورة اقتضاء الصحة في العبادة موافقة الأمر المقتضية ترتب الجزاء عليها ، كضرورة كون المراد بنية القربة إنشاء التقرب على وجه يترتب عليه أثره ، ولذا نافاها الرياء ونحوه من منافيات الإخلاص من غير فرق بين العبادة المالية وغيرها ، بل وبين الزكاة والخمس‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من كتاب العتق.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أحكام المساجد الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من كتاب العتق.

١٠٩

وغيرهما ، وإرادة وجه الله به المذكورة في النصوص (١) يراد بها ذلك لا إرادته على الوجه الذي ذكره.

وبذلك كله ظهر لك تطرق النظر في جملة من الكلمات ، وقد تقدم منا سابقا بعض الكلام في ذلك ، فالتحقيق عدم صحته من الكافر مطلقا ، خصوصا مع استلزامه للولاء الذي هو سبيل على المسلم لو كان العبد مسلما ، بل المتجه عدم صحته من غير المؤمن بناء على أنه من العبادات إلا أني لم أجد من تعرض له ، بل لعل السيرة القطعية تقضي بخلافه ، ويمكن التزام خروج ذلك كالمساجد بها من بين العبادات إلا أنه كما ترى ، والله العالم.

ويعتبر في المعتق بالفتح الإسلام والملك ، فلو كان المملوك كافرا لم يصح عتقه عند الأكثر كما في المسالك ، بل عن بعض الإجماع عليه وإن كنا لم نتحقق الأول منهما فضلا عن الثاني ، وليس في قوله تعالى (٢) ( فَكُّ رَقَبَةٍ ) إلى قوله ( ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ) دلالة على صحة ذلك منهم على وجه يترتب عليه أثره ، بل يمكن دعوى دلالته على العكس ، لقوله تعالى (٣) ( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) والنهي يقتضي الفساد ، ولعدم كونه محلا للتقرب إلى الله تعالى الذي عرفت اعتباره في عتقه ، خصوصا بعد الأمر (٤) بمحادته والنهي (٥) عن موادته والإحسان إليه ، ول‌ خبر سيف بن عميرة (٦) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب الوقوف والصدقات الحديث ٢ و ٣ والباب ـ ٤ ـ من كتاب العتق.

(٢) سورة البلد : ٩٠ ـ الآية ١٣.

(٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٦٧.

(٤) راجع البحار ج ٧٥ ص ٣٨٥ الى ٣٩٢ وفيها الايات والاخبار الدالة على ذلك.

(٥) راجع البحار ج ٧٥ ص ٣٨٥ الى ٣٩٢ وفيها الايات والاخبار الدالة على ذلك.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من كتاب العتق الحديث ٥.

١١٠

أيجوز للمسلم أن يعتق مشركا؟ قال : لا ».

إلا أن الجميع كما ترى ، ضرورة كون المراد الردي‌ء من الخبيث في الآية ، لا الخبيث من حيث الاعتقاد دون المالية التي قد تكون خيرا من مالية العبد المسلم ، ولو سلم فالنهي إنما هو عن خصوص الصدقة الواجبة ، للإجماع على جواز إنفاق الردي‌ء من المال وجيده بالصدقة ونحوها ، وكونه محلا للتقرب يتبع المستفاد من الأدلة ، فمع فرض اقتضاء إطلاقها الأمر بعتق مطلق الرقبة مسلمة كانت أو كافرة فلا إشكال في صحة النية حينئذ ، إذ ليست عبادية العتق مأخوذة من رجحان الإحسان ونحوه.

على أن المصالح المترتبة على ذلك لا يحيط بها إلا علام الغيوب ، فربما أدى ذلك إلى إسلامه ، كما‌ روي (١) « أن عليا عليه‌السلام أعتق عبدا نصرانيا فأسلم حين أعتقه » بل ربما‌ ورد (٢) في بعض النصوص الأمر بسقيهم وإطعامهم معللة بأن « لكل كبد حرى أجر » وخبر سيف مع ضعفه وكونه أخص من المدعى يمكن حمله على ضرب من الكراهة ، نحو النهي (٣) طعن عتق غير المؤمن ، لرجحان إطلاق الأدلة المعتضد بما سمعته من المروي من فعل علي عليه‌السلام ، ومعلومية جواز عتق غير المؤمن الذي هو أشد من الكافر عليه ، ومن هنا قيل والقائل الشيخ في محكي الخلاف والمبسوط وعن ابن سعيد في محكي الجامع يصح مطلقا ومال إليه بعض.

