الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف - ج ١

الشيخ جعفر السبحاني

الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف - ج ١

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-047-9
الصفحات: ٥٨٤

آراء الفقهاء في المتعة

اتّفقت المذاهب الفقهية على أنّ متعة النساء كانت حلالا أحلّها رسول الله بوحي منه سبحانه في برهة من الزمن وإنّما اختلفوا في استمرار حليتها وكونها منسوخة أو لا؟ فالشيعة الإمامية ولفيف من الصحابة والتابعين على بقاء الحلية خلافا للمذاهب الأربعة وهي على التحريم.

ومن المعلوم انّ مسألة المتعة مسألة شائكة ، يكتنفها شيء من الغموض والإبهام ، وليس معنى ذلك أنّ المسألة تفقد الدليل الشرعي من الذكر الحكيم والسنّة المطهرة على حلّيتها بعد رحيل الرسول إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

بل يراد من الغموض ، هو أنّ الكاتب مهما كان موضوعيا ، ربما يتّهم بالانسياق وراء الشهوات عند الخوض في هذه المسائل.

هذا ، مع الاعتراف بأنّ ظاهرة المتعة ليست ظاهرة متفشية بين القائلين بحليتها ـ كما يتصوّرها المغفلون ـ بل تمارس في نطاق ضيق ، وفي ظروف معينة.

وتبيين الحقّ يتم ضمن أمور :

٤٨١

١

تعريفها ونبذ من أحكامها

الزواج المؤقت عبارة عن تزويج المرأة الحرة الكاملة نفسها إذا لم يكن بينها وبين الزوج مانع ـ من نسب أو سبب أو رضاع أو إحصان أو عدّة أو غير ذلك من الموانع الشرعية ـ بمهر مسمّى إلى أجل مسمّى بالرضا والاتفاق ، فإذا انتهى الأجل تبين منه من غير طلاق ، ويجب عليها من الدخول بها ـ إذا لم تكن يائسة ـ أن تعتد عدّة الطلاق إذا كانت ممّن تحيض وإلاّ فبخمسة وأربعين يوما.

إنّ الزواج المؤقت كالزواج الدائم لا يتم إلاّ بعقد صحيح دالّ على قصد الزواج جدّا ، وكلّ مقاربة تحصل بين رجل وامرأة من دون عقد فلا تكون متعة حتّى مع التراضي والرغبة ، ومتى تم العقد كان لازما يجب الوفاء به.

نبذ من أحكامها

إنّ أكثر المشكلات التي تثار على زواج المتعة نابعة من عدم الوقوف على حقيقتها وآثارها وأحكامها ، فنذكر شيئا موجزا منها حتّى يتبين انّ بين المتعة والسفاح بعد المشرقين.

إنّ لنكاح المتعة أحكاما مشتركة بينها وبين النكاح الدائم ، كما أنّ لها أحكاما خاصّة فقد بسطنا الكلام في كلا القسمين من أحكامها في كتابنا « نظام

٤٨٢

النكاح في الشريعة الإسلامية الغرّاء » فمن أراد التفصيل فليرجع إليه. (١) فها نحن نذكر شيئا من أحكامها المشتركة والمختصة والفقيه العارف يميّز المشترك من المختص.

للنكاح المنقطع أركان أربعة :

١. الصيغة ، ٢. المحل ، ٣. الأجل ، ٤. المهر.

الف : الصيغة

فهي الإيجاب والقبول ويكفي في الإيجاب أحد الألفاظ الثلاثة : زوجتك ومتّعتك وأنكحتك ، ويكفي في القبول كلّ لفظ دالّ على الرضا بذلك الإيجاب كقوله : قبلت النكاح أو المتعة.

ب : المحل

وهو الزوج والزوجة ويشترط فيهما ما يشترط في النكاح الدائم إلاّ ما استثني ، فيشترط أن تكون الزوجة مسلمة ويجوز أن تكون كتابية على القول الأشهر بين الفقهاء.

وأمّا المسلمة فلا تتمتع إلاّ بالمسلم خاصة.

