جواهر الكلام - ج ٣٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

(الأولى : )

إذا اتفقا في القدر كالمائة ونحوها واختلفا في الجنس كالدرهم والدينار والإبل والغنم مثلا فالقول قول المرأة بيمينها ، كما عن المبسوط والجواهر ، بل في المسالك نسبته إلى الأكثر ، لأنها هي المدعي عليها ، والموافق قولها لأصل البراءة ، فتحلف يمينا على نفي دعواه ، وفي المسالك « تحلف يمينا جامعة بين نفي ما يدعيه وإثبات ما تدعيه » وفيه أن ما تدعيه لا حاجة لليمين عليه ، لثبوته بإقرارها.

وعلى كل حال ليس للزوج أخذه لاعترافه بعدم استحقاقه له ، وفي المسالك « نعم لو أخذه على وجه المقاصة اتجه جوازه » وفيه أنه مناف لقاعدة ذهاب اليمين بما فيها.

وكيف كان فقد أشكل في المسالك القول المزبور بأن « كلا منهما مدع ومدعى عليه ، والآخر ينكر ما يدعيه ، والقاعدة في نظائره كالبيع والإجارة التحالف ـ إلى أن قال ـ : فلو قيل : إنهما يتحالفان ويسقط ما يدعيانه بالفسخ أو الانفساخ ويثبت مهر المثل إلا أن يزيد عما يدعيه الزوج كان حسنا ، ولا يتجه هنا بطلان الخلع ، لاتفاقهما على صحته ، وإنما يرجع اختلافهما إلى ما يثبت من العوض ، ويحتمل أن يثبت مع تحالفهما مهر المثل مطلقا لتسلط الدعويين بالتحالف ، خصوصا إذا كان الواجب منه مغايرا لما يدعيه الزوج حتى لا يدخل في ضمن دعواه ».

وفي كشف اللثام بعد أن حكى عن الجامع قولا بالتحالف ، وعن المبسوط أنه حكاه عن العامة قال : « وهو أولى ، فإذا تحالفا ثبت مهر المثل ».

قلت : لا يكاد يخفى وجه التحالف على مثل المصنف والفاضل وغيرهما ، خصوصا بعد أن ذكروا ذلك في نظائره ، إلا أن ذلك منهم هنا مؤيد لما ذكرناه سابقا من‌

٨١

عدم كون الخلع عندهم من المعاوضات الصرفة ، بل هو قسم من الفداء ، وحينئذ يتجه ما ذكروه ، لعدم تعلق الدعوى بالمعاوضة ، خصوصا بعد ما عرفته غير مرة من عدم بطلان الخلع بفساد العوض ، وليس هو إلا لكونه أمرا مستقلا لا تلحقه أحكام المعاوضة ، فليس الزوج إلا مدعيا به ، وليست الامرأة إلا منكرة لما يدعيه ، ولا ينافي ذلك إقرارها له بغير ما ادعاه ، وفي الحقيقة ليست هي مدعية على الزوج شيئا.

ثم لو سلم كونه كالمعاوضات كان المتجه فسخ الخلع أو انفساخه لا الرجوع إلى مهر المثل ، واتفاقهما على الصحة غير مجد كما لا يجدى في البيع ، للحكم شرعا بنفي ما ادعاه كل منهما باليمين ولو اتفقا على عدم غيره.

ثم إن ما احتمله في المسالك أخيرا لا يتصور له وجه في صورة زيادة مهر المثل على ما ادعاه الزوج ، فان الحكم به له مع اعترافه بعدم استحقاقه له غير معقول ، كما هو واضح ، هذا كله في الاختلاف في الجنس بعد الاتفاق على القدر.

أما لو انعكس بأن اتفقا على الجنس واختلفا في القدر فلا ريب في أن القول قول المرأة في دعوى الأقل ، للأصل كما في المعاوضات ، وإن ذكرنا احتمال التحالف فيها هناك إذا كان النزاع في تشخيص ما وقع عليه العقد ، ومثله يجرى هنا بناء على أنه كالمعاوضة ، فلاحظ وتأمل ، والله العالم.

٨٢

المسألة ( الثانية : )

لو اتفقا على ذكر القدر وهو المأة مثلا دون الجنس واختلفا في الإرادة قيل والقائل الشيخ في محكي المبسوط يبطل وهو كذلك بناء على كون المراد بالاختلاف في الإرادة أن كلا منهما أراد غير ما أراده الأخر ، ضرورة سماع كل منهما في الاخبار عن إرادته ، فيتحقق حينئذ اختلاف المرادين.

نعم لو كان المراد الاختلاف فيما اتفقا عليه من الإرادة وقت العقد بأن يقول أحدهما : أردنا كذا والآخر يقول : أردنا كذا يتجه حينئذ ما قيل من أن على الرجل البينة ضرورة كونه كالمسألة السابقة إذ لا مدخلية للذكر بعد فرض العلم بالإرادة.

ولعله لذا قال المصنف وهو أشبه لما عرفت من كون مختاره في السابقة ذلك ، وعن العامة قول بالتحالف كالسابقة.