نعم من الغريب هنا ما قيل والقائل الشيخ في محكي النهاية يصح مع النذر لا مع عدمه جمعا بين الخبرين (٤) المزبورين ، وهو كما ترى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من كتاب العتق الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الصدقة الحديث ٣ من كتاب الزكاة والتعليل الوارد انما هو لسقي الحيوان كما في سنن البيهقي ج ٤ ص ١٨٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من كتاب العتق الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من كتاب العتق الحديث ٢ و ٥.

١١١

لا شاهد له ، ولا إشعار في شي‌ء منها به ، على أن النذر يعتبر فيه رجحان المنذور قبل تعلق النذر ، فتنفي صحته بدونه ، كما هو واضح ، والله العالم.

ويصح عتق ولد الزنا كما هو المشهور فتوى وعملا ، لإطلاق الأدلة ، وخصوص خبر سعيد (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لا بأس بأن تعتق ولد الزنا » الشامل لحال صغره الذي لم يحكم فيه بالتبعية وإن كان من كافرين ، وحال كبره مع وصف الإسلام ، بل وإن وصف بالكفر في غير السراية ، لما عرفت من صحة عتق الكافر.

وقيل والقائل المرتضى وابن إدريس ، لا يصح بناء على كفره ذاتا وإن وصف بالإسلام ، بل عن الأخير منهما دعوى الإجماع على ذلك ، ولكن لم يثبت ذلك ، ورواية عدم نجابته (٢) ـ الوارد نظيرها في ولد الحائك ـ لا تقتضي ذلك قطعا ، وكذا‌ قول الصادق عليه‌السلام (٣) : « من ولد للزنا لا يدخل الجنة » ولو سلم دلالتهما والإجماع المزبور فهو في الباطن ، على أنك قد عرفت صحة عتق الكافر ، والله العالم.

ولو أعتق غير المالك فضولا لم ينفذ عتقه ولو أجازه المالك على المشهور كما في المسالك ، بل في كشف اللثام والرياض نفي الخلاف فيه ، بل في الروضة الإجماع عليه ، قيل لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) « لا عتق إلا بعد ملك » الدال على نفي الصحة ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من كتاب العتق الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٩ وفيه « ان ولد الزنا لا يطيب أبدا ».

(٣) البحار ج ٥ ص ٢٨٥ الطبع الحديث وفيه‌ « ان الله عز وجل خلق الجنة طاهرة مطهرة ، فلا يدخلها الا من طابت ولادته » وفيه أيضا «. ولن يدخل الجنة الا طاهر » وفي ص ٢٨٧ منه « لا يدخل الجنة الا من خلص من آدم » وأيضا « من طهرت ولادته دخل الجنة ».

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب العتق الحديث ٢.

١١٢

لأنه أقرب المجازات إلى نفي الحقيقة ، وقول الصادق عليه‌السلام في خبر ابن مسكان (١) : « من أعتق ما لا يملك فلا يجوز » ولأنه عبادة أو فيه شائبة العبادة ، وهي لا تقبل الفضولي.

قلت : لكن قد يناقش بعد اقتضاء الأول البطلان مع الإجازة ، ضرورة كون المراد العتق الذي يترتب عليه الأثر لا مجرد صيغة العتق ، فهو نحو‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢). « لا بيع إلا في ملك » الذي قد عرفت صحة الفضولي فيه ، فإنه على مقتضى إطلاق الأدلة الجاري نحوه في المقام ، ضرورة صحة صدق العتق في ملك عليه بعد فرض الإجازة ، ولا دلالة فيه على اشتراط مباشرة الصيغة المعلوم عدمه هنا بمعلومية صحة عتقه من الوكيل والولي ، ونحو ذلك الكلام في خبر ابن مسكان.

بل منه يعلم ما في الثالث الذي يمكن فيه منع عدم جريان الفضولية في مثل هذه العبادة التي لا يعتبر فيها المباشرة ، خصوصا بعد أن كان من أدلة الفضولي خبر (٣) الصدقة بمال الغير إذا تعقبته الإجازة ، وقد تقدم جملة من الكلام في ذلك في بحث الفضولي (٤) نعم ما عن ابن أبي ليلى من نفوذ العتق وتقويمه على الموسر واضح الفساد ، هذا كله مضافا إلى ما عرفت من احتمال كونه غير عبادة ، والله العالم.