ولا يدخل على الزوجة المنقطعة بنت أختها ، ولا بنت أخيها إلاّ بإذنها ، ولو فعل توقّف على إذنها ، فإن ردت ، بطل العقد.

ج : المهر

المهر ركن في عقد المتعة ، يبطل العقد بعدم ذكره في العقد ويشترط أن يكون

__________________

١. نظام النكاح : ٢ / ٤٧ ـ ١٠٨.

٤٨٣

مملوكا ، معلوما إمّا بالكيل أو الوزن أو المشاهدة والوصف.

ولو وهب الزوج ، المدة لها ، قبل الدخول لزمه النصف ، ولو دخل استقرّ المهر كله.

د : الأجل

فهو ركن من عقد المتعة ، ولو ترك الأجل فهنا قولان : بطل وقيل ينقلب العقد دائما ، ولا بد أن يكون معينا محروسا من الزيادة والنقصان.

يجوز العزل من المتمتع بها ولا يقف على إذنها خلافا للدائمة فلا يجوز العزل إلاّ بإذنها.

وتبين المتمتع بها بانقضاء الأجل ولا يقع بها طلاق ولا يتوارثان إلاّ مع الشرط في متن العقد.

المتعة كالدوام فيما يحرم بالمصاهرة ، فلو عقد على امرأة تمتعا ، حرمت عليه أمّها ، مطلقا ، وبنتها مع الدخول ، وهكذا سائر المحرمات المذكورة في باب التحريم بالمصاهرة.

وإذا دخل بها وانقضى أجلها فإن كانت من ذوات الحيض ، وجب عليها الاعتداد بحيضتين ، وإن لم تكن من ذوات الأقراء ، وهي في سنهنّ اعتدت بخمسة وأربعين يوما ، وإن لم يكن دخل بها فلا عدّة عليها.

ولو مات عنها في الأجل اعتدت بأربعة أشهر وعشرة أيّام ، سواء دخل بها أو لا إن كانت حائلا ، وقيل شهران وخمسة أيّام ، وإن كانت حاملا اعتدت بأبعد الأجلين ، ولو كانت أمة اعتدت حائلا بشهرين وخمسة أيّام. (١)

__________________

١. شرائع الإسلام : ٢ / ٣٠٧ ، تحرير الأحكام : ٣ / ٥٢٦.

٤٨٤

والغرض من ذلك هو الإشارة إلى أنّ نكاح المتعة نكاح حقيقي ، وهو كالنكاح الدائم في عامّة الأحكام إلاّ ما خرج بالدليل ، وأهمّ الفروق عبارة عن :

١. الزوجة الدائمة تفارق بالطلاق وهذه تفارق بانقضاء الأجل.

٢. الزوجة الدائمة ينفق عليها ، دونها.

٣. الزوجة الدائمة ترث زوجها وهو يرثها ، دونها.

٤. انّ الدائم إذا طلقت تعتد بثلاثة أشهر أو بثلاث حيضات وهي تعتد بحيضتين أو خمسة وأربعين يوما.

وهذه الفروق الضئيلة لا تخرجها عن كونها زوجة لها من الأحكام ما لغيرها ، مثلا يقول سبحانه ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) (١) والمزوجة متعة داخلة في قوله سبحانه ( إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ ) فهي زوجة حقيقة ، لها من الأحكام ما للزوجة الدائمة إلاّ ما استثني بالدليل كما عرفت. وانتفاء بعض الأحكام أو تخصيصها في مورد المؤقتة ، لا يسلب عنها عنوان الزوجيّة ، وسيوافيك انّ الدائمة أيضا تبين أحيانا بلا طلاق ، أو لا ترث أو لا يرثها زوجها ، أو لا ينفق عليها فانتظر.

__________________

١. المؤمنون : ٥ ـ ٦.