ولو كان اختلافهما في أصل الإرادة مع اتفاقهما على عدم ذكر الجنس فقال أحدهما : أردنا جنسا معينا وقال الآخر : إنا لم نرد بل أطلقنا ففي المسالك « يرجع النزاع إلى دعوى الصحة والفساد ، ومن المعلوم تقديم مدعي الصحة بيمينه » قلت : لكن عن التحرير إطلاق تقديم قول المرأة هنا كما في القواعد ، قال : « لو اتفقا على ذكر القدر واختلفا في ذكر الجنس بأن ادعى ألف درهم ، فقالت : بل ألف مطلقا فان صدقته في قصد الدراهم فلا بحث ، وإلا قدم قولها وبطل الخلع » ولعل ذلك لأن دعوى الفساد ترجع إلى إنكار كون العوض المزبور المدعى به في ذمتها للزوج ، ولذا كان القول قولها فيه ، وإلا فحق البينونة هو للزوج ، وقد ثبت عليه بإقراره الذي لا يعارضه دعواها الفساد ، لأن القول قوله فيها ، وهذا بخلاف دعوى الصحة‌

٨٣

والفساد في عقود المعاوضة التي مقتضى دعوى الفساد فيها ترتب المطالبة بالعوض أو المعوض ، وعلى ذلك مبنى كلامهم في :

المسألة (الثالثة : )

التي هي لو قال : خالعتك على ألف في ذمتك فقالت : بل في ذمة زيد فالبينة عليه واليمين عليها كما عن الشيخ والمتأخرين. وحينئذ يسقط العوض عنها مع يمينها ، ولا يلزم زيد للأصل واعتراف الزوج بكون البذل في ذمتها ، ولكن تكون بائنة عنه لاعترافه بخلعها على الوجه الصحيح شرعاً.

وكذا لو قالت في جواب دعواه بل خالعك فلان والعوض عليه من غير فرق بين ذكرها على وجه يقتضي صحة الخلع أو فساده ، لأن مبنى المسألة ما ذكرناه ، لا مدعى الصحة والفساد الذي يقدم فيه مدعي الصحة على مدعي الفساد أما لو قالت في جواب دعواه خالعتك بكذا وضمنه عنى فلان أو يزنه عني فلان لزمها الألف لإقرارها ما لم تكن بينة على دعواها ، لأنها دعوى محضة ، ولا يثبت على فلان شي‌ء بمجرد دعواها.

وكان الفاضل في القواعد شرح عبارة الشرائع بقوله « ولو ادعى عليها الاختلاع فأنكرت وقالت : اختلعني أجنبي قدم قولها في نفي العوض عنها ، وبانت بقوله ، ولا شي‌ء له على الأجنبي ، لاعترافه ، وكذا لو قال : خالعتك على ألف في ذمتك فقالت : بل في ذمة زيد ، أما لو قالت : خالعتك بكذا وضمنه عني فلان أو يزنه عني لزمها الألف ما لم يكن لها بينة » ولعل الصحيح « يؤديه عني فلان » ضرورة أن دعواها الوزن لا تنافي دعواه وإن أقامت البينة ، وإنما الذي ينافيها دعوى ضمان الغير عنها أو الالتزام بتأديته عنها بوجه شرعي.

وعلى كل حال فما عن ابن البراج ـ من أن القول قوله وعليها البينة لأن‌

٨٤

الأصل في مال الخلع أن يكون في ذمة الزوجة ـ واضح الضعف ، والأصل المزبور غير أصيل ، خصوصا بعد ما عرفت غير مرة أن العوض في الخلع ليس من أركانه ، لا بمعنى صحته بدونه ، بل المراد عدم اشتراط صحته بصحته ، فالدعوى فيه حينئذ لا مدخلية لها في الخلع.

ومن هنا حكم الأصحاب بأن القول قولها في نفيه وإن أجابت الدعوى بما يقتضي فساد البذل ، لعدم كون المقام من مدعي الصحة والفساد ، خصوصا بعد أن اقتضى إقرار الزوج بالخلع الصحيح تلف المعقود عليه ، لعدم تمكنه من رد البضع على كل حال ، فدعواها الفساد حينئذ ترجع إلى دعوى نفي حق له عليها ، لا إلى إثبات حق لها عليه ، نعم لو كانت دعوى الفساد منه ودعوى الصحة منها اتجه حينئذ تقديم قولها بيمينها ، لأنها تريد إثبات حق البينونة لها عليه ، وهو بدعوى الفساد يريد أن يثبت حق الرجوع له عليها ، فتأمل جيدا ، فإن المسألة في غاية الدقة.

ولذا خفي مدركها على ثاني الشهيدين وبعض من تبعه ، فإنه ـ بعد أن حكى عن الشيخ القول الأول ونسبه إلى عمل المتأخرين ، وعن ابن البراج القول الثاني قال ـ : « والقولان مطلقا غير منقحين ، والتحقيق أن نقول : دعواها وقوع المخالعة منها على الألف في ذمة زيد ، إما أن يكون بمعنى أن لها في ذمة زيد ألفا فخالعته بها ، أو بمعنى أنها خالعته بألف يثبت له في ذمة زيد ابتداء من غير أن يكون لها عند زيد ألف ، فإن أرادت المعنى الأول فلا يخلو إما أن يوافقها الزوج على أن لها في ذمة زيد ألفا أولا ، وعلى تقدير عدم موافقتها إما أن يكون زيد مقرا لها بالألف أو لا ، فان كان الزوج موافقا لها على ثبوت الألف في ذمة زيد وزيد مقر لها بنى قبول قولها على أن العقد على دين في ذمة الغير هل يجوز أم لا ، وكلامهم هنا قد يؤذن بجوازه ، لكن لم ينبهوا عليه في الفدية وشرائطها ، وجوازه في البيع محل نظر ، وأما هنا فلا يبعد الجواز للتوسع في هذا العقد بما لا يتوسع به في المعاوضة المحضة ،