ولو قال : إن ملكتك فأنت حر لم ينعتق مع الملك إلا أن يجعله نذرا أو عهدا أو يمينا بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل ولا إشكال ، للتعليق وعدم الملك حال الصيغة ، وفي‌ المرسل عن الصادق عليه‌السلام (٥) « في رجل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب العتق الحديث ٤.

(٢) المستدرك الباب ـ ١ ـ من أبواب عقد البيع الحديث ٣ وفيه‌ « لا بيع الا فيما تملك » وفي سنن البيهقي ج ٧ ص ٣١٨‌ « لا بيع فيما لا يملك ».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة الحديث ٢.

(٤) راجع ج ٢٢ ص ٢٧٣ الى ٢٨٤.

(٥) المستدرك الباب ـ ٥ ـ من كتاب العتق الحديث ٧.

١١٣

يقول إن اشتريت عبدا فهو حر لوجه الله ، وإن اشتريت هذا الثوب فهو صدقة لوجه الله ، وإن تزوجت فلانة فهي طالق ، قال : كل ذلك ليس بشي‌ء ، إنما يطلق ويتصدق بما ملك » فما عن بعض العامة من الانعتاق بذلك واضح الفساد ، نعم يجب عتقه بصيغة العتق مع الندر مثلا لعموم ما دل على وجوب الوفاء به (١).

ولو كانت الصيغة « لله علي أنه حر إن ملكته » فظاهر الشهيد صيرورته حرا بدون صيغة كما عن ابن حمزة ، ويشكل بأن العتق مشروط بانتقاله إلى ملكه ولو آنا ، فلو عتق بمجرد ملكه لزم العتق في غير ملك ، وأجيب بجواز الاكتفاء بالملك الضمني كملك القريب آنا ثم يعتق.

وفيه أن التزام ذلك فيه بعد أن دل الدليل (٢) على عتق القريب بدخوله في ملك قريبه ، للجمع بينه وبين‌ « لا عتق إلا في ملك » (٣) أما في المقام فلا دليل على انعتاقه بذلك كي يلتزم التقدير المزبور ، وأدلة النذر شرعا تقتضي وجوب الوفاء بالمنذور على شرائطه الشرعية ، لا أنها تشرع الشي‌ء لنفسه ، وإلا لصح الطلاق بدون صيغته بنذره مثلا ، وكذا النكاح وغيره ، وهو معلوم البطلان ، ومن هنا صرح بعضهم بوجوب الصيغة في الفرض ، ولعله كذلك للأصل ، ولأنه ليس من الإيقاع في شي‌ء كما أوضحنا ذلك سابقا ، ولأن النذر إنما يتعلق بفعله ، وما في الدروس من تصريح الرواية بذلك لم نتحققه ، بل ظاهر ما تسمعه من النصوص في المسائل الاتية الصريحة خلافه ، والله العالم.

ولو جعل العتق يمينا لم يقع كما لو قال : أنت حر إن فعلت أو إن‌

__________________

(١) سورة الحج : ٢٢ ـ الآية ٢٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب العتق.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب العتق الحديث ٢ وفيه‌ « لا عتق الا بعد ملك ».

١١٤

فعلت بلا خلاف فيه بيننا ، بل عن الانتصار والخلاف والغنية والسرائر الاتفاق عليه ، لنحو ما سمعته في عدم الحلف بالطلاق ، وقال الصادق عليه‌السلام لمنصور بن حازم في الصحيح (١) : « إن طارقا كان نخاسا بالمدينة ، فإني أبا جعفر عليه‌السلام فقال : يا أبا جعفر إني هالك ، إني حلفت بالطلاق والعتاق ، فقال له : لا طلاق ، إن هذه من خطوات الشيطان » مضافا إلى ما فيه من التعليق الذي قد عرفت عدم جوازه ، إذ لا فرق بين اليمين به والتعليق من حيث الصورة ، نعم يفترقان بالنية ، فإن كان الغرض البعث على الفعل إن كان طاعة والزجر عنه إن كان معصية كقوله : « إن حججت فأنت حر » أو « إن زنيت » قصدا للبعث في الأول والزجر في الثاني فهو يمين ، وإن كان الغرض مجرد التعليق كان قدم زيد. أو دخلت الدار. أو طلعت الشمس. فهو شرط أو صفة ، والله العالم.

