أجوبة المسائل المهنائية

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

أجوبة المسائل المهنائية

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


الموضوع : الفقه
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٨٨

مسألة (٣٧)

ما يقول سيدنا في من عنده مثلا ألف دينار مسكوكة فحال عليها الحول فأخرج زكاتها ثم بقي الباقي منها بعد إخراج الزكاة على حاله حتى حال عليه حول آخر ، هل يجب عليه إخراج الزكاة منه طريقا ثانيا. وكذلك كلما حال عليه الحول أخرج منه الزكاة فيوشك أن تذهب به الزكاة أم لا يجب عليه الا إخراج الزكاة عنه أول مرة. أفتنا في ذلك وفي جميع الأجناس التي يجب فيه الزكاة إذا كان حكمها حكم الالف دينار المذكور من غير زيادة ولا نقصان ، ما يكون حكمها.

الجواب بل يجب عليه الزكاة في كل سنة الى أن ينقص عن النصاب ، ولا التفات الى ذهابها بالزكاة ، فإن ذلك من المستبعد وقوعه ولو وقع لكان صاحبه غنيا عنه مضيعا لحق المؤمنين بالسعي فيه والتكسب به والانتفاع منه ، وكذا في جميع أجناس الزكاة الا الغلات الأربع لأن شرط وجوبها تملكها بالزراعة.

مسألة (٣٨)

ما يقول مولانا في الخبر الذي يروى عن سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : لو كان لي يد ثالثة لاستعنت بها على الأكل ، هل هو صحيح فيستحب حينئذ استعمال اليدين معا في حالة الأكل أم ليس هو بصحيح.

الجواب لو سلم هذا الخبر لم يكن فيه بعد ، لأن اكله عليه‌السلام انما كان يوقعه على وجه العبادة وكذا جميع أفعاله « ص ». ولا شك في أن الأكل لتقوي البدن على فعل الطاعات ، فيكون من جملة العبادات ، فلو كان له عليه‌السلام يد ثالثة لاستعان بها على فعل الطاعات.

٤١

ويحتمل أن يكون المراد لا ستعنت بها على تحصيل الرزق الذي هو محل الأكل ، وتحصيل الرزق من العبادات ، لأنه يقوى به على الطاعات ويتصدق به على المحاويج.

مسألة (٣٩)

ما يقول سيدنا في من يروي عن سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، هل يجوز أن يقول « قال رسول الله كذا » مع انه لا يعلم يقينا قاطعاً ان سيدنا رسول الله « ص » قال ذلك أم لا يجوز ان يقول قال رسول الله كذا الا ان يقول روي عن عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو يروى عن رسول الله كذا ، وكذلك إذا روى عن أحد الأئمة عليهم‌السلام. أوضح لنا ذلك نجاك الله من المهالك.

الجواب لا يجوز أن يقول ذلك على سبيل الجزم الا مع القطع بنقله كما في المتواترات ، وأما إذا قال ذلك على سبيل الظن فلا بأس ، والأحوط أن يقول « روي » ونحوه.

مسألة (٤٠)

ما يقول سيدنا في النساء إذا كان يجوز النظر لبعضهن الى بعض لابسات عاريات ما خلا العورة ، فلم كره تمكن المرأة من الحمام وردت فيه أحاديث كثيرة ووعيد عظيم للمرأة ولوليها إذا مكنها من ذلك ، وما الفرق بينهن وبين الرجال في ذلك إذا خرجت مستترة وهي آمنة فيه من اطلاع الرجال عليها كما تخرج في سائر حوائجها.

الجواب لو سلم النقل (١) لأمكن استناده الى قضاء العادة بأن الاطلاع سبب

__________________

(١) عدم التسليم غير ظاهر مع ورود الروايات بذلك.

٤٢

لثوران الشهوة الكلية والطبع مع نقص العقل فيهن ، فلا يجوز قياسهن على الرجال الذين ليسوا في محل الشهوة وهم في محل العقل والخوف من الله.