٨٥

فإن جوزنا ذلك فالقول قولها ، لاتفاقهما على خلع صحيح على التقديرين ، وهو مع ذلك يدعي شغل ذمتها بالعوض ، ومجرد الخلع أعم منه ، والأصل براءة ذمتها منه ، وإن لم نجوز ذلك أو لم يكن زيد مقرا بالحق ولم يعترف الزوج بثبوتها في ذمته فالنزاع يرجع إلى صحة الخلع وفساده ، لأن دعواها تقتضي فساده ، حيث لم يسلم فيه العوض ، وهو يدعى صحته ، ومقتضى القاعدة المستمرة تقديم قوله ، وإن أرادت بكونها في ذمة زيد المعنى الثاني ـ وهو أنها خالعته بعوض لا يثبت في ذمتها ، بل في ذمة زيد ابتداء ، بأن كان ذلك مع دعواها الوكالة عنه في الخلع ووافق ـ بنى على جواز خلع الأجنبي المتبرع ، وإن لم تدع ذلك أو لم يوافق لدعواها يرجع إلى فساد الخلع ، وهو يدعى صحته فيكون قوله مقدما. وقد ظهر بذلك أن تقديم قولها في هذه الصورة مطلقا غير جيد. والظاهر أن موضوع المسألة ما إذا وقع الخلع بدين لها في ذمة زيد ليتصور بناء الصحة على التقديرين ، وربما تعارض على هذا التقدير الأصل والظاهر ، لأن الأصل براءة ذمتها وعدم التزامها بالمال ، والظاهر من المخالعة التزام العوض. وعلى كل حال فهذه الصورة مفروضة في اتفاقهما على وقوع العقد بينهما لا بينه وبين الأجنبي ، لأن ذلك يأتي في الصورة الثانية ».

وهو من غرائب الكلام ، وما كنا نرجو وقوع مثله من مثله ، فإنه قد اشتمل على عجائب نسأل الله تعالى العصمة منها ، خصوصا توقفه في البيع بشي‌ء مثلا في ذمة زيد ، وخصوصا حمل كلامهم مع إطلاقه بل ظهوره في غير ما ذكره على خصوص ما إذا كان لها في ذمة زيد مأة مع إقراره بها وعلم الزوج بذلك ، على أن المتجه فيه بناء على مذاقه في المسألة التداعي والتحالف والرجوع إلى مهر المثل ، ضرورة أنه كالاختلاف بالجنس. بل هو منه كما هو واضح. وكذا كلامه في الصورة الثانية التي حكمها حكم الأولى كما عرفت وإن كان هو دون ذلك.

قال : « الثانية أن يدعي أنه خالعها بألف في ذمتها أيضا فأنكرت وقوع العقد معها مطلقا ، وقالت : بل اختلعني فلان الأجنبي والمال عليه ، وقد أطلق‌

٨٦

المصنف تبعا للشيخ تقديم قولها أيضا في نفي العوض ، لأصالة براءة ذمتها منه ، ولا شي‌ء للزوج على الأجنبي لاعترافه بأن الخلع لم يجر معه وتحصل البينونة بقول الزوج ، ولا يقال : إنه أقر بعقد أنكرته المرأة وصدقناها بيمينها فيلغو ويستمر النكاح ، كما لو قال : « بعتك هذه العين بكذا » فأنكر صاحبه وقبلنا قوله بيمينه ، فان العين تبقى للمقر ، وذلك لأن الخلع يتضمن إتلاف المعقود عليه ، وهو البضع ، والبيع لا يتضمن إتلاف المعقود عليه ، ألا ترى أن البيع يفسخ بتعذر العوض ، والبينونة لا تسترد ، فإذا كان كذلك فإقراره بالخلع المتضمن للإتلاف إقرار بالإتلاف فلا يرد ، ونظيره من البيع أن يقول : بعتك عبدي هذا بكذا فأعتقته وأنكر فإنما يصدق بيمينه (١) ويحكم بعتق العبد بإقراره ، فهذا تحرير الحكم المذكور ، وهذا البحث إنما يتم إذا قلنا بأن خلع الأجنبي المتبرع صحيح ليكونا متفقين على وقوع العقد صحيحا ، أما على ما يذهب إليه المصنف والشيخ بل الأكثر أشكل تقديم قولها ، لأنها حينئذ تدعي فساد الخلع ، وهو يدعي صحته ، فينبغي تقديم قوله ، إلا أن يقال : إن مرجع اختلافهما إلى وقوع عقد المعاوضة معها وهي تنكر ذلك ، فيقدم قولها ، لأصالة عدم التزامها بذلك ، كما لو ادعى أنه باعه شيئا فأنكر وأضاف إلى ذلك دعوى بيعه من فلان ، فإنه لا يسمع في حق الغير ، ويقدم قوله في نفيه ، ولا يخلو ذلك من نظر ، ولا ما بين المسألتين من الفرق ، وعلى التقديرين يحكم عليه بالبينونة بمجرد دعواه ، لاعترافه بها ، وإنما الكلام في ثبوت العوض ».