ولو أعتق مملوك ولده الصغير لفرض مصلحة للمولى عليه في ذلك صح ، لعموم الآية (٢) ولو أعتقه عن نفسه بعد التقويم بمعنى إدخاله في ملكه بقيمته لفرض مصلحته في ذلك صح بلا خلاف ولا إشكال ، لوجود المقتضي وعدم المانع.

ولو أعتقه كذلك ولم يقومه على نفسه بمعنى عدم إدخاله في ملكه أو كان الولد بالغا رشيدا لا ولاية له عليه لم يصح وفاقا للمشهور ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ، وإن احتمل في الدروس الصحة في الأول ، ويكون ضامنا للقيمة ، كعتق البائع ذي الخيار ، لما عرفت من اشتراط الملك في العتق ، خلافا للمحكي عن النهاية التي هي متون أخبار من الصحة ، لخبر الحسين بن علوان (٣) الضعيف ولا جابر له عن زيد بن علي ، عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام قال : « أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجل فقال : يا رسول الله إن أبى عمد إلى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من كتاب الايمان الحديث ٤.

(٢) سورة البلد : ٩٠ ـ الآية ١٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من كتاب العتق الحديث ١.

١١٥

مملوك لي فأعتقه بهيئة المضرة لي فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت ومالك من هبة الله لأبيك ، أنت سهم من كنانته ، ( يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ ، وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً ) ، جازت عتاقة أبيك ، يتناول والدك في مالك وبدنك ، وليس لك أن تتناول من ماله ولا من بدنه شيئا إلا بإذنه » الواجب حمله كما صرح به غير واحد على إرادة رجحان إجازة الولد للوالد في ذلك ، وحينئذ فيخرج شاهدا على صحة الفضولي ، والله العالم.

ولو شرط على المعتق شرطا سائغا في نفس العتق لزمه الوفاء به في الجملة بلا خلاف كما اعترف به غير واحد ، بل في نهاية المرام الإجماع عليه ، لعموم « المؤمنون عند شروطهم » (١) وإطلاق ما دل (٢) على شرعية العتق الشامل للمشروط وغيره ، وخصوص المعتبرة المستفيضة ، كصحيح أبي العباس (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن رجل قال : غلامي حر وعليه عمالة كذا وكذا ، قال : هو حر وعليه العمالة » وصحيح يعقوب بن شعيب (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أعتق جارية وشرط عليها أن تخدمه عشر سنين ، فأبقت ثم مات الرجل ، فوجدها ورثته ، ألهم أن يستخدموها؟ قال : لا » وصحيح محمد بن مسلم (٥) عن أحدهما عليهما‌السلام « في الرجل يقول لعبده : أعتقتك على أن أزوجك ابنتي ، فإن تزوجت عليها أو تسريت فعليك مأة دينار ، فأعتقه على ذلك ، فيتزوج أو يتسرى ، قال : عليه مأة دينار » وصحيح حريز (٦) قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل قال لمملوكه :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ٤ من كتاب النكاح.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ وغيره ـ من كتاب العتق.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من كتاب العتق الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من كتاب العتق الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من كتاب العتق الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من كتاب العتق الحديث ٥ عن‌ أبي جرير قال : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام ... » الا أن في الكافي ج ٦ ص ١٩١ والتهذيب ج ٨ ص ٢٢٤ والاستبصار ج ٤ ص ١١ عن أبي جرير قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام ... » ولكن في الفقيه ج ٣ ص ٩٢‌ عن حريز قال ؛ « سألت أبا الحسن عليه‌السلام ... » وفي ذيل الحديث في الجميع‌ « وأنت حر برضا المملوك ».

١١٦

أنت حر ولي مالك ، قال : لا يبدأ بالحرية قبل المال ، فيقول له : لي مالك وأنت حر ، إن يرضى المملوك فالمال للسيد » إلى غير ذلك من النصوص (١) الدالة على صحة الشرط في الجملة ، من غير فرق بين المال والخدمة وغيرهما.

نعم في الأخير منهما (٢) اعتبار تقدم الشرط على الصيغة ولم أجد به قائلا هنا ، بل صريح بعض النصوص (٣) السابقة خلافه ، فضلا عن إطلاق الآخر والعمومات ، وحينئذ فهو عتق وشرط ، لا عتق معلق على الشرط ، ويتحقق كونه شرطا في العتق بإرادة اللافظ وقصده بقوله : « أنت حر ولي عليك ألف » والشرط على وجه يكون المجموع صيغة واحدة دالة على مجموع الأمرين.