٤٨٥

٢

الزواج المؤقت في صدر الإسلام

بزغت شمس الإسلام وكانت المتعة أمرا رائجا بين الناس غير انّ الإسلام حدّ لها حدودا وجعل لها شروطا كما مرّ ، ويكفيك في ذلك دراسة تاريخها وذلك بملاحظة ما يلي :

١. ما رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كانت متعة النساء في أوّل الإسلام ، كان الرجل يقدم البلدة ليس معه من يصلح له ضيعته ولا يحفظ متاعه ، فيتزوج المرأة إلى قدر ما يرى أنّه يفرغ من حاجته ، فتنظر له متاعه وتصلح له ضيعته. (١)

٢. أخرج الطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : كانت المتعة في أوّل الإسلام. فكان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج بقدر ما يرى أنّه يفرغ من حاجته لتحفظ متاعه وتصلح له شأنه. (٢)

٣. أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن ابن مسعود قال : كنّا نغزو مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس معنا نساؤنا فقلنا : ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ورخص لنا أن نتزوج المرأة بالثوب إلى أجل ، ثمّ قرأ عبد الله ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

__________________

١ و ٢. الدر المنثور : ٢ / ١٣٩ ـ ١٤٠.

٤٨٦

لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ ) (١). (٢)

٤. أخرج عبد الرزاق وأحمد ومسلم عن سبرة الجهني قال : أذن لنا رسول الله عام فتح مكة في متعة النساء فخرجت أنا ورجل من قومي ولي عليه فضل في الجمال وهو قريب من الدمامة. (٣)

٦. أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع ، قال : كنّا في جيش فأتانا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : إنّه قد أذن لكم أن تستمتعوا فاستمتعوا. (٤)

٧. أخرج مسلم في صحيحه بسنده : خرج علينا منادي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أذن لكم أن تستمتعوا ، يعني متعة النساء. (٥)

٨. أخرج مسلم في صحيحه أيضا بسنده عن سلمة بن الأكوع ، وجابر بن عبد الله انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتانا فأذن لنا في المتعة. (٦)

والأحاديث الأخيرة ـ بشهادة ما تقدّمها ـ تكشف عن كون الاستمتاع بالمرأة في ظروف خاصة لغايات عقلائية كان أمرا معروفا ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرشد بإذنه إليه لا انّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابتكره.

فإذا كان مثل هذا الزواج أمرا رائجا بين الناس في عصر الرسالة فلا منتدح للشارع عن التعرض له من خلال الإمضاء أو الرد ولا يصحّ غض النظر عنه ، بعد عدم كونها من قبيل السفاح ، وإلاّ فمن المستحيل أن يحلله النبي ولو في فترة خاصة ( قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ ). (٧)

__________________

١. المائدة : ٨٧.

٢. صحيح البخاري : ٧ / ٤ ، باب ما يكره من التبتل والخصاء من كتاب النكاح.

٣. الدر المنثور : ٢ / ١٤٠.

٤ و ٥ و ٦. صحيح مسلم : ٤ / ١٣٠ ـ ١٣١ ، باب نكاح المتعة.

٧. الأعراف : ٢٨.

٤٨٧

٣

الزواج المؤقت

في الذكر الحكيم

قد سبق انّ المتعة كانت أمرا رائجا بين الناس وانّه لا محيص للشارع من بيان حكمها إمضاء أو ردّا ، ومن حسن الحظ انّ الذكر الحكيم حسب نظر مشاهير المفسرين تعرض لها بالإمضاء ( وإن ادّعى بعضهم كونها منسوخة ) وذلك في قوله سبحانه :

١. ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ ) ـ إلى أن قال سبحانه : ( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً ). (١)

٢. ( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً ). (٢)

٣. ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما

__________________

١. النساء : ٢٣.

٢. النساء : ٢٤.

٤٨٨

مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ ). (١)

تفسير الآيات الثلاث

هذه الآيات الثلاث تحدد ما هو الحرام والحلال في أمر النساء.