قلت : كأنه رحمه‌الله لم يحم حول المسألة أصلا ، وليته تنبه مما ذكره أخيرا من أن البينونة ثابتة على كل حال والكلام في ثبوت العوض ، ضرورة أنه إذا كان الأمر كذلك فليس هو إلا مدع وهي منكرة ، فضلا عن إساءة الظن بمثل‌

__________________

(١) هكذا في النسختين المخطوطتين : المبيضة والمسودة وفي المسالك « فانا نصدقه ».

٨٧

هؤلاء الأساطين أنه خفي عليهم ما لا يخفى على أصاغر الطلبة : من قاعدة تقديم مدعي الصحة على مدعي الفساد ، خصوصا بعد أن ملؤوا كتبهم منها ، فما احتمل في نفسه أن ذلك منهم لأمر آخر يحتاج إلى التأمل ، وهو ما ذكرناه ، ولعله قد ظهر له حقيقة الحال في الروضة ، ولذا لم يذكر شيئا من ذلك فيها ، بل ذكر كما ذكر الأصحاب ، فلاحظ وتأمل ، والله العالم. هذا تمام الكلام في الخلع.

( وأما المبارأة )

التي بمعنى المفارقة ف هي قسم من الخلع ، كما اعترف به في كشف اللثام ، بل هو مقتضى إثباتهم لها أحكام الخلع من دون دليل دل على تنزيلها منزلته ، بل هو مقتضى استدلالهم بآية الفدية (١) على الخلع وبعض أحكامه ، مع أنها في المبارأة باعتبار ظهورها في كون المورد خوف عدم إقامتهما حدود الله تعالى الذي هو كناية عن حصول الكراهة منهما ، إلى غير ذلك من الأمارات الدالة على أنها ضرب من الخلع ، إلا أنها اختصت باسم خاص لمكان انفرادها عن مطلق الخلع ببعض الأحكام ، كما يومئ إليه قولهم : إنها تزيد على الخلع بأمور ثلاثة وغيره ، فهي حينئذ كالمرابحة والمواضعة والمساومة والمحاقلة والمزابنة في البيع ، وبذلك عطفت على الخلع في النصوص (٢) واستحقت ذكر الكلام فيها بالخصوص.

بل ربما كان ذلك هو السبب في تعريف الخلع بما لا يشملها ، كما أنهم عرفوا الطلاق بما لا يشمل الخلع ، مع أنك قد عرفت كونه قسما من أقسامه ، بل لعله‌

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من كتاب الخلع والمبارأة الحديث ٢ و ٤ والباب ـ ٦ ـ منه الحديث ١.

٨٨

لذا توهم بعض الناس وجعل المبارأة إيقاعا مستقلا مقابلا للخلع ، ولم يعلم أن مقابلتها باعتبار المعنى الخاص للخلع لا مطلقه ، على نحو مقابلة السلم للبيع ، وإلا فهي قسم من المعنى العام للخلع الذي هو عبارة عن فدية الزوجة نفسها الكارهة لإرادة الفك من قيد الزوجية ، سواء كان ذلك مع كراهة الزوج أو لا ، وإن كان للقسم الأول بعض الأحكام الخاصة التي استحق بها اسم المبارأة التي توهم من ذلك لها أنها إيقاع خاص ينبغي اشتقاق صيغة له من اسمه كغيره من أسماء العقود والإيقاعات. بل تعارف في لسان الفقهاء أن المبارأة هو أن يقول : بارأتك على كذا فأنت طالق.

وكيف كان ف هي تترتب على كراهة كل واحد من الزوجين صاحبه بلا خلاف أجده فيه بينهم ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى‌ موثق سماعة (١) عن أبى عبد الله وأبي الحسن عليهما‌السلام « سألته عن المبارأة كيف هي؟ فقال : يكون للمرأة شي‌ء على زوجها من صداق أو من غيره ويكون قد أعطاها بعضه ، فيكره كل منهما صاحبه ، فتقول المرأة لزوجها : ما أخذته منك فهو لي وما بقي عليك فهو لك وأبارؤك ، فيقول لها الرجل : فإن أنت رجعت في شي‌ء مما تركت فأنا أحق ببضعك ».

إنما الكلام في كون الكراهة هنا من المرأة هي الكراهة التي مر الكلام فيها في الخلع أو أنه يكفى هنا مطلقها وإن قلنا بعدم الاكتفاء به في الخلع ، بل لا بد من زيادة تلك الألفاظ أو ما في معناها؟ قد يظهر من ذكرهم اعتبار كراهة الزوج هنا زيادة على الخلع أن الكراهة منها متحدة فيهما ، وإنما زادت باعتبار كراهة الزوج ، ولهذا لم يتعرضوا للبحث فيها بالنسبة إليها ـ كغيرها مما مر في الخلع من المباحث ـ اتكالا على المساواة بينهما فيما لم يثبت زيادته ، لأنها كما عرفت خلع بالمعنى الأعم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من كتاب الخلع والمبارأة الحديث ٣.

٨٩

وقد يقال : إن إطلاقهم اعتبار الكراهة هنا مع شدة البحث فيها هناك يقتضي كون المعتبر هنا ماهيتها بخلافها في الخلع ، بل لعل ذلك هو ظاهر‌ صحيح زرارة (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « المبارأة يؤخذ منها دون الصداق ، والمختلعة يؤخذ منها ما شئت ، أو ما تراضيا عليه من صداق أو أكثر ، وإنما صارت المبارأة يؤخذ منها دون الصداق والمختلعة يؤخذ منها ما شاء لأن المختلعة تتعدى في الكلام ، وتتكلم بما لا يحل لها ».