مسألة (٤١)

ما يقول سيدنا الإمام العلامة في الذي يعمله نساء أهل الشام ومصر تعمل المرأة لها عمامة مثل عمامة الرجل فأقل طولها ستة أذرع أو سبعة ، ومنهن من تعملها فوق العشرة تلبسها فوق رأسها وتضعها إذا شاءت وهي ملفوفة ، لا فرق بينها وبين عمامة الرجل إلا في الهيئة فإنهن يعملنها كما جاء في الحديث مثل أسنمة البخت فهل يكون لبسها عليهن حراما ويجب منعهن من ذلك أو ذلك جائز لهن. أفتنا مأجورا يرحمك الله. وهل في ذلك فرق بين أن تكون العمامة التي يعملنها صغيرة أو كبيرة أم يحرم صغيرها وكبيرها أم لا يحرم لا صغيرها ولا كبيرها. وما قول مولانا ان كان فعل ذلك حراما وكانت المرأة قد اعتادت ذلك فاذا وضعتها عن رأسها أوجعها رأسها واضطرب مزاجها ، كيف يكون حكمها. أوضح لنا هذه الأمور كفاك الله حوادث الدهور.

الجواب لا شك أن هذا الفعل لم ينقل وقوعه في صدر الإسلام فيكون بدعة خصوصا مع ورود النهي بتحريم تحلي المرأة بحلية الرجل ، اما مع الضرورة فلا بأس بذلك.

مسألة (٤٢)

ما يقول سيدنا في خضب اليد بالحناء هل يستحب للمرأة فعله سواء كانت مزوجة أو غير مزوجة أو يختص ذلك بالمزوجات ، وهل يجوز للرجل خضب يديه بالحناء أم لا. وهل يحرم على الرجل التشبه بالنساء في النقش

٤٣

والتزيين المختص بهن ، وهل يحرم على الرجال لبس ما يختص بالنساء من الحلي والثياب كالسوار والشنف أم لا.

الجواب لا يختص استعمال الحناء بالمزوجة بل يجوز لغيرها ذلك ، ويجوز للرجل خضب يده بالحناء أيضا. وأما تزين الرجل بزينة المرأة فحرام ، ويحرم عليه ما يختص بالنساء وبالعكس.

مسألة (٤٣)

ما يقول سيدنا فيمن نوى الصوم واجبا أو ندبا ثم نوى الإفطار وعزم عليه ولم يفطر ، هل يحتاج الى تجديد نية الصوم أم النية الأولى كافية ولا تأثير لنية الفطر والعزم عليه ، وهل في ذلك فرق بين أن يكون قبل الزوال أو بعده أم لا فرق.

الجواب اختلف الفقهاء في ذلك ، فقال بعضهم لا يبطل الصوم بنية الإفطار والعزم عليه ، وقال آخرون انه يبطل. وهو المعتمد عندي ، لأن الأفعال انما تقع على وجهها باعتبار النية وقد مضى جزء من النهار وهو غير صائم فيه ، وقد بينت الخلاف في ذلك في كتاب مختلف الشيعة.

مسألة (٤٤)

ما يقول في المريض إذا برأ بعد الزوال في يوم من شهر رمضان أو المسافر إذا قدم بعد الزوال ولم يكن أحدهما تناول شيئا ولا نوى الصوم قبل الزوال ، هل يجوز لهما الإفطار والحال هذه أم يجب عليهما الإمساك وان وجب عليهما القضاء لإخلالهما بالنية. أفتنا في ذلك نجاك الله من المهالك.

٤٤

الجواب لا يجب عليهما الإمساك بل يستحب لهما ، ويجوز لهما الإفطار لعدم صحة الصوم منهما ، ويجب عليهما القضاء.

مسألة (٤٥)

ما يقول سيدنا في الشعر المعقوص الذي حصل الخلاف في صحة الصلاة مع حصوله ، كيف صفته هل هو عقص الشعر ولفه الى خلف فهذا يعمله كل من له شعر الا القليل ، أم هو عقصه من قدام على الجبهة كما تفعله نساء العرب ، أم كيف هو. وهل يذهب مولانا الى جواز الصلاة معه أم لا ، وهل هذا مختص بالرجال أم يدخل فيه النساء. أفتنا مبينا جعل الله كل صعب عليك هينا.

الجواب الأقرب انه الذي يمنع السجود وهو الذي من قدام ، أما الذي من خلف فلا وجه لمنعه في الرجل ولا في المرأة.

مسألة (٤٦)

ما يقول سيدنا في من وجب عليه غسل يده من لمس ميتة غير الآدمي أو قطعة أبينت هل يصح صلاته قبل غسل يده أم لا ، وفي من وجب عليه الغسل من مس الآدمي بعد برده بالموت ، وهل يحرم عليه ما يحرم على الجنب أم لا.

الجواب لا تصح صلاته قبل الغسل لنص الأصحاب على أنها نجسة بالمس ، ولا يحرم على من مس ميتا من الناس ما يحرم على الجنب ، وان قلنا ان نجاسته عينية حرم عليه دخول المساجد ان حرمنا دخولها مع التعدي.