أمّا الآية الأولى وشيء من صدر الآية الثانية يبيّن ما هو الحرام من نكاح النساء وهو عبارة عن :

١. الأمّهات ، ٢. البنات ، ٣. الأخوات ، ٤. العمّات ، ٥. الخالات ، ٦. بنات الأخ ، ٧. بنات الأخت ، ٨. الأمّهات المرضعة ، ٩. الأخوات من الرضاعة ، ١٠. أمّهات النساء ، ١١. الربائب التي دخل بأمّهاتهن ، ١٢. حلائل الأبناء ، ١٣. الجمع بين الأختين ، ١٤. النساء المتزوجات ، وقد أشار إلى الأخير في أوائل الآية الثانية وقال ( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) والمحصنات جمع المحصنة وهي المتزوجة فهي محرمة لمكان زوجها إلاّ صورة واحدة أخرجت بقوله : ( إِلاَّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ).

وأمّا ما هو المراد من هذا الاستثناء ففيه خلاف بين المفسرين فليرجع إلى محله.

إلى هنا تمّ بيان ما هو الحرام من نكاح النساء وقد أنهاها التشريع القرآني إلى ١٤ ، وبه تمّ تفسير الآية الأولى وجزء من الآية الثانية التي عطف فيها « المحصنات » ذوات الأزواج إلى المحرمات.

وأمّا بقية الآية فقد ابتدأ بقوله ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ

__________________

١. النساء : ٢٥.

٤٨٩

عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ).

فلنأخذ بتفسيرها ضمن مقاطع :

١. ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) : المراد من الموصول هو النساء غير المذكورات ولا غرو في استعمال ما مكان « من » كما في قوله سبحانه ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ). (١)

قوله ذلكم مركّب من ( ذا ) و ( كم ) والأوّل للإشارة إلى ما سبق والثاني خطاب للمؤمنين كافة ، والمراد أحل لكم ما وراء المذكورات من النساء أيّها المؤمنون. وأمّا ما هو الوجه في استعمال « ذا » مكان « ذي » فليطلب من محلّه.

٢. ( أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ ) هو بدل البعض من الكل أو عطف بيان من قوله ( ما وَراءَ ذلِكُمْ ) وقد حذف مفعوله ، ولعله نكاح النساء : أي تبتغوا بأموالكم نكاح النساء. وعلى أي تقدير فالجملة تبين الطريق المشروع في نكاح النساء غير المذكورات وانّه يجوز لكم نكاح النساء بصرف المال. ومصاديقه في بادي النظر تنحصر في ثلاثة :

أ. النكاح بأجرة.

ب. نكاح الأمة.

ج. السفاح وهو الزنا.

٣. ( مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ ) : أي أن تطلبوا بأموالكم نكاح النساء في حال انّكم تريدون العفة لا السفاح والزنا ومعنى الجملة : متعفّفين ، لا زانين وبذلك حرم القسم الثالث ، وانّه ليس للمسلم أن يبتغي بأمواله مباشرة النساء عن طريق السفاح والزنا.

__________________

١. النساء : ٣.

٤٩٠

وتنحصر الحلية في القسمين الآخرين وهو نكاح الحرة ونكاح الأمة.

٤. ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) : وهذا المقطع يشير إلى نكاح الحرة كما أنّ الآية الثالثة تشير إلى نكاح الإماء (١) وبما انّ نكاح الأمّة خارج عن محط البحث لا نذكر فيه شيئا ، فالمهم هو تفسير ما يرجع إلى نكاح الحرائر الوارد في قوله سبحانه ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ ) وهذا المقطع من الآية هو بيت القصيد في المقام من دون فرق بين كون ( ما ) « فيما استمتعتم » شرطية أو موصولة عائدها هو الضمير في لفظة « به » وعندئذ يقع الكلام في أنّ المراد منه هو النكاح الدائم أو النكاح المؤقت ، والإمعان في القرائن الخارجية والقرائن المحتفة بالآية يعين الثاني ولا يبقى مجال لإرادة المعنى الأوّل وإليك القرائن المعينة للمقصود.