ولكن لا ريب في أن الأقوى الأول ، والمراد من الصحيح المزبور أن المختلعة بالمعنى الأخص التي تختص الكراهة بها تعتدي بالكلام ، وتتكلم ما لا يحل لها بلا كراهة من الزوج تقتضي ذلك بخلاف المبارأة ، فإنها وإن كانت كذلك أيضا إلا أنها في مقابلة كراهة الزوج لها ، خصوصا بعد ملاحظة اقتصار الأصحاب هنا على غيره من الفوارق بينها وبين الخلع.

على أن ذلك كله ساقط عندنا ، لما عرفت من حمل تلك النصوص (٢) على إرادة بيان أصل الكراهة لا خصوص فرد منها ، بل قلنا : إن مراد المشهور ذلك أيضا ، وحينئذ لا فرق بينهما في اعتبار أصل الكراهة ، بل قد عرفت هناك قوة الاكتفاء بها مع العلم بها وإن لم يصدر منها ما يدل على ذلك.

وعلى كل حال فلا خلاف في أنه يشترط اتباعه أي القول المزبور في المبارأة بلفظ الطلاق بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منه مستفيض أو متواتر ، وحينئذ فلو اقتصر المبارئ على لفظ المبارأة لم يقع به فرقة ، ولو قال بدلا من « بارأتك » : « فاسختك » أو « أبنتك » أو غيره من الألفاظ صح إذا اتبعه بالطلاق ، إذ المقتضي للفرقة التلفظ بالطلاق لا غير ه‍ من الألفاظ المزبورة التي هي كنايات في الطلاق والخلع ، وقد عرفت عدم عقد الخلع فضلا عن الطلاق بشي‌ء منها ، كما أنك قد عرفت كون المبارأة قسما من الخلع الذي لا ينعقد بشي‌ء‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب الخلع والمبارأة الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب الخلع والمبارأة.

٩٠

من ذلك.

نعم لو بارأها بلفظ الخلع اتجه حينئذ عدم الاتباع بالطلاق ، بناء على عدم اعتبار اتباعه به ، وأنه بنفسه فاسخ للنصوص (١) السابقة التي مثلها في المقام صريحا أو ظاهرا ، ك‌

خبر حمران (٢) « سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يحدث يقول : المبارأة تبين من ساعتها من غير طلاق ، ولا ميراث بينهما ، لأن العصمة بينهما قد بانت ساعة كان ذلك منها ومن الزوج » وموثق جميل بن دراج (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « المبارأة تكون من غير أن يتبعها الطلاق » ‌وغيرهما من النصوص (٤) الظاهرة في ذلك أيضا التي هي كنصوص الخلع بالنسبة إلى ذلك المبنية على أن المبارأة خلع ، والخلع لا يحتاج إلى الأتباع بالطلاق إذا وقع بصيغته لا إذا وقع بالكنايات.

وبذلك انكشفت الغمة التي وقعت على جملة من المصنفين في المقام ، حيث أنكروا على الأصحاب اشتراط اتباع المبارأة بالطلاق مع اتفاق النصوص (٥) صريحا وظاهرا على خلافه ، فمنهم من قدم إجماعهم عليها ، ومنهم من قدمها عليه ، ولم يعلموا أن كلام الأصحاب مبني على ما ذكروه من صيغ المبارأة التي هي كنايات في الطلاق والخلع ، كما صرحوا به في صيغة الخلع ، كما أنهم لم يعلموا أن ما في النصوص مبني على المبارأة التي هي الخلع المؤداة بصيغته ، لأنها قسم منه ، وليست إيقاعا جديدا اشتق لها صيغة من لفظها ، بل هي كالمرابحة والمحاقلة والمزابنة التي لا يشتق لها صيغة تقوم مقام البيع من لفظها ، لأنها أقسام من البيع ، وصيغتها صيغته ، ولكن اختصت بأسماء لمكان بعض أحكام ، وكذلك المبارأة التي هي خلع ، ولذا استفاضت النصوص بعدم احتياجها إلى الأتباع بالطلاق كالخلع.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من كتاب الخلع والمبارأة.

(٢) و (٣) و (٤) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من كتاب الخلع والمبارأة الحديث ٣ ـ ٤ ـ ٠ ـ.

(٥) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب الخلع والمبارأة.

٩١

وبذلك يظهر لك أنه لا حاجة إلى الاستدلال للأصحاب بخبر (١) « ليس ذاك إذا خلع » ‌بناء على قراءته فعلا حتى يستدل بمفهومه على احتياج المبارأة للطلاق ، مع أن صدره مناف لذلك ، والتحقيق ما عرفت ، والحمد لله رب العالمين.

وبما ذكرناه مكررا في باب الخلع وفي المقام يظهر لك الوجه فيما اتفقوا عليه من أنه لو اقتصر في مورد المبارأة على قوله : أنت طالق بكذا صح ، وكان مباراة إذ هي عبارة عن الطلاق بعوض مع منافاة بين الزوجين ، بل قد عرفت أن الطلاق بالعوض لا مورد له إلا الخلع والمبارأة ، كما أنك قد عرفت عدم اعتبار قصد الخلع والمبارأة في صحة ذلك مع فرض وقوعه في موردهما ، لأنهما من الطلاق ، فيكفي في تحققهما قصد الطلاقية ، وكون المورد صالحا لهما.