مسألة (٤٧)

ما يقول مولانا في الجليدات الصغار التي تطلع قرب الأظفار ويولع الإنسان

٤٥

بقطعها حتى ربما اتفق ذلك في الصلاة ، هل يجب عليه غسل اليد منها وتبطل الصلاة بقطعها أم لا.

الجواب قد ورد رواية بالعفو في ذلك ونظائره ، وهي ناشئة للأدلة الدالة على نفي المشقة.

مسألة (٤٨)

ما يقول سيدنا في كوز رشاح كثير الرشح ، وهو موضوع على أرض نجسة ولا يكون له كعب بل هو ملاق الأرض بكليته ، هل ينجس الماء الذي في داخله والحال هذه ، وهل في ذلك فرق بين أن يكون له كعب كالمشربة وأشباهها أم لا فرق. بين لنا لا زال كعبك عاليا وعيشك صافيا.

الجواب لا ينجس الماء الذي في الكوز ، لان أجزاء الماء لا يتصاعد ولا يتعدى النجاسة التي في الأرض اليه. ولا فرق بين أن يكون له كعب أو لا.

مسألة (٤٩)

ما يقول سيدنا في من أخل بجزء من غسل وجهه أو بدنه في الغسلة الاولى ثم أعاد الثانية على جهة الندب ، فقد ذكر سيدي في ذلك في كتاب القواعد اشكالا ، فما وجه الإشكال في ذلك وقد جاء في الرواية ان الثانية تأتي على ذلك كله. أوضح لنا حرسك الله كيف يكون العمل في ذلك ، فان هذا أمر يحتاج الناس اليه كثيرا. وما قول مولانا لو كان الوضوء قبل دخول الوقت على وجه الندب وأخل بجزء في الغسلة الأولى هل يرد هذا الإشكال أم لا. وعلى هذا الإشكال ينبغي أن تعم الغسلة الأولى جميع العضو والثانية كذلك والا يحصل التبعيض في الوضوء

٤٦

الواحد فيكون بعضه مغسولا واجبا وبعضه مغسولا مندوبا. أوضح لنا جميع هذا الحال بالتفصيل لا بالإجمال ، كفاك الله ذل السؤال.

الجواب وجه الاشكال أنه أوقع الواجب على وجه الندب فلم يكن موقعا للعبادة على وجهها فلم يأت بالمأمور به على وجهه ، فيكون باقيا في عهدة التكليف. وإتيان الثانية على ذلك كله لا ينافي ذلك ، لأنه ينوي بالثانية الندب وينوي ما تركه في الغسلة الأولى واجبا.

وإذا توضأ قبل أول الوقت مندوبا لم يرد الإشكال ، لأنه في الغسلتين ينوي الندب. ولا بأس بالتبعيض هنا ، بل هنا هو الواجب عليه فينوي في الغسلة الثانية غسل ما غسله في الغسلة الأولى على وجه الندب وما لم يغسله على جهة الوجوب

مسألة (٥٠)

ما يقول سيدنا الإمام العلامة في الصلاة بأذان الجمهور والإفطار بأذانهم من غير مراعاة الوقت بل لغلبة الظن بصدقهم ، هل يصح ذلك ويجوز التعويل عليه أم لا ، أفتنا مأجورا.

الجواب لا يجوز الدخول في الصلاة والإفطار بقول المؤذن أو بأذانه بل يجب عليه المراعاة ، سواء كان المؤذن من الجمهور أو غيرهم.

مسألة (٥١)

ما يقول سيدنا في الناصب الذي يحرم ذبيحته ومناكحته ، ما حده.

الجواب الناصب الذي يحرم ذبيحته ومناكحته هو من يتظاهر بالسب للأئمة المعصومين عليهم‌السلام.

٤٧

مسألة (٥٢)

ما يقول سيدنا في الإنسان إذا رأى غيره قد أخل بشيء من وضوئه أو غسله ان يعرفه ذلك أم لا ، ففي الرواية لمن يعرفه بلمعة من ظهره في غسله من الجنابة.

فقال عليه‌السلام : ما ضرك لو سكت ، أو ما عليك لو سكت ، ثم أخذ بيده من الماء فمسح على ذلك الموضع. وفي هذا اشكال آخر ، وهو عدم وجوب ترتيب غسل الجنابة ، فإنه مسح على اللمعة بعد إكمال الغسل. فأوضح لنا هذا الأمر كفاك الله حوادث الدهر.