القرينة الأولى : الاستمتاع هو عقد المتعة

إنّ لفظ الاستمتاع ـ يوم نزول الآية ـ كان منصرفا إلى عقد المتعة والزواج المؤقت على النحو الذي مرّ في أوّل البحث لا التلذذ والجماع وإن كان يطلق عليه أيضا كقوله سبحانه ( رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ ) (٢) ويرشدك إلى ما ذكرناه أمران :

١. تعابير الصحابة حيث يعبرون عن نكاح المتعة بلفظة « الاستمتاع ».

أخرج مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله ، قال : كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله وأبي بكر حتّى ـ ثمة ـ نهى عنه عمر. (٣)

__________________

١. أي قوله سبحانه ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ. ).

٢. الأنعام : ١٢٨.

٣. صحيح مسلم : ٤ / ١٣١ ، باب نكاح المتعة من كتاب النكاح.

٤٩١

أخرج مالك عن عروة بن الزبير انّ خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب ، فقالت : إنّ ربيعة بن أمية استمتع بامرأة مولّدة فحملت منه ، فخرج عمر يجرّ رداءه فزعا ، فقال : هذه المتعة لو كنت تقدمت فيه لرجمته. (١)

إلى غير ذلك من الروايات والآثار التي ورد فيها الاستمتاع بصورها المختلفة وأريد به نكاح المتعة والعقد على امرأة بأجل مسمّى وأجرة مسمّاة.

٢. انّ المراد من الاستمتاع في الآية هو العقد لا الاستمتاع بمعنى الانتفاع والتلذذ ، بشهادة ترتب دفع الأجرة على الاستمتاع ترتّب الجزاء على الشرط ويقول ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ ) فلو أريد من الاستمتاع هو العقد لصحّ الترتب ، لأنّ المهر كلّه يجب بمجرد العقد غاية الأمر يسقط النصف بالطلاق قبل الدخول في العقد الدائم وبانقضاء المدة قبله في المؤقت.

وأمّا لو أريد من الاستمتاع هو التلذذ والانتفاع فلا يصحّ الترتب ، لأنّ الأجرة تلزم على الزوج قبل الاستمتاع ، فالزوج يكون مكلّفا بدفع المهر كلّه. سواء أكان هناك تلذذ أو لا ، كلّ ذلك يؤيد على أنّ المراد من الاستمتاع هو العقد.

قال الطبرسي : إنّ لفظ الاستمتاع ، والتمتع وإن كان في الأصل واقعا على الانتفاع والالتذاذ ، فقد صار بعرف الشرع مخصوصا بهذا العقد المعيّن ، لا سيما إذا أضيف إلى النساء. فعلى هذا يكون معناه فمتى عقّدتم عليهن هذا العقد المسمّى متعة فآتوهن أجورهن.

ويدلّ على ذلك انّ الله علّق وجوب عطاء المهر بالاستمتاع وذلك يقتضي أن يكون معناه ، هذا العقد المخصوص دون الجماع والاستلذاذ ، لأنّ المهر لا يجب إلاّ بالعقد. (٢)

__________________

١. الموطأ : ٢ / ٣٠ ، سنن البيهقي : ٧ / ٢٠٦.

٢. مجمع البيان : ٢ / ٣٢ ، ط صيدا.

٤٩٢

ولعلّ الزمخشري وقف على أنّ وجوب المهر لا يتوقف على الاستمتاع ، عطف العقد على الجماع ، وقال « فما استمتعتم به من المنكوحات من جماع أو خلوة صحيحة أو عقد عليهن ». (١)

القرينة الثانية : الحمل على المتعة يستلزم التكرار

يجب علينا إمعان النظر فيما تهدف إليه جملة ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ ) ، هنا احتمالات :

أ. تحليل النكاح الدائم.

ب. التأكيد على دفع المهر بعد الاستمتاع.

ج. نكاح المتعة.

أمّا الأوّل فالحمل عليه يوجب التكرار بلا وجه ، لأنّه سبحانه بيّن حكمه في الآية الثالثة من تلك السورة ، قال سبحانه ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً ). (٢)

وأمّا الثاني فمثل الأوّل فقد بيّنه في الآية الرابعة من هذه السورة وقال : ( وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً ) (٣) بل بينه في آيتين أخريين أعني قوله ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَ ). (٤)

وقال سبحانه : ( وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً

__________________

١. الكشاف : ١ / ٣٩١ ، في تفسير الآية.