ولكن بقي شي‌ء ، وهو أن مقتضي بعض الأدلة المزبورة قابلية غير العتق من الإيقاع للشرط حتى الطلاق ، وقد تقدم في الطلاق خلاف ذلك ، وأنه متى قال : « أنت طالق على كذا » ولم تكن كراهة بينهما لا تلتزم به وإن رضيت بذلك ، خلافا لمن عرفت ، فالأولى الاقتصار في صحة الشرط في الإيقاع على خصوص العتق ، للأدلة الخاصة ، وعدم منافاة الشرط فيه القواعد العامة حتى مع عدم القبول ، لما ستعرف من كونه مملوكا له عينا ومنفعة ، بل هو كل عليه لا يقدر على شي‌ء ، فتأمل جيدا. وعلى كل حال فلا إشكال في صحة الشرط حينئذ.

إنما الخلاف في اعتبار رضا العبد بالشرط وعدمه ، فظاهر المتن وصريح‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ و ١٢ ـ من كتاب العتق.

(٢) هكذا في النسخة الأصلية المسودة والمبيضة والصحيح « منها » فان الضمير يرجع الى النصوص.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من كتاب العتق.

١١٧

المحكي عن غيره الثاني مطلقا ، لأنه مالك له ومستحق لمنافعه وكسبه وله الضريبة المقدورة له عليه ، فهي إيجاب مال من كسبه ، فإذا شرط عليه خدمة أو مالا فقد فك ملكه عنه وعن منافعه واستثنى بعضها ، فله ذلك ، مضافا إلى عموم أدلة الشرائط (١) وإطلاق أدلة مشروعية العتق (٢) وإطلاق النصوص (٣) الخاصة المتقدمة عدا الأخير (٤) منها.

وقيل : يشترط قبوله مطلقا كالكتابة ، لاقتضاء التحرير تبعية المنافع ، فلا يصح شرط شي‌ء منها إلا بقبول المملوك ، وللصحيح الأخير (٥) وعدم الدخول في‌ عموم « المؤمنون عند شروطهم » (٦) في صدق الشرط عليه عرفا بدون الرضا مع أصل البراءة من الوفاء.

وفيه أن ذلك مقتضى التحرير المطلق لا المشروط الذي تحصل الحرية فيه مستحقا عليه ذلك ، والصحيح الأخير أخص من المدعى ، مع أنك ستعرف ما فيه ، ودعوى اعتبار الرضا في صدق الشرط عليه أو في الدخول في‌ عموم « المؤمنون » ممنوعة ، ضرورة تبعية الشرط لما يقع فيه : من العقد المحتاج إلى القبول ، والإيقاع الذي لا يحتاج إليه ، وشرطيته بمعنى الالتزام فيه ، بل قد عرفت أن إطلاق أدلة العتق مثلا يشمل المطلق والمشروط ، وأصل البراءة لا يعارض إطلاق الأدلة ، فليس حينئذ إلا الصحيح (٧) المزبور ، لكنه كما عرفت أخص من المدعى.

ومن هنا قيل بالتفصيل فيشترط رضاه إن كان المشروط عليه مالا ولا يشترط‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ٤ من كتاب النكاح.

والباب ـ ٤ ـ من أبواب المكاتبة والباب ـ ٦ ـ من أبواب الخيار من كتاب التجارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ وغيره ـ من كتاب العتق.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ و ١١ و ١٢ من كتاب العتق.

(٤) راجع التعليقة (٦) من ص ١١٦.

(٥) راجع التعليقة (٦) من ص ١١٦.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ٤ من كتاب النكاح.

(٧) راجع التعليقة (٦) من ص ١١٦.

١١٨

إن كان خدمة ، وذلك لأن الخدمة مستحقة للمولى بالأصالة ، فشرطها كاستثناء بعض المملوك عن النقل بخلاف شرط المال ، فإنه غير مملوك للمولى ، ولا يجب على المملوك تحصيله ، بل الواجب عليه بذل العمل ، سواء ترتب عليه المال أم لا ، فهو حينئذ كالكتابة المعتبر فيها القبول ، وأما الضريبة فتمنع لزومها له بدون قبوله ، ولذلك اختاره ثاني الشهيدين وغيره ، مضافا إلى ما قيل من الاقتصار في الحكم بإلزام العبد شيئا لسيده بدون رضاه على موضع اليقين.