الجواب نعم يجب عليه إعلامه ، لأنه من باب الأمر بالمعروف (١). والرواية ممنوعة ، فإن منصب الإمامة أجل من أن يخل بشيء من الواجبات جهلا أو سهوا (٢).

والاشكال الثاني غير وارد ، لمنع الرواية. ولو سلمت لجاز فيه أن يفعل عليه‌السلام ذلك استظهارا ، والترتيب جاز أن يسقط لأنه عليه‌السلام اغتسل مرتمسا أو لحكم أو تكون اللمعة في الجانب الأيسر.

مسألة (٥٣)

ما يقول سيدنا في من رأى غيره يتوضأ بماء نجس أو يغسل به أو يصلي في

__________________

(١) لا يخفى وهنه ، لأنه ليس منه ، بل هو من باب الأعلام والتعليم ، وفي وجوبهما على الإطلاق نظر. فتأمل.

(٢) العلامة طاب ثراه لم يمعن نظره في هذا الجواب ، وسند الرواية جيد ، وأنا بسطت الكلام فيه في كتابي الموسوم بالحبل المتين.

٤٨

ثوب نجس ، هل يجب عليه أن يعرفه بذلك أم لا ، وهل يجب على المعرف قبول قول واحد إذا أخبر بذلك أم لا ، وهل يؤثر قول غير العدل في ذلك أم لا.

الجواب نعم يجب عليه ، لما تقدم. وأما المصلي فلا يجب عليه قبول خبر الواحد ولا يؤثر قول غير العدل ، الا أن يكون مالكا للماء وأخبره قبل وضوئه به بإذنه.

والفائدة في وجوب إعلام الأول وان لم يجب القبول جواز أن يشهد معه آخر.

مسألة (٥٤)

ما يقول سيدنا في بلد لا يعرف أحد أنه رأى فيها جلد ميتة وخاصة يؤخذ من الغنم أو يستعمل ، مع أنهم يقولون بطهارة جلود الميتات بعد دبغها ، فهل يجوز شراء جلود الغنم وما يعمل منها من أسواقهم والصلاة فيه إذا لم يتيقن أنه من جلود الميتات أم لا.

الجواب يشترط في استعمال الجلود العلم بالتذكية وأخذه ممن لا يستحل استعمال الجلد الميت بالدباغ وبغيره من المسلمين.

مسألة (٥٥)

ما يقول سيدنا في سوق المسلمين وفيه من يستحل جلود الميتة وفيه من لا يستحلها ولا يقول بطهارتها كالإمامية والحنابلة ، هل يجوز شراء الجلود وما يعمل منها من هذه السوق إذا كان على هذه الصفة أم لا.

الجواب الأقوى جواز ذلك تغليبا لأصالة الحل وايمان المسلم وصحة تصرفاته مع الجهل باستباحته لجلد الميتة.

٤٩

مسألة (٥٦)

ما يقول سيدنا في السبحة إذا صارت حلقة فتصير وسط الجبهة في حلق كمن في جبهته دمل وليس بها دمل ، فيصح السجود عليها في هذه الصورة أم لا.

الجواب نعم إذا وقع شيء من الجبهة على السبحة صحت صلاته لوجود الشرط (١).

مسألة (٥٧)

ما يقول سيدنا في الحديث الذي ورد ان الله سبحانه يحب العبد ويبغض عمله ويبغض العبد ويحب عمله ، فسره لنا.

الجواب هذا الحديث على ما فسره المتكلمون فيه أن محبة الله تعالى وبغضه يفتقر إلى تأويل ، فان المتكلمين قالوا محبة الله للعبد هي إرادة الثواب له وبغضه ارادة العقاب له ، فحينئذ نقول العاصي يريد الله تعالى له الثواب لا بمعنى إيصاله اليه ويحب المؤمن بمعنى الإرادة المسببة للفعل بأن يوصل الثواب إليه.

مسألة (٥٨)

ما يقول سيدنا فيما ورد أن آدم ونوح على نبينا وعليهما السلام ضجيعا مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، هل يصح ذلك أم لا.

الجواب هذا شيء مشهور والاعتماد فيه على النقل ، ومع ذلك فأي فضيلة لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، فإن الشيعة استدلوا بالقرآن على أن أمير المؤمنين

__________________

(١) الظاهر أن مراده قدس‌سره إذا وقع ما يعتد به من الجبهة على ما يعتد به من السبحة ، فلا يصح السجود على الحبة الواحدة الصغيرة من السبحة.

٥٠

عليه‌السلام مساو للنبي عليه‌السلام لقوله تعالى ( وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) (١) والمراد به علي والاتحاد محال ، فينبغي أن يكون المراد المساواة ، لأن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله أشرف من غيره فيكون مساويه كذلك.