٢. النساء : ٣.

٣. النساء : ٤.

٤. النساء : ١٩.

٤٩٣

فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً ). (١)

فلم يبق من الوجوه المحتملة التي تهدف إليها الجملة إلاّ نكاح المتعة.

القرينة الثالثة : الجملتان المتقدّمتان

إنّ في الجملتين المتقدّمتين على قوله ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ. ) أعني :

١. ( أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ ).

٢. ( مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ ).

إشارة إلى الزواج المؤقت وانّ المراد من الاستمتاع هو نكاح المتعة والعقد على المتمتع بها.

أمّا الجملة الأولى فتدلّ على أنّها بصدد بيان النكاح الذي يبتغى بالأموال على نحو يكون فيه للمال ( الصداق ) دور كبير ، بحيث لولاه لبطل ، وليس هو إلاّ نكاح المتعة الذي عرف بقوله : « أجل مسمّى وأجر مسمّى » فالأجر في نكاح المتعة ركن ولولاه لبطل (٢) بخلاف النكاح الدائم إذ لا يجب فيه ذكره ، يقول سبحانه : ( لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ) (٣) ولذلك قالوا يستحبّ أن لا يعرى النكاح عن تسمية الصداق ، لأنّ النبي كان يزوّج بناته وغيرهن ويتزوج فلم يكن يخلي ذلك من صداق. (٤)

أمّا الجملة الثانية فالله سبحانه يؤكد قبل الأمر بعقد الاستمتاع على كون الزوجين ـ محصنين غير مسافحين ـ بأن يكون اللقاء بنيّة التعفّف لا الزنا وبما انّ

__________________

١. النساء : ٢٠.

٢. وقد مرّ عند بيان أحكام نكاح المتعة ، انّه لو نسي ذكر المهر أو لم يذكره بطل العقد ، فنكاح المتعة من أوضح مصاديق قوله سبحانه ( أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ ).

٣. البقرة : ٢٣٦.

٤. المغني : ٧ / ١٣٦.

٤٩٤

عقد المتعة ربما ينحرف عن مجراه ومسيره الصحيح فيتخذ لنفسه لون السفاح لا الزواج ، أمر سبحانه بأن يكون الهدف هو الزواج لا السفاح.

وبما انّ نكاح الإماء أيضا مظنة لذلك الأمر إذ الغالب على الإماء هو روح الابتذال ، قيّد سبحانه نكاح الإماء في الآية الثالثة بقوله ( مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ ). (١)

فافتتاح الكلام بجملتين حاملتين مفهوم المتعة قرينة على أنّ المراد من قوله : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ ) عقد النكاح كما أنّ هاتين الجملتين بما انّهما يحملان مفهوم نكاح المتعة سوّغ دخول الفاء على قوله ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ ) لأنّ فاء التفريع لا يستعمل إلاّ إذا سبق الكلام فيه ولو إجمالا.

القرينة الرابعة : تفسيره في لسان الصحابة بنكاح المتعة

إنّ لفيفا من الصحابة والتابعين فسروا قوله ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ ) بنكاح المتعة نذكر منهم ما يلي :

١. أخرج الحاكم وصحّحه من طرق عن أبي نضرة قال ابن عباس « فما استمتعتم به منهنّ » « إلى أجل مسمّى » فقلت ما نقرأها كذلك ، فقال ابن عباس : والله لأنزلها الله كذلك. (٢)

٢. أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قراءة أبيّ بن كعب « فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى ». (٣)

٣. أخرج ابن أبي داود في المصاحف عن سعيد بن جبير ، قال : في قراءة أبيّ بن كعب « فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمّى ». (٤)

__________________

١. النساء : ٢٥.

٢ و ٣ و ٤. الدر المنثور : ٢ / ٤٨٤ ـ ٤٨٨.