وبذلك يظهر لك فساد ما في المسالك هنا المبنى على مشروعية الطلاق بعوض من دون خلع ولا مباراة ، فاعتبر قصد الخلعية والمبارأة مع فرض الوقوع بصيغة « أنت طالق بكذا » ومع عدم القصد ولو لعدم الشرائط يكون طلاقا بعوض مشروعا في نفسه ، وقد عرفت مخالفته للكتاب (٢) والسنة (٣) والإجماع على عدم جواز حل الفدية للزوج بدون ذلك ، كما تقدم الكلام فيه مفصلا.

وكيف كان فلا خلاف في أنه يشترط في المبارئ والمبارأة ما يشترط في المخالع والمخالعة بل ولا إشكال ، بناء على ما ذكرناه من كونها قسما من الخلع الذي قد عرفت وفاء الأدلة بما سمعت من أحكامه المتعلقة بهما وبالفدية وغير ذلك.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب الخلع والمبارأة الحديث ٩.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٩.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب الخلع والمبارأة.

٩٢

ومن ذلك يعلم أنه تقع الطلقة مع العوض بائنة ليس للزوج فيها رجوع إلا أن ترجع الزوجة في الفدية ، فيرجع ما دامت في العدة ، وللمرأة الرجوع في الفدية ما لم تنقض عدتها كما سمعت دليل ذلك كله في الخلع ، مضافا إلى‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر زرارة ومحمد بن مسلم (١) : « المبارأة تطليقة بائنة ، وليس في شي‌ء من ذلك رجعة » وقول أحدهما عليهما‌السلام في خبر إسماعيل الجعفي (٢) : « المبارأة تطليقة بائنة ، وليس فيها رجعة » ‌وإلى غير ذلك مما تقدم من النصوص التي اشتمل بعضها على اشتراط الزوج عليها أنها إن رجعت بشي‌ء من البذل فهو أملك ببضعها الظاهر في الحكمين معا ، نحو‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح أبي بصير (٣) : « المبارأة تقول المرأة لزوجها : لك ما عليك واتركني ، أو تجعل له من قبلها شيئا ، فيتركها إلا أنه يقول : فان ارتجعت في شي‌ء فأنا أملك ببضعك ولا يحل لزوجها أن يأخذ منها إلا المهر فما دونه » ‌وفي‌ موثق ابن سنان (٤) : « المبارأة : تقول لزوجها : لك ما عليك وبارئني فيتركها ، قال : قلت : فيقول لها : إن ارتجعت في شي‌ء فأنا أملك ببضعك ، قال : نعم » ‌وفي‌ صحيح الحلبي (٥) : « المبارأة أن تقول المرأة لزوجها : لك ما عليك واتركني فيتركها ، إلا أنه يقول لها : إن ارتجعت في شي‌ء منه فأنا أملك ببضعك ».

إلا أن ما فيها من اعتبار اشتراط ذلك في المبارأة لم أجد به قائلا ، بل ظاهر اقتصارهم على غيره من الفرق بينها وبين الخلع عدمه ، ومن هنا وجب حمله على ضرب من الندب ، وذلك لأن ذلك له إذا رجعت ، كما أن لها أن ترجع وإن لم يذكر هذا الشرط بينهم كما سمعته في الخلع ، وكذا بقية أحكامه التي‌

__________________

(١) الإستبصار ج ٣ ص ٣١٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من كتاب الخلع والمبارأة الحديث ٢.

(٣) و (٤) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من كتاب الخلع والمبارأة الحديث ٤ ـ ٥.

(٥) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من كتاب الخلع والمبارأة الحديث ١.

٩٣

لا خلاف في جريانها في المقام بل ولا إشكال ، لما عرفت من أنها قسم من الخلع ، بل من هذه النصوص يستفاد حكم الرجوع ببعض الفدية الذي قد عرفت البحث فيه سابقا.

وكيف كان ف المبارأة كالخلع في جمع ما تقدم لكن المبارأة تفترق عنه بأمور ثلاثة :

أحدها : أنها تترتب على كراهة كل من الزوجين لصاحبه ، ويترتب الخلع المقابل لها على كراهة الزوجة خاصة.

وثانيها : أنه يأخذ في المبارأة بقدر ما وصل إليها منه من المهر ولا يحل له الزيادة وفي الخلع جائز لما عرفت ، بلا خلاف أجده في عدم جواز الزيادة ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل عن جماعة من الأصحاب عدم جواز أخذ المساوي ، بل لا بد أن يقتصر على الأقل ، لما سمعته من صحيح زرارة (١) السابق الصريح في أن المبارأة يؤخذ منها دون الصداق ، و‌المرسل في الفقيه (٢) « أنه روى أنه لا ينبغي له أن يأخذ منها أكثر من مهرها ، بل يأخذ منها دون مهرها » ‌إلا أن ذلك لما كان منافيا لعموم تسلط الناس على أموالهم (٣) وقوله تعالى (٤) : ( فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ‌ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ ) و ( فِيمَا افْتَدَتْ ) (٥) وغير ذلك ومعارضا بصحيح أبى بصير (٦) السابق وجب إرادة المهر فما دون من العبارة المزبورة التي عبر‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من كتاب الخلع والمبارأة الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب الخلع والمبارأة الحديث ١.

(٣) البحار ج ٢ ص ٢٧٢ ط الحديث.

(٤) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٤.

(٥) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٩.

(٦) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من كتاب الخلع والمبارأة الحديث ٤.