مسألة (٥٩)

ما يقول سيدنا في قول الأصحاب انه لا يحسن الابتداء بالنفع المقارن للتعظيم والتبجيل ، مع ما قص الله سبحانه من قصة آدم ، فإنها تتضمن غاية التعظيم والتبجيل ودخول الجنة ولا تتضمن تكليفا تقدم على ذلك بل تتضمن أن التكليف كان في الجنة والجنة لا تكليف فيها ، وتتضمن أن الجنة موجودة في وقتنا هذا وبعض الناس ينكر ذلك.

وفي القصة إشكال آخر ، وهو انه سبحانه أخبر أنه خلق آدم ليجعله خليفة في الأرض ثم أسكنه الجنة مقيما بها مع عدم الأكل من الشجرة. والمسئول من صدقات سيدي إيضاح هذه الفصول جميعها.

الجواب لا امتناع أن يكون الله تعالى قد كلفه ما استحق به هذا النوع من التعظيم وجعل فيه خاصية اقتصر هذا الفعل ، وان الخضوع من الملائكة لصورة آدم باعتبار استنادها الى الله تعالى واختراعه لها وعلمه بما يؤول إليه لا باعتبار استحقاقه بالتكليف الصادر عنه ، وان السجود للروح التي تعلقت ببدنه لقوله تعالى ( فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ ) (٢) والظاهر أنه كذلك ، لان آدم يساوي غيره في الجسمية ، وانما امتاز عن غيره بالروح التي استند الله تعالى نسبتها الآية اليه بالبغضة مجازا.

وأما الإشكال الثاني فلا يرد ، لأنه تعالى لم يخبر بأنه جعله خليفة في الأرض

__________________

(١) سورة آل عمران : ٦١.

(٢) سورة الحجر : ٢٩.

٥١

عقيب خلقه له بلا فصل ، ولا شك انه جعله خليفة بعد ان أسكنه الجنة مدة مقامه بها.

وأما الجنة والنار هل هما مخلوقان الان ، فيه خلاف بين المتكلمين ، وقد ذكرنا ذلك في كتبنا الكلامية.

مسألة (٦٠)

ما يقول سيدنا في شخص ساكن بيت وسقفه فيه فار كثير ويقع كل ساعة على ثوبه وعلى فراشه من غائطهن ولا يمكنه التحرز من ذلك ولا مندوحة له عنه ، فهل يعفى له عن ذلك لأجل الحرج والمشقة ، لأنه لو الزم بغسل ما يقع عليه ذلك لكان محتاجا الى غسله على عدد الساعات وربما تقع ذلك على مالا يمكن تطهيره ولا غسله ، أم يجب عليه غسل ذلك على ما لا يمكن تطهيره ولا غسله ، أم يجب عليه غسل ذلك وان شق.

الجواب لا سبيل الى العفو في ذلك ، بل يجب غسل ما أصابه برطوبة سواء حصلت المشقة بذلك أو لا. وما لا يمكن غسله ولا تطهيره ينجس وان شق تركه.

مسألة (٦١)

ما يقول سيدنا في الذي يطوف بين الناس ويهدي إليهم أشياء معه ويدعي أنه شريف حسيني أو حسني فقبلون هديته ويثيبونه عليها اعتقادا منهم صدق دعواه ويبرونه من غير هدية أيضا لذلك الدعوى ، وربما لو اطلعوا على كذبه لما قبلوا هديته ولا وصلوه ولو وصلوه وبرؤه لكان دون برهم له مع اعتقادهم صدق دعواه ، فهل يكون ما يتحصل له والحال هذه حراما عليه أو مكروها مع علمه بكذب دعواه وانتسابه وإصراره على ذلك أم لا ، وما الذي يجب عليه من التأديب في هذه الدعوى والإصرار عليها.

٥٢

الجواب كلما يأخذه بشبهة العلوية فهو حرام ، وما لا يكون كذلك فهو مباح. وإذا انتسب الى العلوية لا لغرض صحيح مع كذبه يعزره الحاكم بما يراه.

مسألة (٦٢)

ما يقول سيدنا في من يصلي الفريضة من غير إخلال بشيء منها لكنه لا يعلم الواجب من ذلك من المندوب أو يعتقد وجوب الجميع ، هل تصح صلاته والحال هذه أم لا ، وهل العلم بواجبات الصلاة شرط في صحة الصلاة أم لا ، وهل يجب معرفة الأركان من الواجبات أم يكفي معرفة الواجبات في شرط صحة الصلاة ومعرفة الأركان من الواجبات من فقه الصلاة ليس من شرط صحتها.