٤٩٥

وظهور هذه الروايات في كون قوله « إلى أجل مسمّى » جزءا من الآية محمول على تأويل الآية وتحقيق معناها. وإلاّ فالقرآن مصون من التحريف والنقص والزيادة.

٤. أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد فما استمتعتم به منهن ، قال : يعني نكاح المتعة. (١)

٥. أخرج الطبري عن السدي قال : فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمّى فآتوهن أجورهن فريضة قال : فهذه المتعة ، الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجل مسمّى ويشهد شاهدين وينكح بإذن وليها وإذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل وهي منه برية وعليها أن تستبرئ ما في رحمها وليس بينهما ميراث ليس يرث واحد منهما صاحبه. (٢)

٦. أخرج الإمام أحمد بإسناد رجاله كلّهم ثقات عن عمران بن الحصين ، قال : نزلت آية المتعة في كتاب الله وعملنا بها مع رسول الله فلم تنزل آية تنسخها ولم ينه عنها النبي حتّى مات. (٣)

٧. أخرج الطبري في تفسيره بإسناد صحيح عن شعبة عن الحكم قال : سألته عن هذه الآية أمنسوخة هي؟ قال : لا. (٤)

٨. أخرج البيهقي عن أبي نضرة عن جابر قال : قلت : إنّ ابن الزبير ينهى عن المتعة وانّ ابن عباس يأمر بها ، قال : على يدي جرى الحديث تمتعنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومع أبي بكر فلمّا ولي عمر خطب الناس : إنّ رسول الله هذا الرسول ، وإنّ

__________________

١. انظر الدر المنثور : ٢ / ٤٨٤ ـ ٤٨٨ ولاحظ تفسير الطبري : ٥ / ٨ ـ ١٠.

٢. تفسير الطبري : ٥ / ٨ ـ ١٠.

٣. مسند أحمد : ٤ / ٤٤٦.

٤. تفسير الطبري : ٥ / ٩.

٤٩٦

القرآن هذا القرآن ، وإنّهما كانتا متعتان على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما : إحداهما متعة النساء ولا أقدر على رجل تزوج امرأة إلى أجل إلاّ غيّبته بالحجارة ، والأخرى متعة الحجّ. (١)

إلى غير ذلك من الروايات الواردة حول تفسير الآية الحاكية عن استمرار الحلية أو منسوخيتها فان النسخ فرع القول بدلالتها على نزولها في نكاح المتعة من الصحابة والتابعين وفي مقدمهم الإمام أمير المؤمنين وأهل بيته فقد فسروا الآية بنكاح المتعة.

القرينة الخامسة : اتّفاق أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام على نزول الآية في المتعة

اتّفق أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام على نزول الآية في نكاح المتعة ، والروايات عنهم متضافرة أو متواترة نكتفي بالقليل من الكثير.

١. أخرج الكليني عن أبي بصير قال : سألت أبا جعفر عن المتعة فقال : نزلت في القرآن ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ). (٢)

٢. أخرج الكليني عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : سمعت أبا حنيفة يسأل أبا عبد الله عن المتعة ، فقال : « عن أي المتعتين تسأل؟ » فقال : سألتك عن متعة الحجّ فأنبئني عن متعة النساء أحق هي؟ فقال : « سبحان الله أما تقرأ كتاب الله ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) فقال أبو حنيفة : والله كأنّها آية لم أقرأها قط. (٣)

__________________

١. سنن البيهقي : ٧ / ٢٠٦.

٢ و ٣. الكافي : ٥ / ٤٤٨ ـ ٤٤٩ ، أبواب المتعة ، الحديث ٦.

٤٩٧

القرينة السادسة : تصريح الصحابة بالحلّية

لا شكّ انّ من سبر تاريخ المسألة في عصر ظهر الاختلاف في استمرار الحلية وعدمها ، يقف على أنّ الصحابة قالوا بحلية المتعة سواء أقالوا ببقائها واستمرارها أم ذهبوا إلى منسوخيتها وكان أفضل مصدر لقولهم ، هو نفس الآية مضافا إلى تقرير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد عرفت فيما سبق أسماء لفيف من الصحابة فسروا الآية بنكاح المتعة ، ونأتي الآن بأسماء من قالوا بحلية المتعة وإن لم يصرحوا بمصدر فتواهم. وقد ذكرهم ابن حزم في « المحلّى ».