٩٤

بمثلها عن ذلك في غير مقام ، ومن هنا كان الأقوى ذلك وفاقا للمشهور.

وثالثها : أنها تقف الفرقة في المبارأة التي فسرها المصنف بأن يقول : بارأتك على التلفظ بالطلاق اتفاقا منا بقسميه. وفي الخلع على الخلاف السابق الذي عرفت الحال فيه ، كما أنك عرفت التحقيق في المبارأة ، والله العالم.

٩٥

( كتاب الظهار )

الذي هو مصدر « ظاهر » مثل « قاتل » مأخوذ من الظهر ، لأن صورته الأصلية أن يقول الرجل لزوجته : « أنت علي كظهر أمي » وخص الظهر لأنه موضع الركوب ، والمرأة مركوبة وقت الغشيان ، فركوب الأم مستعار من ركوب الدابة ، ثم شبه ركوب الزوجة بركوب الأم الذي هو ممتنع ، وهو استعارة لطيفة ، وكان طلاقا في الجاهلية محرما أبدا ، وحرم في الإسلام ، فقال ( وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ ) (١) إلى آخرها.

والسبب في نزولها على ما في‌ خبر حمران (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام المروي عن تفسير علي بن إبراهيم قال : « إن امرأة من المسلمات أتت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالت : يا رسول الله إن فلانا زوجي ، وقد نشرت له بطني وأعنته على دنياه وآخرته ، لم ير مني مكروها أشكوه إليك ، قال : فبم تشكينه؟ قالت : إنه قال : أنت علي حرام كظهر أمي وقد أخرجني من منزلي ، فانظر في أمري ، فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ما أنزل الله تبارك وتعالى كتابا أقضى فيه بينك وبين زوجك ، وأنا أكره أن أكون من المتكلفين ، فجعلت تبكي وتشكى ما بها إلى الله تعالى عز‌

__________________

(١) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب الظهار الحديث ٢ وذكر ذيله في الباب ـ ٢ ـ منه الحديث ١ ، والبحار ج ١٠٤ ص ١٦٦ ط الحديث.

٩٦

وجل وإلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وانصرفت ، قال : فسمع الله تبارك وتعالى مجادلتها لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في زوجها وما شكت إليه ، فأنزل الله عز وجل في ذلك قرآنا : ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ ، وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ. الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ ، إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلاَّ اللاّئِي وَلَدْنَهُمْ ، وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً ، وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ) (١) قال : فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المرأة فأتته ، فقال : جئني بزوجك فأتت به ، فقال له : قلت لامرأتك هذه : أنت علي حرام كظهر أمي؟ فقال : قد قلت لها ذلك ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قد أنزل الله تعالى فيك وفي امرأتك قرآنا ، فقرأ عليهما الايات ، ثم قال : فضم إليك امرأتك ، فإنك قد قلت منكرا من القول وزورا ، وقد عفى الله عنك وغفر لك ولا تعد ، قال : فانصرف الرجل وهو نادم على ما قال لامرأته ، وكره الله عز وجل ذلك للمؤمنين بعد ، وأنزل الله تعالى شأنه (٢) ( وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا ) يعنى ما قال الرجل الأول لامرأته : أنت علي حرام كظهر أمي ، قال : فمن قالها بعد ما عفى الله وغفر للرجل الأول فإن عليه تحرير رقبة من قبل أن يتماسا ، يعني مجامعتها ، ذلكم توعظون به ، والله بما تعملون خبير ، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، يعنى من قبل أن يتماسا ، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ، قال : فجعل عقوبة من ظاهر بعد النهي هذا ، ثم قال : ( ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ، وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ ) ، قال : هذا حد الظهار ، قال حمران : وقال أبو جعفر عليه‌السلام : ولا يكون ظهار في يمين ولا في غضب ، ولا يكون ظهار إلا على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين مسلمين ».

وهذا الرجل المزبور الذي هو مورد نزول آية الظهار أوس بن الصامت ،

__________________

(١) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ١ و ٢.

(٢) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ٣.

٩٧

وزوجته خولة بنت المنذر ، لخبر ابن أبي عمير عن أبان (١) وغيره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام المروي في الفقيه ، قال : « كان رجل على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقال له : أوس بن الصامت كان تحته امرأة يقال لها : خولة بنت المنذر ، فقال لها ذات يوم : أنت علي كظهر أمي ثم ندم ، فقال لها : أيتها المرأة ما أظنك إلا وقد حرمت علي ، فجائت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالت يا رسول الله : إن زوجي قال لي : أنت علي كظهر أمي ، وكان هذا القول فيما مضى يحرم المرأة على زوجها ، فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما أظنك إلا وقد حرمت عليه ، فرفعت المرأة يدها إلى السماء ، وقالت : أشكو إلى الله تعالى فراق زوجي ، فأنزل الله تعالى يا محمد ( قَدْ سَمِعَ ) ـ إلى آخرها ـ ثم أنزل الله عز وجل الكفارة في ذلك ، فقال ( وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ) إلى آخرها. » ‌وإن لم يكن بالتفصيل المزبور الذي فيه أن الكفارة على غير الرجل المزبور ممن يفعل فعله بعد نزول الآية.