الجواب لا بد أن يعرف الواجب ليوقعه على وجه الوجوب ، فاذا لم يعرف الواجب من المندوب لم تصح صلاته. ولو اعتقد وجوب الجميع بطلت صلاته أيضا ، لأن المندوب إذا أوقعه على وجه الوجوب كان باطلا ومبطلا للصلاة ان كان ذكرا مطلقا ، وان كان هو فعلا فكذلك مع الكثرة ، والعلم بواجبات الصلاة بالدليل أو بالتقليد ممن له أهلية التقليد شرط في صحة الصلاة. ويكفي في الأركان معرفة وجوبها.

مسألة (٦٣)

ما يقول سيدنا في من يعتقد التوحيد والعدل والنبوة والإمامة اعتقادا جازما لا يرجع عنه ، ولكنه لا يقدر على اقامة الدليل على ذلك ولا يعرف الدليل أي شيء هو مع كونه قادرا على النظر ، هل يكون مؤمنا بهذا الاعتقاد ومثابا عليه وعلى أعماله أم لا.

٥٣

وما قولكم في من لا يقدر على النظر ولا على البحث كالنساء وأكثر العوام وهو يعتقد ما يجب اعتقاده فاعل ما يجب فعله وذلك على جهة التقليد ، فهل يكون مؤمنا مثابا معذورا بخلاف الأول ، أم كل واحد منهما لا يصح تقليده في هذا الباب أوضح لنا ذلك فان هذا أمر يحتاج كل الناس اليه.

الجواب لا يكفي التقليد في التوحيد والعدل والنبوة والإمامة ، بل يجب النظر والبحث. وأما من لا يقدر على البحث كالنساء وأكثر العامة فإنهم يندرجون في قوله تعالى ( إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً. فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ ) (١) » ولا يكون مؤمنا حقيقة بل في حكم المؤمن ، لأنهم في سعة من رحمة الله.

مسألة (٦٤)

ما يقول سيدنا الإمام العلامة في الرجل المحافظ على الصلوات التارك للمحرمات وهو غير عارف بما يجب عليه من علم الأصول ، وان كان يعرف بعض ذلك فعلى جهة التقليد ، فهل تكون اعماله وأقواله الصالحة مقبولة موجبة له الثواب أم يكون جده واجتهاده وعبادته هذه باطلا غير صحيح ولا مقبول ولا مثاب عليه ويكون حاله وحال من لم يعمل خيرا قط واحدا ، وهذا أمر صعب وأكثر الناس المتعبدين على هذه الصفة ، فأوضح لنا الحال رزقك الله أحسن المآل وكفاك حوادث الليال.

الجواب قد سبق أن الثواب انما هو على فعل الطاعات بعد اعتقاد الحق والايمان المستند الى الدليل المفيد للعلم في التوحيد والنبوة والإمامة وان التقليد فيها غير كاف. اللهم الا من كان في عقله ضعف لا يتمكن من استخراج

__________________

(١) سورة النساء : ٩٨.

٥٤

العقائد من الأدلة والبراهين كالبله والنساء ، وضعف الأذهان فربما شفعه أعماله الصالحة مع تقليد الحق إذا عجز عن النظر والفكر.

مسألة (٦٥)

ما يقول سيدنا الإمام في الفروع هل يجوز التقليد فيها أم يجب على الإنسان معرفة ما يحتاج اليه من غير جهة التقليد ، وهذا أمر مشكل.

الجواب معرفة الفروع بالدليل والتفقه في الدين واجب على الكفاية للاية ، ويجوز التقليد فيها لكل أحد بعد قيام مجتهد في الزمان يرجع التقليد اليه ويعول الناس في معرفة أحكامهم عليه.

مسألة (٦٦)

ما يقول سيدنا الإمام في غسل الجنابة هل هو واجب لنفسه أم لا ، وان لم يكن واجبا لنفسه وأراد الإنسان ان يغتسل قبل دخول الوقت هل يصح غسله أم لا ، وهل ينويه واجبا أو مندوبا ، وهل يستبيح بذلك جميع الصلاة كما إذا اغتسل بعد دخول الوقت أم لا. أوضح لنا ذلك السؤال مفصلا جعلك الله من الآمنين يوم العرض عليه والوقوف بين يديه.