وفيه ( أولا ) ما قيل من أن راوي الرواية (١) المزبورة على ما في التهذيب أبو جرير ، لا حريز ، وهو غير موثق ، فلا تصلح مقيدة حينئذ لما سمعت من النصوص. و ( ثانيا ) أنها مشتملة على اشتراط كون المال الموجود للعبد للسيد ، وقد عرفت أن التحقيق عدم ملكية العبد ، وأن جميع ما في يده لسيده ، فلا وجه لاشتراطه ، وفاقا لما سمعته سابقا من اشتمالها على اعتبار تقدم الشرط الذي لم نجد قائلا به هنا عدا ما يحكى عن الشيخ ، وهو مخالف لإطلاق النصوص (٢) وخصوصها.

بل في الرياض المناقشة في الأخير (٣) بأنه « لو أريد بالتعيين معناه الأخص كان حصوله في الشق الأخير وهو اشتراط الخدمة محل نظر ، لمكان الخلاف فيه ، وعدم استفادة شي‌ء من الصحيحة الأخيرة سوى المظنة ، وإن أريد به معناه الأعم الشامل لها صح نظرا إلى حصولها فيه من إطلاق الصحيحة الأخيرة ، إلا أنها حاصلة من إطلاق‌ الصحيحة الأخرى (٤) في الشق المقابل المشروط فيه المال كما هو محل البحث ».

وبالجملة فإن كان الظن الحاصل من الإطلاق كافيا في هذا الحكم المخالف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من كتاب العتق الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ و ١١ و ١٢ ـ من كتاب العتق.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من كتاب العتق الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من كتاب العتق الحديث ٣.

١١٩

للأصل في غير مورد البحث فليكن كافيا فيه ، وإلا فلا يكون كافيا مطلقا ، والفرق تحكم ، والتعيين بالمعنى الأخص لمكان الخلاف غير متحقق ، وإن كان قد يناقش بأن الصحيحة الأخيرة على فرض اعتبارها تكون مقيدة لغيرها بالنسبة إلى المال ، أما الخدمة فتبقى على مقتضى إطلاق الأدلة الذي لا معارض له ، بخلاف المال الذي لا أقل من الشك في صحة اشتراطه مطلقا ، للاختلاف في النصوص المزبورة ، فيكون المتيقن منه حينئذ المقارن للقبول لا مطلقا ، والأمر سهل بعد وضوح الحال بذلك ، وأن الأقوى الصحة مطلقا ، لما عرفت ولأنه مالك لنفسه ومنفعته وكسبه ومسلط عليه ، بل لا يقدر على شي‌ء الذي منه عدم القبول.

نعم لو شرط إعادته في الرق إن خالف فعن الشيخ في النهاية والقاضي وغيرهما أعيد إليه مع المخالفة عملا بالشرط وموثق إسحاق بن عمار (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن الرجل يعتق مملوكه ويزوجه ابنته ويشترط عليه إن هو أغارها أن يرده في الرق ، قال : له شرطه ».

وقيل : يبطل العتق والشرط لأنه اشتراط لاسترقاق من ثبتت حريته فيكون شرطا غير سائق ، ويتبعه بطلان العتق المقصود وقوعه على الشرط المزبور ، ولا يرد مثله في المكاتب المشروط الذي لم يخرج عن مطلق الرقية ، ومعنى قول السيد : « فان عجزت فأنت رد في الرق » الرق المحض الذي ليس بكتابة ، لا مطلق الرق الذي لم ينف بالكتابة ، وعدم الأخص أعم من عدم الأعم ، والرواية مع كونها من الموثق الذي فيه ما فيه شاذة كما في المحكي من نكت المصنف على النهاية ، فلا يثبت بها الحكم المزبور المخالف لأصول المذهب وقواعده التي منها عدم عود الحر ـ بعد أن صار حرا ـ رقا ، بل ربما قيل : إن أقصى ما فيه عوده في الرق ، وهو صادق مع بطلان العتق وإن كان قد يناقش بأن الرد موضوع للرجوع بعد المفارقة التي لا يقول بها القائل بالفساد ، اللهم إلا أن يراد بها في الموثق المجاز من باب تسمية الشي‌ء باسم ما يؤول إليه كتسمية العنب خمرا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من كتاب العتق الحديث ٢.

١٢٠