لكن عن‌ المرتضى في رسالة المحكم والمتشابه نقلا من تفسير النعماني (٢) بإسناده إلى علي عليه‌السلام « وأما المظاهرة في كتاب الله تعالى فان العرب كانت إذا ظاهر رجل منهم من امرأته حرمت عليه إلى آخر الأبد ، فلما هاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان بالمدينة رجل من الأنصار يقال له : أوس بن الصامت ، وكان أول رجل ظاهر في الإسلام ، فجرى بينه وبين امرأته كلام ، فقال لها : أنت علي كظهر أمي ، ثم إنه ندم على ما كان منه ، فقال : ويحك إنا كنا في الجاهلية تحرم علينا الأزواج في مثل هذا قبل الإسلام ، فلو أتيت رسول الله فسألته عن ذلك ، فجاءت المرأة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبرته ، فقال لها : ما أظنك إلا قد حرمت عليه إلى آخر الأبد ، فجزعت وبكت ، وقالت : أشكو إلى الله فراق زوجي ، فأنزل الله عز وجل ( قَدْ سَمِعَ ) ـ إلى قوله ـ ( وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ ) ، فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قولي لأوس زوجك : يعتق نسمة ، قالت : وأني له نسمة ، والله ما له خادم غيري ، قال : فيصوم شهرين متتابعين ، فقالت : إنه شيخ كبير لا يقدر على الصيام ، فقال : مرية فليتصدق على ستين مسكينا ،

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب الظهار الحديث ١ ـ ٤.

٩٨

فقالت : وأني له الصدقة ، فو الله ما بين لابيتها أحوج منا ، قال : فقولي له فليمض إلى أم المنذر فليأخذ منها شطر وسق تمر ، فليتصدق على ستين مسكينا » ‌وهو ظاهر في أن الكفارة كانت على الرجل المزبور ، والأمر في ذلك سهل.

وكيف كان ف النظر فيه أي في كتاب الظهار يستدعي بيان أمور أربعة.

( الأول )

( في ) قول ( الصيغة )

وهو يتحقق بأن يقول : أنت على كظهر أمي بلا خلاف نصا (١) وفتوى ، بل الإجماع بقسميه عليه من المسلمين فضلا عن المؤمنين وكذا يتحقق لو قال بدل « أنت » هذه أو « زينب » أو ما شاكل ذلك من الألفاظ الدالة على تمييزها بلا خلاف أجده فيه أيضا ، لظهور المثالية فيما ورد من النصوص (٢) بلفظ « أنت » نعم قد يقال باعتبار التلفظ بما يدل عليها ، فلو قال : « كظهر أمي » مضمرا لا سمها لم يقع ، للأصل وغيره.

وكذا لا عبرة باختلاف ألفاظ الصلات كقوله : أنت مني أو عندي أو لدى أو علي أو نحو ذلك ، لظهور اختلاف ما ورد من النصوص (٣) فيها‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب الظهار.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب الظهار والباب ـ ٢ ـ منه الحديث ٢ والباب ـ ٤ ـ منه الحديث ٢ و ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب الظهار والباب ـ ٢ ـ منه الحديث ٢ والباب ـ ٤ ـ منه الحديث ٢ و ٣ والباب ـ ٩ ـ والباب ـ ١٣ ـ الحديث ٥ والباب ـ ١٦ ـ منه.

٩٩

بعدم اعتبار لفظ مخصوص منها ، بل الظاهر عدم اعتبارها أصلا ، فلو قال : « أنت كظهر أمي » صح كما لو قال : « أنت طالق » واحتمال الفرق بينهما ـ باحتمال صيغة الظهار مجردة عن الصلة كونها محرمة على غيره حرمة ظهر أمه عليه ، بخلاف الطلاق ، فإنه لا طلاق وهي في حبسه دون حبس غيره ـ لا وجه له بعد ظهور إرادة الظهار له ، فما عن التحرير من التوقف مع حذف الصلة لا يخلو من نظر ، وكذا لا يعتبر في التشبيه لفظ الكاف قطعا ، بل يكفي « مثل » ونحوها وفي الاكتفاء بدون أداة التشبيه وجه ، لكن الأحوط إن لم يكن الأقوى خلافه.

وكيف كان ف لو شبهها بظهر إحدى المحرمات نسبا أو رضاعا كالأم والأخت فيه روايتان : صحيح زرارة (١) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الظهار فقال : هو من كل ذي محرم : أم أو أخت أو عمة أو خالة ، ولا يكون الظهار في يمين ، قال : قلت : كيف يكون؟ قال : يقول الرجل لامرأته وهي طاهر في غير جماع : أنت علي حرام مثل ظهر أمي أو أختي وهو يريد بذلك الظهار » وصحيح جميل بن دراج (٢) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يقول لامرأته : أنت على كظهر عمته أو خالته ، قال : هو الظهار » ومرسل يونس (٣) الآتي عن أبى عبد الله عليه‌السلام « وكذلك إذا هو قال : كبعض المحارم » ‌دالة على تحقق الظهار مؤيدة بإطلاق أدلته.

وصحيح سيف التمار (٤) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يقول لامرأته : أنت علي كظهر أختي أو عمتي أو خالتي ، قال : إنما ذكر الله الأمهات ، وإن هذا لحرام » ‌مؤيدا بالأصل.

ولكن لا يخفى عليك أن أشهرهما رواية وفتوى الوقوع لانقطاع‌

__________________

(١) ذكر صدره في الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب الظهار الحديث ١ وذيله في الباب ـ ٢ ـ منه الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب الظهار الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب الظهار الحديث ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب الظهار الحديث ٣.

١٠٠