الجواب اختلف المتأخرون في ذلك ، والأقوى أنه واجب لنفسه لقوله عليه‌السلام « إذا التقتا الختانان وجب الغسل » وقوله عليه‌السلام « انما الماء من الماء ». فعلى هذا القول يجب أن ينوي الإنسان الوجوب في غسله قبل الوقت وبعده ، ويصح غسله قبل الوقت بنية الوجوب ويستبيح به الدخول في جميع الصلوات كما إذا اغتسل بعد دخول الوقت ما لم يحدث ما ينقض به الطهارة.

٥٥

مسألة (٦٧)

ما يقول سيدنا في المتطهر قبل دخول الوقت على جهة الندب هل يستبيح بذلك الوضوء جميع الصلوات أداء وقضاء أم لا.

الجواب نعم يستبيح جميع الصلوات المفروضة والمندوبة والأداء والقضاء إذا لم يكن عليه قضاء ، أما إذا كان عليه قضاء فإنه يجب عليه ان ينوي الوجوب دائما قبل قضاء ما عليه من الواجب.

مسألة (٦٨)

ما يقول سيدنا الإمام العلامة في المتيمم هل يستبيح له ما يستبيحه المتطهر بالماء من جميع الصلوات أداء وقضاءا وفرضا ونفلا أم لا.

الجواب نعم يستبيح جميع الصلوات أداء وقضاء وفرضا ونفلا.

مسألة (٦٩)

ما يقول سيدنا في قول الأصحاب انه لا يجوز إخراج الحصى من المسجد ، هل يعم ذلك كباره وصغاره ورملة وما تحت الأرض إلى الماء أو يختص ذلك بالحصى الداخلة في البناء ، فان الرمل والحصى الصغار متعلق في ثوب المصلي وفي بطانة الثوب وسجافه.

الجواب السبب في النهي عن إخراج الحصى من المسجد ما روي أنها تسبح على ما ورد في الحديث ، فلا فرق في كباره وصغاره. أما ما يتعلق بالثوب من غير قصد إلى إخراجه فهو عفو.

ويمكن أن يكون النهي لأجل انتفاع المصلي بها ، فإنه قد يحتاج الى السجود

٥٦

عليها ، بأن يكون جالسا على ما لا يجوز السجود عليه من الثياب ، فيضع منها ما يسجد عليه فيتم بها منفعة السجدة وهو الإتيان بالصلاة الكاملة ، ولأنها وقاية لأرضه ان يرعف الإنسان فيقطر عليها دم الرعاف دون المسجد.

مسألة (٧٠)

ما يقول سيدنا في النجاسة إذا وقعت على الثوب أو اليد أو الإناء ، فهل يجب فرك ذلك وغسله باليد أم يكفي صب الماء عليه واجالته فيه أو غطه في الماء الجاري ، فإن بعض الأواني لا يتمكن الإنسان من إيصال يده إليها كالإبريق والكوز وأشباههما ، فاكشف لنا الحال.

الجواب يجب ازالة عين النجاسة وأثرها مع القدرة ، ولا بد من العصر في الثوب لكن لا يكون جزءا من المطهر. وأما الإبريق وشبهه فيكفي إدارة الماء فيه وقذفه منه ، ولو غمس في الماء الجاري أو الكثير من الراكد وزالت عين النجاسة طهر أيضا.

مسألة (٧١)

ما يقول مولانا في الصغيرة واليائسة ، هل يقوى عند مولانا وجوب العدة عليهما أم عدمها.

الجواب يجب عليهما عدة الوفاة دون غيرها لعموم الآية.

مسألة (٧٢)

ما يقول سيدنا في علم الأصول هل يجوز استفادته من الكتب ، وذلك لأنه أمر عقلي فقد ينتج للإنسان منه بالمطالعة في الكتب ما يجب عليه معرفته بخلاف الفروع فإنها أمر نقلي فلا بد من التلقي والنقل ، فهذا صحيح أم لا.

٥٧

الجواب نعم يكفي في الأصول الاطلاع في الكتب إذا حصل للناظر فيها من العقائد ما يجب عليه اعتقاده ، بخلاف المسائل النقلية فإنه لا بد فيها من الرواية عن المشايخ.

مسألة (٧٣)

ما يقول سيدنا في قول أصحابنا في البول ان أقل ما يجزي في غسل المخرج مثلا ما على الحشفة ، فهل يجب غسل الموضع باليد فلا يجرى ذلك ولا أمثاله أم يكفي صب الماء عليه من غير مباشرته باليد ، فيمكن ان يكون القدر المذكور يكفي.

الجواب نعم يكفي صب الماء عليه بحيث تزول عين النجاسة عنه ، ولا يشترط إمرار اليد عليه وان كان مستحبا.