قال : ولا يجوز نكاح المتعة وهو النكاح إلى أجل وكان حلالا على عهد رسول الله ثمّ نسخها الله تعالى على لسان رسوله نسخا باتا إلى يوم القيامة وقد ثبت على تحليلها بعد رسول الله جماعة من السلف رضي الله عنهم ، منهم من الصحابة رضي الله عنهم : أسماء بنت أبي بكر الصديق ، وجابر بن عبد الله ، وابن مسعود ، وابن عباس ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وعمرو بن حريث ، وأبو سعيد الخدري ، وسلمة ، ومعبد أبناء أمية بن خلف ، ورواه جابر بن عبد الله عن جميع الصحابة مدة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومدة أبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر ، واختلف في إباحتها عن ابن الزبير ، وعن علي فيها توقف وعن عمر بن الخطاب انّه إنّما أنكرها إذا لم يشهد عليها عدلان فقط وأباحها بشهادة عدلين.

ومن التابعين : طاوس وعطاء وسعيد بن جبير وسائر فقهاء مكة. (١)

وقد اعتمد السيد المرتضى على قول هؤلاء في رد من شمت بالشيعة حيث قال الشامت :

__________________

١. المحلى : ٩ / ٥١٩ ـ ٥٢٠.

٤٩٨

قول الروافض نحن أطيب مولد

قول أتى بخلاف قول محمد

نكحوا النساء تمتعا فولدن من

ذاك النكاح فأين طيب المولد

إنّ انتماء شيعة أهل البيت بطيب المولد يرجع إلى أمور أخرى ولا يمتّ بكونهم مواليد نكاح المتعة ، فإنّ نكاح المتعة ـ على الرغم من اتّفاقهم على حليتها ـ بينهم قليل جدا ، كما هو واضح لمن عاشرهم.

فأجابه السيد المرتضى بقوله :

انّ التمتع سنّة مفروضة

ورد الكتاب بها وسنة أحمد

وروى الرواة بأنّ ذلك قد جرى

من غير شك في زمان محمد

ثمّ استمرّ الحال في تحليلها

قد صحّ ذلك في الحديث المسند

عن جابر وعن ابن مسعود التقيّ

وعن ابن عباس كريم المولد

حتّى نهى عمر بغير دلالة

عنها فكدّر صفو ذاك المورد

لا بل مواليد النواصب جدّدت

دين المجوس فأين دين محمد

٤٩٩

وقد وقفت على ما روي عن ابن عباس وابن مسعود في استمرار حلّيتها ، وإليك ما روي عن جابر في صحيح مسلم.

أخرج مسلم في صحيحه عن أبي نضرة قال : كان ابن عباس يأمر بالمتعة وكان ابن الزبير ينهى عنها قال : فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله ، فقال : على يدي دار الحديث تمتعنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلما قام عمر ، قال : إنّ الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء وانّ القرآن قد نزل منازله ، فأتموا الحجّ والعمرة لله كما أمركم الله وأبتّوا نكاح هذه النساء فلئن أوتي برجل نكح امرأة إلى أجل إلاّ رجمته بالحجارة. (١)

فبالتمسك بقوله سبحانه ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) حرّم فصل العمرة عن الحجّ بالتحليل بينهما. وبالتالي أنكر حجّ التمتع.

وبقوله : « ابتّوا نكاح هذه النساء » أنكر نكاح المتعة.

وأمّا انّ عمر أوّل من نهى عن هذا النكاح فسيوافيك بيانه.

__________________

١. صحيح مسلم : ٤ / ٣٨ ، باب في المتعة بالحجّ والعمرة من كتاب الحجّ.

٥٠٠