مسألة (٧٤)

ما يقول سيدنا في البلد الذي يذبح فيه المسلمون وأهل الذمة ، هل يجوز شراء هذا اللحم والحال هذه من أسواقها من أيدي المسلمين أم لا يجوز.

الجواب نعم يجوز شراؤه من يد المسلم ، لأن الأصل في اللحم المأخوذ من يد المسلم التذكية ، فإن المسلم لا يستحل لحم الميتة ، والأصل صحة تصرفات المسلمين ، والأصل في التذكية الصحة ، وانما تكون صحيحة لو صدرت من المسلم بخلاف اللحم.

مسألة (٧٥)

ما يقول سيدنا في مسألة نحن مضطرون إليها ، وهي انا في هذه السنين

٥٨

مقيمون في بلاد الشام وغالب من يذبح فيها الذبائح أهل الذمة ، وسمعنا سماعا غير محقق أنه ما يذبح إلا أهل الذمة ، ونحن نشتري اللحم من أيدي المسلمين في سوق المسلمين ، فهل يحل أكله والحال هذه أم لا ، ونحن لا نقدر أن نتولى الذبح بأنفسنا ولا نقدر أن نترك اللحم ويحصل لنا بتركه غاية الضرر في أجسامنا ، فهل لنا فسحة في شرائه من أيدي المسلمين مع الحال المذكورة ، وهل تتم فسحة في ذبائح أهل الذمة لما ورد فيها من الروايات المختلفة. أفتنا وسهل علينا سهل الله عليك وجعل نورك يسعى بين يدك.

الجواب أما ذبائح أهل الذمة فلا فسحة في إباحتها ، وأما المأخوذ من يد المسلم فسائغ أكله واستعماله لما قدمناه في المسألة السابقة.

مسألة (٧٦)

ما يقول سيدنا في مذهب ابن ابي عقيل في طهارة قليل الماء وكثيرة ما لم يتغير ، فهل يجوز العمل به في بعض الأوقات ، فان الأحوال قد تحكم في بعض المواضع وما حجته في ذلك ، وهل الرواية التي « خلق الماء طهورا لا ينجسه الا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه » صحيحة السند موثقة الرجال أم لا.

الجواب لا يجوز العمل بهذا القول عند أكثر علمائنا ، وما عرفت لأحد من أصحابنا قول يوافقه بعده.

وأما الرواية فصحيحة ، لكن العام قد يخص والمطلق قد يقيد عند وجود أدلة تدل عليه ، وقد وجدت لنا أدلة على ذلك.

مسألة (٧٧)

ما يقول سيدنا في البئر فقد اختلف حكم الأصحاب بنجاستها بالملاقاة

٥٩

ووجوب النزح على اختلافهم ، حتى أن بعض الروايات « لا ينزل إلى البئر ولا يفسد على القوم ماءهم » ، والمشهور عند سيدي القول بعدم نجاستها بالملاقاة وعدم وجوب النزح ، فما الحجة في ذلك.

الجواب اختلف علماؤنا في ذلك والمشهور نجاستها بالملاقاة ، لكن الحق نجاستها بالتغير لا بالملاقاة ، لوجوه :

« أحدها » الرواية الصحيحة عن الرضا عليه‌السلام قال : ماء البئر واسع لا يفسده شيء الا أن يتغير طعمه أو ريحه أو لونه فينزح منه حتى يذهب الريح ويطيب طعمها ، لان له مادة.

« وثانيها » الرواية الحسنة عن الكاظم عليه‌السلام لما سأله آخر عن بئر ماء وقع فيها زنبيل من عذرة رطبة أو يابسة أو زنبيل من سرجين أيصح الوضوء منها؟ قال : لا بأس.

« وثالثها » الأصل ، وهو الطهارة.

« ورابعها » استصحاب الحال ، فإنه قبل وقوع النجاسة فيه طاهر فكذا بعده.

« وخامسها » قوله عليه‌السلام « الماء يطهر ولا يطهر » خرج منه موضع الإجماع فيبقى الباقي على الأصل.

مسألة (٧٨)

ما يقول سيدنا في المتشهد إذا قال في تشهده « السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام على الأئمة الهادين المهديين » ، هل تبطل صلاته بذلك أم يخرج بذلك من الصلاة أم لا تبطل ولا يخرج به من الصلاة بل هو مستحب ، فإنه وصل الى مدينة سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ناس أدخلوا على الناس شبهة في هذا وفي غيره. أفتنا في ذلك.

٦٠